An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • النص الأدبي...
  • Published at:Not Found
  • النص الأدبي في المنهاج ودوره في البناء والتوجيه

     

    أ.د. يحيى جبر

     

    مدخل:

    تمثل النصوص صوراً من الحياة، وأبنية مركبة المعاني تترجم واقعاً، أو تحوم حول مستقبل متخيل، وتنتشر في النص روحٌ تسري إليه من مصادر شتى: من البيئة بمعناها الواسع، ومن رؤية الأديب وخلفيته الثقافية، ومن الظروف التي يعيشها، ومن هنا فإن النص الأدبي، شعراً كان أم نثراً، مشهد حياتي يتركب من مفردات (أجسام) تحتضن من المعاني (الأرواح) ما يقدم للقارئ شريطاً متحركاً يطول ويقصر بحسب موضوعه ومؤلفه.

     

    دور النص:

    ولما كان القارئ يتأثر بما ينتهي إليه بمقدار فهمه للمادة المقروءة، ومدى اتفاقها أو اختلافها مع ما لديه من معلومات، أو له من مواقف تجاه مضمونها، فإن اختيارنا للنصوص على طريق توظيفها في الكتب المدرسية، أو الدراسية، ينبغي أن يتم وفقاً لاستراتيجية تنسجم مع القيمة العليا التي يصبو إليها المجتمع ويطمح إلى تحقيقها، إضافة إلى ما ينبغي أن يتوفر فيها من سلامة اللغة ومناسبة مستواها اللغوي للفئة المستهدفة.

     

    وتختلف النصوص، وتتباين أغراضها، فبعضها إنشائي وبعضها خبري، ومنها وصف يتناول البيئة، ومنها ما يتناول الناس غزلاً أو مدحاً أو قدحاً، أو رثاء، ومنها حكمة وفلسفة وتوجيه ونصح، ولكنها، مع هذا الاختلاف وذلك التباين، تسهم بشكل فعّال في إرشاد الطلبة إلى اتخاذ مواقف معينة من موضوعاتها، وتستثير لديهم تجاهها انفعالات وعواطف مختلفة، مما يؤدي إلى بلورة اتجاه فكري، وتكديس انطباعات وشحنات تعمل على تكريس نمط الدارس، وتطبع منهجه بطابعها الخاص ، وبقدر ما يكون دورها مؤثراً ومتساوياً فإن الفئة  المستهدفة تأتي متجانسة إلى حد بعيد، مما يعني خير المجتمع، ومتانة بنيانه.

     


    مكونات النص:

    يتألف النص من عنصرين مهمين هما اللفظ والمضمون، وقد نضيف إليهما عناصر أخرى كالزمان والمكان والأسلوب الذي يتقفاه الكاتب، ولكن هذه العناصر تنضاف إلى سابقيها أو تنتسب إليهما بشكل مباشر أو غير مباشر.

     

    لغة النص:

    تستهدف النصوص فئات عمرية مختلفة، ويؤدي اختلافها إلى تباينها في مستوى الإدراك والفهم، ذلك بحكم التجربة ومقدار المعارف والمعلومات المكتسبة على نحو ما نلاحظه بين الأطفال في اختلاف أعمارهم.

     

    ومن هنا كان لابد في لغة النص من شروط أهمها:

    1.     أن تكون موافقة لقواعد العربية.

    2.     أن تنسجم مع المستوى العمري المستهدف بها.

    3.     أن يسري فيها أسلوب جميل يجذب إليها القارئ، ويمكّنه من استيعابها على نحو يكفل الإفادة منها، ويحقق الهدف المنشود.

     

    ويدخل في هذه الشروط سلاسة الألفاظ، ومجافاتها الغرابة والإسفاف على حد سواء، إضافة إلى سلامة الجمل، وأن تكون معانيها ظاهرة في ألفاظها، ينير بعضها حواشي بعض، وأن تكون موضوعات النصوص مما يعني أبناء المجتمع، أو يسهم في توجيههم على نحو ما ستبينه لاحقاً. ولا بأس في تضمُّن النصوص ألفاظاً فوق مستوى الدارسين، على أن يؤدي ذلك إلى إكسابهم معلومات جديدة صالحة.

     

    المضمون:

    ركز علماء اللغة، من قديم، على العلاقة بين النص والمضمون، أو اللفظ والمعنى، وكان للنقاد في هذا المجال بحث واسع وآراء كثيرة، والمضمون يتركب من معاني الفقرات التي غالباً ما تقوم الواحدة منها على جلاء فكرة بعينها، وكذلك أبيات الشعر، إذ تقوم القصيدة العربية في الأعم الأغلب على وحدة البيت، وتتألف الفقرة، والبيت، من جمل، وهذه من مفردات، وهكذا، فإن مضمون النص يتكون من سلسلة من المعاني المتداخلة على نحو يتحكم في نسجه أسلوب المؤلف.

    والمضمون أسير النص، أي أن النص إذا كان سليماً فإن مضمونه يأتي معافى إلى حدٍ كبير، وبقدر ما يمتاز به الكاتب أو الأديب من مقدرة على الصياغة وانتقاء المعاني، وبقدر ما يوفق إلى الموضوع الذي يختاره .

     

    وتختلف المضامين باختلاف موضوعاتها والرؤية التي يهتدي بها المؤلف أثناء إعدادها. والوجهة التي تسير نحوها، فلو استعرضنا ديوان شعر لوجدنا قصائد مختلفة المضامين، متعددة الموضوعات، فهذه قصيدة في الغزل، وتلك في الرثاء، وأخرى في وصف الطبيعة، من جبل أو صحراء أو بحر أو غابة أو سماء، وهذه في المدح، وتلك الهجاء، وهذه في وصف الحرب وتلك في الحكمة، وهكذا.

     

    دور النص في نفسية القارئ:

    يعرف المحدثون النقد بأنه قياس مقدار انحراف الأفقي عن العمودي، أي مدى قيام النص بالمعاني المراد إبلاغها للمستهدف وكفايته لها.

    فالنص هنا يقاس بمعيار عام، وهو كذلك في مدى تأثيره في قارئه، لأن كل قارئ يحتفظ في عقله ووجدانه بسلسلة من المعارف والمعلومات والمواقف والأفكار تشكل في جملتها، واختلاف مقاديرها من إنسان إلى آخر، ما يشبه المفتاح القديم ذي الأصابع المختلفة الأطوال، فلا يؤدي أحدها دوره إلا إذا أدخل في الفتحة المناسبة اتساعاً وطولاً، وبعبارة أخرى، أن صدى النص في قارئه –إن هو فهمه أو فهّمه- إنما يكون متعرجاً متموجاً بحسب ما تكون عليه سلسلة معارفه وأفكاره ومواقفه. فقد ينجذب إليه هنا وينفر منه هناك، وهكذا يتحدد الموقف من النص، وينحصر دوره سلباً أو إيجاباً.

     

    يضاف إلى ما تقدم، أن من النصوص ما يوجه إلى العقل، بما يسري فيه من معاني الحكمة والإرشاد، وبعضها يوجه إلى النفس، ويركز على ما يغريها، ذلك أن من النصوص خيّر إيجابي وشرير سلبي، على وجه الاختلاف الحقيقي كان ذلك أم بسبب اختلاف البيئات والأهداف، وهذا يعني أن كل شعب هو الذي يجب أن يضع مناهجه بنفسه، وانطلاقاً من رؤيته ومعايير حضارته وشريعته.

    وتركز الدراسات والأبحاث الاجتماعية على دور النص في التوجيه، ذلك أن ما يقرأه الإنسان يشكّل مع غيره خلفيته الثقافية التي يصدر عنها، ويسير في حياته وفقاً لهديها، بعبارة أخرى، إن النصوص هي التي تقولب المتلقي، وتطبعه بطابعها، وتجعل عطاءه، من بعد، منسجماً معها على طريقة المدخل والمخرج، والمقدمة والنتيجة، والعلة والمعلول، لكن بكيفية معقدة لاستغراقها زمناً أطول، وتعدد المسارب التي تسلك فيها.

    ومن هنا كان لابد من استراتيجية محددة تقف وراء اختيار النصوص وتتحكم في طبيعتها وموضوعاتها، وأبرز ملامح هذه الاستراتيجية أن تكون هذه النصوص:

    1.            مبرأة من العيوب، مراعية قواعد العربية.

    2.            مناسبة للفئة العمرية المستهدفة من حيث:

    أ.المستوى اللغوي.

    ب.الموضوع الذي تعالجه.

    ج.طريقة العرض.

    3.            ترفد القيمة العليا للمجتمع، وتمهد لها، وتعمل على توكيدها وترسيخها.

     

    والمقصود بالقيمة العليا الهدف الأسمى الذي يسعى المجتمع لتحقيقه، وهو غالباً ما يكون مركباً، كأن يكون تحقيق الذات، أو إنجاز ثورة ثقافية، أو تحقيق الوحدة أو المجتمع المتكافل أو طائفة مما تقدم غيره. كما أن التركيب قد يكون متعدد الآفاق والأبعاد على نحو ما سنعرضه في مايلي:

    إن دوافع اختيار النصوص لتختلف على نحو يصعب حصره، إذ ليس شرطاً في النص المختار أن يعزز القيم والاتجاهات الوطنية أو القومية، بعبارة أخرى، ليس شرطاً أن يكون أدباً ملتزماً، بل قد يكون من الأدب الذي يستند إلى نظرية "الفن للفن" فيكون الدافع لاختيار النص جماله ورقة أسلوبه وحسن نظمه، كأن يكون في وصف الطبيعة على سبيل المثال، أو يترجم حدثاً سيق بقصد الترفيه والتسلية وغير ذلك.

    أما الدوافع الأخرى، التي يمكن أن تحركها نصوص من الأدب الملتزم فهي التي تعنى بالقيم والاتجاهات المطلوب تعزيزها لدى النشء، وهي أربعة متداخلة يتكامل بعضها مع بعض، أشبه ما تكون بالدوائر تنداح حول مسقط حجر ألقيت به في الماء، تتضمن الواسعة منها ما دونها وهكذا على نحو فيه من الانسجام ما يبعث الدفء والتلاحم مؤكداً وحدة الكون، وليس على جهة التناقض الذي نشهده عند الذين يتوقفون بالقيم عند حدود الإقليمية الضيقة والقومية بمفهومها الشوفيني.

     


    القيم الدينية:

    لكل أمة دين تعتنقه، وتتبع هديه، والدين مستقره في النفس ومناطة السلوك تجاه الله عز وجل، وتجاه الناس على اختلاف ما بينهم، وتجاه الذات، وبالدين تحفظ الأمم تواصلها الحضاري، وتوازنها النفسي، ولمّا كانت مصادر الدّين متعددة فإنّ النصوص يجب أن تختار منها جميعاً وتبعاً لتعدّد موضوعاتها وبحسب أهميتها، فنختار نصوصاً من القرآن الكريم، ومن الحديث النّبوي الشريف منها ما يتناول العقيدة، ومنها ما يتناول الفقه والتّشريع، وهكذا.

     

    وينبغي أن يراعى في اختيارها عامل التدرج والتسلسل المنطقيّ، وتوزيعها على سنوات الدراسة المختلفة، ويدخل في دائرة القيم الدّينية كل ما يرتبط بمكارم الأخلاق والفضيلة وسير أبطال الإسلام، وأخبار الفتوحات الإسلامية، ومجالس علماء الدين، وواقع الأمة الإسلامية الراهن، وسبل معالجته، والارتقاء به، وتحفل كتب الأدب بالنّصوص التي تعالج هذه القضايا قديماً وحديثاّ، بل إننا نجد من الأُدباء من قصر أعماله الأدبية عليها فكانت شغله الشاغل كأحمد شوقي ومحمّد إقبال.

     

    القيم الوطنية:

    يختلف مفهوم الوطنية من بيئةٍ إلى أخرى شأنها في ذلك شأن القومية، وهما مصدران صناعيّان من الوطن والقوم، ومنبع الاختلاف من اختلاف مفهوم الوطن والقوم، فبعضهم يرى فيهما الدّولة التي يحمل جنسيتها، وبعضهم يرى فيه مجموع البلاد العربية، أو ما يعرف بالوطن العربي، معلناً بذلك رفضه للواقع المهلهل الذي أفرزته اتفاقيّة سايكس بيكو. فمفهوم الوطنية بمعناه الضَّيق، على الرغم من ما فيها من سلبيات إلا أنه يمكن أن يغذّى دون أن يتناقض مع القيم الأخرى، لا سيّما إذا كان الوطن مستهدفاً من قبل أعدائه.

    ويمكن تكريس الهوية الوطنية من خلال دراسة الموضوعات التالية:

    1.            أعلام الوطن من العلماء والقيادات السيّاسيّة ونحوها.

    2.            أعلام المواقع والبلدان الموجودة في الوطن والمناطق السياحيّة والأثرية فيها.

    3.            قضايا الوطن السيّاسيّة والاجتماعية والتنموية ونحوها.

     


    القيم القوميّة

    ويقصد بها المعاني السّامية التي تسعى الأمّة لتحقيقها من حرية، ووحدة، وعزّة، وحضور ومشاركة في بناء صرح الحضارة العالميّة، ويمكن تحقيق هذه القيم بتوجيه الطلبة إلى دراسة نصوص تدور حول الموضوعات التي سبق ذكرها في الحديث عن القيم الوطنية شريطة أن تتسع دوائر الأعلام والقضايا لتشمل جميع أرجاء الوطن العربي وسكّانه.

     

    القيم الإنسانية

    وهي في حقيقة أمرها وجهٌ آخر للقيم الدّينية، ذلك بما أن  الدّين الإسلامي دينٌ عالميّ، وأنّ محمداً، صلى الله عليه وسلم، أرسل رحمةً للعالمين. ومن القيم الإنسانية التي ينادي بها كرامة الإنسان وحريته، ونحو ذلك مما تصل به، ولا يمكن الفصل بين الإسلام والدعوة إلى تطبيق القيم التي توصف بـ (الإنسانية) لأنها جزء من دعوته التي تمثل جُماع الخير.

     

    ولكن، علينا أن نحسن اختيار مادة المنهاج من النصوص التي تسري فيها روح الدعوة إلى تحقيق القيم الإنسانية وتمكينها من صبغ الحياة البشرية، والتبشير بالعولمة لأن منها ما يقدم سما في وسم، ويطرح المسائل من وجهة نظر تخالف ما نحن عليه، أو نخطط له، ومنها ما جاء نتيجة لمقدمات فاسدة، كالدعوة إلى السلام مع المحتل، بما أصبح أمراً واقعاً، لأنه قائم على أسـس باطلة، فالسلام والعولمة مطلبان إسلاميان، لكن توقيت الدعوة إليهما من قبل الآخر، والحال التي تحياها الأمة يجعلان الدعوة إليهما موضع ريبة وشك، لأن إنجازهما وانخراط مجتمعنا فيهما يفقدانه هويته وثقافته، ويكرسان الواقع الراهن والأسـس الباطلة التي أدت إليه.

     

    ومن قبيل ما تقدم الدعوة إلى الحرية بمفهومها الإباحي، والدعوة إلى تحرير المرأة من قوامة الرجل، ومساواتها به في ما لم يساو فيه الدين بينهما ونحو ذلك مما يخالف النصوص الشرعية، مما يعني أن نختار نصوصاً لا تتناقض، بل تنسجم مع القيم الدينية وتعضد القيم الأخرى، وتتسق معها، وإلا، كانت النتيجة بلبلة الدارسين، واضطراب أفكارهم، بدلاً من توحيدهم على مبدأ واحد، ومفاهيم واحدة متناغمة، من شأنها أن تحقق الذات وما يسعى إليه المجتمع من القيم العليا التي يطمح إلى تحقيقها في ظل حياة آمنة حافلة بالعمل والعطاء.

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me