An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, February 3, 2009
  • هل نعتمد المَحضَرَةَ نمطًا
  • Published at:Not Found
  • هل نعتمد المَحضَرَةَ نمطًا

    (وجهة نظر، وخلاصة تجربة استغرقت 45 عاما)

     

                                                                أ.د. يحيى جبر 

    أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية

    في هذه الورقة أتقدم منك، عزيزي القارئ، بتجربتي في التعلُّم والتعليم، التي ابتدأتها متعلمًا عام 1950، ومعلمًا في مراحل التعليم المختلفة عام 1962 حين أنهيت الثانوية العامة، وتعاقدت مع البعثة التعليمية السعودية في القدس؛ لأعمل مدرسًا في تِهامة عسير جنوبَ المملكة العربية السعودية. وكانت مسيرتي التعلمية كمسيرة غيري من الطلاب؛ عاديةً جدا، ولكنني تعلمت كثيرا من البيئات التي عملت بها، تعلمت لهجاتٍ وعرفت عادات، وشاهدت بيئة مختلفة كليًا عن بيئة فلسطين؛ في تضاريسها ونباتها ومناخها؛ مما وسع مداركي وفتحها على أمداء بعيدة، وحبب إليَّ اللغة العربية ، لا سيما أن المجتمع الذي انتقلت إليه _ تهامة _ كان ما زال يعيش حياة بدائية جدا؛ لا طرق ولا سيارات، ولا خدمات، ولا ماء ولا كهرباء ، وكانت لهجتهم بالنسبة لي، ولزملائي الفلسطينيين، أشبه بلغة أجنبية؛ ولم نتمكّن من استيعابها إلا بعد عدة أشهر, وكنا نشعر بالسعادة ونحن نكتشف أسرارها، ونفتح مغاليقها.

    ثم كان أن انتسبت عام 1966 لقسم اللغة العربية بجامعة بيروت العربية، وانتقلت لأعمل في نجران وتبالة وصبيخة قحطان وخيبر، وفي خيبر مر بي ذكر حمّاها في الشعر لأول مرة، وصادف أن أُصبتُ بها في أواخر العام الدراسي، وأذكر أننا توجهنا للمدينة المنورة في طريق عوجتنا للأرن، فقامت حرب 67 يبنما كنت في المستشفى، حيث كنت " أدردش" مع الأطباء عن الحرب، وكان فينا من ذهب بعيدا في أحلامه حتى توقع أن نعود إلى بلادنا عبر مطار اللد!. وهناك أيضا كنت أدرس عن دارة جلجل وأنا في حوطتها، وعن السراب وهو يلفُّني بملاءته، وعن الضب والجربوع وأنا اصطادهما، وأقف مطالعا وصف طرَفة بن العبد لناقته وأنا واقف إزاءها أقيس عليها ما أقرأه من شعره.

     هناك رأيت كبش عمرو بن معديكرب الزبيدي، وحصان عنترة، يدلل على المنايا، يشري ويبيع، وأطلال أمَّة تلوح كباقي الوشم في يد غانية، رأيت كلب علي بن الجهم وتيسه ودلوه، ورأيت في التهمان بأزيائهم وشعورهم المضفرة مرسلة على أكتافهم – رأيت تأبط شرا وعروة والسليك، رأيت البيد ورمالها، والظباء كما وصفوها بأشعارهم، وجزعت وادي السوبان مع زهيربن أبي سلمى، ووجدتني مرات كثيرة أنزف الماء من الركايا، وأمتحه من الآبار،وكم سهرت مح بنت الدهرأعاني ما .

     وهناك كنت أدرس في الكتاب المقرر مادة عن النقوش اليمنية القديمة، وأنا في خيبر الجنوب أتنقل من يعراء إلى المُعزِب أجمع النقوش؛ أنسخها، ولو كان عندي آلة تصوير لصوّرتها، كنت أرسلها لأستاذي السيد يعقوب بكر أول أول، لم يكن يعرفني إلا من خلال رسائلي التي تتضمن نقوشا، ومفردات من لهجات القوم، ولما انتقل إلى مصر، وذهبت إلى هناك لإكمال الدراسة، كان عميدا لكلية الآداب، عرّفته بنفسي ، وذكّرته برسائلي، فرحب بي ، وأشرف على أطروحتي للماجستير، بل لقد أحال إليّ كتابه( نصوص في فقه اللغة) لأعلّق على حواشيه، واعدا بنشر ملاحظاتي في طبعته الثانية، لولا أن القدر عاجله.

     وهناك، طاردت الصيد، وبنيت الخيمة، ففي عام 1971، آخر عام قضيته هناك، في الصبيخة في الربع الخالي، ابتنيت خيمة في حاشية القرية، كانت ملتقى للبدو، كنت فيها كتوفيق كنعان حين يستقبل مرضاه، يستنءئهم عما يحفظونه من التراث، ويدونه، وفي خيبر الشمال ( خيبر المدينة المنورة) كنت مع خمسة من وجوه القوم نسمر في كل ليلة في بيت واحد منا، بالدَّور، يحدثون بما عندهم، وأقص عليهم ما كنت أحفظه من أخبار امرئ القيس، والميّاسة، ورحلة المتنبي، ونحوها،وهناك، كم بتّ أرقب النجوم أنتظر انجلاء الليالي كلما اقترب أوان العودة للأهل في فلسطين.

    وجدت في البيئة من حولي عونا، وأي عون، على الدراسة والفهم والحفظ، لقد كانت مدرسة مفتوحة تحتضن التراث العربي وتاريخ الأمة ، كيف لا وقد كانت المنبع الذي أمدّ قرائحهم بما حفظته يد الزمان؟ وقد انعكس ذلك كله على تحصيلي؛ فلم يعد حبرا على ورق، بل صار صورا  تضِجُّ  بالحياة، مفعمة بالحركة، تحكي قصة من كتاب الزمن لم تُسمع من قبل، كانت بالنسبة لي كتلك الزهرة البرية التي جادت بشذاها للريح دون أن يستمتع به إنسان، كما قال الشاعر الإنجليزي، أو كتلك اللؤلؤة القابعة من الزمن الأول في قعر البحر، لم يهتد إليها غوّاص من قبل. كما لم يعد تحصيلي سماعا من أستاذ، ولا قراءة في كتاب مطبوع أو مخطوط، بل كانت الأشياء من حولي تجري على عواهنها في بثٍّ مباشر، وكانت القراءة في الكتاب الجامع للكتب كلها، في مظاهر هذا الكون وظواهره، حتى لكأنني تلقيت درسا على يد عليّ بن أبي طالب وهو يقول: القرآن كتاب الله المنطوق، والكون كتاب الله المخلوق.

     

    لقد أغرتني أشعارهم والصحراء بقرض الشعر، ومن الطريف أنني قلت أبياتا ثلاثة في الربع الخالي حتى إذا انتقلت إلى الشق الغربي من الوطن العربي؛ حيث وجدت الصحراء كالصحراء، والإنسان كالإنسان - أكملت القصيدة (عام 1974) ونشرتها في مجلة الخفجي عام1988 وكانت أجمل المناسبات عندما ألقيتها في أعضاء المجامع اللغوية العربية عام 1995 حين خرجنا في رحلة من القاهرة إلى الفيوم،عندما تَصَدَّر الحافلةَ المرحومُ أحمد صدقي الدجاني طالبا من المشاركين أن يقدموا للركب ما يسليهم، كانت الصحراء من حولنا بساطا ذهبيا، هيّجني، فبادرت إلى إلقائها، فنالت من إعجاب القوم ما أسعدني.

     

    وهناك، في الشطر الغربي من الوطن الكبير، كان أستاذ الجغرافية، أحمد عبد الرحمن رحمه الله، قد علّمنا أن ثمة في أقصى الجنوب الغربي من ليبيا واحة اسمها غات البركات، لا تدرون كم كان يثير فيّ ذلك الاسم من المشاعر، ولا مدى عمقها، ولمّا تعاقدت مع وزارة التربية والتعليم الليبية، حرصت على أذهب للتدريس في غات البركات، ..كل من عرف ذلك أنكره إشفاقا عليّ، لبعدها وأوبئتها، والقوم هناك يتكلمون التارقية( لغة الطوارق _ التماشّق) والهوسا (الحوصة) إلى جانب العربية، فوجئت من أول يوم أن اسم البلدة هو غات فقط، أما البركات ، فهي بلدة البَركة التي تقع على مقربة منها، ظن أستاذي أنهما اسم واحد لبلدة واحدة، نظرا لتوحدهما في المكان على الخارطة تقريبا.

    وهناك، وجدتني لا شعوريا، أبادر إلى جمع لغة الطوارق (من الفرع الحامي البربري)، وجمعت من أخبار القوم وعاداتهم، حتى تجمعت لي مادة كتابي ( رحلة البربر من المشرق إلى المغرب؛ دراسة لغوية تاريخية). وهناك، كنت أعرف شجيرة العشَر، فقد سبق أن حفظت أبياتا من الشعر ورد ذكرها فيها، كقول امرئ القيس:

    أمرخ خيامهمو أم عشر     بل القلب في إثرهم مستطر

    وقول أبي نواس يذم البيئة العربية:

      بلاد نبتها عشر وطلح   وأكثر صيدها كلب وذيب

    وتعلمت منهم في المشرق أن عصارة جذوره تشفي من لدغة الأفعى، وأذكر أنني جمعت كمية من حطبه عام 1971، حين حججت مع نفر من بادية صبيخة قحطان، جعلناها كومة كبيرة، وأوقدنا فيها النار ونمنا حولها في العراء، ولما انتقلت إلى غات، خرجت مع أحد زملائي إلى الصحراء نقرأ في كتاب الله المخلوق، فرأيت شجر العشر مثمرا؛ له ثمر كبار بحجم المانجو ولكنه أجوف إلا من ألياف بيضاء قليلة، وكنا في ذلك المكان القصيّ نعاني قلة الخضراوات والفواكه، فخطر ببالي أن نسيّل لعلب زملائنا في السكن، بأن نأخذ من ثمره فيتوهموا أنه مانجو، وقد حدث ذلك بالفعل، وكان مدعاة لضحكنا في ذلك المكان البائس. ولما عدت إلى فلسطين، كنت أعرّف طلابي بخبرتي المكتسبة كلما مر بهم ذكر هذه الشجيرة، وتعلّت من جديد، زيادة على ما كان، أن سكان الغور يحوكون من ألياف ثمره قبعات يعتمرونها، ولا سيما الكبار في السن.

    هكذا يتعلم الإنسان؛ تتراكم المعلومات عبر التجارب، وترتبط بالأدب وعلوم اللغة والثقافة، ولا سيما إذا كان هناك اتصال بالبيئة أو بالحياة الاجتماعية، مما يعني تكامل المعرفة مع الحياة وانصهارهما معا في كيان واحد.

    مُخرَجات التجربة:

            لكل فعل مردود من نوع خاص، فأنا أشعر براحة غامرة حين أكون بين طلابي محاضرا، لأنني أعطيهم من المعارف ما أدرك أنه جديد، يصب المعرفة في قالب مغاير لما ألفوه، موافق لطبيعة الحياة في شموليتها وتداخل نشاطاتها، مشحون بحرارة تسري فيه جراء تفاعلي معه بشكل ظاهر، والأهم من ذلك أنني أشعر بهم يستقبلون ما ألقي إليهم بآذان صاغية، تعي ما تسمع، وتنجذب إليه دون أن تستثقله، فيشجعني هذا السلوك على مواصلة العطاء بزخم، وإسهاب، فأستفيض في الموضوع وما يتصل به من المعارف المختلفة، محققا نوعا من التكامل يقوم على تنوّع المعلومات المطروحة ، ويبحر في الأزمنة والأمكنة، وبهذا يتحقق نوع فريد من التبادلية بين الطالب والمحاضر.

    نموذج من درس في النحو:

    الشاهد النحوي على اختصاص الفاء بجواز عطفها ما يصلح لأن يكون خبرا على ما لا يصلح لذلك:

    وإنسانُ عيني يحسِرُ الماء تارةً     فيبدو، وتاراتٍ يَجِمُّ فيغرق

    إذ عطف بالفاء جملة "يبدو" التي تصلح لأن تكون خبرا للمبتدأ "إنسان" على جملة "يحسر" التي لا تصلح لأن تكون خبرا له. وبعد بيان القضية النحوية أنثني لتحليل البيت على النحو التالي، دون أن يكون هناك تنظيم للعملية، ودون أي تكلف.

    إنسان العين بؤبؤها، لأنه كأنه بحركته ودوره في النظر هو الإنسان نفسه، والدليل عليه، ومن ذلك قول جرير في العيون:

    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به   وهن أضعف خلق الله إنسانا

    وفي هذا مع الإنسان، الذي هو أنا وأنت، جناس تام. وقوله: يحسر بمعنى ينقبض ويتراجع، يريد دموع عينيه، فيظهر البؤبؤ، ولكن الدمع ،أحيانا، قد يجتمع فيغرورق البؤبؤ، نقول: حَسَرت الدابة؛ إذا لم تتمكن من السير بحملها، أو راكبها؛ لا سيما إذا كان الطريق مُصْعِدا؛ حدث ذات يوم أن كنت، بصحبة زملائي، في طريق العودة من تهامة عسير إلى أبها، عاصمة عسير من البلاد السعودية، في طريق عودتنا آخر العام الدراسي1963/ 1964م،عبرعقبة فَـوّ، لم تكن هناك سيارات، وكانت وسيلة التنقل الوحيدة الحمار، وإلا فسيرا على الأقدام، ولما وصلنا إلى أسفل جبال السراة ، وهي امتداد لجبال نابلس والبلقاء، حرنت الحمير ولم تتقدم، فرآنا بعض القوم كانوا راجعين من السفر، فلما عادوا إلى بلدهم الذي خرجنا منه، راحوا يحدّثون الناس بخبرنا، وكان مما قالوه: رأينا امدرّسة وقد حسر بهم امحمار بأسفل امعقبة؛ يطمطمون، أي يقلبوم لام التعريف ميما، وهي لغة حمير.

    ويجم، تعني يجتمع، وكل أصل يتصدره جيم فميم فهو ينصرف لدلالة تقع على معنى الجمع والاجتماع، تعالوا نتبصر في المفردات التي تنطبق عليها هذه المقولة، وهنا يبدأ الطلبة في ذكر المفردات، وأقوم بتحليلها واحدة فواحدة، بسرعة؛جمع ومنه الجامع والجامعة،. الجمل والجملة

     

    ما هي المحضرة؟:

    تتعدد أنماط التعليم الحديثة، وتتنوع؛ نظرا لما أتاحته التقنيات وتجارب الشعوب من إضافات أثرتها، ومكّنتها من التطور، أما القديمة منها فلا تعدو _ في الحضارة الإسلامية_ أن تكون من طراز واحد؛ هو ما عرف باسم الكتّاب في المشرق العربي، أو الزاوية في ليبيا، والمحضرة في موريتانيا.

    وتختلف المحضرة عن مرادفاتها في بعض الأنشطة التي تجعلها أنجع من سواها من الأنماط، وأبعدها أثرا، وأكثرها انسجاما مع فلسفة التعليم من حيث كونه وسيلة تؤدي إلى ما بعدها، وغاية يمكن التوسل بها.

    فالمحضرة مجتمع متكامل ولكنه منظم بطريقة خاصة، فهناك مكان واسع قد يكون مخيما، وهذا المرفق يمتاز بأنه قابل للنقل من ناحية لأخرى، بحسب الظروف التي تسود في منطقته، وصاحب القرار في ذلك الشيخ أو الفقيه أو المالماني (المعلم بلغة الهوسة من مسلمي غرب إفريقية، وهم يتبعةن النمط نفسه، لا سيما في كانو اليجيرية وتمبكتو من بلاد مالي والتكرور).

    وجمهور هذا المجتمع ليسوا من أجناس وأعمار مختلفة كالمجتمع العادي، بل هم أطفال وصبية تتراوح أعمارهم بين الساسة ولعشرين، وربما تخطت ذلك بقليل، لا سيما أن القوم يؤمنون بأنه لا

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me