An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, April 27, 2009
  • الأدب الرقمي مضمون قديم في ثوب جديد
  • Published at:أعد هذا البحث لمجلة فصول... بناء على طلب هيئة التحرير
  • الأدب الرقمي مضمون قديم في ثوب جديد

     

               أ.د. يحيى جبر                      أ. عبير حمد

                 أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية                          الباحثة لدى الدار الوطنية للترجمة والنشر

     

    مدخل لغوي

            اللغة وعاء الفكر، فلا بدّ من الاتفاق ـ بادئ ذي بدء ـ على المصطلح الذي سنستخدمه للدلالة على هذا الأسلوب الجديد في عرض النصوص الأدبية.

    فقد كثرت المصطلحات التي تربط بين هذا الأسلوب في عرض النصوص الأدبية وبين التكنولوجيا الرقمية؛ جاعلة منها أبرز مواصفاته، ومن تلك المصطلحات: الأدب التفاعلي والرقمي والمترابط وغيرها، وإن كان مصطلح التفاعلي هو الأكثر شيوعا، ولذلك سنتوقف قليلا عند هذا المصطلح قبل الخوض في متن البحث.

    الفعل "تفاعل" هو بناء مزيد، وتدل الزيادة فيه على المشاركة. هذا أمر لا إشكال فيه، ولكن المسألة المهمة هي ما المقصود بالتفاعلي؟ فهل يعني مصطلح الأدب التفاعلي أن المتلقي متفاعل مع القصيدة يختار ما يبدأ بقراءته منها، وينتقل بشكل غير متسلسل بين أرجائها مثلا؟ أم أن المقصود بالتفاعل مشاركة الحواس المختلفة في تلقي النص، وذلك على غرار الوسائط المتفاعلة التي تخاطب غير حاسة من حواس الإنسان، كالتلفاز على سبيل المثال؟

    فأما إن كان المراد من مصطلح الأدب التفاعلي هو المعنى الأول؛ أي أن يشارك المتلقي المؤلف في إنتاج النص، فالأمر ليس بجديد في ميدان الشعر العربيّ، فقد سمعنا كثيرا من الروايات التي نقلت إلينا كيف كان يتصرف المتلقي ـ الذي كثيرا ما كان يقوم بدور الناقد ـ فيما يتلقاه من قصائد، حذفا وزيادة وتغييرا. فالمتلقي نال قدرا كبيرا من اهتمام الشعراء والمبدعين على مرّ العصور، وإن كان الحديث قد كثر في العقود الأخيرة حول التنظير لدور المتلقي وعلاقته بالمبدع وبالنص.

    وكذلك الحال إن كان المقصود بمصطلح الأدب التفاعلي المعنى الثاني؛ أي الأدب الذي يستثير عدة حواس في الوقت الواحد؛ ليتفاعل بعض هذه الحواس مع بعضها الآخر، ومع النص، فإن الأمر أيضا ليس بجديد على الشعر العربيّ؛ فقد أدرك الشعراء، منذ العصر الجاهليّ، أن الحواس أدوات الشعور، وبالتالي فهي المدخل من أجل تحقيق المتعة التي ينشدها متلقي العمل الإبداعي أيا كان الجنس الذي ينتمي إليه هذا العمل، مما حدا بهم إلى توظيف الحواس في تعبيرهم عن أي غرض يتناولونه في شعرهم.

     ولكل ما سبق، فإننا نرى أن أدق مصطلح للتعبير عن هذا الأسلوب الجديد في عرض النص الأدبيّ هو مصطلح الأدب الرقمي، لأن الجدة تكمن في طريقة عرض هذا الأدب من خلال النظام الرقمي الثنائي الذي يقوم عليه جهاز الحاسوب؛ وبذلك يمكننا القول إن سمة التفاعلية بهذا المعنى هي أمر مستحدث جزئيا وليس جذريا، أي مستحدث فقط في طريقة تلقي النص من خلال التعامل مع التكنولوجيا. وحتى ضمن هذا المحور (أي استخدام التقنية في بناء النصوص وعرضها) فإن الأمر ليس وليد يوم وليلة بل إن له جذورا في التراث الأدبي العربي ضمن الإمكانات التي كانت متاحة في كل عصر.

     وبناء ما تفدم؛ سنخصص القسم الأول من البحث للحديث عن مظاهر التفاعل بين الشعر والحواس في التراث الأدبي العربي؛ فيما سنخصص القسم الثاني للحديث عن مظاهر توظيف التقنية في التراث الأدبي العربي في العصور السابقة.

     

    الشعر والحواس

     

    لم يكن العربيّ جاهلا بضرورة تفاعل المتلقي معه، ولم يكن غافلا عن توظيف الأدوات والتقنيات التي تكفل أعلى مستوى من هذا التفاعل، كل ذلكفي حدود إمكانات عصره. ولما كانت المتعة والإدراك لا تتحققان إلا بالحواس؛ التي هي أدوات التذوق واستقبال الجمال والاستمتاع به، ولما كانت غاية الفنون جميعا هي تحقيق  المتعة بالدرجة الأولى؛ فلا غرابة إن توجهت الفنون إلى مخاطبة الحواس، وإذا كانت هذه المسألة واضحة في الفنون التشكيلية والموسيقا والسينما والمسرح ....... فإنها أقل وضوحاً في الشعر والأدب؛ نظرا لاختلاف مادة كل منهما، مما يجعل مهمة الأديب أكثر تعقيدا؛ لأنه يتعامل مع مجردات (ألفاظ) وعليه أن يحمّلها دلالات محسوسة، فالشعر فن من الفنون، يجري عليه ما يجري عليها جميعاً .

    ومنذ القدم نلاحظ ربط الأدباء والنقاد بين الفنون المادية والفنون القولية، فقد "جعل حازم القرطاجني منـزلة الشاعر في محاكاة الشيء بمنـزلة المصوّر الذي يصوّر أولاً ما جُلَّ من رسوم تخطيط الشيء، ثمّ ينتقل إلى الأدق فالأدق." (1) وقد " تنبّه القدماء على قرْن تأثير الشعر في النفوس بفنّ الرسم أوالتزويق ؛ فقال الجاحظ إن صناعة الشعر: ( ضرب من النسج وجنس من التصوير)، ورأى الفارابي أن بين أهل صناعة الشعر وصناعة التزويق مناسبة ... مختلفتان في مادة الصناعة، ومتفقان في صورتها، وفي أفعالها وأغراضها. أي أنّ بين الفاعلين والصورتين والغرضين تشابهاً؛ وذلك أن موضوع صناعة الشعر؛ الأقاويل، وموضوع صناعة التزويق؛ الأصباغ ... إلاّ أنّ فعليهما جميعاً التشبيه ( أي التمثيل ) وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسّهم".(2)

    و أما الشعراء الذين غابت عنهم هذه الحقيقة فقد أنتجوا نصوصاً تخاطب الأذهان، ناسين أن استراتيجية الشعر في التعبير تعتمد على الصورة، والصورة من طبيعتها أن تتوجه إلى الحواس. والصورة الشعرية الجيدة هي التي تكون أقل خطوراً على الذاكرة، وأكثر تحريضاً على التخييل، لتكون ألذ وقعاً في النفوس .... يقول ( حازم القرطاجني ) : “ المعاني التي تتعلق بإدراك الحس هي التي تدور مقاصد الشعر عليها، وتكون مذكورة لأنفسها، والمعاني المتعلقة بإدراك الذهن ليس لمقاصد الشعر حولها مدار .... “ .

     وما قاله القرطاجني أيده، بعد قرون، النقاد وعلماء الجمال ... فالقصيدة لا توجد كفكرة فنية ذهنية مجردة، أي كمعنى، وإنما كتجسيد لهذه الفكرة في شكل جميل وأصيل يقترحه الشاعر، قوامه الصور المأخوذة من عالم الحس لا من عالم الذهن وأفكاره المجردة ... فالوقائع المحسوسة كانت، وما تزال، من أهم مصادر الشاعر، يحاكيها ويقايس عليها، ويعبر عنها بصور تحيل إلى الحواس .... وأي قارئ واع بما يقرأ سيلاحظ أن فاعلية القصيدة تزداد حين تكون قادرة على خلق صور لا تقف عند المستوى الإدراكي فحسب؛ ومخاطبة الحواس تقتضي بناء صور جميلة ومدهشة من عناصر ذات منشأ حسي، وليس مجرد الاعتناء بحشد مفردات ذات دلالات حسية أو واقعية كما فهم ذلك بعض الشعراء؛ ممن أغواهم السرد وتقنياته. حتى غدا ذلك سمة من سمات شعرهم، فالسرد عبء ثقيل على القصيدة، يرهقها ويوقعها في شرك النثرية، إن لم يتهيأ لها الشاعر المتمكن، وهذا ما لاحظناه في كثير من الحالات، عند بعض الشعراء الذين حاولوا مجاراة الموجة الدارجة، دون أن يكون لديهم الاستعداد اللازم لذلك.

    وبما أن الأدب التفاعلي ـ كما قررنا في بداية البحث ـ يقوم على استثارة عدة حواس، وبما أننا نرمي هنا إلى إثبات أن هذا البعد في الأدب ليس وليد تكنولوجيا العصر الحديث وحسب، فإننا سنتناول فيما يلي المظاهر التفاعلية في القصيدة العربية، ومن أجل وضوح العرض سنقوم بتبويب هذه المظاهر وتوزيعها على الحواس الخمس.

     

    أولا: المظاهر التفاعلية بين الشعر والحواس  في القصيدة العربية

     

    الشعر وحاسة السمع:

     

              إن الصورة الأولى التي عرفها الإنسان من اللغة هي الصورة المحكية المسموعة وليست الصورة المكتوبة، فالكتابة كانت مرحلة لاحقة متأخرة عن الحكاية. ويقول ابن خَلدون السمع أبو الملكات اللسانية. ونحن نلاحظ أن الطفل يتكلم قبل أن يكتب، وحتى الذين لا يعرفون الكتابة (كالأميّين والمكفوفين) يمكنهم أن يتكلموا، والعكس ليس صحيحا.

    نستنتج مما سبق أن " أساس الميتافيزيقا قائم على قمع الكتابة واضطهادها لمصلحة الكلام الحيّ، الشفهي، المباشر. فالكلام الشفهي هو الذي يجيء في المرتبة الأولى، وأما الكتابة فليست إلا تمثيلا للصوت ومحاكاة له، وبالتالي فهي منحطة عنه وعن مرتبته."(3) فالكلام المحكي ـ المسموع يحتل المرتبة الأولى مقارنة بالمكتوب ـ المقروء سواء من الناحية التاريخية أو من ناحية دقة تعبيره عن غرض المتكلم ومراده، نظرا لما يصاحب الحكي من نبر وتنغيم تضيف معنى إلى المعنى.

     و"اللغة المسموعة تقوم على الرموز المسموعة، وهي أصل اللغتين المرئية والمسموعة وتمثل خطوة متقدمة على طريق الحضارة الإنسانية، حيث تمكن الإنسان من الرمز بأصوات معلومة لكل معارفه، من ذوات وأغراض ومعانٍ. " (4) . وهكذا فقد بدأ الشعر العربيّ بداية طبيعية؛ أي محكيا مسموعا، يقول أدونيس: " وبما أن الأصل في الشعر الجاهليّ هو أن ينشد، فقد كان الأصل أن ينشد الشاعر هو نفسه قصيدته. فالشعر من فم صاحبه أحسن كما يعبر الجاحظ، وفي هذا ما يلمح إلى أن عرب الجاهلية كانوا يعدون إنشاد الشعر موهبة أخرى تضاف إلى موهبة قوله. والحق أنه كان لموهبة الإنشاد أهمية قصوى في امتلاك السمع؛ أي في الجذب والتأثير، خصوصا أن السمع الجاهليّ أصل في وعي الكلام وفي الطرب. " (5) وذلك بسبب عدم شيوع الصورة المكتوبة ـ المقروءة من اللغة في ذلك العصر، وبالتالي فقد كان " إنشاد الشعر عاملا من عوامل التأثير، إن عن طريق وعي المعنى، أو بوساطة اللحن وتنويعاته والصوت وطبقاته والإيقاع ودرجاته. وقد اختلف الشعراء الفطاحل في هذه الصفة، فمنهم من كان يجيد الإلقاء والعرض وإخراج الأصوات إخراجا حسنا وإيتاء البلاغة في التنغيم والترنيم، ومنهم من كان يخطئ السبيل إلى سمع المتلقي بصوته الأجشّ وسوء الدراية بأداء الصوت تضخيما وترقيقا ورفعا وخفضا، انكسارا وامتدادا".

    والإنشاد "ضرب من الغناء، والغناء يعتمد أساسا على جمال الصوت ورقته ورخامته." (6) ونظرا لأهمية الإنشاد بوصفه تقنية على درجة كبيرة من الأهمية في ضمان تفاعل المتلقين مع النص فإننا نجد " في كتب التراث ما يشير إلى اتخاذ الشعراء رواة لشعرهم إن هم لم يجيدوا إنشاده."(7) " فالإنشاد عنصر من عناصر الجمال في الشعر لا يقل أهمية عن ألفاظه ومعانيه (......) وقد عرف الجاهليون للإنشاد قدره، فتنافسوا في إجادته وتخيّروا من أشعارهم أرقاها وأجودها، لتُنشد على الملأ في المجامع والأسواق، وقد ظلّ للإنشاد بعض قدره ومكانته حتى أيام العباسيين"(8) "وخص العرب الشاعر المنشد الحسن النشيد بمصطلح هو الصنّاجة، ومن ذلك سمي الأعشى صناجة العرب" (9) "نخلص من ذلك إلى القول إن المتلقي الشفوي فرض معطياته على النص الشعري المستجيب أصلا لميزات الشفوية كالموسيقى والإيقاع والصوت وكذلك النبر وميزات السماع." (10)

    ونذكّر هنا بالفارق في مكانة كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم لدى الجماهير، إذ كان حافظ يتولى إنشاد شعره بنفسه مباشرة على المل فيتفاعل معه ولونه صوتيا بحسب المعاني وتتفاعل الناس معه، بينما كان شوقي يوكل من يقرأ شعره على الناس، وشتان ما بين الحالين.

    وإذا كان تحديد مفهوم دقيق للكلام المحكم في النص الأدبي من الأمور المعقدة التي تختلف الآراء حولها، فقد توصل الناقد العربيّ إلى طريقة ميسورة لاكتشاف قيمة النص، "حين ربط ربطا وثيقا بين صفات النص الأدبيّ وصفات القارئ إذ إن طبقات القراء تختلف باختلاف النصوص." (11) فليس من المعقول أن يستمتع شخص أمي بنص يتكئ على الأساطير مثلا، وربما كان هذا سببا رئيسا في الفجوة التي نلمسها اليوم بين الأديب والجمهور؛ لأن الأديب يتكئ على ثقافة بعيدة عن ثقافة عامة الجمهور، ولذلك قال البحتري قديما:

    كلفتمونا حدود منطقكم                   والشعر يغني عن صدقه كذبه

    وهكذا نجد أن هذه السنن الكتابية "دفعت بالشاعر إلى التوقف عند أهم نقطة جوهرية في عملية الإبداع الشعري كلها وهي القارئ الضمني،إذ إن هذه القواعد ما وضعت إلا استجابة لدواعي القراءة، فالشاعر ليس مفوضا في النص تفويضا كليا بل هو محكوم بوجهة نظر القارئ أو المتقبل، وقد وضع أبو هلال العسكري تعريفا دقيقا للبلاغة يؤكد طبيعة العلاقة المتحكمة بين متقبل النص ومنتجه، فيقول: (12) " البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن" (13)  

    وبقليل من التمعن في ذلك نلاحظ "تغير موقع المتلقي بعد بزوغ فجر الإسلام، فلم يعد سامعا على الأغلب بل أصبح سامعا وقارئا، وهو تحول مهم؛ إذ نقل مستوى الفهم الأدبي إلى عصر جديد، وقد أسهم التطور اللغوي في تجديد الحياة الثقافية العربية حين أوجد ظروفا مناسبة لفهم دلالة النص وتحليل بنيته ... بيد أن المتلقي لم يخضع خضوعا تاما لسلطان الكتابة حتى في العصور التي تكاثرت فيها الأقلام إذ التلقي الشعري ما زال يعتمد قناة المشافهة. " (14)  

              وانتشرت الكتابة بعد ذلك، وأصبح النص يصل إلى المتلقي مقروءا لا مسموعا، لذلك فإن الباحث يظفر بمحاولات للتعويض عن صوت الملقي (المنشد) بتقنيات أخرى لضمان إيصال المعنى المراد بدقة أعلى، وتحقيق قدر أكبر من التواصل مع المتلقي، كإدخال مؤثرات صوتية على النص الشعري من موسيقى أو صدى أو تسجيل النص بصوت صاحبه؛ لأن الكتابة ـ كما يقول جاك ديريدا والتفكيكيون ـ  كلام ناقص.

              ولم يقتصر تفعيل حاسة السمع في الشعر العربي على مجرد الاستماع الحقيقي، كما هي الحال في الاستماع للشعر، بل تجاوز ذلك إلى ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح الاستماع التخييلي، وذلك من خلال وصف أصوات معينة، فيذهب السامع إلى تخيلها وكأنه يسمعها حقيقة، وذلك في مثل قول عنترة في معلقته يصف فرسه في حرب داحس والغبراء بين قبيلته عبس وقبيلة ذبيان:

    فازورّ من وقع القنا بلبانه                             وشكا إليّ بعبرة وتحمحم

    وقول  آخر :

    يخافتن بعض المضغ من خشية الردى                    وينصتن للسِّمع إنصات القناقن

     

    الشعر وحاسة البصر

     

    يقال إن  الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت "ولا عجب في أن تكون معظم ألفاظ اللغة لمسميات وأغراض تدرك بالعين دون سواها، ذلك أن المسميات لا تصدر عنها أية إشارات تدل على وجودها غير الأشعة وهي مما يُدرَك بالعين ... قد ترسل ذبذبات صوتية، فتدرك بالسمع ... وقد تفرز رائحة فتدرك بالشمّ ... لكن مجال العين يظل أفسح وأكبر، وبالتالي يظلّ عدد المفردات التي سمي بها الذوات لعلاقة بحاسة البصر ـ أكبر" (15).                                                  

    ومن خلال حديثنا السابق عن الشعر والسمع قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، أن الأدب العربي لا يحتاج لأكثر من حاسة السمع لإدراكه وفهمه والتفاعل معه، ولكن هذه الفكرة سرعان ما تتبدد عندما نقرأ بعض النصوص في الكتب الأدبية التراثية، مثل كتاب البيان والتبيين حيث وصف الجاحظ هيئة الخطيب ولباسه وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بمظهره.

    نستنتج مما سبق أن "علاقة البصري والمسموع بالتلقي في مجال القول الشعري علاقة قديمة ومستحدثة في آن. والناظر في تراثنا القديم يلفت انتباهه ما جاء على ألسنة النقاد القدامى من حديث عن وظيفة الإبصار في عملية التلقي، حيث أبانوا عن هيئة القائل وأدركوا صلة القول بالحضور الجسدي للقائل شاعرا كان أو خطيبا ..... فعقدوا لذلك صفات مذمومة اقتضت أعراف التقبل تجنبها وأثاروا من الصفات المحمودة والذوق الرفيع ما به أدركوا علاقة البلاغة بالإبلاغ والصوت بالحركة، والحركة باللباس وهيئة الجسد . (16)

     إن الوعي المبكر بجمالية الجسد والصوت أداء وتعبيرا؛ "وإن اندرج في سياق بلاغة الخطيب وحسن بيان الشاعر، فهو دالّ على إدراك الفضاء الجامع بين الباثّ والمتلقي في مجال بصريّ وسمعيّ به يتحقق الإفهام والتواصل وينبجس المعنى واضحا جليّا." (17)

    هذا مما يتعلق بالأديب، أما فيما يتعلق بالأدب؛ فالأمر أكثر وضوحا، وليس بحاجة إلى كثير من البراهين لإثباته، بل إن الأدب العربيّ؛ ولا سيما الشعر، تعرض لنقد المستشرقين وهجومهم لأنه يقوم على تصوير المظاهر الحسية المرئية والملموسة التي تدركها الحواس مباشرة، ويصح هذا الكلام على الشعر العربي في مختلف أغراضه، في الوصف وفي الغزل وفي المديح وفي الرثاء، وغير ذلك.

    يمكن للباحث من خلال قراءه سريعة أن يكتشف اثر فن الرسم (وهو فن بصري) في الشعر ويمكن توضيح ذلك من خلال تتبع حضور أبرز عناصر فن الرسم في الشعر، وفيما يلي سنوضح ذلك من خلال التركيز على أهم مظهرين يدركان بحاسة البصر؛ ألا وهما اللون والحركة، ولنا في وصف أحد شعراء العصر العباسي التصاوير التي ازدانت بها زجاجة الخمر ما يجسد دور الأشكال واللوان في تدبيج الصورة وتقديمها للقارئ والسامع ناطقة تضجّ بالحياة، قال:

    تدار علينا الراح في عسجدية      حبتها باصناف التصاوير فارس

    قرارتها كسرى وفي حنباتها          مها تدّريها بالقسي الفوارس

    فللخمر ما زُرّت عليه جيوبها        وللماء ما دارت عليه القلانس

    يا لها من صورة مجسمة متداخلة غنية مفعمة بالنشاط.

    .

    أولا: اللون

    لقد وظف الشعراء اللون في قصائدهم خير توظيف؛ حيث تشعر وأنت تقرأ القصيدة وكأنك ترى أمامك صورة حية تكاد تتكلم عن نفسها. لأن ألوان الأشياء وأشكالها هي المظاهر الحسيه التي تحدث تنبه الأعصاب وتحرك بالمشاعر،

    واستخدام اللون في الشعر العربي واسع جدا؛ سواء على صعيد تنوع الأوان المستخدمة أو على صعيد عدد الشعراء الذين وظفوا الألوان في قصائدهم، مستكثرين من أشعار بشار لما فيها من توكيد على الدلالة لأنه كان كفيفا، وسنوضح ذلك ببعض الأبيات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:

    اللون الأبيض

     البياض في وصف المرأة عند العرب صفة جمالية، وقد أبدع بشار بن برد في توظيف الألوان في شعره رغم أنه كان كفيفا، حيث فقد بصره في طفولته. ومن استخدامه اللون الأبيض في الغزل أقواله في قصائد مختلفة:

                   وبيضاءُ مكسالٌ كأنَّ حديثَها        إذا ألقيت منه العيون برود

    وبيضاءُ من بيضٍ تروقُ عيونُها               وألوانها راحت تضلُّ ولا تهدي

    بيضاءُ كالدّرّةِ الزهراءِ غرّتها                 تصطاد عيناً ولا ترجى لمصطاد

                   عُلِّقْتُها بيضاءَ ناعمةً                 لم تَجْفُ عن طول ولم تزد

    بيضاءُ لبَّسَها الحياءُ عفافَه                     فضلَ القناع إذا خََلَت لم توصد

     

    والبياض حين يخالطه السواد في عين المرأة يصبح سهما فتاكا، كما في قول الشاعر

    إن العيون التي في طرفها حور                قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

     

    وعندما يوصف  الرجل باللون الأبيض؛ فهو دلالة على الحسب والنسب وطيب الأصل، وحسن الخلق، وهذا ما مدح به أبو طالب ابن أخيه محمدا، صلى الله عليه وآله إذ قال:

     وأبيض يستسقى الغمام بوجهه     ربيع اليتامى عصمة للأرامل

     وزهير مثلا يستخدم اللون الأبيض للدلالة على الأصل الطيب في قوله:

    بيض الوجوه كريمة أحسابهم        شم الأنوف من الطراز الأول

    وكذلك بشار بن برد في قوله:

    بيضٌ مصاليتٌ دون ضيمهمُ                  وعرٌ وما دونَ سيبهم وعر

    كما قد يستخدم اللون الأبيض كناية عن السيف كما في قول الشنفرى في لامية العرب:

             وإني جزاني فقد من ليس جازيا             بحُسنى ولا في قربه متعلل

    ثلاثة أصحاب؛ فؤاد مشيع                  وأبيض إصليت وصفراء عيطل

     

    اللون الأسود

    والضد بالضد يذكر، فقد استخدم الشعراء اللون الأسود لدلالات متعددة، ولكن الغالب أن ينصرف اللون الأسود لدلالات سلبية، ولذلك نجد العرب تتجنب ذكر اللون الأسود صراحة، وتكني عنه بألوان أخرى كالأزرق والأخضر والأكحل والجون، وهذا الأخير من الأضداد، فقد يعني الأبيض وقد يعني الأسود.ومن استخدام الون الأسود كناية عما يسوء قول الله عز وجل:" يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه" كناية عن الخسران.

             

    وأما سواد القلب فهو صميمه وأعمق أعماقه كما في قول بشار:

          لو أنّ الغانيات ملكن قلبي                   لكان محلّ عبدة في السّواد

                 نزلت في السّواد من حبّة القلـــ        م   ب ونالت زيادة المستزيد

     

    وأما استخدام كلمات أخرى كناية عن الأسود فمنها قول بشار:

    تقلب في داجٍ كأنّ سوادَه                إذا انجاب موصولٌ إليه سوادُ

    فقد وصف الليل بالأسود الداجي دلالة على شدة حلكته.

     

    اللون الأخضر

    الأخضر لون لباس أهل الجنة، وهو لون العشب الذي كان العرب يرتحلون في طلبه، وبالتالي فقد استخدم الشعراء هذا اللون لدلالات إيجابية مثل الخير والخصب والبركة كما في الأبيات التالية لبشار:

    عليه الجوهر الأَخْضَ                    (م)                    ر والياقوت منصوب

    في جنان خُضْر وقصر مشيد            قيصريّ حُفت به الأعناب

    وأجمل من ذلك وأبعد أثرا في النفس وأدق تعبيرا قول البحتري يصف الربيع بما يحمله من ألوان ذات بهجة، حين تأخذ الارض زخرفها، فجاء به من شدة الحسن ضاحكا يوشك ان يتكلم، فقال: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا    من الحسن حتى كاد ان يتكلما

                

    اللون الأزرق

    أما اللون الأزرق فقد كانت العرب تتشائم به وتكره الوصف به، وإذا ذكر فإنه ينصرف لدلالة سلبية كما في قولهم فلان أزرق الناب كناية عن غدره، والعين الزرقاء عند العرب تحسد من تراه. ومن استخدم اللون الأزرق في العيون للدلالة على الحسد قول بشار:

    وللبخيل على أمواله علل            زرق العيون عليها أوجه سود

    وأيضا قوله:

    تراخت النعيم فلم تنلها           حواسد أعين الزّرق القباح

             

    أما الماء الأزرق، فهو الصافي الرقراق كما في قول زهير:

    فلما وردنا الماء زرقا جمامه               وضعنا عصي الحاضر المتخيم

    كما يستخدم اللون الأزرق دلالة على القوة والبطش. كما في قول امرئ القيس:

    أيقتلني والمشرفي مضاجعي            ومسنونة زرق كأنياب أغوال

     

    اللون الأحمر

    معروف أن اللون الأحمر يثير روح الهجوم والغزو والثأر ويخلق نوعا من التوتر العضلي ويثير المخ وله خواصه العدوانية ويرتبط بالرغبات البدائية، يقول بشار:

    فرمت بي خلف الستور لأفواه               المنايا من بين حُمْرٍ وسُود

    وقوله أيضا:

    وجيش كجنحِ الليلِ يَرْجُفُ بالحصى     وبالشّولِ والخطّيّ حُمْرٌ ثعالبه

    وقد ارتبط اللون الأحمر في الشعر العربي بلون الخمر والهوادج ومن ذلك قول زهير في معلقته:

    كأنّ فتات العهن في كل منزل                    نزلن به حب الفنا لم يحطّم

    ( العهن: الصوف الأحمر، والفنا، شجر ثمره حبّ أحمر)

    كما ارتبط اللون الأحمر بخضاب المرأة المرتبط بالمناسبات السعيدة، ومن ذلك قول بشار:

    يهش لميقات الجهاد فؤاده               فلا يتطرقه البنان المُخَضَّب

    وقوله أيضا:   

    وموضعُ كفّ خُضِّبت للقائنا             على كبدٍ مجنونة الهفوات

    كما ارتبط اللون الأحمر بلون الخمر ولون الدم الذي يدخل في كثير من الطقوس والمرتبطة بالأساطير الجاهلية، وقد انعكس هذا كله في الشعر الجاهلي كما يتجلى في أشعارهم.

     اللون الأصفر

     

    اللون الأصفر من الألوان الساخنة، ويمثل قمة التوهج والإشراق لارتباطه بلون الشمس، والفاقع منه ينشط الذهن، إلا أن له دلالات مختلفة،وقد وضع العرب عددا من الألفاظ للتعبير عن هذا اللون، وربطوا في شعرهم بين اللون الأصفر وبين الشمس كما ارتبط اللون الأصفر بجمال المرأة التي تشبّه بالشمس كقول أحد الشعراء:

    فرأيت مثل الشمس عند طلوعها                 في الحسن أو كدنوها لغروب

    وقول بشار مكررا نداء الصفراء:

    أصفراءُ ما لي في المعازف سلوةٌ             فأسلو ولا في الغانيات مُعَقَّبُ

    أصفراءُ لي نفسُ إليك مَشُوقَةٌ              وعَيْنٌ على ما فاتَ منكِ تَصَبَّبُ

             أصفراءُ لم أعرفْك يوماً وإنَّنِي              إليكِ لَمُشتاقٌ أحنّ وأنْصَبُ                                 بعَيْنيَ مِنْ صَفراءَ بادٍ عُجَابُهُ              وما بالحشا من حُبِّ صفراءَ أعجبُ

    فقلت لندماني طربت فغنني            بصفراءَ لا يصفو مع الشوقِ مَشْرَبُ

    وما ذاك إلا من حبِّ صفراءَ مسني    فيومي به مُرٌّ وليلي مُوصَبُ

     

     وهنا لا ننسى الوجه الآخر للشمس، وهو وجه يمثل القسوة والجبروت بتوهجه اللافح، فالشمس نار ونور.. واقترن اللون الاصفر أيضا بالقحط والجدب والجبن والغدر، وبنو الأصفر في قول المتنبي كناية عن الروم، يقول:

    أبقت بني الأصفر الممراض كاسهم              صفر الوجوه وجلّت أوجه العرب

    وأحيانا يستخدم اللون الأصفر كناية عن القوس كما في قول الشنفرى الذي مر سابقا:

    ثلاثة أصحاب؛ فؤاد مشيع                  وأبيض إصليت وصفراء عيطل

    كما يستخدم اللون الأصفر ـ كالأحمر ـ للدلالة على الخمر كما في قول بشار: 

    إذا فرغتْ كأسُ امرئ خرّ ساجداً          وصبّ لنا صفراءَ في طيبِ تفاح     

            وأصفرِ مثل الزعفران شربته           على صوت صفراء الترائب  رود

     وهكذا، نلاحظ أن اللون قد أسهم في تشكيل الصور الشعرية، وإضفاء حيوية عليها، فالطبيعة هي المصدر الأساسي الذي يقدم إلى الشاعر مكونات صوره والتي يشكل اللون عنصرا أساسيا فيها، والألوان تتجلى في الطبيعة حية وجامدة، وقد استطاع العربي إبداع لغة مرنة للتعبير عن الألوان بدرجاتها المختلفة ودلالاتها المتباينة.

     

    ثانيا: الحركة

    وأما المظهر الثاني البارز الذي تدركه حاسة البصر فهو الحركة، والشعر العربي غني بوصف المظاهر الحركية فيما تقع عليه عين الشاعر، فهذا امرؤ القيس يقول واصفا فرسه:

                 مكر مفر مقبل مدبر معا                  كجلمود صخر حطه السيل من عل

    ويقول علقمة بن عبدة التميمي في وصف فرسه أيضا:

    فأدركهن ثانيا من عنانه               يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب

    ويقول عنترة العبسي في معلقته:

    لما رأيت القوم أقبل جمعهم                    يتذامرون كررت غير مذمم

    ويقول المتنبي يصف خيل المسلمين وهي تعدو للقاء العدو :

    كأن أرجلها بتربة منبج                          يطرحن أيديها بحصن الران

    ويقول زهير بن أبي سلمى في معلقته:

    بها العين والآرام يمشين خلفة                   وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

    هذه الأبيات أتينا بها على سبيل المثال لا الحصر، وهي تبين أن الشاعر العربي وظف اللون والحركة خير توظيف؛ على نحو أسهم في نقل صورة دقيقة لما يريد أن يصف، وقد وفق في ذلك كل التوفيق؛ فالشاعر يتعامل مع الحياة بحواسه الحادة اولاً، والشاعر هنا يعكس ذهن مجتمعه وعقليته إلى أبعد حد، فهو ليس بالصورة الباقية من ذلك المجتمع فقط، ولكنه أيضاً هو الصورة الواضحة وربما الراقية..

     

    الشعر وحاسة الذوق

    "وأضعف الحواس حاسة الذوق، وأثرها قليل، ...، والمذوقات قليلة، .... وأداة إدراكها اللسان؛ وهي الحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة" (18)

    وقد أبدع الشعراء في العصر العباسي تحديدا في وصف الأطعمة ومذاقاتها واللذة التي يشعر بها آكلها حتى لكأن الشاعر متخصص في الدعاية والإعلان. فهذا ابن الروميّ يصف قالي الزلابية بقولة:

    كأنما زيته المغليّ حين بدا                       كالكيمياء والتي قالوا ولم تصب

    يلقي العجين لجينا من أنامله                    فتستحيل شبابيكا من الذهب

    وكذلك وصف خبازا بقوله:

    إن أنس لا أنس خبازا مررت به              يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر

           ما بين رؤيتها في كفه كرة                     وبين رؤيتها زهراء كالقمر

           إلا بمقدار ما تنداح دائرة                     في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر

    وقوله يصف دجاجة مشوية:

    وسميطة صفراء دينارية                 ثمنا ولونا زفها لك جؤذر

    عظمت فكادت أن تكن إوزة         ونوت فكاد إهابها يتقطر

    ظللنا نقشر جلدها عن لحمها          وكأن تبرا عن لجين يقشر

    وقوله في وصف العنب:

                   وازرقي مخطف الخصور                 كأنه مخازن البلور

    لم يبق منه وهج الحرور                  إلا ضياء في ظروف نور

    لو أنه يبقى على الدهور                قرّط آذان الحسان الحور

    ومما يلاحظ في وصف ابن الرومي أن تصويره جاء مفعما بالحيوية، فهو يجمع ما بين اللون والشكل والحركة في صورة متكاملة عبقرية، كأنك ترى الموصوف أمامك، بل كأنك تأكله وتتلذذ بطعمه.

     

    الشعر وحاسة الشم

    " وهي قليلة جدا، وكذلك الألفاظ المرموز بها لها، حيث تنحصر في الروائح طيبها وخبيثها، ومنفذها إلى عصب الشمّ ضيّق الأمر الذي يسهم في تقليل عدد ما يدرك بوساطتها، إضافة إلى أن معظم الكائنات قليلا ما تمتاز بروائح معينة تعرف بها، بل تعرف بأشكال وألوان مرئية أو أصوات مسموعة أو نحو ذلك، ولهذا نجد المفردات العربية المشتقة من موادها لدلالات تقع على الروائح، أو المتعلق بها ـ قليلة. " (19)  ومع ذلك فقد أبدع الشعراء العرب في التعبير عن شتى الروائح بل تجاوزا وصفها إلى وصف تأثيرها في النفس، ومن ذلك قول الشاعر:

    تمتّع من شميم عرار نجد                   فما بعد العشية من عرار

    ألا يا حبذا نفحات نجد                  وريا روضه غب القطار

    وقول آخر:

    إذا أراد الله نشر فضيلة                     طويت أتاح لهتا لسان حسود

    لولا اشتعال النار فيما جاورت             ما كان يُعرَف طيب عَرْف العود

    الشعر وحاسة اللمس

    الملموسات "أقل من السموعات من الناحية الوظيفية، حيث قليلا ما يلجأ المرء إلى حاسة اللمس إدراك ما حوله ........... ويمكن حصر المدركات باللمس الإرادي أو غير الإرادي في:

    الحرارة والبرودة.

    الخشونة والنعومة.

    اللين والشدة، ويتفرع منهما الثقل والخفة.

    الجفاف والبلل. 

    وهذه الأحوال وما يمتد بينها من أحوالها المتدرجة التي يمكن إدراكها والتمييز بينها قليلة يمكن أن نستخرج المفردات المرموز بها لها من المعجم بسهولة، وذلك أن كثيرا منها يدرك بحاسة أخرى، كالارتفاع والانخفاض حيث يدركان بحاسة البصر. (20) فلا عجب إن كان الشعراء قد أقلوا من الألفاظ التي عبروا بها في شعرهم عن ملموسات؛ لأننا قليلا ما نستخدمها في كلامنا اليومي.

    ومن جميل ما يقفز من الذاكرة في هذا السياق قول البحتري عندما دخل غيوان كسرى فافتتن بما رآه من التماثيل فقال:

    يغتلي فيها ارتيابي حتى    تتقراهمو يداي بلمس

    فقد فر من الشك في ما يرى إلى حاسة اللمس ليتحقق مما يرى؛ احي هو أم ميت.

     

    وهكذا نلاحظ أن الشاعر العربي، ومنذ القدم، وظّف كل إمكانات عصره من أجل الارتقاء بفنه وضمان تجاوب الجمهور معه. وإن كنّا بوّبنا المظاهر التفاعلية على أساس الحاسة التي تدرك كل مظهر؛ فإن هذا التقسيم كان لغرض الدراسة وحسب، إذ إننا نجد أن البيت الواحد يشتمل على مظهرين أو ثلاثة مظاهر في بعض الأحيان تتوزعها أكثر من حاسة، مما يؤدي إلى اندماج المتلقي مع المبدع والإحساس بالنص الإبداعي وكأنه يعبر عن إحساسه ويتكلم بلسانه.

     

    ثانيا: توظيف التقنية في القصيدة العربية

    يقول المثل الشعبيّ "كل وقت وله أذانه" ومن المأثور عن الإمام علي عليه السلام أنه قال "لا تجبروا أولاكم على أخلاقكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم". وقد بذل المفكرون جهدا لإثبات خصوصية القرن العشرين في مجال التطور الإنسانيّ، وأثر ذلك في الإبداع الأدبيّ. "فالنوازع النفسية المعاصرة لا بدّ مختلفة عن الأزمان الغابرة، وقد ترك هذا أثره على المتلقين للنتاج الأدبيّ أنفسهم، وعلى هذا النتاج نفسه. ومع القبول بفكرة النوازع الداخلية للنفس البشرية في عالم الصراع والبقاء المعاصر، فإن النفس الإنسانية انطوت على ثوابت أيضا ولولاها لما استطاع الفن والأدب البقاء والصمود وتأدية مهامّه. هذه الثوابت هي الماضي أو هي جزء مهم من ذلك الذي احتفظت به الذاكرة البشرية " (21)  ولا بد للاحق من البناء على الصحيح من المعارف التي توصل إليها السابق، فلو أن اللاحق تجاهل ما أنجزه السابق لما حقق الإنسان أي تقدم،" فعلى هذا الماضي نحن متكئون، وعلى المستقبل نحن منعطفون" (22)

     

    ولا يقتصر أمر التأثر بسنن العصر على المبدع الأول (الأديب) فقط، بل يمتد ليشمل المبدع الثاني (المتلقي) " فالقارئ في وفائه لمعايير (أو سنن عصره) يمنح لهذا العمل معنى" (23) وهو أيضا "محكوم بمواضعات عصره، ويسميها بعض النقاد المحدثين سنن العصر، وإن هذه السنن لها تأثير على الموضوع الجماليّ المتحقق بواسطة التلقي والذي يهدف إلى التفاعل مع العمل الأدبي. " (24)

    ولم تكن الذهنية التراثية منقطعة عن السعي لاستثمار كل ما يساعد على تحقيق التفاعل بين ما يكتبه الشاعر وما يتلقاه السامع أو القارئ. فتجدهم يربطون بين التشكيل والتصوير والكتابة، يقول عبد القاهر الجرجانيّ في شرح نظريته في النظم واصفا الشعر بأنه نظير الصياغة والتحبير والتفويف والنقش وكل ما يقصد به التصوير. وفيما يلي سنناقش بعض التقنيات التي استخدمها الشعراء قديما في بناء قصائدهم: 

     

    1.                      التأريخ الشعري (حساب الجمل)

    وهي تقنية شاعت في العصر العثماني، وقد اختلفت نظرة الأدباء إلى هذه الأنماط الجديدة في النظم؛ فبعضهم عدها إشارة على انحطاط الأدب وإفلاس الأدباء، وبعضهم رأى فيها لونا من التجديد والإبداع والابتكار، ومهما كان الرأي، فإننا لا نختلف على أنها ابتكار يحتاج إلى قدرة عقلية ولغوية كبيرة.

    والتأريخ الشعري يعني أن يأتي الشاعر أو المتكلم بكلمات في بيت الشعر إذا حُسبت حروفها بحساب الجمل بلغت كان مجموعها يساوي السنة الهجرية التي حدثت فيها الحادثة التي يريد الشاعر أن يؤرخ لها. وقد أرّخ الشعراء لحوادث مختلفة مثل ولادة أو موت عزيز، أو تولي صديق منصبا معينا، أو بناء مسجد أو مدرسة ....الخ. ومن ذلك قول محمد بن يوسف الكريميّ يؤرخ لوفاة الشاعر والمؤرخ نجم الدين الغزّيّ من قصيدة مطلعها:

    لما لجنّات العلا                  شيخ الشيوخ انتقلا

    و نجم دين الله من            أفق دمشق أفلا

    فمجموع ما تساويه حروف البيت الأخير بحساب الجمل يساوي 1061 هـ

     

    2.                      الطرد والعكس

    وهي تقنية أولع بها شعراء العصر العثماني تحديدا رغبة في التجديدي، وفي إظهار براعتهم اللغوية وتفوقهم الأدبي، وهي تعني أن ينظم الشاعر قصيدة تُقرَأ على وجوه متعددة. وقد عدها كثير من الدارسين من محدثات العصر الأيوبي والمملوكي، ومثلوا لها بقول العماد الأصفهاني للقاضي الفاضل حين أراد اعتلاء صهوة فرسه: سر فلا كبا بك الفرس. فردّ عليه القاضي الفاضل بقوله: دام علا العماد.. حيث تقرأ عبارتاهما من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين دون تغير اللفظ أو المعنى، وهو ما يسمى (ما لا يستحيل بالانعكاس).

    أما في مجال الشعر فيعدّ صفيّ الدين الحليّ مبتدع هذا اللون في العصر المملوكي. وينقسم الطرد والعكس إلى أقسام عدة منها: الطرد مدح والعكس هجاء، مثل قول الشاعر ابن الإفرنجية في القرن الثامن عشر الميلاديّ في المدح:

    عدلوا فما ظَلمت بهم دول                          سعدوا فما زلت بهم قدم

    بذلوا فما شحت لهم شيم                           رشدوا فلا زالت بهم قدم

    وأما إذا قرأناه عكسا فإنه يصبح هجاء، ومن ذلك أيضا قول آخر في المدح:

       طلبوا الذي نالوا فما حُرموا                    رُفعتْ فما حُطتْ لهم رُتبُ
      وهبوا وما تمّتْ لهم خُلقُ                          سلموا فما أودى بهم عطَبُ
      جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا                  حُمدتْ لهم شيمُ فما كَسَبوا
      ويصبح ذما عند قراءته من اليسار إلى اليمين.

    ومن أشكال الطرد والعكس أيضا، شكل يمكن أن تقرأه أفقيا وعموديا ويبقى اللفظ والمعنى على حاله كما في الأبيات التالية:

    ألوم صديقي وهذا محال
    صديقي أحبك كلام يقال
    وهذا كلام بليغ الجمال
    محال يقال الجمال خيال

    ومن أشكال الطرد والعكس أن تقرأ البيت كله فيكون مدحا، وإن قرأت الشطر الأول فقط يصبح هجاء، ومن ذلك ما قيل في مدح نوفل بن دارم:

     إذا أتيت نوفل بن دارم                    أمير مخزوم وسيف هاشم
    وجدته أظلم كل ظالم                       على الدنانير أو الدراهم
    وأبخل الأعراب والأعاجم                  بعرضه وسره المكاتم
    لا يستحي من لوم كل لائم                إذا قضى بالحق في الجرائم
    ولا يراعي جانب المكارم                  في جانب الحق وعدل الحاكم
    يقرع من يأتيه سن النادم                   إذا لم يكن من قدم بقادم

    ولاشك أن هذا اللون من النظم الشعري صعب، ويحتاج إلى جهد عقلي كبير، وطول نظر وروية ودقة في التأليف. وهو لا يخلو من ذكاء وطرافة ودقة ملاحظة وسرعة بديهة وقدرة لغوية واسعة.

     

    3.                      المشجر

    وهو ضرب من التأليف يقوم على بناء تفرعات تؤدي بالقارئ إلى علوم ومعارف جديدة مرتبطة بالمعارف المذكورة سابقا. وذلك بأن يبني الشاعر نظمه مستخدما كلمة عين ، مثلا، بحيث تاتي في آخر كل بيت لمعنى مختلف عن المعاني التي صرفت لها في الأبيات. ومن ذلك قصيدة العين لابن فارس، والخال للأقليشي( انظر اتفاق المباني وافتراق المعاني لابن بنين، تحقيق يحيى جبر)

    ويشير الدكتور عبد الله الغذامي إلى أن النصّ المتفرّع ( خاصية أسلوبية جديدة ربما كان لها شواهد قديمة في الشروحات على المتون والحواشي المتفرّعة وما كان يسمّى حاشية الحاشية، مما هو من الممارسات الشائعة لدى علمائنا الأوائل حيث يتفرّع المتن الأول للمؤلف الأول إلى متون فرعية تأتي على شاكلة الحواشي والشروحات على المتن، وتعددت صور هذه التفريعات حتى رأينا كتاباً طريفاً لإسماعيل بن أبي بكر المقري عنوانه " الشرف الوافي في علم الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي " وهو كتاب كتبه صاحبه في حدود سنة ثمانمائة هجرية، وصمّمه تصميماً فيه نوع من الهايبر تكست حيث تقرأ السطر الأول أفقياً فيتكون لك أحد هذه العلوم ثم تقرأ الأسطر عمودياً مثل أسطر الجرائد فيأتيك علم آخر، ثم تقرأ الحاشية فيأتيك علم ثالث، وهكذا حتى تجد أن الحرف الواحد يشترك في عدد من الكلمات المتقاطعة وفي حالة تقاطع يتشكل معها جملة مختلفة تدخلك في خطاب عن علم من هذه العلوم فهو نصّ متفرّع لعب صاحبه لعبة حروفية أنتجت لنا كتاباً تنطوي كل صفحة فيه وكل سطر على أربعة علوم "(25)

     

    وهو ما أكده الدكتور حسام الخطيب صاحب الترجمة السابقة لمصطلح الـ ( Hypertext ) بأنه ( أسلوب يتيح للقارئ وسائل عملية عديدة لتتبع مسارات العلاقات الداخلية بين ألفاظ النصّ وجمله وفقراته، ويخلصه من قيود خطية النصّ، حيث يمكنه من التفرّع من أي موضع داخله إلى أي موضع لاحق أو سابق، بل ويسمح أيضاً للقارئ بأن يمهر النصّ بملاحظاته واستخلاصاته، وأن يقوم بفهرسة النص Indexing وفقاً لهواه، بأن يربط بين عدة مواضع في النصّ ربما يراها مترادفة أو مترابطة تحت كلمة واحدة، أو عدة كلمات مفتاحية Keywords   " (26)  

    وربما كان لهذا النوع من التأليف جذور في الأدب العربي، وهو ما يعرف بأسلوب الاستطراد الذي اشتهر به الجاحظ، يقول في ذلك: " وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حفظه بالاحتيال فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء ومن باب إلى باب بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن ومن جمهور ذلك العلم. " (27)

     

    نستنتج مما سبق أن "المعرفة حالة تراكمية من تجارب وقراءات ومشاهدات سابقة، ولا يمكن أن تكون حالة فردية منقطعة عن جميع السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يضاف إلى ذلك أن محاولة الانقطاع عن الثقافة السابقة بنحو جذري يعطي نتائج عكسية لا تُحمد عقباها، كما حدث مع نسق الحداثة المنقطعة عن كل ما هو تراثي سابق، إذ أيقن منظروها خطل مبانيها فعدلوا من الانفصال عن السابق إلى البناء على ما هو مفيد منها وإيجابي" .(28)

     

    4.                      التطريز

    وهو تقنية بديعة تقوم على بدء كل بيت من أبيات القصيدة بحرف من اسم المحبوبة، وشبيه بهذا النمط من الشعر ما شاع في الأدب الشعبي من تسلسل أبيات الشعر على أحرف الهجاء، على نحو ما نجده في رواية سحر خليفة(لم نعد جواري لكم ص88) : 

    الأليف الله أكبر

    البا باب الحرية

    والجيم جبهة شعبية والدال ديمقراطية

    والشين شمر دراعك

    عرفات رمز التضحية

    والميم ميم المحبة

    والواو وحدة عربية                        

                 

     

    5.                      المحسنات البديعية

    تعد المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية من التقنيات التي تكسب النص رونقا وجمالا وتلفت السامع إلى ما يريده الشاعر من إبراز معان معينة، وذلك من خلال السجع والطباق والجناس والمقابلة والتقسيم، وما إلى ذلك.

    ومن الشعراء الذين اشتهروا بالإكثار من توظيف البديع في شعرهم، المعري وأبو تمام ومسلم بن الوليد. ونكتفي بمثال واحد على هذه التقنية نظرا لشهرتها، نقتبسه من قصيدة أبي تمام في فتح عمورية:

     السيف أصدق أنباء من الكتب                     في حده الحدّ بين الجد واللعب

    بيض الصفائح لاسود الصحائف في                 متونهن جلاء الشكّ والريب

    غادرت فيهم بهيم الليل وهو ضحى                يشله وسطها صبح من اللهب

    ضوء من النار والظلماء عاكفة                      وظلمة من دخان في ضحى شحب

    فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت                   والشمس واجبة من ذا ولم تجب    

     

    خاتمة

    وبعد، فقد رأينا كيف أن القصيدة العربية، ومنذ الجاهلية، اعتنت بالجانب التفاعلي بين الملقي والمتلقي؛ بين المستمع والقارئ، وقد وظف الشعراء في سبيل ذلك ما كان متاحا لهم من إمكانات وتقنيات.

    وإذا كان الأدب الرقمي يمتاز بتوظيف باللون والحركة، فقد وظف الشعراء ومنذ الجاهلية أكثر من ذلك، إذ خاطبوا الحواس كلها تقريبا، سيما السمع والبصر. وإذا كان الأدب الرقمي وظف التقنية التي أتاحها التقدم العلمي المعاصر، فقد استخدم الشعراء على مرّ العصور، الإمكانات التي كانت متاحة لهم، بل وأبدعوا في ابتكار تقنيات خاصة بالنظم الشعري والتأليف العلمي. على أنه يجب علينا التنبّه إلى أنه من الخطأ الفادح أن نقيس إنجاز قرون خلت، ونحكم عليه في ضوء معطيات العصر الحاضر وإمكاناته، ذلك لأن المعرفة تراكمية، يُبنى اللاحق فيها على السابق منها، لكننا لا نرمي بكلامنا إلى تجريد الأدب الرقمي من السمة الإبداعية، أو الانتقاص من شأن هذه التجربة الرائدة، أو غبن الشعراء المجدثين؛ فنحن لا ننكر جدة الحلة التي خرج بها علينا الأدب الرقمي، ولا ثراءها وتنوع أطيافها، ولكننا نؤكد أنها جدة في الدرجة وليست في النوع.

     كما أننا نرفض أن تُصَوَّر هذه التجربة وكأنها نبت شيطاني ليس له جذور في التراث الأدبي العربيّ، ولا نوافق على أنها تجربة أجنبية لقيطة كما يدعي الذين جرفهم تيار العولمة وأقعدهم الشعور بالنقص، فأخذوا يهاجمون كل ما هو تراثي، فهاجموا الشعر العربيّ واتهموا العرب بقصور الرؤية لأن شعرهم يقوم في معظمه على التشبيهات الحسية التي تخاطب الحواس بالدرجة الأولى، ويحتفل بالمحسوسات أكثر من اهتمامه بالمجردات، وإذا بإنسان القرن العشرين يعود ليوغل في مخاطبة هذه الحواس بعد أن أدرك أن التعلم لا يكون إلا باستثارتها وتنبيهها وأن الحواس هي أدوات التذوق واستقبال الجمال وتقييمه فالشاعر يتعامل مع الحياة بحواسه الحادة أولا، والشاعر هنا يعكس ذهن مجتمعه وعقليته إلى أبعد حد، فهو ليس بالصورة الباقية من ذلك المجتمع فقط، ولكنه أيضاً هو الصورة الواضحة بل الراقية.

     

     

     

     

     

     

    هوامش البحث

     

    1.    من كتاب ( فن الشعر ) لأرسطو ص 57 نقلاً عن كتاب ( المنـزلات ) لطراد الكبيسي – الجزء الأول – ص 107 .

    2.    السابق نفسه

    3.    هاشم صالح. التأويل/ التفكيك، مدخل ولقاء مع جاك دريدا مجلة الفكر العربي المعاصر العددان 54 ـ 55، جويلية أوت 1988، ص101.

    4.    جبر، يحيى. نحو دراسات وأبعاد لغوية جديدة، (1) اللغة والحواس. نابلس 1999، ص 32

    5.    أدونيس: الشعرية العربية، دار الآداب، ط1 1985. ص7

    6.    الجندي، على. الشعر وإنشاد الشعر، دار المعارف 1969. ص 88

    7.    علامات ج 43، مج9، شعبان، 1420 هـ ـ ديسمبر 1999، ص117

    8.    أنيس، إبراهيم، موسيقى الشعر،مكتبة الأنجلو العصرية، ط2، 1965، ص164

    9.    الأصفهاني. الأغاني، ج16، ص56، نقلا عن علي الجندي الشعراء وإنشاد الشعر. ص73/74 

    10.                      المبارك، محمد، استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. ط1، 1999م.ص 117

    11.                      المرجع السابق.ص182

    12.                      المرجع السابق.ص 201

    13.                      ابن سهل، الحسن بن عبد الله. الصناعتين. تحقيق: علي محمد البجاوي محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي ط2 ص16

    14.                      المبارك، محمد، استقبال النص عند العرب،مرجع سابق. ص109

    15.                      جبر، نحو دراسات وأبعاد لغوية جديدة. مرجع سابق، ص34              

    16.                      علامات ج 43، مج9، شعبان، 1420 هـ ـ ديسمبر 1999، ص121

    17.                      السابق نفسه

    18.                      جبر، نحو دراسات وأبعاد لغوية جديدة. مرجع سابق، ص34 ـ ص35

    19.                      المرجع سابق، ص33

    20.                      المرجع سابق، ص33

    21.                      المبارك، محمد، استقبال النص عند العرب. مرجع سابق، ص65

    22.                      برجسون. الطاقة الروحية. ترجمة د. سامي الدروبي، ص6.

    23.                      ستيمبل، وولف دييتير. المظاهر النوعية للتلقي. مجلة العرب والفكر العالمي، عدد 3، 1988، ص127

    24.                      المبارك، محمد، استقبال النص عند العرب. مرجع سابق، ص 48

    25.         الغذامي، عبد الله. مقدمته لكتاب مدخل إلى الأدب التفاعلي لفاطمة البريكي    / ط1/ المركز الثقافي العربي / بيروت – الدار البيضاء / 2006م .

    26.         الخطيب، حسام. الأدب والتكنولوجيا وجسر النصّ المتفرّع :: المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر / دمشق – الدوحة / ط1 / 1996م .

    27.                      الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر. البيان والتبيين، مؤسسة الخانجي، القاهرة،  3/ 366

    28.                      الربيعي، عبد الزهرة. بين إرهاصات التراث وتقنيات النصّ المعاصر (عن موقع النخلة والجيران)

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • inconnu:312 said...
  • j\'ai pas trouvé ce que je veux mais cette en quette me plait et elle bon je veux dire bravo a tous au revoir.
  • Friday, September 3, 2010
  • motasem hkames rushdan said...
  • fpjkrc,dbgbhk
  • Sunday, September 26, 2010
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me