An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Friday, March 25, 2011
  • المدينة السوق ..
  • Published at: الشعب /13/ أيلول /1995
  • المدينة السوق ..

            في المدينة كل شيء تقريبا معدا للبيع، الأرض.. العقارات، صفحات المجلات والصحف، السلع، الكتب، الماء، الدجاج المشوي، الساعات الدراسية، أدوات الزينة: زهور، طيور، عطور.. الخ، ويبدو أن شيئا واحدا لم تطله يد التجار.. إنه الهواء. بالرغم من أنه في بعض البلدان يباع على أنه هواء نقيّ أو على أنه هواء \"القدس\" كما يفعل اليهود حيث يبيعونه في الدول الغربية وأمريكا.

            ولهذا فإن المدينة بواقعها الملموس ـ لا أقصد مدينة بعينها، ولكني أخص مدن العالم الثالث ـ وهي في الحقيقة سوق كبيرة كل المقاييس فيها مادية، والمعايير كذلك، وبعبارة أخرى فإنه لا مجال للقيم والمثل في المدينة بحال من الأحوال، ولا سيما في الشرق، حيث بات كثيرون يرون أن التمسك بالمعاني والقيم يؤدي إلى مضاعفة عقدة التخلف ويحول دون التقدم للحاق بالمدن الغربية التي تحولت إلى أسواق أكثر تطورا وتعقيدا ومنذ زمن مبكر، فإذا هم ينفون من حياتهم البقية الباقية من التراث الحضاري الشرقي الذي امتازوا به في القرون الخوالي، وراحوا يجرون دون أن يعقبوا على شيء، يتبعون سنن الغرب حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وراءهم.

            ولما كانت المدينة السوق هي التي تتحكم في مقاليد الحياة ومناشطها المختلفة في دول العالم الثالث، وكانت لا تمثل وجوه البلدان التي تنتمي إليها، بأريافها وبواديها وقراها، فإن ذلك يعني أن العالم الثالث في طريقه إلى الهاوية، وأنه وإن بدا متقدما بعض الشيء في ظاهر الأمر، إلا أنه في الحقيقة ورم وإن أشبه الشحم، بل ورم خبيث والعياذ بالله.

            وإن العالم الثالث، لن يتقدم بشكل سوي، حتى يستعيد توازنه، ويوائم حضارة بين حضارة المادة وحضارة الروح، وإن المدينة من مدنه لن تتخلص من كونها سوقا حتى تتخلص من طابعها الذي يدفع كلم ا فيها بأنه للبيع، وعندئذ يكون لزاما أن لا يتاح للمدينة أن تفرض معاييرها المادية اللاحضارية على جميع السكان، وأن تشرك كلا من الريف والبادية في تسيير دفة النشاط في جميع مجالات الحياة.

            وهذا يعني بطريق غير مباشر، أن تزدهر الأرياف، وتستقر البوادي، وأن تتوقف الهجرة إلى المدينة.

            إن المدينة بحاجة ماسة إلى من يقلم أظافرها، ويضفي عليها طابع الحياة، ويخلصها من عقدة البيع والشراء، التي استفحل أمرها حتى بلغ ذامه كل شيء، حتى الإنسان يمكن أن ينتهي الأمر إليه.. كل ذلك مقابل المال.. وليس التقدم الحقيقي.

            وإن ذلك  يعني بطريق غير مباشر وأن تفوح في أحياء المدينة وشوارعها الهندسية روح الانسجام والتوافق، وأن تصبح لها تقاليد وعادات ومعايير حضارية روحية (ومادية)، وأن يكون لها طابع خاص فيه من رائحة البلد كثير..

            وهذا يعني أن يكون هناك رباط بين الإنسان وغيره مما يحتوي عليه الوطن غير رباط المادة، إنه رباط الحب والقدسية والاندماج..

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me