An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Friday, February 13, 2009
  • الضم والرفع والفاعلية
  • Published at:Not Found
  •  

    الضم والرفع والفاعلية

     

    أ.د. يحيى جبر

         تدق العلاقات التي توجّه ألفاظ اللغة وأصواتها لدلالاتها حتى تكاد تخفى على ذوي البصائر، ذلك بما تراكم فوقها من النتائج، ولتعدد الصور والمظاهر التي تنعكس فيها، بين لغوية واجتماعية وغيرها.

     

              ونستعرض في هذه المقابلة حقيقة العلاقة بين الضم والرفع من ناحية، والفاعلية وما يواريها كالابتداء من ناحية أخرى،  ذلك أن الفاعل مسند إليه وكذلك المبتدأ،  وما يوافقهما كاسم " إن وكان"، وائب الفاعل.  وقد يقال هنا إن اسم "إن" يكون منصوبا، فنقول لكنه مع "إن" بمنزلة المبتدأ،  وهو في الأصل كذلك.

     

              ونتساءل هنا، ما توجيه قولنا: فاعل، مرفوع، بلاضمة.  وما المسوغ لاجتماع هذه المفردات، وكيف وقع اختيار النجاة قديماً عليها؟ أهكذا اصطلاحا؟ أم أن في اللغة ما يرشح ذلك، ويبوح بسر من أسرارها، ويكشف عن جانب فلسفي يرتبط بالعقلية العربية وحقائق الفيزياء. ونعالج في ما يلي بعض المفردات ، مع إلقاء الضوء على دلالاتها والإشارات المادية التي تتجسد فيها.

     

              الضم والضمة: ينصرف الأصل اللغوي ( ض م م ) بدلالة تقع على معنى اجتماع الكثير في القليل، لضم اليدين يكون بجمع إحداهما إلى الأخرى، وإضمامة الورد تكون بجمع ساق وردة إلى ساق وردة أخرى حتى يجتمع في اليد عدد منها، وضمك ابنك إلى حضنك إنما يكون بإلصاقه به.

              والضمة في لغة النحو هي تلك الحركة القصيرة التي تتولد جراء جمع الشفتين ( ضم) إحداهما إلى الأخرى على نحو معين، حتى إنهم لما رسموها حاولوا تجسيد ذلك، فأولها عريض نسبياً، وآخرها ذيل دقيق، فكأنهم جمعوا العريض في دقيق، هكذا (        )، وقد نتخيل ذلك في مسار آخر، هو هواء الزفير في تجويف الفم ( الواسع نسبياً) يتضام كلما اقترب من الشفتين ، حتى يخرج من مضيقهما محدثاً الصوت المعروف (و) وصورتها القصيرة (    ) هكذا.

              لكن ما علاقة الضمة بالرفع، وما معنى الرفع؟ قبل الخوض في هذا الموضوع لنتعقب العلاقات التي توجه الدلالة. تحضرني كلمة " رفيع" في الدارجة الفلسطينية والمصرية بمعنى دقيق مستطيل، يقولون عود رفيع أو رفيع، بمعنى دقيق، غير غليظ، أي أنه متضامّ بعضه إلى بعض،  ونجد هذه الكلمة، في المعجم العربي، تنصرف لمعنى العلو، مكاناً وقدراً، وكأن المعنى أن كل عال يستدق كلما علا، ولنا أن نتخيل ذلك في قول الخنساء:

    طويل النجاد، رفيع العماد           فتى ساد عشيرته أمردا

              والحقيقة الرياضية تؤكد أن العلاقة بين الطول والسمك ( العرض) في ذوات الأطوال تقوم على التناسب العكسي، أي كلما ازداد الطول، فإن العرض يبدو ( ولو في النظر) أقل نسبة، والعكس، فكلما ازداد العرض بدا الطويل في النظر أقل مما هو عليه في الحقيقة، حتى إن العرض ليصبح طولاً، والطول عرضاً.

     

              أما في مجال تعقّب العلاقات التي توجه الدلالات، فإنني أسرد بعض الحقائق والأدلة لبيان أن "الرفع" إنما جاء لعلاقة بمقام "الفاعل" و" المبتدأ" وما يسند إليه، من باب "ارتفاع المكانة" وعلو المنزلة الفعلية والاجتماعية انطلاقاً من حقائق فيزيائية وانعكاسات اجتماعية تبلورت في اصطلاحات النحو، وتجلت في بعض ظواهر اللغة.  وفي ما يلي تفصيل ذلك.

     

    كل ضم إلى نقص وتكثّف

    أ‌.   في الواقع المادي، وقد استعرضنا ذلك في مفردات مثل "إضمامة ورد" ، ويوازي ذلك في أصوات اللغة ما يظهر في مجيء الميم المشددة بعد الضاد وما الميم إلا صوت يتولد جراء ضم الشفتين كلياً، و"الضمة" جراء ضمهما جزئياً.

    ب‌.  في مفردات اللغة:

    1. الكسور الرياضية، وهي إلى نقص، لآن الكسر ما دون الواحد، ونتوصل إليه بضم أول العدد لنحصل على جزء منه، نقول مثلاً:

    * خمس من الرقم خمسة، بمعنى جزء من خمسة أجزاء المادة المكونة من خمسة أجزاء.

    * سدس، من الرقم سدسة ______ ستسة  ____ ستة.

    * عشر، من الرقم عشرة.

    وهذا يعني أن ضم الحرف أدى إلى نقص دلالة الأصل.

    2. مبنى فعالة، إذ نجد أن كل كلمة من هذا الباب، بضم أولها، تنصرف لدلالة تقع على معنى مرتبط بتقليل شأن المسمى بها، ونقصه.  وأنه مما يهون ويستهان به، ومن ذلك:

    مشاقة الكتان، وبرادة الحديد، ونشارة الخشب، وحثالة الناس.

    3. مبنى التصغير، وذلك في صوره الثلاث، فعيل وفعيعل وفعيعيل، إذ أنها تبدأ جميعاً بفاء مضمومة.

    كل فاعل إلى تضام

    أ.        في الواقع المادي:

              * مما يستطرف هنا أن بعض العرب ( المصريين ) يطلق كلمة الفاعل على الفأس ونحوها من أدوات العمل ذوات الرؤوس المدببة ( المتضامة)، وضم مقدم الفأس ونحوها إنما يكون لتركيز الضغط عليها كي تذهب عميقاً في الأرض، وهذه نظرية فيزيائية رياضية معروفة جيداً.

    وبعض العرب ( أهل اليمن ) يطلق على الحراثة اسم "العمل". تقول: أين فلان؟ فيقال لك: ما يعمل، أي أنه يحرث الأرض. والحراثة إنما تكون بما يعرف باللومة، أو المحراث، أو السكة، وهذه جميعاً لا تكون إلا مدببة المقدمة، كي يسهل دخولها في الأرض، تماماً كالفأس، ورأس الإبرة، والسهم، وحد السكين الذي هو رأس إبرة متكرر، وكالمسمار والوتد، والمخلب، لا تكون إلا مدببة المقدم، متضمته.

    واللومة، وأصلها بهمزة على الواو. ذلك أن اللأم هو الضم، ورأس اللؤمة ( المحراث) يكون كذلك، واللأمان السهمان يناولان للرامي معاً، مضموماً أحدهما للآخر، على نحو ما نجده في قول امرىء القيس:

    نطعنهم سلكى ومخلودة              كرك لأمين على نابل

    واللؤم من ذلك، لأنه يعني تضام النفس على مشاعر الحقد والضغينة.

    ·       نساؤكم حرث لكم:

    فهل المرأة أرض الرجل؟ أجل، وعندما يولج فيها، أهو بذلك يحرثها؟ أجل، وهل الذكر في تضام مقدمه كالمحراث في تضام سنته؟ أجل ... أجل، وسبحان من مدّ في آفاق العربية ببيانه.

    ومن هنا كانت رفعة مقام الرجل، الفاعل، المذكر، لعلاقة بفيزياء المواد، وأدوارها.

    فالحرث أساس الحياة، به ينبت الزرع، والحرث في الجاني الآخر هو أساس آخر للحياة، به يستمر النسل، وفرق بين فاعل ومفعول؟ وبين إبرة، وما تدخل فيه، وبين ذكر وأنثى، وبين فاعل مرفوع المقام بضمة تمكنه من الدخول في المفعول به المنصوب بفتحة هي فتحة التأنيث التي يدخل فيها المحراث والإبرة، وهي فتحة الفم عندما نصوت بالفتحة الطويلة ( الألف) والقصيرة التي هي علامة النصب.

     

    باختصار: إن الضم لعلاقة بالفاعلية والابتداء على اختلاف صورهما، والفاعلية والابتداء إلى رفعة شأن ورفع مقام بضم، وسبحان من خلق الأشياء وجعل بينها علاقات تنظم أحوالها وتضبط إيقاعها، وتترجم أدوارها.

     

     

     

     

     

     

     

                                    

     

     

     

     

     

     

             

     

             

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me