An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • الغزو الثقافي تدجين مبطّن وإرهاب محسّن (*)
  • Published at:Not Found
  • الغزو الثقافي  (*)

    تدجين مبطّن وإرهاب محسّن (*)

     

    مقدمة :

              شاعت في العقود الأخيرة عبارات تشير إلى ما جدّ من أساليب التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين وغيرها،  حيث لم يعد ذلك التدخل استعماراً عسكرياً مباشراً،  ولا بتوجيه بعض الفئات المتنفذة في هذا المجتمع  أو ذاك  للقيام بأعمال  بعينها والتصرف وفق خطة موضوعة،  عسكرية كانت أم اقتصادية أم غير ذلك. ولكن الأمر تجاوز هذا الحد  إلى ما هو  أد هى وأمرّ،  إلى أساليب أكثر مكراً،  لا سيما بعد أن تكشّفت للمسلمين مناهج الاستعمار وأساليبه السابقة،  وأخطر ما تفتق عنه ذهن المستعمر هو ما عرف  أخيراً باسم الغزو الحضاري،  ويعبر عنه بأسماء مختلفة،  كالغزو الفكري،  أو الثقافي، أو الاستعمار موصوفاً بما تقدم،  أو التبعية الثقافية.  ومن العبارات التي تطلق في هذا المجال الاستلاب أو السلب الحضاري،  وهو أن يتحرر الانسان من خصائصه الحضارية وما يمتاز  به عن سواه،  ويأخذ بخصائص غيره.  ومن ذلك أيضاً القهر الحضاري،  وهو أن يشعر الانسان بأن حضارته الأصلية وما تتجسد فيه من سلوكياته لا تسعفه  في مجاراة ما جدّ في هذا الزمان  من استفحال أمر المادة  وسطوتها،  وبسط الدنيا يدها،  وتقصير  منهج الحياة السائد في حل المشكلات المستجدة،  فيشعر بالابلاس والافلاس،  ويفقد ثقته في حضارته،  ويتنكر  لأصوله وتاريخه،  ويرى الخلاص، كالغريق، في فتات الحضارة المادية الجامحة.

              وجدير بالذكر هنا أن الخطورة لا تكمن فقط في التدخل الأجنبي،  أو في توجيـــــــه

    ----------------

    (*)         قدم هذا البحث لمؤتمر اسلامية المعرفة الذي عقد في جامعة النجاح سنة 1991م


    الأحداث من وراء ستار، أو حتى بشكل مباشر،  ولكنها تكمن في التحول الذي يطرأ على عقلية الانسان المستهدف،  فرداً كان أم مجتمعاً ،  اذ يغسل دماغه،  ويصبح مبرمجاً على الطريقة الأجنبية،  فيفكر كما يفكرون ،  ويتصرف كما يتصرفون ،  دون أن يجد في ذلك أدنى غضاضة،  ودون مبالاة منه تجاه مجتمعه الذي قد يستنكر ذلك منه،  وبعبارة أُخرى فانه ينسلخ من مجتمعه وهو محسوب عليه،  ويندمج في مجتمع الأجنبي متحداً معه،  وباذلاً جهده في الدعاية له ومباركة ما يصدر عنه. 

              لقد تجاوزت المسألة الصراع بين القديم والجديد،  والتأثر والتأثير،  فغدت سلخاً وتلبيساً وصهراً،  ويبدو أن المسيرة في هذا الاتجاه  قد قطعت شوطاً طويلاً،  وأن الخطر غدا أكبر من أن يجابه دون خطة مقاومة محكمة. والحديد بالحديد يفلح،  مما يعني ضرورة بعث ثقافي عريض،  ووقفاً حازماً لسيل الثقافة  الواردة ما لم يكن فيه نافع.

              وقد نقارن بين وضع الأمة الإسلامية الراهن وبين ما شهدته ساحاتها في القرون الخمسة الأولى عقب هجرة  النبي صلى الله عليه وسلم،  حين راح المسلمون ينهلون من معارف الشعوب التي هداها الله لدينه من هنود وفرس وروم وترك وقبط  وسريان وغيرهم،  ويترجمون مؤلفاتهم للعربية المقدسة،  فكثرت الاصطلاحات الدخلية،  وتعددت المشارب والمسارب،  ولكن دون أن يؤثر ذلك سلباً في المسيرة الحضارية للأمة الإسلامية،  بل مد في أبعادها،  وزاد في انتاجها،  ونوّع ثمارها،  وظل القوم  ممسكين بزمام القيادة والريادة،  ويواصلون المسيرة على طريها القويم،  مما عاد بالنفع العميم على المسلمين وعلى شعوب الأرض كافة،  ممثلاً في انتشار الإسلام في بقاع الأرض،  والنهضة العلمية التي واكبته.

              أما اليوم،  فالوضع جد مختلف،  فأفلت الزمام،  وندت الركاب عن سواء  السبيل،  وقد يهون الأمر لو  توقف  عند هذا الحد،  لو لم يكن هناك من يظنون أنهم ما زالوا على الطريق  ... وأنهم مهتدون،  كالذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهم الأخسرون أعمالاً.

     


    قراءة في سجل الزمن

     

              ان الخلاف بين الشرق والغرب قديم قدم التاريخ نفسه،  واشتدت حدة الخلاف بعد ظهور الاسلام،  فقد سكنت الجبهات الاسلامية في معظم الجهات منذ زمن بعيد،  غير أن جبهة الروم قديماً،  وورثتهم حديثاً،  لم تسكن،  ولم تنطفىء نار الحقد في صدورهم،  ومن المعالم التاريخية البارزة في مسلسل الحقد ما عرف باسم الحروب الصليبية التي بدأت قبل حوالي ألف عام،  ولم تزل قائمة إلىيومنا هذا،  لكن بأشكال وطرق مختلفة،  فقديماً صد القوم بمثل ما جاءوا به،  فأعادوا النظر في أساليبهم وطوروا خططهم،  وأعادوا الكّرة من جديد،  فكان الاستعمار القديم ممثلاً في النشاطات البرتغالية والاسبانية والبلجيكية والهولندية،  وبدأ الأوروبيون ينتشرون في بلاد المسلمين رحّالة وكشافة وقناصل وتجاراً،  ثم كان من بعد الاستعمار الحديث الانجليزي والفرنسي والايطالي.

              وقد واكب النشاطات التي شهدتها أوروبة في المجالات السابقة ظهور ما صار يعرف من بعد باسم الاستشراق،  الذي بدأ أول الأمر على شكل دراسات لاهوتية،  ما لبثت حتى وظفت في خدمة الدول الأوروبية والكنيسة،  لدراسة المشرق ولغاته وحياته وديانته،  لفهمها ومعرفة أنجع السبل في التعامل مع المسلمين وغيرهم،  تمهيداً للانقضاض  عليهم،  وكيداً لدينهم،  وايقاعاً  للدسائس في صفوفهم،  والتجسس عليهم،  ليسهل "  تبشيرهم " من بعد(1).

              ومن الباحثين من يعيد ذلك  إلى ما قبل الحروب الصليبية،  وذلك باعتبار الأوروبيين الذين كانوا يعملون  في ترجمة التراث الإسلامي إلى اللغات الأوروبية،  وأُلئك الذين كانوا يقصدون المعاهد في الأندلس وغيرها - مستشرقين،  من أمثال جيرار دي اورلياك(2) الذي عرف باسم سلفستر الثاني(938-1003 من ميلاد عبد الله المسيح عليه السلام ).  غير أننا نرى أن الاستشراق المعادي(3) بدأ في أعقاب الحروبالصليبية، وتحديداً بعد فشلها،  مما حدا بالغرب إلى البحث عن خطة جديدة.

              ومن يطالع سيرة المستشرق رايموندس لولوس يقف على اصرار  وتخطيط مدروس للنيل من الاسلام والمسلمين(4)،  ناهيك عما تنم عنه ممارساته في عقر دار الاســلام من حقــــد وتحدٍ استخفاف،  ‏حين أقام قداساً علينا في تونس سنة 1307م.  وكان  همه من صغره البحث عن  وسيلة تمكّن الكاثوليكية من الانتصار على " الشعوذة والكفر " ويعني بهما الإسلام. ورأى أنه لا بد لاختراق العالم الإسلامي من نشر دعاة الكنيسة لكن بعد أن يتقنوا العربية،  وشرع لهذه الغاية يتجّول في أوروبة  لاقناع قادتها الدينيين والمدنيين،  وفي مقدمتهم البابا نيقولا الثالث،  بضرورة اقامة أكبر عدد ممكن من المراكز لتثثقيف " المبشرين " بالعلوم اللاهوتية،  وتعليم اللغة العربية (5).  وفي عام 1311م أقرّ  المجمع المسكوني في فينا تعيين مدرسين كاثوليكيين  اثنين في كل من جامعات باريس واكسفورد وبوبونيا وسالونيك لتدريس اللغات ومن بينها العربية.

              ويتضح العداء السافر للاسلام والمسلمين في أعمال كثير من المستشرقين - ولا نقول كلهم - وقد تصدى بعضهم للرد على  افتراءات الحاقدين ممن سمموا في الماضي مجتمعاتهم بما كانوا يروِّجونه من أباطيل عن الاسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين،  فهذا هو الكونت هنري دي كاستري - وقد أسلم - يتحدث في كتابه "  الاسلام خواطر وسوانح "  عن آراء مواطنيه،  لا سيما القدماء منهم،  في صورة السخرية والتهكم،  كقوله معّرضاً بهم"  وذهبوا إلى أن محمداً الذي هو عدو الأصنام ومبيد الأوثان كان يدعو الناس الى عبادته في صورة وثن من ذهب كما كان يعتقد الكرلوقنجيون"(6).  ويقول في موضع آخر" فلم يزل هذا الروح - البغضاء - سائداً عند المسيحيين حتى أن المستشرق" بريدو" الانجليزي ألف كتاباً سنة 1733م في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم عنوانه " حياة ذي البدع محمد"  وترجم بعضهم الكتاب الى لغتنا الفرنسية،  وجعل له مقدمة  بين فيها مقصد المؤلف،  فقال: ان غرض واضع هذا الكتاب هو خدمة المقصد المسيحي الحكيم(7)،  ثم يعقب الكونت هنري على ذلك بقوله: اولئك كتاب ما قصدوا التاريخ،  ولكنهم أرادوا خدمة المقصد المسيحي كما يقولون. وكان سلاحهم الوحيد في تأييد سواقط  حججهم أن يوسعوا خصمهم سباً وشتماً،  وأن يحرفوا في النقل ان استطاعوا.

              وتتضــح هـذه المقاصــد فيما وصف به وايـس - أسـلم - الـمستشرقين الأولين حيث كانوا " مبشرين" نصارى يعملون في البلاد الاسلامية،  وكانت الصورة المشوهة التي اصطنعوها  من تعاليم الاسلام وتاريخه مدبرة على أساس  يضمن التأثير في موقف الأوروبيين من " الوثنيين"(8)  .... اما تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة تقوم على المؤثرات التي خلفتها الحروب الصليبية".(9)

              " وكانت هذه الغزوات التبشيرية هي الطلائع التي مهدت للاستعمار الأوروبي ليفتح العالم الإسلامي  فتحاً سياسياً،  لهذا كان لا بد من تأسيس مراكز للاستشراق والتبشير والتوجه تلقاء المشرق،  ونقلها اليه على وجه التدريج،  فأسسوا في  أواخر ق 16م مركزاً سياسياً  كبيراً  للتبشير في مالطة،  وجعلوها قاعدة هجومهم التبشيري على العالم الإسلامي.  وفي سنة 1834م انتشرت البعثات التبشيرية في سائر بلاد الشام،  ففتحت كلية في قرية عين طورة في لبنان،  ونقلت  الارسالية الأمريكية  مطبعتها من  مالطة إلى بيروت(10)،  وقد كان لهذه الكلية دور خطير في الدعاية الفرنسية،  وهذا ما عبر عنه صراحة بيير كيلر،  القائد العسكري الفرنسي في لبنان حين قال:" ان كلية عين طورة في لبنان هي وسط ممتاز للدعاية الفرنسية.... ان مؤسساتنا تعمل دون ملل لتغذية النفوذ الفرنسي..."(11)

              ولم يتوقف العداء للاسلام،  ولكنه اتخذ أقنعة مختلفة،  بل ان من خصومه من يجاهر بعداوته،  فهذا هو يوسف الياس الحداد في كتابه" دروس قرآنية " يغالط ويزوّر  الحقائق،  ويبتر ما ينقل ليوجه الكلام نحو النتائج التي يرمي اليها،  ممثلة في التشكيك في النص القرآني ونسبته الى الأحبار والرهبان.  وحينما يفحمه النص القرآني،  ولا يستطيع تحريف معناه وألفاظه ومقامه يبادر إلى  وصفه بأنه مدسوس أو مزيد أو مقحم (12).

              ويبدو أن كثيراً من المستشرقين لم يحيدوا عما رسمته الكنيسة ،  خوفاً من بطشها،  فهذا هو الكاتب الروسيّ الشهير ليوتولستوي، " حينما رأى الحملة الظالمة على الإسلام ،  كتب رأيه في هذا الدين  الذي اعجب به،  وتحدث عن رسول الله الذي نال اكباره،  فكان جزاؤه على ذلك .... أن حرمه  البابا من رحمة الله،  فكان كما يقول الشيخ محمد عبده مخاطباً الأديب الكبير: فليس ما حصل لك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس أنك لست من القوم الضالين"(13).

              وعلى صعيد النشاط الدولي الذي يصب في المحيط نفسه،  فقد سعت أوروبة بعد هزيمة الحروب الصليبية " سعياً حثيثاً لتويق العالم الإسلامي والسيطرة على التجارة الشرقية،  مصدر  رخائه وقوته،  وكان لعمليات الكشوف الجغرافية التي ابتدرها الأمير البرتغالي " هنري الملاح" رئيس جماعة المسيح العسكرية،  دور الرائد في تحقيق هذا الهدف،  ولا غرابة أن منح البابا  تلك المجموعة السلطة الروحية وحرية الابحار حتى الهند،  وقد لخص عمانويل الثاني ملك البرتغال (1495 -1521م) دوافع رحلات الكشوف بقوله : ان الغرض من اكتشاف الطريق البحري الى الهند هو نشر المسيحية والحصول على ثروات الشرق"(14).

              ويصر بعض الغربيين على اعتبار الحملات الاستعمارية الحديثة استمراراً للحروب الصليبية.  يقول باترسون  رسمث في كتابه " حياة المسيح الشعبية": " باءت الحروب الصليبية بالفشل،  لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك، حينما بعثت انجلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة.ان حملة  "ألنبي" على القدس،  أثناء الحرب العالمية الأُولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة"(15).

              وقد يطول بنا الحديث عن ملامح الحقد التي ظهرت،  وما فتئت تظهر من أفواه الغربيين،  وان ما تخفيه صدورهم أكبر،  وقد نذكّر بجورو الفرنسي عندما دخل دمشق وتوجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي فركله قائلاً: ها قد عدنا من جديد. وبذلك الشاعر الايطالي الذي كان في الحملة البحرية المتجهة إلى ليبيا سنة 1911م اذ  قال في قصيدته التي أرسلها:

     أُماه أتمي صلاتك،  ولا تبكي

    وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً،

     لأبذل  دمي لسحق الأمة الملعونة،

      ولاحارب الديانة الاسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان،

    سأقاتل بكل قوتي لأمحو القرآن"(16).

              ولتحقيق أهداف " التبشير" كان لا بد من الباسه ثوب الانسانية،  ودعمه بالأموال اللازمة،  فقد  رصدت لذلك  الميزانيات الضخمة،  وذلك لتمكينهم دوائر الاستخبارات السياسية ودوائر الاستعمار الثقافي"(17) من النهوض بالمهمات المنوطة بها على أحسن وجه ممكن.  وقد تبين بعد تأميم قناة السويس،  ومراجعة أوراق الادارة الأجنبية التي كانت على رأسها،  أنه قد خصص في ميزانيتها ثلاثة ملايين من الجنيهات سنوياً  للتبشير بالمسيحية في بلاد الشرق الأوسط(18).  وجاء في منتخبات صحيفة المؤيد " أننا نعلم أنه ما من مدرسة من هذه المدارس( التبشيرية) إلا ولها جمعية من الجمعيات الخيرية في مملكتها تنفق عليها النفقات الطائلة"(19) لتحقيق الأهداف البعيدة التي يرمون لها.

             


    أسلحة وأدوات:

     

              وضع الموجهون الغربيون خططاً محكمة لتنفيذ أغراضهم،  وممارسة مكائدهم المتجددة باستمرار،  ولكن بأساليب مختلفة تتناسب والمتغيرات التي تطرأ على عقلية المسلمين في موقفهم من الغرب، وأعتدوا لذلك أسلحة فتاكة،  ومما يزيد في فتكها غفلة المسلمين واشتغالهم عما يتكشف لهم منها بمتطلبات الحياة التي ضاقت عليهم بفعل أيديهم وبفعل أعدائهم،  تماماً كما تشتد حدة السكين نسبياً حينما يقطع بها " اللبن والهلام" ونحوهما. ومن أهم الأدوات التي استخدمها الغرب في هجمته:

    1-      تعلم  اللغة العربية لمناظرة أهلها بها، ولقراءة أدبهم وتراثهم، ومعرفة الطريقة التي يفكرون بها، والنفسية التي يصدرون عنها، ولا ننســـى أن اللغة تقرب ما بين المتحدثين، وتجعل بعضهم يألف الآخر وتلك أول خطوة على الطريق. وانطلاقاً من الشعور بهذه الأهمية لدور اللغة كان تحمس " لولوس " في الحاحه على البابا وزعماء أوروبة لانشاء مراكز لتعليم اللغة العربية على نحو ما مر بنا آنفاً. وجاء في كتاب " أوروبة والاســـلام"(20) عن خطة عمل الكنيسة المتواصلة:" كان مما أعدته  مشروعان كبيران، أحدهما " التبشير "  والثاني لصد الهجوم عن الديانة المسيحية، أما فيما يتعلق بالتبشير،  فانه من الأوليات عندها أن يعرف المبعوث لغة المرسل اليهم، ويدرس عاداتهم وتقاليدهم وديانتهم ومواطن الضعف فيهم" ... هذا في الوقت الذي يحرصون فيه على تنفير الناس من لغاتهم تمهيداً  لتهميش دورها في الحياة الاجتماعية.

    2-      نشر لغاتهم على حساب اللغات الإسلامية،  وفي طليعتها العربية، وانشاء المدارس الخاصة بها، وابتعاث الدارسين الى البلدان الغربية للغرض نفسه،  وقد يكون واحداً من أخزى المظاهر أن تجد عربياً أو مسلماً يجيد اللغة الأجنبية ولا يجيد لغة قومه،  وينقل محمد حسين(21) عن صحيفة المؤيد، من مقالة بعنوان " يا بني مصر " :" ما طمحت الدول الأوروبية الى الاستيلاء على بلد أو اقليم من قارة افريقيا أو بعبارة اخرى من الشرق عموماً،  الا وسبقت النية بافتتاح المدارس  ... " ويصرح  بيير كيلر في حديثه عن كلية عينطورة بما كانوا يهدفون اليه من وراء نشر اللغة الفرنسية فيقول(22)" ان انتشار لغتنا واشعاع ثقافتنا وأعمالنا الانسانية وعظمة الأفكار والعبقرية الفرنسية هي الأعمال المكملة لنا ،  وسوف لن نهملها أبداً ... ان مؤسساتنا تعمل دون ملل لتغذية النفوذ الفرنسي مثل معهد الدراسات الاسلامية في القاهرة والمدرسة الاكليريكية الدومينكانية في الموصل وجامعة القديس يوسف في بيروت ".

             ويذكر محمد كرد علي في خطط الشام احتفال اليهود سنة 1343 هـ 1924م بانشاء جامعتهم العبرية  في القدس تمهيداً  لبعث الديانة ،  ويشبه ذلك بمثل ما انبعث في القرن الماضي في بيروت من " شعلة المدنية الأمريكية" انتشار " المدنية الفرنسية  والكثلكة من كلية القديس يوسف اليسوعية "(23). وقد اذكّر هنا بأنه لا معهد  الدراسات الاسلامية ولا جامعة القديس يوسف كان معترفاً بهما من قبل المسؤولين التربويين في البلاد العربية،  غير أنهما تسللا  الى دائرة الاعتراف بتسهيل الالتحاق بهما، ويُسر الحصول على شهادتهما،  فكثر من          تخرج فيهما من أبناء المسلمين،  وصاروا هم المطالبين بالاعتراف بهما ... وقد كان.

    3-     ينسجم مع ما تقدم مكملاً له تصدير  المناهج التربوية الغربية،  ونشر العلمانية،  ذلك أن هذه المناهج  تقوم هي الأخرى على أساس علماني لا يسلم بالدين، ومن شأن ذلك أن تؤدي آخر المطاف الى تدمير الأخلاق،  وبالتالي دمار الأمة،  وما نرى في تركيز أحمد شوقي على الخلق في قصائده  الا لأنه كان يدرك خطورة ما تسرب الى المجتمع الإسلامي  من أوجه الفساد ، وظهوره في البر والبحر بتأثير مباشر من الاستعمار(24).  ويؤكد هذا الدور صموئيل زويمر في كتابه " الغارة على العالم الاسلامي " حيث يقول :" ان أهم الأساليب للوصول الى تدمير أخلاقه وشـــخصيتـه ( يعني المسلم ) يمكن أن يتم نشر التعليم العلماني (25) وبهذا التدمير يتحلل المجتمع  تسهل الغارة عليه،  وتؤتي ثمارها.

             وجاء في كتاب" التبشير والاستعمار " على لسان تكلي،  أحد المبشرين" أنه  يشجع انشاء المدارس  على النمط الغربي العلماني،  لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالاسلام والقرآن حينما  درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية"(26).  ولم  يقف الأمرعند هذا الجد، فهناك المدارس المسيحية مشرعة الأبواب،  لولا أن المسلمين كانوا يأنفون من ارسال أبنائهم اليها،  وهنا  تفتقت عبقرية زويمر ليجد الحيلة في المدارس العلمانية فيقول:" ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية  فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية،  وتسهيل التحاقهم بها،  هذه المدارس  التي تساعدنا في القضاء على الروح الاسلامية عند  الطلاب"(27).

             ويدخل في هذا الإطار حرص المستشرقين والارساليات" التبشيرية " على  اشاعة  المناهج التربوية الغربية،  ولجأت الى فرضها في كثير من الأحيان بالقوة.  وفي هذا الصدد يقول الدكتور سليمان كيجوندو :" ان الدول الاستعمارية  عمدت الى فرض نظم التعليم الأوروبي الحديث ولغاتهم والدين  المسيحي والعلوم الحديثة والتكنولوجيا،  وسعت جادة لمحو مظاهر الثقافة الافريقية حتى تمكنت من خلق جيل من الأفارقة ينتمي ثقافياً لأوروبة"(28). وهذا هو ما  عبر عنه اللورد كرومر في مذكراته  حين قال: إن  جيوش الاحتلال سترحل يوماً عن مصر وغيرها من المستعمرات،  ولكن عليها أن تخلق في هذه المستعمرات جيلاً ينتمي لبلاده  باسمه ولسانه،  ولكنه ينتمي إلى أوروبة بمناهج تفكيره،  وضمان ذلك كما يقول " جب ": " هو أن يجري التعليم على الأسلوب الغربــي"(29)،  بل لقد بلغ الأمر بهم إلى ما هو أدهى وأمر،  حين عمد المســـتعمر في بعض الدول الافريقية" إلى جـمع خمســــة وثلاثين  ألف طفل بوســــائل شــيطانية،  ونشـــــأهم على المســـــيحية المتعصبــــة،  وعلمهـــم حتـــى خرّج منهم المدرس والطبيب والاقتصادي... وحينما ترك الاستعمار هذا البلد كان يمسك بزمامه وفي مناصبه القيادية هؤلاء الذين رباهم على المسيحية المتعصبة(30).

            ومن أوجه التدخل المباشر في العملية التربوية،  أن المستعمر يصر على أن يتدخل في المناهج التعليمية والمقررات الدراسية بحيث لا تخرج قيد  أنملة  عن مخططاته ورؤاه،  وقد نذكر هنا بالتشويه الذي لحق بالمقررات الدراسية في الأرض المحتلة على يد السلطات العسكرية الاسرائيلية  جراء الحذف والتعديل على مستوى النصوص والأمثلة،  بله المفردة الواحدة أحياناً.  يقول الزين في هذا الصدد:" بل تدخل ( الاستعمار ) في تفصيلات المناهج حتى لا تخرج جزئياتها عن فلسفته وحضارته،  وكان ذلك عاماً حتى في دروس الدين الاسلامي والتاريخ،  فان مناهجهما بنيت على الأساس الغربي"(31).

              ومن عجب في أيامنا هذه أن يبتعث الدارسون المسلمون إلى الجامعات الغربية لمتابعة دراساتهم العليا والدنيا وللحصول على درجة الدكتوراه في الشريعة وعلوم الدين واللغة العربية من أمريكة وبريطانيا وفرنسة  وسواها.

                 وقد حدث معي شخصياً ذات يوم،  حين كنا نعد احدى حلقات مسلس تعليمي للأطفال، عندما قدمت نصاً لتعليم الحروف الشمسية والقمرية يتضمن كلمة " الأذان" فاحتج الممول وكان من دولة أجنبية،  ورأى أن تستبدل كلمة الأذان بالغراب ... بحجة أن البرنامج موجه للمسلمين ولسواهم،  وكأنّ سواهم " العربي " ينكر أن كلمة الأذان عربية،  ولا يسمع كل يوم خمس مرات،  بحكم الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

    4-     حرية المرأة : أثار المستعمرون في البلاد الإسلامية قضية المرأة،  لكأن بأحدنا حاجة إلى من يدافع عن محارمه،  أو كأن منهنّ من شكا لهم، ولكن حقيقة الأمر تتمثل في أن بعض المسلمين استهواهم ما رأوه من تبرج المرأة الغربية وسفورها، فتمنوا لو أن بنات أوطانهم يفعلن مثلهن فيبدين محاسنهن التي حرم الله إلا بالحق،  فركبوا الموجة التي استثارها الاستعمار، وكفوه مؤونة الهدم والتخريب،  كقاسم أمين وغيره وبعض النساء  كهدى شعراوي.

                    وتنشعب هذه المسألة الى شعب مختلفة،  أبرزها سفور المرأة أو " قضية " الحجاب والزي بوجه عام ،  وتعليم المرأة،  لكأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يقل " من كانت له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها  فأحسن تعليمها كانت له ستراً  من النار"! لقد افتتن بعض المسلمين بالحضارة المادية الغربية،  وغرهم زخرف الحياة وبهارجها،  فراحوا يدافعون عنها ويروجونها في مجتمعاتهم بحجة التقدم ترويجاً.  تقول باحثة البادية في المتفرنجين وخصوم الحجاب(32):" فأما فريقهم الذين فتنتهم المدنية الغربية حتى خروا لها سجداً،  فتعليلهم في هذه المسألة( تخلّف الأمة) من الغرابة بمكان،  ... أليس من المدهش  حقاً أن نعزو ذلك التخلف للحجاب؟ ...  لم تكن  براهين هذا الفريق المتفرج ...  بأغرب من قول أحدهم:  إنه يحمر حياء ويرتعد خجلاً اذا تذكر بائسة مصرية وأنه تأخذه  الرأفة ويحسّ في قلبه بالعطف على بائسات أوروبة لأنهن لم يدفعهن الى السقوط الا الجوع... بالله أيمكن أن تبلغ عبادة المصري للأوروبيين إلى أكثر من هذا الحد".

    5-      بعث التاريخ القديم والتنقيب عن الآثار.

             كانت الشعوب قبل الاسلام في ظلم و ظلمات،  وغزو مستمر،  وكانت الأرض أشبه ما تكون بغابة من شجر الشوك،  فشق الإسلام فيها شريعته وشارعه،  فقص تلك الأشجار، وقلم أظافر الجوارح وبراثن الضواري،  ومهد الطريق فوقها،  ولكن القوم اليوم،  ومن قبل،  يعملون على بعث تلك الأشجار من تحت الطريق،  لتعود الغابة وشجر الشوك،  ويعود الظلم والظلام،  وقد عادا إلىحد كبير يستصرخ أهل العزائم والهمم،  وهكذا نجد اليوم  معظم البلدان تدرس تاريخها القديم الذي كان قبل  الاسلام،  حتى لو كان مخزياً،  فأطلت الفرعونية والبربرية والفنيقية  والبابلية والفارسية والسبئية برؤوسها من جديد. ونشط المستعمرون وبعثاتهم في مجال التنقيب عن الآثار لتوفير مادة لتلك التواريخ غير ما ورد في تراث الإسلام،  فنبشوا القبور،  وذهبوا في  ذلك مذاهب بعيدة.  يقول جب:" وقد كان من أهم مظاهر فرنجة العالم الأسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة،  التي يشغلها المسلمون الآن"(33).

             وينـسجم  مع هذا التوجه ما أذكاه المســتعمرون وعملاؤهم من التعصب القومي والوطني،  وترويج اللهجات المحلية،  ناهيك عما  أدى إليه تمزيق الوطن الاســـــلامي من أســباب الفرقة،  وتفشي النزعات الإقليمية والتحمس لبعث التواريخ القديمة التي كانت قبل الاسلام تجاوزاً لحقبته وآثاره،  ولاستخدام  اللهجات الدارجة،  تجاوزاً للعربية الفصيحة التي هي لغة القرآن الكريم،  والحضارة الاسلامية بعامة.  يقول نجيب العقيقي(34) في هذا الصدد "  ومما أنجلى عنه نشاط الكاثوليكية والأرثوذكس والبروتستانت والعلمانيين تعريب مذاهب الغرب وفنونه وآدابه بلسان عربي مبين،  وقد استعانوا فيها بعلماء من العرب ... ونهوض بطرس البستاني بأول دائرة معارف عربية سنة 1876م،  وقيام نهضة عربية في الفن والأدب والعلم والسياسة،  يطالب أصحابها باصلاح شامل في الامبراطورية العثمانية،  أو الإنفصال عنها بتكوين دولة عربية مستقلة".

     


    تجنيد وسائل الاتصال والقوى المؤثرة في الرأي العام (Media)

     

    وهي نوعان : أحدهما أخطر من الآخر:

    -        بشري،  ونعني به تحديداً العلماء والأساتذة والكُتاب.

    -        مؤسسات اعلامية كالصحف والاذاعتين ونحو ذلك.

     

                    وفيما يتعلق بالفعاليات القيادية المؤثرة،  فقد حرصت الدوائر الاستعمارية على تجنيد البارزين من ذوي البيان وأرباب الأقلام وذوي الصدارة في أقوامهم  وأوساطهم ،  حتى اذا تمكنت منهم اطمأنت الى أن الأتباع والمريدين سيلحقون بالركب،  اذ أنه طبيعي أن يتبع الذنب الرأس.  فقد جاء في خطبة اللورد جورج المندوب البريطاني لدى مصر،  التي ألقاها بكلية الملكة فكتوريا بالاسكندرية قوله(35):

              " وقد كان هذا التفاهم ( المتبادل بين البريطانيين والمصريين ) غاية اللورد كرومر من تأسيس كلية الملكة فكتوريا بوجه عام، ومن تأسيسها في الاسكندرية بوجه خاص،  وهي غاية اعتقد أن الكلية تحققها.  وليس من وسيلة لتوطيد هذه الرابطة أفعل من كلية تعلم الشبان من مختلف الأجناس المبادئ البريطانية العليا... كل هؤلاء يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ،  فيصروا قادرين على أنهم يفهموا  أساليبنا ويعطفوا عليها" ومن ثم ينقلون ذلك كله إلى ذويهم وأوساطهم الاجتماعية.

              ولتحقيق هذه الأغراض،  وبثها بين عامة الناس،  فقد كانت الاغراءات دائما سلاحاً فعالاً ينجذب اليه كثير من الضعفاء والتافهين،  فقد" استطاع الاستعمار الثقافي والاستعمار الجديد بصفة عامة أن يجذبا صفوة المتعلمين والمتعاونين معهما،  ونجد هؤلاءفي الأجهزة الحكومية والمؤسسات التعليمية والكنائس ومجالات الحياة الأخرى(36).

              ونذكّر هنا بما آل اليه أمر الشيخ رفاعة الطهطاوي ،  موجه بعثة الأزهر لباريس،  بعد عودته من فرنسة،  حيث أصبح داعية لتبني مناهج الغرب على نحو ما يتضح في كتابه" تخليص الابريز في تلخيص باريز" الذي عبر فيه عن إعجابه الشديد بالحضارة الغربية  مما جعل هشام شرابي(37) يقول فيه" ان الغرب شكل بالنسبة اليه وعداً أكثر مما شكل تهديداً" وبفعل هذا التأثير قال الطهطاوي بوجوب اشراك الشعب في الحكم وبتغيير الشرائع بتغيير الأزمنة،  وبأهمية تربية البنات والبنين*،  وبامكانه تغيير الشريعة الاسلامية في ضوء حاجات العصر،  وبأن محبة الوطن* أساس الفضائل السياسية".

              وقد حرص الاستعمار على تمكين عملائه من الوظائف العليا، وأسلم اليهم أزمّة القيادة في كثير من الأحوال،  فقد" أصبحت الوظائف الحكومية وأدوات التوجيه في أيدي أصحاب الثقافة الأوروبية الذين ينشئون مشاريعهم الاجتماعية والعمرانية على نمط ما تعلموه"(38)، استناداً الى ما ورد في تقرير كرومر سنة 1906م ألفقرة 3 ص 8.

              ومن هنا كان طه حسين يجاهر بتبرمه من استمرار سيطرة " الشيوخ"  على تعليم اللغة العربية في مصر،  لأنهم  " ينقعون ،  أدمغتهم نقعاً في الثقافة العربية،  أي ثقافة القرون المظلمة" وهو " يرى " أنه " لا رجاء لنا باصلاح التعليم حتى نمنع هؤلاء الشيوخ منه،  ونسلمه للأفندية الذين ساروا شوطاً بعيداً في الثقافة الحديثة"(39).

              ولم يكن في مصر وحدها،  ولم يكن طه وحيداً في هذا المستنقع غير أن منهم من تبنى موقفاً مختلفاً أو فصل امور الدنيا عن سواها كخير الدين التونسي الذي كان يرى " أن التمدن الأوروباوي تدفق سيله في الأرض،  فلا يعارضه شيء الااستأصلته قوة تياره، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبة من ذلك التيار ،  الا اذا حذوا حذوه ،  وجروا مجراه في التنظيمات الدنيوية فيمكن نجاتهم من الغرق"(40)،  أما طه حسين في " مستقبل الثقافة في مصر "(41) فقد دعا الى أن " نسير سيرة الأوروبيين ،  ونسلك طريقهم، لنكون  لهم أنداداً،  ولنكون  لهم شركاء في الحضارة ،  خيرها شرها،  حلوها ومرها،  وما يحب منها وما يكره منها أو يعاب " . أجل ! بهذه الحجة  أرادوا أن نتخلّى عن سيرتنا،  ولأنها المسؤول عما آل اليه أمرنا ،  ولسنا نحن المسؤولين !؟

              وفي أقصى المغرب العربي خرج على الأمة علاّل الفاسي بدعوة  صريحة ليس لانتهاج اساليب الغرب وحسب، ولكن الى نبذ الدين،  ونفيه من الحياة،  فالفكر الصحيح " الذي تحتاجه الأمة،  ويمكن أن ينققذها من مصائبها ليس هو تفكير  الشارع لكنه فكر الطبقة المتنورة، وهو يرفض تفكير الشارع لتغلغله" في الدين فيمزجه بالخرافة، ويملؤه بالطفيليات "(42).

              ويحمل محمد الرشيد (43) على هذه العينة  من طفيليات المجتمع الاسلامي، اذ لا ينكر  منصف أن( الأمة العربية ) برغم جهود الاصلاح تعرضت  - وما تزال - لهجمة شرسة  من جميع الجهات،  وفي جميع الاتجاهات،  لم يسلم منها حتى الدين،  وقد بات  عدد من المفكرين الذين دعوا الى نبذ الدين - جزءاً أو كلاً - ينعون ما آلت اليه الأحوال والأوضاع،  ولكنهم لا يدركون السبب الأساسي في ذلك ،  ويظنونه بعيداً عن فكرهم وآرائهم  التي هي آراء الأعداء ومن صلب تخطيطهم "،  فطه حسين يزعم  في افتتاح احدى محاضراته أن بعض الحاضرين سيضحك " مني اذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه ،  لأن ذلك يخالف عادة العصر"(44) .  وهل يريد المستعمر منه أكثر من ذلك؟

              ومن تركيز على قيادات المجتمع وزعاماته التقليدية،  كي ينيط بها مهمة الدعوة اليه،  والتبشير بحضارته،  والتجسس لمصالحة أنه أنشأ في المنطقة عدداً من المحافل الماسونية،  والتنظيمات المشبوهة التي التحق بها  نفر ممن يظهرون  الاسلام ويبطنون الحقد عليه، والضغينة لأهله،  فالشيخ طاهر الجزائري ، مع ما كان يبديه من حرص على اعتبار التربية والتعليم والمدارس أساساً للإصلاح الرئيسي، الا أنه كما يقول  عبد القادر المغربي كان ماسونياً أرسله الانجليز  للديار الحجازية للتمهيد لهم ... وأن الرسالة التي كتبها  لصديقته التي كان يحبها  - المستشرقة بل - تكشف عن دور غريب كان يقوم به الجزائري،  وعن علاقة خاصة  بينه وبين بريطانيا على نحو ما يظهر  في توقيعه عليها من قوله في وصف نفسه بأنه " المخلص للأمة العربية والدولة البريطانية العظمى"(45).

    *       *       *

              أما المؤسسات التي تتوجه بنشاطاتها الى الجماهير،  وتتحكم في توجيه الرأي العام،  فهي الصحافة والمجلات ،  والاذاعتان ونحوهما،  كالنوادي ودور العرض, فحدّث عنها ولا
    حرج،  اذ غدت أخطر الوسائل التي ينفذ من خلالها المخطط الرهيب المتمثل في غسل دماغ المجتمع ابتداءً من الأطفال والشباب، ولعل موجات الأثير هي الأخطر،  ذلك أن تحصين المجتمع ضدها صعب جداً " فما التقدم التقني في مجالات الاتصالات يعرّض بلادنا العربية المتشاحنة الى غزو ثقافي  كاسح،  اذ أن شبكات الارسال والاتصالات الفضائية الأجنبية باتت قادرة على اختراق كل أمن حدودنا وبيوتنا بمادتها الاعلامية والثقافية،  ونخشى  أن يأتي يوم نفكر فيه  في اطار  مفاهيم هذه الثقافة وذلك الاعلام الغريب عن هدفاً وغاية"(46)

              وهذه الوسائل لا تعمل بمفردها،  بل تقوم بأداء المهمة المنوطة بها وفق خطة محكمة ،  ومنهج مدروس،  وبرنامج متقن الاعداد ينجذب اليها المستهدفون انجذاب  الفراش للنار، فلا يلبثون حتى يحترقوا حتى بنارها . وقد يحسن هنا أن نذكّر بحكاية  تكشف عن اختراق خطير يتمثل في أحد  الأجهزة الاعلامية  الموجهة للمنطقة العربية،  في مسلسل عربي مترجم  بالكلمة المكتوبة،  قدم للمشاهدين الصغار ريتشارد قلب الأسد على أنه جاء الى بلاد المشرق ليطهرها من قطّاع الطرق،  هكذا والله،  جعل البرنامج المسلمين في بلادهم قطاع طرق،  والغازي الصليبي مخلّصاً ،  فمن ذا يصدق الأطفال برنامج التلفزة  أم مدرس التاريخ (47)؟

              ولم تكن الصحافة أقل خطراً من الاذاعة والتلفزة، بل قد تكون أعمق أثراً لا سيما في الأوساط المدنية التي تتحكم الى حد كبير في النشاط الاجتماعي الشامل،  ومن أجل ذلك نجد أن " جب " يقرر " أن الصحافة هي أقوى الأدوات الأوروبية،  وأعظمها نفوذاً في العالم الاسلامي(48)،  ولعل ذلك كان قبل انتشار الاذاعة  وظهور التلفزة.

              وليست هذه هي كل الوسائل التي لجأ اليها أعداء الأمة في محاصرتها واستعمارها وتهجينها ،  فهم في كل يوم  يتوصلون الى جديد من الوسائل،  وأصبح لهم في ذلك أفانين،  وما تزال امتنا - مع شديد الأسف - تستجيب،  ليس برد الفعل المناسب على نحو ما تقضي به نظرية توينبي " التحدي والاستجابة " ولكنها استجابة المستسلم الذي يسلس القياد للمروّض.

              ونستطيع أن نوجز المحنة في بعض صورها في ما لخصها به شكيب أرسلان من قوله(49) " ان من أشد الأمراض الاجتماعية،  وأخبث الآفات الروحية التي يعاني منها المسلمون في عصر الانحطاط الأخير - فقدهم كل ثقة بأنفسهم فقداً يحول بينهم وبين أن يضارعوا الأوروبيين في ميادين الحياة ، ويثبطهم عن ذلك ظناً  منهم بأنه ما من صراع  بين المسلم والأوروبي الا سينتهي بمصرع المسلم ولو طال كفاحه ،  حتى لقد صار هذا الشعور بالعجز مرض استخذاء وآفة  ذل وحالة من الشعور بعدم قابلية المسلمين للقيام  بمشروعات  عمرانية  ومادية كتلك التي يقوم  بها الأوروبيين،  ومن  الطبيعي أن يولد ذلك الحبوط الإسلامي اعتقاداً بأن كل مشروع عمراني لا بد لكي ينجح من أركان افرنجية".

              ويلخص الميداني خطة صهر الشعوب العربية المغلوبة في الشعوب الأوروبية الغالبة في ما يلي:(50)

    أ.        جعل التعليم بلغة الشعوب  الغالبة المستعمرة  اجبارياً في مختلف المراحل ولجميع المواد.

    ب.     اهمال اللغة العربية التي هي اللغة الأساسية  للبلاد اهمالاً كلياً أو شبيهاً  به،  أو جعلها في  المراحل الأولى للخطة الأولى لغة ثانية لا لغة أولى،  ثم التخفيف من شأنها شيئاً فشيئاً حتى تصل الى مرحلة الإهمال الكلي.

    ج.      التنفير من اللغة بإثارة عبارات الاستهزاء بها وبقواعدها  والاستهانة بها،  مع الترغيب بلغة المستعمرين عن طريق  تزيينها في النفوس، وتوجيه الدعايات المختلفة لعلومها وفنونها وآدابها، وربط المنافع الاقتصادية والعلمية  والسياسية  والصلات العالمية بها.

    د.       جعل  لغة  المستعمر  هي اللغة الرسمية لدوائر الدول المغلوبة ودواوينها.

    هـ.     حصر الوظائف والأعمال بالذين يتقنون لغة المستعمرين.

     

              ويستطيع المراقب،  دون عناء يذكر،  أن يلحظ ذلك بوضوح تام في البلدان الاسلامية التي ابتليت بالاستعمار،  ولعل  آخر  النقاط هو أوضحها على الاطلاق،  حيث نادراً ما يتبوّأ من لا يتقن  لغة المستعمر  منصباً  رفيعاً حتى لو كان مؤهَّلاً علمياً.

    *       *       *

     

              ويوضح مارك سايكس أساليب الاستعمار في اتخاذ الأقنعة وتجديد الوسائل لتمرير مخططاته،  وتلبيس الشعوب المستعمرة تمهيداً لسلخها عن أرومتها ومعتقداتها،  فقد أوصى سايكس ( - بيكو ) في مذكرته  التي أسماها  بـ" وضعنا في  بلاد  ما بين النهرين في ضوء روح العصر "  وهي تعود الى النصف الأول من كانون الثاني يناير سنة 1918م - حكومته  باتخاذ الخطوات التالية لضمان مطالبة الشعب باستمرار الحماية البريطانية (51):

    1-     ينبغي حث المسيحيين واليهود على أن يطالبوا باستمرار الادارة البريطانية باعتباره أماناً لهم ضد أعمال القمع الانتقامية المحتملة على يد الاتراك المنسحبين.

    2-      على انجلترا أن تمد كبار الشيوخ من البدو بالمال.

    3-     ينبغي أن تعمل انجلترا على تنشيط التجارة  في  بغداد، وذلك لتولد في طبقة التجار الشعور بأن رؤوس أموالهم  وممتلكاتهم في خطر اذا خرج البريطانيون.

    4-      ينبغي أن تعمل انجلترا على ادخال  بعض مظاهر الرفاهية،  مثل ادارة المدن  وامدادها بمياه الشرب وخطوط القطارات.

    5-      خلق فرص كافية للتوظيف وامكانيات الكسب.

    6-      ينبغي أن تمول بريطانيا صحافة عربية تتصف بالوطنية،  مهمتها نشر الكراهية ضد الأتراك،  واظهار انجلترا على أنها حامي حمى القومية العربية.

    7-      ينبغي أن تؤسس انجلترا حزباً عربياً وطنياً من طبقة المثقفين بالمدن،  وتفتح مجالات الترقي في الوظائف الرسمية أمام أعضائه.

    8-       على انجلترا أن تقيم هيئة للتخطيط للتعليم،  وتنشئ ما تستطيع من المدارس على أسس غربية.

    9-      ينبغي أن تعمل انجلترا على تكوين هيئة تخطيط محلية قوية،  مهمتها اجراء المشاورات مع البريطانيين في موضوع التخطيط لنظام الحكم في المستقبل .

    10-   على انجلترا أن تحابي كل طوائف الشعب وتساعدها،  وبالذات المحتاجين لوظيفة كطبقة المثقفين، أو الباحثين عن ضمان لحياتهم وثرواتهم، مثل الباعة والتجار والمسيحيين واليهود ".

           ولا يستغرب هذا التخطيط من رجل مثل سايكس،  خبر المنطقة وتعلم سيرة أهلها،  فاختار لهم من البحائل ما يضمن وقوعهم في الشرك،  وقد كان،  وان من قرأ ما تقدم ووقف عند كل نقطة فيه،  لواقف على عجب عجاب من الفكرة الجهنمية، الى دس السم في الدسم،  ومن ثم الى الحيلة على الشعوب المسكينة،  وليسهل عليه تفسير ما يحدث وما حدث.

     


    الوضع الثقافي في ظل الاستقلال

     

              من نافلة القول أن نؤكد أن الاستعمار لم يخرج من بلد الا بعد  أن اجتهد  في برمجة  مسيرته بحيث  تكون وفقاً لما يريد،  وتبعاً لأهوائه ومصالحه،  تماماً كما لو كان موجوداً بعساكره،  وقليلاً ما نجد بلداً أفلت بعد استقلاله من تلك البرمجة،  وقد يهون الأمر لو تقف عند حد الادارات والاجهزة التي تتحكم في توجيه  الحياة الاجتماعية والاقتصادية،  ولكنه قد تحظى ذلك الى القاعدة التحتية في المجتمع،  وتغلغل في النفوس تغلغل الحبر في الورق النشاف، حتى غدت أهواء الناس وتطلعاتهم في كثير من الأحوال منســجمة مع مراميه وخططه ،  وتتشكل تبعاً لما يريد،  مما يعني بوضوح أنه انتصر وأننا  هزمنا هزيمة هي شر من الهزيمة  العسكرية ... وغدونا مدجنين وباختيارنا هذه المرة.

              فبعد أن كان الاستعمار وبعض الأقليات من غير المسلمين هم الذين يهاجمون الاسلام وينالون منه ومن نبيه وكتابه وأمته،  اذا بالمخطط ينجح في توليد فئات من المسلمين  تكفي الأجنبي مؤونة الهجوم على الاسلام وأهله،   وتسد مسدّه،  وذلكم هو الاختراق الداخلي بأخطر صوره،  ليس على مستوى الخيانة العسكرية والتجسس... ولكن على مستوى التبعية الثقافية.

              وقد علت في الآفاق أصوات تنادي بالاستقلال من قبل،  وبالتحرر من ربقة الاستعمار،  ولكن تلك الأصوات في كثير من البلدان، لم تكن من النضج ووضوح الرؤية بحيث تقود شعوبها الى الطريق الصحيح،  فأفلتت من يد لتقع في قبضة الأخرى،  يقول سليمان كيجوندو في معرض حديثه عن دول افريقية جنوب الصحراء(52):" اننا نسمع عن التحرر السياسي والاقتصادي أكثر مما نسمع عن التحرر الثقافي،  وفي رأيي أن التبعية الثقافية تمثل أهم وأخطر معالم الوجود الأجنبي في افريقيا جنوب الصحراء،  بل ان التبعية الثقافية هي الأساس الذي قامت وتقوم عليه أشكال التبعيات الأخرى،  مما يجعل عملية استئصالها أصعب من غيرها".

              باختصار شديد،  ان الاستقلال الذي أحرزته الدول الاسلامية كان محدوداً،  ذلك أن التبعية الثقافية  استمرت بعد الحصول عليه وبأشكال متفاوتة في معظم البلدان التي ابتليت بالاستعمار.


    التبيعية الثقافية

     

              نعني بالتبعية الثقافية صدور الانسان فرداً كان أم مجتمعاً،  في سلوكه ونمط حياته عن ما يصدر عنه قوم  غير قومه،  وأمة غير أمته،  وتقليداً كان ذلك واقتداء،  أم كان " إمعة " وذوباناً في الآخر. وقد يكون تقليداً واقتداء دون التنكرللمنطلقات الحضارية التي تصدر عنها الأمة،  وذلك في المجالات التي لا يؤدي فيها الاقتداء بالأجنبي الى هجنة في الشخصية وانحراف عن الطريق.

              وان التبعيــة الثقافية بصفتها مرضاً يصاب به الانسان لتكون أهون عندما يكون هذا الانسان فرداً،  وتعظم وتغدو مأساة حقيقية عندما يصاب بها المجتمع،  اذ تستشري ويستفحل أمرها - كما هي الحال اليوم في كثير  من المجتمعات الاسلامية - ومن ثم يأخذ المجتمع في التهجن التدريجي حتى  ينسلخ عن أرومته آلفاً كل التغيرات التي تطرأ عليه،  ويسلس القياد لمن تبعهم من الأغيار،  ويصبح أداة طيعة في أيديهم ،  ينالون من تراثه وعقيدته وتاريخه ومستقبله وثروته ... ولا يمكنونه الا من كساء أو غذاء أو متعة زائلة  لعلها لا ترقى الى  ما هو أكثر مما تناله كلابهم وقططهم وخيولهم.

              ان الثقافة هي التي تصنع نمط الحياة ومنهاجها،  وان أي تغير في هذه أو تلك سيؤثر في الأخرى ولو بعد حين،  ذلك أن  العلاقة بين الثقافة ونمط الحياة تنقل الأثر في الاتجاهين،  وان مجتمعا تغير نمط حياته كلياً أو جزئياً  ستتغير نظرته لثقافته الأصلية،  ويتغير منهج تفكيره،  ويغدوا أول المنتقدين لجذوره والمتنصلين منها.(53).

              ومن هنا كان اهتمام الغرب بدراسة الشرق،  لمعرفة العوامل الحضارية التي توجهه،  وفي مقدمتها القرآن الكريم،  فراحوا يعملون في مخطط التغيير على الصعيدين: صعيد الثقافة الفاعلة،  وصعيد نمط الحياة وذلك بما أشاعوا في المشرق من ما درج في بلادهم من عادات وسلوك. يقول " جب " في كتابه " أين يتجه الاسلام ": " ان اهتمام الانجليز بدراسة الاسلام ناشئ عما يعرفونه  من سيطرة تعاليمه على المسليمن ،  مما يجعل له مكاناً بارزاً في أي تخطيط لاتجاهات  العالم الاسلامي"(54). وتمكن " جب " من رصد بعض التغيرات  المبكرة حتى كان  بوسعه أن يقول :" وبذلك فقد الاسلام سيطرته على حياة المسلمين  الاجتماعية،  وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً  حتى انحصرت في طقوس محدودة"(55).

              ويصرح المستشرق الفرنسي ماسينون بالمخطط التدميري الذي انتهجه الغرب في ميدان الثقافة الشرقية فيقول :" اننا  لم نبحث في الشرق الا عن منفعتنا،  لقد دمرنا كل ما هو خاص بهم،  فدمرنا فلسفتهم ولغاتهم وأدبهم،  والشرقيون ليسوا ساذجيين حتى يعتقدوا بكرم أخلاقنا،  وقد تحققوا بالشواهد أننا نرغب أن نبقيهم ضعفاء".(56)

              ومن أوجه التبعية الثقافية تطويع الاسلام للنظرية الغربية" فجعل الاسلام ديموقراطياً أو اشتراكياً أو شيوعياً تأثر بالثقافة  الغربية،  لا انتفاع بها،  والانكى من ذلك أن القيادة الفكرية  الغربية هي عقيدة تناقض عقيدة الاسلام،  وقد تأثر بها بعضهم حتى صار المتعلم يقول : يجب فصل الدين عن الدولة ،  ويقول غير المتعلم منهم: الدين غير الساسية ، ولا تدخلوا الدين بالسياسة،  مما يدل على أن المسلمين في العصر الهابط،  بعد الغزو الثقافي، درسوا الثقافة غير الاسلامية،  وتأثروا بها،  بخلاف  المسلمين قبل ذلك،  فانهم درسوا الثقافات غير الاسلامية،  وانتفعوا بها،  ولم يتأثروا بأفكارها"(57).

              وقد نجد في الكلام السابق ما يسهّل الموازنة بين ما كان من شأن الأمة عندما أخذت قديماً فطورت دون أن تفقد ذاتها،  وبين حالها اليوم وهي لا تأخذ شيئاً حتى تفقد مقابله شيئاً من مقوماتها والمكونات الأولية لصبغتها المميزة ،  فتركت زيها وعاداتها حتى أسماءها تركتها الى أسماء الأجنبي.

              وقد نفرق بين نوعين من الغزو الثقافي تعرضت لهما دار الاسلام وما تزال،  وهما:

    أولا :   الغزو الذي تقدم الاستعمار ومهّد له وواكبه،  حيث كانت تلك " الغزوات التبشيرية هي الطلائع التي مهدت الطريق للاستعمار  الأوروبي ليفتح العالم الاسلامي فتحاً  سياسياً بعد أن فتحه فتحاً ثقافياً،  فالاستعمار في مدارسه قبل الاحتلال وبعده - قد وضع بنفسه مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته وحضارته(58)".

                       وقد اكد هذا الواقع صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين سنة 1935م حين وقف خطيباً يقول :" ان مهمة التبشير التي ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد  المحمدية ليست في ادخال المسلمين في المسيحية ... فان في هذا هداية وتكريماً،  ... ان مهمتكم أن تخرجوا المسلم  من الاسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله،  وبالتالي لا صلة  تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ... ولذلك تكونون بعملكم  هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الاسلامية ... لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الاسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له،  الا وهو اخراج  المسلم من الاسلام ... انكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله ... حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة ...(59) ترى ماذا كان زويمر ليقول أكثر من ذلك لو شهد أحوال المسلمين اليوم ؟ قد يقول : ألم أقل ذلك قبل ستين عاماً؟      

    ثانيا :    هو الغزو الذي خلف الاستعمار المباشر،  ويواكب ويرصد مسيرة المجتمع الاسلامي المستهدف  ويضع الخطط المتجددة باستمرار طبقاً لما يستخلصه من متابعته(60)،  ولم يعد المستعمر ولا المستشرقون هم الذين ينهضون بهذه المهمة وحدهم،  ولكن نفراً من المسلمين،  باسم البحث العلمي والانفتاح الحضاري ومتابعة الدراسة،  راحوا يعملون لصالحهم ويسهمون في عملية الرصد والمسح والجاسوسية الفكرية والخطط القذرة،  فمن دراسات اجتماعية الى اخرى اقتصادية وصحية تتخذ من المجتمع الاسلامي هنا وهناك موضوعاً  لها،  تقدم للجهات الأجنبية،  لغرض التمويل أونيل شهادة أو نحو ذلك.  وهنا،  وأيم الله،  يكمن الخطر العظيم،  وبهذا يشتد الكرب،  ويتأزم حال الأمة،  ويغدو الأمل في الخلاص ضعيفاً  مالم يتداركها الله برحمته.

              لقد بلغ بأعداء الأمة أن ينظموا المؤتمرات والندوات وحلقات البحث ويؤسسوا  المراكز والمعاهد ملصقاً بها شعار الدين للتمويه على المسلمين  ليتمكنوا بذلك من رصد توجهات المشاركين والمفكرين فيسارعوا  من بعد الى التحرك في الاتجاه المعاكس واتخاذ التدابير اللازمة.

              " وانه لمن الغريب حقاً،  والامر كذلك،  أن يفتتن بعض الشباب المسلمين بالمستشرقين على ما يرون من كراهيتهم للاسلام وتعصبهم ضده وجهلهم أو تجاهلهم من أجل حاجات في أنفسهم ... (61) ويوماً بعد يوم  تشتد الحملة الظالمة على الأمة،  وتتعدد أساليب  الهجوم ووسائله،  فلا يتوصلون في الغرب الى تقنية حديثة الا سارعوا الى توظيفها في خدمة أهدافهم المعادية لأمة المسلمين. " ان عناصر كثيرة  قد تجمعت الآن في موقف عدائي للاسلام تريد أن تقضي عليه،  وكل عنصر من العناصر وضع خطة مدروسة مستقلة أو متعاونة مع الآخرين لهدم الاسلام في  جانبه الأخلاقي،  ولهدمه في جانبه العقدي،  ولهدمه في جانبه التشريعي ... واصطنعت هذه العناصرمعاول من الداخل - في مختلف الدول  الاسلامية،  تتخذ صورة المقالات والكتب أو الاذاعات،  للعمل على التحلل الاخلاقي،  والتشكيك العقدي،  والنيل من التشريع الاسلامي ... لقد كتب كاتب معروف يقول : ان من علاقات التحضر أن يعرف الرجل،  وأن تعرف المرأة الرقص الغربي ،  وأن يمارساه بالفعل،  وكتب كاتب معروف يقول : العفة والبكارة وأمثال هذه المفاهيم إنما هي من علامات التأخر حينما يتمسك بها مجتمع من المجتمعات".(62)

              وتستمر الاحقاد في توجيه علاقة الغرب مع المسلمين،  وتستمر خططهم الراميةالىاستبقاء  الفريسة في الأغلال طواعية  لا كرهاً،  ويزداد  اللاجئون من المسلمين وراء السراب،  ولم ينج الأطفال من المؤامرة،  فأتوا عقولهم من باب  واسع هو باب التسلية والترفيه،  ابتداء من ملعب الى روضة وحديقة الى مدرسة وشاشة ولعبة وملبس مرقوم ونحو ذلك مما يصعب حصره،  فيشب الطفل على ما نشأ عليه،  بعض اسمه وبعض لسانه قد يدلان على اسلامه،  وبقية شأنه تؤكد غربته وعزلته عن مجتمعه وأمته،  ما لم يكن التغير قد سبقه اليهما،  فيكون عندئذٍ هو ومجتمعه وأمته غرباء ضائعين في أوطانهم ... وقد حدث ولو إلى حد.

     


    العــــلاج

     

              من المسّلم  به أن المسار الطبيعي للمجتمع أيا كان لا يتحقق الا اذا كان منسجماً مع القوى الفاعلة  فيه،  من معتقدات  تتمثل في أثر ثقافته وموروثة الحضاري فيه.  ويعرّف مالك ابن بنيّ الثقافة بأنها " مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي  ولد فيه " (63)،  وهذا يعنى أن الثقافة تسبق الانسان والمجتمع،  ويصطبغان بلونها.  والحضارة وهي " مجموعة من العلائق بين المجال الحيوي حيث ينشأ ويتقوّى هيكلها، وبين المجال الفكري حيث تولد وتنمو روحها" - هي التي تلد  منتجاتها"(64)،  فطبيعي اذاً أن نتخلّف حضارياً ونستسلم للغزو الثقافي،  لأن ثقافتنا الأصلية لم تعد فاعلة فينا،  ولأن روحاً حضارية معاصرة  لم  تتولد في فكرنا الحديث تولداً ذاتياً.

              وينيط مالك بن بني الناتج الحضاري كله بمصدر واحد فعّال هو الفكرة الدينية (65)،  وبهذا يكون أي ناتج حضاري منسجماً في أبعاده ومواصفاته في العقيدة التي صدر عنها،  ولا يمكن بحال من الأحوال أن يجد طريقه الى مجتمع آخر دون أن يصحبه شيء من تلك العقيدة مهما كان بسيطاً،  ومن هنا وجد عادل زرزور(66) أنه قد " آن الأوان لأن نتوقف من استيراد المنتجات الحضارية المشبوهة" واننا مدعوون في مجلة الواجبات الى التخلص من المشكلات الثقافية التي تواجهنا،  وأنْ نعلم أن السلوك الاسلامي هو جزء لا يتجزأ من الثقافة الاسلامية".

              ويؤيد  حليم بركات (67) هذا الدور للعقيدة الدينية في بلورة حضارة مقاومة وثقافة محصنة،  حيث قال في معرض  حديثه عن الحركات الدينية في العالم الاسلامي أنها تمكنت من " أن تحصن المجتمع ضد السيطرة الغربية والتغريب الثقافي ( كما في الجزائر وإيران ) كما تمكنت من أن تشكل حركة معارضة صلبة ( كما في مصر).

              ومن هنا كان لا بد من بعث العقيدة الدينية،  وإذكاء أثرها في النفوس لتعود فاعلة فيها،  موجهة لها،  على طريق تحقيق الذات،  وابراز المواصفات التاريخية التي يتصف بها المجتمع الاسلامي المعافى،  وبها يمتاز عن غيره من المجتمعات والاّ،  فان الذوبان يتهدد مصير هذه الأمة،  وقد بدأ بالفعل،  وعلى حساب كل ما هو لها،   ناهيك عن الضربات العسكرية الانتقامية المباشرة التي تتلقاها في الهند وفلسطين وطاجكستان وجورجية والصومال والبوسنة والسودان وغيرها بقيادة أمريكا وحلفائها.

              "ولعله من المناسب الآن قبل الغد - كما يقول محمد الأحمد الرشيد(68) - أن يتم تطوير استراتيجية للتعليم  ...  تبرز فيها الأهداف الآتية،  ووسائل تحقيقها:

    1-      تأكيد العقيدة الاسلامية الصحيحة في نفوس الناشئة،  والعقيدة لا تحول دون شيوع المفهوم القومي والوطني بمعناهما  الصحيح،  مع التأكيد على احترام الأديان،  واسلامية التربية والتعليم ،  واليقين بأن الدين عند الله الاسلام،  هو هدف دعوة الرسل والأنبياء جميعاً.

    2-      تدعيم التراث العربي الاسلامي والاستقلالية الثقافية ......

     

              وهذا يعني أن نعول كثيراً على المؤسسات التعليمية ومناهج التربية ووسائل الاتصال الجماهيري،  فنعيد  اليها دورها في التوجيه والبناء،  بعد أن نحررها من البصمات الدخيلة،  ما لم نجد في ذلك  منفعة حقيقية لا تتعارض من قريب أو بعيد،  مع المصلحة العليا للمجتمع الاسلامي. وبعبارة أخرى،  ان علينا أن نمحو الآثار السلبية التي خلفتها الحقبة  الاستعمارية،  وأن نحارب نفوذها في مجالات الاعلام والتربية والتعليم،  على اعادة الصلة بالجذور ليتحقق تواصل الحاضر مع الماضي ضماناً لمستقبل حميد.  لقد تشكلت العقلية الاسلامية الراهنة في ظروف غير طبيعية،  وهذا يعني أن تصحح الظروف أولاً.

              " اننا اليوم أشبه ما نكون بجند طارق بن زياد بالأمس،  العدو من أمامنا،  وبحر الظلمات وراءنا،  وليس لنا والله الا أن نمد أيدينا الى منقذ،  وانه بيننا،  ولكننا قد كفقناه عن العمل" (69) ذلكم هو الاسلام ممثلاً في كتاب الله وسنة رسوله،  فلو تمسكنا بهما لما ضللنا،  وما يزال في النهار متسع لمن أراد هدى،  وتلكم هي المحجة البيضاء.


    الهوامش

    (1)       دروزة، محمد عزة - القرآن والمبشرون، منشورات المكتب الإسلامي ط1 بيروت 1392 ص 293

    (2)       العقيقي،  نجيب - المستشرقون،  دار المعارف،  مصر سنة1964م 1/120.

    (3)       لا ننكر أن بعض المستشرقين كانوا منصفين،  وأن منهم من اهتدى للإسلام،  وأسدى للعربية خدمات جليلة.  ولكن النشأة الأولى للاستشراق كانت مغرضة.(انظر مقالتنا " مستشرقون أسلموا) في مجلة  الخفجي السعودية.

    (4)       جبر، يحيى- ... مجلة الوعي الاسلامي،  الكويت،   العدد539 ذو القعدة 1404هـ 116-119.

    (5)       يراجع بهذا الصدد توفيق سليمان - نقد النظرية السامية - دمشق 1981 ص 26 وما بعدها.

    (6)       محمود - عبد الحليم - أُوربة والإسلام، مطابع الأهرام التجارية،  القاهرة سنة1973 مع ص 54.

    (7)       المصدر نفسه ص 55.

    (8)       يعني المسلمين،وهذا من وجهة نظرهم لا من وجهة نظره،لأن السياق في معرض الرد عليهم ونقدهم

    (9)       الزين،  سميح عاطف - الإسلام وثقافة الانسان، دار الكتاب اللبناني. ط7،  بيروت 1401هـ ص436.

    (10)     المصدر السابق نفسه ص 430.

    (11)     حسن، محمد محمد - الاتجاهــات فــي الأدب المعاصــر. ط3دار النهضـــة العربيـة - بيروت 1972 ج 2 ص285.

    (12)     دروزة - مصدر سابق، ص 7، 8.

    (13)     عبد الحليم محمود : مصدر سابق، ص 66.

    (14)     العلاقات بين الثقافة  العربية والثقافات الافريقية،  الألكسو، تونس سنة 1985 ص21 عن يوسف فضل حسن - الصراع حول البحر الأحمر منذ أقدم العصور حتى ق 18م. مجلة الدارة، العدد 3، السنة 8 يناير 1983 م ص139.

    (15)     سليمان، وليم. مجلة الطليعة. القاهرة . عدد ديسمبر 12/1966م ص84.

    (16)     مجلة الرابطة الشرقية - السنة الثالثة،  العدد 2  في 25/6/1349هـ 12/11/1939م ص9.

    (17)     الزين، مصدر سابق، 427، 428.

    (18)     عبد الحليم محمود ص 198.

    (19)     حسين، محمد محمد 1/164.

    (20)     عبد الحليم  محمود. ص 39،40.

    (21)     حسين ،  محمد 1/164

    (22)     المصدر السابق 2/285

    (23)     الأفغاني،  سعيد . حاضر اللغة العربية. ط2 دار الفكر . دمشق 1971 ص 174.

    (24)     نعني قوله: وانما الأمم الأخلاق ما بقيت   وإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

               وقوله:واذا ما أصــــــاب بنيان قـــوم         وهـــي خلـــــــق فانــــه وهي اس

    (25)     العالم، جلال - قادة الغرب يقولون ... ط9 طرابلس، دار الإسلام 1399/1979 ص 72

    (26)     المصدر السابق نفسه ص 73.

    (27)     المصدر السابق نفسه ص 73.

    (28)     العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الافريقية - مصدر سابق ص 23.

    (29)     حسين،  مصدر سابق 2/217.

    (30)     عبد الحليم محمود ص 198.

    (31)     الزين،  مصدر سابق ص 437.

    (32)     ملك حفني ناصف - آثار باحثة البادية،  جمع وتبويب مجد الدين حفني ناصف، المؤسسة المصرية العامة. القاهرة1962م ص 275،276.

    (33)     حسين،  مصدر سابق، 2/141.

    (34)     العقيقي - نجيب،  المستشرقون. طبعة دار المعارف بمصر سنة 1964م ج/1ص149.

    (35)     حسين - مصدر سابق 2/286

    (36)     العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الافريقية - مصدر سابق 140

    (37)     بركات ، حليم - المجتمع الغربي المعاصر،  مركز دراسات الوحدة العربية. ط1. بيروت 1984م ص 401.

    *          كأن الاسلام أغفل هذه التربية ،  ومحبة الوطن.

    (38)     حسين،  محمد 1/275

    (39)     حسين،  محمد 2/227

    (40)     التونسي، خير الدين- أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، ط1، تونس المحمية، مطبعة الدولة سنة 1284 هـ ص 50.

    (41)     مطبعة المعارف ومكتبتها . مصر سنة1938م ص45

    (42)     الفاسي، علال - النقد الذاتي،  دار الكشاف للنشر والطباعة  والتوزيع. بيروت سنة 1966م ص 46، 47

    (43)     الرشيد،  محمد الأحمد - من معالم استشراف المستقبل في الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين. مجلة رسالة الخليج العربي،  العدد 25 السنة الثامنة،  1988م ص 174

    (44)     حسين ،  محمد 1/312

    (45)     جدعان ،  فهمي - اسس التقدم عند مفكري الاسلام في العالم العربي الحديث. ط1،  المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت سنة 1979م ص 439

    (46)     الرشيد،  مصدر سابق ص 163

    (47)     انظر جبر،  يحيى - الأمن الثقافي، مجلة الأمن والحياة ،  العدد 85، السنة الثامنة،  ذو الحجة سنة1409هـ الرياض، ص 53

    (48)     حسين،  محمد 2/217

    (49)     جدعان،  مصدر سابق ص 452

    (50)     الميداني،  عبد الرحمن حسن،  أجنحة المكر الثلاثة. دار القلم ، دمشق ص 295

    (51)     هيلمـــوت ما يشر - ســير مارك ســـايكس ونـشأة العالـم العربي الحديث ، كتاب الاستشراق الألماني - الدراسات العربيــة والاسلامية بجامعـــة توبنجـــن -  تعريب كمال رضوان. دار صادر ،  بيروت 1974ص 110-111

    (52)     العلاقة بين الثقافة  العربية والثقافات الافريقية - مصدر سابق ص 138

    (53)     انظر جبر، يحيى الفكر ونمط الحياة، المجلة الثقافية ، الجامعة  الاردنية. عدد 26 ص62-67 ،  وانظر أيضاً بحثه في مجلة كلية الدعوة الاسلامية -ليبيا، بعنوان " الدخول تحت التضاد " العدد الحادي عشر

    (54)     حسين . مصدر سابق 2/140

    (55)     المصدر السابق 2/219

    (56)     الأفغاني - مصدر سابق ص 174

    (57)     الزين،  مصدر سابق ص 287

    (58)     المصدر السابق ص 437

    (59)     العالم،  مصدر سابق ص71

    (60)     عبد الحليم محمود ص 40

    (61)     المصدر السابق ص 146

    (62)     المصدر السابق ص 197

    (63)     مالك بن نبي - شروط النهضة،  ترجمة عبد الصبور شاهين وعمر مكاوي. ط2. دار  مكتبة العروبة،  القاهرة  سنة 1961م ص 114

    (64)     المصدر السابق ص 55

    (65)     المصدر السابق 60

    (66)     الســــباعي، يمان- الراقصــون علــى جراحنا،  مؤسسة الرسالة. ط1. بيروت سنة1400هـ،  مقدمة الكتاب وص248

    (67)     بركات مصدر سابق ص 304

    (68)     الرشيد،  مصدر سابق ص 166

    (69)     السباعي،  مصدر سابق ص 17، 23

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • dubai escort said...
  • بصراحه مابقتنعش بكل ده بس احيانا بعضه صحيح ( كذب المنجمون ولو صدقوا )لكن احب الابراج فهي شئ خيالي ويأخذ الانسان الي ابعد الحدود التي صعب التوصل لها ****************
  • Wednesday, March 6, 2013
  • escort of dubai said...
  • اتقوا الله لا تصدق اقاويل المنجمين لا يعلم الغيب الا الله سبحانه
  • Saturday, July 6, 2013
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me