An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, February 15, 2009
  • الاستعراب في الهند ... اعد في توبنجن 1993م ونشر في مجلة الخفجي السنة 23 عدد 8 سنة 1414 ص 44، 45.
  • Published at:Not Found
  • الاستعراب في الهند([1])

     

            تعود الصلة بين العرب والهنود إلى أحقاب متقدمة من التاريخ حين كانت السفن تتنقل بين موانئ الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية وموانئ الهند بما فيها الباكستان اليوم.

            ولكن البيانات المدونة تعيد تلك العلاقة إلى زمن البعثة النبوية إذ تحكي قصة الشكروتي فرماض سلطان مليبار، أنه رأى، وهو في بلاده، انشقاق القمر الذي كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم: فآمن قبل أن تصل إليه الدعوة الإسلامية، ثم انتقل إلى بلاده نفر من المسلمين، وهي قصته تطول ( منها نسخة خطية ضمن مخطوطات مليبار الرسمية ).

            وقد دخلت الهند في حمى الإسلام على يد محمد بن القاسم الثقفي، فاتصل العرب المسلمون بحضارة الهند، فترجم ابن المقفع كليلة ودمنة، كما نقلوا ما يعرف بـ " هزاز أفسانه " أو الألف خرافة " ألف ليلة وليلة " ومن ملامح ذلك الاتصال ما أثر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي من تأثره بفلسفتهم وموسيقاهم وحسابهم وفلكهم، مما قاده إلى وضع علم العروض، والنظر في النجوم إلى أن رجع عنه، ونحو ذلك مما يطول استعراضه.

            ولكن الإسلام ما لبث حتى تجذر في الهند، وشمل مساحات منها أكبر، وصارت كلها تحت النفوذ الإسلامي المباشر، وذلك عندما أخضعها محمود الغزنوي، أمير دولة غزنة في أفغانستان اليوم لسلطانه بعد أن غزاها سبع عشرة مرة ما بين عامي 997-1030م. وفي سنة 1186م استولى عليها الغوريون، وهم قبيلة تركية كانت توطن في أفغانستان، فاحتلوا مدينة دلهي، وأقطع ملكهم " غياث الدين طغلق " أحد أحفاد الخليفة المستنصر مدينة " سيرى " وكان ذلك عندما فر الأخير من بغداد. كما قرب هذا الملك منه ابن بطوطة الرحالة المغربي الذي زار الهند في رحلته المشهورة وأسفره إلى الصين.

            ومع تغلغل الإسلام في الهند، تغلغلت العربية في لغاتها، وتركت بصمات ما تزال ماثلة في المعجم الهندي على تعدد لغاته، فنجد كثيراً من المفردات العربية في تلك اللغات، سواء كانت هذه المفردات لعلاقة بالدين الإسلامي أم لم تكن، كالصابون والقميص والحكيم ونحوها كثير، إلى جانب عدد ضخم من المفردات الإسلامية.

            إن زحف العرب للهند، كما يقول المؤرخ الهنديSatish Grover في كتابه عن الآثار الإسلامية في الهند، لم تتمثل في الأعمال العسكرية وحسب، ولكنه ما لبث أن تحول إلى تغلغل ثقافي إسلامي، أما التغيرات الجذرية والسياسية التي أحدثها ذلك الفتح فقد تأخرت قروناً. ويعود تاريخ بناء أول مسجد في الهند إلى سنة 727م، أي حوالي سنة 108 من الهجرة.

            وفي اللغة المليبارية نجد عبارات وأناشيد عربية كلها ذات طابع ديني، ومن ذلك على سبيل المثال في حفلات الزواج:

            الله حسبي، وهو نعم الوكيل، الله

            آمنة الزهرية أم خير عروس محمد والعروس في العربية للرجل والمرأة على حد سواء.

            أو كقولهم: طه طه رسول الله سموات بعلاها

            فاه فاه بوحي الله، شافعاً محمد ( فاه بمعنى تفوه ).

     

            وفي العصر الحديث أسهم الهنود في نشر التراث العربي الإسلامي، وأسسوا المعاهد والمجامع العلمية، والمطابع العربية، وسنعرض فيما يلي لطائفة من جهودهم في مجال المؤسسات العلمية، ومن أشهر هذه المؤسسات:

    1-  جامعة عليكرة، وقد أنشئت قبل حوالي سنة 1870م، وهي جامعة مختلطة بمعنى أن المسلمين والهندوس يؤمونها، وتسهم الحكومة في رفدها.

    2-  الجامعة العثمانية، وقد أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتشتمل على دائرة المعارف العثمانية التي أسست سنة 1888م، وكان لها الفضل الكبير في نشر كثير من المخطوطات العربية في المجالات المختلفة، ناهيك عن العمل على جمعها من البلدان المختلفة بما في ذلك روسية وأوروبة، ومن أهم المصادر التي نشرتها:

    -  جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد، وهو معجم لغوي في أربعة أجزاء.

    -  أعراب ثلاثين سورة لابن خالويه.

    -  السنن الكبرى للبيهقي، ويقع في عشرة مجلدات.

    -  مفتاح السعادة  لطاشكبري زاده، وهو خمسة مجلدات.

    -  المعاني الكبير، ثلاثة مجلدات، والأنواء في مواسم العرب، وهما لابن قتيبة.

    -  كنز العمال لعلي المتقي، ويقع في ستة عشر مجلداً.

    3-  الجامعة الملّيّة الإسلامية، وهي خاصة بالمسلمين، والدراسة فيها بلغة الأوردو ( لغة العسكر ) التي تستخدم في الباكستان وبين مسلمي غرب الهند.

    4-  ندوة العلماء بمدينة لكنهو: وهي مدرسة متخصصة في مجال علوم الدين والتاريخ، ويتم التدريس فيها بلغات مختلفة.

    5-  دار العلوم، وهي من أقدم المؤسسات، وفيها مكتبة قيمة تحفل بالمخطوطات الإسلامية، ومنها مخطوطات نادرة للقرآن الكريم بعضها يعود للقرن الهجري الأول.

     

            وتنتشر في الهند اليوم عشرات الجامعات التي تعني بتدريس العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية، نذكر منها على سبيل المثال: جامعة مدراس ومعهد البحوث الشرقية، وجامعة كلكتا، وجامعة حيد أباد، وجامعة باتنة، ومعهد بهولبهي في أحمد أباد، وجامعة فيسفا – بهراتي التي أسسها رابندارناث طاغور في البنغال سنة 1921، وجامعة جاموه، وجوجرات وآغرا، وغيرها.

            كما تنتشر في الهند المكتبات التي تحتوي عدداً كبيراً من الكتب المطبوعة والمخطوطات العربية في علوم الدين واللغة والتاريخ والفلك ونحوها، ومن تلك المكتبات مكتبة تبو سلطان في تيسور، ومكتبة حكومة الهند الشرقية في مدراس، ومكتبة أملافيروز في بمباي، ومكتبة رامبور، ومكتبة الجمعية الآسيوية في البنغال، التي فهرس مخطوطاتها شمس العلماء وهداية حسين ناهيك عن عدد كبير من مكتبات المساجد والزوايا الإسلامية التي تنتشر في بقاع كثيرة من الهند.

            ومن المؤسسات المتقدمة في هذا المجال مجلس الهند للروابط الثقافية العربية الذي سارع منذ تأسيسه إلى إنشاء مكتبة ضخمة، وإصدار مجلة " ثقافة الهند " التي بدأت في الصدور اعتباراً من سنة 1950م، وفي الهند مجمع علمي ( عربي ) وجامعة سلفية ومجلات تصدر بالعربية، وعلماء مسلمون هنود بعضهم عربي الأرومة كأبي الحسن الندوي ووالده عبد الحي بن فخر الدين مؤلف كتاب " الهند في العصر الإسلامي، ونزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تراجم أعيان الهند "، وهو في ثمانية أجزاء، ويؤرخ للهند ابتداءً من القرن الأول إلى القرن الهجري الرابع عشر.

            ومما يذكر هنا أن من الأدباء الهنود المسلمين من يتقن العربية أيما إتقان، ويعتبرها اللغة الأصلية، بل لقد اتخذها بعضهم لغة لأدبه وفنه إضافة إلى كونها لغة ديانته، حتى لو كان أن ظهر في السبعينات كتاب يحمل اسم " الأدب العربي في الهند ".

            إن في أطراف الأرض شواهد ماثلة على عظمة الأمة الإسلامية، وأمجاد اللغة العربية، ونفوذ الحضارة العربية الإسلامية. رسخ جذورها الأجداد الصالحون، وتواصلت المسيرة عبر القرون، حتى إذا أظلنا هذا الزمان بدأت تلك العظمة والأمجاد في التغير والأفول، وأخذ ما كان يانعاً بالأمس في الذبول، مما يستدعي أن نعادود النظر في التكرار، ونمسك بالزمام من جديد، معتصمين بحبل الله … بالعروة الوثقى التي كان لها الفضل في تسطير ماضي الأمة.

     


     


    ([1])  مجلة الخفجي السنة 23 عدد 8 سنة 1414 ص 44، 45.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me