An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, March 27, 2011
  • تقنية التراث
  • Published at:الدستور الأردنية 26/11/1983 والفيصل السعودية
  • العربية أكثر لغات العالم وأغناها تراثا، وتراثها يمتد في الزمان والمكان على نحو فريد، فهو يرجع بجذوره إلى ما قبل الإسلام، ويمتد بأجنحته فوق الوطن العربي إلى العالم الإسلامي.. وأبعد من ذلك إلى ما كان يوما جزءا من العالم الإسلامي، كإسبانيا ومالطة وصقلية، هذا إلى جانب ما سرق منه وغدا نهبا مقسما بين مكتبات العالم \"المتحضر\" من ليننغراد إلى برلين وباريس ولندن وواشنطن ونيويورك.. ناهيك عن ما لم يكتشف بعد، فهو ما يزال رهين الأقبية والخرائب. وفي هذا المجال أذكر حادثتين، ففي غات في أقصى جنوب غرب ليبيا، في الصحراء الكبرى، وغير بعيد عن الجزائر والنيجر، عثرت على مجموعة من الكتب تزيد عن خمسين في موضوعات مختلفة، وفيها كتاب لم يذكره أحد من المتقدمين، وهو شرح مثلثات قطرب للسيوطي. وحادثة أخرى أن سيارة اصطدمت بجدار قديم في بلدة خاركو بإسبانيا، ليسقط الجدار كاشفا عن عدد كبير من الكتب العربية القديمة، كانت تختفي وراءه منذ كان العرب المسلمون يوما هناك.

            وإن من يدخل مكتبة عربية، ولا سيما المكتبات الجامعية، فإنه سيؤخذ بضخامة المؤلفات العربية وكثرتها، وأخص بالحديث كتب التراث دون سواها، وجدير بالذكر أن ما نشر من كتب التراث واحتل موقعا على رفوف المكتبات لا يتعدى جزءا من مائة جزء من الكتب التي ما يزال جلها مخطوطا ينتظر، بل لعله أقل من ذلك بكثير.

            غير أن المطالع في كتب التراث يستطيع أن يصنفها في مجموعات محددة؛ فمن كتب التفاسير إلى كتب الحديث والفقه والسير واللغة والتصوف والأدب والفلك والطب ... إلى غير ذلك.

            وإذا ما دققنا في كتب بعض المجموعات، لوجدنا بعضها تكرارا لبعض في بصيغة أو بأخرى، إلى جانب ما يمكن استيضاحه بسهولة ويسر من التزيد والإسراف في تفاصيل وتفريعات قد تبتعد بالكتاب من الغرض الذي كان من أجله، غير أن تفسير ذلك يسهل برده إلى الترف الفكري الذي شهده العالم الإسلامي يوما ما، وإن كثيرا من المصنفات لم تكن توضع خدمة للعلم أو لأن تدرس للتلاميذ، ولكن لتهدى إلى خزانة الخليفة أو الأمير أو الوالي... فكأنها قصيدة مديح للتكسب والارتزاق، إضافة إلى دافع المنافسة وما يخلفه من نتائج، لا سيما في الأزمنة التي ابتدأت بانتهاء العصر العباسي الثاني حيث توقف \"العقل العربي\" عن الإبداع، وأخلد إلى بيات شتوي ما نزال نلمس آثاره إلى يومنا الحاضر ـفي تلك الأزمنة، لم يجد أهلها إلا تراث المتقدمين، فعكفوا عليه \"يجترونه\" يتفننون في إخراجه شرحا واختصارا، ونظما في متون، ومعارضة وتشطيرا وحواشي على الشروح، وتلفيقا بجمع نتف من هذا الكتاب وذاك، الأمر الذي أسهم في اكتظاظ المكتبة العربية بالغث والسمين من الكتب، وبكتب يسهل إقصاؤها دون أن يحدث ذلك أدنى خلل في وظيفة المكتبة ودورها، ودون أن ينتقص من شأن التراث نقيرا.

            وقد أدى ما تقدم إلى تشتت المعلومات (المتجانسة) في بطون كتب متفرقة، وإلى تكرار يؤدي إلى ارتباك وشعور بالقصور دون إيفاء موضوع ما حقه من البحث والدراسة بحجة ـ وهي حجة صادقة ـ أن الدارس لم يتمكن من استقصاء الموضوع في مظانه المختلفة. أضف إلى ذلك أن الطابع الموسوعي الذي يتحلى به كثير من المصنفات العربية القديمة يؤدي إلى العاقبة نفسها، حيث كثيرا ما نجد الكتاب يحمل عنوانا ولكنه يحفظ في داخله معلومات تختلف عن تلك التي قد يشير إليها العنوان، كأن تكون أكثر، أو مما لا يندرج تحت العنوان، وتلك ظاهرة تلمحها في كتب الجاحظ بوضوح. وعلى طريق تسهيل الاطلاع على تلك الكتب وغيرها، فقد عمد المحدثون إلى فهرستها وتبويبها، غير أن ذلك لم يحل المشكلة، وما يزال البحث في كتب التراث محفوفا بكثير من المحاذير والعقبات.

            لكن ما الذي يمكن أن نفعله على طريق مجابهة ذلك؟ هل يمكن أن نحدث ثورة علمية تمكننا من إخضاع التراث لمناهج البحث الحديثة؟ لكن هل يجوز الحكم على الماضي بمعايير الحاضر؟ وعلى الأقل، أليس ممكنا أن نستفيد من التقنية الحديثة في تيسير التعامل مع التراث؟ وأطرح على هذا الطريق اقتراحات قد نراها نافعة وهي:

    أولا: فهرسة الشعر العربي الذي يحتج به فهرسة لغوية، على نحو فهرسة عبد الباقي لألفاظ القرآن الكريم، ووينسنك (اليهودي النمساوي) لألفاظ الحديث الشريف.

    ثانيا: وضع معجم جامع، أو جامع للمعاجم يغني عنها جميعا، ويتضمن مادتها التي غالبا ما تكون متشابهة إلى حد كبير.

    ثالثا: فهرسة التراجم والأعلام والبلدان والأجرام السماوية والتواريخ.

    رابعا: استخدام العقل الآلي في كل ما تقدم، فليس شرطا أن نضع معجما جامعا في كتاب... ولكن ذلك قد يكون عمليا جدا إذا ما تم بوساطة عقل آلي (كمبيوتر نلقمه المفردات ومعانيها والشواهد والتفصيلات وهكذا.. على أن تزود به المكتبات العامة ليسهل على المستخدمين أن يستخدموه.

            وبدلا من أن تكتظ مداخل المكتبات بأدراج الفهارس المختلفة، يمكن الاستغناء عن ذلك بالعقل الآلي أيضا.

            وأخيرا، ليس هذا كل ما يمكن أن نقوم به على طريق تنقية التراث، وخطوة على الطريق ستقود ـ دون شك ـ إلى جديد، غير أن ذلك لا يتسنى لفرد أو مجموعة الأفراد... إنه، وأمثاله، لما يناط بالمؤسسات العلمية والجامعات.. فهل إلى ذلك من سبيل؟

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me