An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, February 6, 2011
  • لقاح اسمه الأصالة
  • Published at:الشعب 25 تموز 1985
  • أ.د. يحيى جبر

            تتعدد الأمراض في هذا الزمان وتتنوع، وهي أمراض إما نفسية أو جسدية أو عقلية، غير أن الأمراض جميعا تخضع لقاعدة علاجية واحدة، وتمر في تأثيرها على الإنسان بأطوار ومراحل شتى، لكنها معلومة.

            فهناك الوسط الناقل للعدوى، ثم جرثومة المرض وابتداء تفشيه، ثم استفحال أمره واكتشافه، وبعد ذلك يبدأ العلاج، فإما أن ينتفع به المريض ويصح، وإما أن يكون ضربا من العبث لا جدوى من ورائه، ويزداد استفحاله.. ويصبح الجسم كله مهددا به، فيعزل المريض ويحجر عليه، وربما وضع في غرفة الإنعاش والعناية المشددة، فإما أن يستأصل العضو المريض حتى لا تنتقل العدوى إلى بقية أعضاء الجسم، وإما أن ينتهي الأمر بالموت.. وربما أوصى \\\\\\\\\\\\\\\"الأطباء\\\\\\\\\\\\\\\" بحرق الجثمان حرصا على السلامة العامة.

            وكما أن هناك أطباء يعالجون أدواء الجسد، فإن هناك \\\\\\\\\\\\\\\"أطباء\\\\\\\\\\\\\\\" يعالجون أدواء النفس.

            والجسد هو محل النفس، وإناؤها الذي يحتويها، والخلل الذي يصيبه لا يؤدي بالضرورة إلى خلل في النفس يخرجها عن طبعها، نعم، إن العقل السليم في الجسم السليم، لكن إلى حد، ذلك أن العقل والنفس جوهران، والذهب نادرا ما يتأثر بالوسط الذي يحفظ فيه أو يكون فيه.

            ومن القواعد الصحية التي عرفها الإنسان العربي منذ أمد بعيد، أن درهم وقاية خير من قنطار علاج. أي أنه بدلا من الوقوع في المرض، وبدلا من اللجوء إلى العلاج ولو بأحسن الأدوية، يحسن بالإنسان أن يقي نفسه من الأمراض، وأن يتحصن ضدها قبل وقوعها، وفي ذلك ما يكفل له، فردا كان أو مجتمعا، أن يعيش آمنا معافى.

            ومن الأمراض النفسية التي تجتاح أمتنا في هذا العصر، ما انتقل إليها عبر كثير من النوافذ المفتوحة من البلاد الأجنبية، ومن هذه الأمراض ما هو خطير إلى درجة أنها قد أوصلت الأمة إلى شفير الهاوية، وهذا لا يعني أن كل أمراض الأمة وافدة من وراء البحر، بل إن كثيرا منها نبت واستغلظ واستوى على سوقه في تراب الوطن الكبير، وشبت عليه الأجيال، ولا سيما المتأخرة منها، فوجدت فيه أمرا مألوفا لا تستنكره،  ومسلكا لا ترى عوجه، تماما مثلما يقولون إن الجمل لا يرى اعوجاج رقبته، ذلك لأنها جزء لا يتجزأ منه.

            ولهذا فإن العلاج السليم لهذا الداء، يقتضي أن نعود إلى الوراء قليلا، لنعرف ابتداءه أين ومتى وكيف كان، كما ينبغي أن نحجر على أنفسنا، ليس خوفا على الآخرين من انتقال مرضنا إليهم، ولكن من باب المثل القائل: \\\\\\\\\\\\\\\" الطاقة التي تأتي منها الريح، سدها واسترح\\\\\\\\\\\\\\\". غير أن ذلك أمر يكاد يكون مستحيلا لأسباب كثيرة مختلفة، وهذا يعني أن المهمة صعبة جدا، لأن هناك حساسيات ومخاطر جانبية ستنشأ من جراء تناول الدواء.

            إذن فنحن أمة من العجزة ـ أليس كذلك؟ ولهذا فنحن كثيرون في العدد قليلون في الفعل، على العكس من غيرنا. أرأيتم شجرة كبيرة في إقبال الخريف؟ جلّ ورقها أصفر، وإنه ليوشك أن يسقط لأدنى نسمة.

            إن الخلل الذي يشين واقع الأمة، لا يظهر في جانب من أنشطتها دون جانب، ولكنه البلاء العام، والصالح فيه والطالح في موقع واحد، ولا خصوص اليوم في رحمة.

            إن الظروف الكريهة التي تمر بها الأمة، بعضها من صنع أيدينا، وبعضها من صنع الآخرين من الأعداء، وإن المنطق السليم يقتضي أن تكون البداية بعلاج المرض الذي صنعته أيدينا.. أي أن نبدأ بعيوبنا قبل كل شيء، حتى إذا فرغنا من إصلاح النفس، وقهرنا العدو الداخلي، انثنينا إلى العدو الخارجيّ ـ عفوا، ما هذا بحديث في السياسة ـ عندئذ سنتمكن من التغلب عليه، وإن من عجز عن قهر عدوه الأدنى، لأعجز من أن يقهر عدوه القاصي. فلنقهر المرض الذي ما انفك يفت في عضد النفس.. نفس الفرد والمجتمع، أعني المرض الذاتي أولا، وعلاجه موجود ميسور في كل صيدلية نفسية.. إنه لقاح الأصالة، نتقي به شر المرض. فتعالوا لا نأكل إلا من صنع أيدينا، ولا نلبس إلا من نسيجنا، ولا نكون إلا حيث ينبغي، ولا نسمع إلا نداء العقل، أما هوى النفس فلنعطه إجازة مفتوحة.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me