An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • واعروبتاه ..... واإسلاماه
  • Published at:Not Found
  • واعروبتاه ..... واإسلاماه

                                       أ.د. يحيى جبر

                                                           رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح الوطنية

                                                             الرئيس المؤسس لمجمع اللغة العربية الفلسطيني

     

    كنت أتابع أمس شريط الأخبار الذي تبثه قناة الجزيرة، وكان مما قرأت ثلاثة أخبار تحدثت عن ثلاثة أعلام ؛ أولها نعي صابر مراد نياز(وف)، رئيس (ملك ) تركمانستان، وعزل رئيس نيجيريا لنائبه عتيق ( أتيكو ) أبو بكر، وثالثها يتحدث عن إسقاط حكومة إندونيسيا تهمة الإرهاب عن (أبو بكر) باعشير.

    توقفت مليا عند أسماء الرجال، والبلدان التي ينتسبون إليها، ليس منها دولة عربية، وتقع بعيدا من الوطن العربي، ولكن أسماء الرجال عربية محضة، اللهم باستثناء( نيازوف ) المركب من الفارسي / التركي نياز بمعنى جميل، والمقطع الروسي (وف) الذي يفيد معنى النسبة، وتحويل اللفظ إلى صفة.

    والتقيتُ، بُعيد ذلك، ألبيرتو نزال، تشيلي من أصل فلسطيني، الذي راح يحدثني عن وفرة الألفاظ العربية في اللغات المستعملة في أمريكا اللاتينية ( الإسبانية والبرتغالية)، فاقتادتني الذاكرة بعيدا في مدى الزمن إلى ابن جمعة (تيبوتيب) الذي أسس أمارة عربية إسلامية في الكنغو، قريبا ممن شلالات ستانلي ( أنظر مقالتنا عنها في مجلة المنتدى الظبيانية عام 1989) وظلت حتى قضى عليها الإنجليز والبلجيك سنة 1905، وإلى ما هو أبعد، إلى ابن فضلان الذي أسفر للعباسيين؛ فتوغل في أوروبة شمالا إلى السويد، وكتب في وصفها ما يعده السويديون اليوم أول المصادر التي يبنون عليها تاريخ السويد وأصدقها، ولعلكم قرأتم ، إخوتي؛ أنهم عثروا في السويد على كنز من العملة التي كانت تستخدم في العصر العباسي، مما يذكرني_ والمقام للذكريات المؤلمة والسارة _ بذلك الكنز من المخطوطات  الإسلامية التي اكتشف في إسبانيا منذ 40 عاما جراء اصطدام سيارة بمبنى قديم في إحدى القرى، وتوالى حيل الذاكرة حتى بلغ أبا دُلَف الخزرجي الينبوعي الذي أسفر _ هو الآخر _ للعباسيين في الأصقاع الشمالية والشرقية من آسية، حين سرّه أن يرى النفوذ العربي يبسط جناحيه في الخافقين؛ فجاشت أحاسيسه، وشعر بالنشوة تغمره، وتحرك انفعالاته؛ فما لبث حتى ترجم تلك الأحاسيس شعرا بقوله:

    وشاهدت أعاجيبا وألوانا من الدهر

    على أني من القوم البهاليل بني الغر

    فطابت بالنوى نفسي

    أخذنا جزية الخلق من الصين إلى مصر

    إلى تطوان بل في كل أرض خيلنا تجري

    فنصطاف على الثلج ونشتو بلد التمر

    وبالرغم من أن الرجل كان شعوبيا (أي قوميا شوفينيا بلغة العصر) إلا أنه يصدر في أبياته عن خلفية إسلامية، بل لولا الإسلام لما كان له أن يصل إلى تلك البلاد، ولا لنا أن نكون حيث نحن، وقد سبق أن أثرت هذا المعنى ذات يوم؛ في محاضرة مع الدكتور عودة الله القيسي في المركز الثقافي الملكي بعمان قبل ستة عشر عاما، وهو أن الفضل في انسياح الجنس العربي خارج الجزيرة العربية يعود للإسلام بالدرجة الأولى، به قامت الممالك والدول شرقا وغربا، وإلى اليوم، والسر في استمرار الكيان العربي إلى اليوم؛ بالرغم من كثرة أسباب السقوط والاندثار الداخلية والخارجية هو قوة الدفع الحضاري التي نتجت عن أثر الروح التي بثها النبي صلى الله عليه وآله في أصحابه، مما امتدت آثاره إلى اليوم.

    وتساءلت في نفسي: كيف وصلت تلك الأسماء إلى الأصقاع النائية: إندونيسية, نيجيرية، تركمانستان؟ وهل تختلف تلك البلدان عن الوطن العربي؟ وفيم؟ وهل العرب هم شعوب الوطن العربي وحسب؟ ماذا عن الاستعراب خارج الوطن العربي؟ هل عاد العرب الذين انتقلوا، بالإسلام إلى أرجاء المعمورة إلى الجزيرة العربية أو إلى ما يعرف اليوم بالوطن العربي؟ حدثني أحد المناضلين الفلسطينيين أنه التقى سفير تشاد في ليبيا ذات يوم، وتحادثا بالعربية، فلم ترق لغة السفير لغة الفلسطيني، وانتقدها، فما كان من صاحبنا إلا أن رد عليه: هل يجوز لزنجي أن يصحح لغة عربي؟ فرد عليه السفير: هذا صحيح لو كنت زنجيا، أنا من الأشراف، عربي! وإن رأيت لوني ميّالا إلى السواد.

     أقول: تأكيدا لما تقدم، لي صديق قديم من بلدة تونين (غات) الليبية القريبة من النيجر صديق اسمه السنوسي العربي الأنصاري، كان يتردد على النيجر كل صيف، وأظنه كان متزوجا هناك، كان يقول: نحن في الأصل من الأنصار، وكم هي القبائل والجماعات التي فرّت من بغي الحكام إلى شرق إفريقية وجنوب الصحراء الكبرى وغيرها من الأمصار في كل اتجاه، أو طلبا للمال ، أو تنقلوا من بلد لآخر طلبا للكلأ، كعرب السودان، وتشاد من قبائل القرعان والمحاميد وأولاد سليمان وأولاد علي والقذاذفة!، ترى كيف انتشر الإسلام في خافقي الأرض، من جزر توباجو وترينيداد في الكاريبي إلى بروناي في بحر الصين؟ ومن بشكيريا وشكيبريا إلى سيبيريا وملاجاشي؟ تالله ما كان للسيف في ذلك أدنى دور، وفي هذا رد على أولئك الذين يروجون لنشر الدين بالعنف خلافا لما ورد في التنزيل من توجيه النبي صلى الله عليه وآله للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

     

     وأذكر أني قرأت كتيبا لإبراهيم نوّار، رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية، في ستينات القرن الماضي عنوانه: الاستعراب في الاتحاد السوفييتي، ذكر فيه أن في أواسط آسية، إلى اليوم، قبائل عربية تعيش حياة البداوة، وتحافظ على لغتها، وعلى أصالتها إلى حد بعيد، وهذا ما دعاني، من بعد، إلى نشر مقالة مطولة بعنوان : الاستعراب في الهند، وبعبارة أخرى أقول: إن مفهوم العروبة والإسلام كان متداخلا لمدة طويلة، ولا سيما في البعد الحضاري.

    كيف كانت تغريبة بني هلال التي استغرقت نحوا من قرن؟ ألم تكن مواشيهم تقودهم في بلادهم من الجزيرة العربية إلى شمال إفريقية؟ كيف انقل الرستميون وأصلهم من فارس بدولتهم من اللاذقية في سورية إلى الجزائر؟

    كنت أعمل أواسط السبعينات مدرسا لعمال إحدى شركات النفط في لجة الصحراء الكبرى، كان من طلابي تشاديون لم أكن أفرق بينهم وبين من عرفتهم من بدو جنوب الجزيرة العربية، بل كان في ذلك ما حدا بي إلى إكمال قصيدة قلت أولها في الربع الخالي وأكملتها في الصحراء الكبرى حين وجدت البيئة هي البيئة، والعرب هم العرب. من يدري أن اسم عاصمة تشاد هو عربيّ محض، ( انجمّينا ) بمعنى اجتمعنا واتحدنا، من الأصل اللغوي( جمّ) بمعنى اجتمع؛ وقد كان اسمها قبل ذلك فرنسيا (فور لامي) وقد غيروه عشية دخلت قوات الثوار بدعم الليبيين العاصمة عام 1981  حين اقترحت عليهم ، إن هم أرادوا تعريب تشاد، أن يبادروا إلى افتتاح فرع فيها لكلية آداب جامعة قاريونس (بنغازي) التي كنت أعمل فيها آنذاك.

     

    ********

     ترى من كان يصدق أن تكون امرأة من نابلس متزوجة في أرتريا من  رجل  من زيلع إحدى مدن الطراز العثماني على الساحل الغربي للبحر الأحمر؟ كنت أتعرّف من صديقي الأرتري ( سليمان قلاديوس) على بعض مفردات لغتهم، فذكر لي ليلة (الصمدة) المعروفة من اصطلاحات العرس الشعبي الفلسطيني, فكانت حكاية جدته النابلسية، إذ كان جده وأبوها معا في حرب ( السفربرلك) وفي طريق عودتهما عرج معه الأرتري وتزوج بأخته، ومضى بها إلى أرتريا... هكذا بكل بسلطة وطيبة نفس لو كان الفقهاء المحدثون والناس اليوم يفقهون حقيقة الزواج فلا يضيقون الخناق على أبنائهم وبناتهم.

    *****

    ترى ما الذي قعد بالأمة بعد هذا العز الغامر؟كيف تبدلت أوضاعها؟ ومن المسؤول؟ أم مسؤولية أبناء الأمة قاطبة؟ بل هل هي سنة الله في الخلق على النحو الذي ترجمه أبو البقاء الرُّندي في نونيته الحزينة:

    لكل شيء إذا ما تم نقصان             فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسان

    هي الأيام كما شاهدتها دول             من سره زمن ساءته أزمان

    ترى ما الذي أدى إلى سقوط الحكم الأموي في الأندلس؟ أليس التمزق إلى أكثر من ثلاثين دويلة؟ ولانشغال ولاة أمر الأمة فيها بلذائذ الدنيا ومتعها؟ على النحو الذي صورته أم إبي عبد الله الصغير، آخر الحكام العرب هناك، حين بكى عندما اضطر إلى تسليم مفاتيح عاصمته إلى المتغلِّبة من قبائل الإسبان؟ فقالت له:

    ابكِ مثلَ النساء ملكا مُضاعا   لم تحافظ عليه مثل الرجال

    كانت الأمة، لمدة طويلة، تتخذ من مشارق الأرض ومغاربها وطنا ومرادا تتنقل فيه لا حدود ولا قيود، وبالرغم مما يؤخذ على كثير من حكام تلك الأزمنة من مساوئ في السلوك والحكم؛ إلا أنهم كانوا حريصين على تحقيق الذات، وينطلقون في جل أعمالهم من مصلحة الأمة لأنهم كانوا يحكمون باسمها، يضاف إلى ذلك قربهم من الزمن الذي سادت فيه العوامل التي كانت تمثل قوة الدفع الحضاري، التي بدأت بعهد النبي صلى الله عليه وآله، إذ المعروف أن القيم التي تؤدي إلى التغيرات الاجتماعية الجذرية، والتي من طبيعتها ألا تكون سريع في تأثيرها، تظل فعالة في الحياة الاجتماعية مدة من الزمن بعد تراجعها وخروجها من دائرة التأثير المباشر؛ انسجاما مع القانون الطبيعي الذي يقول: إن الأشياء التي تسخن ببطء تبرد ببطء، والعكس.

    وكانت الأمة واحدة، لا فرق فيها لعربي على عجمي إلا نادرا؛ عند بعض الحكام من العرب والعجم، الذي كانوا يرون قبائلهم خيرا من غيرهم من الأمم، يحكمهم فارسي أو تركي، لا بأس في ذلك ما دام يسوسهم بالعدل ووفقا لما جاء به الدين، فانتقلت الشعوب من كل جنس في كل اتجاه، فكان هذا العالم الإسلامي، وكان هذا الانتشار للعرب والعربية، بما هي لغة الدين، ولغة الدولة في كثير من البلدان، أو على الأقل فهي الخط الذي تكتب به لغات الشعوب الإسلامية( حوالي 360 لغة كانت تستخدم الحرف العربي، لم يبق منها إلى اليوم سوى نحو من خمس عسرة كثير منها يتملص من الحرف العربي للاتيني) وكيف لا يكون ذلك وبعض أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة دعوا إلى ترك الحرف العربي للأجنبي؟ مما يذكرني باعتراف بعض الدول الإفريقية بإسرائيل بعد قطيعة دامت طويلا، إلى أن كان اعترف السادات، فبدأت الدول الإفريقية تعترف تباعا، فلما استنكر ذلك الليبيون؛ تذرعت تلك الدول بان أمنا الكبرى _ مصر_ قد اعترفت ، أفلا نعترف؟.

    وفي العصر الحديث، بلغ التهالك الرسمي العربي ذروته، وبلغ الحد بكثير من الحكام والمتنفذين من أدعياء الثقافة والتنوّر أن يعلنوا ولاءهم للأجنبي، وأصبحوا عرّابين على شعوبهم، يصرفونهم عن أصالتهم إلى الذوبان في الآخر، واستشرت الدعوات الهدامة على كل صعيد.

     فمن دعوة إلى حصر الإسلام في العرب، تمهيدا لقوقعته في بلاد العرب (الجزيرة العربية) وقد انتشرت هذه الدعوة في الثمانينات، وكان أن ألفت اثنتين وعشرين قصة عن اثنين وعشرين بطلا إسلاميا من غير العرب، مشاركة مني في مقاومة ذلك التوجه التآمري، ومنهم عثمان دان فوديو من غرب إفريقيا، والنورسي من الأناضول والشيخ شامل الشيشاني وأخته فاطمة، وابن جمعة( تيبو تيب) والمغيلي وغيرهم.

    إلى دعوة تدعو إلى تقسيم الأمة إلى شيع وطوائف، إلى أخرى تدعو إلى تمزيقها مذهبيا، إلى غير ذلك من الدعوات المشبوهة؛ تتوالى على شكل كمتوالية هندسية، مما جعل المواطن ذاهلا لا يبالي شرّقت الدنيا أم به غرّبت. وتزدحم بالأمة الخطوب، حتى يحاسب الإنسان على انتمائه إليها، وأصبح التغني بالأمجاد إرهابا، والدعوة للوحدة جريمة، وتوجيه العقول إلى الحقائق ضربا من الخروج على الدين، والتفكير الحر إلحادا، ولكل الشعوب أن تختار ما تريد إلا شعوب هذه الأمة؛ مرة يقمعها حكامها، وأخرى يأتيها بوش وقبيله من أقصى الأرض ليقمعوها، أو يسلطون عليهم المحتل الإسرائيلي فيعمل على تدمير حياتها، وعرقلة نهضتها.

     أذكر أني كنت أشاهد مقابلة أجرتها قناة (أوربت) بعيد توقيع اتفاقية أوسلو، مع الأمير الحسن بن طلال، سأله المحاور: ماذا تقول في ما يجري على الساحة اليوم، وكنت أصداء اتفاقية أوسلو تتصدر الأحداث آنذاك ، فقال له الأمير: أنا مع ما يجري سياسيا، ولكنني ضده عقائديا، كان معي إخوتي يشاهدون البرنامج؛ قلت لهم في حينه: سلام على الأمير الحسن! أخشى أن يدفع ثمن قوله( أما عقائديا فانا ضده) كأنه ممنوع عليك أن تحقق ذاتك، وأن تصدر منطلقا من رؤيتك، لا يصح لأبناء هذه الأمة أن يفكروا بعقولهم، بل بما يلقيه إليهم المستكبرون المتسلطون هنا وهناك.

    وقد نسترسل في الحديث عن الأسباب التي أدت إلى سقوط الأمة حضاريا، ولكنها يمكن أن تجمل في علة واحدة، وهي أن يستعيد أبناء هذه الأمة كرامتهم من مغتصبيها من المستبدين الذين يصادرونها، سواء أكانوا من الأجانب، أم من أبناء جلدتهم، فبكرامته يكون الإنسان حرا، وبحريته ينطلق عقله من قيده، وتصبح الفرصة مهيأة لإنجاز تقدم حقيقي، وإسهام في الحضارة البشرية فعال، وحياة هانئة يسودها العدل والمساواة.

    بذلك وحده، يمكن أن تعود للأمة أمجادها، حتى لو صاحب ذلك تراجع في المد خارج الحمى، وإلا فما نفع الانتشار إذا كان يفضي إلى ذوبان واضمحلال، وانتفاء للهوية الحضارية؟

    حدثني أحد الأصدقاء من قريب، أن رجلا حدّثه عن مجاهد ارتقى في إحدى المعارك في القرن الماضي، فلما أرادوا دفنه تحسسوا ما بجيبه ليؤدوه لورثته؛ فوجدوا رغيفا وقرن خروب. وحدثونا عن ذلك الإمام وذلك الصحابي الجليل؛ أنه لما مات لم يجدوا في بيته شيئا، أو ذلك الوالي الذي كان يتأخر عن صلاة الجمعة فشكاه القوم للخليفة ليتبين لهم أنه لم يكن يملك إلا ثوبا واحدا... كان يغسله وينتظر جفافه ليخرج لهم.

     

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me