An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, August 22, 2010
  • الشعراء بين الأمس واليوم
  • Published at:الشعب الأردنية. 12/5/1985
  •  د. يحيى عبد الرؤوف جبر

     

                يعد الشعر العربي من أبرز المصادر التي ما نزال نستنبط منها الألفاظ والمعاني والصور البيانية، ونعني بذلك الشعر الذي يحتج به، وهو شعر الجاهلية وصدر الإسلام. أما الشعر الذي توالى ظهوره عقب ذلك إلى يومنا الحاضر، فما هو بحجة، بالرغم من انه يدرس لمعرفة التوجهات الاجتماعية والفنية والسياسية للناس في تلك الفترة الطويلة.

                وكان الشاعر العربي الجاهلي لسان حال قبيلته، والناطق باسمها، وكان إلى جانب ذلك فارسا مقدما بين فرسانها، وربما شكل مع غيره من شعراء زمانه ظاهرة اجتماعية متميزة، كظاهرة التصعلك، التي كان عروة بن الورد والسليك وتأبط شرا من أعلامها. وبلغ من مكانة الشاعر أن القبائل كانت تتبادل التهاني بنبوغ الشعراء.

                ولما جاء الإسلام، وأعلن موقفا صارما من بعض الشعر، وبعض الشعراء، وجدنا أن دور الشاعر تغير إلى حد ما، فهو لم يعد ذلك الجريء على الحرمات والمنكرات، ولكنه أصبح ملتزما بحدود الله ... لكن دوره كمنافح ومدافع .. استمر، لكن ليس عن قبيلته، ولكن عن الإسلام والمسلمين، ولعل أبرز من يوضح هذا التوجه هو حسان بن ثابت رضي الله عنه، فإن له في الدفاع عن الإسلام، وعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم دورا بارزا، ولا سيما في همزيته المشهورة \"عفت ذات الأصابع فالجواء ...\"، ولا ننسى هنا أشعار الإمام علي كرم الله وجهه، ولا عبد الله بن رواحة في مؤتة وغيرها.

                ويتقدم الزمان، فنجد شعراء الفرق الإسلامية من شيعة وخوارج وزبيرية وغيرها، حيث راحوا يذودون عن التوجهات الفكرية والمعتقدات التي رأوا صوابها، ولم يكن ذودهم بالكلمة وحسب، بل لقد قاتلوا وواجهوا وانتصروا لمبادئهم، ولعل قطري بن الفجاءة خير من يمثل هؤلاء النفر، ولعل احدا منا لا ينسى أبياته التي مطلعها:

    أقول لها وقد طارت شعاعا                         من الأبطال، ويحك، لن تراعي
                ويتقدم الزمان فتلتقي بالمتنبي وأبي فراس، اللذين بلغا القمة في بلورة مكانة الشاعر ودوره في قومه، وعلو همته ومنزلته. لقد كان أبو فراس شاعر المغازي والحروب، وكان المتنبي شاعر العظمة والهمة الرفيعة والطموح المنقطع النظير.

                وفي حقبة الحروب، حيث وصفوها وحرضوا على استمرارها وتصعيدها إلى أن يعود الغزاة من حيث أتوا.

                ولكن .. بعد ذلك، نادرا ما نظفر بشاعر مجيد، وقد يقال إن سيطرة العثمانيين على مقاليد الخلافة الإسلامية قعدت بالشعر والشعراء، فنقول: لا شك أن للسلطة السياسية دورا في ازدهار الحركة الأدبية بوجه عام، ولكن ليس إلى الحدي الذي يجعلنا نلزم العثمانيين بتبعة تدني مستوى الشعر.

                وفي العصر الحديث، لاح في الأفق ما يمكن أن نسميه صحوة، حيث ظهر البارودي ثم خليل مطران مقلدين إلى حد كبير، وجاء من بعدهما شوقي وحافظ وبعض شعراء الشام والمهاجر، ونبغ في المغرب أبو القاسم، وكل هؤلاء يعد نجما في سماء الشعر الحديث. وقد يطول بنا المقام إن نحن ذكرنا جانبا من حياة كل واحد منهم، يعكس مأثرة تجعله يستحق أن يكون نجما في سماء الشعر الحديث.

                ونستمر نسعى مع الزمان إلى يومنا الحاضر، حيث اختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، كل ذلك في الوقت الذي لم يعد فيه للشاعر دور في توجهات المجتمع، وإن كان، فليس أكثر من أن يقف وراء الصفوف، يصف ما كان، أو هو كائن يجري .. كل ذلك يتم بلغة تزري بها العجمة والإعياء، تسمع كثيرا من الشعر \"الحر\" فلا تدري ما المراد به .. المفردات عربية، لكن العبارات أدنى إلى الرطانة، وكأن هؤلاء يرددون قول المتنبي:

    أنام ملء جفوني عن شواردها                             ويسهر الخلق جراها ويختصم
                وكأنهم لم يقرؤوا قول رؤبة:

    إن الشعر صعب طويل سلمه،

    وأنه إذا رامه الذي لا يعلمه،

    زلت به إلى الحضيض قدمه.

                ونحن هنا لا نعمم، بل نعترف أن هناك عددا لا بأس به من الشعراء في المشرق والمغرب يجيدون نظم الشعر، ولا يتطاولون على تراثه بحجة التجديد .. هذه الحجة التي كثيرا ما يتذرع بها المفلسون والعاجزون عن الإمساك بناصة اللغة ـ ولو إلى حد ـ بالعزم والمثابرة ومزيد من الاطلاع والدرس.

                ينسى بعض \"شعرائنا\" أن الشعر ملكة وموهبة وفن، وهذه أمور لا تقتحم اقتحاما، بل لا بد من وجود \"خميرة\" ينميها الصقل والاطلاع. ولئن تمكن بعض \"شعرائنا\" من جر قلم لامع إلى الصفحات الأولى من \"ديوانه\"، فإنه إنما جره إلى حيث زلت به قدمه.. ألا رحمة باللغة، وموازين الشعر، ورأفة بأنفسكم أيها المعنيون بالأمر في جهات الوطن العربي الأربع.

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me