An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, January 18, 2010
  • ما تعجز الترجمة عن أدائه
  • Published at:وقائع المؤتمر الدولي ( دور الترجمة في حوار الحضارات2)جامعة النجاح 2009م
  • أ.د. يحيى جبر

            يدور هذا البحث حول فكرة محدودة تتمثل في أن من شأن الترجمة أن تمهد لعلاقات طيبة بين الأمم، نظرا لما تقدمه لكلا الطرفين  من أرضية مشتركة في المعارف تقود إلى خلفية ثقافية موحدة تمثل مدخلات تنتج مخرجات متقاربة إن لم نقل متطابقة. يضاف إلى ذلك أن المعرفة المتبادلة من شانها أن تكسر الحواجز بين الشعوب، وتفضي إلى الألفة والتقارب بينها، على نحو ما نجده بين أفراد المجتمع الواحد، فمن تعارف منهم ائتلف، وإلا فهو مختلف قد يقوده اختلافه إلى الصدام. ورد في الحديث: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

            لكن، وفي أحوال معينة، فإن الترجمة تعجز عن اداء هذا الدور، وتكشف عن ثقافة تقوم على العدوان والاستعلاء تقود إلى تكريس الخلاف والاختلاف، بل إلى تجذير العداء، فقد يترجم اللفظ إلى ما يؤدي معناه، ولكن المترجم مهما اوتي من الملكة اللغوية لن يستطيع ان يمكيج الألفاظ، فتظل تفوح بروح العداء والعنصرية والاستعلاء.

            ويسوق الباحث أمثلة من المعجمات المختلفة، وما تكتنفه بعض مفرداتها من دلالات سلبية، الصليبية والجهاد والإرهاب والبربر والجوييم، ونحو ذلك كدلالات الألوان وغيرها.

            ويخلص الباحث إلى بعض النتائج في مقدمتها أن الأمم إذا أرادت أن تسعى إلى تحقيق مجتمع العدالة والمساواة على صعيد البشرية بأسرها، فإن عليها أن تراجع معجماتها وتجتث منها بعض المفردات أو أن تسعى إلى تغيير دلالاتها، والاعتذار للآخر عنها، أو على الأقل، أن يقبل كل منا الآخر على ما هو عليه دون أن يكون لمعتقداته دور في توجيه علاقته بالآخر؛ لو كان ذلك ممكنا. كأن نتعاون في ما نشترك فيه، دون أن يؤدي ما نختلف فيه إلى الاصطدام، على أن يظل باب الحوار مفتوحا، عسى أن نتوصل إلى قواسم مشتركة ولو بعد حين.

     

     

     

     

     

     

    مدخل

     

    يتناول الباحث في هذه الورقة موضوعا واسعا سيجتهد في لملمة أطرافه لتقديم تصوّر شامل لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين الحضارات في المستقبل القريب، ولا أقول البعيد؛ لأن الزمان يتقارب، والمكان يُختَزَل، فهذا زمن باتت فيه السرعة تتواتر على شكل متوالية هندسية، ولعل هذه الحقيقة هي التي مكّنت الباحثين من تناول الموضوعات التي يتمحور حولها هذا المؤتمر.

    ويعالج الباحث قضية التباين الفطري بين الشعوب، إذ أنها من المعطيات الفطرية المألوفة في كل زمان ومكان، ناهيك عما تؤدي إليه الثقافة المتوارثة والمكتسبة من أشكال التباين والاختلاف، وبهذا يكون الاختلاف هو الأصل، وتكون التعددية أيضا، وعلى كل صعيد، هي الأصل.

    ولما كانت حياة الإنسان، فردا كان أو مجتمعا، ممتدة في الزمان؛ ببعديه الماضي والحاضر، فلا شك في أنه بخضوعه لأثر الماضي فيه، وانجذابه لما يمكن أن يُستشرف من المستقبل؛ سيكون منهج تفكيره، ونمطه حياته منطبعين بالدوافع التاريخية أولا؛ وهو ما يطلق عليه اصطلاحا: أثر الماضي في صياغة الحاضر؛ ذلك لما ينطوي عليه الماضي من عوامل تمتد بجذورها في الزمن الذي تكوّن المجتمع عبر مراحله، والزمن الفردي الذي تتبلور فيه شخصية الفرد، ويتجسّد في اختيار المنحى الذي يسلكه، وبالجواذب المستقبلية ثانيا؛ ودورها في توجيه سلوك الفرد والمجتمع بوجه عام، آخذين بعين الاعتبار المستجدات المتلاحقة على الساحة الكونية، لا سيما أنها باتت تطغى بآثارها على جميع أهل الأرض؛ من شاء منهم، ومن أبى؛ إذ لم يعد ثَمَّ خيار لإنسان أن يعيش على وجه الأرض بعيدا عن المؤثرات الخارجية، ونتائج التفاعلات التي يشهدها العالم على كل صعيد، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحا " أثر المستقبل في توجيه السلوك".

    والمطالع في الواقع الذي تشهده العلاقات الدولية الراهنة، والأسباب التي أدّت إليها، يمكنه تحديد المؤشرات الإيجابية فيها؛ مما يمهد الطريق لدعمها وتجذيرها، ورصد المؤشرات السلبية في محاولة لاقتراح السبل الكفيلة بمحاصرتها تمهيدا للتخلص منها، ومعالجتها.

      ويستعرض الباحث آلية التفاعل البنّاء بين الحضارات، وكيف يمكن أن يتجاوز أهل الأرض أسباب الصدام والصراع إلى موجبات التفاهم والتعاون على طريق تحقيق القيمة العليا التي تسعى لها شعوب الأرض قاطبة؛ وهي السعادة القائمة على العدل والحرية.

     

    أثر الماضي في صياغة الحاضر:

     

    لا حاجة بنا إلى إطالة الحديث في هذا الموضوع؛ فهو من المسلمات التي لا تختلف عليها الأمم، وفي عقيدة الأمة وتراثها كثير من الإشارات التي تؤكد هذه الحقيقة، كالمعنى القرآني (إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) والأثر النبوي القاضي بأن المرء يولد على الفطرة وأبواه يكسبانه دينهما. ولا شك في أن كل ذلك ينتهي للناشئة عبر الوالدين ومن يقوم مقامهما من الأقارب والمدرسين وأجهزة الإعلام المختلفة، ولمّا كان للتعليم في العصر الحديث دور يفوق دور الأسرة في البناء والتوجيه، فقد أصبحت المدرسة أخطر العوامل المؤثرة في صياغة الحياة.

            وتختلف الأمم في أهدافها، وتتباين أغراضها، وإن كانت تسعى جميعاً إلى الارتقاء بمستوى الإنسان، لكن ذلك إنما يتم انطلاقاً من رؤى خاصة، تخضع لاختلاف العقائد والثقافات المكتسبة من الماضي. فالأجيال الراهنة هي نتاج الجيل السابق، وجبلت وفقاً لأفكاره وفلسفته، فالأمم "أفكار تمشي على أرجل رجالها، وهؤلاء الرجال حصاد عمل مسبوق بتصور في أذهان فلاسفة الأمم وعلمائها ورجال الفكر فيها من كل جنس وصنف من أصناف الفكر الذي يعمل على بثه ودسّه في عقول الأفراد نظام التعليم" (عصر، حسني عبد الباري، تشويه العقل العربي وهموم التربية اللغوية، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، 1999، ص5

    دور المناهج

    وتلعب المناهج أهم الأدوار في ذلك كله، ومن هنا كان لا بد من إحكامها لتنسجم مع تطلعات المجتمع المستقبلية، التي تسهم بدورها في توجيه المناهج لتكون مخرجاتها وفقا لحاجة المجتمع، مما يعني أن المناهج حصيلة قوتين هما:

    ·        الماضي بقضه وقضيضه

    ·        والمستقبل بتصوراته المختلفة وحاجاته المتوقعة

    ولا بد في إعداد هذه المناهج من مراعاة أن تسهم، في آخر المطاف، في بناء الحضارة البشرية، متناغمة مع غيرها من المناهج، مما يعني أن تكون خالية مما يتناقض معها، مع جواز اختلافها عنها.

     

    مكانة دروس اللغة:

    وتقع دروس اللغة القومية في مقدمة العناصر الفاعلة، ذلك لما لها من دور في صياغة أفكار الناطقين بها، وتوجيه أنماط حياتهم، فهي تختصر الماضي  وتركته الثقافية، وتُسرّبها عبر مفرداتها ونصوصها إلى أفكار أهلها جيلا بعد جيل، في الوقت الذي تستقبل آثار التفاعلات التي يشهدها المجتمع أولا بأول، فتصبح قادرة على تنوير الحاضر، ومد أهلها بما يمكّنهم من استشراف المستقبل. فهي كما قال دافيد لاتن: "رمز مركزي لهوية الدولة، وتَعمل كمؤسّسة ثقافية بالغة الأهمية ".

    (Latin David, D. (2000) "What is a Language Community?" American Journal of Political Science 44 (1):142-155)                          

    ولعل أبرز مظاهر الدور الذي تلعبه اللغة أنها لا تترجم الحاجات والأهداف التي يعبر بها عنها وحسب، ولكن دورها يذهب إلى هو ما أبعد من ذلك؛ إذ تؤدي عن من يتكلم بها ما يكتنف ألفاظه من مشاعر وأحاسيس ترتبط بالأجواء الثقافية التي تحفّ بالمفردة والعبارة، وبالأسلوب الذي صيغت به، فليس هناك مفردة إلا ولها تاريخ، ولا تاريخ إلا وهو مرتبط في الذهن الشعبي بإيحاءات وإيماءات تتفاوت في سلبيتها وإيجابيتها؛ مما يتسرب إلى أذهان الناطقين بها، ويؤدي، مع الزمن، إلى شيء من التجانس بين طرق التفكير والاهتمامات، والتوجه العام.

    ففي إسرائيل "لا يمكن الفصل بين الهدف التعليمي والهدف السياسي أو الاقتصادي ، فهذه الأهداف وغيرها تقوم عليها المؤسسة الحاكمة التي تأمر بتنفيذ الرؤى والمخططات اليهودية بما يعزز وجود اليهود ويدعم بقاءهم، وقد وصف شمعون بيرتز اللغة العبرية باللغة المقدسة، وعدّها لغة الصلاة والتراتيل والعبادات، وأعلن أن من أسباب عودته إلى أرض الآباء (فلسطين) هو رغبته بالعودة إلى اللغة إذ يقول: لم يكن بإمكاننا تصور عودة إلى الأرض من دون الرجوع إلى اللغة" (خلف ، عبد الله ، شمعون بيرتز ومستقبل إسرائيل ، صحيفة الوطن الكويتية ، الثاني من كانون الثاني عام 2003).

    ولا ينحصر دور اللغة "في التعبير عن عواطف الإنسان وأفكاره وإبلاغها للآخرين، بل يتعدى ذلك ليشمل عملية التوجه نحو الداخل (الذات والنفس ) والخارج (العالم والواقع) على حد سواء.( بركة، بسام.أبحاث ودراسات في اللغة العربية. الكتاب الأول، أكاديمية القواسمي. باقة الغربية، د. ت.ص3) ولعل هذا هو ما أراده عبد المعطي حجازي بقوله في رسالته مخاطبا زميله أمل دنقل:" إن صور الحياة اليومية في شعرك  تعبير عن عالم داخلي، لا عن عالم خارجي " (شاهين، عبد الصبور. العربية لغة العلوم والتقنية، دار الاعتصام. القاهرة 1986 ص نقلا عن جريدة الشرق الأوسط 14/12/1981).

    ولعل أجلى ما تتضح عليه صورة الدور الذي تلعبه اللغة في صياغة عقلية الفرد والمجتمع ـ ما ذهب إليه إدوارد سابير من أن " اللغة تنظم تجربة المجتمع" وهي التي تصوغ عالمه وواقعه الحقيقي، وأن " كل لغة تنطوي على رؤية خاصة للعالم"( بركة ص4).

    ولما كان للغة هذا الدور الخطير في تنميط الحياة البشرة، وصياغتها، وتوجيه مناهج الفكر، فإن ذلك يستدعي إحاطتها بمزيد من الرعاية والاهتمام، ويقدم الحلول لكثير من المشكلات العالقة في العالم، لا سيما تلك التي تتصل بالتباين الحضاري، والصراعات الإقليمية والدولية، مما يمكن أن تسهم اللغة في حله، أو التخفيف من حدته؛ ذلك أن الصراع على الأرض إنما يكون انطلاقا من صراع الأفكار الذي يتولد ويتفاعل في اللغة ومفاهيمها، وإذا كان القول المأثور" من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم" صحيحا في حال قيام العلاقة بين الطرفين على العداء، فإن تلك المعرفة ستؤدي في حال السلم إلى بناء علاقات حميمة وتفاعلات حضارية تقرّب بين الأطراف المختلفة، على نحو ما شهدته العلاقات العربية والفارسية والهندية في المشرق؛ إبان العصر العباسي، والعلاقات العربية والأوروبية عبر التخوم المتوسطية في العصر الأندلسي. ومن هذا القبيل أيضا ما تشهد البيئات اللغوية التي تشترك في لغة بعينها، كمجموعة الكومنولث، والفرانكفونية، ودول أمريكة اللاتينية الناطقة بالإسبانية، إذ تمثل الرابطة اللغوية رباطا متينا يوثق العلاقات التي تنتظم تلك الدول.(يحيى جبر. دور اللغة في التعاون والتقريب بين الشعوب، بحث مقدم للمؤتمر الذي ينظمه برنامج  تحديات البحث العلمي في الشرق الأوسط (MERC) في تونس 15-17/12/،2006  بعنوان:Developing Science and Rethinking Development, Towards a New Interaction Between Social Science Information and Public Interest”)

            وفي هذه الآونة، يتجه العالم بأسره نحو التوحّد والتماهي، بفضل ما أتيح لأهل الأرض من أسباب الاتصال والتواصل، مما يعني أن على جميع الأمم أن تصوغ عقول أبنائها على نحو ينسجم مع هذا التوجه، وأن تراجع مناهجها من حين لآخر لتكون منسجمة معه (updated). (راجع بحثنا دور المعرفة في تشكيل الذات، مجلة رؤى تربوية، مؤسسة القطان، العدد 21، 2006 وصياغة العقول، دراسة في الديمقراطية والأدب، بالاشتراك مع عبير حمد، مؤتمر الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي نظمته جامعة مؤتة صيف 2006)، فتضيف مواد تشترك فيها مع غيرها، وتعيد تقديم أخرى على نحو يجعلها صالحة للعيش المشترك, وهنا قد يطرأ السؤال التالي: على أي وتيرة يمكن أن يكون ذلك، وبالتزامن أم بحسب أهواء الأمم؟ والجواب على ذلك إنما يكون بالسرعة القصوى، وبالتزامن، لتحقيق الثقة بين الشعوب، وتقريب الفجوات النفسية بينها مما نجم عن تجارب الماضي. وهذا يقتضي أن يناط الأمر بمؤسسة دولية قادرة مستقلة تراقب وتتابع.

    ولو نظرنا إلى ما يوازي ذلك لدى الطرف الآخر؛ الكيان الصهيوني، لوجدناه مختلفا جدا، فمن ذلك أن المقررات المخصصة لتدريس اللغة العربية لأبنائهم تطفح بالعداء الحضاري للعرب والمسلمين الذين ينتمي إليهم شعب فلسطين، وتنم عن تخطيط وكيد مدروسين يجسدان الصراع،  ويكرسانه، فقد اطلعنا على كتاب اللغة العربية (لعله لطلبة الصف السادس)، ووجدت غلافه يوحى بازدراء للشعب الفلسطيني، ويتعمد تقديم صورة سلبية لنمط حياته، إذ كان عليه صورة مدخل قرية غير معبد، وفي الصورة بيوت بدائية، وفي خلفية الصورة مئذنة مسجد، وعلى قارعة الطريق وعاء للقمامة مُنجَفٍ وقد تراكمت القمامة من حوله. وربما كان هذا المشهد مألوفا في القرى والمدن، حتى عندهم، ولكن أن يُسلط الضوء عليه في غلاف كتاب القراءة العربية فذلك (عدوان حضاري).

    وإن العداء ليتجاوز النصوص الحديثة إلى المصادر التراثية والمعاجم اللغوية، سواء ما كان من ذلك في العبرية، أو في اللغات الأوروبية نقلا عن العبرية، ومن ذلك كلمة Saracens التي تطلق في العادة على العرب وأحيانا على الشرقيين، وهي مشتقة من " سارا كنوا" المحوّرة عن " قنيّة سارة" أي عبيد سارة، زوج إبراهيم عليه السلام، يريدون بذلك أبناء هاجر؛ إسماعيل عليه السلام وأبناءه، وهم العرب. فأنّى لنا أن نمحو هذه العقيدة اللاإنسانية التي تعشش في العقلية اليهودية، والتي انتقلت منها إلى عقليات شعوب غربية أخرى؛ إذ نجد الكلمة متجذرة في بعض المعاجم الأوروبية؟.

    وجدير بالذكر أن هذا الموقف يأتي منسجما مع عقيدة أخرى تتمثل في إطلاقهم اسم "جوييم" على الأغيار، أي على من سواهم، والنظرة الدونية التي تحملها هذه الكلمة في المعجم العبري.فالفلسطيني، بل العربي،  في أدبهم "لا يقتل إلا النساء والأطفال والشيوخ، ولا يعرف الرحمة ولا يهتم بالنظافة، وحين يقبض عليه اليهود يصبح جباناً ذليلاً ينفذ الأوامر كالعبيد ولا يجرؤ على الرفض، وحين تتاح له الفرصة يغدر ويكذب. إضافة إلى ما تترجمه مجموعة من القصص عن العرب التي يتم تعليمها للأطفال اليهود مثل "خريف أخضر"و"غبار الطرف "و" القرية العربية " وقد تم عرض هذه الصور المشوهة عن العرب لأن الصورة النمطية للشخصية العربية تتشكل في وجدان الأطفال اليهود منذ الصغر، كما يقول الباحث اليهودي" يشعيا هرويم "

     

     

     وهذا "إيلي فودا" يصدر دراسة تتقصى الأبعاد العنصرية في الكتب المدرسية اليهودية ، وقد صدرت هذه الدراسة في الجامعة العبرية في القدس وغطت ستين كتاباً مدرسياً ، وقد ضمّن الباحث دراسته تحليلا عميقا للكتب المدرسية اليهودية ورأى أنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي الموصوف في الكتب بالغش والتخلف والسرقة واستحالة التعايش معه.(سلفيتي ، أشرف ، هكذا يربي الإسرائيليون أولادهم ، http://al-shaab.org/GIF/21-02-2003/a21.htm)

    ثم كيف نتخلص من الدلالة المعجمية التي استقرت لدى الأوروبيين، ومنهم لدى كثير من أهل الأرض لكلمة بربري( barbarian) التي لم تكن تنصرف لأي دلالة منكرة، حتى استعملها الفرنسيون والأسبان لدلالتها المألوفة اليوم؛ التي تقع على معنى ( الهمجي، أو المتوحش)، هذه الدلالة التي تشكّلت جراء ما ألحقته بهم قبائل البربر من هزائم عندما هاجموها في عقر دارها؟.

    كيف للترجمة أن تغير دلالات الألوان لدى أولئك الذين يوظفونها في عقيدتهم علامة فارقة بين مستويات وطبقات بشرية نازية، على نحو ما حلل به الطبيب بيتر إدموندس عام 1975 اختلاف ألوان البشر إذ قال: دعا الله الناس للتطهر من ماء مقدس أنزله لذلك الغرض،فبادرنا " يقصد الأنجلو ساكسون" إلى الاستحمام به، ولذلك فألواننا بيض، وتأخرتم أنتم العرب فلم تدركوا إلا قليلا من الماء فمسحتم منه على أبدانكم فإذا انتم سمر، أما الزنوج فلم يستجيبوا لداعي الله الا بعد فوات الأوتن، فلم يجدوا غير رطوبة في الأرض بسطوا عليها أكفهم، فلذلك لم يبيض منهم سوى أكفهم وأخمص أرجلهم.( كان ذلك حين كنا في الصحراء الكبرى عاملين في شركة الحفر العالمية بليبيا)..

    وفي الأيام الأخيرة نشرت جريدة الأيام 22/10/2009م مقالة لدان شيفتن بعنوان "العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري" فما أدري كيف يمكن للترجمة أن تجسر الهوة بين الشعوب وهي تدين بما يتناقض كليا مع الآخر، وتحمل هذا العبء الكريه من الأحقاد الدفينة تجاه امة بكاملها وعبر عصورها،

    ونطالع في كل يوم تفاوتا في استخدام الاصطلاحات الإعلامية، كالإرهاب والجهاد والحروب الصليبية، وفي ذلك ما يدعو إلى وضع معجم حضاري دولي، تعتمده كل الأمم، على طريق توحيد المفاهيم؛ كي يتكلم العالم بلغة واحدة قدر الإمكان، فلا يصح أن توصم كلمة بأنها عدوانية، ولا عمل بأنه كذلك؛ ما لم يكن الحكم عليه انطلاقا من حيثياته التي قد تبرره إذا كان ردا لفعل، أو استجابة لتحدٍّ سافر. فالجزاء من جنس العمل، والبادئ أظلم، وإلا فإن معايير العالم ستكون مختلة اختلالا كبيرا؛ يتناقض مع التوجهات المعلنة نحو نشر مظلة العدالة على جميع أهل الأرض. وبهذا التناقض نجد أنفسنا وجها لوجه مع مقولة بوفر:"كان الإنسان المحرّكُ للتاريخ لعبةً بيد التاريخ أيضا."(بوفر، جنرال أندريه، بناء المستقبل،  تعريب أكرم ديري وزميليه، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976،ص9).

     

              إنّ الحرب تندلع في العقول قبل أن تصير واقعا على الأرض. ومن ثم فإن فض الصراعات والمنازعات يبدأ بالثقافة والتعليم. ومثلما كان علينا أن نصحح رؤيتنا للآخر كان علينا أيضا أن نطالب هذا "الآخر" بأن يعيد النظر في رؤيته لنا. لقد بات لزاما على كل الأمم أن تراجع معاجمها ومناهجها، وتراثها لتنقيتها من المواقف العدائية تجاه الشعوب الأخرى إلا ما كان من ذلك رد فعل، وانتصارا للذات، وحينئذ لا بد من معالجة الأسباب التي دعت إلى ذلك جذريا. وبعبارة أخرى، إن أي تحرك نحو أنسنة العالم، ينبغي أن تبدأ بتحقيق العدالة، ومراجعة التاريخ، والسعي لتحقيق مصالحات جذرية بين الأمم، فلا ضرر ولا ضرار، وبحيث لا نتكلم عن أمة ولا نصفها إلا بما تحب أن توصف به، لكن بعد رد المظالم، وإنصاف كل مظلوم ممن ظلمه.

     

    ولما كان لا بد من تجديد البناء الحضاري للعالم أجمع، بالتحالف بين الحضارات، لا بالحوار فقط، وبالتعاون المثمر بين الأمم والشعوب، فقد بات لزاما على أولي العزم والحكمة وذوي الإرادات الخيّرة والعقول النيّرة من شتى  المشارب والاتجاهات، ومن  مختلف الحضارات والثقافات، أن يبادروا لبناء مستقبل آمن ومزدهر، لا تُنتهك فيه كرامة الإنسان ولا تهدر حقوقه، ولا يطغى فيه القويّ على الضعيف، إنما يحتكم فيه الجميع إلى القانون، وتسوده قيم التعايش والتسامح والمواطنة الإنسانية. فالتحالف بين الحضارات من وجهة النظر العملية، هو من أقوى الوسائل المتاحة لإصلاح شؤون العالم، وللإسهام في إنقاذ الأسرة الإنسانية مما تتخبط فيه من مشكلات تَتَراكَمُ وأزمات تَتَفاقَمُ، فشلت السياسة الدولية حتى الآن في إيجاد تسوية عادلة وحلول حاسمة لها بالدبلوماسية التقليدية، وبالأساليب الاعتيادية التي تفتقر إلى الصدق والجدّية والإخلاص، وتفتقد كذلك إلى العدالة و الروحَ الإنسانية.

    ( بتصرف عنhttp://www.islammemo.cc/filz/one_news.asp?IDnews=1079 )

     

    توصيات

     

          في ضوء الحقائق والمعطيات السابقة يمكن أن نتوصل إلى المخرجات التالية:

    1.  التيقّظ إلى بعض الاصطلاحات والمفردات التي تنطوي على أحقاد تاريخية، والعمل على اجتثاثها من المعاجم ودائرة التداول.

    2.  أن يُصار إلى إجماع دولي على تحديد كثير من المفاهيم التي هي محل اختلاف بين الأمم، مما لا سبيل إلى تحقيقه إلا إذا توفرت النيات الحسنة والصادقة لدى الأمم التي تمارس الاستبداد، واستمرار الدعوة لإشاعة العدل في ربوع العالم، والسعي لإقامة مجتمع عالمي واحد.

    3.  اعتماد المقولة الذهبية " أن الاختلاف لا يفسد للود قضية" نعمل بموجب ما اتفقنا عليه، ونتحاور في ما اختلفنا عليه دون تدابر، وبنية حسنة.

     

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me