An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Thursday, June 25, 2009
  • صفحة في التراث اللغوي/عمّان
  • Published at:مجلة أفكار / الأردن
  • صفحة في التراث اللغوي

    عمّان

    د. يحيى عبد الرؤوف جبر

    أفكار، العدد 69، 1984م.

     

              في بعض اللغات الإسلامية الشرقية، كالفارسية، تشرب الألف صوت الواو، إذا وقعت قبل النون في آخر الكلمة، يكتبون إنسان، إيران، ويلفظون إنسون، إيرون، تماما مثل لفظ الواو من كلمة (هون) الدارجة أو الحرف O من كلمة alone الإنجليزية .

              ومثل ذلك ما يعتري الألف عند إمالتها، حيث تصبح بين الألف والياء، إلى غير ذلك من اللين والرَّوم والإشمام والمد والقصر مما يعتري أحرف العلة.

              وكانت عمّان تُعرف قديما باسم عمون، وربَّة عمون، وليس بين هذين الاسمين وعمان فرق يُذكر، إذا وضعنا ما تقدم نصب أعيننا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن ثمة احتمالا آخر يتمثل في أن العمونيين ـ وهم إحدى القبائل العربية التي هاجرت من اليمن ـ ربما كان في لغتهم صوت بين الواو والألف، فهي عمان وعمون على حد سواء.

              ونعتقد أن (ربَّة) هي ربوة بقلب الواو باء ثم إدغامها في الباء التي قبلها مثلما نقول شط في شطء وشي في شيء، ولذا تكون التسمية لعلاقة بجبل القلعة أو غيره من جبال عمان القديمة.

              أو أنها بمعنى العاصمة ودار المُلك، وهي بذلك لعلاقة بالرب صاحب الأمر، من قولك: فلان رب الأسرة، وهي ربة البيت. أو لعلاقة بوفرة مائها ورغد عيشها؛ ذلك أن الجذر (ربب) ينصرف لدلالة تقع على معنى الكثرة والملك، وأيا كانت، ( ربوة أو ربة) فالأصل في الدلالة للراء والباء، وهما لعلاقة بالوفر والزيادة، ولك أن تتحرى ذلك في التربيب والتربية.

              وعمّان عاصمة هذا البلد، أو عَمَان، لغة فيها، وعُمَان، البلد العربي الخليجي، مشتقان من جذر لغوي واحد هو عَمَن أو عَمِن بالمكان إذا أقام فيه.

    ومن ذلك العمينة وهي الأرض السهلة، والحلقة الطيبة،. ولنا في هذه الكلمة استدلالان هما:

    1.  إن كلمة ـ عمينة ـ كنتيجة يمانية لدلالتها، وعُمان الدولة جزء من اليمن استنادا إلى التقسيمات العربية القديمة. وكانت معبرا لكثير من القبائل التي هاجرت من اليمن إلى العراق والشام في حقبة مبكرة ، وهذا يرشح هجرة العمونيين عن طريق عمان.

    2.  أن  العمينة، وهي الأرض السهلة الطيبة، تلفت الذهن إلى الزراعة، والزراعة أول ما دعا الإنسان إلى الاستقرار والإقامة، وذلك ما فعله العمونيون في عمّان وضواحيها، وذلك ما وجدوه فيها: التربة الحسنة والماء الوفير، فلا عجب إن أقاموا بعمان وعمنوا بها.

    ومن أسماء عمان إلى جانب ما ذكرنا، فيلادلفيا، نسبة إلى بطليموس الثاني فيلادلفوس الروماني، وقد سميت به حينا من الدهر، غير أنها احتفظت باسمها الأصلي عمون ـ عمان، أثناء ذلك وبعده.

    ومن أسمائها، أنها مدينة دقيانوس، حسب ما ذكره ياقوت الحموي. وهي مدينة الجبارين، استنادا لما ذكره السائح الهروي في كتابه الإشارات في معرفة الزيارات.

    وهي البلقاء، وقد نقل ذلك يوسف غوانمة عن أبي الفداء في تقويم البلدان، أما العابدي فقد نقل عنه أنها من البلقاء وليسبها. والذي نراه أن البلقاء هي الإقليم الذي تقع فيه عمان، وربما سموا الإقليم باسم مركزه، كما سموا تونس والجزائر الدولتين، باسم تونس والجزائر العاصمتين. وعلى العكس من ذلك؛ حيث تسمى المدينة باسم الإقليم الذي تقع فيه، كبرقة والبلقاء ونحو ذلك، حيث إن البلقاء إنما سميت به لعلاقة بسواد تربتها وبياضها، قال المقدسي في أحسن التقاسيم: (وبعمان جبال حمر يسمى ترابها السمقة، وهو تراب رخو، وبها جبال بيض تسمى الحوارة تطين بها السطوح).

    قلت: الحمرة درجة من درجات السواد كالخضرة، أما رأيتهم سموا منطقة الكوفة وما والاها بالسواد لخضرتها، وإن الله سبحانه وتعالى نعت الجنتين بأنهما (مدهامتان) لخضرتهما، والدهمة السواد، وهذا هو المعنى الأصلي للبلق، بياض في سواد، والبلقاء فعلاء منه، والمذكر أفعل، وفرس أبلق إذا كان محجلا، وإنما سمي قصر السموأل  بن عادياء ب (الأبلق) لأنه بني بحجارة بيضاء وسوداء.

    وأفعل فعلاء، ينصرف في العربية لعلاقة باللون، أو أعضاء البدن، لزيادة فيها أو نقص، ولا شيء غير ذلك، فمن الألوان أحمر حمراء، أبلق بلقاء، أعفر عفراء، ومن العيوب البدنية زيادة ونقصا: أصلع صلعاء، أعرج عرجاء ونحو ذلك. وصفة البلق واضحة في منطقة عمان وما جاورها وقد قيل في تسمية عمان بهذا الاسم:

    1.  الأزهري في تهذيب اللغة : يجوز أن يكون فعلان من عمّ يعمّ، فلا ينصرف معرفة وينصرف نكرة. ويجوز أن يكون فعّالا من "عمن"، فينصرف في الحالتين ( أي معرفة كان أم نكرة) إذا عُني به البلد.

    2.  سيبويه: لم يقع في كلامهم اسما لمؤنث وبه فسر حديث الحوض ( عرضه من مقامي إلى عمان) قلت: وهو من عدن إلى عمان في رواية أخرى.

    3.  الزبيدي فيتاج العروس، وذكر عمان فقال: وقد ذكره عبد الرحمن بن حسان في الشعر مخففا، قلت: الوجه أن يرد ذلك إلى أبيه حسان حيث قال يرثي آل جفنة الغساسنة:

    لمن الديار أوحشت بعمان                        بين أعلى اليرموك فالخان
    هبلت أمهم وقد هبلتهم              يوم حلوا بحارث الجولان
    ذاك مغنى من ال جفنة في الدهر             وحق تعاقب الأزمان
    وزاد صاحب التاج: والعمن المقيمون في مكان. عن أبن الأعرابي، والعمانية، بالضم وتشديد الياء نخلة بالبصرة لا يزال عليها السنة كلها طلع جديد ، وكبائس مثمرة، وأخر مرطبة، وقيل ذلك قال: عمان، كشداد، بلد بالشام بالبلقاء بخط النووي ـ رحمه الله تعالى ـ سمي بعمان بن لوط.

    4.  ياقوت في البلدان، حيث أجمل الأقوال السابقة دون نسبة وقال: وعمان بلد في طرف الشام، وكانت قصبة أرض البلقاء والأكثر في حديث الحوض، كذا ضبطه الخطابي، ثم حكى فيه تخفيف الميم أيضا، يعني عمان ـ وفي الترمذي، من عدن إلى عمان البلقاء.

    5.  وفي التوراة، وفي البلدان المختلفة أنها سميت بعمان بن لوط من إحدى ابنتيه، وهذا، وأيم الله، من خرافات التوراة، وهو في الكتب العربية من الإسرائيليات التي تسربت إلى العقلية العربية في وقت مبكر، فأسهمت في توجيه الفكر العربي وجهة غير صحيحة في بعض الأمور، وما أرادوا بذلك إلا الإساءة للوط عليه السلام، ولغيرهم من الأقوام. ولا يفوتني هنا أن أدعو المهتمين إلى قراءة كتاب نقد النظرية السامية لتوفيق سليمان، حيث نرى أنه وُفّق في نقدها وتفنيد أسطورتها. وكان عرب الجاهلية على اتصال وثيق بالشام، فرحلة الصيف، وهجرة الغساسنة وغيرهم من القبائل العربية، إلى غير ذلك من الأدلة التي نجدها في ديوان العرب في الجاهلية والإسلام، فقد ذكر امرؤ القيس حوران وحماة وشيرز في شعره وذكر حسان عمان والجولان والبلقاء وجلق، بل لقد تقدم أبو دؤاد فذكر بيسان حيث قوله في الأصمعية الخامسة والستين:

    وتراهن في الهودج كالغز                          لان ما ان ينالهن السهام
    نخلات بيسان أينعن             م            جميعا ونبتهن تؤام
    وتدلت على مناهل برد                        من فليج من دونها وسنام
    وفي الحديث الشريف: لتخمرن الروم الشام أربعين صباحا لا يمتنع منها إلا دمشق وعمان. ونورد فيما يلي نبذا من أشعارهم في عمان، فمن ذلك قول الخطيم العكلي اللص يذكر عمان:

    أعوذ بربي أن أرى الشام بعدها                        وعمان ما غنى الحمام وغرّدا
    فذاك الذي استنكرت يا أم مالك                 فأصبحت منه شاحب اللون أسودا
    وقال الأحوص:

    أقول بعمان وهل طربي به                 إلى أهل سلع ان تشوقت نافع
    أصاح ألم يحزنك ريح مريضة                وبرق تلألأ بالعقيقين لامع
    وإن غريب الدار مما يشوقه                نسيم الرياح والبروق اللوامع
    وسلع هي البتراء؛ لأنها شقت في الصخر. ومن شعره أيا قوله:

    نظرت على فوت وأوفى عشية                 بنا منظر من حصن عمان يافع
              وبعد، فإن عمان بلد عربي قديم اسمه ومكانه وانتماؤه، وقد سمي به لعلاقة بالإقامة والثواء في المكان، ونرى أن عمان المدينة وعمان الدولة، يشتركان في الجذر اللغوي (عمن)، وأن العمونيين من عرب اليمن مروا في هجرتهم بذلك البلد إلى أن استقرّ بهم المقام في البلقاء. وإن من الشواهد والتوجيهات والإشارات التي أوردناها، ما يؤكد ارتباط هذا البلد وأهله بالجزيرة العربية، كامتداد طبيعي لها على كل حال، وإن في التحليل اللغوي ما يكشف عن كثير من الحقائق، أو يرشحها ويرجحها ـ على الأقل ـ وإنّ في الكلمة ،وإن صغرت، من المعاني ما لا يحد، ومن الأدلة ما يكشف عن كثير من الحقائق.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me