An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, February 1, 2009
  • دلالة الأصل والتركيب بين ابن فارس والصاغاني/ مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد 67,68
  • Published at:Not Found
  •  

    دلالة الأصل والتركيب بين ابن فارس والصاغاني

    للدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر

    عمان - الأردن

     

     

    يراد بالأصل والتركيب في اصطلاح ابن فارس والصاغاني ما درج المحدثون على تسميته بالمادة أو الجذر اللغوي الذي يكون منه الإشتقاق والبناء .

    وسندور بهذه الدراسة القصيرة حول هذا الموضوع في كتابين هما "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس "والعباب الزاخر واللباب الفاخر" للحسن بن محمد الصاغاني، أو هو الصًّغانيّ دون ألف بعد الصاد.

    وجدير بالذكر أن أحداً من أعلام اللغويين القدماء لم يعرض لهذا النوع من التصور فيما نعلم. ولا نشك للحظة في أن الصغانيّ إنما فعل ما فعل إقتداء بابن فارس وجرياً على أسلوبه، فهو كثيراً ما يروى عنه، وينقل. غير أن هذا لا ينفي أن تكون للصغاني وجهة نظر مختلفة كثيراًَ أو قليلاً، أو أن يكون مذهبه أوسع أو أضيق مما كان عليه ابن فارس.

    وقد ألمح ابن جني لذلك في خصائصه، غير أن الأمر لا يبدو واضحاً عنده، ونورد فيما يأتي عبارتين توضحان رأي ابن جني في هذا المجال، وذلك حيث يقول: فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع...

    وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعدلونها بها، ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره[1] وحيث يقول أيضاً: وذلك أنهم يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيباً، وتقديم ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقاًَ للحروف على سمت المعنى المقصود[2] ويضرب لذلك مثلاً "بحث" فيقول: فالباء لغلظها تشبه خفة الكف على الأرض، والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما، إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والنبث للتراب.

    أما صاحبانا: ابن فارس والصغاني، فقد تبنيا هذه الفكرة، وهذا التصور، ولم تكد تخلو من الإشارة إليهما مادة من مواد معجميهما، غير أن ثمة ما هو جدير بالملاحظة، ذلك أن ابن فارس كان يقدم الدلالة العامة للأصل. أما الصغانيّ فعلى العكس من ذلك، حيث كان يؤخرها ويذيل بها شروحه لمعاني المادة، ومشتقاتها.

    وقد يورد ابن فارس الأصل اللغويّ دون ذكر كلمة "أصل" ولكنه يباشر التفسير والشرح، ومن ذلك قوله[3]  في "أزف": الهمزة والزاء والفاء يدل على الدنو والمقاربة. يقال: أزف الرحيل، إذا اقترب ودنا- يريد الأصل وأزف.

    وربما استخدم "كلمة" في موضع "الأصل"، ومن ذلك قوله في "بذل": الباء والذال واللام كلمة واحدة، وهو ترك صيانة الشيء. أما الشائع في معجمه فهو استخدام كلمة "الأصل".

    وقد ينعت الكلمة والأصل بالتفرد أو الصحة أو غيرهما. ومن ذلك قوله السابق في "بذل" حيث نعت كلمة بـ "واحدة"، ومنه قوله[4] : الباء والغين والراء أصل واحد... وفيه كلمات متقاربة في الشرب ومعناه، فالبغر أن يشرب الإنسان ولا يروى، وهو يصيب الإبل[5]  أيضاً. وحكى بعضهم بُغرت الأرض، إذا لينها المطر[6].

    ونستخلص من الأمثلة السابقة أن ابن فارس عندما يقول "كلمة واحدة" يريد أنه ليس في العربية غيرها من ذلك الأصل. أما الأصل فهو ما يشتق منه لمعناه العام، ويتضمن عدداً من المفردات والكلمات. ومما يوضح مذهبه في مصطلح "الكلمة" قوله في مادة "بيظ": الباء والياء والظاء كلمة ما أعرفها في فصيح كلام العرب، ولو أنهم ذكروها ما كان لإثباتها وجه، قالوا: البيظ ماء الفحل!.

    وربما نعت الأصل بأنه صحيح، ومن ذلك قوله: العين والفاء والقاف أصل صحيح...، يريد أنه مادة من مواد العربية، وإن لم يكن شائعاً.

    وقد يأتي ابن فارس بمادة، فيفصل القول في معاني مشتقاتها ليقف على أنّ ثمة تبايناً فيما بينها، وأن يمكن أن تُبلْور في معنيين، ومن ذلك قوله في "عقر": العين والقاف والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول الجرْح وما يشبهه من الهزم في الشيء. والثاني دالٌّ على ثباتٍ ودوام. فكأن صاحبنا يريد أن يقول إن لهذه المادة دلالتين.... وذلك أمر ليس صحيحاً، فالأصل في المادة أن تكون لدلالة واحدة، وسنناقش ذلك في ما يأتي.

    ويدخل الصغانيّ المضعّف الرباعي في المادة الثلاثية، وكأنه يرى أن الأصل في الدلالة للحرفين الأول والثاني، بالرغم من أنه لم يصرح بذلك، ولكنا نراه في كلامه. ومن ذلك أنه أورد حفحف في حفّ، لمن ضاقت معيشته، والحفحفة من الأصوات. وأورد الرفرف والرفارف في مادة "رَفَّ".

    والصغاني، كابن فارس، يورد أحيانا أن "التركيب" يدل على أكثر من معنى، ومن ذلك قوله في (ضفف)[7]: "والتركيب يدل على الاجتماع، وعلى القلة والضعف"، وقوله في مادة (صيف): "إن مدار التركيب يدل على زمان، وعلى مَيْل وعُدول".

    ومن الطريف أن الصغانيّ كثيراً ما يتقفّى أثر ابن فارس في معجمه، ويترسم خطاه، ومن ذلك ما أورده في مادة (ظرف) من قوله- في آخرها: وقال ابن فارس في آخر هذا التركيب: "وما أحسب شيئاً من ذلك في كلام العرب"[8]  وما ورد في مادة (صعف) من قوله: وقال ابن فارس: "الصاد والعين والفاء ليس بشيء على أنهم يقولون الصَّعْف شراب" [9] .

    ولعل ما ذهب إليه الرجلان من دلالة الأصل أو التركيب هو أول وأوضح ما وصل إليه المتقدمون على طريق تحديد دلالة المادة اللغوية، غير أن رؤيتهما لم تكن من الدقة والاكتمال بحيث ترتقي إلى مستوى الرؤية الحديثة، ولا عجب، فالحكم على الماضي بمعايير الحاضر أمر لا يصح بحال، كما أن في المستوى العلمي لعصرهما ما يكفي عذراً لهما. وهل يبدأ البنيان إلا من أسفل؟.

    إن كثيراً من الدلالات التي أورداها لهذا الأصل أو ذاك مما قالا بتباينها واختلافها- هي في الحقيقة دلالة واحدة، ولكن نظرتهما إلى الدلالات المتباينة كانت تتم من زوايا مختلفة، وإن نظرة شموليةً للمعاني المختلفة لتقفنا على دلالة واحدة للمادة الواحدة، تجمع بينها كقاسم مشترك. وذلك هو الأصل في علم الدلالة، غير أن المرء قد يجد بين المعاني ما يشير إلى تباين، كأن يشير إلى وقوع أحدها على ما هو معنويّ، وآخرهما على ما هو ماديّ، فيصعب التوجيه إلا بتوسيع دائرة النظر، والتَّبصًّر في العلاقات الكامنة بين هذا وذاك.

     ونورد في ما يأتي أمثلة تعكس الاختلاف في دلالة المادة الواحدة، ثم نعود لنبين أثر الاختلاف في الزاوية التي كان منها النظر في اختلاف الدلالة، ونخلص من ذلك بما يؤكد وحدة الدلالة للمادة الواحدة.

    جاء في معجم المقاييس "فضح" قول ابن فارس: الفاء والضاد والحاء كلمتان متقاربتان تدل إحداهما على انكشاف شيء، ولا يكاد يقال إلا في قبيح، والأخرى تدل على لون غير حسن أيضاً، فالأول قولهم: فضح الضبح وفضَّح إذا بدا، ثم يقولون في التَّهتُّك: الفضوح، قالوا: وافتضح الرجل إذا بدت مساويه. وأما اللون، فيقولون: إن الفَضَح غُبْرةٌ في طُحْلةٍ[10] وهو لون قبيح، وأفضح البُسر[11] إذا بدتْ منه حُمْره".

    وقبل أن نسترسل، يحسن أن نُقلِّب هذا القول، لنرى أن الدلالتين على اللون والانكشاف هما في الحقيقة دلالة واحدة، يمكن ترجمتها بقولنا "انقشاع حائل وظهورُ جديد"، وينفرع عن هذه الدلالة كل من الدلالات السابقة، فالغُبْرةُ في الطُّحْلة كبياض الفجر في سواد الليل سواء بسواء، وكاحمرار البُسر في خضرته، وقل مثل ذلك في انقشاع "ثوب الستر" عن الرجل لتبدو مساويه، وهذا الأخير من المعنويّ، وهو منشعب وناجم عن الدلالة لعلاقة مجازية.

    وقال ابن فارس أيضاً[12]: "العين والقاف والراء أصلان متباعد ما بينهما، وكل واحد منهما مطردٌ في معناه، جامع لمعاني فروعه، فالأول: الجرح أو ما يشبه الجرح من الهزم في الشيء، والثاني دالّ على ثبات ودوام، فالأول قول الخليل: العُقْر كالجُرح... يقال: عَقَرْتُ الفرس أي كَسَعْتُ قوائمه بالسيف، وفرس عقير ومعقور... وتعقر الناقة حتى تسقط، فإذا سقطت نحرها مستمكناً منها... وقول القائل: عَقَرْتَ بي، معناه أطلت حبسي، ليس هذا تلخيص الكلام، إنما معناه حبسه حتى أنه عقر ناقته، فهو لا يقدر على السير. وأما الأصل الآخر، فالعَقْر القَصْر الذي يكون معتمداً لأهل القرية يلجأون إليه. قال لبيد:

    بأشباهٍ حُذين على منال وافر[13]

    كعقـر الهـاجـريِّ  إذ ابتناه

    أبو عبيد: "العقر كل بناء مرتفع...". قال الخليل: "عقر الدار محَلَّة القوم بين الدار والحوض، كان هناك بناء أولم يكن.... ومن الباب عُفْرُ النار: مجتمع جمرها".

    قلت: قوله فالأول قول الخليل: العقر كالجرح.... لا يعني أن العقر هو الجرح وإنما الذي نراه هو أنه أراد أن العقر كالجرح في ضم أوله وسكون ثانيه، ذلك إلى جانب أن هذا التوجيه لا يتنافى مع ما أورده عقب ذلك من قوله "عقرت الفرس، أي: كسعت قوائمه بالسيف"، ذلك أن العقر ليس جرحاً في أي موضع وعلى أية هيئة كانت. ولكنه جرح بالغ ويكون في الأعقاب عرضاً، بحيث يؤدي إلى قطع الأعصاب التي تتحكم في العضلات فتسقط الدابة، ومن ذلك قولهم كلب عقور، لأنه يأتي من وراء الإنسان فيعضه في عقبه أو عضلة ساقة "فيعقره"، وهذا مثل كسع قوائم الدابة، ومن هنا كان ما أردف به من قول القائل: عَقَرْت لي، أي: حبستني، وبهذا تكون الدلالة الأولى للعقر هي التثبيت في المكان واللبث عن السير، بقطع أسباب القيام والسير من الرجلين.

    وننتقل إلى الدلالة الثانية التي أورها ابن فارس نقلاً عن شيوخه، وهي "مجتمع الناس والنار في المكان" على النحو الذي أوضحه، أي المكان الذي يلبثون فيه (ويثبتون) معظم أوقاتهم. وهكذا نرى أن الدلالتين التقتا، وأنهما في الحقيقة دلالة واحدة قائمة على معنى الثبات والتثبيت بشكل أو بآخر.... أليس الموت واحداً وإن تعددت الأسباب؟ والتشبع والريّ وإن اختلفت المأكولات والمشروبات؟.

    ويلاحظ أثر اختلاف الزاوية المنظور منها في أن الدلالة (الأولى) كان النظر إليها من خلال العلة الكامنة وراء الحدث، ومراعاة لها، بينما كان النظر إلى الأخرى من خلال المكان الذي يتم فيه الحدث، كإطلاق كلمتي السنة والقحط على الجدب، الأولى لعلاقة الظرفية والثانية لعلاقة السببية.

    ونسوق فيما يلي مثالاً من العباب يوضح التشابه الكبير بين الصغاني وابن فارس، وذلك حيث قوله في مادة (صرف): "والتركيب معظمه يدل على رجع الشيء…، وقد شذّ عنه الصِّرْف للصِّبْغ" وقبل أن نمضي قدماً نتساءل أين تقع المعاني التالية من الدلالة على "رجع الشيء":

    1 - أصرف الشاعر، إذا أقوى في شعره.

    2 - والتصريف، بمعنى الاشتقاق.

    3 - وتصريف الخمر، بمعنى شُرْبها.

    4- وصَرَّفت الرجل في أمري تصريفاً، فوَّضْتُه.

    وغيرهما؟ أم هي الأخرى شاذة كالصرف للصبغ؟ أم أنها من المجاز الذي ينبغي أن لا يُعوَّل عليه، وأن لا لوقف عنده حين البحث عن الدلالة الأصلية؟.

    وبإلقاء نظرة شمولية على الدلالتين اللتين أوردهما الصغانيّ لمادة "صرف" نستطيع أن نقف على حقيقة مفادها أن تينك الدلالتين هما دلالة واحدة يمكن أن نبلورها في معنى "إحلال شيء مكان آخر، أو إزالة شيء ليكون آخر" ورجع الشيء يعني أن الشيء لا يكون فيكون وأن الأديم (الجلد) يكون ذا لون فيصبغ بمادة تغير لونه، وبذلك يكون شيء قد حل محل شيء آخر، وكأن اللون الأول رجع واختفى، وأسند الأمر إلى لون الصبغ.

    وخلاصة القول أن لكل مادة أو أصل أو تركيب دلالة واحدة، وإن بدا خلاف ذلك فإنّ الأمر يقتضي مزيداً من البحث وإمعاناًَ بالنظر، وتقليباً لجوانبه، وسيؤدي ذلك بنا إلى قاسم مشترك يجمع بين ما بدا مختلفاً.

    والغالب أن تكون الدلالة الأصلية لكل مادة محسوسة، أي: يمكن إدراكها بالحواس التي زود الله بها الجسم، وإن بدا خلاف ذلك فلابد من تعقب تاريخي لتطور دلالة المادة. وبعد، فإن ابن فارس، والصغاني من بعده ليعدان في طليعة أولئك الذين عرضوا للدلالة، وإن  الفضل يعود إليهما في  فتح ذلك الباب الذي هداهما الله إليه. ذلك بالرغم من أنهما لم يبلغا بذلك حداًَ علمياًَ دقيقاً يصلح لأن يرقى بمذهبهما إلى مستوى القاعدة أو النظرية.

     

     

     

     

    [1]  الخصائص – الطبعة المصرية 2/157.

    [2]  نفس المرجع 2/163.

    [3]  معجم المقاييس (أزف).

    [4]  نفس المرجع  (بغر ).

    [5]  وهو الهيام، مرض يصيب الإبل. شرب الماء ولا ترتوي حتى تموت قال تعالى: {فشاربون شرب الهيم} جمع هيماء.

    [6]  ويسمى التهاميون والعسيريون وفرة الأرض عقب المطر "بَغرة"، سمعت ذلك منهم، وليس عندهم غيره فيما نعلم، وهو أن تصبح الأرض صالحة للحرث.

    [7]  العباب (ضفف).

    [8]  معجم المقاييس (ظرف).

    [9]  نفس المرجع (صعف).

    [10]  الطحلة: السمرة الشديدة، أخف من السواد.

    [11]  البسر: البلح قبل أن يخالطه اللون.

    [12]  مادة (عقر ).

    [13] ديوان لبيد  ط 1880 ص 112.

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me