An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, March 16, 2010
  • نحو رؤية جديدة في منهج تدريس الأدب العربي
  • Published at:وقائع المؤتمر الذي تنظمه الجامعة العربية الأمريكية بالتعاون مع تربية جنين 17/3/2010
  • نحو رؤية جديدة في منهج تدريس الأدب العربي

     

     

    أ.د. يحيى عبد الرؤوف جبر

     

    أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية

    تمهيد:

    للأدب العربي مكانة مميزة، ومنزلة رفيعة يحظى بها بين فروع اللغة العربية التي تتسم بأنها وحدة واحدة متكاملة؛ يصب كل فرع منها في مَعين الآخر؛ إذ يُسهم الأدب في تكوين شخصية الإنسان، وفهمه لذاته، وعالمه المحيط به، وذلك من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين ومقارنتها بواقعه هو، أو من خلال الكشف عما في نفوس الآخرين حين يقرأ ما تخطه أقلامهم وما تفيض به قرائحهم.

    وللأدب أهمية كبيرة لطلاب المرحلة الثانوية على وجه الخصوص، فمن خلاله يثبت الطالب ذاته ويشبع رغبته في الإحساس باستقلاليته؛ بما يقدمه الأدب للطالب من أدوار بطولية في القصص، وتجارب الأدباء والشعراء التي يتشرب منها بعض القيم والمثل العليا والخصال الحميدة لتصبح جزءًا من شخصيته.

    كما يُسهم الأدب في ملء أوقات فراغ الطلاب وتجديد نشاطهم الذهني، ووصلهم بتراث آبائهم وأجدادهم، ودفعهم إلى البحث في مصادر الثقافة العربية مما يُنمي لديهم حب القراءة والمطالعة، ويزيد من ثروتهم اللغوية، ويمدهم بألفاظ وأساليب وتراكيب وأفكار جديدة ومعانٍ مبتكرة، ويُنمى لديهم القدرة على التخيل، واستخدام اللغة العربية استخداماً صحيحاً في القراءة والكتابة.

     http://www.al-maqha.com/t7576.html بتصرف

    ونظراً لأهمية الأدب فقد حظي باهتمام كبير من الباحثين، واحتلَّ مكانة متميزة على خريطة البحث العلمي في مناهج تدريس اللغة العربية وطرائقه، ونظرا لدوره في توجيه طلاب المرحلة الثانوية، وصياغة شخصياتهم، فقد حاولت الدراسة الحالية التجديد والتطوير، وذلك بالاتجاه نحو استخدام أساليب جديدة لتدريس الأدب من أجل أن يؤتي التعليم أكله ويحقق أهدافه على خير وجه.

        

    مدخل نظري:

     قبل المضي قدما في البحث نتوقف قليلا مع أهم النظريات المتبعة في تدريس الأدب، نقتبسها من بحث صدقي حجيرات (\"تخطيط سنوي لموضوع اللغة العربية\"http://209.85.129.132/search?q=cache:TWh7oL8ZOgwJ:www.arabic.edu- بتصرف) وهي على النحو التالي:

     

    1. النظرية المدرسية

    أو نظريـة العـصور الأدبيـة تقـول هـذه النظـريـة بتقسـيم التـراث الأدبي الى عصور زمنية، تمشيا مع السـلم التعليـمي. ولهذه الطريقة من المآخذ أنها ربطت الفكر بصفة عامة بالعامل السياسي، ومنطـق هـذه النـظـريـة يقتضي أن ينتهي الفكر والنشاط الأدبي بزوال أي دولة وقيام أخرى محلـها، مما يعني أن ينسـب النشـاط الى الـدولـة الجديدة ويُمحى أثر الدولة الأولـى، وهـذا الافـتـراض غيـر مـعـقـول؛ لأن منحاها التاريخي أفقد النص الأدبي أهم هدف من أهداف تدريسه، وهو تذوق النص.

     

    2. نظرية الفنون الأدبية :

    تتجه نظرية الفنون الأدبية إلى دراسـة النـص مباشـرة، ومـن خلال دراسته تستنبط الأحكام الفنية، والبواعث التـاريخـية كما تتهـيأ الفـرص لعقـد مقـارنات بيـن النصوص الأدبية، وهي بذلك تبتعد بالنص عن دائرة التاريخ الأدبي.

    وتقتضي دراسة الأدب وفقا لهذه النظرية أن يُقسم الى أقسام يختص كـل منها بلون من ألوان الإنتاج الأدبي، أو غرض من أغراضه، فقسـم يختـص بشــعـر المديح، وقسم يختص بشعر الـهـجاء، وقسـم يخـتـص بوصف الطبـيعـة، وآخـر يخـتـص بالـغـزل، وهكذا.

     

    3. النظرية الإقليمية:

           تنطلق هذه النظرية من اختلاف العوامل البيئية، سواء أكانت طبيعيــة كالأنهار والوديان وغيرها، أم معنوية، كاختلاف النظم السياسية والاجتمـاعيـة والثقافية، وهذه العوامل من شأنها ان تعكس آثارها على الحياة الثقافية بصفة عامة، والأدبية بصفه خاصة، تبني أصحاب هذه النظرية دراسة الأدب العربي دراسة إقليمية، بحيث تتجه الجهـود مثلا إلى دراســة الأدب في بـغـداد، أو الـمـغـرب، أو مصر، حيث إن كلا من هذه الأقاليم تـرك طابعا خاصا، وبصمات معينـة على الحياة بعامـة، وعلى الحياة الفكرية بخاصة، لأن أثر البيئة الطبيعية على ما يعيش فيها من كائن مادي أو معنوي أثر قوي واضح يقره البحث العلمي، ويحـاول ضبطه، والأدب من بين هذه الكائنات المعنوية، بل هو من حيث وجدانية الفن من أشد الأشيـاء تأثرا بالبيئة والإقليم.

    *****

    ومع بداية القرن العشرين، ظهر المنهج التاريخي أو كما يسميه شكري فيصل في كتابه \"مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي\" النظرية المدرسية؛ لأن هذا المنهج كان يدرس في المدارس الثانوية والجامعات في أوربا والعالم الغربي.

     وهذا المنهج ظهر لأول مرة في أوربا وبالضبط في فرنسا مع أندري دوشيسون الذي ألف كتاب \"تاريخ فرنسا الأدبي\" سنة 1767م. ويقسم فيه الأدب الفرنسي حسب العصور والظروف السياسية ويقول:\" إن النصوص الأدبية الراقية هي عصور الأدب الراقية، وعصور تاريخ السياسة المنحطة هي عصور الأدب المنحطة\".

    وقد اتبع كثير من مؤرخي الأدب العربي الحديث منهج المستشرقين في تقسيم الأدب العربي (بروكلمان، وجيب، ونالينو، ونيكلسون، وهوار…)، ومن هؤلاء جورجي زيدان في كتابه \" تاريخ آداب اللغة العربية\" الذي انتهى منه سنة 1914م. وفي هذا الكتاب يدعي السبق بقوله:\" ولعلنا أول من فعل ذلك، فنحن أول من سمى هذا العلم بهذا الاسم\"، وفي موضع آخر يقول إن المستشرقين أول من كتب فيه باللغة العربية. وإليك أوائل المؤلفات التي قسمت الأدب بحسب العصور:

    ·  تاريخ اللغة العربية لحسن توفيق العدل ألفه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر.

    ·  تاريخ الأدب أو حياة اللغة العربية في جزءين لحفني ناصف (1910).  

    ·  تاريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي لأحمد الإسكندري (1911)     

    ·  تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، في أربعة أجزاء (1911).

    ·  الوسـيط فـي الأدب الـعربي وتـاريـخه لأحمد الإسكندري وزميله (1916).

    ·  تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات(1925).

    ومن المؤرخين العرب المحدثين أيضا نذكر محمد حسن المرصفي في كتابه \"أدب اللغة العربية\"، وعبد الله دراز وكيل مشيخة الجامع الأحمدي في كتابه \"تاريخ أدب اللغة العربية\"، وأحمد حسن الزيات في كتابه\" تاريخ الأدب العربي\" الذي اعتبر المنهج السياسي في تدريس تاريخ الأدب العربي نتاجا إيطاليا ظهر في القرن الثامن عشر.

             ونستحضر في هذا المجال كذلك طه حسين وشوقي ضيف وأحمد أمين في كتبه المتسلسلة \"فجر الإسلام\" و\"ضحى الإسلام\" و\"ظهر الإسلام\"، وحنا الفاخوري في كتابه المدرسي \"تاريخ الأدب العربي\"، وعمر فروخ في تأريخه للأدب العربي، وعبد الله كنون في كتابه\" النبوغ المغربي في الأدب العربي\".

    http://www.wata.cc/forums/archive/index.php/t-29754.html بتصرف

    استفاد رواد المنهج التاريخي كما هو معلوم- من الإنجازات التي حققها الغربيون سواء على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي: باقتفائهم أثر الغربيين في التأريخ لآدابهم، أو المستشرقين في طرق تأريخهم للأدب العربي.

    وعلى العموم، فإن المنهج التاريخي الذي اكتسح الحقل الأكاديمي في المشرق، ثم بعد ذلك في المغرب، وهيمن عليه لزمن طويل؛ حاول تطوير أساليبه وتنويع تطبيقاته في العالم العربي على نحو يمكن اختزاله في ثلاثة أنماط أساسية:

    - نمط تحكمه النظرة إلى الأدب في علاقته بالسياسة.

    - نمط تغلب عليه الرؤية الوضعية، فيدرس الأدب في صلته بالبيئة بمعناها العام، أو في صلته بمبدعه وما يحيط به.

    - ونمط ثالث يجمع بين التحليل التاريخي والتقويم الفني.

    (للمزيد من التوضيح بخصوص الهدف من تاريخ الأدب العربي نحيل على كتاب حسين الواد: \"في تاريخ الأدب مفاهيم ومناهج\" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت،ط3/1993،ص:109 وما بعدها).

    وهكذا ... نستخلص أن الأدباء والمهتمين ساروا في تقسيمهم للأدب وفقا للنظرية المدرسية، والأخطر في الموضوع، أن هذا المنهج يبدأ من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث، وفي ذلك ما فيه من صعوبة على الطالب في فهم البعيد قبل القريب، والصعب قبل اليسير، أفلا ترون إلى عالم الآثار يبدأ البحث من الطبقة العلوية ثم ينتقل تدريجيا إلى السفلية، ولا يفعل العكس؟ ذلك أن القريب أسهل تناولا وأيسر فهما.

    وننبه هنا إلى أننا سنستخدم مصطلح \"المنهج المدرسي\" للإشارة إلى المنهج الذي يُبنَى وفقا لرؤية النظرية المدرسية، وهو نفسه المتبع في مقرر الصفين الحادي عشر والثاني عشر في المدارس الفلسطينية. كما أنه هو نفسه المتبع في الجامعات الفلسطينية

    ويقوم هذا المنهج _ كما هو واضح _ على تقسيم الأدب العربي إلى عصور سياسية تبدأ من العصر الجاهلي إلى عصر صدر الإسلام، فعصر بني أمية، ثم العصر العباسي وبعده عصر الانحطاط أو العصر المغولي ومن ثم العصر العثماني ثم العصر الحديث وأخيرا العصر الحديث. حيث يتعامل هذا المنهج مع الأدب من زاوية سياسية بشكل أساسي ويرجع تقدم الأدب أو تأخره وطبيعته وكل ما يتعلق به إلى الناحية السياسية.

     

     المنهج المدرسي في الميزان:

    1.     المنهج المدرسي يخالف مبادئ التعلم.

    من المبادئ الأساسية للتعلم، الانتقال من المألوف إلى المجهول ومن السهل إلى الصعب، ونحن نرى أن المنهج المدرسي لا يراعي هذه القاعدة إطلاقا، بل هو يسير على النقيض من ذلك تماما. فأيهما أكثر ألفة للطالب، نص جاهلي بألفاظه التي ربما لم يسمع بأكثرها وتشبيهاته التي لم ير في حياته شيئا منها، أم نص معاصر مألوف الكلمات سهل المعاني قريب التشبيهات؟ ولنترك التنظير ونذهب إلى التمثيل: فأيهما أسهل معلقة زهير بن أبي سلمى وقوله:

    فتعرككم عرك الرحى بثفالها               وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم

    وهو النص الوارد في الوحدة الأولى من الصف الحادي عشر، أم قول عبد الكريم الكرمي:

    يا أخي أنت معي في كل درب               فاحمل الجرح وسر جنبا لجنب

    وهو النص الوارد في الوحدة قبل الأخيرة من الصف الثاني عشر؟

    وأيهما أصعب: وصية عمرو بن كلثوم لبنيه الواردة في الوحدة الأولى من الصف الحادي عشر. أم قصة خبز الفداء لسميرة عزام الواردة في الوحدة الأخيرة من الصف الثاني عشر؟

    فهذه النصوص تفتقر إلى التدرج من الصعب إلى السهل، وفي تدريس الطالب في الصف الحادي عشر نصوصا تفوق ما يدرسه في الصف الثاني عشر صعوبة وغرابة وتعقيدا. وفي هذا ما يناقض التسلسل المنطقي في تقديم المعلومات.

     

    2.     المنهج المدرسي يخرج بمفهوم الأدب عن سمته.

    فالأصل في الأدب أن يكون شعورا حرا، وكلمة تجري طوع الخاطر. وبالرغم مما شهدته العصور المختلفة من مظاهر ارتباط الأدب بالسياسة؛ فإن ذلك يبقى مقتصرا على فئة معينة من أدباء البلاط أو السلطة الحاكمة، ولا ينسحب على الأدباء الحقيقيين الذين يحملون لواء الإخلاص لفنهم وأدبهم. فإذا كان هناك ما يعرف \"بأسلوب العصر\"  فلا ننسى أن هناك أيضا ما يعرف \" بأسلوب الأديب\" ولا شك أن الأخير أكبر أثرا في الأدب من الأول.

    وبناء على ما تقدم، فإن ثمة ما يستوجب إعادة النظر في ذلك المنهج، ويقف حائلا دون تقديم الأدب العربي بصورة تنسجم مع مفهوم الأدب الحقيقي، بعيدا عن إخضاعه للرؤى السياسية والحدود الزمنية، إذ يمكن الجزم بأن أدبا من هذا القبيل هو أدب دعيّ، وانتسابه للأدب الحقيقيّ موضع شك.

    ثم إن كثيرا من الأدباء عاشوا عصرين مختلفين، وكتبوا أدبا في العصرين، فهل ما كتبوه في العصر الأول يختلف عما كتبوه في العصر الثاني؟؟؟ وهنا نذكرعلى سبيل المثال أشعار أبي ذؤيب الهذلي وحسان بن ثابت ومالك بن حََريم الهمداني من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وبشار بن برد وأبي حية النميري والأحيمر السعدي والعجاج وابنه رؤبة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، فهل كان لاختلاف الحقبة أو النظام السياسي أثر يذكر سواء في لغة أسعارهم أو في صورها الفنية أو معانيها؟

              يضاف إلى ذلك أننا إذا حاولنا البحث في النصوص الأدبية دون الاهتمام بالعصور، فإننا كثيرا ما نقع على قصائد تنتمي لفترات تاريخية متباعدة، ولكن أسلوبها وألفاظها ومعانيها متقاربة جدا. فعلى سبيل المثال، ما الفرق بين قصيدة البوريني في تقريظ قصيدة يوسف العلموي، التي مطلعها(مقرر الثاني عشر):

    أطلعت في أفق الكمال كواكبا            أضحت ببهجتها البدور غواربا

    وقصيدة البارودي من مدرسة( الإحياء) التي مطلعها:

    سواي بتحنان الأغاريد يطرب         وغيري باللذات يلهو ويلعب

      وهما تنتميان إلى أدب العصر العثماني والحديث على الترتيب ـ وبين قصائد كثير من الشعراء العباسيين مثل قصيدة ابن الرومي في رثاء البصرة التي مطلعها:

    ذاد عن مقلتي لذيذ المنام          شغلها عنه بالدموع السجام

    وقصيدة أبي تمام في فتح عمورية التي مطلعها:

    السيف أصدق أنباء من الكتب           في حده الحد بين الجد واللعب

    وفي المقابل، لو تناولنا ما ورد في مقرر الصف العاشر من قصيدة إلياس أبي شبكة (الجزء الثاني، الدرس21، ص 72) التي عنوانها بشر بن عُوانة؛ التي عارض فيها قصيدة بشر التي منها:

    أفاطم لو شهدت ببطن خبت  وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا

    لوجدنا أن النصين الحديث والجاهلي لا يفترقان في شيء يكاد يذكر، لا في اللغة ولا في الأسلوب بالرغم من طول المدة بينهما، بل إن في نص أبي شبكة ما هو أوعر كألفاظ:  الناسوت، وسَورة، وجراز، وجذا، وتذأّب ومن الصور مثل: يراشفه* به شفعا ووترا، وقوله: فألقى على الليل الحسام؛ مما يصعب على الدارسين في هذه المرحلة أن يستوعبوه، بينما نجد في المقابل نصوصا جاهلية أقرب للغة العصر الحاضر، ككثير من أبيات لا مية كعب في المقرر السابق نفسه ص(18).

             ونستنتج مما سبق، أن الأدب لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها مع تغير الدولة الحاكمة؛ كما يتم تغيير علم الدولة أو نشيدها الوطني. فالأدب نتاج تفاعل نفسي على مدى طويل من الزمن، وهو خاضع لخصائص الأشخاص وصفاتهم، أكثر مما هو خاضع للنظام السياسي السائد.

             ثم لو عدنا إلى مقرر الصف العاشر فإننا نجد فيه من تنوع النصوص المختارة ما لا يخضع لمعيار بعينه؟، إذ جُمعت من أحقاب شتى، دون أن يكون بينها رابط أبدا، إذ هي نص جاهلي وآخر أموي، وثالث معاصر (عندما يعانقني طفلي) يتسم بالسهولة المفرطة والتلقائية المباشرة، إلى نص مهجري يحاكي القديم. إن في هذا ما يوحي بمزاجية المؤلفين؛ استحسنوا هذه النصوص، أو اختاروها فرادى ( كأن يختار كل مشارك في التأيف نصا من حقبة بعينها) دون تنسيق أو تحديد للغرض الذي من أجله تم اختيارها على هذا النحو من التباين.                                                        

    3.     المنهج المدرسي لا يرتقي بالذائقة الأدبية ويحدّ الملكة النقدية

    إن الأدب يختلف في طبيعته اختلافا كليا عن غيره من العلوم كالرياضيات والعلوم والتاريخ وحتى علوم اللغة العربية الأخرى، ذلك أن كل نص أدبي يحمل في ثناياه كثيرا من خصائص كاتبه ومشاعره ورواسبه الفكرية وعقده النفسية، ولذلك فمهما اجتهدنا فلن نجد قاعدة تنسحب على مختلف النصوص، بل إننا سنواجه اختلافات بعدد الأدباء أنفسهم، وربما بعدد اختلاف الحالات الشعورية والنفسية التي يمر بها كل أديب.

    فحسان بن ثابت_ رضي الله عنه_ ينطلق في بعض أبيات همزيته التي اقتُطع منها النص الذي بدأ بقوله: \"عدمنا خيلنا.... من مقرر الصف الحادي عشر، الجزء الأول، ص 107\"_ من رؤية جاهلية؛ فهو يكرر فيها بعض المعاني والأفكار المخالفة للدين الذي اعتنقه منذ سنوات. وكثير من الشعراء يستطيعون أن يحاكوا أشعار من سبقوهم؛ معارضين أو مقلدين، الأمر الذي ينسف تبعية الأدب للعصور السياسية، ومصداق ذلك ما شاع في العصر الأموي من نحل الشعر وانتحاله.

    ومن هنا، إذا كانت القاعدة العامة تقول \" التعميم من العمى\" فإنها تكون في حال الحديث عن الأدب \"التعميم هو العمى\" بعينه. وكما نلاحظ، فإن المنهج المدرسي يقوم بتقديم النصوص الأدبية في مجموعات خاضعة للتقسيم التاريخي السياسي، وهو تقسيم أشبه ما يكون بتقسيم مجموعات الأعداد في الرياضيات، أو تصنيف مجموعات الكائنات الحية في العلوم، وهذه مشكلة منهجية؛ لأنها تضع أدباء العصر كلهم في سلة واحدة.

    والنتيجة، أن الطالب الذي يتتلمذ على هذا المنهج في دراسة الأدب، تتشكل لديه قناعة مؤداها أن الذي يتحكم في النص وخصائصه الفنية هو العصر الذي ينتمي إليه ذلك النص، وبالتالي فهو يحفظ، عن ظهر قلب، الخصائص العامة للأدب في عصر معين، ويطبقها تلقائيا على النصوص التي  تنتمي إليه، ولو اضطر إلى ليّ أعناق النصوص لتنسجم مع مقاييس ذلك العصر النقدية، لأنه لم يتعود أن يعمل عقله في تحليل كل نص باستقلالية عن النصوص الأخرى.

     

    ولكن، رغم الإقبال الكبير الذي حظيت به هذه الطريقة في التأليف من قبل المؤرخين، فإنها تُسْتَهْدَفُ بجملة من الانتقادات نذكر منها:

    أولا: من حيث التحقيب: يعمد رواد هذه الطريقة كما تقدم- إلى تقسيم الموروث الأدبي إلى عصور يتلو بعضها بعضا، وجَعْل الأحداث السياسية البارزة معالما بينها، إلا أن تركيزهم على تبعية الأدب للسياسة في تطوره وتقهقره، ونظرتهم إلى كل عصر باعتباره كيانا مستقلا بذاته، ومتميزا عما عداه من العصور بخصائص أدبية معينة، جعلهم غير واعين بطبيعة التطور الأدبي و خصوصيته:

    أ- لأن الحياة الأدبية لا يمكنها أن تكون، بحال من الأحوال، تابعة للحياة السياسية أو متطابقة معها. فالأولى تتطور بشكل تدريجي، في حين تُتوَّج الثانية بانقلابات مفاجئة أو ثورات جذرية؛ وإلا فما الفرق بين لغة القصيدة الجاهلية وأسلوبها، وبين أشعار ذي الرُّمة ونقائض جرير والفرزدق وأشعار الأخطل من شعراء بني أمية، وهي وأشعار دعبل الخزاعي من شعراء العصر العباسي؟ بل أين هي الفروق اللغوية بين أشعار الراعي النميري وأبي دؤاد وطفيل الغنوي من شعراء الجالية في وصف الخيل والإبل؟.

    ب- ثم إن اعتمادهم على الفصل بين العصور الأدبية بأحداث سياسية، جعلهم يضحون بالرابطة بين الماضي والحاضر لصالح قطائع زمنية تُخل بالمسار الحقيقي للأدب: إذ إنهم يحاولون رصد التطور من خلال الانقطاع، والحال أن حركة الأدب حركة بطيئة تمتد جذورها في الماضي العريق وتخترق أغصانها الحاضر لتشرف على المستقبل، وهذا معناه أن رصد تطور الأدب يتم من خلال إبراز التغير من داخل الاستمرار والتواصل.

    والعصر الأموي في الأندلس إنما كان امتدادا لحكمهم في المشرق، ولكن الأدب العربي الذي ظهر في بلاطهم هناك جاء مختلفا عما سبقه من الأدب في العصر الأموي، وعما واكبه في المشرق من أدب حقبة بني العباس، ذلك بسبب عامل البيئة الأندلسية، الأمر الذي يُظهر دورها في صياغة الأدب بشكل واضح وفعال.

    والملاحظة نفسها يمكن الخروج بها لدى موازنة الأدبين المتعاصرين حديثا في الوطن والمهجر، إذ نجد اختلافا كبيرا بينهما في اللغة والأسلوب والأغراض، مما يعني بطلان دور عامل الزمن، اللهم إلا من باب ما يطرأ على الحياة الثقافية واللغوية من تطور عبر القرون المتعاقبة.

    والمطالع في نصوص كتاب الصف الثاني عشر يقف على  توجه مخالف للمنهج المدرسي حين تناول المؤلفون الدرس الأدبي من خلال تقسيم حصصه وفقا للمدارس الأدبية المعاصرة حينا (الإحياء والديوان والمهجر)، ووفقا لأمور فنية حينا آخر ( مدرسة التفعيلة؟) ووفقا للأقاليم؛ إذ خص الأدب الفلسطيني بنصيب قُسم إلى قسمين وفقا للعوامل التي صاغته: النكبة وأثرها النفسي، والمقاومة التي تمخضت عنها المشاعر والتفاعلات التي أعقبت النكبة وما خلفته من مآس وويلات.

    ولعل اللغويين كانوا أدق إدراكا لطبيعة الأدب ودوره في المسيرة الحضارية للأمة، وأنه لا وجه للربط بينه وبين السياسة، حين قسموا الشعر قسمين: قسم يُحتج به، يمتد من الجاهلية حتى نهاية القرن الرابع الهجري في البادية، وحتى نهاية القرن الثاني في الحواضر، وقسم لا يُحتج به وهو ما قاله الشعراء بعد ذينك الحدين؛ فيكونون بذلك قد ساووا بين أشعار الجاهلية وصدر الإسلام والعهد الأموي وكثيرا من الأدب العباسي، إذ كان إبراهيم بن هرمة القرشي( ت 397) آخر من احتج بشعره.

    ثانيا: من حيث التسلسل: يسعى تاريخ الأدب عندهم إلى وصف حركة الأدب للوقوف على ما لحقه من تطور أو تقهقر عبر العصور من خلال:

    أ: البحث عن النشأة: نشأة اللغة العربية، ونشأة الأدب العربي للوقوف على بداية المسار التاريخي.

    ب: تتبع هذا المسار من خلال تحديد زمن وقوع الأحداث وترتيبها الواحدة تلو الأخرى، وكأن رواد هذه الطريقة وقفوا عند المعنى اللـغوي للتاريخ الذي يـفيد التوقيت. وتصوروا المسار التاريخي خطا زمنيا تُنضَّد فوقه الوقائع الواحدة تلو الأخرى حسب زمن وقوعها. والمطالع في مقررات الصفوف الثلاثة الأخيرة يجد ذلك واضحا من خلال ربط الشعر بالأحداث، كفتح عمورية، ونكبة القدس عام 492هـ، وفتح الرها، وهزيمة الصليبيين.

    ج- الاهتمام المفرط بالمؤلفين وما يحيط بهم، حيث إن رواد هذه الطريقة يرسمون مسارا تاريخيا للأدب من خلال ترجمتهم لأشهر المؤلفين، وترتيبهم حسب تواريخ الوفاة أو حسب الفنون والعلوم التي نبغوا فيها، أو حسب الأقاليم والبيئات التي نشأوا فيها، بعد حصرهم للمؤثرات التي أثرت فيهم. لهذا وردت أعمالهم تأريخا للمؤلفين أكثر مما هي تأريخ للأدب.

     وهذا المفهوم نجده جليا عند بعض المرخين الذين تعقبوا سني الزمن وما دار فيها من أحداث او وفيات، كالنجوم الزاهرة لابن تغري بردي، وشذرات الذهب للحنبلي وسواهما، دون الانتباه إلى المفهوم الشمل للتاريخ، وهو الذي يقوم على دراسة عوامل التغيرعلى الصعد المختلفة من اجتماعية وثقافية وسياسية.

    ثالثا: من حيث التقويم الفني: إن مؤرخ الأدب وفق هذه الطريقة، ينتهي إلى طائفة من \"الأحكام العامة \" تنسحب على إنتاجات العصر كله. وبصنيعه هذا، فإنه يطمس ما للنص الواحد من خصائص فنية، كما يهمل تلك الفروق الدقيقة بين نص وآخر. وحتى حين يتحدث عن الخصائص الفنية للمؤلف، فإنه يكتفي أيضا بإصدار مجموعة من \"الأحكام العامة \" لا نتبين من خلالها معالم الابتكار والخلق في مسيرة المبدع الفنية.

    www.aljabriabed.net/fikrwanakd/n74_06msaadi.htm بتصرف

            وإذا عرف الدرس الأدبي المعاصر تقسيمين للأدب باعتبار المغزى منه؛ هما: الأدب الملتزم، والأدب للأدب ( على غرار الفن للفن) فإن ما درج عليه المدرسيون على صعيد الجامعات والمدارس على حد سواء يمكن أن يكون قسما ثالثا؛ هو الأدب الملزّم؛ ذلك أنهم لا يأتون بإعادة طرحه ليمثل روح الالتزام الحر بقضايا الحكام وسياساتهم، بل ليُخضع الدارسين إلى منهجية تفضي إلى تشكيل أدمغتهم بما يكرس الروح التي أشاعها في المجتمع أولئك الحكام وتلك السياسات، بغض النظر عن موقفنا منها تأييدا أو معارضة.

    ولبيان عيوب النظرية المدرسية تطبيقيا؛ نسوق نموذجا من الأدب \"مُشرقا\" ينتمي إلى عصر سياسي \"مظلم\" يوضح أن الربط بين النص الأدبي والعصر السياسي على النحو المعمول به في مناهج دراسة الأدب يكشف عن خلل في بناء العقل العربي يُفضي إلى نمطية جامدة. ففي مقالة لضياء الجنابي نشرت في22/ 10/ 2009 ألقى نظرة سريعة على شاعر توهج في عصر اتّسم بالظلام من المنظور السياسي بعد سقوط الدولة العباسية وخفوت نجم بغداد في سماء العلم والأدب والثقافة، إنه الشاعر الكبير صفي الدين الحلي الذي ما زال شعره طريا على الألسن؛ وخصوصا قصيدته الذائعة الصيت، التي يقول فيها:

    سل الرماح العوالي عن معالينا   واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا

    سود وقائعنـا، بيض صنائعنا    خضر مرابعنـا، حـمر مواضينـا

    وفي ما تقدم يتجلى رأي طه حسين المتمثل في أنه:\" قد يكون الرقي السياسي مصدر الرقي الأدبي، وقد يكون الانحطاط السياسي مصدر الرقي الأدبي أيضا.

    http://www.adabfan.com/criticism/4730.txt

     

    ثالثا: ما الحل البديل للمنهج المدرسي؟؟؟

           كما رأينا فإن على المنهج المدرسي مأخذين هما التسلسل من القديم إلى الحديث، وربط الأدب بالعصور السياسية، ولذلك، فإن البديل المقترح يجب أن يتخلص من هاتين الثغرتين، وبالتالي فنحن نقترح أن يتم تقديم النصوص الأدبية للطلاب بدءا من العصر الحديث، ثم نعود على سلّم الزمن إلى الوراء، وذلك دونما ربط للأدب بالدول الحاكمة والعصور السياسية، كما يمكن تقسيم الأدب على العصور على النحو التالي:

    ـ أدب الاحتجاج (أو أدب قديم): ونعني به الأدب الذي يُحتَجّ به على قواعد اللغة ومعانيها وصيغها ويمتد من الجاهلية حتى 200هـ في الحواضر وحتى400 هـ في البوادي.

    ـ أدب المولدين: وهو ما جدّ عقب ذلك.

    على أن يدرس الطالب نصوصا في أغراض مختلفة، كأن يدرس نصوصا في الوصف، وأخرى في الغزل، والمدح، والهجاء .....الخ. لأن هذا التقسيم يتسم بموضوعية أعلى من التقسيم على أساس الدول الحاكمة، كما أنه يحرر فكر الطالب ويفتحه على آفاق أرحب، من شأنها أن تحرر عقله من هيمنة التبعية السياسية وما تفضي إليه، مع أنه لا بأس في الإشارة إلى الأحداث والخصوصية السياسية للعصور أثناء تحليل النصوص، بقدر تخدم تلك الإشارة الدرس الأدبي.

    والاقتراح الثاني أن يدرس الطلبة نصوصا من عصور مختلفة ولكنها تدور حول غرض واحد؛ كأن يدرس طلبة الصف العاشر نصوصا في وصف الطبيعة، بقسميها: الصامتة والناطقة، أو المتحركة وغير المتحركة، بحيث تشرح النصوص وتُجلّى غوامضها ويشار إلى الزمن الذي قيلت فيه إضافة إلى بعض ملامحه بالقدر الذي يخدم النص وحسب. ويدرس طلبة الحادي عشر نصوصا من أحقاب مختلفة في الغزل بنوعيه، بل  بأنواعه: العذري والصوفي والماجن، وهكذا.

    كما يمكن أن يدرس الطابة في هذا المستوى او ذاك نصوصا من الأدب العربي في العراق( عبر العصور) أو في الأندلس أو الحجاز وهكذا.

     

    خاتمة:

    وبعد، فإننا نلاحظ أن تدريس الأدب العربي في مدارسنا وجامعاتنا بحاجة إلى إعادة نظر في منهاجه، لتحريره من وطأة النظرية المدرسية التي تقسم الأدب العربي إلى عصور سياسية بمرتكزاتها التاريخية والفنية. ومن ثم، نلاحظ أن أغلب المدرسين والدارسين والباحثين والأساتذة في مؤسساتنا التعليمية يدرسون الأدب حسب العصور السياسية من خلال ربط العمل الأدبي بعصره أكثر من ربطه بصاحبه، وإرجاع الإبداع إلى النواحي السياسية أولا ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتغييب الموهبة الفردية والتميز الإبداعي للأديب.

    ولذلك لا بد من اتخاذ إجراءات عملية من أجل تغيير منهج تدريس الأدب، ووضع الأمور في نصابها، ولا نرى حرجا في ذلك لأن الشعوب تراجع برامجها ومخططاتها بين حين وآخر

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • مجهوووووووووووووووووووووووووووول said...
  • والله شكرا بس انا بدي شرح القصيدة مش هاد الحكي
  • Tuesday, April 19, 2011
  • dalkeriarbape said...
  • Unparripbax <a href=http://www.capiusa.org/news/louisvuittonmessengerbag.asp>lv messenger bag </a> elurceJeate <a href=http://www.capiusa.org/news/louisvuittonmessengerbag.asp>louis vuitton hong kong </a> VoneGownFowly
  • Friday, April 5, 2013
  • dalkeriarbape said...
  • CopNoifesooni <a href=http://www.capiusa.org/news/newlvbags2013.asp>new lv bags 2013 </a> SalLienia <a href=http://www.capiusa.org/news/newlvbags2013.asp>lv new arrival </a> Alelidealot
  • Monday, August 5, 2013
  • Thiseerrorb said...
  • this is a good topic,weldone! NBA snapback hats
  • Wednesday, May 22, 2013
  • massive traffic said...
  • great to meet you blogs.najah.edu admin found your blog via Google but it was hard to find and I see you could have more visitors because there are not so many comments yet. I have found website which offer to dramatically increase traffic to your site http://insane-web-traffic.com they claim they managed to get close to 4000 visitors/day using their services you could also get lot more targeted traffic from search engines as you have now. I used their services and got significantly more visitors to my website. Hope this helps :) They offer best services to increase website traffic at this website http://insane-web-traffic.com To your success your friend Jessica
  • Monday, July 8, 2013
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me