An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, February 3, 2009
  • لقد نضج الصراع؛ وهذا أوان الفرز، وعصر الجماهير والثورة (نشر قبل عامين
  • Published at:Not Found
  • لقد نضج الصراع؛ وهذا أوان الفرز، وعصر الجماهير والثورة

    أ.د. يحيى جبر               

    رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح الوطنية

    كانت ثورة الباستيل على طغيان الحكومة الاستبدادية الفرنسية شعبية بمعنى الكلمة، ومن بعدها الثورة البلشفية على الإمبراطور الروسي، والثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني ضد الطاغية محمد رضا بهلوي، وثورة الشعب الروماني على تشاوتشيسكو، وثورة الجورجيين على شفرنادزه، وغيرها من الثورات ذات الطابع الشعبي، كما عرف التاريخ القديم ثورات شعبية عارمة تنادت لها الجماهير من الأصقاع المختلفة، كالثورة التي قامت على الخليفة الثالث عثمان ابن عفان؛ مما قد نختلف فيه أو نتفق، وثورة الشعب الروماني قديما، بقيادة بروتس، على يوليوس قيصر وغير ذلك مما بدأ يتعاظم شانه في العصر الحديث، حتى غدا يشكل ظاهرة مألوفة لدى جميع شعوب الأرض، وكيف لا تكون كذلك وقد غدت الأرض اليوم ـ نسبيا ـ أصغر بكثير مما كانت عليه ، بفضل ما هُدي إليه الإنسان من وسائل الاتصال والمواصلات. والشعوب اليوم، بفضل ذلك، سَرعان ما يتأثر بعضها ببعض، ولا سيما أن الوعي البشري بالعدالة والحرية والحقوق الإنسان ينتشران بين الناس بسرعة فائقة، مما يبشر بسرعة التحول إلى عالم إنساني تسوده القيم، وتسري فيه روح العدالة، توطئة لقيام دولة العدل الإلهي.

    وفي الوطن العربي المبتلى بأنظمة حكم لا تعدو أن تكون وسيطا بين شعوبها والأطراف الخارجية التي تتفاوت مواقفها من تلك الشعوب بين معادية ومتربصة ومستغلة، نعم قامت ثورات ضد المستعمر ذات يوم، وضد هذا النظام أو ذاك، ولكن الحركة الشعبية العربية لم تبلغ مرحلة النضج بعد؛ نعم، تحركت الجماهير أيام عبد الناصر، وما زلنا نذكر أغنية " صوت الجماهير " وازدادت الحركة الشعبية زخما بعد ذلك على يدي معمر القذافي، الذي يباهي بأنه رائد عصر الجماهير، وقد طالما رفع صوته في وديان العرب يدعو الجماهير للإمساك بأزمّة الحكم، وطال تحريضه للجماهير العربية فلم يظفر على المستوى العربي إلا بمزيد من الأعداء، مما انعكس عليه إحباطا وتراجعا، أو بعبارة أخرى، يأسا من هذا الجيل.

     

    نضج الصراع

    فإذا شهد القرن الماضي بعض بوادر الثورة العالمية، وظهور قيادات مثل تشي جيفارا، وكاسترو على المستوى الدولي، ومعمر القذافي؛ خصوصا على مستوى حركات التحرر في القارة الإفريقية، والقيادة السوفيتية ودورها في التصدي للرأسمالية باعتبارها حركة معادية للإنسانية، ولعل في موقف الاتحاد السوفييتي من حركات التحرر الدولية خير ما يترجم ذلك التوجه، إلا أن الصراع بين قوى الخير والشر لم ينضج إلا حديثا.

    والصراع ببعديه المادي والمعنوي، ينضج كما تنضج الثمار، له عمر كغيره من الكائنات والمعاني، ويتطور حتى يصل إلى مرحلة النضج، فيتفجّر بسبب أو بغير سبب، تماما كالدمل حين يبلغ أمده، فإنه ينفجر من تلقاء نفسه ما لم يفتحه الطبيب لتخليص البدن من أذاه، أو كحبة تين نضجت ثم قطّنت فلم تجد من يقطفها فسقطت على الأرض بعامل الزمن.

    واليوم، يبدو أن المتغيرات على الساحة الدولية أذكت روح النضال لدى الجماهير،  وبدأ الصراع ينضج، فهذا هو الشارع العربي يزدحم بجماهيره بشكل متصاعد في فلسطين ولبنان ومصر واليمن والسودان، وفي العالم الإسلامي، في إيران والصومال وأفغانستان وباكستان، وفي أواسط آسية، وأمريكا اللاتينية، وتلك هي الجماهير تسارع للإحاطة بمنزل هدد الطيران الصهيوني بقصفه لتحول دون ذلك بأجسادها؛ مما يمثل توطئة لمرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة في تاريخ الجنس البشري. فالجماهير لم تعد تخشى الأنظمة القمعية، وصارت تدرك أن عليها أن تنهض في وجه الظالم أيا كان، ( وهذه دعوة من صميم الإسلام) لأنها لا خلاص لها إلا بذلك، ناهيك عن ازدهار الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان وازدياد الرقابة الدولية عبر منظمات حقوق الإنسان، وما تبثه الفضائيات وتقدّمه وسائل الإعلام المختلفة، وبسبب تنامي الوعي بين أبناء الجنس البشري؛ مما أدى إلى اطّراد الحراك الإنساني في هذا المجال، وكسر حاجز الخوف الذي كان يعوق الجماهير دون المضي قدما على طريق الانعتاق النهائي.

    أجل لقد نضج الصراع الذي استغرق دهورا بين البشر، وهو صراع لم يضع له الرسل ولا المصلحون حدا، نعم، جاءت الرسالات بما يقدم حلا لمشكل البشرية الذي تجسد ابتداء في خطيئة آدم حين عصى ربه، وخطيئة ابنه قابيل حين ظلم أخاه هابيل وقتله، مرورا بالظلم الذي ساد في الأرض بين الأمم التي كانت فاندثرت بسبب ذلك، ولكن المشكل ظل ماثلا بصور مختلفة، يخبو ليتأجج من جديد، ولعل في ما ينسب لأبي العلاء المعري ما يوضح هذه المشكلة الأبدية:

    كم وعظ الواعظون منا     وقام في الأرض أنبياء

    فانصرفوا والعياء باق        ولم يزل داؤك العياء

    محكمة التاريخ

    أما اليوم، وبحكم ما توالى من المتغيرات والتفاعلات على الصعيد العالمي، فقد تغيرت الأحوال، وحان للصراع بين الخير والشر أن ينضج، فقديما كان التداخل والدخن يجعلان الأمور ضبابية، والرؤية غير واضحة؛ بحيث يتمكّن الإنسان من التمييز، وبدأ الإنسان يطرح، في هذا البلد أو ذاك، فكرة المصالحة التاريخية، فالبابا يعتذر عن الحروب الصليبية، وهذه بريطانية تحاول حلحلة القضية الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الذي تسببت في شقائه بزرعها دولة الاحتلال في أرضه، وتلك هي الجزائر تطالب فرنسة بالاعتذار عن جرائمها في الحقبة الاستعمارية، وتلك ليبيا تطالب إيطاليا بالتعويض عن الخسائر التي ألحقتها بليبيا في القرن الماضي، وذاك هو إثنار يطلب من المسلمين الاعتذار عن فتح الأندلس، والأرمن يطالبون باعتذار تركية، والبابا يبرّئ اليهود المعاصرين من دم المسيح عليه السلام، وينهار سور برلين، واليهود بحثوا في الدفاتر القديمة عن ليلى ليجدوا أنها مرت بفلسطين ذات يوم فتعلقوا بها، وتلك هي الشعوب تراجع علاقاتها، فتنحاش من جانب لآخر، وتتحيز من فئة لأخرى، تماما كالسحب في الفضاء، تنفض هذه عن تلك لتتحد مجددا بأخرى فما هي إلا دقائق حتى يلبس السحاب السماء ويتطخطخ الغيم حتى لا تظل بينه جوبة، استعدادا لنزول المطر؛ بلاء كان أو رحمة. هكذا تتحرك الشعوب: تتقارب أو تتباعد؛ سواء، والنتيجة واحدة، وهي التحرك على إيقاع حركة التاريخ، أليس المبتعد منك مقتربا في الوقت نفسه من شخص آخر؟.

    وفي الوقت نفسه نجد بؤر صراع دامية هنا وهناك في طريقها للحل بغض النظر عن طبيعة الحل؛ سلميا كان أو دمويا، حتى لكأن العالم ملّ صراعاته، فهو يبحث عن حلول عاجلة لها، ويسعى حثيثا على الطريق المؤدي إلى عالم تسوده العدالة والاستقرار.

    إن هذه الحقيقة تؤكد ضرورة الوعي بحركة التاريخ في هذا العصر، والعوامل التي تتحكم بها، والانتباه إلى أن الأحداث بدأت تستجيب للحتمية التاريخية التي قد لا تحتاج إلى قوة الفعل التي كانت تسيّر أحداث القرون الخالية، فإذا كان الحدث التاريخي، كالرواية، أو قل كالدولة الرومانية بحسب ما قدّمها Gibbon  في كتابه The Fall And Decline Of Roman Empire ـ  إذا كان يتطور على نسق بعينه لينتهي إلى نتيجته، فإن هذا النسق ينقسم إلى قسمين هما:

    ·        مرحلة الاندفاع بقوة الفعل

    ·        مرحلة الاندفاع بقوة الانجذاب إلى النتيجة الحتمية

    وإذا ما اعتبرنا أحداث التاريخ السابقة جميعا، تمثل في جملتها قوة الفعل، فإن اندفاع التاريخ الآن، في نظرنا، قد تجاوز المرحلة الأولى، ودخل المرحلة الثانية (مرحلة سقوط الصاروخ بعد انتهاء قوة الدفع)، وهو يستجيب الآن لقوة الانجذاب نحو النتيجة الحتمية، لكن بسرعة أكبر: كالنيازك حين تقتحم الغلاف الغازي للأرض؛ لا تلبث حتى تحترق، بحكم تراكم السرعة ( أو ما يعرف بقوة التسارع Acceleration )، نظرا للصغر النسبي للأرض، الذي تحدثنا عنه، ولتقارب الزمان اللذين نشأا عن طابع السرعة الذي طغى على كل الأفعال البشرية في هذا العصر، نتيجة لثورة المعلومات، وانفجار المعرفة؛ بعبارة أخرى؛ إن الحدث التاريخي( س) إذا كان يحتاج قديما إلى مدة من الزمن تساوي( ا) ومكان تساوي مساحته (ف) فإنه اليوم يحتاج إلى( جزء من ا) و(جزء من ف)، تماما مثل دواجن المزارع، وثمار الدفيئات، والأحياء المعالجة بالهرمونات، إنها تختزل في دورة حياتها الزمن. وإذا كان ظهور الدولة الرومانية وصعودها قد امتد قرونا، وكذلك اضمحلالها وسقوطها، فإن الدول اليوم قد تظهر وتختفي في أقل من قرن.

    ولو نظرنا في المجتمعات المختلفة لوجدنا أن حركتها بدأت تتبلور في اتجاهين مختلفين، قلما نجد لهما ثالثا، وهما:

    اتجاه الخير والحق والعدالة وقبول الآخر على ما هو عليه، فإن كان ثمة اختلاف تركاه لمستقبل الأيام، ولما يمكن أن يؤدي إليه التفاهم والحوار بعيدا عن الصراع.

    والآخر اتجاه العسف والبغي والأنانية، وإلغاء الآخر وإقصاؤه، وإن كان ثمة خلاف كان حله بالعنف والصدام.

    ولو نظرنا في المجتمعات التي تشهد صراعات داخلية أو خارجية لوجدنا أن أحد طرفي الصراع باغ معتد ، وأن الطرف الآخر مظلوم، إذ لا يمكن أن يكون الطرفان على حق، وأن علينا للحكم الصحيح أن نبحث عن أصل العلة، وأسباب الصراع الأساسية؛ ليكون البادئ هو الأظلم، وهو الذي يتحمل تبعاته من بعد، ما لم يشتط الآخر فيصبح شريكا في المسؤولية.

    ولو نظرنا إلى ما تحياه الأمة اليوم من واقع على كل ساحاتها، لوجدنا أنها تعاني من صراعات داخلية وخارجية كثيرة، وأن بعض هذه الصراعات قد لا تكون طافية على السطح، ولكنها في طور النضج (السريع) تمهيدا للاندلاع، حتى لكأن الأرض تستعجل أهلها لإنهاء ما بأيديهم من إجابة الامتحان تمهيدا لإخراج أثقالها، واستقبال زلزالها.

    وفي فلسطين ولبنان، على وجه الخصوص، نجد الساحتين تغليان، والصراع يوشك أن ينفجر في وجه المحتل... إذا اعتبرنا الشعب جبهة والمحتل جبهة أخرى، وبين طرفي الصراع الداخلي اللذين يختلفان استراتيجيا، وينطلقان من خلفيتين متناقضتين، فلم يعد هناك دخن ولا ضباب، وأصبح المعسكران يستقطبان كل التكتلات الصغيرة، وكل ما في السماء من سحب أصبحت تحمل إما الشحنة السالبة أو الموجبة، ولم يبق إلا هبة ريح تقرّب هذه من تلك لينقدح شرر البرق،  ولتقصف الرعود، وتنهمر أمطار العذاب، ويتدفق الطوفان مدمرا، لكن لعله يهب الفرصة لحياة جديدة؛ ذلك ما لم تسبق أمطار الرحمة، فيسلم الجميع من وبال الفتنة، ويمشون معا لقطاف الثمر، ولكن هيهات هيهات.

    إن التداخل الذي كانت تشهده بعض المجتمعات، وعدم الانقسام إلى فئتين إنما كان لانعدام المبرر، ولكن نضج الصراع في بعض بقاع العالم قبل بعض (تماما كالكرم لا تنضج ثماره دفعة واحدة) يمثّل مؤشرا دقيقا إلى بدء مرحلة انقسام الجنس البشري إلى فريقين منفصلين غير متداخلين: فريق هابيل المظلوم المتطلع اليوم للعدالة والانتصاف، وفريق الطاغية قابيل الذي آن له أن يعاقب، على أيدي البشر، أو على يد رب البشر.

    أرأيتم إلى خط تقسيم المياه؟ كيف أن نقطة ماء تسقط على صخرة من الجبال التي تفصل حوض النيل عن حوض الكنغو، فتنقسم إلى قسمين: قسم يتجه غربا ليصب في نهاية المطاف في المحيط الأطلسي، والنصف الآخر يتجه شرقا ليصب في النهاية في البحر الأبيض المتوسط؟

    أورأيتم أخوين كانا معا في رحم واحدة، حتى إذا جرت بهم الأيام على الأرض واختلف نهجاهما في الحياة حتى تنكّر أحدهما للآخر، فراح ينشد أخاه:

    فإما أن تكـون أخي بحق       فأعرف منك غثي من سميني

    وإلا فاطّـرحني واتخذني        عـدوا أتّـقـيك وتـتـقيني

    ومن يتابع مجريات الأحداث المتوازية؛ كأنها أوان مستطرقة، في العراق ولبنان وفلسطين، التي تمثل معا سرّة العالم، وخزانته الحضارية، ومهد أديانه الرئيسية، والموجّهة الفعّالة لحركة التاريخ البشري، والتي تمثل فلسطين منها القلب ـ فإنه يقف على العجب، فهؤلاء هم اليهود قد أتوا لفيفًا ينتظرون وعد الآخرة، .... بعض زعمائهم اقتادوهم إلى ما ظنوا أنه خلاصهم النهائي، وفي المقابل نجد موقف منتظري الكارثة (ناطوري كارتا)....، والمسيحيون منقسمون فئتين كذلك؛ فئة تقودها أمريكا، وفئة يمثل اتجاهها الأب عطا الله حنا، والمسلمون يخلص بعضهم من بعض، وها قد أصبحوا فئتين، والمعاني في هذا الكون على مستويين متناقضين، وبينها ظلال متدرجة؛ ولكنها في طريقها إلى الامتياز بعضها من بعض، فلا رمادي بعد اليوم، ولا دخن، ولا مواربة، إما أبيض وإما أسود، إما أهريمان أو أهورا مزدا، إما ليل وإما نهار، إما خير وإما شر......وهكذا إلى أن تنتهي المعاني، والكائنات المادية.

    وختاما؛ فإني لا أجد ما أختتم به هذه المقالة خيرا من التوجه بالدعوة الحميمة إلى الناس كافة أن يتبرّؤوا من كل ولاءاتهم إلا ما كان منها لله عز وجل، وأن تردّ الحقوق إلى أهلها دون أن يكون لتقادم العهد دور في تغيير الحقيقة عن وجهها، وأن يقبل كل منهم الآخر على ما هو عليه، فلا يدعوه ليغير شيئا من قناعاته، ولا ليتنازل عن شيء من حقوقه، إلا بالتي هي أحسن، وأن يعطي كل مجتمع النَّصَف من نفسه، وكذلك كل فرد من أفراده، بهذا، وهذا وحده، يمكن أن يستتب الأمن في العالم.إن في ذلك اختصارا للزمن، واستعجالا لقيام دولة العدل الإلهي، حيث لا يكون ظالم ولا مظلوم.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me