An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, February 3, 2009
  • حضور القضية الفلسطينية في الخطاب الإيراني (نص محاضرة ألقيت في الجامعة 2005)
  • Published at:Not Found
  •  

    حضور القضية الفلسطينية في الخطاب الإيراني

    أ.د. يحيى جبر

            كانت إيران قبل سقوط الشاه تدور في فلك السياسة الغربية، منسجمة في كل شؤونها نظاما ومصالح  مع المعسكر الغربي، بما في ذلك دولة الاحتلال ( إسرائيل )، بل  لقد كانت تمثل شرطيا لهم مهمته ضبط إيقاع دول الخليج ليأتي وفقا لما تقتضيه مصلحة هذا المعسكر، وفي مقدمته أمريكة ودولة الاحتلال.

            وفي أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في 10-2- 1979 كان إعلان إيران جمهورية إسلامية، يوجه سياستها الإمام الخميني، برؤيته الفكرية التي تجسدت في مؤلفاته وخطبه وتوجيهاته التي حددت السياسة الإيرانية على كل صعيد، فإذا بمواقف إيران تنقلب 180 درجة، محدثة زلزلة عنيفة في المنطقة والعالم بأسره، إذ قلبت موازين القوى رأسا على عقب، وهزت أركان السياسة الغربية، وأفشلت كل مخططاتهم.

            وقد تجسّد ذلك في مواقف شتى، وعلى عجل ، كإغلاق السفارة الإسرائيلية، ومنحها لفلسطين مقرا لسفارتها في طهران، ومحاصرة الطلبة الإيرانيين للسفارة الأمريكية، واحتجاز موظفيها رهائن،كرد سريععلى تجميد الأرصدة الإيرانية، وإعلان يوم القدس العالمي؛ ليس من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني وحسب، وإنما انطلاقا من عقيدة راسخة، آمن بها منظر الثورة وقائدها، الإمام الخميني، وهي أن دولة الاحتلال في فلسطين تمثل رأس حربة بيد الدول الغربية، لترويض البلاد العربية والإسلامية، وأن القدس، مدينة الأنبياء، لا يصح بحال من الأحوال أن تظل تحت سيطرة الحركة الصهيونية، وأن الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي تكالبت عليه قوى الشر، لا يصح أن يظل مضطهدا محروما، وأن على الشعوب الإسلامية أن تقف إلى جانبه، وهذا هو ما فعلته إيران الإسلامية.

            وكان للثورة الإسلامية في إيران صدى واسع في أرجاء العالم، لا سيما في أوساط الشعب الفلسطيني الذي كان وما يزال يتطلع بترقب شديد، ولهفة عارمة إلى من يهبّ لنصرته، ويساعده على تحصيل حقوقه، بعد أن تخلى عنه الأقربون، ممن لم يكتفوا بمهادنة المحتل بل تمادوا حتى انحاز بعضهم إليه. فاندفع الفلسطينيون إلى الشوارع يعلنون تعاطفهم مع الثورة، كغيرهم من العرب الذين سئموا الكلام،  ويئسوا من الحكام، لأنهم وجدوا في طروحات الثورة الإسلامية مفتاح الأمل، ومنهم من سمّى ابنه الخميني تيمنا بآية الله الخميني، وتفاؤلا بطالعه

             وبادر بعض الشباب إلى تشكيل مجموعات حركية على غرار ما فعله فتحي الشقاقي وبشير نافع اللذين عملا على تشكيل خلايا حركة الجهاد الإسلامي، وبخاصة في قطاع غزة، طارحين شعارهم الشهير " فلسطين : القضية المركزية للحركة الإسلامية " حين بدأ الشقاقي ينظّر للثورة الإسلامية على اعتبار أنها حليف استراتيجي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأصدر كتيبه المتواضع " الخميني والحل الإسلامي البديل"، متأثرا بجماهيرية الثورة وشعاراتها السياسية ، ومعتمدا في ذلك على كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني.

    وفي هذه الورقة سنعرض جوانب شتى من المواقف والآراء والأقوال التي صدرت عن القيادات الإيرانية، مما يوضح موقف الجمهورية الإسلامية من القدس والقضية الفلسطينية، ومدى حضورها في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وأثر ذلك في توجيه النظام الحاكم.

    *******

            نستطيع أن نؤكد أن موقف إيران من القضية الفلسطينية ينطلق برمته من رؤية الإمام الخميني الذي صنع الجمهورية الإسلامية، وحدد ملامح الطريق للأجيال من بعده، ويُسهم في تشكيل رؤيته وتحديدها ثلاثة عوامل رئيسية هي:

    1.     العامل السياسي: مما يأتي منسجما مع مقتضى التغيرات الجذرية التي أحدثتها الثورة الإسلامية عام 1979م. وجدير بالذكر أن جل الحكومات العربية والإسلامية تتحرك سياسيا _ أو تدّعي ذلك _ لنصرة القضية الفلسطينية.

    2.     العامل الديني: إذ يقتضي الانتماء للدين الإسلامي أن ينتصر المسلمون إخوانهم إذا لحقهم ضيم، ولدار الإسلام إذا تعرّضت للغزو، وجدير بالذكر هنا أيضا أن جل الدول العربية والإسلامية تعلن بين حين وآخر تضامنها مع الشعب الفلسطيني استجابة لداعي الإسلام.يقول الإمام الخميني: إن الصهاينة باحتلالهم للقدس يعبّرون عملياً عن تحدّي وعد الله, وكذلك عن تحدّي الأمة الإسلامية التي ترمز لها القدس الشي‏ء الكثير، وهذا هو المشروع الأساسي للاستكبار المساند لـ«إسرائيل» المتمثّل بمحاربة الإسلام بمعناه الأصيل، بل نفس الإسلام بما هو هو، وقد أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) هذه الحقيقة بقوله: «على المسلمين أن يعلموا بأنّ المخطط الأمريكي الذي يتّم تنفيذه بواسطة «إسرائيل» لن يتوقف عند لبنان؛ لأن المستهدف هو الإسلام أينما ظهر في كل البلدان الإسلامية».وفي نهاية هذه الفقرة يمكن القول: بأنّ «إسرائيل» خططت للقضاء على المسجد الأقصى ولتهويد القدس وطرد المسلمين والعرب منها, وجعلها عاصمة لكيانهم المصطنع, وسوف لن تسمح السنن لهذا الأمر أن يتحقق لحالة التناقض بين قداسة المكان ورجس الصهاينة. 

     

    3.     ولكن الرؤية الإيرانية للقضية الفلسطينية تستمد شحنة إضافية من فكرة المهدوية، التي ترى قرب ظهور الإمام المهدي، بل إن من القوم من يرى أن الثورة إنما كانت تمهيدا للظهور، وتوطئة له، ولما كان الإمام المهدي سينطلق إلى بيت المقدس لتطيرها؛ فقد وجه الإمام الخميني أنظار القيادات السياسية والدينية في إيران تجاه القدس، باعتبارها من أبرز الأماكن التي سيتوجه إليها الإمام المهدي. من هنا أخذت القضية الفلسطينية أبعاداً هامة باعتبارها تمثل ساحة الصراع بين: الحق والباطل، المستضعفين والمستكبرين، الإسلام والكفر، الالتزام والنفاق.

     

                ولعل في مظلومية الشعب الفلسطيني على يد قوات الاحتلال، وتقصير الأمم المتحدة والشعوب العربية والإسلامية عن نصرته – ما يمثل امتلاء الدنيا بالظلم  الذي سيكون ظهور المهدي أذانا بزواله ( لأنه سيأتي ليملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما وجورا). وجدير بالذكر أن فكرة المخلّص موجودة في الأديان السماوية الثلاثة، ومن ينتبه إلى اليافطات المرفوعة على مداخل بعض التجمعات الإسرائيلية يقرأ عبارة: المسيح قادم، وعودته في الأعراف الإسلامية تقترن بظهور الإمام المهدي الذي يؤمن به جميع المسلمين، على اختلاف بين بعض فرقهم في مولده وغير ذلك مما نجده في كتب التاريخ المختلفة.

         جاء في كلمة الشيخ  علي دعموش التي ألقاها في الندوة التي نظمت في22/6/2002:في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام الخميني أن رؤية الإمام الخميني للقضية الفلسطينية تميزت بعدة خصائص ؛ منها:

    1-    أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجودي.

    2-    أنه صراع عقيدي ديني.

    وبرأي الإمام الخميني أن الذي أوجد إسرائيل قوى الاستكبار العالمي، وأن بقاء إسرائيل واستمرارها ليس بقدرتها الذاتية، وهو إنما يعود لعدة أسباب:

    1- دعم الغرب اللامحدود لهذا الكيان.

    2- اختلاف المسلمين، فإن الخلافات بين العرب والمسلمين مزقت الأمة، وشتت طاقاتها وجعلتها ضعيفة أمام الصهاينة.

    3- اعتماد الطرق الدبلوماسية من قبل بعض الأنظمة العربية والإسلامية.

    4- عدم وجود حكومات صالحة في بلاد المسلمين مضافاً إلى إبعاد الإسلام عن حركة الصراع.

    وبرأي الإمام أنه ليس من خيار أمام العرب والمسلمين لاستعادة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة سوى خيار المقاومة والانتفاضة. وهذه الأبعاد للقضية الفلسطينية وللقدس هي التي جعلت الإمام ‏(رحمه الله) يختار أحد أشرف أيام الله قداسة واعتباراً، وهو يوم الجمعة الأخير من أيام شهر رمضان المبارك، أي يوم الجمعة من أيام القدر التي هي خير من آلاف الشهور، ليجعله يوماً للقدس، أي اختار أشرف يوم لأشرف رمز، وأقدس شهر لأقدس قضية، وأهم الأزمنة لأهم الأمكنة، وأرفع الأيام لأرفع الأمور؛ ليساعد ذلك في شدّ الأنظار ولفت الانتباه لملايين المسلمين إلى هذه القضية، والى أبعادها ودلالاتها فهي كما قال الإمام: ليست مسألة شخصية ولا وطنية ولا قومية، هي مسألة الإسلام، والحق والخير في هذا العالم، وكلّما استطاع المسلمون أن يحرروا فلسطين والقدس كلّما كانوا قادرين على تلبية الحق وعلى نشره في هذا العالم، الحق الذي يمثّله الإسلام، وفي حال لم يستطيعوا أنّ يحركوا ساكناً فهذا يعني أنّ الحق الذي يجسّده الإسلام ضاع؛ لأنّ المسلمين الذين يفترض بهم أن يلتزموا به قد تخلّوا عنه، من هنا أعطى الإمام ‏(رحمه الله) أهمية خاصة ليوم القدس, واعتبره يوماً لإحياء الإسلام ولتطبيقه, وأنه لا بد من إحيائه بالتظاهرات والمسيرات والأصوات والهتافات والأقلام والكتابات وسوى ذلك من التعبيرات التي تشهد على الصحوة في المسلمين، وكلّما كان إحياء هذا اليوم أكبر كلّما كان مستوى الصحوة أضخم وأوسع؛ حتى يصل المسلمون وبحسب تعبيرات الإمام (رحمه الله) ومن خلال الإحياء الواسع والدائم ليوم القدس إلى استعادة قوتهم وتأكيد هويتهم ونشر دينهم وإشاعة الحق في هذا العالم, عندما يستطيعون بفعل هذا الإحياء بأن يحرروا القدس وأن يصلّوا في مسجدها، ومن هناك يعلنون أن الحق الذي يجسّده الإسلام قد ظهر في ربوع هذه الدنيا وكانت شرارة انطلاقته من تلك الصلاة الجماهيرية الحاشدة، ولا سبيل لتحصيل الحقوق المشروعة في نظره ما لم تعتمد الأمة عدة أمور؛ هي:

    1-    تنبيه المسلمين إلى خطر إسرائيل وتعبئة الشعوب الإسلامية في مواجهة الصهيونية.

    2-    وحدة الأمة وعدم التنازع وإزاحة كل عوامل الفرقة والخلاف.

    3-    تركيز مفاهيم الإسلام في وجدان الأمة.

    4-    تأكيد مفهوم المقاومة السلبية أي عدم الاعتراف بإسرائيل.

    5-    اعتبار قضية القدس قضية إسلامية.

    6-   الرهان على الإرادة الشعبية، والثقة بالأمة، وبقدرتها على النهوض في مواجهة إسرائيل.

    7-    إقامة حكومات صالحة في بلاد المسلمين.

    8-    دعم المجاهدين والمقاومين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلى جميع المستويات.

     

              ونظرا لهذه الطروحات والمواقف التي صرّح عنها الإمام الخميني، فقد حظيت شخصيته بتقدير خاص من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، ففي الاحتفال بالذكرى الرابعة لإنشاء وكالة (قدسنا) في ملتقى تحت شعار (الدفاع عن المسجد الأقصى) أكّد سفير فلسطين لدى طهران أن مبادرة الإمام الخميني في تسمية يوم القدس العالمي تعكس اهتمامه بالقضية الفلسطينية. وفي الذكرى السنوية الأولى لرحيل ياسر عرفات قال الزواوي : نثمن دور إيران ولا ننسى أن الإمام الخميني الراحل زرع حب فلسطين في كل قلب إيراني، وهذا ما ترجمه محمد خاتمي، الرئيس الإيراني السابق في المناسبة نفسها؛ إذ قال: فلسطين هي ألمنا الكبير، شعبها طرد من أرضه ولم تعط له أية حقوق وهذه فاجعة كبيرة.

     

     

     ومن الأحداث التي تكشف عن مدى التزام الثورة الإسلامية بالقضية الفلسطينية ما يطفو على سطح العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية من مد وجزر، حيث نجد أن إيران بالرغم من تقديمها خدمات لوجستية ضخمة لتحالف الشمال في محاولة الإطاحة بنظام طالبان وتعاملها مع احتلال القوات الدولية لأفغانستان على انه أمر واقع؛ وهو ما رحبت به أميركا وهللت له، إلا أنها سرعان ما غيرت موقفها من طهران عندما صنفتها بدولة من دول محور الشر، وبدأت توجه سلسلة من الاتهامات ضد إيران ومنها:

     

    1- تهريب وبيع أسلحة للسلطة الفلسطينية.( وقد نذكر بشحنة الأسلحة وكارين A، وتوجيه التهمة للشوبكي من رجال المرحوم ياسر عرفات).

    2- الوقوف ضد عملية السلام في فلسطين واستقبال بعض قياديي جبهة الرفض الفلسطينية.

     

            وفي الآونة الأخيرة أثار الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد عاصفة تنديد في الغرب، بدعوته أمس، إلى «إزالة إسرائيل من الوجود»، محذراً الدول التي تسعى إلى الاعتراف بـ «الكيان الصهيوني» والتطبيع معه، من«الاحتراق بنار شعوب الأمة الإسلامية». واعتبر أن ثمة معركة تدور بين الأمة الإسلامية و«جبهة الكفر»، مبشراً بـ«عالم خال من أميركا والصهيونية».السويد

            وأعاد كلام احمدي نجاد إلى الأذهان الخطاب الأيديولوجي للإمام الخميني الذي دعا علناً إلى تعبئة العالم الإسلامي للقضاء على الوجود الصهيوني والإسرائيلي في فلسطين وإعادتها إلى حضن العالم الإسلامي، علماً ان الخميني اعتبر آنذاك الحرب التي كانت دائرة بين إيران والعراق، جزءاً من معركة تحرير القدس واستعادة فلسطين.

            ويرى محمد السعيد عبد المؤمن، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس أن  إقامة علاقات مع إسرائيل كانت إحدى اللاءات الثلاثة التي اعترض بها الخميني على الشاه، والتي أدت إلى اعتقاله ثم نفيه، وكان الكتاب الذي ترجمه رفسنجاني من العربية إلى الفارسية، وأدى إلى اعتقاله هو كتاب قضية فلسطين للكاتب أكرم زعيتر، وعندما عاد الخميني إلى إيران منتصرًا كانت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل قد قطعت، وقدم الإمام الخميني مكتبَ التمثيل الإسرائيلي في طهران هدية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأثبتت الأيام التي تلت ذلك أن القضية الفلسطينية قد صارت قضية محورية في فكر نظام الجمهورية الإسلامية الذي أقامته الثورة في إيران.بَيْدَ أن إيران قد فرقت منذ البداية بين تعبيرين أساسيين هما: اليهودية والصهيونية، كما فرقت في تعاملها مع القضية الفلسطينية بين حقوق الشعب الفلسطيني من  جهة، وقضية القدس من جهة ثانية.

    إعلان يوم القدس العالمي:

    من القضايا والرموز الكبرى التي أعلن لها الإمام الخميني (رحمه الله) يوماً خاصاً للإحياء وتجديد العهد والعمل وفق ما يقتضيه الحدث أو القضية يوم القدس حيث أعلن الإمام (رحمه الله) يوماً عالمياً لها، وذلك في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك من كل عام، والملفت في هذا الإعلان عدّة أمور؛ في مقدمتها أنّ الإعلان جاء بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني (رحمه الله) التاريخية إلى إيران, وبعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979م مما يؤكد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام، يضاف إلى أن ذلك اليوم لم يكن خاصا بالشع الإيراني وحده، بل عاما عالميا لكل شعوب العالم.

            وختاما لهذه الورقة يمكن أن نجمل خلاصتها في أن الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية موقف استراتيجي، بل إنه ينبثق من عقيدة راسخة تتصل بظهور الإمام المهدي، عجل الله فرجه الشريف، هذا الظهور الذي نراه بات وشيكا لاستشراء البغي والظلم في فلسطين غيرها من البلدان. ناهيك عن أن الموقف السياسي الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية في إيران يقتضي أن يكون خطابها على ما هو عليه، إضافة إلى ما يمليه البعدان الإسلامي والإنساني من حق النُّصرة.

     

     

     

     

     

     

     

     

    ثانياً: إنّ اليوم، لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل يوماً عالمياً، ولعل في ذلك إشارة إلى إعطاء الإمام للقضية بُعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبّر عنه الإمام والذي سيتضح من دلالات يوم القدس.

    ثالثاً: إنّ إعلان اليوم حصل في شهر رمضان، وهو شهر الوحدة بين المسلمين، الذين يلبّي أكثرهم نداء الحق ويحلّوا في ضيافة الرحمن متوجّهين نحوه بالدعاء والابتهال، موطّنين أنفسهم على القيام بالواجب وترك المحرم، وعلى القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل هناك في حياة الأمة وواقعها اليوم منكرٌ أخطر وأسوأ من احتلال القدس من قِبَل الصهاينة.. فلا بد أن يوطّن المؤمنون أنفسهم على تلبية نداء الحق في هذا الشهر وقلوبهم معلقة بالحق قريبة منه، تعيش حالة من الحقانية المتميزة، كما أنّ شهر رمضان يمثل بالنسبة للمسلمين شهر الجهاد والانتصار، ففي شهر رمضان كان فتح مكة الذي عبّر الله سبحانه وتعالى عنه بـ" إذا جاء نصر الله والفتح " فشهر رمضان موسم النصر والفتح، ولعل التاريخ يعيد نفسه فتتحرر القدس ويحصل الفتح من جديد في شهر رمضان وانطلاقاً منه.

    رابعاً: دلالة ورمزية يوم الجمعة الذي هو عيدٌ للمسلمين جميعاً، يتوجّهون فيه إلى بيوت الله تعالى لإقامة الجماعة وأداء الجمعة، في حالة من الخشوع والتقرّب إلى الله، وفي حالة من الوحدة والاُلفة بين المسلمين والمؤمنين.

    خامساً: رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان) حيث هذه الأيام الأخيرة وخصوصاً الجمعات منها لها خصوصيات عبادية هامة، فهي الأيام التي تختصر خيرات الشهر، وفي إحدى لياليها تستتر ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، والتي يعبّر فجرها عن ظهور الحق عبر الصيحة التي ستحصل وتبشّر العالم بخروج الإمام المهدي عجل الله فرجه الذي سيطرد اليهود وللأبد من فلسطين، حيث ستكون القدس هي مكان الإعلان عن قيام دولة العدالة الإلهية، وعن سطوع شمس الحق على هذه المعمورة من خلال تلك الصلاة العالمية التي سيشارك فيها كل رموز الحق بإمامة بقية الله أرواحنا فداه.

    وإما نص دعوة الإمام الخميني (رحمه الله) فهو: «أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر, ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الإتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».

    دلالات وأبعاد يوم القدس العالمي:

    أ ـ يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين:

    إنه يوم عالمي، له علاقة بالصراع بين الخير والشر، وعملياً بين محور الشر المتمثّل بالمستكبرين ومحور الخير الذي يجسّده المستضعفون.

    ومما جاء في كلام الإمام (رحمه الله) حول هذا الموضوع: «يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين».

    ويقول (رحمه الله): «إنه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها للقوى الكبرى».

    ويقول أيضاً: «إنه اليوم الذي يجب أن يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرغوا أنوف المستكبرين في التراب».

    وكذلك فإنه يوم يجب توجيه التحذير فيه لكل القوى الكبرى بوجوب رفع يدها عن المستضعفين, ويوم تثبيت حق المستضعفين في الوجود والحياة والحضور والتأثير على ساحة وميدان الحياة الدنيا: يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين».

    ويقول (رحمه الله): «يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب أن تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات إلى القوى الكبرى».

     يوم القدس هو محطّة ومناسبة لتجميع المستضعفين وتوحيد كلمتهم بما يمكن أن يؤسس لحزب المستضعفين.

    وفي هذا البعد يقول الإمام الخميني: «لقد كان يوم القدس يوماً إسلاميا، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة، وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم، وأتمنّى أن يظهر حزب باسم المستضعفين في العالم».

    ب ـ يوم القدس هو يوم الإسلام:

    بعد رمزيته العالمية والإنسانية، تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين الهي يريد أن يصلح العالم وأن يرفع الظلم ويقيم العدل، وأحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره.

    وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يوم القدس، يوم الإسلام، يوم القدس، يوم يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس، يجب أن تحذر فيه كل القوى من أنّ الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء».

    ويقول (رحمه الله): «يوم القدس، يوم حياة الإنسان، يجب أن يصحو جميع المسلمين وأن يدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها سواء المادية منها أم المعنوية».

    «يوم القدس، ليس فقط يوماً لفلسطين، إنه يوم الإسلام، يوم الحكومة الإسلامية يوم يجب أن تنشر فيه الجمهورية الإسلامية اللواء في كل أنحاء العالم».

    «إنني أعتبر يوم القدس يوماً للإسلام ويوماً لرسول الله (ص) ويوم يجب أن نجهّز فيه كل قوانا لإخراج المسلمين من العزلة».

    ج ـ يوم القدس هو يوم الالتزام ونفي النفاق:

    بعد البعدين العالمي والإسلامي، الإنساني والديني، كان البعد التطبيقي ليوم القدس، الذي يجسّد حقيقة الالتزام بالإسلام، وواقع الانتهاج بنهجه، والاستنان بسنته والاحتكام إلى تشريعاته، بحيث أنّ هذا اليوم هو المميز بين المسلمين حقاً من غير المسلمين بالمعنى الفعلي، أو بالأحرى هو الذي يميّز المؤمنين عن المنافقين.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنه اليوم أي يوم القدس الذي سيكون مميّزاً بين المنافقين والكثيرين فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون فإنهم في هذا اليوم غير آبهين أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات».

    ويقول أيضاً: «إنّ الذين لا يحيون مراسم يوم القدس هم مخالفون للإسلام وموافقون للصهيونية».

     

    3ـ الواجب تجاه يوم القدس:

    بعد إعطاء الأبعاد الحقيقية ليوم القدس، أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) على ضرورة إحياء هذا اليوم، الذي جعل له شعائر خاصة، تعبّر عن حقيقة الإحياء، فليس الأمر مجرد رفضٍ للصهيونية ولهيمنتها ولتسلطها, وليس هو مجرد النكران القلبي للظلم الناتج عن احتلال القدس، ومشروع تهويدها، إنما الأمر يتعدّى ذلك إلى التحرك والنزول إلى الشارع والتعبير العملي عن الاستنكار والرفض للصهيونية وللاستكبار.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنّ يوم القدس، يوم يجب أن تلتفت فيه كل الشعوب المسلمة إلى بعضها، وأن يجهدوا في إحياء هذا اليوم فلو انطلقت الضجّة من كل الشعوب الإسلامية في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك الذي هو يوم القدس لو نهضت كل الشعوب وقامت بنفس هذا التظاهرات ونفس هذه المسيرات، فإنّ هذا الأمر سيكون مقدمة إن شاء الله للوقوف بوجه هؤلاء المفسدين والقضاء عليهم في جميع أرجاء بلاد الإسلام».

    ويقول أيضاً: «آمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً, وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس, وأن يعقدوا المجالس والمحافل ويرددوا النداء في المساجد».

    وقال (رحمه الله): (لو أنّ كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس من بيوتهم وصرخوا الموت لأمريكا، الموت لـ((إسرائيل)) فإنّ نفس قولهم الموت لهذه القوى سوف يجلب الموت لها).

    ويقول الإمام الخميني (رحمه الله): «على الشعوب الإسلامية أن تفكر بإنقاذ فلسطين وأن تعلن للعالم عن غضبها واستنكارها للممارسات التساومية الاستسلامية للحكّام العملاء والخونة, الذين ضيّعوا آمال وجماهير مسلمي الأرض المحتلة».

     

     

     

     

    الإهداء

     

    إلى روح الله‏

    السارية في الكائنات..

    بالرغم من عروجها إلى الملكوت..

    إلى الذين أحبّهم الإمام وكان جهادهم..

    حجة على العلماء في عالم الملك..

    إلى مجاهدي الانتفاضة حيث الجرح‏

    الذي عمل الإمام ليبلسمه قبل الرحيل..

    إلى القدس الغافية خلف القضبان..

    تنتظر الابطال من جهة الشمال..

    إلى كل ربوع فلسطين...

    هذا الجهد المتواضع. 

    مقدمة 

    بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

    لم تشغل قضية ذلك الحيّز في وجدان الإمام الخميني (رحمه الله) واهتماماته مثلما شغلته قضية القدس وفلسطين، وقلما يجد الباحث في كلمات الامام الخميني (رحمه الله) السياسية والتعبوية قضية حاضرة وفاعلة كقضية القدس وفلسطين, ففي البداية كان الهدف الأساس الذي استوطن عقل الإمام (رحمه الله) ورافقه في درب الجهاد هو اسقاط الشاه، هذا الهدف الذي سيطر وحكم على جميع الأولويات, وكان متصدّراً الخطابات والبيانات والمواقف الصادرة عن الإمام الخميني (رحمه الله) في رحلة جهاده الطويلة، سواء في مرحلة تواجده بين الجماهير في إيران أو خلال مسيرة النفي المتعددة البلدان، لكن بعد أن تحقق الهدف الأساس وسقط الشاه وتدحرج تاج التسلّط، وانكسرت هيبة الطاغوت ومعه إرادة أمريكا التي كان لها في إيران موطئ قدم تمارس من خلاله عدوانيتها على الشعوب في منطقة الشرق الاوسط، بعد ذلك تصدرّت الأولوية الثانية التي قرأناها في ثنايا الكلمات التي بثّتها شفتا الإمام العظيم (رحمه الله)، وعنوانها أولوية تحرير القدس وفلسطين، ففي ذلك الزمن حيث الإمام حطّم عرش الطاغوت, واقتلع سارية العلم الأمريكي ورماها أرضاً، وأحرق الراية الزرقاء وعليها نجمة داوود، كانت أولى القبلتين للمسلمين ترزح تحت الاحتلال عينه الذي كان محتّلاً لإيران بالسياسة والثقافة والاقتصاد، لكنه في فلسطين احتلال عسكري وارهابي وتسلّطي، فاعتبر الإمام (رحمه الله) أنّ إكمال الثورة عينها وتمامية حركيتها لا يتحققان إلا بإزالة «إسرائيل» من الوجود, وليس فقط بطرد الصهاينة من طهران وأرجاء إيران، فتوجّه شطر المسجد الأقصى ورماه بوعده الجبار, مؤكّداً له أنه سيتحرر ولو بعد حين، وقد أعطى الإمام الخميني (قدس سره) هذه المسألة أي تحرير فلسطين، بكامل ترابها، كل الاهتمام الذي تستحق, وكل الأبعاد التي ترمز اليها كإسلامية وقومية ووطنية فضلاً عن كونها رمزاً لإرهاب الصهاينة من جهة, ولمظلومية الشعب الفلسطيني من جهة ثانية، كما أشار الإمام في كلماته وبياناته إلى خلفيات الصراع مع العدو الذي يربض في قلب الأمة, ويتمدد يميناً وشمالاً لينهش من لحمها ويقطع من جسدها، فقد بيّن الإمام الخميني‏ (رحمه الله) أنه صراع عقائدي ديني وأنه صراع قومي وأنه صراع حضاري فكري, هذا فضلاً عن جزئيات الأبعاد والرؤى التفصيلية التي تلامس أطراف القضية أو جوهرها, والتي عمل الإمام الخميني (رحمه الله) ليبعدها عن المصالح السياسية والتكتيكية للدول والأمصار؛ لأنها إن دخلت في هذا المضيق فإنها لن تصل إلى عمق الصراع وستبقى تقارب الهوامش والحواشي، هذا فضلاً عن إمكانية ضياع فلسطين حال الالتفات إلى المصالح الذاتية المؤقتة للبلدان العربية والإسلامية التي تربطها مصالح مع أمريكا حامية «إسرائيل» مما يفرض عليها نوعاً من المهادنة والمسالمة مع «إسرائيل» على حساب حقوق الأمة وحقوق الشعب الفلسطيني؛ وذلك تحت ذريعة حماية أو تحقيق المصالح الوطنية، هذه المصالح التي عادة ما تخضع لتكتيكات تنتهجها الدول من أجل بلوغ الأهداف المسماة وطنية, اعتبرها الإمام الخميني (رحمه الله) متنافية مع القضية الساطعة الحقّانية وهي قضية فلسطين, وها هو الإمام الخميني (رحمه الله) نفسه لم يلتفت إلى مصالح إيران في هذه المسألة طالما أنها مبدئية وجلية ولا يمكن إخضاعها أو إدخالها في ترهات المصالح التكتيكية, التي يمكن أن تخضع لها القضايا الجزئية الهادفة إلى تحصيل المكاسب الفضلى بحسب طبيعة كل قضية، إنما هنا فيما يتعلق بفلسطين لا مجال للمجاملة ولا لإنصاف الحلول ولا للطروحات المجتزأة هنا: يجب أن يتمّ طرد الاحتلال وتحرير فلسطين وإزالة «إسرائيل» من الوجود مهما كانت التضحيات ومن دون الالتفات إلى العواقب، فعند الإمام الخميني (رحمه الله) نفس وجود «إسرائيل» في هذا المكان من العالم الإسلامي يعني الهوان لهذه الأمة, فإذا قامت ونهضت ولم تقدر على أن تفعل شيئاً وضحت بنفسها فلا ضير؛ طالما أنها محكومة بالفناء على كل حال، كيف وأن الأمور مختلفة تماماً فهناك الإمكانية الكبيرة لتحقيق هدف التحرير، فلو قام جزء من الأمة بمسؤولية وواجب الجهاد، فهناك وعد الهي محسوم بأنّ الله ينصر من ينصره, وأن الله يدافع عن الذين امنوا وأن الله يخزي الكافرين..

    إذاً أضحت فلسطين وقضية تحريرها الأولوية الأولى بعد سقوط الشاه؛ لِمْا لها من تأثير في واقع الأمة وفي مستقبلها، وقد عمل الإمام الخميني (رحمه الله) على تجاوز كل العوائق النفسية الذاتية وتلك المصطنعة من قِبَل الاستكبار تهويلاً وتهديداً وافساداً والتي تحرف الشعوب عن قضايا أمتهم الأساسية، وعاش الإمام الخميني (رحمه الله) حياته يرمق فلسطين، وفي قلبه حنين دائم إلى تلك الربوع وشوق للوصول اليها, بعد اقتلاع الأشواك وثني المسافات, واجتياز السدود؛ ليتمسّح الإمام بالعتبات المقدسة التي وطأتها أقدام آلاف الأطهار من النبيين والوصيين..

    لقد كانت إيران تخوض الحرب المفروضة عليها وتتحدى العالم المستكبر، وكانت الظروف صعبة وقاسية، لكن الإمام كان يشاهد من أتون الحرب حرارة الأسى الذي يعتصر قلب فلسطين، وكان يقول: إنّ البصرة هي طريق العبور إلى فلسطين، لم يكن العراق هدفاً للحرب، بل كان تقريب المسافة إلى فلسطين هو هدف الإمام (رحمه الله).

    كما أنّ الإمام الخميني (رحمه الله) وجّه الشباب اللبناني المؤمن لقتال الجيش المحتل, ولم تكن الأهداف التي حددها الإمام ترتبط بإخراج الاحتلال وطرده, وإنما كان تحرير فلسطين هو الأمل الذي يراود عينيه ويكحلها، ومنذ ذلك الحين كان الشعار الذي طرحه الإمام وما زال مدوياً: بأنه يجب أن تزول «إسرائيل» من الوجود، في ذلك الزمن حيث كان هذا الشعار ضرباً من الوهم أو نوعاً من الكهانة أو إغراقاً للأمة في المصير المجهول أو دفعاً للشباب إلى الانتحار من خلال تحدي المستحيل، كان الإمام يؤكّده وكأنه هدف سهل المنال قريب المسافة, بالرغم من الحالة التي كانت الأمة تعيشها، الضعف والتشرذم والانقسام والتبعية والاستغراق في المصالح الذاتية, ونسيان أو تناسي القضايا المصيرية للأمة، وبالرغم من انشغال إيران ومعها الإمام (رحمه الله) بالحرب المفروضة التي شنّها الاستكبار لإسقاط ثورتها وضرب نهضتها الإسلامية، وكان الجزء الأكبر من لبنان محتلاً، وكانت الأنظمة تتهاوى الواحدة تلو الاخرى في مستنقع الخيانة والاستسلام، في هذه الأجواء الحالكة التي كاد ينعدم فيها بصيص النور, أشعل الإمام الخميني (رحمه الله) ذلك السراج الذي بدأ للوهلة الأولى غير قابل للحياة والديمومة؛ بفعل الرياح العاصفة العاتية المانعة من وصول الزيت إلى الفتيل، إلا أنّ هذا السراج أُشعل بِيَد ربّانية يمدّها زيت من عالم الغيب؛ مما جعله أقوى من كل رياح العالم وكل عواصف الدنيا وأهلها، فاستمر السراج وتلاشت الرياح بالتدريج، بل إنّ وهج السراج تعالى وتصاعد وأضحى أكثر قدرة على الإضاءة في المدى الأوسع في حياة الأمة, فكان تحرير لبنان الذي تحقق بفعل التكليف الذي حدده وأطلقه الإمام الخميني قبل عدة عقود من الزمن، وكانت الانتفاضة على وقع انتصار التكليف الشرعي, الذي يحمل إسم الإمام الخميني فباتت الصلة وثيقة بين ما يجري في فلسطين وبين الفكر والرؤى التي بثّها الإمام (رحمه الله), في هذه الأمة، وسوف تنمو وتتضخم بركات ذلك النهج والفكر والخط الذي صاغه الإمام الخميني لينبت في ربوع فلسطين مجداً وسؤدداً وعزاً وحرية, وسوف تشهد الاجيال اللاحقة وتعاين مدى العظمة لذلك الإمام الذي رحل عن الدنيا بعد أن صبغ هذا القرن من الزمن بألوان زاهية تحكي الإسلام المحمدي الأصيل, الذي أعاده الإمام الخميني (رحمه الله)؛ ليحتل المكان المرموق في عالم الدنيا, وليغدو من جديد حاضراً وبقوة في حياة الإنسان من أجل إحياء هذا الإنسان, مقدمة لظهوره النهائي والتام, بعد أن يبقى هذا الإسلام المحمدي الأصيل هو الخيار الوحيد والأوحد الذي يلبّي متطلبات الإنسان وعشقه وسيره نحو السعادة اللامتناهية, فتُيَمّم الوجوه نحوه من كل الأصقاع تلبية لنداء الفطرة السليمة التي شهدت على الحق وآمنت به, ويظهر الإسلام دين الفطرة والعقل على الدين كله ولو كره المشركون ولو كره الكافرون...

    مركز الإمام الخميني الثقافي‏ 

    الإمام الخميني (رحمه الله) يحدد أسباب ضياع القدس وفلسطين‏

    لقد وجّه الإمام الخميني (رحمه الله) الأمة الإسلامية نحو القضية المحورية، فلسطين قلب الأمة والقدس قلب فلسطين؛ لأن هذين المَعْلَمين يمثلان قضية التحدّي, التي في أحد بُعديها مؤشرات الضعف الذي يعتري المسلمين, وفي البُعد الآخر مؤشرات الإستكبار وإمارات مشروعه للهيمنة على الأمة ومقدراتها، وفي البُعد الأول فإنّ الواقع الذي حاول الإمام الخميني (رحمه الله) أن يكشفه لأمة الإسلام أنه لولا الضعف والوهن والانقسام والتبعية والتشرذم في عالم المسلمين وبين صفوفهم, لَمْا استطاع حفنة من اليهود المطرودين من عالم الرحمة, والمشتتين في الأصقاع, والقليلي العدد أن يجتمعوا ويتآمروا على الأمة ويخططوا للإنقضاض عليها من خلال التواجد في قلبها, وبناء القاعدة للإنطلاق نحو دولها وإماراتها وكياناتها؛ مقدمة للسيطرة على الأرض والثروات والمقدرات، وقد ركّز الإمام الخميني (رحمه الله) على الأسباب الكبرى والرئيسية التي تقف وراء ما حصل، والتي تمثلت أساساً في الحكّام والرؤساء والملوك والزعماء والأمراء والحكومات والإدارات والسلطات والأنظمة الحاكمة في دول المسلمين، وهو بذلك يريد أن يضع الأمور في نصابها, ويؤشر إلى مكامن الداء الحقيقية دون مواربة ودون مهابة أحد؛ لأن القضية لا تحتمل ذلك، ففلسطين ضاعت والأمة ضعيفة والمستقبل لا يبشّر بالخير في حال التقاعس عن القيام بواجب المجابهة والمواجهة مع الكيان المختلق «إسرائيل» فإما أن هؤلاء الخونة والعملاء يفتضحون فتنتبه الشعوب إلى ضرورة تغييرهم أو مجانبة مشاريعهم ومقرراتهم، وإما أنهم يستيقظون على وقع الخطر الداهم, ليس فقط على الشعوب وإنما على الأنظمة والحكّام جرّاء بقاء «إسرائيل» التي تريد في نهاية المطاف حكّاماً عبيداً لها، وعلى كل الأحوال لم يكن الإمام الخميني (رحمه الله) ليعوّل كثيراً على الحكّام؛ طالما إنه يعرف طبيعة العلاقة بينهم وبين الدول الداعمة لـ«إسرائيل»، فإما أنهم صنيعة تلك الدول, وإما أنهم يخشون غضبها وسخطها، وعلى كل الأحوال قد يجد الحكّام المبررات التي تبدو مقنعة بحسب الظاهر حول إنعدام مشاريع المواجهة ضد «إسرائيل»، لكن الشعوب لديها هامش أوسع من التحرّك ووجدانها أكثر صحوة، وهي أقل اهتماماً بردود الفعل من قِبَل المستكبرين، وأيضاً فإنّ الشعوب المسلمة تعشق القدس وتحنّ إلى ربوعها؛ لذا فإنّ هذه الشعوب كانت وما زالت تتطلع إلى القيادات الأصيلة الانتماء التي تعيش حالة الصدق في علاقتها مع حقوق الأمة، ومع تطلّعات الشعوب والأجيال والجماهير، كما أنّ أفراد المسلمين يتلوعون ألماً وكمداً مما يحصل، ومن التخاذل والإنقسام اللذين يعتريا جسم الأمة، ويروّعهم ذلك المشهد الدامي في فلسطين دون القدرة على القيام بردة فعل سوى التنهّد وإطلاق الزفرات، فَهُم يعيشون حالة تشابه الأسر بفعل القيود الكثيرة المضروبة حولهم والمانعة لهم من ملامسة القضية الفلسطينية بجدية، فَهُم على مقربة من فلسطين إلا أنهم يبدون على مسافة آلاف الأميال منها، إنهم قريبو المسافة من حيث المكان بعيدون من حيث القدرة على الوصول, ليس فقط إلى المكان بفعل الاحتلال وإنما أيضاً بفعل احتلال آخر يسيطر على الأفواه والأنفس والعقول والإرادات؛ ليمنعها جميعاً من أن تعبّر عن مكنوناتها، هذه هي الحال التي كانت عليها الأمة، وما زالت كذلك في بعض أجزائها، وقد حاول الإمام الخميني (رحمه الله) أن يبيّن هذا الواقع من خلال كلماته التي قالها منذ عقود من الزمن؛ ليضي‏ء شمعة في طريق مستقبل الأمة, ويساعدها في إزاحة العوائق والعثرات، فهو الإمام الذي ذاب في أمته وغطّت عباءته كل آمالها ودارت عمامته حول جميع آلامها, وأومأ بطرف عصاه إلى حلّ مشاكلها، كانت الأمة في كل بصيرته وبصره، ولم يكن له همّ وشاغل سوى معالجة مشاكلها والمطالبة بحقوقها, والتأكيد على قضاياها الكبرى دون أن يهاب أحداً؛ لأن الحق سلطان والمطالب به قوي, ومنطقه جارف وعزيمته يجب أن لا يَحول دونها أو يقف في طريقها أية قوة, طالما أنه يطالب بحق مغتصب, فالسالب للحق هو الذي يجب أن يخاف ويخاف صاحبه...

    وإذا عدنا إلى الأسباب التي يمكن أن نستقرأها من كلمات الإمام الخميني (رحمه الله), والتي تقف وراء المشهد المأساوي والسوداوي في حاضر الأمة وواقعها, والتي يمكن وفي حال عدم تجاوزها أن تؤسس لِمْا هو أسوأ في المستقبل.

    إنّ هذه الأسباب بحسب رأي الإمام تعود في غالبها إلى الخيانة والمهانة والجُبن, والضِعة والتآمر من قِبَل كثيرين من الحكّام المتقلدين للسلطة في بلاد المسلمين, والذين يعملون عادةً للحفاظ على عروشهم من خلال التنازل عن عرش الأمة، وكذلك على تقوية مواقعهم على حساب قوة الأمة وعنفوانها, وهم يستمدون حضورهم وبقاءهم من العدو الذي سلب وما زال خيرات شعوبهم وثرواتهم، كما أنهم يعملون لإستدامة شباب سلطاتهم على حساب شباب الأمة ونضارتها, وهذه هي كلمات الإمام واضحة جلية تُبيّن أهم الأسباب التي آلت إلى خسارة فلسطين ومنها:

    1ـ إنّ الحكّام ليسوا ممثلين حقيقيين لشعوبهم, فهم متسلّطون أو مستبدون وإنهم غير مدينين بدين الإسلام حقاً, وإنهم غير متوحّدين فيما بينهم, وكذلك فإنهم غير لائقين للتصدّي للمسؤوليات الكبرى في دولهم وبين شعوبهم, والتي نصّبوا أنفسهم للتصدّي لها وبعضهم يعمل على التخريب والتفرقة بين فئات شعوبهم أو بين دول المسلمين.

    وفي هذه الأبعاد يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «فلو كان حكّام البلدان الإسلامية ممثلين حقيقيين للناس، مؤمنين بأحكام الإسلام ومنفّذين لها، واضعين الاختلافات الجزئية جانباً، كافين أيديهم عن التخريب والتفرقة متّحدين فيما بينهم لَمْا استطاعت حفنة من اليهود الأشقياء أن يفعلوا كل هذه الأفاعيل مهما كان الدعم الذي تقدمه لهم أمريكا وانكلترا، فما نراه من قدرتها أي (إسرائيل) وممارستها إنما هو بسبب تهاون وعدم لياقة المتصدّين للحكم على الشعوب المسلمة».

    2ـ الخلافات الحادّة القائمة بين قيادات الدول الإسلامية هي التي تَحول دون علاج المشكلة بعد أن كانت سبباً في حصولها.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (وإنها اختلافات قادة الدول هي التي تعقّد المشكلة الفلسطينية وتَحول دون حلها).

    3ـ عمالة بعض القادة للإستكبار وأنانيتهم واستئثارهم بالحكم واستسلامهم وعدم تحريكهم ساكناً إزاء ما يتعرض له المسلمون, وخصوصاً في فلسطين.

    وفي ذلك يقول الإمام (رحمه الله): (إنّ اختلاف وعمالة بعض رؤساء البلدان الإسلامية لا يعطيان الفرصة والإمكانية لسبعماية مليون مسلم في أن يَحلّوا مشكلة القضية الفلسطينية التي تمثل أشد مصائبنا».

    كما يقول (رحمه الله): (إنّ الأنانية والعمالة واستسلام بعض الحكومات العربية للنفوذ الأجنبي المباشر يمنع عشرات الملايين من العرب من إنقاذ فلسطين من يد الاحتلال الإسرائيلي».

    4ـ التشتت والانهزام النفسي لبعض القادة الذي يدينون للاستكبار في الحفاظ على عروشهم ويدفعون ثمن ذلك ترسيخ الأوضاع المأساوية في بلاد المسلمين.

     يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (إنّ كثيراً من حكومات البلدان الإسلامية ونتيجة للإنهزام النفسي أو لعمالتها تنفّد المخططات الخيانية والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للإسلام والتي تهدف إلى ترسيخ هذه الأوضاع المأساوية للمجتمع الاسلامي والى تسليط «إسرائيل» على أرواح وأموال وأراضي الأمة الإسلامية».

    5ـ إنشغال أغلب الحكومات بالمفاوضات السياسية التي لا طائل منها, والتي لا يمكن أن تؤدي إلى علاج القضية الفلسطينية في حين أنّ الجهاد هو الحل.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (إنّ أكثر الحكومات مشغولة بالقيام, والقعود والمفاوضات التي لا نتيجة منها تاركين المجاهدين الفلسطينيين الشجعان الذين يقاومون «إسرائيل» برجولة لوحدهم).

    6ـ تساهل بعض الرؤساء العرب، وعدم اهتمامهم بالقضية الفلسطينية ولا بما يعانيه الشعب الفلسطيني.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (إنّ جميع المشاكل التي يعاني منها إخواننا في القدس طوال هذه المدة إنما هي نتيجة لتساهل الرؤساء العرب).

    هذا من جهة الحكّام والأسباب المتعلقة بهم كأشخاص وممارسات وما يعتري أوضاعهم وما يَحول دون توحّدهم, والتي أدّت إلى مزيد من الإهمال والنسيان والتهاون بقضية فلسطين، أما من جهة الشعوب وشرائحهم المختلفة لا سيما النخب والعلماء فهناك أيضاً الأسباب التي ترتبط بهم والتي هي بأزائهم، صحيح إنّ المشاكل الكبرى والأساسية ناتجة عن واقع الحكّام وتقاعسهم وتخاذلهم وأحياناً خيانتهم وعمالتهم, إلا أنّ ذلك لا يلغي ولا ينفي المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الشعوب, وبالأخص على الطليعة فيها من النخب السياسية والإعلامية والثقافية, وبالأخص العلماء الذين يجب أن يأخذوا بأيدي شعوبهم ويوجّهوهم نحو القضايا المصيرية, فطالما أنّ الحاكم لم يمارس دور الموجّه والمرشد السياسي للشعب وللناس نحو أهم القضايا والمسائل؛ فإنّ هذه المهمة تصبح على عاتق العلماء والمثقفين, حتى لو كانوا خارج اطار السلطة أو كانوا يخشون السلطات الحاكمة، وعلى هذا الصعيد حدد الإمام الخميني (رحمه الله) عدّة أسباب ترتبط بواقع الشعوب والجماهير, أذكر أهمها:

    1ـ عدم الاعتماد على الإسلام والقرآن, والاعتماد على المعسكر الشرقي أو الغربي، وذلك خلاف المفروض بحسب مفهوم النص الإلهي, بضرورة الكفر بالمعسكرات المادية وبالطاغوت, والايمان بالله وبرسالته والاعتماد عليه سبحانه وعلى تعاليم دينه:

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (لو أنّ الشعوب المسلمة وبدلاً من الاعتماد على المعسكر الشرقي أو الآخر الغربي اعتمدت على الإسلام ووضعت تعاليم القران النوارنية والتحررية نصب أعينها وعملت بها لَمْا وقعت أسيرة للمعتدين الصهاينة).

    2ـ التفرّق والتشرذم والخلافات بين المسلمين والتلهّي بالمسائل الخلافية غير الحساسة, وترك الساحة واخلائها للاستكبار ومشاريعه؛ مما أضعف قدرة هذا العدد الضخم والهائل من المسلمين, وأطمع فيهم ثلة من الصهاينة الحاقدين.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (لو اجتمعت هذه القدرة, أي قدرة المائة مليون عربي فإنّ أمريكا لن تستطيع أن تفعل شيئاً).

    ويقول أيضاً: (إنّ الاختلافات هي التي سببت وجود الصهاينة هنا, وأتاحت لهم الفرصة لتثبيت أنفسهم».

    3ـ التهاون والتقاعس وعدم القيام بأي فعل أو عمل في سبيل تغيير الواقع من قِبَل المسلمين، الذين كانوا أهل كلام وأقوال وتصريحات وبيانات وخطابات في حين أنّ أعداءهم كانوا أهل فعل وحركة ومبادرة.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يجب أن أقول: إنّ أعداء الإسلام كانوا رجال عمل لا كلام, والمسلمون كانوا رجال كلام لا عمل, فلو كان الأمر يخرج عن حدود الكلام لَمْا عجز أكثر من مائة مليون عربي إلى هذه الدرجة عن مواجهة إسرائيل».

    4ـ الإتّكال على الحكومات وانتظار مبادراتها وقراراتها, وعدم المبادرة إلى اتخاذ ما يناسب الموقف.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (إنّ الشعوب إذا ما توقّعت أن تبادر هذه الحكومات إلى الوقوف بوجه إسرائيل والقوى الأخرى فإنها واهمة بذلك».

    وهكذا يمكن استخلاص النتائج التالية:

    أولاً: إنّ الأسباب الرئيسية التي تقف وراء أزمات المسلمين, أو التي تَحول دون علاجها وبالأخص قضية فلسطين هو واقع غالبية الحكّام في بلاد المسلمين.

    ثانياً: هناك أسباب أخرى ترتبط بالشعوب وبطلائعها النخبوية تتمثل بعدم المبادرة والقيام وعدم الالتزام بأحكام الدين وهذا ما يعمّق المشكلة ويفاقم الأزمة.

    ثالثاً: إنّ الحكّام كما الشعوب معنيون بتغيير أوضاعهم, من أجل الإتجاه نحو تصحيح الواقع وعلاج المشاكل, وإلا فالأمور ستبقى على حالها, بل هي مرشّحة لمزيد من التدهور والتأزّم. 

     

    كيفية استعادة القدس وفلسطين‏

    بعد تشخيص المشكلة وأسبابها وعللها المتراكمة على مدى عقود من الزمن، والمتمثلة أساساً في التقاعس عن أداء الواجب, وعن القيام لمواجهة عدو الأمة الذي استطاع بفعل ذلك أن يثبّت أقدامه في قلب العالم الاسلامي, ويشعر بالارتياح وبالقدرة على التوسّع وعلى مدّ النظر في كل الاتجاهات ليحدد هدفاً جديداً في أقطار وبلاد المسلمين, يتوسّع إليه ويزحف نحوه بجيشه الجرّار الذي يسبقه الرعب الناتج عن الأجواء الدعائية التي يثيرها الإعلام الغربي, والذي يبعث على الهزيمة قبل حصولها, وعلى الاستسلام قبل تحقق ما يستدعيه، وقد ساعد على ذلك حالة التخاذل من قِبَل معظم الحكومات والإدارات والأنظمة الحاكمة والتي تمتلك أساساً مقدرات البلاد, والتي بيدها القدرة على إعطاء الأوامر وإصدار القرارات للقوات المسلّحة من أجل التحرك والمواجهة؛ مما أدى إلى ترك ثلة من المجاهدين الذين تمّ تسليحهم بأسلحة الهزيمة, وتمّ تمويل عمليات فرارهم أكثر مما موّلت عمليات انقضاضهم وهجماتهم، كما تمّ تعزيز مؤسساتهم المدنية أكثر من تعزيز مقوّمات الصمود والممانعة، كما ساعد على ذلك أيضاً حالة الإختلافات والتباينات والإفتراقات بين الحكّام وبين شعوبهم, حيث لم يكن غالبية الحكّام بمستوى تطلّعات وآمال شعوبهم وتَوْقها إلى الحرية والسؤدد ورغبتها في استعادة الحقوق, والحالمة بعودة أسباب العنفوان والقوة إلى هذا الانتماء, للإسلام من جهة وللعروبة من جهة ثانية، وكذلك من العوامل المساعِدة في الخذلان والضعف حالة الفرقة التي عملت لها المخططات الاستكبارية وعززتها بين افراد الأمة وجماهيرها, وقد ساعد على سريانها ضعفاء النفوس والعملاء، فباتت الأمة تعيش حالة التمزّق من خلال تمسّك كل طرف من أطرافها بخصوصياته ومصالحه الضيّقة والمحدودة؛ مما أضاع الأولويات وأحدث انقلاباً في سلّمها وفي درجة الأهمية لكل منها، وباتت الصراعات المناطقية والاقليمية هي الحاكمة على واقع الأمة, فمن صراعات على نقاط حدودية ضاعت على أثر ترسيم غير دقيق أو غير نهائي لقوى الاستكبار والاستعمار في العالم، وتارة على بعض المساحات الجغرافية المتنازع عليها, في حين أنّ منطقة واسعة وهامة وتلامس كرامة الأمة وعنفوانها قد احتُلت واغتُصبت وانتُزعت من جسم الأمة وهي قطعة هامة وحيوية وذات صلة بمعنويات الأمة وكرامتها، وإنّ ردّات الفعل لم تكن لتتناسب مع حجم الأزمة وعظم وهول الكارثة، وقد ساعد الإعلام الغربي والمعادي وبعض المأجورين والمستزلمين والتابعي العقول لأسيادٍ سوف يكفرون في يوم من الأيام بشركهم, وسوف لا يكونون عندهم سوى تجّار أقلام وسماسرة كلام وبائعي أفكار، ساعد كل هؤلاء في تضخيم حجم المشاكل الثنائية بين الدول العربية أو الإسلامية المجاورة, في حين أنها تعاطت أو أوهمت الشعوب بضرورة التعاطي مع (إسرائيل) على أنها حالة واقعية طبيعية, بل وأحياناً حضارية يجب التعامل معها وفق هذه المنطلقات بالصداقة والترحيب وإقامة العلاقات, حتى يصل الأمر, بل الوقاحة عند البعض بطرح التطبيع مع (إسرائيل) في حين أنّ البعض يكشّر أنيابه وليس مستعداً لأنّ يتقبّل دولة عربية أو إسلامية إلى جانب دولته ولا يتعامل معها على أساس العلاقات الودّية فضلاً عن التطبيع الكامل للعلاقات، ومن جملة ما تم ادعاؤه من جهات عدّة بأنّ (إسرائيل) هي جزء من أوروبا المتحضّرة, جاءت إلى المحيط العربي المتخلّف من أجل سَوْقِه إلى الحضارة والتمدّن والرقي, من خلال ما استطاعت (إسرائيل) أن تمتلكه وبسرعة من مقوّمات الدولة الحديثة على المستويين العلمي والتقني.

    إذاً لقد عملوا بشتّى الطرق والأساليب الماكرة والخدّاعة والملغومة من أجل تضخيم الخلافات القائمة بين العرب وبين المسلمين, ومن أجل بذر الشقاق والخلاف بين الاطراف المتسالمة أو المتوافقة, وكذلك بغية إظهار (إسرائيل) دولة مدنية متحضّرة ومسالمة, وإنّ العرب هم الذين يعتدون عليها ويريدون تدميرها..

    وهكذا عمل الإمام الخميني (رحمه الله) وعلى مدى سنين من عمره الشريف على كشف هذه الأكاذيب وفضح هذه المؤامرات, وتسليط الضوء على مكامن الخلل في واقع الأمة وعلى الأخطار التي تحدق بها وتهددها، وهو (رحمه الله) كان يرفع الصوت دائماً لينبّه ويوقظ, ولكي يسمعه الناس فيوصل اليهم جملة حقائق كان يراها بعين قلب البصيرة، وأراد أن تَعْلَمها كل الجماهير فضلاً عن الأنظمة، هذه الحقائق التي تساعد في حال الإعتماد عليها أو الإستفادة منها في إستعادة القدس وفلسطين, ومن هذه الحقائق والمقولات والثوابت:

     

    أولاً: رفض المؤامرات والمخططات الخيانية, ورفض المعاهدات والاتفاقات والصلح مع هذا الكيان؛ لأن من شأن ذلك إعطاء الشرعية لإعتداءات «إسرائيل» على الأمة وعلى الشعب الفلسطيني, فضلاً عن إعطاء الشرعية لوجودها, وهذا ما لا يعترف به الإمام (رحمه الله) الذي يعتبر »إسرائيل« كياناً غاصباً محتلاً إرهابياً متسلّطاً وغير شرعي.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): (إنّ معاهدة كامب ديفيد وأمثالها تهدف إلى منح الشرعية لإعتداءات (إسرائيل) وقد غيّرت الظروف لصالح (إسرائيل)).

    ويقول أيضاً: (إنّ كل موقف يقوّي «إسرائيل» لن يكون مضّراً بالفلسطينيين والعرب فقط, بل سيكون مضرّاً بكل بلدان المنطقة, وسيؤدي إلى تقوية كل القوى الرجعية في المنطقة».

    ثانياً: المباردة لاقتلاع مادة الفساد التي يمثلها نفس وجود الكيان الإسرائيلي, وليس فقط من خلال اعتداءاته أو ممارساته فهو عين الفساد.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنّ «إسرائيل» غاصبة، ويجب أن تغادر بأسرع وقت, وطريق الحل الوحيد هو أن يقوم الأخوة الفلسطينيون بالقضاء على مادة الفساد هذه بأسرع وقت».

    ثالثاً: الدفاع عن الأهداف الفلسطينية وحماية المجاهدين، ففي ذلك سبب إلى تحرير فلسطين.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «على البلدان الإسلامية أن تدافع بكل قواها عن الأهداف الفلسطينية وأن تدافع عن الحركات التحررية في العالم».

    رابعاً: عدم الاعتراف بـ«إسرائيل» من قِبَل الدول سواء كانت إسلامية أو عربية أم حرة؛ لأن هذا الاعتراف يعطي الشرعية للكيان الغاصب ويساعده في تثبيت وجوده وفي إطالة أمد هذا الوجود، ومن الواجب الشرعي نفي هذا الاعتراف ومعارضته.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنني أعتبر مشروع الإعتراف بـ«إسرائيل» بمثابة الكارثة بالنسبة للمسلمين, وبمثابة الانفجار بالنسبة للحكومات, وإنني أعتبر الإعلان عن معارضة ذلك فريضة إسلامية كبيرة».

    خامساً: دعم الانتفاضة الدائم من أجل أن تستمر وتحقق أهدافها والتي على رأسها سحق اليهود والصهاينة.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «لا تصغوا إلى كلام الداعين إلى وقف إطلاق النار وما شابه ذلك من الطروحات فكل ذلك من أجل منع الفلسطينيين من التقدم.

    إنّ الشعب الفلسطيني يوشك أن يسحق اليهود الصهاينة وأتمنّى أن يتمّ ذلك».

    ويقول (رحمه الله): «ينبغي أن نقدم الدعم لتظاهرات وانتفاضة الشعب الفلسطيني, مقابل ظلم «إسرائيل» ليتغلب على هذا الغول الغاصب والمفترس».

    سادساً: رفض المساومات والتنازلات التي يقدمها بعض الحكّام الخونة، ففي ذلك تهاون بالقضية المركزية وإضعاف لها وإطلاق ليد العدو في استكمال تنفيذ مخططاته العدوانية.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «على الشعوب الإسلامية أن تفكر بإنقاذ فلسطين وأن تعلن للعالم عن غضبها واستنكارها للممارسات التساومية الاستسلامية للحكّام العملاء والخونة, الذين ضيّعوا آمال وجماهير مسلمي الأرض المحتلة».

    ويقول (رحمه الله): «ألا يعلم قادة القوم بأنّ المفاوضات السياسية مع السياسيين المتجبرّين ومجرمي التاريخ لن تنقذ القدس وفلسطين، وسوف تزيد من وتيرة الجرائم والمظالم كل يوم».

    سابعاً: دعم المناضلين الفلسطينيين مادياً ومن الحقوق الشرعية.

    وكذلك دعم الصمود والصرف لمعالجة آثار العدوان.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنهم مجازون في الصرف إلى حد الثلث من سهم الإمام "ع" على اللاجئين والمشرّدين والمناضلين».

    ثامناً: الدعوة إلى الوحدة بين المسلمين؛ من أجل مواجهة التحدّيات وعلى رأسها مواجهة «إسرائيل» والقضاء على بذرة الفساد التي تمثلها.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «لقد اكّدت دائماً على وحدة المسلمين في العالم لمواجهة الاعداء بما فيهم «إسرائيل»».

    ويقول (رحمه الله): «إنني أتمنّى أن يتخلّصوا من الاختلافات, وأن تتوجّه الحكومات نحو القضايا الإسلامية, وأن يقطعوا بمشيئة الله هذه الغدة السرطانية من أراضيهم.

     ويقول أيضاً: «يجب أن يتّحد الجميع ويقفوا صفاً واحداً بوجه هذه المجموعة المعتدية».

    وفي سياق حديثه عن الوحدة بين المسلمين يؤكد الإمام الخميني ‏(رحمه الله) أنّ نفس الوحدة تؤدي إلى إزالة «إسرائيل» وليس هناك حاجة لإمكانيات ضخمة لذلك.

    وفي ذلك يقول الإمام (رحمه الله): «لو اجتمع المسلمون والقى كل واحد منهم دلواً من الماء على «إسرائيل» لجرفها السيل، ولكن مع ذلك نرى أنهم عاجزون أمامها».

    تاسعاً: ثورة الشعوب المسلمة هي الطريق لتحرير فلسطين، خصوصاً مع عدم إمكانية الإتكّال على الأنظمة، فإنّ ثورة الشعوب تحرج الحكّام وتدفعهم باتجاه المواجهة مع «إسرائيل» وباتجاه استخدام القوة في مقابلها وخصوصاً سلاح النفط.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إذا أردتم أن تنقذوا فلسطين فعلى الشعوب أن تثور بنفسها وتدفع حكوماتها لمواجهة «إسرائيل»».

    ويقول (رحمه الله): «يجب على الشعوب دفع حكوماتهم للنهوض بجدية لمواجهة أمريكا و«إسرائيل» وذلك باستخدام القوة العسكرية وسلاح النفط».

    عاشراً: العودة إلى الإسلام ومنابعه الأصيلة والى الالتزام بأحكامه؛ من أجل حلّ القضية الفلسطينية، والعودة هذه يجب أن تكون إلى الإسلام المحمدي الأصيل.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «ما لم نعد إلى الإسلام، إسلام رسول الله، فسوف تبقى مشاكلنا على حالها ولن نستطيع حلّ قضية فلسطين».

     الحادي عشر: الإستفادة من الإمكانات والوسائل العسكرية المستندة على الايمان وعلى الشعور بعظمة الإسلام وبقدرته على تحقيق الأهداف, وعدم الرضوخ إلى التهديدات أو الإتّكال على التفاوض الذي لا يجلب سوى الخيبة ومزيد منها, وعدم مخافة القوى الكبرى أو عيش عقدة إرضائها.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يجب ومن أجل تحرير القدس، الاستفادة من المدافع الرشاشة المتكّلة على الايمان وقدرة الإسلام، وترك اللعب بالسياسة التي يُشم منها رائحة الاستسلام والتخلّي عن فكرة إرضاء القوى الكبرى». 

     

     

    القدس محور قضية فلسطين ورمزها

    ركّز الإمام الخميني (رحمه الله) على القدس المدينة كرمز ومحور وأساس في القضية الفلسطينية, وأنّ رمزية القدس ناشئة من جهتين:

    الأولى: القداسة الخاصة لهذه المدينة لدى المسلمين كافة, فهي أولى القبلتين

    والثانية: هي المظلومية والشكوى والأسر, حيث الإدعاء الكاذب من اليهود بوجود هياكل سليمان تحت مسجدها ومحاولاتهم المستمرة لهدم المسجد تبعاً لهذا الادعاء، والإمام الخميني (رحمه الله) لم يكن ليعترف بأي حق لـ«إسرائيل» في الوجود، ولا يقرّ أيضاً بأي حق لها في أي أرض أو في أي مساحة من الأرض الإسلامية، كما أنه كان يرى ضرورة طرد اليهود من جميع فلسطين كل فلسطين من الجليل إلى غزة ومن نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ولم يكن الإمام ليفرّق بين أراضٍ احتلت عام 1948م واخرى احتلت عام 1967م.

    فكلها محتلّة، و«إسرائيل» كلها غاصبة، ويجب أن تزول بتمامها, ومع ذلك كله فقد أعطى الإمام (رحمه الله) اهتماماً ورعاية خاصة لقضية القدس؛ لأنها تشكّل المدخل إلى كل فلسطين, وتعبّر عن المظلومية التي تنتاب أحد الأماكن المقدسة لدى المسلمين والعرب والمسيحيين والأحرار في العالم، فالقدس مهبط الأنبياء ومحل الوحي وموطن الأولياء والصالحين منذ آدم إلى نبينا الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقداستها متعددة الأوجه ومظلوميتها الكبرى شاهدة على كل المظلوميات، كما أنّ ضميرها المستبطن للتاريخ الغابر يعتمر في نفوس المؤمنين حكايات عشق ووَلَه إلى الأسلاف من الأولياء والأطهار, الذين تشرّفت بهم تلك الأرض التي تحدّث الله عنها في عدّة محال من كتابه العزيز: بأنها الأرض المباركة هي وما حولها، مما يجعل العُلقة مع هذا الرمز قوية ومتينة متانة الارتباط بالرموز الذين مرّوا على هذا المَعْلَم.

    هذا الأمر الذي يخلق حالة تفاعلية وجدانية تؤسس لحركة تأثّر بما يجري في القدس, ولِمْا يحصل لها, وحركة فاعلة باتجاه التعبير عن هذه الحالة بالسخط والغضب تارة، وبالقيام والثورة تارة أخرى، من هنا فإنّ تأكيد الإمام الخميني (رحمه الله) على هذا الرمز " القدس " باعتباره محور قضية فلسطين، بل محور قضية الأمة، بل أيضاً محور قضية الصراع بين الحق والباطل وبين الأخيار والأشرار وبين الحرية والعبودية وبين الاستكبار والاستضعاف، فقد أعطى الإمام للقدس أبعاداً ودلالات تستحقها كونها موطن آمال الملايين من أتباع الديانات من الذين يتوجّهون شطرها شطر الحق الشاخص فيها والشاخصة فيه، فهي محل هبوط الشرائع الإلهية التي نزلت إلى عالم الإنسان والشهادة من عالم الغيب، فهي محل إسقاط الغيب في الشهادة، وهي محل عروج الإنسان إلى عالم الكمال، ولعلّه لأجل ذلك كانت محطّة معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء مخترقاً الأرض التي قطعها بين الحجاز وفلسطين في رحلة اسرائه في عالم الملك مقدمة للصعود والترقي في عوالم الملكوت..

    وقد عمل الإمام الخميني (رحمه الله) على اعادة القدس إلى موقعها الطبيعي, من خلال الإضاءة على مجموعة الأبعاد التي ترمز اليها, فهي ليست رمزاً شخصياً ولا وطنياً ولا قومياً، كما أنها ليست قضية دين أو ملّة بعينها، إنها قضية الإنسان والأمم والتاريخ والحرية، والحق والأديان والأوطان والأزمان، وإنها رمز المظلومية والاستضعاف على امتداد هذا العالم الذي يتدافع فيه الناس بين موقعي الحق والباطل، وهي المكان الشاهد على تحدّي الإستكبار لسنن التاريخ، ومخالفته للقوانين وانتهاكه للحقوق، وسيطرته بالقوة والهيمنة على بقاع الأرض، وإنّ خير البقاع القدس, وقد نالت نصيبها الوافر من الأسر والتسلّط والإستبداد والظلم، حتى وصلت حدود ذلك إلى مساجدها وكنائسها والى دور العبادة فيها, التي يفترض بها أن تكون وادعة آمنة مطمئنة يحيط بها السكون والرهبة في ظلال الرب العطوف الرؤوف الذي اختار هذه البقعة من العالم؛ لتكون محل اشعاع للرحمة وللرحمانيين, ومحل سلام وأمن للعابرين والقاصدين والحاجين, فإذا بها تُحَوّل بفعل الأيدي الآثمة والنفوس الشريرة لاسوأ خلق الله إلى محل مغتصب سجين، تحيط به الأسوار من كل جانب، ويعتصره الألم في كل زاوية، وتُذرف عيناه الدموع في كل اتجاه، ويستصرخ الضمائر الإنسانية التي صاغها الرب الذي اصطفاه من بين الأمكنة؛ لكي تحج إليه الملايين من المحبين والمؤمنين ليلبّوا حاجة الاُنس إلى جوار النبيين والصالحين‏.

     وقد تحدّث الإمام الخميني (رحمه الله) عن هذه الزاوية بقوله: «إنّ مسألة القدس ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلد ما، وليست خاصة بمسلمي العالم في العصر الحاضر».

    كما أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) على أنّ قضية القدس ليست مرتبطة بالزمن الحاضر، بل هي على الدوام قضية المؤمنين من أتباع الديانات؛ لذا فهي آخذة بالتفاعل التدريجي من الماضي إلى الحاضر وصولاً إلى المستقبل حيث الوعد بتخليص هذا الرمز من الاحتلال.

    وفي نفس المعنى يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنها ـ أي قضية القدس ـ مسألة تخصّ الموحّدين في العالم، والمؤمنين في الأعصار الماضية والحاضرة والقادمة ومنذ اليوم الذي وضع فيه الحجر الأساس للمسجد الأقصى وحتى الآن وما دام هذا الكوكب السيّار يدور في عالم الوجود».

    ثم يتحدّث الإمام (رحمه الله) عن الجرأة والجسارة على الله ورسله, والتحدّي لوعده من خلال بثّ الظلم والاعتداء على أماكن وحي الله, ومَحال عبادته, واغتصاب أروقة التقرب إليه من قِبَل شرذمة اليهود.

    يقول الإمام (رحمه الله): «إنّ من المؤلم أن تتجرأ حفنة من الأوباش المجرمين في عصرنا هذا على التجاسر على الله تعالى ورسله الكرماء بمرأى من المسلمين ورغم كل الإمكانات المادية والمعنوية, وإنه لمن العار على الحكومات الإسلامية أن تتخذ موقف المتفرّج على قيام عنصر فاسد معدوم القيم بالتطاول واغتصاب معبد المسلمين المقدس وقبلتهم الاولى، إنه من المخجل السكوت في مقابل هذه المأساة التاريخية الكبرى».

    ثم يستعرض الإمام الخميني (رحمه الله) تلك الوقفة الشامخة لشباب فلسطين الغيارى والشجعان الذين قاموا ولبّوا نداء القدس وتلوّنت جدران مسجدها بدمائهم الزاكية, والذين تلقّوا بصدورهم رصاصات الحقد من أسلحة الصهاينة؛ وها هم قد اعلنوا انتفاضتهم المباركة على العدو الجاثم على أرضهم المحتل لمقدساتهم.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «اليس عاراً على المسلمين أن لا يعلنوا عن مواساتهم ولا يلبّوا نداء المظلومية للشبان الفلسطينيين الأعزاء, الذين لوّنت دماؤهم جدران المسجد الاقصى, والذين تلقّوا رصاص الرشاشات من حفنة من المحتلين جواباً لمطالبهم الحقة المشروعة».

    وبعد ذلك يوجّه الإمام الخميني (رحمه الله) تحيته المباركة من اليد المباركة إلى المنتفضين والى الاقصى المبارك والى الشعوب الثائرة في مواجهة الاحتلال والى مستضعفي العالم الذين يعتبر الإمام أنّ العصر الذي قام هو فيه وأسس له هو عصر قيامه المستضعفين وانتصارهم على المستكبرين.

    يقول (رحمه الله): «وتحية للقدس والمسجد الاقصى، وتحية للشعوب الناهضة في مواجهة «إسرائيل» المجرمة، وتحية لمسلمي ومستضعفي العالم»...

     

    مشاريع اليهود الصهاينة تجاه القدس‏

    من الأمور التي لفت الإمام الخميني (رحمه الله) الأمة اليها هي المشاريع التهويدية للقدس، أي المحاولة الصهيونية الخبيثة لتحويل مدينة الانسان والتاريخ والاديان إلى مدينة يهودية, لا بالمعنى الديني وإنما بالمعنى الصهيوني، وإن كان الظاهر أو الذريعة ذات بُعد ديني إنما الحقيقة هي محاولة تخريب القدس وبالتحديد المسجد الاقصى؛ من أجل اجتثاث هذا المَعْلَم الذي يرمز إلى الكثير بالنسبة للموحّدين وأتباع الديانات في العالم وبالاخص بالنسبة للمسلمين, الذين سمّاهم ابراهيم (عليه السلام) بهذه التسمية, وهذا النبي الكريم كانت محطّته الأساسية في تلك الأرض المباركة، أو لأن المسلمين يعتقدون بأنّ الإسلام جاء مصدّقاً ما كان قبله من الرسالات والرسل وبعض هؤلاء أو أكثرهم كانوا في القدس أو حلّوا فيها أو مرّوا عليها، أو لأن المسلمين يعلمون بأنّ القبلة الاولى التي صلى عليها الأوائل منهم لمدة من الزمن كانت القدس، أو لأن المسلمين يؤمنون بأنّ نقطة الإنطلاق للنبي الأعظم في رحلة المعراج كانت من القدس، وكل هذه الأبعاد عمل اليهود على تغييرها من خلال محاولة هدم المسجد الأقصى وإزالته.

    وقد عبّر الإمام الخميني (رحمه الله) عن هذه الحقيقة بقوله: «لقد قامت «إسرائيل» بجريمة كبرى تمثّلت في مباشرتها عمليات الحفر في المسجد الاقصى ـ قبلة المسلمين الاولى ـ الأمر الذي يستتبع احتمال انهدام قبلة المسلمين الاولى وحينها ستحقق «إسرائيل» هدفها المذكور».

    وإنّ خلفية مشروع الصهاينة تكمن في العداء مع كل ما هو إلهي وديني وسماوي، فهم كصهاينة يعلمون أنّ أجدادهم طُردوا من الأرض المباركة؛ لعدم تماشيهم مع حقيقتها النورانية، فهم أنجاس والأرض طاهرة، وهم أرجاس والأرض مباركة، والأرض إلهية وهم شيطانيون، والأرض ربّانية وهم عبدة الطاغوت، ولأجل ذلك سوف يحاولون تحدّي الوعد الإلهي من خلال غزوهم لأرض الطهر في فلسطين والتي تتناقض حقيقتها مع ماهيتهم، وسوف يحاولون تجاوز السنن الطبيعية التي تحكم بعدم إمكانية اجتماعهم ووجودهم في تلك الارض.

    فهم مخلوقات ممسوخة بحسب تعبير الإمام (رحمه الله) الذي قال: «ومع الأسف فإنّ هذه الحكومات وبدلاً من الثورة على هذه المخلوقات الممسوخة والإتحاد للوقوف بوجهها فإنها تمنع حتى من الاستنكار, بل إنها تتحرك من أجل تثبيت موقع «إسرائيل»».

    وإن الصهاينة باحتلالهم للقدس يعبّرون عملياً عن تحدّي وعد الله, وكذلك عن تحدّي الأمة الإسلامية التي ترمز لها القدس الشي‏ء الكثير، وهذا هو المشروع الأساسي للاستكبار المساند لـ«إسرائيل» المتمثّل بمحاربة الإسلام بمعناه الأصيل، بل نفس الإسلام بما هو هو، وقد أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) هذه الحقيقة بقوله: «على المسلمين أن يعلموا بأنّ المخطط الأمريكي الذي يتّم تنفيذه بواسطه «إسرائيل» لن يتوقف عند لبنان؛ لأن المستهدف هو الإسلام أينما ظهر في كل البلدان الإسلامية».

    وفي نهاية هذه الفقرة يمكن القول: بأنّ «إسرائيل» خططت للقضاء على المسجد الاقصى ولتهويد القدس وطرد المسلمين والعرب منها, وجعلها عاصمة لكيانهم المصطنع, وسوف لن تسمح السنن لهذا الأمر أن يتحقق لحالة التناقض بين قداسة المكان ورجس الصهاينة.

     

     مشاريع اليهود الصهاينة تجاه القدس‏

    من الأمور التي لفت الإمام الخميني (رحمه الله) الأمة اليها هي المشاريع التهويدية للقدس، أي المحاولة الصهيونية الخبيثة لتحويل مدينة الانسان والتاريخ والاديان إلى مدينة يهودية, لا بالمعنى الديني وإنما بالمعنى الصهيوني، وإن كان الظاهر أو الذريعة ذات بُعد ديني إنما الحقيقة هي محاولة تخريب القدس وبالتحديد المسجد الاقصى؛ من أجل اجتثاث هذا المَعْلَم الذي يرمز إلى الكثير بالنسبة للموحّدين وأتباع الديانات في العالم وبالاخص بالنسبة للمسلمين, الذين سمّاهم ابراهيم (عليه السلام) بهذه التسمية, وهذا النبي الكريم كانت محطّته الأساسية في تلك الأرض المباركة، أو لأن المسلمين يعتقدون بأنّ الإسلام جاء مصدّقاً ما كان قبله من الرسالات والرسل وبعض هؤلاء أو أكثرهم كانوا في القدس أو حلّوا فيها أو مرّوا عليها، أو لأن المسلمين يعلمون بأنّ القبلة الاولى التي صلى عليها الأوائل منهم لمدة من الزمن كانت القدس، أو لأن المسلمين يؤمنون بأنّ نقطة الإنطلاق للنبي الأعظم في رحلة المعراج كانت من القدس، وكل هذه الأبعاد عمل اليهود على تغييرها من خلال محاولة هدم المسجد الأقصى وإزالته.

    وقد عبّر الإمام الخميني (رحمه الله) عن هذه الحقيقة بقوله: «لقد قامت «إسرائيل» بجريمة كبرى تمثّلت في مباشرتها عمليات الحفر في المسجد الاقصى ـ قبلة المسلمين الاولى ـ الأمر الذي يستتبع احتمال انهدام قبلة المسلمين الاولى وحينها ستحقق «إسرائيل» هدفها المذكور».

    وإنّ خلفية مشروع الصهاينة تكمن في العداء مع كل ما هو إلهي وديني وسماوي، فهم كصهاينة يعلمون أنّ أجدادهم طُردوا من الأرض المباركة؛ لعدم تماشيهم مع حقيقتها النورانية، فهم أنجاس والأرض طاهرة، وهم أرجاس والأرض مباركة، والأرض إلهية وهم شيطانيون، والأرض ربّانية وهم عبدة الطاغوت، ولأجل ذلك سوف يحاولون تحدّي الوعد الإلهي من خلال غزوهم لأرض الطهر في فلسطين والتي تتناقض حقيقتها مع ماهيتهم، وسوف يحاولون تجاوز السنن الطبيعية التي تحكم بعدم إمكانية اجتماعهم ووجودهم في تلك الارض.

    فهم مخلوقات ممسوخة بحسب تعبير الإمام (رحمه الله) الذي قال: «ومع الأسف فإنّ هذه الحكومات وبدلاً من الثورة على هذه المخلوقات الممسوخة والإتحاد للوقوف بوجهها فإنها تمنع حتى من الاستنكار, بل إنها تتحرك من أجل تثبيت موقع «إسرائيل»».

    وإن الصهاينة باحتلالهم للقدس يعبّرون عملياً عن تحدّي وعد الله, وكذلك عن تحدّي الأمة الإسلامية التي ترمز لها القدس الشي‏ء الكثير، وهذا هو المشروع الأساسي للاستكبار المساند لـ«إسرائيل» المتمثّل بمحاربة الإسلام بمعناه الأصيل، بل نفس الإسلام بما هو هو، وقد أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) هذه الحقيقة بقوله: «على المسلمين أن يعلموا بأنّ المخطط الأمريكي الذي يتّم تنفيذه بواسطه «إسرائيل» لن يتوقف عند لبنان؛ لأن المستهدف هو الإسلام أينما ظهر في كل البلدان الإسلامية».

    وفي نهاية هذه الفقرة يمكن القول: بأنّ «إسرائيل» خططت للقضاء على المسجد الاقصى ولتهويد القدس وطرد المسلمين والعرب منها, وجعلها عاصمة لكيانهم المصطنع, وسوف لن تسمح السنن لهذا الأمر أن يتحقق لحالة التناقض بين قداسة المكان ورجس الصهاينة. 

     

    يوم القدس العالمي‏

    1ـ إعلان يوم القدس العالمي:

    من القضايا والرموز الكبرى التي أعلن لها الإمام الخميني (رحمه الله) يوماً خاصاً للإحياء وتجديد العهد والعمل وفق ما يقتضيه الحدث أو القضية يوم القدس حيث أعلن الإمام (رحمه الله) يوماً عالمياً لها، وذلك في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك من كل عام، والملفت في هذا الإعلان عدّة أمور:

    أولاً: إنّ الإعلان جاء بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني (رحمه الله) التاريخية إلى إيران, وبعد أربعة أشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979م مما يؤكد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الأولوية الذي شغلته في فكر الإمام.

    ثانياً: إنّ اليوم، لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل يوماً عالمياً، ولعل في ذلك إشارة إلى إعطاء الإمام للقضية بُعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبّر عنه الإمام والذي سيتضح من دلالات يوم القدس.

    ثالثاً: إنّ إعلان اليوم حصل في شهر رمضان، وهو شهر الوحدة بين المسلمين، الذين يلبّي أكثرهم نداء الحق ويحلّوا في ضيافة الرحمن متوجّهين نحوه بالدعاء والابتهال، موطّنين أنفسهم على القيام بالواجب وترك المحرم، وعلى القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل هناك في حياة الأمة وواقعها اليوم منكرٌ أخطر وأسوأ من احتلال القدس من قِبَل الصهاينة.. فلا بد أن يوطّن المؤمنون أنفسهم على تلبية نداء الحق في هذا الشهر وقلوبهم معلقة بالحق قريبة منه، تعيش حالة من الحقانية المتميزة، كما أنّ شهر رمضان يمثل بالنسبة للمسلمين شهر الجهاد والانتصار، ففي شهر رمضان كان فتح مكة الذي عبّر الله سبحانه وتعالى عنه بـ" إذا جاء نصر الله والفتح " فشهر رمضان موسم النصر والفتح، ولعل التاريخ يعيد نفسه فتتحرر القدس ويحصل الفتح من جديد في شهر رمضان وانطلاقاً منه.

    رابعاً: دلالة ورمزية يوم الجمعة الذي هو عيدٌ للمسلمين جميعاً، يتوجّهون فيه إلى بيوت الله تعالى لإقامة الجماعة وأداء الجمعة، في حالة من الخشوع والتقرّب إلى الله، وفي حالة من الوحدة والاُلفة بين المسلمين والمؤمنين.

    خامساً: رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان) حيث هذه الأيام الأخيرة وخصوصاً الجمعات منها لها خصوصيات عبادية هامة، فهي الأيام التي تختصر خيرات الشهر، وفي إحدى لياليها تستتر ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، والتي يعبّر فجرها عن ظهور الحق عبر الصيحة التي ستحصل وتبشّر العالم بخروج الإمام المهدي عجل الله فرجه الذي سيطرد اليهود وللأبد من فلسطين، حيث ستكون القدس هي مكان الإعلان عن قيام دولة العدالة الإلهية، وعن سطوع شمس الحق على هذه المعمورة من خلال تلك الصلاة العالمية التي سيشارك فيها كل رموز الحق بإمامة بقية الله أرواحنا فداه.

    وإما نص دعوة الإمام الخميني (رحمه الله) فهو: «أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر, ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الإتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».

     

    2ـ دلالات وأبعاد يوم القدس العالمي:

    أ ـ يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين:

    إنه يوم عالمي، له علاقة بالصراع بين الخير والشر، وعملياً بين محور الشر المتمثّل بالمستكبرين ومحور الخير الذي يجسّده المستضعفون.

    ومما جاء في كلام الإمام (رحمه الله) حول هذا الموضوع: «يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين».

    ويقول (رحمه الله): «إنه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها للقوى الكبرى».

    ويقول أيضاً: «إنه اليوم الذي يجب أن يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرغوا أنوف المستكبرين في التراب».

    وكذلك فإنه يوم يجب توجيه التحذير فيه لكل القوى الكبرى بوجوب رفع يدها عن المستضعفين, ويوم تثبيت حق المستضعفين في الوجود والحياة والحضور والتأثير على ساحة وميدان الحياة الدنيا:

     يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين».

    ويقول (رحمه الله): «يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب أن تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات إلى القوى الكبرى».

     يوم القدس هو محطّة ومناسبة لتجميع المستضعفين وتوحيد كلمتهم بما يمكن أن يؤسس لحزب المستضعفين.

    وفي هذا البعد يقول الإمام الخميني: «لقد كان يوم القدس يوماً اسلامياً، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة، وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم، وأتمنّى أن يظهر حزب بإسم المستضعفين في العالم».

    ب ـ يوم القدس هو يوم الإسلام:

    بعد رمزيته العالمية والانسانية، تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين الهي يريد أن يصلح العالم وأن يرفع الظلم ويقيم العدل، وأحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره.

    وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «يوم القدس، يوم الإسلام، يوم القدس، يوم يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس، يجب أن تحذر فيه كل القوى من أنّ الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء».

    ويقول (رحمه الله): «يوم القدس، يوم حياة الإنسان، يجب أن يصحو جميع المسلمين وأن يدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها سواء المادية منها أم المعنوية».

    «يوم القدس، ليس فقط يوماً لفلسطين، إنه يوم الإسلام، يوم الحكومة الإسلامية يوم يجب أن تنشر فيه الجمهورية الإسلامية اللواء في كل أنحاء العالم».

    «إنني أعتبر يوم القدس يوماً للإسلام ويوماً لرسول الله (ص) ويوم يجب أن نجهّز فيه كل قوانا لإخراج المسلمين من العزلة».

    ج ـ يوم القدس هو يوم الإلتزام ونفي النفاق:

    بعد البعدين العالمي والإسلامي، الانساني والديني، كان البعد التطبيقي ليوم القدس، الذي يجسّد حقيقة الإلتزام بالاسلام، وواقع الإنتهاج بنهجه، والإستنان بسنته والإحتكام إلى تشريعاته، بحيث أنّ هذا اليوم هو المميز بين المسلمين حقاً من غير المسلمين بالمعنى الفعلي، أو بالأحرى هو الذي يميّز المؤمنين عن المنافقين.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنه اليوم أي يوم القدس الذي سيكون مميّزاً بين المنافقين والكثيرين فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون فإنهم في هذا اليوم غير آبهين أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات».

    ويقول أيضاً: «إنّ الذين لا يحيون مراسم يوم القدس هم مخالفون للإسلام وموافقون للصهيونية».

     

    3ـ الواجب تجاه يوم القدس:

    بعد إعطاء الأبعاد الحقيقية ليوم القدس، أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) على ضرورة إحياء هذا اليوم، الذي جعل له شعائر خاصة، تعبّر عن حقيقة الإحياء، فليس الأمر مجرد رفضٍ للصهيونية ولهيمنتها ولتسلطها, وليس هو مجرد النكران القلبي للظلم الناتج عن احتلال القدس، ومشروع تهويدها، إنما الأمر يتعدّى ذلك إلى التحرك والنزول إلى الشارع والتعبير العملي عن الاستنكار والرفض للصهيونية وللاستكبار.

    يقول الإمام الخميني (رحمه الله): «إنّ يوم القدس، يوم يجب أن تلتفت فيه كل الشعوب المسلمة إلى بعضها، وأن يجهدوا في إحياء هذا اليوم فلو انطلقت الضجّة من كل الشعوب الإسلامية في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك الذي هو يوم القدس لو نهضت كل الشعوب وقامت بنفس هذا التظاهرات ونفس هذه المسيرات، فإنّ هذا الأمر سيكون مقدمة إن شاء الله للوقوف بوجه هؤلاء المفسدين والقضاء عليهم في جميع أرجاء بلاد الإسلام».

    ويقول أيضاً: «آمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً, وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس, وأن يعقدوا المجالس والمحافل ويرددوا النداء في المساجد».

    وقال (رحمه الله): (لو أنّ كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس من بيوتهم وصرخوا الموت لـ(لامريكا)، الموت لـ((إسرائيل)) فإنّ نفس قولهم الموت لهذه القوى سوف يجلب الموت لها).

     خاتمة

    يمكن لمن يقرأ فكر الإمام الخميني (رحمه الله) المتعلق بالقدس وبالقضية الفلسطينية عموماً أن يقرأ من خلاله الأسس والبنى الفكرية السياسية للإمام الخميني (رحمه الله)، هذه الأسس التي تعود في نهايتها إلى الإسلام المحمدي الأصيل المبني أساساً على قاعدة التوحيد الكبرى، حيث كل الأمور والموضوعات والمسائل الفلسفية والدينية والاخلاقية والسياسية محكومة بهذا الأصل وترجع إلى هذه القاعدة، فما يشدّ إلى التوحيد ويساعد عليه فهو إلهي وإسلامي، وما يبعد عن التوحيد فهو مناقض للإسلام, حتى لو كان ظاهره دينياً وإسلامياً، من هنا ميّز الإمام الخميني (رحمه الله) في كلماته وتعبيراته بين الإسلام الظاهري أو الإسلام الأمريكي أو الإسلام الشرقي أو الغربي, وبين الإسلام المحمدي الأصيل تماماً كما جاء على لسان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن أسس هذا الدين الحنيف الدفاع عن الحق والوقوق بوجه الظلم والظالمين وعدم المهادنة في هذا الأمر؛ لأنه بحسب هذه القاعدة، ليس بعد الحق إلا الضلال، فليس هناك حالة تذبذبية ولا حالة وسطية في موضوع المواجهة بين هذين الطرفين، فإما يكون الإنسان أو الجهة مع الحق, وإما مع الباطل والضلال، وقد أكّد الإمام الخميني (رحمه الله) هذه الحقيقة في المواقف التي أطلقها والمرتبطة بالعلاقة مع أمريكا التي عبّر عنها الإمام بالشيطان الأكبر وبرأس الكفر في العالم، حيث اعتبر الإمام أنها تمثل الباطل في أجلى صوره، وبالتالي فإنّ الحق يوجد في الطرف المقابل لأمريكا، وإنه لا يمكن أن يتعايش إسلام مع هذا الطاغوت، والالتزام الفعلي بالإسلام يعني الموت لأمريكا, ذلك الشعار الكبير الذي طرحه الإمام (رحمه الله)، وأمريكا هذه بحسب قول الإمام (رحمه الله) تسعى بحسب ماهيتها للقضاء على الإسلام، من خلال مشروع التوسّع في عالمنا الإسلامي ونهب ثرواته والقضاء على هويته ونسخ فكره وحرف قيمته وهدم مقدساته، وتعمل أمريكا على كل ذلك من خلال موطئ القدم الأساسي لها في منطقة الشرق الأوسط والمتمثّل بـ«إسرائيل».

    من هنا أصبحت «إسرائيل» بالنسبة للإمام غدّة سرطانية يجب اجتثاثها؛ لأنها رأس الحربة في المشروع الاستكباري للانقضاض ليس فقط على عالم المسلمين, وإنما أيضاً على إسلامهم، لذا كانت المواقف التي وقفها الإمام الخميني (رحمه الله) حاسمة في موضوع «إسرائيل» حيث قال: بأنها يجب أن تزول من الوجود ولم يدع أي مجال للمساومة والبحث والتفاوض في هذه المسألة، من هنا أخذت القضية الفلسطينية أبعاداً هامة باعتبارها تمثل ساحة الصراع بين:

     الحق والباطل.

     المستضعفين والمستكبرين.

     الإسلام والكفر.

     الالتزام والنفاق.

    وبهذه الأبعاد رفع الإمام (رحمه الله) هذه القضية إلى مصاف القضية الأولى التي يجب أن يتحرك المسلمون نحوها، وهي تمثّل عنصر التحفيز نحو القيام بالمسؤوليات الكبرى، وهي التي توجّه المسلمين نحو المخاطر المحدقة بمستقبلهم، وهي التي تلفت إلى المشاريع الاستكبارية، وهي التي تؤسس لعملية النهوض والقيام في جسم الأمة, وهي التي تحرك الجماهير وتساعد في استنهاضهم، وهي التي تعبّر عن مستوى الوعي واليقظة في جسم الأمة، وهي التي تؤشر إلى مستوى الحياة والحيوية في هذه الأمة، وهي التي ترمز إلى نسبة الموات في الأمة، وهي التي تساعد في توحّد الأمة وقيامها جماعة للدفاع عن مقدساتها، وهي التي تلغي الاختلافات والتباينات بين أطراف الأمة دولاً وشعوباً وتوحّدهم على حقانية قضيتها.

    فصحيح أنّ قضية القدس بحسب الظاهر هي مسألة احتلال واغتصاب وانتهاك للمحرمات، لكنها في الحقيقة تمثّل حضور الإسلام والمسلمين في عالم الدنيا ومدى حضورهم في حركة التاريخ، فأما أنّ المسلمين مَيّتون ولا حراك لهم ولا يستطيعون أن يؤثّروا أو يوفّروا في مسيرة الحياة؛ وما يؤشر على ذلك هو سكوتهم وصمتهم أزاء هذه القضية الساطعة «القدس» وإما أنّ المسلمين وخصوصاً الشعوب فيهم بقية حياة ونسبة من الحيوية بما يجعلها تتحرك في سبيل الدفاع عن القدس والمطالبة بها، ورفع الصوت في مقابل «إسرائيل» والقوى التي تقف وراءها.

    وهذه الأبعاد للقضية الفلسطينية وللقدس هي التي جعلت الإمام ‏(رحمه الله) يختار أحد أشرف أيام الله قداسة واعتباراً، وهو يوم الجمعة الأخير من أيام شهر رمضان المبارك، أي يوم الجمعة من أيام القدر التي هي خير من آلاف الشهور، ليجعله يوماً للقدس، أي اختار أشرف يوم لأشرف رمز، وأقدس شهر لأقدس قضية، وأهم الأزمنة لأهم الأمكنة، وأرفع الأيام لأرفع الأمور؛ ليساعد ذلك في شدّ الأنظار ولفت الانتباه لملايين المسلمين إلى هذه القضية، والى أبعادها ودلالاتها فهي كما قال الإمام: ليست مسألة شخصية ولا وطنية ولا قومية، هي مسألة الإسلام، والحق والخير في هذا العالم، وكلّما استطاع المسلمون أن يحرروا فلسطين والقدس كلّما كانوا قادرين على تلبية الحق وعلى نشره في هذا العالم، الحق الذي يمثّله الإسلام، وفي حال لم يستطيعوا أنّ يحركوا ساكناً فهذا يعني أنّ الحق الذي يجسّده الإسلام ضاع؛ لأنّ المسلمين الذين يفترض بهم أن يلتزموا به قد تخلّوا عنه، من هنا أعطى الإمام ‏(رحمه الله) أهمية خاصة ليوم القدس, واعتبره يوماً لإحياء الإسلام ولتطبيقه, وأنه لا بد من إحيائه بالتظاهرات والمسيرات والأصوات والهتافات والأقلام والكتابات وسوى ذلك من التعبيرات التي تشهد على الصحوة في المسلمين، وكلّما كان إحياء هذا اليوم أكبر كلّما كان مستوى الصحوة أضخم وأوسع؛ حتى يصل المسلمون وبحسب تعبيرات الإمام (رحمه الله) ومن خلال الإحياء الواسع والدائم ليوم القدس إلى استعادة قوتهم وتأكيد هويتهم ونشر دينهم واشاعة الحق في هذا العالم, عندما يستطيعون بفعل هذا الإحياء بأن يحرروا القدس وأن يصلّوا في مسجدها، ومن هناك يعلنون أن الحق الذي يجسّده الإسلام قد ظهر في ربوع هذه الدنيا وكانت شرارة انطلاقته من تلك الصلاة الجماهيرية الحاشدة.

    وعند ذلك نتذكر قول الإمام الخميني (رحمه الله): «إن شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه كل المسلمين إخوة، وتقتلع كل بذور الفساد من كل بلاد المسلمين وتجتث جذور «إسرائيل» الفاسدة من المسجد الأقصى ومن بلدنا الإسلامي وإن شاء الله نذهب معاً ونقيم صلاة الوحدة في القدس إن شاء الله»...

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me