An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 9, 2009
  • المسلمون في العالم
  • Published at:Not Found

  • الإسلام في ماليزيا

    الشعب الأردنية 1/6/1985

     

    يلاحظ المدقق أن ثم تشابهاً في الكلام عن كيفية انتشار الإسلام في بعض الدول، لا سيما دول شرق آسية وشرق إفريقية. وما ذلك إلا لأن هذه الدول لم تكن من قبل معروفة بأسمائها وحدودها، ولأن العامل في نشر الإسلام فيها كان واحداً في الغالب، وهو التجارة بين شرق الجزيرة العربية وجنوبها من ناحية وتلك البلدان من ناحية أخرى.

    وماليزيا وشبه جزيرة الملايو بعض تلك البلدان، إلى جانب إقليم صباح وبروني وسرواك وسنغافورة. حيث كان للتجار الحضارم والخليجيين دور بارز في نشر الإسلام هناك. فقد كانت لهم علاقة وطيدة مع سكان جزيرة سومطرة، نظراً للحركة التجارية التي كانت رائجة منذ وقتمتقدم بين الشرق وبلاد العرب.

    وعندما زار ماركو بولو تلك البلاد في سنة 1292 م التقى نفراً من التجار المسلمين في ميناء " برلاك "على الساحل الشمالي المتصل بالملايو، وجدير بالذكر أن هذه الكلمة مركبة من " بر " العربية و لاك، اسم المكان.

    وقد اعتنق سلطان شبه جزيرة الملايو الإسلام على يد الشيخ عبد الله الذي كان تاجراً يتردد على ذلك الميناء، وصار اسم السلطان محمد شاه، وسمى أولاده بأسماء عربية إسلامية أيضاً، وتبعه شعبه في الدخول في دين الله أفواجاً، وأصبحت جزيرة " ملقة " التي كان يقيم فيها تدين بالإسلام عن كاملها، ومنها بدأ انتشار الإسلام على نطاق واسع، لتقوم هناك أول مملكة إسلامية.

    ولم يأل الغربيون جهداً في سبيل الحد من انتشار الإسلام، بل لقد حاربوه بضراوة، ولكن مسلمي الملايو خيبوا آمالهم، وفي سنة1975 استقلت شبه جزيرة الملايو، ولم يمض سوى خمس سنوات حتى تكوّن الاتحاد الماليزي الذي ضم تسع ولايات كانت دولاً منفردة من قبل.

    وتنتشر في ماليزيا المساجد والمعاهد والمكتبات الإسلامية على نطاق واسع ومن أشهر مساجدها مسجد هارون ومسجد كمنجارو ومسجد عالم شاه والمسجد الملاوي.

    وقد أقام حسين رفيع المصري مدرسة أزهرية هناك، تعمل على تخريج الحُفّاظ والأئمة والمدرسين، إلى جانب عدد كبير من المدارس التي تشرف عليها بعثات من دول إسلامية مختلفة.

    وفي كوالا لمبور العاصمة، مركز إسلامي ضخم، أنشئ بمساهمة عربية، وماليزيا اليوم عضو فاعل في رابطة العالم الإسلامي، والإسلام هو دين الأغلبية الساحقة.

    الإسلام في قبرص

    الشعب10/6/1985

     

    تقع جزيرة قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، إلى الغرب من الساحل السوري، وإلى الجنوب من ساحل تركية، وتبلغ مساحتها نحوا ممن 251ر9 كيلو متراً مربعاً.

    وقد افتتح المسلمون قبرص سنة 28 من الهجرة، وأصبحت بعد ذلك ثغراً بحرياً على قدر كبير من الأهمية، ونزل بها ما يربو عن اثني عشر ألف جندي مسلم، وما لبثت أسر بعضهم أن لحقت بهم، فارتفعت المآذن، وبدأ الطابع العربي الإسلامي يزين تلك الجزيرة.

    وفي حقبة الحروب الصليبية، غزاها ريتشارد، ملك انجلترا الملقب الأسد، وتمكن منها، مما جعل المد الإسلامي يتراجع ولكن إلى حين، إذ لم يمض وقت طويل حتى استعادها العثمانيون سنة 979هـ، لتصبح جزءاً من دار الإسلام، ويقدر عدد المسلمين الذين كانوا فيها آنذاك بنحو من ستين ألفاً.

    وفي العصر الحديث، عاود الإنجليز احتلال الجزيرة، وأصبح المسلمون فيها فئة مستضعفة إلى حد كبير، ويقدّر عدد المسلمين فيها اليوم بما يزيد عن نصف مليون مسلم.

    ولما نالت الجزيرة استقلالها وصدر دستورها الخاص بها، نص على الحرية الدينية، فأصبح في مقدور المسلمين أن يمارسوا شعائرهم في حركة كاملة.

    وترتفع في قبرص مآذن المسجد العربي، الذي ألحقت به مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، ومكتبة إسلامية تضم عدداً كبيراً من الكتب الدينية.

    وللمسلمين في قبرص حياتهم الدينية والثقافية المستقلة، فلهم مدارسهم الخاصة، والمحاكم الشرعية الخاصة، ويصدرون عدداً من الصحف والمجلات التي يعرضون فيها لشؤونهم.

    وفي نيقوسيا العاصمة، عدد من المساجد التاريخية القديمة، كمسجد صوفيا الكبير، ومسجد عمر، ومسجد البيرق دار، ومسجد نرو ونشلو الذي شيده سعيد محمد آغا، وهو المسجد المعروف عند العامة بمسجد البرتقال.


    الإسلام في الصومال

    الشعب 4/9/1405هـ

     

            ما أن أهل على الناس القرن الهجري الخامس حتى أصبح الإسلام هو الدين السائد في سواحل البحر الأحمر وشرق إفريقية. وفي القرن الهجري التاسع جاءت جماعة من حضرموت تتألف من 44 رجلاً نزلوا في بربرة شـمال الصومال، ثم انتشروا فيه يدعون إلى الإسلام، وفي سنة 1430 ميلادية تمكّن أحدهم، وهو الشيخ إبراهيم أبو زربي، من التوغل إلى هرر، حيث استطاع أن يقنع كثيراً من الناس بالدخول في الإسـلام. ولا يزال قبره هناك موضوع تعظيم وتبجيل من قبل سكان المدينة.

              وفي أوائل القرن العاشر من الهجرة كان الصوماليون قد دخلوا في دين أفواجاً عن طريق استقرار العرب اليمنيين والخليجيين وغيرهم في المراكز التجارية الساحلية. وفي نهاية هذا القرن وأوائل الحادي عشـر، كانت زيلع قد أصبحت في حوزة الأئمة الزيديين من اليمن. ثم خضعت للأتراك، ومن بعدهم للمصريين الذين فرضوا سيادتهم عليها وعلى هرر وغيرهما.

              وفي عام 1884م أجبرت بريطانيا مصر على التنازل لها عن أراضيها في شرق ووسط أفريقيا، فتنازلت لها عن الصومال حيث بدأت القوات الإنجليزية تتسرب فيه وتُخضع قبائله المسلمة.

            ولكن مسلمي الصومال لم ينثروا في طريق الإنجليز الرياحين، بل على العكس من ذلك، حيث هبوا لمحاربتهم، بقيادة المجاهد محمد بن عبد الله الذي أعلن الجهاد عليهم وعلى الأثيوبيين، في الوقت الذي كانت الحركة المهدية في السودان قد أقضَّت مضاجع بريطانيا.

            وظلت بريطانيا تشن الغارات على قوات المسلمين الصوماليين حتى سنة 1921م حين انتهت حركة المقاومة بعد أن تكبد الإنجليز خسائر فادحة.

            وإلى الجنوب من بربرة، في ساحل بنادر ومقديشو، بدأ الإسلام في الانتشار اعتباراً من سنة 220هـ، على أيدي التجار العُمانيين الذين ما لبثوا أن أسسوا مدينة مقديشو هم وعرب الإحساء، وقد ازدهرت هذه المدينة في أيام المشايخ المظفرين، الأمر الذي تعكسه النقوش التي ما تزال ماثلة في المساجد المقامة في القرن الهجري السابع.

            وفي القرن الميلادي التاسع عشر، ساد البلاد عرب زنجبار الذين ينحدرون من أصل عُماني، وظل الأمر كذلك إلى أن أنشب الإنجليز أظفارهم بالمنطقة، وإلى أن قُضي على الكيان العربي في زنجبار سنة 1964 التي ضمت إلى تنجانيقا لتشكلا معاً دولة تنزانيا.

              ومن الممالك التي شهدها جنوب الصومال مملكة " يجورتين " التي نشأت حوالي سنة 1420م. وفي سنة 1620 قسمت البلاد إلى ثلاثة أقسام بين أولاد السلطان محمود الأول وكان القسم الشمالي من نصيب ابنه الأكبر، الذي كان على علاقة وطيدة بأمراء المُكَلاّ من بلاد حضرموت.

              الإسلام في سنغافورة

    الشعب رمضان 1405هـ

     

    تقع جمهورية سنغافورة في أقصى جنوب شبه جزيرة الملايو، وجنوب بحر الصين الجنوبي، وتقدر مساحتها بـ 581 كيلو متراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها نحوا من ثلاثة ملايين مواطن جلهم من المسـلمين. وكانت موضع صراع بين بريطانيا واليابان أثناء الحرب العالمية الثانية.

    وكانت سنغافورة مشهورة بموقعها وأهميتها التجارية منذ ما يزيد عن ثمانية قرون، حين كان للمسلمين علاقة تجارية وثيقة بها، لا سيما القادمين من الهند والباكستان وجنوب الجزيرة العربية وشرقها، وقد استوطنت فيها جالية إسلامية كبيرة منذ وقت مبكر وكان لها أكبر الأثر في نشر الإسلام هناك.

    ولكن مركزها التجاري تعرض إلى الغزو والتدمير من قبل الجاويين، وظل خاملاً حتى جاء الإنجليز، فنشطت الحركة التجارية فيه، ليس خدمة لأهلها ولكن خدمة للاستعمار.

    وبالرغم من ذلك فقد استمرت الدعوة الإسلامية، وراح الإنجليز يكيدون لها، ودارت مناقشات بين المسلمين وبعض قادة الاحتلال الإنجليزي انتهت باعتناق الإسلام من قبل بعضهم، فلم يرق ذلك المستعمرين، فحاربوا المسلمين في تجارتهم، ظناً منهم أن ذلك سيثنى التجار المسلمين عن الاستمرار في الدعوة الإسلامية، ومع ذلك فقد اتسع نطاق المد الإسلامي.

    وفي سنة 1959 استقلت سنغافورة وتشكلت فيها أول حكومة وطنية برئاسة " لي كوان يو " الذي أطلق حرية اعتناق الأديان لجميع أبناء البلاد فنشط المسلمون، وأصبح لهم حي كبير في العاصمة.

     


    الإسلام في ألبانية

    الشعب 3/6/1985م

     

            تقع ألبانية في جنوب شرق أوربة، في شبه جزيرة البلقان عند مدخل بحر الأدرياتيك قبالة الجزء الجنوبي من إيطالية، وتبلغ مساحتها نحوا من 29 ألف كيلو متر مربع، وسكانها يزيدون قليلاً عن ثلاثة ملايين أكثر من 80% منهم مسلمون. وعاصمتها تيرانة.

            وقد دخل الألبان في الإسلام ابتداءً من أواسط القرن الهجري الثامن. ولكن انتشار الإسلام هناك ازداد نشاطاً بعد الفتح العثماني الذي قاده مراد الثامن في حدود سنة 820هـ، ولم يلبث الإسلام حتى غدا دين الغالبية الساحقة.

            وظلت " شكيبرية " – هذا هو اسمها الوطني – تحت الإدارة العثمانية خمسة قرون ازدهر فيها الإسلام، وأصبحت نسبة المسلمين 95% من إجمالي السكان. وارتفعت المآذن وازدهرت المعاهد الإسلامية، وتجاوز عدد المساجد ثلاثة آلاف مسجد.

            وظل الأمر كذلك حتى كان عام 1912م حين شبت نار الحقد الأوروبي في البلقان ضد الإسلام، فلجأ كثير من مسلمي ألبانية إلى يوغسلافية وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حيث ما نزال نجد عدداً من الأسر الألبانية المسلمة في بلاد الشام ومصر وليبيا والعراق وتركيا كالأرناؤوط على سبيل المثال.

            وفي سنة 1913م فصلت ألبانية عن تركيا، وانتخبت أحمد زوغو رئيساً للجمهورية فيها، ما لبث أن نصب نفسه ملكاً عليها، ولكن أحوال المسلمين هناك استمرت في التدهور، واستمرت هجرتهم إلى الخارج. وهم رجال عظام النفوس أصحاب إباء منقطع النظير، وقد أُتيح لي أن أعيش مع بعضهم أثناء الدراسة في مصر في بيت واحد فترة من الزمن، وهم من ألبان يوغسلافية، فكانوا مثالاً يحتذى.

            وتمكن الإنجليز من تنصيب أنور خوجة عقب ذلك، فساءت أحوال المسلمين، وقل عدد المساجد إلى النصف، وابتليت البلاد بعد ذلك بالحزب الشيوعي الذي يعتبر هو والإنجليز ألد خصوم الإسلام والمسلمين، … ولكن المسلمين صامدون … ومات أنور خوجة، وسيموت خلفه، وسيظل الإسلام في النفوس حتى تحين الفرصة ويعود يملأ ألبانية عدلاً وهدى ورحمة.


    الإسلام في يوجوسلافية

    الشعب8/6/1985

     

            يوجوسلافية، أو الوطن الجنوبي للقبائل السلافية، هذا معنى الكلمة، وقد دخلها الإسلام كغيرها من بلدان شبه جزيرة البلقان على أيدي المسلمين الأتراك، ومن قبل ذلك، واعتباراً من أواخر القرن الهجري الرابع وصل البشانقة المسلمون إلى أرض القبائل السلافية قادمين من  حوض نهر الفولجا، وبدأ على أيديهم انتشار الإسلام، وراحت تعليم الدين الحنيف تفرض نفسها على واقع الحياة في ذلك الجزء من العالم.

            وفي أواخر ق 19 وأوائل القرن العشرين، وبدافع من الاستعمار الأوروبي، وقعت معارك كثيرة ضد المسلمين هناك، وتقلص النفوذ التركي في أوروبة وبدأ ذلك ينعكس على المسلمين بطريقة سلبية.

            وفي سنة 1947م وضع مسلمو يوغسلافيا دستوراً لهم يقوم على احترام أبناء الديانات الأخرى، كما شكلوا مجلساً أعلى لرعاية أحوال المسلمين والإشراف عليها هنا وهناك، واتخذوا من سراييفوا مقراً لهذا المجلس، كما أسسوا في كل جمهورية من الاتحاد اليوغسـلافي جمعية إسلامية، ومجلساً للعلماء، وقامت اللجان الإسلامية في كل حي تبحث في أحوال المسلمين وتشرف عليها.

            ويقف زائر سراييفوا التي تعد بحق عاصمة مسلمي يوغسلافية، على كثير من الآثار الإسلامية الخالدة، وفيها كثير من المساجد والمدارس الإسلامية التي اختصت بتعليم الدين الحنيف، كما أن هناك عدداً من المعاهد التي تقوم على تخريج الدعاة والحفّاظ.

            وقد التقينا أثناء الدراسة في مصر بعدد كبير من مسلمي يوجوسلافية الذين يفرون إلى مصر لتعلم اللغة العربية والدين الإسلامي، ولنا من هؤلاء أصدقاء جمعتنا بهم الدراسة والمسـكن فترة من الزمن، وهم يؤكدون بالممارسة الفعلية، أنهم أحفاد أولئك الذين رفعوا لواء الإسلام عالياً في ربوع أوروبة فترة من الزمن طويلة.

            ومن أشهر المعاهد العربية الإسلامية معهد " برشتنا " في قوصوه التي سنخصص لها موضوعاً مستقلاً التي تعد هي الأخرى مركزاً إسلامياً كبيراً، وهناك في " زاغرب " قريباً من الحدود الألمانية، ترتفع مأذن مسجد عظيم يتسع لآلاف المصلين.

            وفي البوسنة، ترتفع مآذن أكثر من مائتي مسجد أقيمت في السنوات العشرينات الماضية، حيث انتعشت أحوال المسلمين، هنا، ولا سيما بعد صدور قانون حرية الأديان. ويبلغ عدد المسلمين هناك أكثر من ثلاثة ملايين.

            وقد التقيت سنة 1967م، وأنا في خبير بحاج يوجوسلافي فسألني عن قلعة خيبر، وهو يحسب أني من أهل البلدة، ولم أكن أدري أين هي، فسألت من هو أعرف مني، فأشار إلى مكانها … قال أخونا اليوجوسلافي، وكان مسناً، لقد زرتها عندما جئت حاجاً على حصان قبل خمسين عاماً … سقى الله ذلك الزمان.

     

     


    الإسلام في الهند

    الشعب31/5/1985

     

    يعيش في الهند اليوم أكثر من مائتين وخمسين مليون مسلم يشكلون أكثر من خُمس سكان القارة الهندية، وإن عددهم ليزداد يوماً بعد يوم، ليس عن طريق التزاوج وحسب، ولكن عن طريق الأعداد الكبيرة التي يهديها الله من يوم لآخر للدخول في دينه الحنيف.

    وقد حاول الاستعمار الإنجليزي أن يزرع بذور الشقاق المستديم بين المسلمين والهندوس، ولقد نجح إلى حد ما، وذلك دأبه في كل صُقع ابتلي به، لا يخرج منه حتى يخلف فيه من بؤر الداء ما تسهل إثارته من حين لآخر.

    وكان للتجارة دور كبير في انتشار الإسلام في الهند، حيث كانت علاقة العرب بذلك البلد علاقة قديمة ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام، أضف إلى ذلك توغل الجيوش الإسلامية في عهد بني أمية، إلى حوض السند وحدود الصين … مما كان له أثر فعال في انتشار الإسلام في شبه القارة الهندية. وقد أسس محمد أكبر شاه المعروف بـ (بابر) أي النمر، إمبراطورية المغول العظام، التي استمرت في الهند إلى أن قضى عليها الإنجليز في أواسط القرن التاسع عشر.

    وتنتشر في الهند مدن وقرى إسلامية كثيرة، ترتفع فيها مآذن المساجد وتقوم معاهد التدريس في جميع المستويات من الكُتّاب إلى الجامعة، يتعلم فيها المسلمون اللغة العربية وأصول الدين الحنيف، ومن تلك المدن ما يحمل أسماء عربية كالمحفوظة، التي يرجع الفضل في بنائها إلى حكومة " ابن عوانة الكلبي " الذي بنى أيضاً مدينة المنصورة، وشيد مسجد " جمعة " و " منارة قطب المنار " ومسجد ابن عوانة في مدينة أجينز.

    وتعود أول مدرسة إسلامية في الهند إلى سنة 384هـ، وتعد هذه المدرسة النواة الأولى لعدد من المعاهد الدينية التي شيدت بعد ذلك، ومن أشهر المعاهد الإسلامية مدرسة الناصرية(635هـ) ومدرسة فيروز شاه، والمدرسة الرحيمية، ومدرسة دوبيبي راجابيجوم(856هـ).

    وفي الهند الجامعة الإسلامية ( عليكرة ) العثمانية(1918م) ويقف المطالع في المكتبة العربية الإسلامية على كثير من المصنفات القيمة، القديمة والحديثة، التي قام على تحقيقها أو تأليفها، ونشرها علماء ينتسبون لمراكز الإشعاع الهندية هذه.


    الاستعراب في الهند([1])

     

            تعود الصلة بين العرب والهنود إلى أحقاب متقدمة من التاريخ حين كانت السفن تتنقل بين موانئ الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية وموانئ الهند بما فيها الباكستان اليوم.

            ولكن البيانات المدونة تعيد تلك العلاقة إلى زمن البعثة النبوية إذ تحكي قصة الشكروتي فرماض سلطان مليبار، أنه رأى، وهو في بلاده، انشقاق القمر الذي كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم: فآمن قبل أن تصل إليه الدعوة الإسلامية، ثم انتقل إلى بلاده نفر من المسلمين، وهي قصته تطول ( منها نسخة خطية ضمن مخطوطات مليبار الرسمية ).

            وقد دخلت الهند في حمى الإسلام على يد محمد بن القاسم الثقفي، فاتصل العرب المسلمون بحضارة الهند، فترجم ابن المقفع كليلة ودمنة، كما نقلوا ما يعرف بـ " هزاز أفسانه " أو الألف خرافة " ألف ليلة وليلة " ومن ملامح ذلك الاتصال ما أثر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي من تأثره بفلسفتهم وموسيقاهم وحسابهم وفلكهم، مما قاده إلى وضع علم العروض، والنظر في النجوم إلى أن رجع عنه، ونحو ذلك مما يطول استعراضه.

            ولكن الإسلام ما لبث حتى تجذر في الهند، وشمل مساحات منها أكبر، وصارت كلها تحت النفوذ الإسلامي المباشر، وذلك عندما أخضعها محمود الغزنوي، أمير دولة غزنة في أفغانستان اليوم لسلطانه بعد أن غزاها سبع عشرة مرة ما بين عامي 997-1030م. وفي سنة 1186م استولى عليها الغوريون، وهم قبيلة تركية كانت توطن في أفغانستان، فاحتلوا مدينة دلهي، وأقطع ملكهم " غياث الدين طغلق " أحد أحفاد الخليفة المستنصر مدينة " سيرى " وكان ذلك عندما فر الأخير من بغداد. كما قرب هذا الملك منه ابن بطوطة الرحالة المغربي الذي زار الهند في رحلته المشهورة وأسفره إلى الصين.

            ومع تغلغل الإسلام في الهند، تغلغلت العربية في لغاتها، وتركت بصمات ما تزال ماثلة في المعجم الهندي على تعدد لغاته، فنجد كثيراً من المفردات العربية في تلك اللغات، سواء كانت هذه المفردات لعلاقة بالدين الإسلامي أم لم تكن، كالصابون والقميص والحكيم ونحوها كثير، إلى جانب عدد ضخم من المفردات الإسلامية.

            إن زحف العرب للهند، كما يقول المؤرخ الهنديSatish Grover في كتابه عن الآثار الإسلامية في الهند، لم تتمثل في الأعمال العسكرية وحسب، ولكنه ما لبث أن تحول إلى تغلغل ثقافي إسلامي، أما التغيرات الجذرية والسياسية التي أحدثها ذلك الفتح فقد تأخرت قروناً. ويعود تاريخ بناء أول مسجد في الهند إلى سنة 727م، أي حوالي سنة 108 من الهجرة.

            وفي اللغة المليبارية نجد عبارات وأناشيد عربية كلها ذات طابع ديني، ومن ذلك على سبيل المثال في حفلات الزواج:

            الله حسبي، وهو نعم الوكيل، الله

            آمنة الزهرية أم خير عروس محمد والعروس في العربية للرجل والمرأة على حد سواء.

            أو كقولهم: طه طه رسول الله سموات بعلاها

            فاه فاه بوحي الله، شافعاً محمد ( فاه بمعنى تفوه ).

     

            وفي العصر الحديث أسهم الهنود في نشر التراث العربي الإسلامي، وأسسوا المعاهد والمجامع العلمية، والمطابع العربية، وسنعرض فيما يلي لطائفة من جهودهم في مجال المؤسسات العلمية، ومن أشهر هذه المؤسسات:

    1-  جامعة عليكرة، وقد أنشئت قبل حوالي سنة 1870م، وهي جامعة مختلطة بمعنى أن المسلمين والهندوس يؤمونها، وتسهم الحكومة في رفدها.

    2-  الجامعة العثمانية، وقد أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتشتمل على دائرة المعارف العثمانية التي أسست سنة 1888م، وكان لها الفضل الكبير في نشر كثير من المخطوطات العربية في المجالات المختلفة، ناهيك عن العمل على جمعها من البلدان المختلفة بما في ذلك روسية وأوروبة، ومن أهم المصادر التي نشرتها:

    -  جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد، وهو معجم لغوي في أربعة أجزاء.

    -  أعراب ثلاثين سورة لابن خالويه.

    -  السنن الكبرى للبيهقي، ويقع في عشرة مجلدات.

    -  مفتاح السعادة  لطاشكبري زاده، وهو خمسة مجلدات.

    -  المعاني الكبير، ثلاثة مجلدات، والأنواء في مواسم العرب، وهما لابن قتيبة.

    -  كنز العمال لعلي المتقي، ويقع في ستة عشر مجلداً.

    3-  الجامعة الملّيّة الإسلامية، وهي خاصة بالمسلمين، والدراسة فيها بلغة الأوردو ( لغة العسكر ) التي تستخدم في الباكستان وبين مسلمي غرب الهند.

    4-  ندوة العلماء بمدينة لكنهو: وهي مدرسة متخصصة في مجال علوم الدين والتاريخ، ويتم التدريس فيها بلغات مختلفة.

    5-  دار العلوم، وهي من أقدم المؤسسات، وفيها مكتبة قيمة تحفل بالمخطوطات الإسلامية، ومنها مخطوطات نادرة للقرآن الكريم بعضها يعود للقرن الهجري الأول.

     

            وتنتشر في الهند اليوم عشرات الجامعات التي تعني بتدريس العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية، نذكر منها على سبيل المثال: جامعة مدراس ومعهد البحوث الشرقية، وجامعة كلكتا، وجامعة حيد أباد، وجامعة باتنة، ومعهد بهولبهي في أحمد أباد، وجامعة فيسفا – بهراتي التي أسسها رابندارناث طاغور في البنغال سنة 1921، وجامعة جاموه، وجوجرات وآغرا، وغيرها.

            كما تنتشر في الهند المكتبات التي تحتوي عدداً كبيراً من الكتب المطبوعة والمخطوطات العربية في علوم الدين واللغة والتاريخ والفلك ونحوها، ومن تلك المكتبات مكتبة تبو سلطان في تيسور، ومكتبة حكومة الهند الشرقية في مدراس، ومكتبة أملافيروز في بمباي، ومكتبة رامبور، ومكتبة الجمعية الآسيوية في البنغال، التي فهرس مخطوطاتها شمس العلماء وهداية حسين ناهيك عن عدد كبير من مكتبات المساجد والزوايا الإسلامية التي تنتشر في بقاع كثيرة من الهند.

            ومن المؤسسات المتقدمة في هذا المجال مجلس الهند للروابط الثقافية العربية الذي سارع منذ تأسيسه إلى إنشاء مكتبة ضخمة، وإصدار مجلة " ثقافة الهند " التي بدأت في الصدور اعتباراً من سنة 1950م، وفي الهند مجمع علمي ( عربي ) وجامعة سلفية ومجلات تصدر بالعربية، وعلماء مسلمون هنود بعضهم عربي الأرومة كأبي الحسن الندوي ووالده عبد الحي بن فخر الدين مؤلف كتاب " الهند في العصر الإسلامي، ونزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تراجم أعيان الهند "، وهو في ثمانية أجزاء، ويؤرخ للهند ابتداءً من القرن الأول إلى القرن الهجري الرابع عشر.

            ومما يذكر هنا أن من الأدباء الهنود المسلمين من يتقن العربية أيما إتقان، ويعتبرها اللغة الأصلية، بل لقد اتخذها بعضهم لغة لأدبه وفنه إضافة إلى كونها لغة ديانته، حتى لو كان أن ظهر في السبعينات كتاب يحمل اسم " الأدب العربي في الهند ".

            إن في أطراف الأرض شواهد ماثلة على عظمة الأمة الإسلامية، وأمجاد اللغة العربية، ونفوذ الحضارة العربية الإسلامية. رسخ جذورها الأجداد الصالحون، وتواصلت المسيرة عبر القرون، حتى إذا أظلنا هذا الزمان بدأت تلك العظمة والأمجاد في التغير والأفول، وأخذ ما كان يانعاً بالأمس في الذبول، مما يستدعي أن نعادود النظر في التكرار، ونمسك بالزمام من جديد، معتصمين بحبل الله … بالعروة الوثقى التي كان لها الفضل في تسطير ماضي الأمة.

     


     

    الإسلام في نيجيريا

    الشعب31/5/1985

     

    تعتبر نيجيريا واحدة من أكبر البلدان الإفريقية وأغناها، حيث تقدر مساحتها بنحو من مليون كيلو متر مربع، ويربو عدد سكانها عن ثمانين مليون نسمة. وينتمي النيجيريون كغيرهم من سكان إفريقية الغربية إلى العرق الزنجي ويخالطهم أقليات من العرب والبربر.

    وتعد قبائل " الهوسة " أهم شعوب تلك المنطقة، ولغتها " الهوسة " كانت تكتب بالحرف العربي إلى عهد قريب، غير أن مكر الإنجليز مكّن من استبدالها بالحرف اللاتيني، إلا أن من المسلمين هناك من لا يزال يستخدم الحرف العربي.

    ولنيجيريا تاريخ عريق، وكانت تضم في قسمها الشمالي عدداً من الإمارات الإسلامية في سوكوتو وكانو وغيرهما، حتى إذا ابتليت البلاد بالإنجليز ضُمت تلك الإمارات إلى المستعمرات البريطانية، وبدأت رحلة جديدة. وبحجة محاربة الرقيق، راحت الجيوش الإنجليزية تتوغل في المنطقة بأسرها وأحكمت قبضتها عليها.

    ويشكل المسلمون النيجيريون أكثر من نصف السكان هناك. ويتركز المسلمون في المناطق الشمالية في كادونا وورنو وزاريا وكوكاوا وكانو وكيفي. واللغة الرسمية هناك هي الهوسا، ولكن العربية كانت تقاومها بشدة، لولا التدخل الإنجليزي.

    أما في نيجيريا الشـرقية، فإن عدد السكان ليقل عن الأقسام الأخرى، وكذلك المسلمون، وهذه المنطقة غنية بمناجم الفحم إلى حد كبير. وفي جنوب البلاد، حيث العاصمة لا جوس ( كانت ) يزداد انتشار الإسلام يوماً بعد يوم، ويتكاثر المسلمون، ومما يبشر بالخير أن معطم أفراد قبائل الناجو ويوروما اعتنقوا الإسلام، وذلك بفضل نشاط الجماعات الإسلامية في كل من ايبوكوتا وابيدان وايلورين.

    واستناداً لإحصائية عامي 52/1953م فقد بلغ مسلمو نيجيريا باستثناء المناطق الملحقة بها أربعة عشر مليوناً مقابل سبعة ملايين مسيحي وعشرة ملايين من الوثنيين. ويمكن إجمال القبائل النيجيرية المسلمة في قبائل الهوسة والكانوري والفولة والطوارق وقبائل البدو العربية (شوا) الذين قدموا من مملكة بورنو. و " شوا " نسبة إلى " الشاة " وهي النعجة، لأنهم رعاة، وفلان شاوي أو شواوي وهم شواة إذا كانوا رعاة.

    والمسلمون النيجيريون مالكيون في الغالب، شأنهم في ذلك شأن معظم مسلمي أفريقية، وفي سنة 1928 أسست جمعية إسلامية في غرب البلاد تدعى جمعية أنصار الدين، تهدف إلى نشر الإسلام وتعميم المدارس، وقد أنشأت هذه الجمعية مدرسة ثانوية سنة 1932، وكانت في الخمسينات من القرن العشرين تشرف على أكثر من ستين مدرسة إسلامية. ولها معهد المعلمين وكلية للتعليم العالي لأبناء المسلمين. كما أن هناك جمعيات إسلامية نسوية في أنحاء البلاد المختلفة.

    وصدرت في لاجوس جريدة إسلامية باللغة الإنجليزية اسمها " الحق " وكانت تعتبر في الخمسينات الجريدة الإسلامية الوحيدة في إفريقية الغربية.


    الإسلام في الحبشة

    3 رمضان 1405

     

    كان للعرب اتصال قديم بهضبة الحبشة، بل إن مملكة " يكسوم " التي قامت قبل الإسلام بزمان، إنما أقيمت على يد المهاجرين من عرب اليمن، وهناك من يرى أن بعض البربر انتقلوا إلى شمال إفريقية عن طريق هضبة الحبشة، لا سيما أن " عيزانا " السبئي قام بقيادة اليكسومين إلى أكثر من معركة في شمال السودان وجنوب شرق ليبيا.

    ولما استنارت الأرض بنور الإسلام، أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة، فراراً بدينهم، إلى حيث النجاشي الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام " إن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لهم فرجاً مما هم فيه ". وقد هاجر إليها المسلمون مرتين، وحاول كفار مكة أن ينالوا منهم، فحرضوا النجاشي عليهم، وطلبوا منه أن يسلمهم إليهم، ولكنه أبى، وظلوا هناك نحواً من 16 سنة، إلى أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم.

    وفي سنة 20هـ "640م" أرسل عمر بن الخطاب سرية بحرية إلى الحبشة بقيادة علقمة المدلجي، ولكنها لم تنجز أهدافها. وفي سنة  82هـ " 702م" أغار قراصنة أحباش على جدة، وأثروا على اقتصاديات مكة المكرمة، فرأى المسلمون احتلال جزيرة دهلك " قبالة أرترية " لحماية التجارة في البحر الأحمر، وهكذا بدأ الإسلام ينتشر في سواحل الهضبة مروراً بارترية، بعد أن استولوا على مُصَوِّع وزَيلع.

    وكان لقبائل البُجَة أثر كبير في انتشار الإسلام في شمال السودان وجنوب مصر حيث كان المسلمون يرتادون تلك البلاد للتجارة.

    وفي القرن الهجري الرابع " ق 10م " قام في هرر الداعية الشيخ أبادير، وكان له دور بارز في نشر الإسلام هناك، بل من هرر بدأ انتشار الإسلام في المنطقة بأسرها.

    وفي القرن الهجري الثامن، نزل الحبشة جماعة من أحفاد عقيل بن أبي طالب، وسكنوا في جَبْرَت " من أراضي زيلع، وسُموا بعد ذلك بالجبرتية الذين ينتمي إليهم المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي، وقام هؤلاء بإنشاء ما عرف باسم " الطراز الإسلامي " وهو عدد من الممالك الإسلامية على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

    وفي القرون الوسطى تضافرت جهود الأحباش والبرتغاليين لطرد المسلمين من الحبشة، وكادت دار الإسلام في " هرر " أن تنهار، لكن شاباً مسلماً يدعي أحمد بن إبراهيم الجراني، قام ووحد صفوف المسلمين، وتمكن بمعاونة الأتراك واليمنيين من أن يدحر الأحباش وقد خلفه ابن أخته نور الدين بن مجاهد فواصل ما كان بدأه خاله.

    أما حديثاً، فبالرغم من المحاولات التي قامت بها حكومة الحبشة بدعم من الاستعمار الأوروبي لتقليص نفوذ الإسلام، إلا أنه ظل ينتشر في الحبشة، ولكن ببطء، فدخلت في الإسلام قبائل بأكملها مثل تاكليه وهبنيه وتيماريام ومناع.

    وباختصار، فإن للإسلام اتباعه في جنوب الحبشة وشرقها، حيث يشكل المسلمون الأغلبية الساحقة، وهناك أقليات إسلامية في أديس أبابا " العاصمة " وغيرها. أما " هرر " فهي أكبر المراكز الإسلامية هناك حيث تكثر المساجد والمدارس الحكومية للمسلمين.

    وفي أقصى الغرب كان التيار الإسلامي جارفاً، وذلك بفضل مسلمي السودان الذين نشروا الإسلام في بني شنقول وغيرهم من القبائل كالدنلكل والجالا والسامو. ويشكل المسلمون في الحبشة اليوم نحواً من 60% من مجموع السكان.

     


    الإسلام في الصين

    د. يحيى جبر

     

    كنت أطالع في كتاب عن دور عرب اليمن والخليج في نشر الإسلام في الشرق الأقصى، وقد شدني منه موضوع يعرض لانتقال بعض الأسر العربية إلى الصين لتقيم هناك، وتصاهر أسراً صينية، وتشكل بذلك نواة كيان عربي صيني مسلم، على غرار الكيان العربي الكنغولي المسلم الذي أسسه حميد بن جمعة في القرن التاسع عشر الميلادي.

    وبالرغم من قدم عهد الصين بالإسلام، ومن الإمكانات التي توفرت لنشره في وقت سابق، إلا أن عدد المسلمين هناك لا يتجاوز المائة مليون نسمة، وهذه نسبة قليلة بالقياس مع عدد السكان الذي يبلغ نحواً من ألف مليون.

    ولكن بالرغم من ذلك، إلا أن المساجد منتشرة هناك بشكل واضح إلى جانب عدد من المعاهد الإسلامية التي يتلقى فيها المسلمون دروساً في اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ويتخرج فيها من الدعاة عدد لا بأس به.

    وفي إحصائية أخيرة وجد أن عدد المساجد في الصين يبلغ ألفاً وخمسمائة مسجد تنتشر في طول البلاد وعرضها، ومن تلك المساجد سبعون في العاصمة " بكين " وحدها. ومن أشهرها " جامع نيوبكين الكبير " الواقع في جنوب العاصمة، ومسجد " فامنج "، و " تونج باي لو " الذي تقوم فيه مدرسة " جندا " على تخريج الدعاة ومعلمي مادة التربية الإسلامية وحفظة القرآن الكريم.

    وفي هوثان … في إحدى قراها أكثر من ثلاثة عشر مسجداً، خمسة منها للنساء. وترتفع في شنغهاي مآذن خمسة وثلاثين مسجداً، وفيها رابطة إسلامية كبيرة، تضم عدداً وفيراً من الجمعيات الإسلامية وتأمين الاتصال بمسلمي البلاد وإصدار عدد من النشرات والمجلات الدورية للغرض نفسه، ومن تلك المجلات: نور المحمدية، وأنوار الإسلام، وناقوس الإسلام، والهلال والنجمة.

    وقد أنشأ المسلمون الصينيون معهداً إسلامياً كبيراً في بكين، وذلك سنة 1955م ممن شأنه أن يهيئ الفرص للطلاب المسلمين لتلقي تعاليم الدين على مستوى عال.

    وقد كان المسلمون مضطهدين في الصين إلى عهد قريب، حين فتحت المساجد الكبيرة أمام المسلمين لأداء الفرائض بعد أن كانوا يمنعون منها، والله نسأل، بعد هذا الانفراج أن تزدهر أحوال الإسلام والمسلمين هناك، وإن تتاح لهم الفرصة للمشاركة في توجيه القضايا الإسلامية.


    الإسلام في بريطانيا

    رمضان 1405هـ

     

    عرف سكان الجزر البريطانية الإسلام والمسلمين في وقت مبكر، حينما استقرت الخلافة الأموية في الأندلس، حيث كان الأمويون يتبادلون السفراء مع إيرلندة، ورحلة يحيى ابن الحكم الغزّال، ورفيقه يحيى بن حبيب إلى تلك البلاد مشهورة في تاريخ الدبلوماسية الإسلامية، إذ أوفدهما المنصور بن عامر سفيرين إلى ملك النورمانديين توجاريوس.

    وفي نهاية القرن التاسع عشر اعتنق السفير الإنجليزي في الآستانة الإسلام، وهو اللورد ستانلي اف الدرلي، الذي أصبح اسمه بعد ذلك عبد الرحمن، ثم اعتنق الإسلام من بعده السير وليام من ليفربول الذي أسمى نفسه عبد الله، وأصبح داعية للإسلام هناك، وحوّل جزءاً من قصره إلى مسجد أصبح مزاراً للعديد ممن اعتنقوا الإسلام هناك، وكان هذا الرجل شديد الغيرة على الإسلام فأصدر جريدتين إسلاميتين بغية الدفاع عن الإسلام وفي سبيل نشره.

    وتكاثر المسلمون هناك، لا سيما بعد أن وفد إلى بريطانيا عدد كبير من مسلمي الهند والباكستان، وأنشئت في بريطانيا أول جمعية إسلامية سنة 1886 وظلت تدعو للإسلام نحواً من سبعة عشر عاماً أنجزت خلالها كثيراً من المهام. وزار بريطانيا عقب ذلك عدد من العلماء الهنود المسلمين مثل شودري فاتح محمد سيال وخوجة كمال الدين وغيرهما، وراحوا يدعون للإسلام، وكان ممن أسلم على أيديهم اللورد هدلي.

    ثم تشكلت في بريطانيا جمعية لرعاية المسلمين الغرباء الوافدين إلى هناك، وذلك في أوائل القرن العشرين. وكان أول مسجد شيد في بريطانيا سنة 1861م في بلدة " صرى " أقامه المعماري البريطاني سير وليام تشامبرز على الطراز التركي، ثم توالى بناء المساجد، ومن أشهرها مسجد شاه جهان الذي موّله المسلمون الهنود،وفي مقدمتهم السيدة التي حمل اسمها.

    وفي سنة 1976 فرغ من بناء المركز الإسلامي بلندن، أمام حديقة ريجنت بارك، والمسلمون هناك بصدد إنشاء قرية إسلامية متكاملة هناك، ولكن ذلك بحاجة إلى دعم الدول الإسلامية.

    وباختصار، فإن عدد المسلمين في بريطانية يربو عن مليوني مسلم من المواطنين البريطانيين إلى جانب عدد آخر من الوافدين للدراسة وغيرها، وينتشر فيها عدد من المساجد يكفي لإقامة الصلوات والاحتفالات الإسلامية. ولكن موقف بريطانيا، انسياقاً وراء الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر أصبح سلبياً تجاه الإسلام والمسلمين، وصار المسلم مطارداً لأنه مسلم وحسب.


    الإسلام في جزر القمر

    وموريشيوس

    رمضان 1405هـ

     

    يتشكل أرخبيل جزر القمر من عدة جزر أشهرها أربع هي: مايوت ومحيلى "موهيلي" وأنجوان، ونجازنجا أو قمر الكبرى، وهي تبعد عن الساحل الموزمبيقي حوالي 280 كيلو متراً، بينه وبين جزيرة مدغشقر.

    وكان وصول العرب المسلمين إلى تلك الجزر في أواخر القرن الهجري الثالث، حين نزل بها عدد من عرب مسقط وغيرها، وكان بصحبتهم بعض السود مما جعل سكان البلاد الأصليين يألفونهم ويطمئنون إليهم، وسرعان ما هداهم الله فدخلوا في الإسلام أفواجاً. وتداخلت الأقوام: العرب والمدغشقريون والبانتو، ونجم عن ذلك جنس خليط هو الشعب القمري، غير أن الدم العربي فيهم هو الأظهر، ثم الزنجي.

    وهذا لا يعني أن العرب لم يتصلوا بتلك البلاد إلا بعد الإسلام، فهناك من يقول إن الفينيقيين احتفظوا بعلاقات تجارية طيبة مع سكان تلك البلاد، وكذلك عرب جنوب الجزيرة وشرقها.

    وجميع سكان جزر القمر مسلمون شافعيون، ولسانهم السواحلية، غير أن الألفاظ العربية فيها كثيرة بشكل ملحوظ، وهم شديدو التمسك بالدين، ولهم من الطرق الصوفية القادرية النقشبندية. وفيها من المساجد ما يزيد عن 800 مسجد.

    وفي جزيرة أنجوان وعاصمتها موسامودو ( أو موسى الأسود ) يقوم عدد من المساجد القديمة وبعض مساكن الأشراف الذين سكنوا فيها منذ وقت متقدم، وأهلها من المسلمين المتمسكين بالدين، ولهم تقاليد اجتماعية عريقة، وبعضهم ما يزالون يتكلمون العربية.

    وفي سنة 1891 قاوم المسلمين هناك الحملة الفرنسية، كما قاوموا من قبل البرتغاليين ودحروهم بعد ثورة شارك فيها الشعب بكل أبنائه. وفي جزيرة محيلي، وهي أخصب الجزر نشب صراع عنيف بين السكان المسلمين والمستعمرين الفرنسيين.

    وموريشيوس من الجزر الإفريقية التي دخلها الإسلام في وقت مبكر، وتبلغ مساحتها نحوا من 720 ميلاً مربعاً، وكانت البداية عندما نزل بها عدد من الملاحين العرب في أواخر القرن الهجري الثالث. وفي هذه الجزيرة ترتفع نسبة المسلمين لتشكل نحواً من 40% من مجموع السكان البالغ نحوا من مليوني نسمة، ويقدر عدد المساجد فيها بنحو من خمسين مسجداً أكبرها مسجد بورت لويس العاصمة. وفيها بضع مدارس إسلامية كبيرة. وجمعية إسلامية اسمها " نصرة المسلمين " كان يرأسها الدكتور حسن شاكر،  كما أنه كان يصدر فيها مجلة إسلامية باللغة الفرنسية.


    الإسلام في أوغندة

    الشعب25/5/1985

     

            كان لعرب الخليج ولا سيما العمانيون منهم، دور بارز في نشر الإسلام في إفريقيا، حيث أسسوا ممالك عربية إسلامية على ساحلها الشرقي في زنجبار وممباسّة ودار السلام وغيرها. ومن هذه الممالك امتد النفوذ العربي الإسلامي في القارة، وانتشر الإسلام في كثير من مجاهلها. ولم ينحسر النفوذ العربي إلا أخيراً، بكيد الاستعمار والأنظمة الإفريقية العميلة له.

    وفي أوغندة، بدأ انتشار الإسلام بشكل واضح في حدود عام 1852م، حين قام ملكها " سونا " بتوثيق العلاقات التجارية مع زنجبار، وحيث بدأت القوافل تنتقل ما بين تابورة وروباجا الأوغندية آنذاك.

    وفي عام 1880 أسلم الملك الأوغندي ميتيسيا، وذلك على يد الداعية مولاي ابن سليم، وجعل ميتيسيا الإسلام ديناً رسمياً لبلاده، مما أسهم في انتشار الإسلام بسرعة وبقوة.

    وكان للجنود السودانيين المسلمين، الذين كانوا يتبعون للجيش المصري، دور في نشر الإسلام في الأقاليم الغربية من أوغندة، ذلك أن منهم عدداً كبيراً أقام فيها عقب قيام الثورة المهدية في السودان، التي أدت إلى سحب تلك القوات بقيادة أمين باشا.

    ومن المسالك التي عبرها المسلمون إلى أوغندة يحملون مشاعل الحق والهداية، طريق الشرق، بواسطة التجار العرب الوافدين من ممباسا. وجدير بالذكر في هذا المجال أن الغربيين درجوا على الإساءة لهؤلاء التجار بدعوى " أنهم كانوا يتجرون بالرقيق، وإن الرجل الأبيض جاء ليخلص القارة من هؤلاء العرب "، ولكن دعواهم باطلة، وما أحداث جنوب أفريقيا، وزنوج أمريكا إلا دليل واحد على كذبهم، وإنهم هم الذين كانوا يمارسون ذلك … وما زالوا، وإن اختلفت الأساليب.

    وفي عام 1892، وبموجب اتفاقية عقدت عامذاك، قسمت أوغندة إلى مناطق دينية، وكان نصيب المسلمين فيها جامبا أو كيتاتري، وكاسوجو، وبوبيا التي هي كامبالا اليوم.

    ومما يستفاد من تقارير الجمعيات المسيحية التي تسعى إلى نشر الديانة المسيحية هناك أن انتشار الإسلام في ذلك البلد الإفريقي يسير بخطى حثيثة، ويرون أن السبب في ذلك راجع إلى كثرة القادمين العرب الذين يحسنون " فن الدعاية " إلى الإسلام إلى جانب اشتغالهم بالتجارة، وإلى أن نظام الزواج في الإسلام يتفق مع القواعد والتقاليد السائدة هناك إلى حد كبير، إلى جانب أن كل مسلم يفد إلى تلك البلاد يعتبر نفسه مجاهداً في سبيل الله، وأن المسلم كثيراً ما يتزوج من غير المسلمة، فسرعان ما تتحول الأسرة أو القبيلة إلى الدين الحنيف بالجملة، أضف إلى ذلك أن المسلمين يخالطون الناس، ويرتبطون بهم على العكس من الأوروبيين الذين قدموا لاستعمار البلاد.

    وفي الآونة الأخيرة، قامت بعض الدول العربية بإنشاء مدارس لتعليم العربية والشريعة الإسلامية لمسلمي أوغندة، كما أسس عدد من المساجد إلى جانب ما كان قائماً من قبل.

    وجدير بالذكر أن مسلمي أوغندة يشكلون أكثر من ثلث السكان، ولكنهم مضطهدون، وكثيراً ما يتعرضون لحملات عدائية لم يكن أولها ولا آخرها ما صاحب اجتياح القوات التنزانية لأوغندة في أواخر القرن الماضي.

     

     


    الإسلام في المالديف

    الشعب/الأربعاء 29 أيار1985

     

            المالديف، أو محل الذيب، أرخبيل من الجزر العديدة، يبلغ عددها نحوا من ألفي جزيرة، تقع إلى الجنوب الغربي من الهند، وتقوم فيها دولة إسلامية خالصة مستقلة.

            وقد انتشر الإسلام هناك منذ وقت مبكر يعود إلى أواخر القرن الهجري الثاني، وبالتحديد إلى سـنة 185هـ، حينما رست سفينة الداعية التاجر حافظ بركات، فأقبل أهلها ينظرون القادمين، وراح الشيخ يدعوهم إلى الإسلام، ويبين لهم تعاليمه، فوجدوا فيه ما ينقذهم من الضلال، وينتهي الخبر إلى ملك الجزر، ويعجب بأمر حافظ، ويدعوه لمقابلته، فازداد إعجاباً على إعجاب ليس بشخص الداعية وحسب، ولكن بالتعاليم التي جاء بها الإسلام، وما كان منه إلا أن أشهر إسلامه، وتبعه في ذلك خلق كثير من سكان الجزيرة الذين ما لبثوا أن دخلوا في دين الله عن بكرة أبيهم.

            وعندما نشط الغزاة الأوروبيون، لم تسلم جزر المالديف من شرورهم، فوقعت فريسة للاستعمار الإنجليزي الذي أقام قاعدة جوية في جزيرة " جان " وراح ينهب خيرات البلاد، ويتحكم في شؤونها، ولم يتوان في عرقلة المسيرة الإسلامية، إلا أن كيده رد إلى نحره، وفي سنة 1385هجرية استقلت جزر مال الذيب أو محل الذئب، وأصبحت جمهورية دينها الرسمي الإسلام، وهي عضو في رابطة العالم الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة، ورئيسها هو مأمون عبد القيوم.

            وقد حاول الاستعمار الأوروبي أن يستميل تلك الدولة المسلمة، ولكن الدول الإسلامية فوتت عليه الفرصة، وذلك بمد يد العون لها في جميع المجالات، ويدرس من أخوتنا هناك عدد كبير في الجامعات الإسلامية: في مصر وفي السعودية وغيرهما.

     


    الإسلام مدغشقر

    رمضان 1405هـ

     

            مدغشقر جزيرة تقع قبالة جنوب شرق أفريقية، يفصلها عنها مضيق الموزمبيق، وتبلغ مساحتها 587 ألف كم2، ويقدر سكانها بعشرة ملايين ونصف، عاصمتها تناناريفو، وأهم بلداتها تاماتافي وتوليه وماجونكه.

            وكان دخول الإسلام في تلك الجزيرة مبكراً، حيث يعتقد شكيب أرسلان أن ذلك تم في القرنين الهجريين الثاني والثالث، حيث تشكل المنطقة امتداد للساحل الشرقي من أفريقيا، وحين كان النفوذ البحري والتجاري للمسلمين العرب يحتل شرق أفريقيا وسواحلها وجزرها.

            وذهب المستشرق جبرييل فران في كتابه " المسلمون في مدغشقر وجزائر القمر " إلى أن الإسلام دخل تلك الجزيرة في القرنين الهجريين السادس أو السابع. وفي القرن التاسع، هاجر إلى تلك الجزر عدد كبير من مسلمي الملايو المستعربين، حيث سبق أن أوضحنا أن التجار الحضارم والخليجيين واليمنيين كانوا يحتفظون باستمرار بعلاقات أسرية في سواحل المحيط الهندي وجزره، سواء في شرق أفريقية أو جنوب  آسيا وشرقها.

            أما القبائل الملجاشية الأصلية، فقد كانت قبيلة أنتيمورونا أول الداخلين في الإسلام هناك، وموطن هذه القبيلة في الجزء الجنوبي الشرق من الجزيرة.

            ويشكل المسلمون هناك نحواً من نصف عدد السكان. وفي تلك البلاد عدد من النصارى. وتنشط في الجزيرة عدة إرساليات أوروبية لدعوة الوثنيين إلى المسيحية.

            وأهم الجماعات الإسلامية في جمهورية ملجاشي: القمريون القادمون من جزر القمر الواقعة إلى الشمال من الجزيرة، وكان تعدادهم سنة 1950 نحواً من خمس مليون، والانتناكاراس وكان عددهم آنذاك نحواً من عشرين ألفاً. والتسمحيتي وهم نحو من مائة ألف، وفي شمال الجزيرة عشرات من ألوف الزنوج كانوا في الأربعينات نحواً من ثلث مليون.

            كما ينتشر الإسلام بسرعة في الجنوب الشرقي من الجزيرة حيث توطن قبائل انتايمرد والانتماباهوكا والانتيفاسي والأنتيساكي، وتنتشر في الجزيرة أعداد كبيرة من المساجد والمدارس الإسلامية، وتحتفظ جمهورية ملجاشي بعلاقات جيدة مع بعض الدول الإسلامية التي تسهم في تدعيم المسيرة الإسلامية. في ذلك الركن القصي من العالم. 


    لإسلام في جزيرة ترينداد

    الشعب 2/6/1985م

     

            تنتمي ترينداد إلى مجموعة جزر الهند الغربية في أقصى الجنوب من البحر الكاريبي، إلى الشمال من جيانا وإلى الشرق من فنزويلا في أمريكا الجنوبية.

            وتشكل هي وجزيرة توباجو دولة واحدة مساحتها 5128 كيلو متراً مربعاً، ويربو سكانها عن مليون نسمة جلهم من المسلمين المنحدرين من أصل هندي، وعاصتها هي " ميناء اسبانيا " " بورت اف سبين ".

            وقد خضعت تلك الجزر للاستعمار الإنجليزي، وفي عام  1845 من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وصلت إلى الجزيرة مجموعة من الفلاحين الهنود مسلمين وهندوس، واستمر توافدهم عليها حتى عام 1917م، فظهر في البلاد غزارة انتاج الأراضي التي يعمل بها المسلمون، لأنهم يعملون بإخلاص، فبدأ غير المسلمين ينظرون إليهم كقدوة ومثل أعلى، مما أسهم في ازدياد عدد المسلمين حتى أصبحوا الأكثرية، بالرغم من محاربة الإنجليز لهذه الظاهرة الحسنة. فانتشرت المساجد، وأقيمت المدارس الإسلامية، ونشط التدريس بالعربية، وتحفيظ القرآن الكريم، وكان من حسن الطالع أن كان بين المسلمين الهنود الذين قدموا على الجزيرة الحاج شاه محمد حسن الحنفي القادري، الذي أسهم في توثيق صلة المسلمين هناك بعضهم ببعض، وبدينهم، ولكنه ما لبث أن عاد إلى الهند تاركاً المجال لمسلم آخر كان يناظره في عمله.

            ولكن الإنجليز لم يتركوا الأمور تسير بسلام، فكادوا للإسلام هناك بأن استأجروا داعياً مزيفاً جاءوا به من لندن. ليبث الأفكار السوداء في الكيان الإسلامي هناك. ولكنهم باءوا بالفشل، حيث مَنَّ الله على الناس هناك بداعية كان قد درس في كلية التبليغ الإسلامية، وهو الأمير علي، وكان قدومه إليها سنة 1926، وما لبث حتى صار مفتياً للجزيرة.

            ومما لا شك فيه أن المسلمين هناك يزدادون يوماً فيوماً، بالتكاثر والاهتداء، ولكنهم يتطلعون إلى المشرق لمزيد من الدعم والعون، ليس في مجال المادة، ولكن في مجال خدمة الإسلام وأهدافه، والحمد لله مخرج الناس من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على محمد الأمين، الرحمة المهداة، ورسول الله إلى العالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.


    الإسلام في بلغاريا

    الشعب/الجمعة 7 حزيران1985

     

            نسمع اليوم، كما سمعنا من قبل أن الحكومة الشيوعية في بلغاريا تمارس أنواعاً من التعسف ضد المسلمين هناك، وحجتهم في ذلك أن هؤلاء المعنيين أتراك في الأصل، وأن عليهم أن يخرجوا من بلغاريا ... حجة بالطلة، وهذا ما مورس من بعد في البلقان وبالحجة نفسها.

            لقد دخل الإسلام ذلك البلد، أو قل دخل البلغاريون في دين الله، منذ وقت متقدم، حينما كانوا يعيشون بين نهري الفولجا وأورال، وكانوا الوسط الناقل للحضارة الإسلامية من الشرق إلى الغرب.

            ففي سنة 300هـ أسلم الملك البلغاري خان بريسكي خان، في خلافة المقتدر بالله العباسي، وأراد أن يجعل بلده إسلامياً، فطلب من الخليفة أن يزوده بالرجال من الفقهاء والعلماء لينهضوا بالمهمة، فاستجاب له الخليفة، ووجه إليه ابن فضلان صاحب الرحلة المشهورة. وهكذا بدأ انتشار الإسلام هناك، فارتفعت المآذن، وكثرت المدارس والمعاهد لتعليم أصول الدين، واللغة العربية، ولتحفيظ القرآن الكريم، بل لقد استخدم الشعب البلغاري اللغة العربية فترة من الزمان في كتاباته ومداولاته العادية، ولقد أتيح لنا أن نلتقي ببعض البلغار من غير المسلمين لنجد في كلامهم كثيراً من الكلمات العربية.

            ولقد بلغ الإسلام ذروة الازدهار هناك بعد المد العثماني في أوروبا، وظل الأمر كذلك حتى سنة 1918 حين بلغ عدد المساجد هناك أكثر من 1500 مسجد. لكن، ومنذ سنة 1946، حينما قامت الجمهورية الاشتراكية، ألغى منصب شيخ الإسلام، وضيقت الخناق على المسلمين ووجه إنذار مدته شهر يقضي بمغادرة الأتراك ( المسلمين ) بلغاريا، وكان عددهم آنذاك نحواً من مليون مسلم.

            واليوم، تعيش البقية الباقية من مسلمي بلغاريا في سجن واسع، مستضعفين، يستجيرون ولا يجارون، اللهم إلا ما كان من بيان استنكار أو تنديد، لم يعد في الأرض مسلم يأبه به، أو يعيره وزناً، ذلك أن الذين وضعوا هذه الصيغة من ألاعيب السياسة الدولية، إنما أرادوها ليس لأكثر من أن تُزدرَى حتى وإن امتصت شيئاً من نقمة المظلومين.

            ولقد أنجبت بلغاريا عدداً من العلماء المسلمين ... كالشيخ أحمد البلغاري، والسلطان محمود الغزنوي، والشيخ برهان الدين بن يوسف البلغاري، والقاضي يعقوب بن نعمان البلغاري وغيرهم.


    المسلمون في كينيا

    الشعب/الاثنين 27 أيار1985

     

            كان لعرب عمان دور بارز في نشر الإسلام والعروبة في الساحل الشرقي من أفريقية، بما في ذلك كينيا، وقد تنازل سلطان زنجبار - العثماني - عن جزء من السواحل التابعة له في كينيا، حيث تقع ممباسة اليوم، وذلك سنة 1895م، وقد بدأت تلك المنطقة تستنير بهدي الإسلام اعتباراً من أوائل القرن الثالث وما أن أهل القرن الهجري الخامس حتى كان المسلمون قد أقاموا القلاع المحصنة في " قيطاو " و " ماليندي ".

            وفي القرن الهجري السابع قام تجار مسلمون من شيراز ( عرب وفرس ) بتأسيس مدينة " ممباسة " التي ازدهرت في مجال التجارة، وكصرح حربي مسلم، ثم خضعت الممالك الساحلية الإسلامية إلى عدد من السلاطين، إلى أن جاء المماليك المصريون في القرن الهجري الثامن واحتلوا " أوجو " و " لامو " وجزيرة تانا، ثم احتلها من بعدهم البرتغاليون حتى أواسط العشرين.

            ولا تزال الوثنية شائعة بين سكان الدواخل، كما تنشط الإرساليات المسيحية الغربية في تلك البلاد، بحكم التسهيلات الحكومية والإمكانات المادية، ولكن الإسلام لم يتأثر كثيراً بالعقبات التي تعترض سبيله، وهو ينتشر بخطى حثيثة، ويتركز المسلمون والعرب في ساحل كينية حيث يمثلون الغالبية في السكان هناك، أما في الدواخل فقد وجد الإسلام طريقة إليها، لكن بشكل أقل من السواحل، ومعظم المسلمين شافعيون.

            وإذا كان لإسلام قبائل البانتو في القرون الوسطى " دور في نشر الإسلام في السواحل، فقد أصبح لإسلام قبائل الماساي حديثاً دور بارز أيضاً في نشر الإسلام بين الوثنيين الكينيين كما أن لمسلمي الصومال- إلى الشمال من كينيا - دور قائم في نشر الإسلام هناك.

            ولا يقل عدد المسلمين في كينيا عن ثلث السكان بأي حال، وقد جاء في إحصائية رسمية سنة 1955م أن في كينيا (29) ألف عربي مسلم يقيمون كمواطنين أصليين، وأكثر تركزهم في ممباسة حيث تنتشر المدارس العربية لمختلف المراحل، للبنين والبنات، كما أن فيها معهداً للدراسات الإسلامية يدرس فيه طلاب من كينيا والدول المجاورة.

            وبعد فهل نصمت لحظة نفكر في الأمجاد العربية الإسلامية، عسى أن يكون لنا دور في تسطير نظائر لها في مقبل الأيام؟


    الإسلام والعروبة في زنجبار

    الشعب 4/5/1985

     

            زنجبار ( على الطريقة الفارسية في الإضافة )، أو بر الزنج، جزيرة تقبع في المحيط الهندي، قبالة تنجانيقا، ويفصلها عن البر نحو من 35 كيلاً، ومساحتها نحو من 640 ميلاً مربعاً، وتقع إلى شمالها جزيرة " بمبا " التي تشبهها في كل شيء تقريباً، حتى التاريخ، ويقدر عدد سكان الجزيرتين بنحو من مليوني نسمة، أكثر من 90% منهم مسلمون شافعيون، باستثناء بعض البيوتات التي تنتمي إلى البيت العربي الذي كان يحكم البلاد، فهم أباضيون على مذهب مسلمي عمان. ويتكلم الناس هناك اللغة السواحلية وهي لغة عربية المفردات أفريقية المباني. ويمثل العرب نسبة عالية بين السكان تصل إلى الخمس أو أكثر.

            وكان سلطان زنجبار ( عام 1958م ) هو السيد خليفة بن حرب بن الثويني بن سعيد، الذي ولد في مسقط سنة 1879م، وكان للجزيرة حتى عام (1964م) عند القضاء على الكيان العربي فيها، مجلس تنفيذي تشرف عليه وزارة المستعمرات البريطانية، وكان يتألف من ثلاثة من العرب، واثنان من الهنود، واثنان من الأفارقة، وأوروبي واحد.

            وقد اتصل العرب بساحل أفريقيا الشرقي في وقت مبكر قبل الإسلام، وذلك عن طريق التجارة، أما بعد الإسلام فقد صادف أن نفي إلى تلك البلاد بعض الهاشميين من أتباع الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي أشعل نار الثورة على بني أمية أيام الخليفة هشام بن عبد الملك.

            وقد نجحت هذه الجماعة في بسط نفوذها على طول الساحل الشرقي من أفريقيا، لا سيما ما يعرف باسم " بنادر " ثم التحقت بهم جماعة أخرى من عرب الخليج تحملهم ثلاث سفن، ويتزعمهم سبعة أخوة هاربين من اضطهاد ملك الاحساء آنذاك، فبنوا مقديشو - عاصمة الصومال اليوم - ونشب خلاف بين الطرفين أدى إلى توغل أتباع الإمام زيد في دواخل أفريقيا حيث اندمجوا مع الأفارقة وتزاوجوا معهم.

            وقدمت إلى المنطقة في القرن الهجري الرابع جماعة من إيران بزعامة حسن بن علي وأبنائه، وحسن هذا كان من سلاطين شيراز، فلم ينزل بمقديشوا، بل اتجه جنوباً مع أبنائه، فأرسى أحدهم في ممباسة بكينيا، وآخر في " جوهانا " وهي ما يعرف اليوم بجزر القمر، والثالث في " بمبا " شمال زنجبار، أما الرابع فقد أرسى في " كيلوا " قريباً من الموزمبيق.

            وهكذا ظهرت مجموعة كبيرة من " دول المدن " العربية في شرق أفريقيا اعتباراً من خليج عدن إلى الموزمبيق. وبدا الأفارقة يدخلون في الإسلام تدريجياً اعتباراً من سنة 813م أي حوالي أوائل القرن الهجري الثالث.

            وقد اكتشف في زنجبار كثير من النقوش، منها نقش كوفي نصه: شيد ( هذا المسجد ) بأمر الشيخ ابن عمران الملك الحسن بن محمد، أطال الله في حياته، وقضى على عدوه، تم بناء هذا المسجد في يوم الأحد من شهر ذي القعدة من سنة خمسمائة هجرية " أي حوالي سنة 1107هـ.

            وفي جزيرة " بمبا " مسجد فيه نقوش عربية تشير إلى أنه أسس حوالي سنة 816هـ أي 1414م. وفي زنجبار عدد من المدارس العربية كانت ما تزال قائمة حتى العقد السابع من القرن العشرين، إلى جانب معهد ديني، وجدير بالذكر أن المسلمين والعرب مضطهدون في ذلك البلد، بل لقد تعرضوا لحملة إبادة قوية قبل نحو من عشرين عاماً.


    الإسلام في أرتريا

    الشعب/الأربعاء 5 حزيران1985

     

    يعود الفضل في انتشار الإسلام في أرتريا إلى أمراء جزر دهلك، ودهلك اسم يطلق على أرخبيل بين اليمن وأرتريا، يضم عدداً ضخماً من الجزر أكبرها دهلك، وفي القرن السادس عشر الميلادي امتد نفوذ ملوك " البحر " المسلمين إلى أرتريا، وذلك بمساعدة الأتراك العثمانيين، وازداد نشاط المسلمين هناك في القرن التاسع عشر، بمعاونة المصريين الذين كانوا قد احتلوا قسماً كبيراً من البلاد، فبلغ نفوذهم مداه في عامي 1875، 1876م بعد أن احتلوا " مصوع " الميناء الهام في البحر الأحمر.

            وفي سنة 1885م انسحبت القوات المصرية، وبقيت في المدينة حامية صغيرة اضطرت للانسحاب بعد هجوم الأسطور الإيطالي، وكانت النتيجة ضم أرتريا إلى الحبشة، وظل الأمر كذلك حتى بعد احتلالها من قبل بريطانيا، وبالرغم من قرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بقيام اتحاد فيدرالي بينها وبين أثيوبيا.

            وتنتشر القبائل المسلمة في أرتريا من الغرب إلى الشرق على النحو التالي:

            بنو عامر وبيليت، وهم من قبائل البجة، ويليهم قبائل ماريا وبيت تاكيل وأبرهة وشهاجين، ثم قبائل بيجون وبوغوص ومنسا الذين كان إسلامهم في أواسط القرن التاسع عشر.

            وإلى الشرق منهم تقيم قبائل باريا وكنانة والساهو، أو عز محمد، وجدير بالذكر أن بعض هذه القبائل تنتشر في أثيوبيا إلى جانب أرتريا.

            وتنتشر في أرتريا عدة طرق صوفية منها التيجانية والقادرية والسمانية والخلوتية والشاذلية والمرغنية. والمذاهب السائدة في أرتريا هي المذهب المالكي، ويمثل أتباعه نحواً من 65% من مجموع المسلمين، والمذهب الحنفي 26% والمذهب الشافعي 9%.

            ومن أشهر المساجد في مصوع مسجد عبد القادر الجيلاني، الذي تنسب إليه الطريقة الصوفية.


    انهيار المادية([2])

     

            وأخيراً انهارت دولة نقولاي تشاوتشيسكو الذي عب من كؤوس الحياة أرغدها وأترعها، ومن قبل انهارت الامبراطورية الرومانية التي أرّخ لاضمحلالها وسقوطها المؤرخ جبن في كتابه  The Fall And Decline Of Roman Empire.

    ونعتقد أن هذا المؤلف لو كان له أن يعيد تأليف كتابه لأبقى على عنوانه كما هو، وضمنه حيثيات وأسباباً غير التي أوردها وزيادة عليها، ولكان له في ما جرى بالأمس القريب في رومانيا معيناً واسعاً يستقي منه مادة ثرية لكتابه.

    ومن الجدير بالذكر هنا أن النقمة الشعبية في رومانيا لم تكن موجهة إلى العائلة التشاوتشسكية لأنها استبدت وأترفت على حساب الناس، ولا لأن الرئيس أمر الجيش بحصد الجموع، ولكنها كانت موجهة إلى أبعد من ذلك، لكن تلك العائلة كانت في الطريق فلحقها ما لحقها، وهذا يجعلني أقول أن سلسلة المتغيرات لن تتوقف في رومانيا إلا بعد حين.

    غير أن رومانيا لم تكن وحدها في حومة المتغيرات، فأحداثها الدموية تذكرنا بانهيار سد مأرب، ولكن أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفياتي-على الأقل في الوقت الحاضر-ما فتئت تشهد أنواعاً متباينة من القلاقل والمتغيرات التي تتلاحق بسرعة خيالية، وتحدث نتائج لم تكن في حسبان أحد-حتى حاسوب البيت الأبيض-فمنذ أن جمع غورباتشوف أَزِمَّة السلطة في يده، وبدأ السلسلة السحرية المسماة (بروسترويكا) راحت مجريات الأمور في حلف وارسو تأخذ أبعاداً غير طبيعية، وقد حاول هو وريجان أن يزعزعا الصين الشعبية لكن القوم هناك كانوا متيقظين وحصدوا من الرؤوس ما كان كافياًُ لتجاوز المفصل التاريخي الذي أرادوه بداية لحقبة جديدة في تاريخ الصين.

    وربما كان الوقت مبكراً للتنبؤ بمستقبل أوروبة وما نرى أوروبة الغربية بمنجاة من العذاب الذي تكتوي به الدول الشيوعية والمؤسسات الرسمية والحزبية بأوروبة الشرقية، غير أنه من غير المتوقع أن تبلغ الأحداث في أوروبا الغربية درجة الحدة والعنف التي بلغتها أحداث أوروبا الشرقية. وما يدفعنا إلى القول بما تقدم هو أن أوروبا الغربية مهيأة هي الأخرى لمثل ما حدث في شرقها مما يلتقي فيه القسمان، ومعهما أمريكا وكندا، من توجه مادي، حيث حاربت الأحزاب الشيوعية العقائد الدينية التي كانت سائدة في بلادهم من ديانة إسلامية أو مسيحية، وأسسوا أنظمتهم على أسس من الفكر الماركسي المادي، الذي بالرغم من مرور عقود كثيرة عليه وهو مطبق في دول حلف وارسو، إلا أنه لم يفلح في تثبيت أركانه، ولم يصمد طويلاً أمام الجماهير الغاصبة، بالرغم من أن ماركس ومن تبعه من مشايعيه يدَّعون أنهم إنما يريدون خير الإنسان وخير الجماهير، يحسبون أن النظريات المادية صالحة لتحقيق الخير أي خير، وأنها قادرة على الثبات والاستمرار، فكانت الحقيقة في أوروبا الشرقية حين قوّض الأوروبيون ذلك البنيان (الشيوعي) الكرتوني في بضعة أشهر … مخالفة بذلك قانون الطبيعة المتمثل في أن الأشياء التي تسخن ببطء تبرد ببطء، ومرد ذلك إلى أن الشيوعية والمادية تخالفان في حقيقة أمرهما قانون الطبيعة والفطرة.

    إن ما حدث في دول أوروبا الشرقية من تغيرات مثيرة للدهشة هو ترجمة حقيقية لرحلة البحث عن الذات الثابتة، والبحث عن العقيدة التي من شأنها أن تُرَسِّخ تلك الذات، وتكسبها عمقاً في أبعادها ووجودها، وما نرى العالم الغربي ببعيد عن هذا المفصل التاريخي، لأنه وإن سيس زعماؤهم المسيحية في حركات وأحزاب واتجاهات سياسية ظاهرها فيه رحمة له وعذاب لغيره، إلا أن الإنسان الغربي يفتقر إلى الحياة الروحية، ذلك بما ملأ به سمعه وبصره من المادة التي عبدوها فإذا هم والشيوعيون في كفة واحدة، كلهم يدينون بالمادة، ويتعلقون بأسبابها، ويفلسفون حياتهم على الطريقة الميكافيلية، تحقيقاً لمقتضياتها، وإن اختلفوا في أساليبهم، فرأسمالية الحزب الشيوعي بتحكمه في مقدرات البلاد والعباد، وهو لا يمثل في أحسن الأحوال أكثر من 10% من مجموع السكان، هذه الرأسمالية التي أتاحت امتلاك السيارات الأمريكية في موسكو، واليخوت الخاصة في بولندا، وأكثر من ذلك في رومانيا، هذه الرأسمالية لا تختلف كثيراً عن رأسمالية الشركات العالمية في أمريكا وأوروبا الغربية، ولا عن المؤسسات الإمبريالية في العالم الغربي.

    إن الذي انهار بالأمس في رومانيا ليس هو تشاوتشيسكو، والذي انهار في برلين ليس سورها، والذي بات يتداعى هنا وهناك في دول المعسكر الشرقي ليس هو الأحزاب الشيوعية، إن الفلسفة المادية برمتها هي التي تتهاوى وتتداعى على مؤذنة بالانهيار التاريخي المفصلي. أرادوا للإنسان أن يعيش بلا دين، كافراً بالله، عابداً لمخلوقاته، ومتخذاً منها غايته العليا، وحشدوا لذلك، وتمكنوا بالقبضات الحديدية من فرض أنفسهم، فدار الزمان، فإذا بالشيوعية في أوروبا أثر بعد عين، كأن لم تغن بالأمس، فمن كان يصدق أن زعيم رومانيا كان سينتهي إلى ما انتهى إليه؟ من كان يخطر بباله أن شيئاً مما يجري كان سيجري؟ ومن يدري! فلعل الأيام والشهور المقبلة حبلى بأحداث جديدة أغرب وأبعد وأعمق أثراً في تاريخ الإنسانية؟([3])

    إن الحركة الصهيونية التي كادت للعالم بأسره، وخصوصاً لروسيا القيصرية والدولة العثمانية، للأولى كمنافس على السلطة والحق المزعوم في القدس، والثانية كقيم كان آنذاك حقيقة على القدس، إن هذه الحركة ما زالت تجني ثمار تآمرها في أماكن عديدة، وإن أوروبا الشرقية على الأقل لن تفلت من أخطبوط الصهيونية، وإن نجحت في دك أركان الشيوعية، ذلك أن على أوروبا أن تفيق من سكرتها، وتقلع عن طغيانها، وتؤمن بالله الخالق إلهاً واحداً لا شريك له، وتتحرر من حبائل الصهيونية والأطماع الاستعمارية المستحدثة.

    إن الحركة الصهيونية التي تمكنت من خلق كيان يهودي في فلسطين باتت تتهاوى هي الأخرى أمام حركة المد المؤمن على أيدي المجاهدين في الأرض المقدسة … ولئن نجح ريجان في اصطياد الدب الأكبر – الاتحاد السوفياتي، فإن فوق كل كبير من هو أكبر، وفوق كل قوي من هو أقوى، والله ربنا الأكبر من كل كبير، وهو الأقوى من كل قوي … وإنما يستمد المؤمنون قوتهم من الله، وهم بذلك أقوى من الـ Moral majourity التي تقوم على أسس صهيونية تلمودية زينت لنفسها سوء أعمالها.

    إن العالم ينقلب ولا يكاد يفيق من سكرته حتى ينزلق على دروب الطغيان المسلح والكيد الشيطاني، ولكن الشعوب، فيما يبدو قد بدأت صحوتها، وإنما يبدأ الشكوى أكثرهم ظلماً، ولقد كانوا في أوروبا الشرقية أكثر أهل الأرض ظلماً، ذلك حين أراد لهم الماديون الشيوعيون أن يكونوا كالبهائم لا دين لهم ولا ملة، وهم اليوم، وإن صحوا، إلا أن الطريق أمامهم طويل، وعليهم أن يبدأوا رحلة البحث عن العقيدة، لأن العقيدة هي الأساس الذي تقوم عليه الذات، وتنعقد عليها أركانها، وبذلك يقوم البناء المتين، وينعقد عقده، فإن اكتفوا من قيامتهم بالثأر من الشيوعية كانوا كمن اكتفى بمعاقبة اللص الذي تسلل إلى بيته دون أن يحصن بيته ضد اللصوص احتساباً لما يمكن أن يحدث فيما بعد.

    وعلى العالم الإسلامي في هذه الآونة أن يفيق هو الآخر من غفوته، وأن يستعد لما يمكن أن يتبلور في الولايات المتحدة وفي أوروبا – شرقها وغربها – من تحالفات جديدة قد تكون موجهة بشكل مباشر ضد الأمة الإسلامية، استمراراً لما شهده ذلك المعسكر في القرون السابقة. هذا بالرغم من أن المتوقع في القريب غير البعيد أن يحتدم الصراع داخل ذلك المعسكر نفسه، وتلك أيضاً فرضية ينبغي علينا أن نعد لها ما يناسبها.

    إن أحداث العالم تتوالى بسرعة فائقة، وتتطور بشكل خيالي، ويستبد بالأقوياء طغيان القوة، ويجدّون في الفرعنة، وكأنهم يريدون أن يقولوا للناس على سطح الأرض ( أنا ربكم الأعلى ) وقد حان للعدل أن ينتشر في أرجائها، وللظلم أن ينمحق، وللاستكبار أن يزهق، فوالله إن ما جرت به الأحداث في أوروبا لشيء عظيم ينبئ عن شيء أعظم، ويشكل إرهاصاً لميلاد جديد على كرة الأرض، فعجل اللهم بفرجك الشريف أنت مولانا فانصرنا على القوم الظالمين.


    أمريكا والسلام

    الدستور الجمعة 28/6/1991

     

            بعد إجلاء الرومان من مصر وبلاد الشام في صدر الإسلام ظلوا هم ومن تناسخوا فيهم يحلمون بالعودة، فما لبثوا أن قدموا إلى المنطقة " لإنقاذ الأراضي المقدسة من قُطّاع الطرق !" وكانت النتيجة ما أنجزه صلاح الدين الكردي في معركة حطين، ولم يردعهم ذلك، فأغراهم ضعف المسلمين في الأندلس بتغيير موضع حرابهم من شرق المتوسط إلى جنوبه في شمال أفريقية وإلى إسبانيا نفسها، حين قامت محاكم التفتيش بالمحاكمة على العقيدة مما اضطر عدداً من المسلمين إلى التحول عن دينهم أو الفرار به، وتمادوا في ممارسة أحقادهم إلى أن بدأ البرتغاليون والإسبان والهولنديون حملاتهم فيما وراء البحار ضد المسلمين في سواحل أفريقية الشرقية والخليج وجنوب آسيا … وقد انتصر العثمانيون ( الأتراك ) لإخوانهم المسلمين في الأندلس ( عرب وبربر ) واقتحم العثمانيون الأتراك أوروبا من جهة المشرق وحاصروا فيينا في أكبر عملية ثأر مقدس لمسلمي الأندلس.

            وكان من بعد الاستعمار الأوروبي الحديث الذي تسلم الراية من قراصنة البرتغال وإسبانيا وهولندا. واشتد إحكام حلقات المؤامرة على الدولة الإسلامية، ودخل في الصراع هذه المرة عنصر جديد حذرنا الله، سبحانه وتعالى، من شره، وهم اليهود بأحقادهم القديمة على الإسلام والمسلمين. وتمكنت فرنسا وبريطانيا ومعهم اليهود من تدمير الدولة الإسلامية وتمزيقها، وكان نتيجة لذلك أن زُرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن .. وأن الدولة أصبحت دولاً.

            واليوم ها هي أمريكا انطلاقاً من ولائها للفكر الذي يحرك كل القوى المعادية للإسلام، ها هي اليوم تتصدر " الجمع الكافر " ممثلة استمراراً للجبهة الرومية المعادية للإسلام، وحلقة جديدة في مسلسل التناسخ الصليبي المتغير الأشكال والألوان، المتفق الأهداف والمنطلقات.

            وإن أمريكا لا " تناور " في عدائها للإسلام والمسلمين، ولكنها قد تتبع من الخطط طويلة المدى ما ينطلي على المراقب البسيط، والمشغول بما يتطلبه نمط الحياة الغربية السائد في بلادنا، ففي كل بلد إسلامي تقريباً نقف على شاهد يوضح التآمر الأمريكي على الإسلام وأهله وفيما يلي نضرب أمثلة تؤكد ذلك.

     

    في الفلبين

            لقد فشل الأمريكيون ( الذين استعمروا الجزر عقب الإسبان ) في قمع المسلمين، ولم يتمكنوا من الحد من انتشـار الدعوة الإسلامية بالرغم من استخدام القوة، فلجأوا إلى الخديعة – على ما كان عودهم أسيادهم الإنجليز – وألغوا القانون الإسباني الذي كان يحارب كل المعتقدات باستثناء عقيدته الكاثوليكية، وادعوا كفالة الحريات الدينية وحرية الفرد في اختيار الديانة التي يريدها، إلا أن الأيام كشفت أن تلك الحرية لم يقصد بها المسلمون، ولم ينالوا منها شيئاً، وإنما كان الهدف منها نشر المذهب البروتستنتي فقط، ليس بين الكاثوليك وحدهم، ولكن بين المسلمين أيضاً، الذين حيل بينهم وبين ممارسة عقيدتهم، وأداء شعائرها، تماماً مثلما حدث في ألبانيا والاتحاد السوفياتي، حتى من قبل قيام روسيا القيصرية. ولكن مسلمي الفلبين أدركوا اللعبة، وأفلتوا من شركها، واستعرت فيهم روح الجهاد والتحدي، وما زالوا يناضلون ضد الحكومة التي تمثل امتداداً أمريكيا بالرغم من خروج الأمريكان من الفلبين باستثناء القواعد العسكرية.

     

    في أفغانستان

            الشيوعية مطية الصليبية الحديثة في تهجين المجتمع الإسلامي، وتمرير المخططات المعادية، وتحديداً ضد المسلمين، ولكن الأمريكان قد يحالفون طرفاً إسلامياً على طرف شيوعي خدمة لمخطط شيطاني يهدف آخر المطاف لتحقيق مصالح ( وارث الروم ) المتأله في هذا الكون. ومن هذا المنطلق جاءت مساعدة أمريكا لبعض فصائل المجاهدين الأفغان    – مروراً بباكستان – ضد حكومة كابول التي تنفذ مخططاً سوفياتياً، قد يلتقي آخر الأمر مع المخطط الأمريكي في نتيجته المقصودة، وهي تدمير الإسلام والمسلمين .. ولكن كلا من الروس والأمريكان كان ( يجر النار على قرصه ) خوفاً من اليقظة الإسلامية.

            في مرحلة مبكرة من هذه ( القضية ) كان الروس على خلاف مع الأمريكان، ولكن في المرحلة التي ابتدأت بعد غورباتشوف ( أحد أركان النظام الدولي الجديد ) اختلف الوضع، وحل الوفاق، وأدركت أمريكا أن من كانت تساعدهم لم يتمكنوا من فرض سلطانهم على بقية الفصائل لمصلحة أمريكا، وأن منهم من كان همه هو الحصول على الدعم من أي جهة كانت خدمة لأهدافه المتمثلة في نصرة الإسلام، وأن نظام كابول الدائر في فلك موسكو، الدائرة في فلك واشنطن أقرب إليها من أي فصيل إسلامي حتى لو كان عميلاً لها .. وعندئذ قطعت مساعداتها عنهم … كيلا ينتصر الإسلام لو كان النصر من عند أحد غير الله.

     

    في الباكستان

            ها هي أمريكا، تعاقب الباكستان، وتقلص من حجم مساعداتها لها، وتهددها بضرورة وقف العمل ببرنامجها النووي .. لأنها تعلم أن قوة الباكستان هي قوة للإسلام والمسلمين آخر الأمر .. كل هذا بالرغم من دوران الباكستان في فلك أمريكا بسرع مختلفة. ( لاحظ تاريخ نشر المقالة )

     

    مسلمو أواسط آسيا

            أو جمهوريات جنوب الاتحاد السوفياتي، فنحن جميعنا نذكر أن المسلمين في هذه الجمهوريات، وتحديداً في أذربيجان ( التي ينتمي إليها صلاح الدين الأيوبي الكردي الأصل ) قاموا بمظاهرات قبل أكثر من عام، يطالبون بمثل ما تطالب به جمهوريات البلطيق النصرانية .. فقمع الجيش السوفياتي المتظاهرين في الجمهوريات الإسلامية، وأيد بوش (الأب) ما أقدم عليه غورباتشوف .. وتظاهروا بقمع المتظاهرين في الجمهوريات المسيحية عبر مسلسل تمثيلي نجومه يلتسن وغورباتشوف وزعماء لتوانيا واستونيا ولاتفيا، ولكن السيد بوش، ومن ورائه زعماء الغرب، وقفوا يعلنون شجبهم للمحاولات السوفياتية واستنكارهم لها، بل لقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فدعوا إلى تشديد الحصار الاقتصادي على الاتحاد السوفياتي.

     

    في ألبانيا

            ألبانيا جمهورية إسلامية اغتصبها الشيوعيون لمصلحة النظام العالمي الجديد. والمؤسف حقاً أن إعلامنا الإسلامي أغفل هذه الحقيقة، وكان يتحدث عن هذه الجمهورية حديثة الدائرة عن القطبية! بل عن كوستاريكا – جاهلاً أو متجاهلاً أن ألبانيا بلد إسلامي.

            وتدّعي أمريكا أن الشيوعيين الألبان في المناطق الريفية زيفوا الانتخابات هناك، هذه الانتخابات التي كانت أمريكا عضواً في اللجنة الدولية التي أشرفت على إجرائها. ولكن الذي نراه أقرب إلى الصواب هو أن أمريكا هي التي زيفت الانتخابات لمصلحة الحزب الشيوعي خوفاً من انتقال الحكم إلى أحزاب المعارضة الجديدة، وتنامي الصحوة الإسلامية.

     

    بنغلاديش

            بالرغم من فوز السيدة " الشيخة  حسيبة "  في انتخابات بنغلاديش، وهوماً يتفق مع ظاهرة ( النسوة في سدة الحكم ) من أكينو إلى بناظير بوتو إلى تشومورو .. وانسجام هذه الظاهرة مع التوجهات الأمريكية وخصوصاً في بلدان الوطن الإسلامي – إلا أن أمريكا ومن ورائها الغرب ومعظم دول العالم، لا يأبهون بما ألمّ ببنغلاديش نتيجة للكارثة الطبيعية الأخيرة، بينما رأيناهم يتظاهرون ويتسابقون في دعم الأرمن عندما ضرب الزلزال بلادهم قبل أعوام .. ونحن لا ترى فرقاً بين هؤلاء وهؤلاء إلا أن البنغلاديشيين مسلمون فقط.

     

    في شمال العراق

            أتت أمريكا إلى المنطقة في الأشهر السابقة بدعوى تحرير الكويت، وقد تحررت الكويت فما شأن أمريكا وحلفائها الغربيين في شمال العراق؟ حماية الأكراد؟ فأين هي إذاً من الأرتريين والفلسطينيين وغيرهم من الشعوب المضطهدة؟

            قد لا يكون رجماً بالغيب إن قلنا إن أمريكا وحلفاءها الغربيين لن ينسحبوا من مواقعهم في الخليج وشمال العراق وتركيا، وذلك لتحقيق هدفين أحدهما قائم والآخر في طريقه لأن يقوم.

    أما الأول: فهو كبح الصحوة الإسلامية والتوجهات الجادة نحو تعاون عربي إسلامي وثيق " ينذر " بأن يتحقق، وهم يقومون بذلك دعماً للكيان الصهيوني الذي يوشك أن يحقق أحلامه ( الكبرى ) بإقامة " مملكة اليهود المعتنقين للمذهب البروتستنتي " بحسب ما ورد في مذكرات الضابط البروسي هـ، فون مولتك، فيتحقق بذلك إصابة عصافير كثيرة بحجر واحد، لأمريكا وعموم دول الغرب، ولليهود، وهذه ( الإصابة ) هي القاسم المشترك التاريخي بين أعداء الإسلام والمسلمين لو كانوا يعلمون.

    أما الثاني: وهي يصب في مجرى الهدف الأول، ويتمثل في أن عقد الاتحاد السوفياتي يوشك أن ينفرط، وأن جنوب الاتحاد يتألف من جمهوريات مسلمة، وأن الجمهوريات الأخرى – المسيحية – ستعود إلى سابق عهدها ( قيصرية ) على انسجام ووئام مع أمريكا وعموم دول الغرب، ولما كانوا جميعاً ( أعداء الإسلام ) يخشون التحام تلك الجمهوريات مع البلدان الإسلامية، ولا سيما إيران ( للاتفاق المذهبي والحدود المشتركة، ذلك أن أذربيجان مقسومة بين إيران والاتحاد السوفياتي )، وكان ذلك يشكل دعماً أكيداً للصحوة الإسلامية، فإنه لا بد من تطويق هذه المنطقة في وقت مبكر .. من الآن، وخلق بؤر توتر وصراعات محلية تحد من تنامي الصحوة الإسلامية، وعلى هذا الطريق كان الصراع في ناجورنو قره باغ بداية لصراع أكبر بين النصارى الأرمن والمسلمين الأذربيجانيين، وما نراه في تحرك الأرمن في إيران مؤخراً ( مظاهرة من 80 ألف في طهران ) وبعثهم لأحقادهم القديمة ضد الأتراك المسلمين إلا مقدمة لصراعات جديدة ستنشب قبل أن يخرج ورثة الرومان من شمال العراق ليوجهوا الصراع إلى ما فيه من مصالحهم ومصالح من يسيرون في ركابهم، وسترى تركيا وإيران، وربما سوريا والاتحاد السوفياتي أن مشكلة الوطن الكردي قد تمتد لتقتطع أجزاء من أراضيهم، وأن من الأكراد من يعي أبعاد هذا المخطط، ولكنهم كما يقال: سبق السيف العَذَل.

     

    وفي فلسطين

            أما أمريكا وفلسطين فتلك قصة تطول .. وقد نستشهد هنا بما قاله جريجوار مرشو في مقالته عن " المرسلين والمبشرين وشعوب ما وراء البحار " .. قال " ها هي الأيديولوجية التي مارستها، ولا تزال، سياسات الدول الغربية بشقيها العلماني والديني، تواكب هذه الحملة التي ترأسها الولايات المتحدة بشكل سافر، كما ليس من قبيل المصادفة أن تندرج مواقف تحت نفوذ المنظمة الصهيونية العالمية في عمليات التقارب اللاهوتي مع الدولة الصهيونية الغازية كمقدمة للاعتراف بها مستقبلاً على الصعيد الزمني، ولتكريس دورها في إطار الاستعمار الحديث ( النظام الدولي الجديد ) وذلك من خلال خلق الكيانات الطائفية والعرقية الهزيلة ليصار بالتالي إلى ابتلاعها الواحدة تلو الآخر لحساب القوى الاستعمارية الحديثة بريادة الولايات المتحدة الأمريكية .. "

            أما خوفنا من سياسة المكيالين التي تكيل بها أمريكا مكيال للمسلمين وآخر لغيرهم، فقد نطمئن إلى ما تؤكده أمريكا من أنه ليس لديها إلا مكيال واحد .. ولكنها تكيل به لغيرنا مملوءاً وتكيل لنا على استه ( مقلوباً )، ويا طالب الدبس ……. "


    مستقبل الحركة الإسلامية

    الدستور الخميس28/6/1990

     

            كشفت المحاضرة التي ألقاها الدكتور موسى الكيلاني مساء الأربعاء في المركز الثقافي الملكي بعنوان " مستقبل الحركة الإسلامية " – كشفت عن حقائق خطيرة، يجدر بنا أن نقف عندها طويلاً.

            ولعل أخطر الحقائق هو شيوع ظاهرة التفسخ في الجسد الإسلامي، وبروز ظاهرة التناحر، والتنافس القائم على مواقف مسبقة، يقفها هذا الطرف من الآخر، ومما يزيد الأمر خطورة أن الأمة الآن تمر في أعصب مرحلة من تاريخها الحديث، بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية في استانبول، على أيدي الكائدين للإسلام من صليبية أوروبية، وصهيونية يهودية وعنصرية طورانية.

            وترجع هذه الخطورة – الآن – إلى أن الأمة استنفدت طاقاتها، وبذلت محاولاتها فركبت زعاماتها خيل الوطنية، وخيل القومية، وخيل الشيوعية فلم تفلح في تحقيق أي تقدم من شأنه أن يحافظ على بقائها وارتقائها إلى مصاف المنافسة، ودرجة حرارة التحديات التي تحيق بالأمة.

            غير أن ثمة خيولاً أخر، من نوع مختلف، لم تجربها زعامات الأمة، وهي خيول الإسلام، بالرغم من قيام عدد كبير من الحركات والأحزاب الإسلامية في أرجاء دار الإسلام الممتدة بين خافقي الأرض، ودعوتها الحكام التي تبني المنهج الإسلامي في الحكم والسياسة الداخلية والخارجية، ولكن دون جدوى، بل كأنّ في اتفاقيات الاستقلال عن التبعية الإنجليزية والفرنسية بنداً سرياً ينص على مقاطعة الإسلام، والعمل على عزل الرعايا عنه.

            وقد علقت الجماهير المسلمة الآمال العريضة على الحركات الإسلامية المختلفة       ( بمعنييها )، ولكن أيا منها، في البلاد العربية على وجه الخصوص، لم تفلح في تحقيق أي انتصار باستثناء ما حدث في السودان لفترة وجيزة، وفي حدود السودان فقط، دون أن يمتد بأثره إلى خارجه، وما تم أخيراً في الجزائر([4]) من انتصار الحركة الإسلامية الذي يرجى أن يمتد بأثره إلى شمال أفريقيا وغربها، يضاف إلى ذلك ما نلمسه في لبنان وفلسطين من تصاعد دور الحركة الإسلامية في حملة التحرر ضد الصهاينة ودعاة الطائفية.

            ويؤمل المسلمون خيراً في التقارب الذي بدأت بشائره تلوح في الأفق بين العراق وإيران بعد الحرب الضروس التي أسهمت في وقف عملية البناء الإسلامي.

            إلا أن انكشاف معاقل الأمة الإسلامية، وضعفها الذي لم يعد سراً على أحد، على أعدائها قبل من يدّعون أنهم أصدقاؤها، يغريان بها أعداءها التقليديين وعلى رأسهم أمريكا – مروراً بالولاية المستوطَنة في فلسطين.

            إن الهجمة المعادية الآن في أشدها، وقد نالت من البنيان الإسلامي، وأوهنته، وهي تراهن على البقية الباقية منه، ولا أمل للأمة في نصر أو استمرار، ما لم تفق من سكرتها، وتجمع صفوفها مبتعدة عن أسباب الشقاق المذهبي والقومي والوطني والمادي، التي زرعها المستعمرون فينا، وتمسكنا بها حرصاً منا على التودد لهم وإرضائهم.

            إن هناك ما يمكن أن يمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الحركات الإسلامية يجب أن تلتقي عليه، وأن تتضافر جهودها من أجل تحقيقه، وهو العمل على خلق " حالة إسلامية " كمقدمة لأي مرحلة أكثر تطوراً، وقد فقدت الحركات والأحزاب الإسلامية، التي ظهرت على الساحة منذ وقت مبكر، كثيراً من امتدادها الشعبي، واهتزت صورتها في عيون الناس، لأنها بالرغم من طول عهدها بالعمل لم تنجح في تحقيق أهدافها، ولم تطور أساليبها بحيث تستطيع أن تتجاوز العراقيل المستجدة، وتتعامل مع هذا الواقع بما يناسبه.

            وهذا يعني أن الجماهير المسلمة، تحت وطأة ما يحدق بها من الأخطار، لا يمكن أن تقبل، بحال من الأحوال، استمرار الصراع الفكري بين قادة الأحزاب والحركات الإسلامية، وهي – الجماهير الإسلامية – أداة هذه التكتلات في سلم وحرب، وقد بات لزاماً على هذه الجماهير أن تفرض عليها الوحدة، وأن تتجمع في صف واحد، جرياً وراء هدف واحد، وإنها لقادرة على ذلك إن هي أخلصت في العمل، وترفعت عن الخلافات، وأعطت فرصة لكل مسلم كي يشارك في العمل بفتح صفحة جديدة. والغريب في الأمر، أن بعض الاتجاهات الإسلامية، قد تتحالف مع اتجاهات غير إسلامية ضد اتجاه إسلامي آخر .. بل ربما التقوا مع الشيوعيين ضد بعض من يتخذون من الإسلام شعاراً لهم.

            إن التوتر الذي حدث في المركز الثقافي الملكي بين بعض الفئات الإسلامية. في أعقاب محاضرة الدكتور الكيلاني، ينذر بمستقبل مظلم للحركة الإسلامية ما دامت خاضعة للزعامات الفكرية التقليدية التي تقودها إلى مزيد من الصراع، ومن يدري فقد تتعرض البلاد للعدوان، وتنتهك الحرمات، وتحتل الأرض، وهؤلاء ما يزالون يتجادلون ويتصارعون … لو لم يحدث شيء من ذلك في سالف العهد يمكن أن يكون فيه معتبر لمن أراد أن يعتبر.

            وهذا يستدعي، من جميع المسلمين، في هذا البلد وفي غيره، أن يرفعوا شعاراً واحداً يتنادون به وهو: يا مسلمي العالم اتحدوا، فأنتم هدف الأعداء وأنتم غرض الرامي.

            لقد كان موضوع المحاضرة مستقبل الحركة الإسلامية، ولما كان المستقبل من صنع الأقوياء – بعد مشيئة الله عز وجل – وكانت القوة رهينة بالوحدة، فإن المستقبل – مرة أخرى أقولها – قاتم كريه ينذر بالويل، ما لم تتحد الحركات الإسلامية، باختيار مباشر من زعمائها، أو نزولاً عند رغبة الجماهير المسلمة، التي بدأت تدرك أبعاد لعبة شد الحبل، والمخاطر الجمة التي ستجرها عليها إن هي استمرت في ممارستها.

            فيا أيها المسلمون اتحدوا، ولا تتفرقوا عن سبيل الله الواحد، وتداعوا إن كنتم جادين إلى مؤتمر للصلح .. إن الصلح ممكن إن كان لدى المتخاصمين فيه هوى.


    هذا أوان الشد، ولنبدأ من فلسطين

    القدس 3/9/1996م

     

            تخامرني هذه المقالة منذ أمد بعيد، وقد قفزت إلى دائرة الاهتمام في أعقاب لقاء مطول مع العلامة أحمد صدقي الدجاني، في منزله في القاهرة أثناء الدورة الحادية والستين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1995، إذ دار بيننا حوار طويل حول واقع الأمة، وما يمكن أن تتمخض عنه المعطيات الراهنة على الساحة العربية بعامة، والفلسطينية بخاصة، وقد توصلنا يومها إلى نتيجة مفادها باختصار أن الوقت قد حان للقيام بهجوم حضاري يعيد للأمة مجدها، وثقتها بنفسها، ويمكِّنها من الإسهام بدور فاعل في مسيرة الحضارة البشرية، مستأنفة بذلك ما كان من شأنها بالأمس .. لا سيما أن حضارة الآخر ( المادية ) أخذت تترهل.

     

    قضية حضارية

            فالقضية برمتها، وفي مختلف أبعادها، قضية حضارية يمكن أن نترجمها تمثيلاً ببالون كان منفوخاً بشكل جيد، فإذا أسقطت عليه تفاحة – مثلاً – ارتدت عنه، ولكن هذا البالون لم يعد كما كان، فارتخى، فإذا أسقطت عليه تفاحة وجدت فيه متكأً ومقعداً مريحاً هزازاً، وذلك هو شأن الأمة بعد أن تراخت، وتقهقرت، زرع الغرب فيها إسرائيل، وصدّروا إلى الأمة الإسلامية سّمهم وعسلهم، فقبلت كل ذلك وتفاعلت معه، دون تمييز بين ضار ونافع، وأسرعت إلى قلع لباسها وَتَزَيَّت بأزيائه، ولكن الأمة اليوم على الرغم من اشتداد الهجمة إلا أنها استيقظت، وتحركت في مجتمعاتها روح وثابة، تؤمن بالمبادرة إلى الأفعال بدلاً مما كانت عليه في العقود السابقة من الاكتفاء برد الفعل، والتفرج، بل لقد مرت بمرحلة تبلّد فيها الحس فلم تعد تشعر بالتحديات، ناهيك عن الاستجابة إليها على نحو ما تبرزه نظرية أرنولد توينبي ( التحدي والاستجابة ).

            وألحّت هذه الفكرة على قلمي قبل أيام عندما طالعت مقالة الدكتور ناجي صالح شراب المبدعة ( القدس 19/8/1996م )، إذ تحدَّث فيها عن آفاق جديدة وأبعاد رحبة يمكن أن نخطو بالفكر المفاوض إليها ليتمكن من مناجزة المفاوض الإسرائيلي المحنك، والعنيد، لقد سعى المفاوض الفلسطيني إلى ساحة معركة التفاوض بغير سلاح في كثير من الأحيان اللهم إلا من سلاح الحق الذي يؤمن به خلافاً للمجتمع الدولي الذي استقر في وجدانه أن كثيراً من الحقوق الفلسطينية هي أوهام وأحلام يقظة، ذلك بما جد في العالم من معطيات ( وتراكمات كمية ) أدت بالفعل إلى تغيرات نوعية في المواقف الدولية.

            إن المناورة سلاح لا يحسن استخدامه بِطاقَتِه القصوى إلا من كان على دراية بالأساليب وحقول المعرفة، على قدر كبير من الابتكار وتوليد الخيارات والمداخل والمخارج.

     

    صراع العقول

            وقد نقف طويلاً مع الدكتور شراب في الفقرة الأخيرة من مقالته، بل الفقرتين، ذلك لما فيها من رؤية استشرافية وحكم صائب، وكشف عن التحولات المقبلة في حركة التاريخ في ما أسمته أميركا - وتبعها في ذلك الإعلام العربي الإمَّعَة - بالشرق الأوسط، أجل إن الصراع صراع عقول، ومواجهة حضارية، وأن البالون القابل إذا ما أعيد نفخه بشدة فإن كل ما عليه سيسقط دون حرب، وستستعيد الأمة سابق مجدها، وسيجد الغرب والإسرائيليون أمة عظيمة كالتي كانت في بغداد ودمشق وغرناطة، تحكم بالعدل وترعى العلم وأهله، وتوفر الملاذ الآمن لكل من يطلبه.

            أجل، إن الأمة اليوم لفي أمس الحاجة إلى عقول جبارة، ورؤى خلاقة، تقود الأمة إلى آفاق أرحب، وتعالج الواقع المرير الذي تحياه اليوم بما يكفل لها مستقبلاً زاهراً ومجيداً. ولا أرى عجباً في التوافق الفكري بيننا في ما نراه ضرورياً لنجدة الأمة وإقالة عثرتها، وعليه فقد بات لزاماً على كل مواطن أن يستشعر أسباب القوة في نفسه، وأن يتحسس ما يمكن أن يؤديه للمجتمع، برسم دور له ينهض به، وتحديد رسالة يؤديها، ذلك أن إنساناً بلا رسالة تجاه مجتمعه هو حيوان بل أضل سبيلا.

     

    دور المفكرين

              ولا بد من العمل، والقفز فوق الجراح، وابتكار الوسائل والأساليب الناجعة، بإسناد الأمور إلى أهلها، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتفتيق الأذهان عن آفاق أرحب، وأبعاد أعمق والانتقال من حضارة الألفاظ إلى حضارة المعاني، وتكريس الجهود لتفجير المجتمع عن طاقاته وما أكثرها وأكبرها، وهنا نؤكد على دور المفكرين في تمكين المجتمع من مناهج جديدة تحافظ على الثوابت، وتسعف في إِحداث التغير اللازم لمواكبة العصر ومعطياته.

            وما من شك في أن دورهم سيصطدم هنا أو هناك بالحواجز والعوائق، وربما جوبهوا بما يبعث الإحباط، ويقود إلى الاضطهاد، ولذلك فإن عليهم أن يتحدَّوا الواقع، وأن يمضوا قدماً في تذليل العقبات وإِحداث الثورة الفكرية، وهذا يقتضي انتظامهم في إطار يجمع شملهم ويوحد جهودهم، في نقابة عالمية أو مجمع علمي ( والفكرة في الجمعية العلمية الفلسطينية قائمة للإعلان عنه باعتباره أحد مرافقها ).

     

    مهمة شاقة، فماذا نفعل؟

            إن المهمة شاقة وعسيرة، وإن المخاض يوشك أن يبلغ حده، وقد اشتدت بنا الأزمات، ولكنها تكاد تنفرج .. وإلى أن يتحقق ذلك فإن علينا أن نتحسس الطريق .. وهذا أوان الشد.

            ماذا نفعل، وما هي الخطوات الإجرائية؟ تتمثل البداية في رصد الواقع وأحواله، وذلك يتمثل بإجمال في حال الموات والإفلاس التي يعكسها ظاهر الأمة، وطريقة تعاملها مع الأمم الأخرى، إذ تقف دائماً موقف المستضعف المستذل، بل الضعيف الذليل، في الوقت الذي تملك فيه من أسباب العزة والمنعة ما لا يملكه غيرها من الأمم، وتعود المسؤولية في ذلك كله على الذين يحولون دون نمو حركة الحياة الماجدة التي تؤْثر العزة والكرامة على ملء البطون، وهذا يعني أن على المجتمع أن يعيد سبك نفسه من جديد، وأن يعيد ترتيب أوضاعه ومراجعتها قبل أن يبحث عن الحل عند الآخر، لأن المسألة متجذرة فينا أولاً.

            والخطوة الثانية، أنه لا بد من مؤتمر يجمع المفكرين المسلمين من كل مكان، على غرار ذلك المؤتمر الذي عقد في بنغازي سنة 1974 لو أتيح له أن يفلح في تطبيق ما توصل إليه، وعلى المنظمتين الإسلامية والعربية للتربية والثقافة والعلوم والمحافل العلمية العربية وغيرها أن تنهض بهذه المهمة، وأن تمهد لذلك بحملة توعية تهدف إلى إشراك جميع المواطنين في التخطيط لمستقبل الأمة، وإلى بعث الحمية الوطنية( بمفهومها الإسلامي الشامل) فيهم.

            والخطوة الثالثة: أن تقدم في هذا المؤتمر أوراق علمية فيها جديد، لا أبحاث على غرار ما يقدمه كثير من أساتذة الجامعات للترقية، وهذا يستدعي أن تقوم على المؤتمر لجنة علمية محنكة تُحْسِن وزن الأمور، فلا تجيز إلا ما فيه إبداع فعلاً.

            والخطوة الرابعة: أن تستخلص الرؤى الجوهرية المبثوثة في أوراق المؤتمر، ويصار إلى صياغتها في " ميثاق عظيم " تفرز له أمانة تتولى تنفيذه.

            وأخيراً، تأتي الخطوة الخامسة، بيضة الديك، اختراق حاجز الصوت، الخطوة البراقية، تفجير الذرة: كسر قشرة اللوز بواسطة النامية التي بداخلها، أعني أن تتمكن الأمة من التنفيذ بإلزام السياسي بالاستجابة لمطلب الثقافي، فكم من توصيات اتخذت حال السياسي دون تنفيذها، لأنها تتجاوز الإقليمي إلى الإسلامي بمفهومه الشامل.


    بريطانيا لم ترحل عن فلسطين بعد*

    قدمت للنشر في جريدة القدس،

    ولكن الرقيب لم يجزها.

     

            ابتلي العالم الإسلامي، ومنه الوطن العربي، في أواخر الحقبة العثمانية بما يمكن أن نسمية بالهزال الحضاري، فأغرى ذلك خصوم الأمة بها، مما حدا ببعض القادة إلى التفكير ملياً بالأمر على طريق محاولة إنقاذ الموقف والتعامل مع التحديات المحدقة بما تقتضيه، فكانت محاولة محمد علي باشا إنشاء امبراطورية عربية إسلامية قادرة على مجابهة المكائد الغربية والتصدي لها، غير أن محاولاته لم تنجح، إذا اعتبرت خروجاً على سلطان الخليفة، واستشرت المخاطر، وعم البلاء والفساد، وراحت القوى الغربية المعادية تتغلغل في فكر الأمة فكان الفكر القومي على طريق تفكيك الرابطة الإسلامية، بل لقد تخطى الأمر هذا الحد إذ ما لبثت الأفكار الإقليمية، ومنها بعث الكيانات والمسميات القديمة، حتى انتشرت، مما سهل على الدول الغربية اقتسام تركة " الرجل المريض "، وكانت فلسطين من حصة بريطانيا، لتزرع فيها كياناً غربياً يدَّعي حقاً فيها.

     

    بريطانيا واليهود:

              في الوقت الذي أعد فيه شكسبير قصته " تاجر البندقية " وعكس فيها وجهة نظر بعض الأوروبيين في اليهود، وموقفهم منهم، ذلك الموقف الذي جسده مضخماً هتلر في ما فعله باليهود، كانت هناك جماعات أوروبية تنظر تجاه اليهود نظرة مختلفة جداً، وأعني على وجه الخصوص " البيوريتانيين " الذين كانوا يرون ضرورة مساعدة اليهود للعودة إلى أرض ميعاد آبائهم وأجدادهم!! تمهيداً لعودة المسيح عليه السلام إلى الأرض؛ من وجهة نظر بعض الكنائس.

            وفي أواخر القرن التاسع عشر تبلورت فكرة الصهيونية، وبدأت عملها المكثف لجمع شمل اليهود وتوطينهم، وكان ما كان من دعمهم دول الحلفاء في الحرب الأولى، ودورهم في تقويض دولة الخلافة الإسلامية، فنالوا بذلك عطف الدول الغربية، ووقع الاختيار على فلسطين لأسباب عدة أهمها:

    1-  الانسجام مع الرؤية الدينية ( المشتركة ) بين بعض الكنائس واليهود.

    2-  موقع فلسطين الاستراتيجي من العالم بأسره، والإسلامي بوجه خاص.

    3-  تحقيق ثارات مزعومـة على نحو ما يتضح في أقوال قادة الجيوش الغربية التي اجتاحت  شرق المتوسط بعد الحرب الأولى أمثال جورو وألنبي، واليهود عندما دخلوا المسجد الأقصى سنة 1967م عندما هتفوا: محمد مات، خلّف بنات.

    الاستيطان والاستعمار:

            وقعت فلسطين تحت الاستعمار الإنجليزي ابتداء من عام 1917، ولكن حركة الاستيطان اليهودي المنظم بدأت قبل ذلك دون موافقة السلطات العثمانية، ولما كان الغرب حريصاً على فصل المشرق العربي عن مغربه، فقد سارع إلى تنشيط حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين، وارتفعت درجة التناغم الديني بين الإنجليز واليهود حتى أن وزير الأشغال البريطاني في أوائل العشرينات من القرن الماضي صرح علناً أنه يتمنى أن يكون على يديه هدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث !!

            وما أن كان 15/5/1948 حتى خرجت بريطانيا من فلسطين بعد أن مكنت اليهود منها بقوة السلاح، وبحيل مررتها عبر عصبة الأمم والأمم المتحدة التي لم تكن يوماً في غير خدمة اليهود وأغراضهم، فأعلن اليهود استقلالهم في فلسطين تحت اسم " إسرائيل " التي ما لبثت أن دخلت الأمم المتحدة، وانتقلت إلى رعاية أمريكية بدلاً من البريطانية، لم لا ونجم أمريكا أخذ يسطع بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية؟!

     

            وخلاصة للفقرات السابقة، نستطيع أن نقول إن الكيان السياسي الذي سعى إليه هرتسل ومرره بلفور في وعده، وتعهدت مراحل إعداده وطبخه على أرض الواقع بريطانيا المستعمرة … إن هذا الكيان هو بذرة ونبتة بريطانية، بعبارة أخرى فإن بريطانيا لم ترحل عام 1948 عن فلسطين إلا بعدما وضعت لها وكيلاً فيها يواصل تنفيذ مخططاتها وسياساتها، مما يعني أن بريطانيا ما تزال تحتل فلسطين بواسطة وكلاء يتفقون معها في التوجهات والأهداف والمنطلقات.

     

    عود على بدء:

            قلنا إن البدايات كانت في أواخر الحقبة العثمانية عندما خارت عزيمة الدولة العثمانية لأسباب داخلية وخارجية مختلفة، وعندما تسرب الفساد إلى البناء الثقافي والاجتماعي، فأصبح الإصلاح السياسي والاقتصادي مستحيلان؛ لأن متانة الأوضاع في هذين المجالين إنما تقوم أساساً على متانة البنية الثقافية والاجتماعية، أي أننا نستطيع أن نقول، ونحن على ثقة، إن جذور القضية متصلـة بضعف الوعي والفاعلية الثقافية والرابطة الاجتماعية، بلفظ آخر: كان يمكن لآبائنا أن يتصدوا للمخطط اللاهوتي الغربي المنسجم مع الرؤية الصهيونية لو كانوا يعون أبعاده، وكانوا يعيشون أوضاعاً ثقافية واجتماعية سليمة ... لقد كان الأوروبيون والصهاينة متقدمين على مجتمعنا قرنين من الزمان في البعد الحضاري!

     

    أجواء النكبة:

            شعب مسحوق يعيش حياة ساذجة، وقيادات سياسية متنافسة، وأنظمة عربية تحت الاستعمار أو في ركابه، واختراقات غربية وصهيونية على غير صعيد واحد، وأمة تتثاءب على بوابة النوم، مطمئنة إلى عددها واتساع بلادها، ومتسلحة بأمجاد الغابرين، ... وفي المقابل جماعات مسلحة تعي ما تريد، وتعمل وفقاً لمخطط مدروس، ودعم من هنا وهناك، وفتيان مسلحون، وسفن ما أن تصل إلى الساحل حتى تحرق، وقيادات سياسية متعاضدة، وإدراك حقيقي للمخاطر المحدقة ... وفي منطقة بين زماننا وزمانهم صحا الناس على أخبار المجازر وأزير الرصاص، لقد خرجت أمي تقودنا، أو تسوقنا ثلاثة، واحد في حضنها، وثان يمسك بطرف ثوبها، أما الثالثة، وكانت وسطاً بين الاثنين، فلم تقو على السير، فضاعت بين بساتين البرتقال وغفلت عنها أمي ...وخرقة أمي علقت بشجرة برتقال، فولت، ولم تعقب، خرجت حاسرة الرأس ... ولم تمض ساعة حتى جاء ذلك العجوز " صالح الجبر " ينادي في النساء من منكن أضاعت ابنتها؟! ... فصاحت أمي: فاطمة! " حبيبتي يابنتي " ... كان، رحمه الله، قد سمع صياحها لا خوفاً، فهي لا تعرف بعد معنى الخوف، ولكن شكوى إلى الله من المجهول.

     

    ولادة المخيم:

            تناثر الفلسطينيون حول ما احتل من بلادهم، وأووا إلى ملاجئ من الصفيح والخيام، ذلوا بعد عز وصحوا على النكبة بأبلغ معانيها وأشدها إيلاماً، لو كان ذلك مجدياً.

            إن المخيم يجسد التمزق الاجتماعي، ويعكس نمطاً من أنماط  التجمع البشري غير المتجانس، وازدادت فيه الغربة الثقافية، على الرغم من تنامي روح السخط والتمرد، لولا الظروف الاقتصادية والسياسية التي طوت كثيراً من مظاهرها، وبالرغم من ذلك رفع الشعب راية النضال، فكان ما كان ممالا يخفى على أحد، من حلو ومن مر، على الساحة الفلسطينية أو على الساحات العربية والإسلامية ... ودخلنا بعد ذلك كله نفق نتنايوهو الأنجلوسكسوني.

     

    نظرية البالون:

            إن قيام إسرائيل في هذا الموقع من الوطن الكبير، وربط ذلك بالوعي والحدم الاجتماعي، يمكن أن نمثل له ببالون منفوخ أو بقربة ممتلئة لا يسقط عليها شيء حتى يريد عنها، لكن، إن نحن قللنا الضغط فيهما عن طريق تنفيس البالون وتسريب الماء فإن أي جسم يسقط عليهما يجد فيهما متكأً مريحاً، حتى إذا أعدنا شحنهما بالهواء والماء فإنه يسقط عنهما تلقائياً.

            وترجمة ذلك سياسياً، أن إسرائيل قامت في هذا الموقع في ظل ظروف من التراخي والهزال، وافتقار المجتمع إلى قوة الحدم التي تولد الضغط الداخلي الكفيل بالمحافظة على السطح مشدوداً متوتراً يحول دون ثبات الأجسام الغريبة فيه، وعلينا، إن نحن أردنا لهذا الجسم أن يزول عن موضعه، أن نعمل على زيادة عوامل التفاعل الداخلي ورفع وتيرة الحدم، بمزيد من الوعي والترابط الاجتماعي.

            وجدير بالذكر أن القوى المعادية ( الغربية والصهيونية ) عملت ما وسعها الجهد على إضعاف هذه العوامل، لإخماد جذوة التغير والتفاعل لتظل قوة الحدم دون الحد اللازم لضمان بقاء هذا الجسم في موقعه، أجل، إن المسألة هكذا بكل بساطة.

     

    إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني:

            في ظل الحقائق السابقة، تسلسل الأحداث المدروس، فإن كثيراً من الجهود المبذولة، سابقاً، وما تزال، لن تتمخض عن أكثر مما تمخضت عن " طبخة الحجارة " التي قرأناها في سيرة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ليلة خرج يتفقد أحوال رعيته، وما كان من أمر العجوز، ومن هنا، كان على الشعب الفلسطيني تحديداً، وبقية أمته عموماً، أن تبحث عن خيارات جديدة، مدروسة محكمة التوثيق والتخطيط، للتعامل ليس مع إسرائيل فقط، بل مع المعسكر الغربي برمته، إذ أن كثيراً من دوله ما زال يضمر العداء للأمة، ولكن، لما كنا لا نملك أن ننشط في أرجاء الوطن الكبير، فإننا على الأقل، قادرون على معاودة النشاط بين أبناء شعبنا في كل مكان، عبر المؤسسات الفلسطينية القائمة، أو مباشرة بالتفاعل مع الجماهير حيثما كانت على طريق تأسيس مؤتمر عام عالمي يجمع شتات الشعب، وينظم صفوفه، وتأطير جماهيره في منظمة التحرير – بإعادة الحياة إليها، أو في أي بناء تنظيمي آخر كخطوة أولى لإنجاز المهمة الأصعب، وهي العمل على إحداث التغيير اللازم لتجاوز الظروف الراهنة، والتنقير عن منهج نضالي جديد، وأخطر مجالات العمل على هذا الطريق هي:

     

    إعادة البناء الثقافي والاجتماعي:

            إن القضية الفلسطينية في جل أبعادها هي قضية " وعي " كانتكذلك وما تزال، ووجه استمرار تلك الحقيقة أن المفاوض الفلسطيني ما زال يستند إلى الشرعية الدولية، وإسرائيل مخالفة لها، وإلى ما تسعف به الظروف دون أن يكون لنا فيها – الآن على الأقل – دور يذكر … فنحن لا نملك شيئاً، وإن كنا نملك ما هو كثير طائل، لولا أن السياسي الفلسطيني كبل نفسه بقيود فرضتها إسرائيل وأعوانها، وتخلقها الظروف التي يلعبون في تحريكها وتخليقها دوراً فعالاً.

            على أية حال، يمكن القول، إن آباءنا لو كانوا يعون أبعاد الاستيطان المبكر، ولو كان سماسرة الأرض يعلمون مدى الخطر الذي يجرونه على مجتمعهم، وسماسرة التبعية الثقافية، ومروجو الأمراض الاجتماعية والتقاليد المستوردة … لما سمحوا لما كان بأن يكون.

            وقد قرأنا في الآونة الأخيرة كتاباً جريئاً يضع الإصبع على الجرح مباشرة، هو " لا تخف " لمؤلفه عبد الرحيم عراقي من الطيرة، وضح فيه أن تأخرك عن القيام بعمل كفاحي ما بسبب خوفك من العواقب، يؤدي في الغالب إلى خسارة أكبر، وإلى عواقب أوخم … تماماً مثلما يقول حكماء الشعب " مجنون برمي حجر في بئر مئة عاقل ما يطلعوه ".

              مما تقدم، نستطيع أن نقول: لا بد للنجاح في إحداث التغيير اللازم من وعي ثقافي وتكافل اجتماعي. فأين نحن في الواقع من ذينك الشرطين!؟ ولما كان من الصعب التفريق بينهما في المعالجة، فإننا نكتفي بالإشارة إلى الواقع الذي يحياه الفلسطينيون في الوطن والمهجر.

    أ- في الوطن:

    1-  عبر الخط الأخضر(الأحمر فعلاً)([5]) حيث تمكن الإسرائيليون من دك البنيان الاجتماعي للفلسطينيين، وحولوهم إلى " جوييم " يعيشون في " جيتوات "، اللهم إلا من قريب.

            كما تمكنوا من فكفكة البنيان وخلخلته، فبعد أن كانوا شعباً واحداً، إذا بهم أقليات من مسلمين ونصارى، ودروز، وشركس، وبدو، وكم نجحوا في إغراء بعضهم ببعض، كما حدث في يافا والرملة والجليل ومؤخراً في عيلوط ومصمص، ناهيك عن ملاحقتهم أهل القرى بعدم الاعتراف بكثير منها، وتقليص أراضيها، وتهجير البدو من مساكنهم، ونحو ذلك من الممارسات التعسفية، وإخضاع الجماهير إلى الرؤى الثقافية الإسرائيلية.

     

    ب-  في الضفة الغربية:

            يعيش الفلسطينيون في الضفة والقطاع حياة متباينة الأطوار من جهات مختلفة. فإلى جانب الدور الإسرائيلي في صياغة الحياة هناك، نجد بعض العلل التي تترجم أثر الثقافة التي سادت في أواخر الحقبة العثمانية وأبان العهد الاستعماري المباشر، نعني الطبقية والإقطاع، إلى جانب ما يمكن أن نسميه بظاهرة المخيم الذي حافظ على حياة الذاكرة بأوضاعه المؤلمة، والتي ما تزال تستنهض العزائم لولا ما أحدق بالشعب من المستجدات والمخاطر قبل أوسلو وبعدها.

            إن المخيم ما زال يدفع الثمن غالياً، في الوقت الذي توقف فيه غيره عن دفع أي ثمن بل، على العكـس من ذلك، يمكن أن نقول، وبصراحة، إن غيره بدأ يقبض الثمن، ويجني الثمر … أعني هذا التحسـن في أوضاع المدن والبلدان المختلفة، نعم ربما كان هناك من يقول إن مشكلة اللاجئين ( المخيم !! ) ستحل – إن شاء الله – في وقت لاحق … لكن هذا القول دليل على أن المجتمع مجتمعان، فلا يصح – إلا في عرف الهزيمة – أن يتقاسم قوم الغنيمة، ويطلب من غيرهم أن يظلوا على الجبل إلى أن تنفضَّ المعركة – التي لا دور لنا فيها سوى انتظار نتائج الأفعال والضغوط التي يمارسها غيرنا على خصمنا الشائك.

            إن مجتمع الضفة الغربية والقطاع في أمس الحاجة إلى دمج قطاعاته، ونسف القيم الظالمة التي تسوده، ما كان منها نتاج الحقبة العثمانية وما كان نتاج الحقبة الاستعمارية المباشرة والاحتلال الإسرائيلي من بعد. بعبارة أخرى إن مجتمعنا بحاجة إلى إعادة تنظيم على أسس سليمة تستمد من قيمنا – هذه القيم التي نحولها في أفواه طلابنا على مقاعد الدرس إلى طبول جوفاء بما نمارسه من أعمال ونشاطات تناقضها على أرض الواقع.

            إني أتساءل عن شكل الوحدة الاجتماعية الذي يمكن أن نجده بين مخيمي الجلزون وقلندية من ناحية ورام الله البيرة من ناحية أخرى، وبين نابلس وكل من مخيماتها بلاطة وعسكر وعين بيت الماء؟!

            ربما ساء بعض القراء أن يقرأ ذلك، فبادر إلى إتهامي بإثارة الفتنة … يالها من حقيقة قديمة جديدة مؤلمة في تاريخ الأمة … حين يعد نقد الواقع فتنة … إنها فتنة ألفناها على صفحات القرون من قديم … وما تزال.

            إن البيئات الثقافية المتباينة في الأرياف والمدن والمخيمات لتقوم دليلاً قاطعاً على سوء ما نحن فيه، لو كنا نشعر، وندرك أن هذه الحقيقة المرة لا بد لها من أن تترك بصماتها على أي مشروع نضالي كأوضح ما تكون وأخطر ما تكون … ولا يضاهيها في ذلك أي تباين كان اقتصادياً أم مدنياً أم غير ذلك. لأن دور الثقافة في صياغة الإنسان والمجتمع هو الأعمق، والأبعد أثراً، وأكثر استمراراً على مر الأيام.

    ب-  في المهجر:

            تعددت مهاجر الفلسطينيين خارج الوطن وتباينت، فمنها – أولاً – ما كان نتيجة للنزوح الاضطراري، ومنها ما كان اختياراً، وسنتناول الظاهرة الأكبر، وهي المخيمات في كل من دول " الطوق " ثم المهاجر العربية طلباً للعمل، والغربية ما كان منها طلباً للعمل فتحول من بعد إلى تهجير أو توطين تآمري يهدف إلى إفراغ الوطن، وتذويب الشخصية الفلسطينية وامتصاص كثير من طاقاتها.

     

    1-  المخيمات الفلسطينية في الدول العربية:

            خرج الفلسطينيون الخروج الأول عام 1948 فتركز معظمهم في ما تبقى من فلسطين وشرقي النهر في المملكة الأردنية الهاشمية، وبنسبة أقل في سورية ولبنان، وبنسبة أقل منهما في كل من مصر والعراق.

            تشكل المخيم هناك، كالمخيم في الضفة الغربية والقطاع من أشتات قدموا إليه من أصقاع الوطن المستباح، قلما نجد أسرة ممتدة اجتمع شملها في مخيم بعينه، بل الغالب في ذلك أن جل الأسر تمزق شملها في عدة مواقع وبلدان … يا لها من ضيعة.

            وفي عام 1967 كان الخروج الثاني، وتركز الهائمون في الأردن، وقليل منهم التحق بأقربائه – لاسيما بعد اشتداد عود الثورة الفلسطينية – فتوجه إلى سورية ولينان، وتفاقمت الأوضاع الاجتماعية – والثقافية من بعد – إلى حد كبير، وانخرط كل جمع مع من يليهم من العرب، وداخلوهم حتى عدوا منهم، أو كادوا، وتخلَّقوا بأخلاقهم، أو العكس، وفي بعض المخيمات – سورية – حافظ الفلسطينيون على هويتهم، وأوتوا من الحقوق ما أوتي السوريون، وفي بعضها الآخر – الأردن – اندمج الفلسطينيون مع الأردنيين في وحدة شعبية لا مثيل لها، وحصلوا على حقوق الأردنيين كاملة، لولا أن المخيم ظل مخيماً، وظلت أدواؤه كما كانت، ولم تتغير أحواله على مدى خمسين عاماً تقريباً بالرغم من اشتغال أبنائه في الوظائف الرسمية وفي الدول المجاورة – الخليج وليبيا -، وبالرغم من بطاقة التموين؟؟

     

            بعبارة أخرى، إن ظروف المخيم الاجتماعية واحدة في الوطن والمهجر، وهي من الصرامة والبؤس والحرمان والاكتظاظ والتخلف بمكان يصعب وصفه، لا سيما مقارنة مع المدن المحيطة بها هنا وهناك.

            وقد سمعنا في الآونة الأخيرة عن برنامج للأمم المتحدة يعمل على التنمية الشاملة للمخيمات ولبقية أرجاء الوطن، وهنا، نتساءل: لئن كان بؤس المخيم سابقاً هو الذي حافظ على اتصال القضية الفلسطينية بجذورها، وأسهم في تأجيج الثورة والانتفاضة، فهل تهدف الأمم المتحدة من وراء ذلك إلى نزع الفتيل، بعبارة أخرى إلى خصي المخيم؟ لكن! أليس للمخيم حق في التنمية … ؟ نعم … ولا …

            الوجه الصحيح في ما نرى أنه لا بد من دمج أبناء المخيم في جملة أبناء الشعب مسكناً ومكاناً واقتصاداً و … باعتباره شعباً واحداً، كما يجب – أيضاً – وبالمقابل – دمج قضية المخيم في قضية عموم الشعب، أي بحيث تصبح قضيته قضية الشعب كله، وألا يهدأ بال لجميع قطاعات الشعب حتى تحقق حلم المخيم – وهو حق – في العودة وتقرير المصير … لا أن يظل المخيم مسيح الشعب … ودافع الضرائب الأول على طريق التحرير التي وصلت إلى سد منيع، أو توقفت وانتهت عند بعض أبناء الشعب.

     

    2-  المهاجر الاختيارية:

    أ-  في البلدان العربية، وغالباً ما يكون الوجود الفلسطيني فيها نتيجة لطلب العمل في هذه البلدان، وربما توطن بعض الفلسطينيين في هذه البلدان بشكل اضطراري، أو تقادم عليهم العهد فيها حتى اندمجوا مع أهلها بالتصاهر والمشاركة ونحو ذلك، ولعل أكبر التجمعات التي شهدتها الدول العربية من هذا القبيل ما كان في الكويت قبل عام 1990، ثم في السعودية فليبيا وهكذا.

            وبالرغم من تفاوت أوضاعهم في هذه البلدان وغيرها إلا أنهم يظلون فيها عرضة للتقلبات التي تطرأ بين حين وآخر، على نحو ما جرى في الكويت عقب عام 1990 وليبيا بعد عام 1993، ولذلك فهم يحافظون على علاقات وطيدة مع امتدادهم في الأردن وسورية والضفة والقطاع.

            وتتسم أوضاعهم الاجتماعية بعلاقات ضعيفة مع من حولهم، وقلما نجد طابعاً فلسطينياً تمتاز به تجمعاتهم أو محافلهم، بل الغالب أن يطغى عليها البعد العربي والإسلامي استجابة للظروف الاجتماعية السائدة في الأوساط التي يعملون فيها.

    ب-  في البلدان الأجنبية ( أوروبا وأمريكا )

            إلى جانب الأعداد الغفيرة من الطلاب الذين يتوجهون إلى دول المعسكر الشرقي سابقاً – وهي لا تختلف في أثرها الاجتماعي والثقافي عن الدول الغربية، إذ يكثر أن يعود الدارس متزوجاً من أجنبية – هناك عدد قليل منهم يتوجه للدول الغربية، وهم غالباً المبعوثون وأبناء الطبقة الغنية، والمؤسف حقاً أن نسبة من هؤلاء تؤثر البقاء في البلدان التي درست فيها لتعمل ضمن ظروف أفضل، ومع مضي الزمن تنزرع في تلك البلدان دون أن تنقطع علاقتها بالوطن وأبنائه، ولكن روح الانتماء لديهم تخفت تدريجياً، لا سيما في الأجيال اللاحقة، ويقتصر الأداء على الدعم المادي.

            وهناك تجمعات فلسطينية لا بأس بها في الولايات المتحدة الأمريكية وكنده وألمانية وأسترالية والدنمرك، وفي غيرها، ولكن بنسبة أقل. والمؤسف أن من هؤلاء من يستجيب لظروف " الوثيقة "([6]) وضيق المخيم، وتكاليف الحياة، فيسقط في شرك التهجير المبرمج ممثلاً في ما يعرف بالتوطن في تلك البلدان وحمل جنسيتها، أو بالحصول على الإقامة الدائمة أو ما يعرف بالبطاقة الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكيةGreen Card.

            والمثير للاشمئزاز أن نجد بعض الدول الغربية ( أستراليا على الرغم من موقعها، والولايات المتحدة وكندا ) تطرح من حين لآخر برامج هجرة مدروسة، وهي غالباً ما تستهدف الفلسطينيين في الأردن ومصر ولبنان إضافة إلى الضفة والقطاع، وكثيراً ما يستجيب لها الذين أحبطتهم الأوضاع على الصعد المختلفة – وطنياً وقومياً وإسلامياً، بل دولياً، حيث إن الأمم المتحدة تبني أحكامها وقراراتها على اعتبار نكبة الشعب الفلسطيني واقعاً لا سبيل إلى رفضه، بحجة أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء … بينما قبلت لليهود أن يعيدوها للوراء عشرين قرناً.

     

            إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني دون غيره من شعوب المنطقة، هو حصاد ما زرعته بريطانيا، وإن كل التراكمات وإن أدت، مع الزمن، إلى تغيرات طالت النوعية، وزورت التاريخ، وفتنت الشعب، وزلزلته حتى انقسم على نفسه في الآونة الأخيرة بين راض بأوسلو وساخط عليها، وبين قابل بالتعويض ومصر على حقه في العودة، ولو أدى ذلك إلى تكسر مسننات ساعة الزمن … إن هذه التراكمات والمآسي التي تعرض لها شعبنا في الوطن والمهجر، بكل فئاته، وتناقضاته، لهي من صنع بريطانيا، وأنها بذلك المسؤولة الوحيدة، بالدرجة الأولى عما آل إليه أمر القضية، وحال الشعب، تشاركها في ذلك الولايات المتحدة، وريثها في تبني الحركة الصهيونية ابتداء من أواخر الحرب العالمية الثانية، والأمم المتحدة – المتحيدة – التي أثبتت عجزها عن إحقاق الحق، وخدمتها للقيم التي تنسجم مع الفكر الصهيوني كالعولمة والنظام العالمي الجديد، والخصخصة، ونحو ذلك.

            إن على بريطانيا أن ترحل من بلادنا، لتنال استقلالها، وإن عليها أن تفكك مستوطنتها التي زرعتها لتفصل بين مشرق الوطن ومغربه، أو على الأقل، أن تعمل، مع غيرها، لإعادة هيكلتها بحيث يعود كل الفلسطينيين إلى وطنهم، وتقام، من ثم، دولة ديمقراطية، أو أن يعود الحكم في البلاد لأهلها، أما اليهود، فلهم في البلاد متسع، وتلك أملاكهم في أوروبة والوطن العربي ما تزال قائمة، فليعد كل إلى المكان الذي جاء منه، وكما تمحو أوروبة وأمريكا اليوم نتائج الحرب الأولى وتعيد التاريخ للوراء، فتفكك الاتحاد السوفييتي واليوغسلافي … وتعقد مؤتمر مدريد في حضرة التمثال الذي يجسد تسليم مفاتيح غرناطة أذانا بالسقوط النهائي للأندلس، فإننا لقادرون – ولو طال الزمن – على أن نعيد عجلة التاريخ – مثلهم – إلى الوراء، ونقول لأمريكا لن نكون هنوداً حمراً في وطننا.

            ونقول لأوروبا لن نكون غساسنة ولا مناذرة، فالإمبراطورية الرومانية انهارت من قديم، بشهادة جبن Gibbon.

            ونقول لليهود لن نكون " قنية سارة " أبداً، أبداً، فإن كنتم جميعاً تريدون السلام، فإن للسلام طريقاً آخر ندعوكم إليه.

     

     


    ([1])  مجلة الخفجي السنة 23 عدد 8 سنة 1414 ص 44، 45.

    ([2])  نشرت هذه المقالة في جريدة الدستور الأردنية 3/1/1990، غداة مقتل تشواتشيسكو.

    ([3])  نشرت هذه المقالة قبل أحداث كاليفورنيا في الولايات المتحدة.

    ([4])  كتبت هذه المقالة قبل تراجع الشاذلي بن جديد عن " الديمقراطية " التي مكّنت " الإسلاميين " من الفوز.

    ([5])  أتدرون لماذا الأحمر: لأنه لا يصح اجتيازه إلا لسائح أو عامل … سائح في وطنه أو خادم يعمل عند اليهود.

    ([6])  نقصد الوثيقة المصرية واللبنانية التي تمنح للفلسطينيين وتحول دون دخولهم مصر ولبنان في بعض الأحيان.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me