An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, August 22, 2010
  • العمل الأدبي بين الكاتب والموضوع
  • Published at:الدستور الأردنية 14/9/1986
  • د. يحيى عبد الرؤوف جبر

     

    يخضع العمل الأدبي أيا كان نوعه إلى أثرين يتنازعانه، فلا يكون إلا حصيلة مشتركة بينهما، وهما المبدع أو الكاتب، والموضوع الذي يختاره لعمله الأدبي. ويشترك مع العمل الأدبي في هذا الوضع كل عمل فني، من رسم أو نحت أو عزف أو نحو ذلك مما تختلف أداته، ولكنه يظل محصورا في إطار واحد، وهو إطار التعبير ونقل الرؤى من ذاكرة المحدث \"الشاعر أو الكاتب أو الفنان\" ومن مخيلته إلى عقل المتلقي، سواء أكان التلقي عن طريق الأذن أو العين أو غيرهما من الحواس.

                أما موضوع العمل الأدبي، فإنه لا بد له من أن يكون مرتبطا بمجال معين، ويدور حول غرض بعينه، ولكل غرض حيثيات وجزئيات تمتاز عن مثيلاتها من غرض آخر، وهذا يعني أن لكل غرض  ألفاظا بعينها، ومعاني تمكن من عرضه بوساطتها. فلا بد، إذا، للعمل الأدبي \"أو الفني\" من أن يجيء مصطبغا بلون الغرض والموضوع المختار. هذه واحدة.

    أما كاتب العمل الأدبي، ومثله مبدع العمل الفني، فإنه لا بد من أن يترك بصمات من نفسه وفكره وخلفيته الثقافية على عمله، بحيث لا يقرأه القارئ، إلا ويرى صورته فيه، ويشم فيه رائحته، ذلك انه يجسم رؤيته الخاصة، وقد مر من دماغه إلى الورق، أو إلى أي مادة أخرى، عبر منظاره النفسي، فجاء مصطبغا بلونه أيضا.

    وهكذا فإن العمل الأدبي \"والفني\" لا يمكن إلا أن يكون صورة  أخرى للكاتب، فيه من ملامحه أشياء كثيرة. ولما كان الموضوع ضعيف الأثر في العمل الأدبي، لأنه لا مجال فيه للتقلب والتلوث، لأن لونه واحد أبدا، على العكس من الكاتب او المبدع، حيث ما تزال مشاعره وأحاسيسه في تقلب مستمر، وتخضع لما لا حصر له من العوامل والمؤثرات الخارجية ـ لما كان الأمر كذلك، فإن العمل الأدبي أكثر خضوعا لأثر الكاتب، منه لأثر الموضوع الذي يدور حوله.

                إن الموضوع طرف محايد في العمل الأدبي، ولولا اختلاف أثر الكاتب من إنسان لآخر. لجاءت الأعمال الأدبية التي تدور حول موضوع واحد متكافئة، ينطبق بعضها على بعض انطباق مثلثين تساوت أضلاعهما وزواياهما.

                فالكاتب الذي يكتب عن الجمال ـ على سبيل المثال ـ ينطلق من خلال مفهومه له، ويصدر عن تصور خاص به، ويستخدم ألفاظا غير الألفاظ ، ويكفي هنا أن نعلم ما لاختلاف الألفاظ من أثر في العمل الأدبي، ذلك أن لكل لفظ مجالات متعددة يستخدم فيها، وله من ظلال المعاني والدلالات الهامشية ما يختلف من كاتب لآخر تبعا لاختلاف الخلفيات الثقافية، والمصادر التي يستقي منها كل كاتب مادته والمؤثرات في فكره.

                ومادام الأمر كذلك، فإن العمل الأدبي ـ أو الفني ـ هو خير ما يعرف القارئ أو الباحث بالكاتب؛ ذلك أن جميع الجوانب النفسية للكاتب تذوب في النص الأدبي الذي يكتبه، وربما جهل المقربون من الكاتب ما تنطوي عليه نفسه، لكنه يبدو واضحا، وبصور مختلفة، في أعماله الأدبية، سواء أكان ذلك من حيث يدري أو لا يدري. وما أكثر أولئك الذين يكشفون أسرارهم، ويظهرون ما يكتمون، لكن بطريقة لا يتمكن منها إلا من بتعقب نصوصهم الأدبية، ويقف عند ما تبوح به سطورها، ويجد طريقه إلى البروز ما بينها.

    ولذلك، فإننا نرى أن العملية النقدية، وهي الوجه الآخر للعملية الأدبية، لا بد لها من إدخال شخصية الكاتب في حسابها، وأن توليها من الاهتمام قدر ما توليه للعمل الأدبي نفسه، ولا يجوز، بحال من الأحوال، أن نفصل بين العمل والكاتب.

                ولهذا، فإنه خير للحركة النقدية في أي بلد أو زمان، أن يقدم الكاتب لعمله بترجمة لحياته وخلفيته الثقافية، لأن ذلك سيجعل مهمة الناقد أيسر وأدق. وكذلك القارئ للعمل ولنقده، يستطيع هو الآخر أن يحكم على كلا العملين، الأدبي والنقدي.

                وربما وجدنا في العمل الأدبي ما يتناقض مع ترشحه ترجمة الحياة والسيرة العلمية والعملية للكاتب، الأمر الذي يمكننا بعد مزيد من تمحيص، من الحكم على الكاتب نفسه، هل غير معتقداته الفكرية؟ وهل تنكر لها؟ وهل هناك ما يدعو إلى التساؤل؟

                وباختصار، فإن العمل الأدبي هو صورة غير مرئية للكاتب، يتمكن الدفاع من إدراكها والتحقق منها، وإن أثر الموضوع لا يكاد يذكر إذا قيس بأثر الكاتب، نظرا لمحايدة الموضوع وحيوية الكاتب، واختلاف مواقعه وتنامي مشاعره وأحاسيسه. والعملية النق4دية تظل ناقصة ويكون فيها التضليل للقارئ قدر كبير ما لم تأخذ في حسابها شخصية الكاتب وسيرته الثقافية.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me