An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • سكان الحواجز
  • Published at:Not Found
  •     

                      سكّـان الحـواجز

                                                ا.د. يحيى جبر

                                   أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح

                                    

              المعروف في السكان دائما أنهم من البشر أينما كانوا على الأرض، ولكن بعض الكتّاب ربما زُيِّن له أن يختار غيرهم؛ ليضفي على مقالته إيحاءات خاصة، وهذا يستدعي فكرة شاذّة، أو مكانـا غير الأرض ؛  كمـا فعـل روبرت هاينلاين عندمـا وضـع كتـابه" سكـّان السماوات" الـذي أغرى موضوعه وعنوانه الدكتور جمال الدين الـفنـدي ؛ أستـاذ عـلم الفـلك بجامـعة القـاهرة، فهُـرع إلى ترجمته، والمقصود بأولئك السكان الجن، الذين وافق دورهم في ذلك الكتاب الدور الذي نجده لهم في سورة الجن، وهو استراق السمع والتنصت على الملأ الأعلى، والشهب التي تنقض من حين لآخر ما هي إلا رجوم تتعقبهم، وخلص من ذلك إلى أن المركبات الفضائية ستظل عرضة للنيازك والشهب لأنها نوع من أنواع استراق السمع.

              والشاعر في ردّه على  وليّ الدين يكن الموالي للبيت العثماني اختار صيغة أخرى  للتعبير عن فكره، فذكر سكان الحمى وسكان القبور، وذلك  بقوله:

    سل يلدزا ذات القصور  هل جاءها نبأ البدور

    أذكرت سكان الحمى     ونسيت سكان القبور؟

               وقد أوحى لي ما تقدّم بعنوان مقالتي هذه، وقد راودتني فكرة مشابهة في النصف الأول من  الانتفاضة، عندما كان سائقو المركبات يجازفون بسيارتهم وبأرواحهم وأرواح الركاب عندما كانوا يسلكون طرقا جبلية وعرة، مـما جعـلني أقول لأحدهـم ذات يوم: إنكم  معشـر السواقين تستحقون درجة الدكتوراه في القيادة والمجازفة والتحدي.( وهنا لا أعتذر من ذلك الأكاديمي الدعي الذي ربما أسرع  إلى اتهامي بتوزيع الشهادات على من يستحق ومن لا يستحقها لو كان هو يستحقها)، ذكرني ما كان من ذلك بما علمناه من بعض زملائنا الذين عملوا معنا في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا في فيفاء من منطقة جازان، قبل اثنين وأربعين عاما، اي قبل التقدم الذي شهدته السعودية من بعد، عندما كان أهل  تلك البلدة الواقعة على رأس جبل شاهق يدلون الحبال لمن أراد أن يصل إلى قريتهم، لقد  خطر ببالي  حينذاك أن أكتب مقالة بعنوان " من فيفا إلى بورين" أو إلى قوصين أو إلى رامين ، فهي وغيرها من البلدان التي اضطررنا إلى اختراقها في طريقنا من قلقيلية إلى نابلس يوميا قبل أن  تفكر الجامعة في تأمين سكن لنا .تذكرت وأنا في أعلى جبل بورين ما حدثنا   به زملاؤنا الذين عملوا في فيفاء. وأذكر ذات يوم أنني اضطررت وزميلي علي بركات ، أستاذ الرياضيات بجامعة النجاح ، إلى اختراق الأودية الممتدة من قرية جيت إلى مدخل نابلس الغربي سيرا على الأقدام بصحبة خمسة آخرين قطع جنود الاحتلال الطريق امام سيارتنا، وسلكنا طريقا وعرا شائكا، وكنت أعرف المكان جيدا، فاتصل  أحد زملائنا ( حكمت هلال، أستاذ الكيمياء بالجامعة) يسأل بركات عن أحوال الطريق إلى نابلس، فأجابه أن الطرق سيئة للغاية، فسأله أين  أنت الآن فقال له : لا أدري، فقلت له مازحا : قل له نحن في وادي النتش ( البلان) فقال له ذلك، فسأله هلال: وأين وادي النتش؟ فقال له بركات: ما أدري، قلت له: قل له إنه بجانب وادي الغبيرة‍‍،... وكانت يومها مدعاة لضحكنا جميعا مما روّح عنا بعض ما كنا نكابده من حر وتعب وخوف الذئاب التي تحمل  السلاح بتوجيه من سفاح لئيم، وحرصا منا على أن نكون على رأس عملنا في الوقت المحدد، ليس خوفا من أن يسجل علينا غياب ، وإنما استجابة لمقتضى التحدي الذي  ما زلنا نستشعره على الرغم من أسباب الإحباط التي يظهر بها علينا بعض الساقطين من حين لآخر، وبعض المناظر المقرفة التي تبعث الاشمئزاز في النفس، كمنظر ذلك الذي يلقاك دون أن يغبّر في السرايا، همه حذاؤه الملمع، أو ربطة عنقه الأنيقة ، يزهو بها على الناس لو كانوا يأبهون به.

              واليوم ، والحديث بالحديث يذكر، خطر ببالي ما كان، وأوحى لي بهذا العنوان ما ألاقيه وزملائي ، بل عامة المضطرين إلى المرور عبر الحواجز، من أذى يتمثل في طول الوقوف في الشمس قبالة مجموعة من قطاع الطرق تتباهي بإذلال المواطن، وتوسعه شتما وذما بأقبح الألفاظ، ناهيك عن الغبار المرهّق الذي تزيد أذاه حرارة الصيف والسيارات، فلا يعود أحدنا إلى بيته إلا  وقد لوحته الشمس، وتغير لون حذائه، وأسافل بنطاله، فإذا هو أشعث أغبر لا هندام ولا منظر، يسأله أولاده عندما يعود إليهم : لعلك كنت في معمل للطوب أو منشار حجر؟

              إن أحدنا ليقيم في الحواجز الثابتة والطيارة مدة تزيد على المدة التي يقضيها بين طلابه، وربما ساوت في بعض الأيام ما يقضيه مع  أبنائه ـ حتى صح أن يقال إن هناك من  يطلق  عليهم اسم" سكان الحواجز".

              نعم أولئك سكان السموات، وأولئك سكان القبور، او سكان القصور، لا فرق عند سكان الحواجز بين هؤلاء وهؤلاء، فهم عنهم في شغل شاغل، كالناس في يوم القيامة، فيا  سكان الحواجز لماذا لم تقرعوا الخزان؟ ألم تقرأوا ما كتبه غسان قبل أكثر من أربعين عاما؟ ما زال الرجال الذين تحدث عنهم غسان كنفاني في الشمس الحارقة، وما زال السمسار هو السمسار، غير أن العدو لم يظل هو العدو، فقد ازداد الأعداء , وأصبح الناس صنفين: سكان القصور، وسكان الحواجز، والشعث الغبر وذوو الياقات وما يتدلى منها من .....

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me