An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, February 3, 2009
  • الأمن والتعليم
  • Published at:Not Found
  • الأمن والتعليم

    أعده لمؤتمر جامعة مؤتة

    أ.د. يحيى جبر   أ. عبير حمد

    مقدمة

     

    "لا مستقبل بدون تربية ولا تربية بدون تعليم ....هكذا تعلمنا سنن الحياة، والأمم التي تعي هذه الحقيقة وتعترف بها تعمل من أجل الإعداد لهذا المستقبل، وتصبح التربية هاجسها الأول، وهدفها الرئيس... وموئلها الذي تؤول إليه كلما ألمّ بها أمر أو واجهتها مشكلة .... وتصبح حريصة على نوعية التربية التي يتلقاها أبناؤها ... تبحث لهم عن التقدم الحاضر في ميدان العلم وتسعى من أجل رفع مستوى التعليم الذي يلحقون به، لأن الإنسان هو أغلى ما نملك، وهو أداة التغيير في الحاضر والمستقبل.

    واليوم يلتحق أبناؤنا بمؤسساتنا التربوية... وسيصبح الجالسون منهم على كراسي الدراسة الابتدائية الأولى في المرحلة الجامعية بعد اثني عشر عاما، وسينزلون إلى ميدان العمل و الحياة بعد ذلك بأعوام قليلة،فماذا أعددنا لهم من تربية ذلك اليوم؟ "(1)

    وبما أننا في هذا الوطن شأننا شأن أي مجتمع بشري آخر، نسعى إلى بناء مستقبل واعد وآمن!! فلا يمكن بناء مجتمع بلا أمن، ولا أمن بلا علم، وانهيار أي من هذين الركنين الأساسيين سينعكس مباشرة على الفرد والذي هو لبنة المجتمع الأساسية، وقوامه الأول والأهم!!

    وأي بداية أو بناء بغير التعليم والأمن ستكون بداية هشة تطيح بها أدنى رياح المتغيرات أو المستجدات التي أصبحت تعصف من حولنا!! (2)

    وهنا، يجدر التنويه إلى تزايد التركيز على استثمار الفرد؛ الذي هو رأس مال أي مجتمع، فالأمن الداخلي لا يعني فقط مكافحة الجريمة، وإنما هو قبل أي شيء، بناء الفرد وخلق الاستقرار والتلاحم بين أفراد المجتمع. كما أن الأمن الخارجي لا يعني جيشا و قوات مسلحة فقط، بل يتمثل بتقوية الجبهة الداخلة أولا. وما يدعو إلى الأسف حقا؛ أن الإهمال قد طال التعليم كما الأمن، والحال التي أصبحنا نعيشها الآن، تؤكد لنا مدى التراجع في الأمن والتعليم، بعد أن أصبح ذلك واقعا مؤسفا نعيه وندركه في كل يوم!! فلا وطن بلا أمن، ولا مستقبل دون تعليم.

    " و في زمن اختلاط المفاهيم، وسطوة الظلم وقهر الآخر، في وقت باتت فيه غفوة بل غفلة الذات نسقا مكررا.........

    وفي زمن لم تعد فيه الكلاب تنبح، بل تنهش في الجسد العربي؛ تمزّق ما بقي من أشلائه، وتنثره ذرات هنا وهناك......

    كان لا بد من إعادة قراءة المحظور، وكشف المستور، وفتح ثغرة ولو بسيطة في جدار الوهم، الذي امتد في جغرافية الفكر العالمي، وترسخ في الظرف الراهن، عندما بات وصف العرب والمسلمين بالعنصرية والإرهاب لازمة ضرورية ... تظهر وتستفحل تماما كالمرض العضال..

    فمن هم العنصريون؟! ومن أولئك الإرهابيون ؟! هل هم الضحية الذين اكتووا بنار الاغتراب والتشرد بعيدا عن ثرى الوطن؟! هل هم الذين ذاقوا مرارة المذابح في دير ياسين، وبحر البقر وقانا وجنين .....؟! هل هم الذين ماتوا في العراق بحثا عن بقايا حليب أو كسرة خبز؟! هل هم الذين تهدّم منازلهم وتستباح أعراضهم في غفلة الليل العربي؟! "(3)

     

    إن الأمن حالة شعورية ، إذ لا قيمة له إن لم يوجد الإحساس به . و يتولد الشعور بأن ثمة فارقاً بينه و بين الخوف ، و إن لم يتحول ذلك كله إلى إدراك حقيقي يتمخض عنه سلوك يؤكد أن ثمة ما يطمئن على السعي في الحياة و الحركة لإعمارها و إصلاح المفاسد في مناحيها.

    ولا شك أن هذه مسؤولية مشتركة بين مؤسسات المجتمع المختلفة حيث تتكامل المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية لتشكيل هوية المجتمع وصياغة توجهات أفراده في شتى النواحي . وتعد المؤسسة الاجتماعية الأولى وهي الأسرة المحضن الأساس الذي يؤثر بشكل كبير في التنشئة الاجتماعية للفرد.  أما المدرسة فهي المؤسسة الرسمية التي تصوغ قيم المجتمع وترسم توجهاته للناشئة، وتعمل جنباً إلى جنب مع بقية المؤسسات التربوية والاجتماعية الأخرى لتحقيق ذلك ولكنها وبأي مقياس تبقى تحتفظ بحصة الأسد في هذا المجال ويقع عليها العبء الأكبر ومن هنا كان من الضروري أن نساهم في وضع النقاط على الحروف لنعرف ما لنا وما علينا سيما إذا عرفنا أن ما يقارب ثلثي المجتمع العربي يجلس على مقاعد الدراسة .

     

    دور المؤسسات التعليمية في إرساء الأمن الاجتماعي

    الأمن الفكري ـ والذي هو أساس كل أمن اجتماعي كان أو اقتصادي أو غيره ـ حالة لا يمكن رؤيتها في زاوية معينة من الثقافة ومن ثم معالجتها، إنها تكوين فكري يمكن رؤيته في كل أركان الثقافة ولعل أبرز المواقع التي يمكن البدء منها لتحقيق الأمن الفكري مؤسسات التعليم وخاصة إذا كانت تلك المؤسسات تحتضن النسبة الأعلى من سكان المجتمع.

    إن الأمن الفكري كمشروع وطني يجب أن يبدأ بالدخول في الجوهر وليس مجرد تحسينات للأشكال القائمة وتجميل واجهاتها الأمامية. إن ما يجب علينا أن نفعله هو استثمار تلك الأعداد الهائلة من أفراد المجتمع في المؤسسات التربوية لننطلق منه نحو تحقيق الأمن الفكري عبر اختبار دقيق لمستوى ذلك الأمن وتقييمه ومن ثم إيجاد الحلول، ومن المهم جدا التفريق بين أولئك الذين تشكلت لديهم انحرافات فكرية وبين أولئك الذين يمكن أن ينتج لديهم انحرافات فكرية، إن أولئك الذين وقعوا في هذه الانحرافات يحتاجون إلى معالجة أمنية وإعادة تأهيل فكري له أساليبه الخاصة، أما الآخرون والذين يمكن أن ينتج لديهم انحرافات فكرية ـ وهم محور حديثنا ـ فهؤلاء أخطر بكثير ممن ظهروا على السطح؛ فتلك الفئات لا يمكن تحديد عددها أو مكانها، ولذلك فإن محاربة الخلل الفكري لمثل هذه الفئات، عملية دقيقة وعميقة؛ تعمل على فك رموز المعادلة الفكرية وخيوطها المتشابكة لتحقيق تلك الحالة من الأمن الشامل. ولا بد من مراعاة " أن تتوافق القيم التربوية المستمدة من مرجعيات عالمية أو مواثيق دولية، كالتركيز على حلّ الصراعات و نشر ثقافة السلام مع واقع واحتياجات المجتمع المعني. وربما كانت بعض القيم السائدة عالميا كالنزوع إلى للسلام والتوافق غير منسجمة بالضرورة مع مجتمعات تعيش في حالة احتلال واضطهاد. فبالرغم من أهمية قيمة السلام والتوافق إلا انه من المهم في تلك الحالات أن لا تكون بأي ثمن، وأن الحل أي حل هو الغاية المرجوة بغض النظر عن قيم أخرى مثل العدالة ولكرامة الإنسانية والتساوي في الحقوق بين البشر.

    من هنا يصبح من الضروري عند مراجعة المناهج التعليمية الفلسطينية مراجعة منظومة القيم والمثل التي يُربّى عليها النشء الجديد والتي ستلعب دورا كبيرا في تشكيل نوعية المواطن الجديد الذي ستقوم عليه الدولة والمجتمع في آن. "(4)

    وذلك لأن "التعليم لا يتم في جزر منعزلة عن المجتمع وإنما يتلازم مع حركة المجتمع، ولا يمكن الفصل بين التعليم والمجتمع؛ فالمثالية المغرقة والارتفاع عن الواقع المعاش للإنسان يجعل من التعليم كالحرث في البحر، كما أن النزول بالعملية التعليمية إلى مجاراة الواقع والخضوع لمتطلبات سوق العمل، تفقد التعليم دوره وتجعله رهنا لمن يدفع. "(5)

    وبناء على ذلك فمن " العوامل التي يجب مراعاتها عند إعداد المناهج هي دراسة حاجات المجتمع الثقافية والاجتماعية المختلفة لتحقيق الحياة المناسبة لجميع أفراده. ويمكن تصنيف حاجات المجتمع إلى صحية وأمنية ودفاعية  وغذائية وسكنية واتصالات وغيرها وإشباع  هذه الحاجات المختلفة تتطلب أن يكون أفراد المجتمع قد اكتسبوا قدرا من المعلومات والقيم والاتجاهات والمهارات الأساسية عن طريق نظام تربوي مقصود لا عن طريق التربية غير المقصودة وليس ذلك فحسب بل لا بد للمناهج من مراعاة عوامل التغير الثقافي داخل المجتمع، وتوعية التلاميذ بحقيقة التغيرات التي تحدث حولهم وأسبابها، والنتائج المترتبة عليها، وكيفية مواجهتها.

    ويجب عند إعداد المناهج دراسة المشكلات الخاصة بالمجتمع وتحديد الخبرات التعليمية التي يجب أن يدرسها التلاميذ، سواء أكانت هذه المشكلات اجتماعية كزيادة عدد السكان، أم سياسية كتحرير الأرض. وعلى المناهج أن تعرّف التلاميذ بهذه المشكلات وأن تساهم في توعيتهم بها واتخاذ اتجاهات معينة نحوها." (6)

     

     

     

    يشير مفهوم التنشئة الاجتماعية عموما إلى أنها  "العملية التي يتم بها انتقال الثقافة من جيل إلى جيل ، والطريقة التي يتم بها تشكيل الأفراد منذ طفولتهم حتى يمكنهم المعيشة في مجتمع ذي ثقافة معينة ، ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات" (7).ومن ثم فهي تهدف إلى إكساب الأطفال أساليب سلوكية معينة ودوافع وقيم واتجاهات يرضى عنها المجتمع الذي يعيش فيه الفرد بحيث تشكل طرق تفكيره وأنماط سلوكه وحكمه على المعاني والأشياء (8) .

    يقول الأستاذ عادل زعيتر " خلقت ومعي كغيري من الناس صفتان، إحداهما ما ورثته من آبائي وهو السجيّة  والثانية الاستعداد. فأما الأولى فهي تظل في الإنسان من مهده إلى لحده لا يغيرها طارئ من طوارئ الدهر، ولا حادث من حوادثه كالعصبية، والاعتدال في السير وغيره بل تعدلها الصفة الأخرى بعض التعديل، وذلك بما يرى المرء ما عليه أبواه، وأقاربه ثم أهل جنسه، وما يدرسه في مدرسة من خير وشر، فيأخذ ما يهوى إليه.(9)

     

    لقد "أدركت المجتمعات أهمية التربية كقوة فعالة في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها حيث تلعب التربية دورا مهما في حياة الشعوب على اعتبار أنها من أهم الشؤون القومية بل إن استراتيجية التربية قد أصبحت من ضمن استراتيجية الدفاع والأمن القومي على السواء" (10)

      فليست مهمة المعلم محصورة  بتوصيل المعلومة أو المهارة إلى الطالب فحسب بل لابد وأن يعمل على زرع الشعور بالمسؤولية والإخلاص في نفوس الطلاب ولابد له أن يحمل معتقدات سليمة، ومخزوناً ثقافياً واجتماعياً فاعلاً حول أهمية التعليم في توطيد الأمن الفكري للشباب، لابد له كذلك من أن يسهم في غرس روح الولاء والانتماء للوطن, وتوطيد حب الطالب لمجتمعه وتعزيز الانتماء له والشعور بالمسؤولية المشتركة في الحفاظ على أمن هذا الوطن وسلامته من العبث والفساد. (11)  

     

    " وتأسيسا على هذه الصورة يمكن القول بأن الفعل التربوي يمتلك قدرة شمولية وكلية، وبالتالي فإن هذه القدرة تؤثر بصورة مستديمة عبر الزمن؛ حيث تشكل الإيحاءات المستمرة للفعل التربوي ومنطلق قدرته في تشكيل الإنسان والأفراد، فالسلطة التربوية هي في هذا النسق طاقة  تحفر مجراها بهدوء عبر الزمن وهي طاقة وقوة وقدرة لا نستشعرها فهي أشبه بالضغط الجوي الذي يحيط بنا ولا نشعر بوجوده إلا في حالات استثنائية من الخلل ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنه عندما يدرك الآباء والمعلمون أن كل شيء يمر أمام الأطفال يترك أثرا في نفوسهم وأن بنية الطفل النفسية وشخصيته مرهونتان بآلاف الأحداث الصغيرة التي تمر دون أن نشعر بها والتي تحدث في كل لحظة والتي قلما نعيرها أي اهتمام بسبب تفاهتها الظاهرية فإنهم سيولون لسلوكهم ولغتهم مزيدا من الاهتمام إذ لا يمكن للتربية بالتأكيد أن تعطي نتائج مهمة عن طريق إجراءات سريعة وفجائية ومتقطعة . " (12)

     

    يقول المثل العربي " السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه" ومن هذا المنطلق يجدر بنا أن نلقي نظرة على الدور الذي قامت به المؤسسات التعليمية، في إطار بناء المجتمعات والدول وتوجيه دفة حياتها وهذا ما سنتطرق إليه في المحور التالي.

     

      أمثلة من الواقع و التاريخ

     

    هنالك ولا شك علاقة وثيقة بين الأمن والتعليم· فالمجتمعات الجاهلة هي دائما ما تكون مجتمعات غير آمنة لأنها تفتقد للوعي المطلوب لتحديد شروط الأمن ومقوماته داخليا كان أم خارجيا!! بينما تتمتع المجتمعات المتعلمة بأمن واستقرار أكثر لأنها تكون أكثر قدرة على تحديد تلك الشروط والعمل من خلال مؤسسات الدولة على تفعيلها أو المطالبة والحرص عليها!!

    لقد حظيت قضية التربية السياسية والاجتماعية للنشء باهتمام فلاسفة ومفكري السياسة منذ القدم.  ففي القرن السادس قبل الميلاد، أرجع الفيلسوف الصيني كونفوشيوس فساد حكم المواطنة الصالحة إلى عدم قدرة الأسرة على تلقين أطفالها قيم الفضيلة والحب المتبادل والمصلحة العامة للوطن.

    ولهذا دعا الدولة إلى "تحمل مهمة التنشئة السلمية ابتغاء خلق نظام اجتماعي سياسي يؤدي إلى قيام حكم صالح متين" (13)      وذهب أفلاطون في كتابة "الجمهورية" إلى اعتبار التعليم واحداً من أهم أعمدة الدولة الفاضلة، فهذه الأخيرة لا قيام لها بغير مواطنين صالحين. ولا سبيل إلى خلق المواطن الصالح إلا من خلال نظام تربوي تعليمي مميز.

    "لا عجب أن يطالب أفلاطون الدولة بتولي مسئولية الإشراف التام على التعليم وعدم تركه في أيدي أفراد أو هيئات خاصة" (14)     وكرس أرسطو الفصل الأخير من سفر "السياسة" للحديث عن التربية. وجاء فيه أن من ضمن واجبات الحاكم أن يهتم غاية الاهتمام بأمر تربية الأطفال. وكل نظام حكم لا بد له من منظومة أخلاقية معينة فالأخلاق الشعبية تنشئ الحكم الشعبي وتصونه.

     

     

    وإذا وقفنا على بعض مفارق الطرق في التاريخ نلاحظ ما يدعم وجهة النظر هذه فقد " كانت المدرسة في ألمانيا النازية بداية الطريق إلى الحرب العالمية الثانية، حيث زرع جنود العاصفة النازيون والفاشست الخراب والدمار والقتل بعد أن استطاع هتلر أن يجمع الشعب الألماني ويقوده حول نظرية تفوق الجنس الآريّ ويؤثر في عقولهم حتى اعتقدوا أنهم أسياد شعوب العالم بالفعل بعد أن سخّر النظام النازيّ المدارس والمناهج الدراسية والتعليمية لتثبيت هذه النظرية فاقتبسوا من كتب التاريخ والأدب الألماني كل ما يشير إلى رفعة الألمان كدليل على صدق نظريتهم وإقناع كل ألماني بأنه يستطيع أن يعمل ويشارك في هذه الرافعة إذا تبع الدولة بدون قيد وأطاعها الطاعة العمياء كما أُقيمت "منظمات شباب هتلر" ووضعت المدارس تحت رقابة الحزب الوطني الاشتراكي النازي وأطلق عليها اسم " قلاع النظام" . (15)

     

    " وهكذا فعلت الفاشستية في إيطاليا فقد أعلن موسوليني أن الحكومة الفاشستية تتطلب أن تكون الفاشستية مصدر إلهام للمدارس كما أنها تتطلب أن يقوم النظام التعليمي كله في مختلف مراحله بتربية الشباب الإيطالي لفهم الفاشستية ولكي وتجديد أنفسهم بالفاشية وبالحياة في الجو التاريخي الذي خلقته الفاشستية.

    ولكي تنفذ الآراء والمبادئ الفاشستية إلى أعماق الشعب الإيطالي فقد وضع النظام التعليمي الإيطالي كله بما يتناسب وعقائد الفاشستية و بما يساعد على تثبيت أقدامها فأقيمت منظمات الأطفال والشباب وكان شعار هذه المنظمات ( أمن، وأطع، وقاتل ) بينما يلتحق الأطفال من سن 6 ـ 8 سنوات بمنظمات " الذئاب الصغيرة" . (16)  

    "وهكذا كان الشباب النازي والفاشستي يُسقى ويُغذّى بمبادئ العنصرية والعدوان منذ نعومة أظفاره حيث كان يّرسَلُ في أول شبابه إلى معسكرات في شرق بروسيا قريبة من الحدود البولندية لرؤية قلاع الفرسان البثوثون تقوم منذ خمسة قرون شاهدا على البربرية والتعطش للدم والعظمة من وجهة النظر النازية فيرنو الشباب الألماني النازي ويتطلع بصره عبر الحدود إلى " المجال الحيوي" لألمانيا وحقوقها التاريخية في التوسع في أراضي السلاف. وهكذا كان الإعداد العنصري لحرب التي بدأت عام 1939 ــ 1945 . كانت فيها العنصرية المجنونة وإرادة القوة والغزو والسحق للشعوب الأخرى والجناس البشرية غير الجرمانية كلها قيم تُزرَعُ في قلوب الصغار لتثمر دمارا وخراب ودماء." (17)

    "وكانت التربية في ألمانيا قد عملت من قبل على تنمية الروح الوطنية بعد هزيمتها في موقعة "ينا " "Jena " أمام نابليون فرأى فريدريك لودويج جان (1778 ــ 1825) خلق جيل قوي يستطيع أن يتخلص من أعدائه في الوقت المناسب ويسحقهم فوضع برنامجا في التربية الوطنية يتضمن الأناشيد الوطنية وقص الكفاح " (18)

     

    "وذلك ما كان يعتقده الفيلسوف الأماني "فيختة" الذي كان يرى أن التربية هي بالتحديد نقطة الانطلاق المسؤولة عن انبعاث بروسيت. " (19)

     

    ولم يكن إيمان الصهيونية ودولتها إسرائيل بأهمية التربية ودورها في حياتها وضمان مستقبلها بأقل من إيمان ألمانيا وإيطاليا أو اليابان أو حتى إسبارطة من قبلهم جميعا في تنمية المشاعر القومية المتطرفة وتشكيل شخصية مواطنيها بطريقة صارمة تستهدف خلق الشخصية اليهودية الصهيونية المرتبطة بإسرائيل " (20)

    بحيث تصبح إسرائيل وقضاياها جزءا من الحياة البيئية والعائلية لليهود،  ليس هذا فحسب بل إن الأمر ليتجاوز ذلك إلى الاعتداء على الآخر ومحاولة تشويه صورته بشتى السبل والوسائل " (21)

    "فقد اطلعت على كتاب اللغة العربية (لعله لطلبة الصف السادس)، ووجدت غلافه يوحى بازدراء للشعب الفلسطيني، ويتعمد تقديم صورة سلبية لنمط حياته، إذ كان عليه صورة مدخل قرية غير معبد، وفي الصورة بيوت بدائية، وفي خلفية الصورة مئذنة مسجد، وعلى قارعة الطريق وعاء للقمامة مُنجَفٍ وقد تراكمت القمامة من حوله. وربما كان هذا المشهد مألوفا في القرى والمدن، حتى عندهم، ولكن أن يُسلط الضوء عليه في غلاف كتاب القراءة العربية فذلك (عدوان حضاري). انظر الصور المرفقة لتأكيد ما ذهبنا إليه.

    وإن العداء ليتجاوز النصوص الحديثة إلى المصادر التراثية والمعاجم اللغوية، سواء ما كان من ذلك في العبرية ، أو سواها مما انتقل إليها من العبرية، ومن ذلك كلمة Saracens التي تطلق في العادة على العرب وأحيانا على الشرقيين، وهي مشتقة من " سارا كنوا" المحوّرة عن " قنيّة سارة" أي عبيد سارة، زوج إبراهيم عليه السلام، يريدون بذلك أبناء هاجر؛ إسماعيل عليه السلام وأبناءه، وهم العرب. فأنّى لنا أن نمحو هذه العقيدة اللا إنسانية التي تعشش في العقلية اليهودية، والتي انتقلت منها إلى عقليات شعوب غربية أخرى؛ إذ نجد الكلمة متجذرة في المعجم الإنجليزي؟.

    وجدير بالذكر أن هذا الموقف يأتي منسجما مع عقيدة أخرى تتمثل في إطلاقهم اسم "جوييم" على الأغيار، أي على من سواهم، والنظرة الدونية التي تحملها هذه الكلمة في المعجم العبري.والفلسطيني، بل العربي،  في أدبهم "لا يقتل إلا النساء والأطفال والشيوخ، ولا يعرف الرحمة ولا يهتم بالنظافة، وحين يقبض عليه اليهود يصبح جباناً ذليلاً ينفذ الأوامر كالعبيد ولا يجرؤ على الرفض، وحين تتاح له الفرصة يغدر ويكذب. وقد عرضت الباحثة لمجموعة من القصص عن العرب التي يتم تعليمها للأطفال اليهود مثل "خريف أخضر"و"غبار الطرف "و" القرية العربية " وقد تم عرض هذه الصور المشوهة عن العرب لأن الصورة النمطية للشخصية العربية تتشكل في وجدان الأطفال اليهود منذ الصغر، كما يقول الباحث اليهودي" يشعيا هرويم "

     وهذا "إيلي فودا" يصدر دراسة تتقصى الأبعاد العنصرية في الكتب المدرسية اليهودية ، وقد صدرت هذه الدراسة في الجامعة العبرية في القدس وغطت ستين كتاباً مدرسياً ، وقد ضمّن الباحث دراسته تحليلا عميقا للكتب المدرسية اليهودية ورأى أنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي الموصوف في الكتب بالغش والتخلف والسرقة واستحالة التعايش معه.(سلفيتي ، أشرف ، هكذا يربي الإسرائيليون أولادهم ، http://al-shaab.org/GIF/21-02-2003/a21.htm)

    ثم كيف نتخلص من الدلالة المعجمية التي استقرت لدى الأوروبيين، ومنهم لدى كثير من أهل الأرض لكلمة بربري التي لم تكن تنصرف لأي دلالة منكرة، حتى استعملها الفرنسيون والأسبان لدلالتها المألوفة اليوم؛ التي تقع على معنى ( الهمجي، أو المتوحش)، هذه الدلالة التي تشكّلت جراء ما ألحقته بهم قبائل البربر من هزائم عندما هاجموها في عقر دارها؟. " ( 22)

    لقد جعلت الصهيونية التربية إحدى الأسس والركائز التي تعتمد عليها لبناء جيل يهودي ووطن صهيوني وهو ما أشار إليه هرتزل في يومياته حين خصص التربية كأسلوب لتحقيق هدفه هذا فأشار إلى بعض المواد التي يركز عليها في مقدمة منهاجه واعتبرها ضرورية لذلك وهو " الأناشيد الوطنية والدين والمسرحيات البطولية" (23)

    "إن إسرائيل لم تكن لتقوم وبعد أن قامت لم تكن لتستمر والاستيطان الصهيوني لم يكن ليبقى منه أثر لو لم تستطع الصهيونية أن تخلق مجموعة من المستوطنين في المجتمع الإسرائيلي مشحونة ومزودة بقيم واتجاهات كالعنف والنزعة العنصرية والتعصب بحيث أصبحوا يشكلون تجمعا للمحاربين ليؤهلهم امتلاكهم للقوة أن يعيشوا بالعنف فيصبح الكيان الإسرائيلي أمرا واقعيا. " (24)

    ففي إسرائيل"لا يمكن الفصل بين الهدف التعليمي والهدف السياسي أو الاقتصادي ، فهذه الأهداف وغيرها تقوم عليها المؤسسة الحاكمة التي تأمر بتنفيذ الرؤى والمخططات اليهودية بما يعزز وجود اليهود ويدعم بقاءهم، وقد وصف شمعون بيرتز اللغة العبرية باللغة المقدسة، وعدّها لغة الصلاة والتراتيل والعبادات، وأعلن أن من أسباب عودته إلى أرض الآباء (فلسطين) هو رغبته بالعودة إلى اللغة إذ يقول: لم يكن بإمكاننا تصور عودة إلى الأرض من دون الرجوع إلى اللغة" (25)

    " وهكذا كانت إسرائيل في نشأتها وبنيتها عسكرية خالصة بل أن المجتمع الإسرائيلي قد أصبح من وجهة النظر السوسيولوجية المجتمع المعاصر الوحيد الذي يمكن وصفه فنيا بأنه مجتمع عسكري بمعنى دقيق." (26)

      "فبإمكان المرء أن يقول دون مبالغة إن الجيش الإسرائيلي و المجتمع الإسرائيلي، و المجتمع الإسرائيلي هو الجيش الإسرائيلي ." (27)

     

    وبالنظر إلى بعض التجارب العربية نرى أنه في مصر مثلا "كان الاستعمار والقوى الرأسمالية يعلمون أن في التعليم يكمن جوهر الوعي والتحضر، وإذا ناله الشعب فسوف تنمو معه الحركة الوطنية، وتزداد بوعيها حتى تدرك العدو الحقيقي لها وللطبقات الشعبية المقهورة " (28) وقد تنبه لهذه الفكرة قادة الأحزاب والحركات الاجتماعية المختلفة، ليس في مصر وحدها، بل في كل البلاد التي ابتليت بالاستعمار، فقد نشط عبد الحميد بن باديس في الجزائر في ثلاثينات القرن الماضي، وعمل على تأسيس كتاتيب كثيرة أسهمت إلى حد كبير في المقاومة التي شهدتها الجزائر من بعد ضد الاستعمار الفرنسي،"كما قاد الحزب الوطني حركة نشر التعليم الأهلي واتخذ منها سلاحاً قوياً لدفع الحركة الوطنية" (29).

     

    وفي فلسطين لم تقم دولة بعد، ولكن قامت سلطة وطنية و" حين نتحدث عن واقع الثقافة الفلسطينية، لا بد لنا أن نتحدث عن واقع الحال الفلسطينية". هذا ما جاء على لسان محمد نصار، كاتب وروائي ومدير مديرية الثقافة في محافظة غزة. وقال: " إن الأصل في العلاقة بين الثقافة وواقع الحال اليومي لأي أمة من الأمم، هو التشابك والداخل بحيث لا يمكن الفصل بينهما، فما بالك إذن بالحال الفلسطيني الذي يصل في غرابته إلى حد يفوق الخيال؟؟ فعلى مدار قرن تقريبا والواقع الفلسطيني يمر من مأساة إلى مأساة، ومن نكبة إلى نكبة، كلها كانت ولا زالت تستهدف الوجود والهُويّة" (30)

     

    من هنا، تشكل مراجعة المناهج التعليمية والتربوية الفلسطينية، حجرا أساسيا لتأسيس ــ ليس فقط الدولة الجديدة العتيدة ولكن الأهم لتأسيس ــ مجتمع يقوم على أسس متينة، تكون لبنته الأولى الإنسان؛ المواطن المتمتع بالحرية والكرامة والأمل في مستقبل مشرق. وكما أشارت تجارب العديد من شعوب الأرض التي سبقت الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال، فإنه لا يمكن بناء الدولة الجديدة والمجتمع الجديد، دون الاهتمام بأسس التربية والتعليم في ذلك المجتمع. (31)

          " ويخطئ خطأ كبيرا من يتوهم أن الوطن العربي الذي ينتمي إليه هو البقعة الجغرافية وحدها، التي تمتد من المحيط إلى الخليج، فذلك ضرب واحد من الانتماء المكاني، أما الضرب الثاني من الانتماء والذي بغيره لا تكامل المواطنة الحقيقية، فهو الانتماء إلى الخط الزماني، ويعني ذلك الانتماء التاريخي للتراث المتراكم بكل ما تشمله هذه الكلمة من معانٍ.

    فالوطنية الحقة تتكون من بعدين متكاملين مترابطين متلازمين، وجود جغرافي تحدده رقعة الأرض، مضافا إليها وجود زماني يمتد عبر التاريخ وما تراكم فيه من تراث ثقافي، فنحن عرب بالمكان والزمان معا، بالواقع الحاضر والتاريخ الماضي، بالموقع الجغرافي وبالثقافة الموروثة في آن واحد، وللعربي أن يهاجر إلى أي مكان وإلى أي أرض أراد، ولكنه سيظل عربيا بثقافته، كما هو عربي بانتمائه لعائلته، ولون بشرته، وعرقه، وجنسه، وتكوينه العضوي. " (32)

     

    تجربة المناهج الفلسطينية:

    بادرت السلطة الوطنية، فور تشكيلها، إلى إرساء بعض الأسس على طريق تجسيد الكيانية الفلسطينية، ومن ذلك وضع مناهج وطنية مستقلة، إذ كان المعمول به في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة امتدادا لما كان معمولا به قبل العدوان الإسرائيلي سنة 1967م، فكانت المناهج الأردنية في الضفة والمصرية في غزة.

    ولما كانت الظروف التي يحياها المجتمع الفلسطيني لا تسعفه في تحقيق الاستقلالية التامة؛( انظر بحثنا بالاشتراك مع جمال أبو مرق في "الإصلاح وآلته"، مجلة منتدى الفكر العربي، العدد 224، عمان 2005) نظرا للأوضاع الاقتصادية واستمرار الاحتلال المباشر، والرقابة الدولية إلى جانب التدخل المباشر من قوى الهيمنة الدولية؛ فقد جاءت المناهج منسجمة مع التوجهات العالمية في التقريب بين الشعوب، وتكريس العولمة، والتسامح، بغض النظر عما يلاقيه يوميا من ويلات وتنكّر لحقوقه على مدار ستة عقود.

    ولو نظرنا إلى ما يوازي ذلك لدى الطرف الآخر؛ الكيان الصهيوني، لوجدناه مختلفا جدا، فمن ذلك أن المقررات المخصصة لتدريس اللغة العربية لأبنائهم تطفح بالعداء الحضاري للعرب والمسلمين الذين ينتمي إليهم شعب فلسطين، وتنم عن تخطيط وكيد مدروسين لجسدان الصراع،  ويكرسانه،

    لقد بات لزاما على كل الأمم أن تراجع مناهجها، وتراثها لتنقيتها من المواقف العدائية تجاه الشعوب الأخرى إلا ما كان من ذلك رد فعل، وانتصارا للذات، وحينئذ لا بد من معالجة الأسباب التي دعت إلى ذلك جذريا، فلا يصح بحال من الأحوال ، ووفقا لأي معيار كان، أن يُطلب من الشعب الفلسطيني ؛ مثلا؛ أن يتسامح، أو يتنازل، أو أن يكون منسجما في مناهجه مع التوجهات الإنسانية للمجتمع الدولي، في الوقت الذي يقف فيه هذا المجتمع عاجزا عن تحقيق الأمن ورد الحقوق المشروعة له. وبعبارة أخرى، إن أي تحرك نحو أنسنة العالم، ينبغي أن تبدأ بتحقيق العدالة، ومراجعة التاريخ، والسعي لتحقيق مصالحات جذرية بين الأمم، فلا ضرر ولا ضرار، وبحيث لا نتكلم عن أمة ولا نصفها إلا بما تحب أن توصف به، لكن بعد رد المظالم، وإنصاف كل مظلوم ممن ظلمه.

    وأعتقد أن المناهج الفلسطينية، بحكم الرقابة الدولية، والتدخلات المباشرة من أطراف مختلفة، جاءت متناغمة إلى حد بعيد مع ما تقتضيه الرؤية الدولية للمناهج التي تتبناها اليونسكو، والتي من شأنها أن تدعو للتسامح، وبناء جسور الثقة والتعاون بين الشعوب. ولا يصح أن تكون الشعوب المقهورة والمستضعفة حقولا لتجارب المستكبرين والدول الساطية، وهذا إنما يُعَدّ في المآخذ التي تُرصد على هذه الدول يوما بعد يوم، وهي من باب الكيل بمكيالين أو أكثر.

    ولما كان لا بد من الاتصال بين الأمم والحضارات؛ فلا بد أن يتخذ هذا الاتصال شكلا معينا، ويخضع لأعراف محددة، ولما كانت المدرسة (بمناهجها) أهم المؤسسات المجتمعية، التي تأخذ على عاتقها النهوض بمهمة التربية والتعليم، والتي تشمل فيما تشمل، تزويد الطلاب بمهارات التواصل، وتعليمهم آداب الاجتماع، ومبادئ التبادل الحضاري، فقد رصدنا بعض الملاحظات حول جمل وعبارات ونصوص استقيناها من منهاج اللغة العربية الفلسطيني للصفوف السابع والثامن والتاسع والعاشر، وهي تشمل بشكل مباشر أو غير مباشر، إشارة إلى شيء من مبادئ التعامل بين الأفراد والجماعات، وأصول التواصل بينهم، وأسس الأخذ والعطاء. وفي ضوء تلك الأسس والمبادئ يمكننا تصور شكل العلاقة المستقبلية. وسيكون حديثنا منصبا على المحاور الآتية :

    ·                                                 التماهي مع أفكار الآخر وقيمه وذوبان الشخصية القومية والخصوصية الفردية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ وردت في درس "دور المثقف في العالم الثالث" في الجزء الثاني من منهاج  الصف الثامن عبارة:"ولهذا الحوار شروط: أولها: عدم اتخاذ آراء بديلة أو مخالفة للآراء السائدة دون مبررات مقبولة".....وهنا نتساءل عن الجهة التي يُناط بها القبول؛ أهي نحن أم الآخر؟

     

    وقبل التعليق على العبارة أود أن أشير إلى تخصيص العالم الثالث بالذكر يوحي بالنظرة الدونية للذات، ولو كان هذا السلوك صادرا عن الآخر لهان الأمر قليلا؛ ولكن أن نبادر نحن إلى تحقير أنفسنا في مقابل الإعلاء من شأن الآخر؛ دون ضرورة، فهذا يستدعي نظرا طويلا، لأن دور المثقف لا يختلف جوهريا سواء أكان في العالم الثالث أم في غيره؛ كما أن الحاجة إلى التغيير لا تبرز إلا حينما تطرأ مشكلة في المجتمع، والنوع الإنساني  يتشابه إلى حد كبير في مواجهته للتجديد والتغيير في كل زمان ومكان.

     

    كما أن في العبارة السابقة دعوة صريحة ومباشرة إلى عدم التفكير بطريقة إبداعية خلّاقة، بل على العكس، نجد فيها توجيها للطالب مفاده ألا يخرج على العرف السائد في المجتمع دون مبررات مقبولة، ولم يحدد المنهاج طبيعة هذه المبررات؛ في حين كان الواجب أن يكون الاتجاه إلى تشجيع الطلبة على النظر في الأمور بطريقة مختلفة، ومن زاوية خاصة بنا، لا سيما أن التغيير والتجديد لا يكونان إلا من خلال أفكار إبداعية غير عادية.

    وفي درس آخر مثل "حقوق الإنسان في القانون الدولي" في الجزء الأول من الصف التاسع نجد أن النص يصور جزءا من العلاقات الدولية على فترات مختلفة من التاريخ، ولكنه لا يشير إلى خروقات القانون الدولي  منذ  ظهوره وإلى اليوم، وبذلك يكون قد قدّم للطالب صورة ناقصة مشوهة عن حقيقة التطبيق العملي لهذه القوانين، إذ كان الأجدر بنا أن نتعرض لخروقات تلك القوانين، ولو على سبيل التمثيل لتكون الصورة متكاملة.

     

    ·                                                 الإكثار من القصص المترجمة ( دون كيشوت، بائعة الكبريت، في الصف السابع، والحلية، وأسرة فقيرة،  في الصف الثامن على سبيل المثال) مع وجود القصص العربية المناسبة فإذا وازنّا بين نسبة القصص المترجمة الواردة في منهاج  اللغة العربية والقصص العربية؛ لوجدناها تقترب من النصف، في حين أن القصص العربية المترجمة في منهاج الآخر لا وجود لها أصلا، وننبه هنا إلى أننا لا نريد مناقشة قضية تدريس القصص المترجمة؛ وإنما نهدف إلى الموازنة بين سلوكنا وسلوك الآخر في هذا المجال؛ إذ لا يُدَرِّس أبناءه نتاج أدبائنا المترجم إلى لغته؛ وتحديدا في المرحلة( الأساسية ) وهذا يعطينا دلالة مهمة تشير إلى طبيعة نظرة الآخر لنا، ولنتاج أدبائنا، ونظرتنا نحن له على نحو غير متوازن.

    ·                                                 المبالغة في الحديث عن التكنولوجيا والتقنية وتكرار ذلك بطريقة خالية من أي قيم، وتدعو إلى الانبهار بالغرب، وقد رُصدت العناوين التالية:

    1.                                                                      التقنية، الإنترنت، وذلك في الجزء الثاني من الصف السابع

    2.                                                                      المستقبل وتحديات التكنولوجيا، في الجزء الأول من الصف الثامن

    3.                                                                      ثورة المعلومات، في الجزء الثاني من الصف الثامن

    ومن الملاحظ أن هذه الدروس توجّه الطالب إلى منتجات التقنية الحديثة دون أن توجهه إلى الطريق الصحيح لاكتساب تلك التقنية، ولا تثير عنده الشعور بأهمية امتلاكها وتصنيعها محليا على طريق توطين العلم والتقنية.

    · التباين في نظرتنا للتعايش مع الآخر ونظرة الآخر للموضوع ذاته؛ إذ نلاحظ أن مناهجنا بشكل عام تقوي روح التسامح. وتعمق عند أبنائنا ضرورة التعايش السلمي مع الآخر أيا كان، فمثلا، نقرأ في الجزء الأول من الصف التاسع في درس "الاجتماع الإنساني" ما يلي:

    " وما لم يكن هذا التعاون لا يحصّل له قوت ولا غذاء، ولا تتم حياته؛ لما ركّبه الله ـ تعالى ـ عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح، فيكون فريسة للحيوانات، ويعاجله الهلاك على مدى حياته، ويبطُل نوع البشر، وإذا كان التعاون قد حصّل له القوت والغذاء والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله تعالى في بقائه وحفظ نوعه، فإن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني، وإلا لم يكمل وجودهم، وما أراده الله من اعتمار العالم بهم، واستخلافه إياهم، وهذا هو معنى العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم". وهذا النص وإن كان تراثيا إلا أنه يوظف هنا لمآرب تنسجم مع التوجه العام الذي يدعو إلى التفاهم والتعاون قبل استعادة الحقوق، وفي ظل استمرار العدوان، وأي عدوان! 

    ونقرأ أيضا في درس من "أجل بيئة مأمونة" الفقرة التالية:" من الأمور التي لا مفر من التسليم بها أن كثيرا من الموارد البيئية كالرياح، وخزانات المياه الجوفية، ومجاري المياه السطحية، كالأنهار والبحيرات، ومكامن النفط والغاز، والتغيرات المناخية لا تعرف الحدود السياسية بين الدول. وهذا يفرض علينا التعاون لرعايتها و دراسة مشكلاتها في إطار جماعي".

     

    ونقرأ عبارات من قبيل ما تقدم في الجزء الأول من الصف السابع درسا بعنوان "الألعاب الأولمبية"  ونقرأ في الجزء الثاني المواضيع التالية : الهلال الأحمر الفلسطيني، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، اليونيسيف، وغيرها.........لم ترد فيها عبارة واحدة تحرض على التمسك بالحقوق وصون الكرامة، أو تدعو إلى المنافسة للوصول إلى مراكز صنع القرار الدولي؛ وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة العلاقة التي تربطنا بالآخر، فنحن في حالة صراع فرضه هو علينا، بالرغم من محاولاته تطبيع العلاقات؛ لكن على قاعدة تجاوز ما فات، وفي الوقت ذاته؛ لو استقرأنا مناهجه وما يقدمه لأبنائه لما وجدناه يتجه اتجاهنا؛ بل على العكس من ذلك، إذ يركز جهوده على رسم  صورة لنا سوداوية متطرفة ومتخلفة؛ بهدف زرع الحقد والشعور بالاستعلاء في نفوس أبنائه استعدادا للمواجهة.(33)

     

                      إنّ الحرب تندلع في العقول قبل أن تصير واقعا على الأرض. من ثم فإن فض الصراعات والمنازعات يبدأ بالثقافة والتعليم. ومثلما كان علينا أن نصحح رؤيتنا للآخر كان علينا أيضا أن نطالب هذا "الآخر" بأن يعيد النظر في رؤيته لنا، فالحوار والصراع ـ وهما مصطلحان يستخدمان للتعبير عن العلاقة بين الحضارات ـ يتطلبان أن يكون الطرفان على قدر متقارب من القوة والإمكانات في حين أن هذا الشرط غير متوافر اليوم بيننا نحن والآخر (بين الشرق والغرب) ـ حسب تعريف الآخر في هذا البحث تحديدا ـ وبالتالي لا نرى أيا من المصطلحين السابقين يصلحان للتعبير عن تلك العلاقة، بل لا بد من مصطلح يتوفر فيه معنى أن أحد الطرفين يمتلك القوة والنفوذ، والآخر مغلوب على أمره، ومتحاج للآخر، مثل غزو الحضارات.

      ولذلك فإن من حق الفلسطينيين أن يرفضوا التدخل في مناهجهم، وأن يصوغوها بما ينسجم مع خصوصياتهم، وتلك شرعة دولية وحق مكتسب. فالتعليم هو سبيل الأمم إلى الحصانة والتماسك، وهو عقار فعال ضد التبعية، وأوضح أعلام الهداية إلى طريق التقدم، وهو العامل الذي به تتحقق الذات، وتتبلور السيادة، ويتضح ذلك في أن الأقاليم الاتحادية تستشعر"غيرة شديدة على سلطتها التعليمية … ولذلك فقد قاومت بضراوة ما اعتبرته عدوانا اتحادياً على اختصاصها في هذا المجال، وأبلغ وصف لهذا الوضع هو حالة جمهورية ألمانية الاتحادية، فبافاريا مثلاً ترفض بصورة قاطعة أي تعديات جديدة على استقلال الكيان المحلي بالوسائل التربوية والثقافية، بل إن هذه الوحدة، أو الكيان المحلي، قد يرى في الاحتفاظ بمسؤوليته الشاملة عن المسائل الثقافية والتربوية ما يشكل محور السيادة التي يتمتع بها ويود الحفاظ عليها" (34)

         لقد استخدمت إسرائيل جهاز التعليم العربي أداة لمراقبة العرب والسيطرة عليهم، ويقول بعض الباحثين مثل " إبان لوستيك " وسامي سموحة وغيرهما أن نقطة الانطلاق في تحديد السياسة اتجاه العرب وفقاً لمفهوم "بن غوريون " كانت هي ما قد يفعله العرب وليس ما يفعلونه. هذه المقولة التي تعمل على استغلال التعليم سياسياً من أجل السيطرة على الأقلية العربية في إسرائيل وإخضاعها للمراقبة تتجسد في تدخل جهاز" الشاباك " في عملية تعيين المديرين والمشرفين التربويين العرب؛ لذا فالمواطن العربي الذي يحمل شهادة لا يمكن أن يعثر على عمل ما في السوق الإسرائيلي بسهولة دون أن يتقن اللغة العبرية؛ لأن اللغة العبرية أساسية لمعظم المهن وأداة  للحصول على الثبات الاقتصادي، وهي مهمة في كل المناطق التي يسيطر عليها اليهود وبخاصة في القدس الشرقية، فهناك من ينظر إليها من قبل اليهود أكثر من مجرد لغة، إذ تعدّ رمزاً لدولة إسرائيل (35).

    والحديث عن أهمية اللغة العبرية في إسرائيل يقودنا إلى الحديث عن أهمية اللغة القومية في ميدان التربية والتعليم وإعداد جيل المستقبل سيما أن" البعد الجماهيري للغة العربية قطريا وقوميا قد يبدو من البدهيات، ولكنه حيوي  بالنسبة لمن يؤمن بديمقراطية الثقافة وعقدة التفتح في الفكر الليبرالي العربي يجب ألا تحول دون وضع السؤال: من يتفتح؟ وعلى من وماذا؟" (36)

    " إن شكل اللغة ليس شرطا في النقل بل هو شرط في تكوين الفكر فإذا لم تكن اللغة لا يتكون الفكر، والتفكير كلام صامت لأننا  لا نكوّن فكرة إلا بإطار اللغة وبغير هذا لا تكون إلا شيئا غامضا منحلا. " (37) " وقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن مستوى الطلاب في الكليات العلمية وما يتلقونه بالإنجليزية أو الفرنسية ضعيف، وهو أضعف قطعا مما لو تلقوا موادهم باللغة العربية على أيدي أساتذة يحسنونها" (38)  وقد أقرّ المؤتمر الرابع للتعريب في الفقرة الرابعة من توصياته " أن التعليم باللغة العربية ليس استجابة للمشاعر القومية ولا زلفى لها ولكنه استجابة للحقائق التربوية التي أثبتت أن تعليم الإنسان بلغته أوفر مردودا وأبعد أثرا وأنه أحفل بالنتائج الخيرة من الوجهتين الكمية والنوعية " (39)

     

    ومن المؤسف القول إن معرفة أكثر المشتغلين في حقول العلوم باللغة الإنجليزية لا ترقى إلى مستوى معرفة أهلها بها ومع ذلك فهم يستخدمون لغة لا يتقنونها ويهملون لغتهم الأم التي يمكن أن يحققوا بها مستوى أداء أفضل فيبوءون بغم على غم ولذلك فمن الحق الإشارة إلى أن قسما كبيرا من مشاكل العربية يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبناء الضاد وقصورهم في القيام بواجبهم اتجاه لغتهم ـ التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية ـ وتفريطهم في مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم ووجودهم المعنوي.

    إن الجزع مما يحدث للعربية والتراث المجيد لا ينطوي بالضرورة على موقف رجعي متخلف يدعو إلى التقوقع على الذات ورفض كل وارد جديد من المصطلحات وغيرها فظاهرة الاقتراض اللغوي موجودة في كل اللغات والثابت علميا وتاريخيا أن العربية أقرضت أكثر بكثير مما اقترضت ولكن يجب أن يكون الأخذ بقدر الحاجة والضرورة فقط ويمكن القول إن محنة العربية لا تتمثل في جيوش الألفاظ والمصطلحات لوافدة من عالم الحضارة المعاصرة إلى عالمها النامي فحسب بل إن محنتها الحقيقية تتمثل في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم واستسلامهم ـ في مجال العلوم بالذات ـ للغات الأجنبية بحيث تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العوم والتكنولوجيا فما دامت " صفوة" المشتغلين في العلوم تعرف الإنجليزية فلا بأس من عزل العربية بل قتلها !" (40)  ولكن إذا كانت العربية أداة صالحة لكتابة العلوم أكثر من عشرة قرون وكانت لغة الحضارة في كل هذه المدة فما بالها تعجز عن هذه المهمات اليوم؟! إنها ليست عاجزة بل أبناءها عاجزون وإنها ليست قاصرة بل أبناءها أكثرهم قاصرون." (41)

    وأخيرا نقول أنه إذا كان تعليم اللغات الأجنبية ضرورة لا مناص منها لمواكبة مستجدات عصر التقانة الحديثة فإن إتقان اللغة العربية شرط أساسي للإبداع في مختلف المجالات والإسهام في رقي أمتنا العربية الإسلامية واستعادة مجدها واستئناف ريادتها الحضارية.

     

    أثر ثنائيات التعليم في الأمن الاجتماعي

     

    يدخل الطفل أولى المؤسسات التربوية الرسمية في سن مبكرة، حيث يكون عجينة لينة طيّعة، سهلة التشكيل، وللأسف يتعرض لكثير من التناقضات المعرفية، ويرى كثيرا من السلوكات اللامنطقية التي تصدر عن جهات من المفروضان تمثل قدوة صالحة ومثلا يحتذى وكل وذلك في "محاريب" العلم والأخلاق.  وكي لا يبقى الكلام نظريا نرى أن نمثل لما نقول من يوميات الحياة المدرسية.

        ولنبدأ أولا بالسلوكات لأننا نعوّل علها كثيرا، ونرى أنها إذا كانت قويمة، فيمكنها سدّ ثغرات المنهاج وتقوية نقاط ضعفه.

     يقرأ الطالب أو على الأقل يسمع أن تعليم اليوم يختلف عن تعليم الأمس بأنه الماضي كان يقوم على التلقين أما اليوم فالطالب محور العملية التعليمية ولا بد أن يستوعب ما يقرؤه ويقتنع به مع التركيز على تشجيع الإبداع والتجديد والأصالة، رائع ...وعندما يحصل أن الطالب يناقش في موضوع ما أو يبدي وجهة نظر مخالفة في قضية، فإذا به يواجه تعنيفا وتسفيها وكأنه اعتدى على مقدس أو محرم، وأوضح ما يتجلى هذا التسلط والتعصب في إجابات الامتحانات التي تكون محددة بنموذج معين على الطالب التقيّد به وحفظه بحرفيته ولو كان السؤال يحتمل اجتهاد الرأي و بيان وجهة النظر الخاصة  "ومن غير تحفظ يمكن لنا القول بأن السلطة التربوية في مجال التعليم؛ هذه التي تسود المدارس الابتدائية والثانوية، مازالت تحمل الطابع التقليدي، الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر وهو الطابع الذي يحمل المفاهيم والتصورات التقليدية التي تتمثل في المحافظة على التقاليد وعلى البنى والمناهج الجامدة دون تغير أو تبديل. " (42)

    مثال آخر ... يقرأ الطالب عن حرمة الغش فيما يرى زميله على مقعد الدراسة يغش براحته ولا يلاقي أي حساب أو عقاب سيما إن كان ابن فلان أو علان ...

    مثال ثالث ... يقرأ الطالب عن أهمية إتقان العمل فيما يُبتلى بمدرس قرأ الفاتحة على روح ضميره فليس لديه أي شعور بالمسؤولية ولا أي توجه لإتقان أبسط أعماله لا في شرح الدرس ولا في تصحيح الدفاتر ولا حتى في تنظيم بيئة الصف الخ ...

    لاحظوا أنني قلت يقرأ الطالب ولم أقل يتعلم لأن " التعليم ليس ترويضا بل هو  إحساس منظم بالعدالة والنظام، وهو إحساس يأخذ طابعا نفسيا." (43)

    وهذا غيض من فيض فليس موضوعنا الرئيس هو بحث تلك التناقضات فنكتفي بالتمثيل عليها، للتنبيه إلى خطورة آثارها في تشكيل شخصية الطالب وبناء عقليته، إن الأطفال في أي مجتمع هم رجال المستقبل الذين سوف يصنعون بإرادتهم وفكرهم وتعليمهم مستقبلاً زاهراً لبلدهم، والطفل جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي هو فيه، ولذا تعلق الدول أهمية كبيرة على تربيتهم وتنشئتهم فمن المتعارف عليه أن الأطفال يكتسبون القيم والتصورات والمعتقدات من خلال ما يتعرضون له من تنشئه وأفكار وقيم من الجماعات المختلفة التي يتبعون لها ومنها المدرسة والأسرة ودور العبادة والرفاق ووسائل الإعلام والأحزاب المختلفة..الخ، ولا شك أن المدرسة هي أكثر هذه المؤسسات فاعلية فلا بد من مزيد من الاهتمام بكل كلمة نقولها أو سلوك تقوم به لأن شخصية الطفل تتأثر بأمور لا نلقي لها بالا ونراها تافهة ولا أهمية لها أكثر مما تتأثر بالأوامر والسلوكات الموجهة التي نقصد منها تعليم الطفل قيمة ما، وهنا لا بد من الإشارة إلى خطورة ما يسمّى " المنهاج الخفيّ" الذي يتشكل من هذه الممارسات التي لا نلتفت إليها.

    وأما إذا انتقلنا إلى تناقضات محتويات المبحث الواحد أو المباحث المختلفة فهذا ميدان واسع ومجال خصب للبحث والدراسة، وإذا كان المجال لا يسمح بقول كل شيء فإننا نكتفي ببعض الأمثلة ولنبدأ بمبحث اللغة العربية حيث نلاحظ " التباين في الصورة التي تقدمها قطع المطالعة والنصوص على نحو يخلق حالة من الصراع الداخلي في نفس الطالب؛ فقطع المطالعة والنصوص تقدم صورا متناقضة للآخر، ففي حين تدعو غالبية قطع المطالعة إلى التسامح والتعايش السلمي والتعاون بين الدول؛ نجد غالبية قطع النصوص الشعرية  تدعو إلى عكس ذلك تماما؛ حيث تدعو بشكل مباشر إلى الانتقام واسترجاع الحقوق وعدم التنازل؛ بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حين تعمد إلى وصف عمق الفجوة بين "النحن والآخر" وتصوير بشاعة ظلمه لنا ومدى اعتداءاته علينا. فمن ذلك على سبيل المثال قصيدة "الشهيد" لعبد الرحيم محمود، ونص "أحببتك أكثر" لعبد الكريم الكرمي، وفي مقرر الصف التاسع حيث نجد النصوص التالية: شريعة الغاب لأحمد شوقي وسمر في السجن لتوفيق زياد ورسالة من إفريقية لهاشم الرفاعي، وإن كان هذا لا يعني خلوّ قطع المطالعة من الدعوة للثأر وطلب الحقوق، كما نجد في درس شهيدة مسعفة الذي يتحدث عن حياة بلبيسي، وقصة خبز الفداء لسميرة عزام و درس جميلة بوحيرد من مقرر الصف السابع، ونص زائر المساء لخليل السواحري وفلسطين لعلي محمود طه من مقرر الصف الثامن. ولم نذكر هذه الملاحظة جزافا بل لنلفت النظر إلى الصراع الذي يمكن أن يتولد في نفس الطالب حين نضعه أمام هذه التناقضات".(44)

     

    وإذا انتقلنا إلى مباحث التربية المدنية والوطنية وما شاكل نجدها تستخدم المناهج التعليمية قيد الفحص في فلسطين مصطلحات "الحكومة" و"المؤسسات" و"السلطة" و"فصل السلطات" و"سيادة القانون" كمترادفات دون تمييز بينها، بل ودون تحديد لمعانيها بالرغم من أن تلك المفاهيم لها مدلولاتها وتعريفاتها المتميزة في الأدبيات السياسية. وسواء كان ذلك الاستخدام التبادلي مقصوداً أم غير مقصود، فالنتيجة هي تولد حالة ذهنية عند الناشئة توحد بين الحكومة وسيادة القانون والعمل المؤسساتي وتعتبر الخضوع للحكومة ضماناً لبناء دولة القانون والمؤسسات، والخروج عليها وبالاً على وجود دولة القانون والمؤسسات. وبذلك تعمل المدرسة على تهيئة النشء عقلياً ونفسياً على التسليم بدور الجماعة مع التهوين من دور الفرد وعدم تمجيده. فالمقررات الدراسية ترسخ في أذهان التلاميذ أن حركه المجتمع تصنعها الجماهير من جهة والمؤسسات المدنية والأهلية من جهة أخرى، وأن تغلب المجتمع على المشاكل والأزمات يتوقف أولاً وأخيراً على المشاركة والتعاون بين الجميع. وبذلك تتأصل عندهم الروح الجماعية والإيمان بالعمل الجماهيري.  وهذه مغالطة خطيرة؛ فعلى الرغم من أهمية الروح الجماعية إلا أن الطالب يجب أن يعي أنه ليس من الضروري أن تكون الجماعة دائما على حق فكثيرا ما يكون الفرد هو صاحب الرؤية الصحيحة،وبالتالي ليس شرطا أن يتابع الجماعة في كل شيء ولو لم يكن مقتنعا به.

    ومن المغالطات الصارخة والتي لم نعد نرى فيها أي ضير لكثرة ما اعتدنا عليها هي عرض صورة قبة الصخرة عند الحديث عن المسجد الأقصى أو عرض الصورتين بالتناوب ( مع التركيز على صورة قبة الصخرة) حتى بات راسخا في أذهان الناشئة أن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة ولا فرق بينهما ولا شك أن السبب وراء ذلك هو مؤامرة صهيونية لمحو صورة المسجد الأقصى من أذهان المسلمين وقد قرأت تساؤلا يقول صاحبه وماذا تعتقد انه سيحدث لو دمرّ المسجد الأقصى؟؟؟  ويجيب لا تتوقع أن يحدث الكثير، لأن الجميع سينظرون إلى قبة الصخرة ويرونها لم يمسسها سوء فيظنون أن الذي دُمِّرَ شيء آخر!!

    ويبدو التناقض أوضح ما يكون إذا قارنا بين محتوى مبحث التربية الإسلامية و محتوى بقية المباحث؛ إذ يركز مبحث التربية الإسلامية على ضرورة التمسك بالشريعة الإسلامية في شؤون حياتنا كافة وفي الحصة التالية يدرس الطالب من القوانين والتشريعات وأنماط الحياة ما هو على النقيض تماما وكأنه انتقل إلى عالم آخر. ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يتسبب به مثل هذا التناقض من صدمة الطالب و إيقاعه في دائرة مفرغة من الشك في كل شيء وعدم الاطمئنان أو الثقة بأي شيء مم يجعل منه ليس أكثر من حطام لا يصلح لأي مهمة. ونكتفي بهذا القدر اليسير من أجل التنبيه إلى ما ينطوي عليه هذا التناقض من خطورة على مستقبل الفكر البشري فالحرب تندلع في العقول قبل أن تصير واقعا على الأرض وإذا كانت دخيلة النفس مضطربة متناقضة فمن أين يأتي الأمن! ومن ثم فإن فض الصراعات والمنازعات يبدأ بالثقافة والتعليم.

    لقد حان للمجتمعات أن تراجع واقعها، وهي على هذا الطريق لا بد لها "من التجدّد ومواكبة المتغيرات التي تستجد ليس على الصعيد الإقليمي وحسب، ولكن على الصعيد العالمي، ذلك أن العالم أصبح – كما يقولون – قرية صغيرة" (45)  

     

     

    هل يهدد التعليم الديني الأمن الاجتماعي؟؟؟

     

    إطراء الحياة الآمنة هو ديدن المنابر كافة، بل هو مطلب الشعوب جميعا بلا استثناء، وخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية. وذلك لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من وُهِبَها ولا غرو في ذلك.

          و ثمة إجماع على أن الدين والأخلاق وجهان لعملة واحدة، وأن التنشئة الدينية جزء لا يتجزأ من التنشئة الأخلاقية ، بل إن الدين هو روح التربية الخلقية وقوتها المحركة, إذ يستمد المجتمع قيمه الأخلاقية من التعاليم الدينية، التي تلعب دوراً أكثر فعالية في الالتزام الشخصي، أكثر من القواعد والقوانين الوضعية.

    ففي ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان، هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها.

    إن طبيعة الأمن كإحساس أو شعور تستلزم "كائنا حيا"، إنسانا كان أو غيره، و لذلك حرص  الإسلام على أن يغلف الأمن حياة الإنسان ، بل حتى حياة الكائنات الحية الأخرى المسخرة لخدمته و نفعه ، و مساعدته على أداء رسالته الاستخلافية .

    وقد صح عنه  أنه قال: ((من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)).

    إن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين بعامة، لهو مدعاة للسخرية والفوضى، فلا يمكن محاربة التدين تحت مظلة الأمن الفكري أو أي مسمىً آخر، لأن حس الانتماء للدين وللوطن يضفي على نفس الفرد الاطمئنان والاستقرار، وفقدان هذا الحس يؤثر على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في الوطن، وإذا كان الأمن لا ينفصل عن الزمن بحال من الأحوال في الحاضر و المستقبل فهو أيضا” لا ينفصل عن المكان ، و كفى في هذا المقام بيان أهمية اعتبار المكان كعامل أساس ألصق الإسلام صفته – أي الأمن - ببعض الأماكن المقدسة مثل الحرم الآمن  و البلد الآمن .

    وفي العصر الحديث، راح منتسكيو يعزو انتصار الرومان إلى روحهم البطولية التي غذتها وعززتها عقيدتهم. وحينما ذهبت عنهم هذه الروح في ركاب انشغالهم بالغنائم وتأثرهم بعقائد وثقافات الشعوب التي خضعت لهم، أفل نجم الإمبراطورية الرومانية. كما نبه روسو إلى تأثير الثقافة والتنشئة السياسية على نظام الحكم وسياستها العامة.(46)

    إن أقسى صور العنف الفكري ، هو الاستهزاء بالمعتقدات والقيم والثوابت ، فلكل أمة قيمها التي تؤمن بها ، ومعتقداتها التي لا تحيد عنها ، وثوابتها التي إليها ترجع ومنها تستمد قوتها وثقافتها ودستورها ، إن معتقدات الأمة الإسلامية تتمثل في الإيمان بالله وبالملائكة وبالرسل وبالكتب السماوية وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، ومن ثوابت الأمة القرآن الكريم ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأي هجوم عنيف وإساءة لهذه القيم والثوابت والمبادئ ، من شأنه أن يخلق العداء للطرف الآخر .

    إن تحقيق الأمن الفكري يجب ألا يتم على حساب التشكيك في الثقافة السائدة واعتبارها مسؤولة عن الأخطاء التي يحددها المجتمع ولكن عملية الأمن الفكري تنطلق من إعادة التوازن في المعرفة التي يتلقاها الأفراد وفتح الأبواب المغلقة من خلال طرح الخيارات في قيم الثقافة ومعاييرها. بعبارة أخرى يمكن القول إن الخيارات المتعددة في السلوك والمعرفة الدينية المتوافقة مع القيم العامة للدين هي إحدى الوسائل لتحقيق الأمن الفكري، فالخلل في الفكر الاجتماعي لا يحدث إلا عندما يتم القضاء على الخيارات ويتم مصادرتها بحث تصبح القيم المطروحة قيما ملزمة وليس هناك مجال للتفكير، ففرض الرأي الواحد والقول الواحد والاجتهاد الواحد هو أحد مسببات ذلك الخلل في الفكر حيث يشعر الفرد أنه لا خيار له فيجد نفسه منقادا إلى اتجاه بعينه. إن وجود الخيارات المتعددة أمام المجتمع المتلقي يمنحه فرصة الاختلاف والتنوع ما دام ذلك الاختلاف لا يخدش الأصول التي نستقي منها مصادرنا. إن مخاطبة الضال عن المنهج المطروح لا يتم بنسف ما لديه من مقومات فكرية ولكنه يتم بطرح الخيارات أمامه انطلاقا من منهجه

    ونختم بمقولة من مأثورات المهاتماغاندي " إنني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، ولا أن يُحكم إغلاق نوافذي، إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية، لكنني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري"

     

     

     

     

     

    مراجع التعليم والأمن

     

     

    1.                                              حارب، سعيد عبد الله ، مستقبل التعليم وتعليم المستقبل، المجمع الثقافي، الإمارات العربية المتحدة، 2003م،

    ص 45

    2.                                              http://www.minshawi.com/other/aamer.htm

    3.                                              علي، علي عبد الجليل، معالم عنصرية في الفكر اليهودي، دار أسامة لنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، 2002 م ، ص 5

    4.                                              جاد، إصلاح وآخرون، إدماج مفاهيم التربية الميدانية في الإرشاد التعليمي، مركز إبداع المعلم، رام الله ـ فلسطين، 2002،ص 10 ـ 11

     

    5.                                              مستقبل التعليم وتعليم المستقبل، مرجع سابق،ص31

     

    6.                                              الرشدان،  عبد الله وزميله، المدخل إلى التربية والتعليم، دار الشروق، فلسطين ــ رام الله، ط2، 1999م ، ص 302

     

    7.                                              إسماعيل ، محمد عماد الدين، الأطفال مرآة المجتمع ، عالم المعرفة ، العدد ( 99 ) الكويت ، 1986 ، ص 269-270

     

    8.                                              منجود، مصطفى محمود،  الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام ، سلسلة الرسائل الجامعية ( 26 ) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة  ، 1996 ص ص 44-45 .

    9.                                              جبر،  يحيى ، شيخ المترجمين العرب عادل زعيتر،  منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، فلسطين ـ نابلس ، 1997م ، ص9.

    10.                                         القاضي، وائل أمين، التربية في إسرائيل،  مركز البحوث والدراسات التربوية، نابلس، 1994 ، ص13.

     

    11.                                         العرادي، سالم، "المؤسسة التعليمية مسؤولة عن تعزيز الانتماء الوطني لدى الطلاب،" في جريدة الوطن الخميس 24 رجب 1425هـ الموافق 9 سبتمبر 2004م العدد (1441) السنة الرابعة

    12.                                         وطفة، علي أسعد، بنية السلطة وإشكالية التسلط التربي في الوطن العربي،  مركز دراسات الوحدة العربية ،يروت، ط1،  1999م ، ص 169

    13.                                         المنوفي،  كمال، التنشئة السياسية في الأدب السياسي المعاصر، مجلة العلوم الاجتماعية، السنة السادسة، عدد 4، يناير 1979، ص 2

    14.                                         غالي، بطرس وزميله، المدخل في علم السياسة، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة السابعة، 1975،  ص. ب 38 39.

    15.                                         سمعان، وهيب، دراسات في التربية المقارنة، القاهرة، مكتبة الأنجلو 1958، ص72.

    16.                                         التربية في إسرائيل، مرجع سابق، ص23

    17.                                         ديمتري، أديب، المدرسة والكيان الصهيوني ، مجلة الرائد، القاهرة،نوفمبر/ 1972

     

    18.                                         دراسات في التربية المقارنة، مرجع سابق، ص 13

    19.                                         بشور، منير وزميله، التعليم في إسرائيل،سلسلة كتب فلسطينية(22)، مركز أحاث ـ بيروت 1969، ص14

    20.                                         التربية في إسرائيل، مرجع سابق، ص24 .

    21.                                         القاضي، وائل، المؤتمرات الصهيونية بعد قيام إسرائيل (1951 ـ 1972) رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراست العربية، القاهرة 1977 . جدعون هاوتزرفي المؤتمر الصهيوني السادس والعشرين،

     

    22.                                         بحث صراع الحضارات في ضوء الثوابت والمتغيرات أرجو توثيقه كما يجب لأنني لا أعرف لأي مؤتمر قدم

     

    23.                                         بشور، نجلاء نصير ، تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة ، كتب فلسطينية(87) مركز الأبحاث، بيروت 1971، ص25

    24.                                         العابد، إبراهيم، العنف والسلام في استراتيجية الصهيونية، مركز الأبحاث والدراسات الفلسطينية "10" بيروت 1967، ص17، عن كريستوفر سايكس الطريق إلى إسرائيل، لندن. 1960، ص 121.

     

    25.                                         خلف ، عبد الله ، شمعون بيرتز مستقبل إسرائيل ، صحيفة الوطن الكويتية ، الثاني من كانون الثاني عام 2003.

    26.                                         عبد الملك، أنور، شؤون فلسطينية، عدد 39، يناير 1975

    27.                                         القزز، إياد، التوجيه العسكري للمجتمع الإسرائيلي،شؤون فلسطينية، عدد 39، يناير 1975

    28.                                         بدران، شبل، التعليم والتحديث، ط4، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996 ص149

    29.                                         (بدران ص128)

    30.                                         مجلة تسامح، مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، العدد السابع، السنة الثانية، كانون أول 2004م، ص 128

    31.                                         جاد، إصلاح وآخرون، إدماج مفاهيم التربية الميدانية في الإرشاد التعليمي، مركز إبداع المعلم، رام الله ـ فلسطين، 2002، ص 10

    32.                                         ناصر،  إبراهيم، التربية المدنية، مكتبة الرائد العلمية، عمان ـ الأردن ط1، 1994، ص29

    33.                                         بحث صراع الحضارات في ضوء الثوابت والمتغيرات

    34.                                         اليونسكو، عملية التخطيط التربوي، الوحدة الثالثة، التشخيص، أعداد قسم السياسة التربوية والتخطيط، مكتب التراث العربي، الرياض 1992 ص58.

    35.                                         جيرين، زومبيرغ، أزمة اللغة العبرية في القدس الشرقية، (مقال مترجم )  صحيفة القدس ص 10 ، 29/10/2006

    36.                                         التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي والوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت، ط 1، 1982م.ص 101

    37.                                         الجندي، أنور، الفصحى لغة القرآن، دار الكتاب اللبناني، 1982م . ص255

    38.                                         شاهين، عبد الصبور، العربية لغة العلوم والتقنية،القاهرة ـ دار الاعتصام،1986، ط2،ص 366

    39.                                         مركز دراسات الوحدة العربية، اللغة العربية والوعي القومي، ص 178

    40.                                         بحث العولمة وأثرها على الشعب الفلسطيني، رؤى تربوية ص 81

    41.                                         مركز أبحاث الوحدة العربية، التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي والوحدة العربية، ص 201

    42.                                         بنية السلطة وإشكالية التسلط التربي في الوطن العربي، مرجع سابق، ص185

    43.                                         دوركهايم، التربية والمجتمع، ص89

    44.                                         دوركهايم، التربية والمجتمع، ص89

    45.                                         جبر، يحيى. تكامل الغاية والوسيلة في التعليم؛ بحث مقدم لمؤتمر تطوير التعليم في البلاد العربية، جامعة الملك فهد 11/2006

    46.                                         Gabriel Almond and Sidney verba , eds , he civic culture Revisited,   (Boston : Little Brow & 1980) ,p.s   

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me