An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Friday, February 13, 2009
  • الخطاب السياسي الفلسطيني والمؤثرات الخارجية
  • Published at:Not Found
  • الخطاب السياسي الفلسطيني والمؤثرات الخارجية

    شهادة على العصر

     أعد قبل حوالي عامين للمشاركة في مؤتمر كانت جامعة الخليل أعلنت عنه

                                                                            أ.د. يحيى جبر

    د. جمال أبو مرق

     

    تهدف هذه الورقة إلى رصد توجهات الخطاب السياسي الفلسطيني ابتداء من عام 1948 إلى اليوم؛ وذلك في خطوط عريضة ترمي إلى تحديد مؤشراته وتوجهاته، والعوامل المؤثرة فيه، والفلسفة التي ينطلق منها.

    وسنقدم لها بما نوضح فيه حقيقة الخطاب السياسي بوجه عام، وخصوصية الخطاب الفلسطيني بوجه خاص؛ ذلك لما تمتاز به الساحة الفلسطينية من معطيات متداخلة، من شانها أن تؤدي إلى تعقيد القضية، وتمكين الآخرين من التدخل؛ بغض النظر عما إذا كان ذلك سلبيا أم إيجابيا. ولتحقيق ذلك لا بد من تقسيم المدة الزمنية موضوع البحث إلى ثلاث فترات على النحو التالي:

    1.     الفترة الممتدة من الحرب العالمية الثانية حتى عام 1964م (أواخر العهدين الإسلامي والعربي).

    2.     الفترة الممتدة ما بين عامي 1964 و 1994م ( عهد الإقليمية الوطنية ).

    3.     عهد السلطة الوطنية الفلسطينية؛ من عام 1994 إلى اليوم.(عهد غزة والضفة).

    أما الموضوعات التي سنعالجها في هذه الفترات، فهي العوامل الخارجية المؤثرة في الخطاب السياسي، وهي تنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:

    ·        الأثر العربي العام، ممثلا في ثلاثة أبعاد هي:

    1.     البعد الرسمي، ممثلا في قرارات مؤسسة القمة العربية.

    2.     البعد الشعبي ممثلا في تعاطف الجماهير العربية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

    3.     البعد العربي الخاص، ونعني به مواقف دول الجوار الأربعة، مصر والأردن وسورية ولبنان.

    ·        الأثر الدولي؛ وسنتناوله من زوايا عدة؛ في مقدمتها:

    1.     دور المحتل؛ قبل أوسلو وبعدها.

    2.     دور الولايات المتحدة وبريطانية؛ المتناغم أبدا مع المصالح الإسرائيلية.

    3.  دور الدول الأوروبية المتأرجح بين الانحياز للمحور الصهيوـ أمريكي وبين الحياد السلبي، أو التعاطف الإنساني في أحسن الأحوال.

    4.  دور الأمم المتحدة المتواطئ مع المحور الصهيوـ أمريكي؛ علنا أو من وراء ستار، أو بحكم الواقع نتيجة لحقائق مسلم بها.

    5.  دور الدول الإسلامية الذي يتراوح بين الإيجابية المطلقة، كموقف إيران، وبين السلبية المتفاوتة، كمواقف جل الدول الإسلامية في الوقت الحاضر.

    6.     موقف المعسكر الاشتراكي السابق، وبعض الدول التي تتبنى مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية.

    وفي تحليلنا للخطاب السياسي الفلسطيني في حدود ما بيّناه، سنعمد إلى رصد المؤشرات سلبية كانت أم إيجابية، وسنحاول تقصّي الآثار الناجمة عن التدخل الخارجي والدوافع الكامنة وراء كل منها؛ أملا في التوصل إلى تشخيص الداء على طريق وضع استراتيجية من شأنها أن تقدم حلا مشرفا، أو علاجا ناجعا لهذه المعضلة المزمنة. ومن يدري؟ فقد نتوصل في آخر المطاف إلى تأكيد المقولة الشعبية التي تقول:" الطبخة إذا كثر طباخوها شاطت " و "يا قشيل اللي انكب طحينها في النتش؛ يصعب عليها لمّه".

    غير أن الحقيقة الأكبر والأنصع؛ التي نرجو أن يتمخض عنها البحث، هي أن القضية بدأت على حال، وانتهت على حال أخرى، بدأت إسلامية فعربية، وانتهت وطنية ما لبثت حتى تشظّت في غزة والضفة والمهاجر، أو توشك. ( كتبت هذه السطور قبل الانفصال الذي تم مؤخرا بين الضفة والقطاع).

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    الخطاب السياسي الفلسطيني والمؤثرات الخارجية

    شهادة على العصر

                                                                            أ.د. يحيى جبر

    د. جمال أبو مرق

     

    يرصد الباحثان في هذه الورقة توجهات الخطاب السياسي الفلسطيني ابتداء من عام 1948 إلى اليوم؛ وذلك في خطوط عريضة تهدف إلى تحديد مؤشراته وتوجهاته، والعوامل المؤثرة فيه، والفلسفة التي ينطلق منها.

    وقد قدم لها الباحثان بما أوضحا فيه حقيقة الخطاب السياسي بوجه عام، وخصوصية الخطاب الفلسطيني بوجه خاص؛ ذلك لما تمتاز به الساحة الفلسطينية من معطيات متداخلة، من شانها أن تؤدي إلى تعقيد القضية، وتمكين الآخرين من التدخل؛ بغض النظر عما إذا كان ذلك سلبيا أم إيجابيا.

     

    مفهوم الخطاب السياسي:

            الخطاب السياسي هو منظومة من الأفكار تشكلت عبر تراكم معرفي نابع من استقراء للواقع بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية والسيكولوجية وتمحورت عبر أنساق إيديولوجية مستمدة من التصورات السياسية المنبثقة من التراث أو من الحداثة التي تختلف في آلياتها ونظمها حسب مستوى النضج الفكري والوعي بمتطلبات المجتمع ومدى ارتباطها بمستوى الأداء الحركي في عملية التغيير والتنمية والحضور الوجودي.(1)

    ويمتاز الخطاب السياسي الفلسطيني عن غيره؛ بسبب الظروف التي اكتنفت تشكله، والمخاضات العسيرة المتلاحقة التي شهدتها فلسطين وما حولها، جراء المتغيرات المتلاحقة التي تواترت في المنطقة؛ سواء في ذلك ما كان منها لعلاقة بالداخل( على المستويات الوطنية والقومية والإسلامية) أو كان نتيجة للتدخل الخارجي (الاستعمار وإقامة الكيان الصهيوني، والتدخل الأمريكي والغربي). ومن هنا كان لا بد من تقسيم المدة الزمنية موضوع البحث إلى ثلاث فترات متداخلة، وليست طويلة؛ لأن توالد المتغيرات يجري على شكل متوالية هندسية بحكم تقارب الزمان والمكان، ونضج الصراع، والفترات هي:

    (1) سعد مطر عبود الزبيدي، الخطاب السياسي آراء وتحديات العصر http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=23775

     

     

    1. الفترة الممتدة من الحرب العالمية الثانية حتى عام 1964م (أواخر العهدين الإسلامي والعربي). وهذه الفترة كانت حاسمة في تاريخ الأمة وقضاياها المختلفة، فقد شهدت تكريسا لنتائج الحقبة الاستعمارية، وتراجعا في الخطاب الإسلامي حتى كاد يندثر إلا من بعض البؤر التي حافظت على المنطلقات الإسلامية في إدارة الصراع، كحركة الإخوان المسلمين، وحزبي التحرير والدعوة الإسلامية.

     كما تمثل هذه الحقبة أواخر ما كان من يقظة قومية كانت قد بدأت في أواخر القرن التاسع عشر ردا على بعض الطروحات القومية التي نشطت في دولة الخلافة الإسلامية التي كانت قد بدأت تتقهقر لعوامل كثيرة؛ جلها داخلية، ترتبط بجمود الفكر الديني، والظلم الاجتماعي.

    وقد تواصلت هذه الفترة على الصعيد القومي حتى عام 1970، الذي شهد حدثين خطيرين إلى حد بعيد؛ وهما: أحداث أيلول الأسود التي أدت إلى انتكاسة حضارية خطيرة، وأحدثت شرخا عميقا في الوجدان القومي، والثانية وفاة جمال عبد الناصر التي أدت إلى خروج مصر من جبهة المقاومة التاريخية.

    وفلسطينيا؛ شهدت هذه الفترة تقهقر حكومة عموم فلسطين، وولادة مؤسسة القمة العربية التي لم تنجز شيئا على الصعيد القومي يمكن أن يوصف بأنه بالغ الإيجابية، بينما كان أداؤها على الصعيد الفلسطيني فعالا إيجابيا في ظاهره، ولكنه ينطوي في حقيقته على مخاطر كبيرة أدت إلى تراجع قضية الحق العربي في فلسطين، أو ما يعرف بالقضية الفلسطينية.

     فقد تمخضت القمة الأولى عن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، حتى لكأنها ما كانت إلا لتشكيل هذه المؤسسة, فبدأ التدخل العربي في الشأن الفلسطيني يأخذ أبعادا خطيرة ابتداء من ذلك اليوم؛ إذ أخذت الدول العربية من المنظمة ستارا تلوذ به، وتتهرب من التزاماتها القومية متذرعة بمنظمة التحرير، وأن تحرير فلسطين أو التفاوض بشأنها هو من اختصاص منظمة التحرير، وقد كانت البداية تتسم بالمضاء والتصميم لولا ما اعترى مسيرة النضال الفلسطيني من سلبيات؛ كثير منها داخلي المنشأ، وأكثر من ذلك كان نتيجة لتدخلات خارجية، عربية أو أجنبية.

         2. الفترة الممتدة ما بين عامي 1964 و 1994م ( العهد الإقليمية الوطنية ).

            ذكرنا سابقا أن الفترة ما بين 1964 و1970يمكن أن تعد، من وجهة نظر قومية، استكمالا للحقبة السابقة، غير أنها، فلسطينيا؛ وإن شهدت تفجر المقاومة المسلحة، إلا أنها لا تعدو، في السياق العام، أن تكون محدودة النتائج نظرا لما أعقبها من انتكاسات على الصعد المختلفة، مما تبلور آخر المطاف تقهقرا في المد الثوري، واندحارا قوميا عميق الأثر.

     

    وفي هذه الفترة، تراجع المد القومي، فانسحبت مصر من الصف القومي، ولم يعد دورها أكثر من دور الوسيط غير المقبول بين الفلسطينيين والمحتل، وعزلت سوريا نفسها بعد أن أفردت؛ مكتفية بتجميد الأوضاع على جبهتها وعدم الانجرار إلى التطبيع أو الدخول في مفاوضات عديمة الجدوى مع المحتل، كما شهدت هذه الفترة أيضا تصاعد الخلافات العربية، وظهور التجمعات الإقليمية مما بعث شعورا بالإحباط لدى المواطن العربي، وفي هذه الفترة كانت حربا الخليج الأولى والثانية اللتان أحدثتا صدعين بالغين في الوحدة الإسلامية، والوحدة القومية نتيجة لمشاركة بعض الدول العربية في العدوان الأمريكي على العراق في أعقاب عدوانه على الكويت.

     

         ولعل الأخطر فلسطينيا هو خروج المقاومة من لبنان، وتشظيها في بلدان عربية مختلفة، إضافة إلى ما شهدته الساحة الفلسطينية من انقسامات أنهكت منظمة التحرير وأسهمت في تعطيل برامجها إلى حد كبير؛ لولا الحضور الشخصي لياسر عرفات؛ الذي حافظ على نمط من الكيانية له ما له، وعليه ما عليه.

     

    3. عهد السلطة الوطنية الفلسطينية؛ من عام 1994 إلى اليوم.( عهد غزة والضفة).

    كان مؤتمر مدريد علامة بارزة على طريق التراجع العربي والفلسطيني، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يزيّن به من أنواع الزينة والماكياج، لأنه أفضى إلى اعتراف بإسرائيل دون مقابل، ناهيك عما انطوى عليه من دلالات الانهزام والتراجع عن المبادئ التي لطالما أعلن عنها العرب في قممهم، والفلسطينيون في خطبهم وبياناتهم، وفي النظم الأساسية لتنظيماتهم.

     

    وفي هذه الفترة ظهرت السلطة الوطنية، واتفاق أوسلو الذي أبرم دون أن يستفتى عليه الشعب، وشهدت الساحة انتخابات تشريعية تمخضت عما تمخضت عنه، ولعل أبرز المفارقات في هذه الحقبة إخلاء فصيلي حماس والجهاد الإسلامي الساحة السياسية مما أفسح المجال لفئة بعينها أن تتحرك، وتسنّمت السلطة، وأرست بنية تحتية في المؤسسات ترعى مصالحها، ولا تتناغم مع قاعدتها الشعبية، ولا مع ميثاق منظمة التحرير، بل بادرت إلى إلغاء بعض بنوده، حتى إذا جاءت الانتخابات الثانية فوجئ الفلسطينيون والعرب والعالم بأسره بنتائجها، إذ فازت حماس بدعم حتى من بعض عناصر حركة فتح؛ التي تعد بحق رائدة النضال الفلسطيني الحديث، بالرغم مما يؤخذ على بعض المنتسبين إليها، ولا سيما أولئك الذين يحولون دون تمكين القاعدة الشعبية في الحركة من ممارسة نشاطاتها على طريق الارتقاء بالحركة وتفعيل دورها النضالي على الساحة الفلسطينية لتظل قادرة على العطاء، ومنافسة الحركات الأخرى بما لديها من مد جماهيري، لا بما لدى بعض المنتسبين إليها من مد خارجي أجنبيا كان أو عربيا.

     

    كما شهدت هذه الفترة صدامات افتعلها متنفذون عزّ عليهم أن يجدوا أنفسهم خارج دائرة القرار، وآخرون أيقنوا أن الشعب سيطالبهم بما نهبوه من ثرواته، ومنتفعون بالأوضاع السابقة التي كانت قائمة على المحسوبية والاستزلام، وعلى أساس الدولة السوق لا الدولة الوطن بكل مواصفاته، على نحو ما تبيّن في أعقاب التحقيق الذي تولّته اللجنة التي شكلها رئيس السلطة الوطنية في أحداث غزة الأخيرة.

     

    وفي تحليلنا للخطاب السياسي الفلسطيني في حدود ما بيّناه، سنعمد إلى رصد المؤشرات سلبية كانت أم إيجابية، وسنحاول تقصّي الآثار الناجمة عن التدخل الخارجي والدوافع الكامنة وراء كل منها؛ أملا في التوصل إلى تشخيص الداء على طريق وضع استراتيجية من شأنها أن تقدم حلا مشرفا، أو علاجا ناجعا لهذه المعضلة المزمنة. ومن يدري؟ فقد نتوصل في آخر المطاف إلى تأكيد المقولة الشعبية التي تقول:" الطبخة إذا كثر طباخوها شاطت ".

     

       

    العوامل الخارجية:

    تتعدد العوامل الخارجية المؤثرة في الخطاب السياسي الفلسطيني، ويأتي تعددها من تعدد مصادرها التي تتفاوت في مبلغ تأثيرها، وهي تنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:

    ·        الأثر العربي العام، ممثلا في بعدين هما:

    1.   البعد الرسمي

     ويتمثل في قرارات الزعماء العرب، ومؤسسة القمة العربية؛ فلا شك في أن المواقف الرسمية العربية أثرت في مواصفات الخطاب السياسي الفلسطيني بشكل فعال، بل لقد كان بارومترا حساسا يعكس تلك المواقف، ويتناغم معها سلبا أو إيجابا، فقد فرح الفلسطينيون بثورة 23 يوليو، وهتفوا لقائدها جمال عبد الناصر لما رأوه فيه من معاني العزة القومية، وإصرار على التحدي والنضال لتحقيق أهداف الأمة في الوحدة والتحرير، بل لقد آثر الخطاب الفلسطيني في الخمسينات من القرن الماضي أن يواكب المسيرة القومية وطروحاتها أملا في أن تفضي آخر المطاف إلى تحرير فلسطين.

     

    لقد أصبحت الفكرة القومية هاجسا يساور الفلسطينيين في كل زمان ومكان، حتى صفقوا، جماهير وقيادات نضالية وسياسية، لكل الثورات العربية التي كانت تبادر إلى رفع شعار تحرير فلسطين، ولو كانت في دول بعيدة، كثورة الفاتح من سبتمبر 1969م التي قادها العقيد معمر القذافي في ليبيا، والثورة التي قادها عبد الله السلال في 26/9/1962م في اليمن.

    لقد تماهى الخطاب السياسي الفلسطيني في تلك الحقبة مع الأحداث، والمد القومي الذي كان عارما، كل ذلك لإدراك الفلسطينيين أن إسرائيل ما كانت لتقوم لولا حالة الخور والاستخذاء التي كانت تحياها الأمة العربية، وهنا يجب أن نشير إلى نقطة مهمة جدا، تتمثل في  بروز تيارين قوميين مختلفين إلى حد بعيد؛ بالرغم من تطابق طروحاتهما، وهما: الخط الناصري بقيادة مصر، والخط البعثي بقيادة تتأرجح بين سورية والعراق.

     

     

    2.   البعد الشعبي

        وهو ما يتمثل في تعاطف الجماهير العربية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ف أبدت الجماهير العربية تعاطفا منقطع النظير مع قضية فلسطين، إذ لم تكن تعدها قضية قوم آخرين، لسيطرة المشاعر الإسلامية على عامتهم؛ فكانوا يتوافدون زرافات ووحدانا من جميع الأقطار العربية والإسلامية.وحدثني أحمد بن قُنَّة من بلدة الجرف في السعودية، أن رجله قطعت في فلسطين في انفجار لغم عام 1948، واستشهد والد إبراهيم بكار من مدينة بنغازي الليبية في فلسطين دفاعا عن حق الأمة فيها. ودخلت كتائب من المجاهدين من سورية بقيادة القاوقجي والقسام، وحارب أردنيون بشراسة ضد المحتل في معارك 1948.

     

    ولم يتراجع المد العربي الشعبي، فكانت معركة السويس وتأججت المشاعر القومية لتحرير فلسطين ودعم جبهات القتال ضد المحتلين. وفي أعقاب معركة الكرامة التي انتصر فيها المقاتلون الفلسطينيون بدعم أشقائها الأردنيين؛ شهد الوطن العربي مدا شعبيا عارما، ونشط المتطوعون لجمع التبرعات لدعم المجهود الحربي، وللالتحاق بصفوف المقاومة، فصرت ترى في صفوفها العراقي واليمني والسوداني والسوري، حتى لقد عاد بعضهم إلى فلسطين في أعقاب اتفاقية أوسلو تاركا بلده الأصلي.

     

            ومما يذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال، أن النساء في بلدة البيضاء الليبية خرجن للتبرع بحليهن بعد معركة الكرامة، وجمعن يومذاك من الذهب من كاد يملأ سيارة بيجو.   

    3.   البعد العربي الخاص

            ونعني به مواقف دول الجوار الأربعة، مصر والأردن وسورية ولبنان. فقد تأثر الخطاب السياسي الفلسطيني كثيرا بمواقف دول الجوار العربية من القضية الفلسطينية، ومن اللاجئين، فالأردن منحهم مواطنة تكاد تكون كاملة، من حق إقامة وجنسية وعمل، أما مصر فقد استقبلت قليلا منهم، ومنحتهم جوازات خاصة، ولم تسمح لهم بالعمل، لا سيما في عهد السادات ومن جاء بعده، أما في زمن عبد الناصر، فكانوا يعاملون كما يعاملون في سورية؛ حق إقامة وعمل. وكذلك في لبنان؛ اللهم إلا من بعد الحرب الأهلية إذ ضيقت السلطات على اللاجئين الفلسطينيين حتى أصبحت تجمعاتهم أشبه بالسجون المفتوحة.

     

            ولما كانت هذه الدول على خلاف فيما بينها حول القضية، فقد انعكس ذلك على المقاومة الفلسطينية وفصائلها إذ تعددت ولاءاتها لهذا القطر أو ذاك، مما أضعف حركة التحرر العربية بوجه عام والفلسطينية بوجه خاص، حتى صار لسان حال المواطن الفلسطيني يقول ما قاله أبو فراس الحمداني غداة وقع في الأسر عند أخواله الروم:

    لئن توجعت من أخوالي الروم مرة     توجعت من أعمامي العرب أربعا

     

            ولكن البعد القومي لم يحافظ على وتيرة واحدة في أثره، فقد تذبذب سلبا وإيجابا حتى فقد جدواه وانقلب رأسا على عقب، فبعد ان كانت دول الجوار حصنا للقضية، وجبهة منيعة تكرّس صمود الشعب، انقلب الموقفان الأكثر أثرا رأسا على عقب، أعني موقفي الأردن ومن قبله مصر، بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفد، وزيارة السادات للقدس، وبعد اتفاقية وادي عربة، فخرجت بذلك تانك الدولتان من المواجهة، بل كُبّلتا باتفاقيات تحاصرها بحيث لا تستطيع أن تقدم عونا حقيقيا للشعب الفلسطيني، وصارتا بحجة الاتفاقات المبرمة مع دولة الاحتلال تمارسان الضغوط على الشعب الفلسطيني وقضيته، وتروّجان للحلول الاستسلامية التي تفرّط بحقوق الشعب، وأغلقت حدودها أمام شحنات السلاح المحدودة التي كانت تهرّب إلى فلسطين عبر أراضيها، مما انعكس بآثاره على القضية وروح القومية العربية بشكل سلبي مدمر.

     

                ويحتدم الصراع الآن في لبنان ومن ورائه مواقف من القضية الفلسطينية، فئة تتبنى النهج العروبي المقاوم الذي يؤمن بالتحرر والاستقلال واسترداد الحقوق، وفئة تهادن وتساوم، وتسعى لتصفية حضور القضية على ارض لبنان بتوطين اللاجئين وإغلاق ملف القضية على الساحة اللبنانية.

     

    غير أن أخطر ما انقلبت إليه الأمور كان بعد اعتراف مصر والأردن بالكيان الصهيوني، هذا الاعتراف الذي قلب للأمة وتراثها وماضيها ظهر المجن،فالدول الإفريقية التي كانت قد قطعت علاقاتها بالكيان الإسرائيلي تعاطفا مع مصر، عادت لتنشيط تلك العلاقات بحجة أن مصر( الدولة ذات الشأن) قد أقامت علاقات مع دولة الاحتلال. وتعاقبت الأحداث من بعد، وتواصل توجيه الأحداث على الساحة وفقا لمخطط مدروس، وتوالى شد الخيوط على مسرح المتغيرات حتى كان اعتراف منظمة التحرير بدولة الاحتلال قبل أن تحصل على شيء يذكر، والأنكى من ذلك أن أصبح من العرب ومن الفلسطينيين من يروّج للمحتل وسياساته، وتنسجم مصالحه مع مصالحه على نحو ما نجده في لبنان وفلسطين وسواهما كالأردن ومصر وتونس والمغرب وقطر.

     

    أثر الدول الإسلامية

    وهذا الموقف يتراوح بين الإيجابية المطلقة، كموقف إيران، وبين السلبية المتفاوتة، كمواقف جل الدول الإسلامية في الوقت الحاضر. إذ لم تكن حال الدول الإسلامية أفضل من حال الدول العربية، فهي أشتات تعاني مشاكل كثيرة تعود للحقبة الاستعمارية، وتختلف مواقفها من القضية باختلاف مصالحها، غير أنها كانت تحافظ على الحد الأدنى من التناغم مع حقوق الشعب الفلسطيني والتماهي مع مطالبه، وتقديم الدعم المالي المحدود له، غير بعض الدول بادرت إلى إقامة علاقات حميمة مع الكيان الإسرائيلي، كإيران الشاة، وتركيا مما أدى، مع مرور الزمن، إلى التطبيع مع هذا الكيان.

    ·   الأثر الدولي، ويكاد ينحصر في عدة عوامل كان لها دور بارز في توجيه الخطاب السياسي الفلسطيني منذ نشأت القضية؛ وسنتناوله من زوايا عدة؛ في مقدمتها:

     

    الآثار المباشرة لدولة الاحتلال

            كان لدولة الاحتلال ابتداء من أول يوم قامت فيه أثر جسيم في صنع الأحداث  وتوجيه الخطاب السياسي الفلسطيني، ذلك بما أصبحت واقعا لا مفر من الإقرار بوجوده، وبدوره في تشكيل الصورة السياسية للمنطقة، فكان لبقاء نسبة كبيرة من الفلسطينيين داخل هذا الكيان، وللعلاقات المتوترة في الساحات المحيطة دور كبير في صياغة الخطاب السياسي الفلسطيني،ولا ننسى هنا ما أقدم المحتل عليه من اختراق للساحة الفلسطينية بكثير من العملاء الذين كانوا وما زالوا يزودونه بالمعلومات الضرورية لإنجاز مخططاته، وتطويق الفعاليات النضالية لإجهاض حركة المقاومة.

     

    أثر الولايات المتحدة وبريطانية

            كانت القضية الفلسطينية صناعة بريطانية بامتياز، حتى أشرفت الحرب العالمية الثانية على نهايتها وقد تمخضت عن حضور كثيف للولايات المتحدة على الساحة الدولية، بعد الانتصار الساحق الذي تحقق في تلك الحرب بالمساعدة الأمريكية، فبادرت الحركة الصهيونية  إلى نقل مقرها من لندن إلى واشنطن،لتكون قريبة من صانعي القرار على الساحة الدولية: حكومة الولايات المتحدة، والأمم المتحدة( حامد ربيع، القضية الفلسطينية)

     

     وباختصار، يمكن وصف الدور الأمريكي البريطاني بأنه المتناغم أبدا مع المصالح الإسرائيلية، بل إن المطالع في الأدبيات التي واكبت نشوء الفكر الصهيوني، ومشروع العودة إلى فلسطين، وما تنطلق منه إدارة الديمقراطيين الجدد في تعاملها مع قضية الشعب الفلسطيني ـ ليجزم بأن دولة الاحتلال ليست إلا مشروعا إمبرياليا غربيا، وقد نذكّر هنا بدعوة  البيوريتان في القرون الوسطى، إذ كانوا ينادون بضرورة تمكين اليهود من العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم، وأن على البريطانيين أن يحملوهم إليها على أكفهم وبسفنهم تمهيدا لعودة المسيح( عليه السلام) تلك الدعوة التي تناسخت في الفكر الذي يحرك دفة النشاطات الخارجية في البيت الأبيض اليوم.

     

    وقد تأثر الخطاب السياسي الفلسطيني بهذا الدور، لما تملكه الدولتان: بريطانية والولايات المتحدة من عناصر الضغط على مراكز صنع القرار في الوطن العربي وغيره، بما في ذلك الساحة الفلسطينية.

     

     

    أثر الدول الأوروبية

    يتأرجح موقف الدول الأوروبية بين الانحياز العلني للمحور الصهيوـ أمريكي وبين الحياد السلبي، أو التعاطف الإنساني مع الشعب الفلسطيني في أحسن الأحوال. وقد لعبت إسبانية واليونان والدول الإسكندنافية دورا إيجابيا في ما اتخذته من مواقف تجاه دولة الاحتلال، غير أن وزنها السياسي لم يكن ليمنحها دورا فعالا في توجيه الأحداث.

     

    أما الدول الأخرى، فلربما تبني بعض المواقف الإيجابية،من القضية الفلسطينية، ولكن مؤشر سياساتها الإجمالي يعكس موقفا سلبيا من حقوق الشعب الفلسطيني، دون أن ننسى ما تقدمه للشعب الفلسطيني من عون مادي أحيانا.

     

    دور الأمم المتحدة

    وهو الدور المتواطئ مع المحور الصهيوـ أمريكي؛ علنا أو من وراء ستار، أو بحكم الواقع نتيجة لحقائق مسلم بها، فموقع الأمم المتحدة في نيويورك جعلها أكثر قابلية للخضوع للمؤثرات الأمريكية نظرا لقربها من كواليس السياسة الأمريكية، ودوائر صنع القرار، وأكثر ما يكون اختراق البعثات الدبلوماسية التي تمثل بلدانها في الأمم المتحدة من خلال تدريبها للنهوض بأدوار مستقبلية لبعض عناصرها في بلدانهم عندما يعودون إليها، فكأن إقامتهم في نيويورك تمثل مدخلا وبابا خلفيا لمراكز يتولون إدارتها في بلدانهم من بعد، بحيث تأتي إدارتهم لها منسجمة مع الرؤية الأمريكية.

     

    وبالرغم من اتخاذ المم المتحدة قرارات كثيرة فيها شيء من الإنصاف للشعب الفلسطيني، إلا أنها لم تبادر إلى تطبيق إي منها، وإسرائيل تماطل في تنفيذها دون أن تجد من يردعها، بل على العكس من ذلك، إذ تجد المدللين حولها من العرب والدول الأخرى ما يغريها بمواصلة (استضراطها) للعالم بأسره واستخفافها بالشرعية الدولية، ناهيك عن أنها باتت تجد من الفلسطينيين من يسهم في تحسين صورتها، وتغطية فظائعها ضد الشعب الفلسطيني.

     

    إن الخطاب السياسي الفلسطيني في توجهه للأمم المتحدة مصاب بخلل كبير يتمثل في مطاوعة هذه المنظمة في مواقفها العملية من القضية، تلك المواقف التي تتناغم مع الرؤية الإسرائيلية، وأكثر من ذلك أن المفاوض الفلسطيني يترك الخلفية الأممية لما يجب أن يكون عليه الحوار، وينجر إلى دردشات سياسية في ردهات ودهاليز جانبية قد تفلح في إزالة حاجز أو تقديم دعم مادي لهذه الجهة أو تلك، مما يعني آخر المطاف تجزئة القضية والانحراف بها عن مكوناتها الأساسية: قضية اللاجئين وحق العودة وتقرير المصير.

     

    موقف المعسكر الاشتراكي

     

    امتاز موقف المعسكر الاشتراكي السابق بدعمه للقضية الفلسطينية، وكذلك بعض الدول التي تتبنى مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، كجنوب إفريقية بعد زوال العهد العنصري الذي كان متواطئا مع دولة الاحتلال ومتماهيا معها إلى حد بعيد.

     

    غير أن هذا الدعم لم يكن ليتجاوز حدودا معينة، ففي الوقت الذي كان المعسكر الاشتراكي يدعم فيه المقاومة الفلسطينية لم يكن ليوافق على تمكين الفلسطينيين ولا الدول العربية الحليفة كمصر عبد الناصر وسورية من النيل الحقيقي من إسرائيل.

     

    ******

    في ضوء ما تقدم، يمكن القول عن الخطاب السياسي قد تلون، وما يزال، بألوان شتى، لا تجد له قرارا، نعم كل الفلسطينيين يتحدثون عن الثوابت الفلسطينية وألا تفريط في حق العودة، ولكن ما يجري على أرض الواقع شيء لا ينسجم مع ذلك ، ولا يسير في اتجاه تحقيقه، لقد تمزق الخطاب السياسي الفلسطيني وأصبح أشلاء في أيدي القوى المهيمنة من خارجية وداخلية، حتى صح أن نكرر مقولة العجائز المشهورة " قشيل اللي انكب طحينها في النتش؛ يصعب عليها لمّه".

     

    لقد بدأت القضية بدأت على حال، وانتهت على حال أخرى، بدأت إسلامية فعربية، وانتهت وطنية ما لبثت حتى تشظّت في غزة والضفة والمهاجر، أو توشك. وتحوّل الخطاب السياسي إلى خطابات وإن رفع الكل عقيرته باسم جميع الشعب الفلسطيني، وصار بعض العرب يطالبون بتوطين اللاجئين في ديارهم؛ يسهمون بذلك في حل مشكلة المحتل بدلا من اعتبار وجوده في فلسطين مشكلة بحد ذاته، واستمر التراجع في الخطاب السياسي حتى بات فينا من يتبنى طروحات المحتل ويدافع عنا، وصارت الخيانة وجهة نظر؛ تجد من يدافع عنها، أجل؛ صارت حقيقة راهنة.

     

    وقد أسهمت التدخلات العربية في تخريب القضية، فإذا كان ياسر عرفات يدعو إلى "وحدانية القرار الفلسطيني" بغض النظر عما يمكن أن يُتّخذ حيال ذلك من مواقف؛ إلا أنه كان أفضل مما كان جرى على أرض الواقع حين تشكلت الوزارات الفلسطينية الأولى، وكان يجد نفسه مضطرا لمداعبة وزرائه بقوله لهم:" كل واحد منكم يخبر جماعته" يعني الدولة العربية أو الأجنبية التي فرضت هذا الوزير أو ذاك، أو رشحته، أو كان عرفات مضطرا لتعيينه ترضية لهذا البلد أو ذاك من البلدان ذات النفوذ على الساحة الفلسطينية بما فيها دولة الاحتلال.

    وبعد؛ فلا نكاد نرى بصيصا يبشر بانفراج الأزمة التي تحدق بالقضية، مما يعرّضها للخطر الشديد، وينذر بعواقب وخيمة، لا سبيل إلى حلها إلا بالرجوع مجددا لما كانت عليه القضية في مبتداها، قضية إسلامية عربية فلسطينية، وتفعيل دور الجماهير في اتخاذ القرارات؛ لأنها صاحبة المصلحة الحقيقية في هذه القضية، مما ينعكس بالتالي علي الخطاب السياسي، فيعيد النظر في منطلقاته، ودوافعه، والفلسفة التي يستند إليها، والإستراتيجية التي ينتهجها لتحقيق أغراضه، وهي؛ أولا وأخيرا: حق العودة وتقرير المصير. أما ما يقال عن القضايا الأخرى: كقضية القدس، والأسرى فهي في ضوء ما تقدم مسائل عارضة تنحل على هامش القضايا المركزية الأخرى..

     

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me