An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, February 6, 2011
  • تحبير الورق
  • Published at:الشعب/ 11 تموز ، 1985
  •  

    أ.د. يحيى جبر

     

            ليس أسهل من أن يمسك أحدهم بورقة من أي نوع كانت، ثم يعمد إلى قلم من أي نوع كان، ثم يحركه عليها في أي اتجاه، لتبدو بعد حركات قليلة وقد غدت ملونة بالمداد الأصفر أو الأحمر أو الأسود... وربما الأزرق.

            وقد تظهر في تلك الخرابيش السريعة بضع كلمات مقروءة، ولكنها قليلا ما تفصح عن معانيها، ولئن أفصحت، فعن معانٍ هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، تماما كالتبن إذا ما قيس بالذهب أو بالقمح.

    قد يعرض أحدهم لدراسة كتاب، أو للكتابة في قضية ما، فلا يستغرق ذلك منه أكثر من دقائق، يأتيك عقبها بالكلام الملون، وإذا استغرق في الكتابة نحوا من ساعة، فقد يأتيك من الأوراق المحبرة ما يزيد على حجم الكتاب موضوع الدراسة، وتأخذ في دراسة ما كتب، لتجد أنك من بداية الكلام إلى آخره تظل تدور حول نفسك بالرغم من سرعة \\\\\\\"الكاتب\\\\\\\" في الانتقال بك من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة، وما ذلك إلا لأن \\\\\\\"صاحبنا\\\\\\\" لم يكلف نفسه بتعميق الدراسة بحيث تأتي متينة مجدية نافعة.

    إن الكتابة وهي في هذا البلد توشك أن تصبح مهنة، ينبغي لها أن تكون صادقة عميقة غير مرتبطة بالنفع المادي على النحو الذي يفهمه بعضهم من معنى المهنة، ولا مرتبطة بالنفع المعنوي إلا بقدر ما تحققه لصاحبها بطريقة غير مباشرة.

            وهناك ملاحظات نسوقها لتوضيح ما تقدم، ومن ذلك أن كثيرا من الكتاب يمارسون الكتابة تماما كما يمارسها كتبة الاستدعاءات الذين ينتشرون حول بعض الدوائر الرسمية ـ وأنا هنا لا أعرّض بهم ـ حيث يحفظون صيغا فصيحة وقوالب لفظية معينة، ما أن يأتيهم مستكتب حتى يحبروا له ورقة فيها طلبه، وبلمح البصر، تمتما كما يفعل بعض أصحاب الكتب أو الدواوين الهزيلة، عندما يطلبون من أحدهم أن يدبج مقالة أو دراسة للتنويه بها

     ـ وإن كثيرا من الكتاب يعتمد في تغطية قصوره على أن القراء قليل، وأنه ليس كل ما يكتب يقرأ \\\\\\\"طاسة وضايعة\\\\\\\". ـ بعض الجهات رسمية كانت أم خاصة، تتولى في بعض الأحيان، إصدار \\\\\\\"سندويشات\\\\\\\" مطبوعة، يرى بعضهم أن فيها إثراء للأدب والثقافة في الأردن، بينما يشهد لسان حالها، والواقع الأدبي، أن كثيرا من تلك الكتب سرعان ما تأتي عليها يد الزمان فلا تعود تذكر، وتنزوي في إحدى الزوايا تنتظر الغبار أو يد طفل تعبث بها.. وربما عود كبريت. وإن هذه الكتب، لا أعني كلها، لتدمغ الواقع الأدبي بما يشينه ويشهد بقصوره، وهي الدليل على تدني مستواه، الأمر الذي يسيء إلى القلة الموفقة من حملة الأقلام.

    إن كل عمل أدبي أو فكري هو لبنة ثقافية،، سواء كان كتابا أم مقالة أم دراسة أم قصيدة، منشورة في مجلة أو صحيفة، وإن كل لبنة في موقعها يجب أن تكون ثابتة غير قلقة، ذلك لنبني عليها وهكذا إلى أن يتوثق البناء الثقافي. فإذا كانت الأعمال الأدبية والفكرية فجة غير ناضجة، ولم تكن من العمق بحيث تقوى على القيام بدورها، وجاءت بلا جذور ترى فيها آثارها، فإن ذلك يعني دون شك، أن البنية الثقافية ـ والأدب جزء منها ـ لن تكون قوية ولا متماسكة، وسنبقى عاجزين عن أن نخطو بها إلى الأمام، ما دام أن السطحية أصبحت سمة كثير مما يكتب.

    وإن في ما تقدم ما يشير إلى السبب الذي جعل الأدب والمادة المكتوبة بعامة تفقد دورها في الحياة، وجعل الناس لا يميلون إلى القراءة الميل المناسب، لأنهما ـ الأدب والمادة ـ لا يتجاوزان في كثير من الأحيان ظاهر السطح إلى العمق، ويخلوان من الربط بين الموضوع من ناحية، وتراث المجتمع وآماله، أو ماضيه وحاضره، من ناحية أخرى.

    وباختصار شديد نقول: إن تحبير الورق ليس هو المطلوب، وليس هو \\\\\\\"المهنة\\\\\\\" التي تضع القيود والحدود، والمقاييس الواصفات.

    إن المطلوب سبر للأغوار، وتعمق في المناهج والأفكار، وصدق مع النفس والناس.. حتى لا يفقد الأدب دوره، وليظل هناك أمل في بناء ثقافيّ متين.. وإلا فلتكسر الأقلام وتمزق الصحف، وليرتفع درداب الطبول في الغابات.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me