-
- Sunday, February 1, 2009
- الالتزام والثورة في شعر محمود دسوقي
- Published at:Not Found
الالتزام والثورة
في شعر محمود الدسوقيإعـداد
أ.د. يحيى جبر أ. عبير حمد
تمهـيد
ولد محمود مصطفى الدسوقي في بلدة الطيبة من أعمال طولكرم، سنة 1934م، وكان والده فقيها يتقن العربية، ويحفظ القرآن الكريم، وكانت له مكتبة تحتوي أعدادا كبيرة من الكتب، مما أتاح للشاعر فرصة الاطلاع على كثير من المصادر، وأسهم في صقل موهبته، ورفده بآلة الشعر. وكان لأسرته ديوان يتردد عليه حيث كان يستمع من حين لآخر لقصة الزير سالم وأبي زيد الهلالي، وبعض حكايات ألف ليلة وليلة، وكان لذلك، بحسب ما أخبرنا به، أثر كبير في تشكيل مخيّلته الشعرية، وربط وجدانه بالتاريخ ربطا وثيقا، مما انعكس على انتمائه صدقا وحرارة واضحين في كل أعماله.
تلقّى دروسه الابتدائية في الطيبة،ثم التحق بالمدرسة الفاضلية بطولكرم، ولكنه اعتقل وهو في طريق العودة إلى بلده عام 1951م، وأودع السجن، ولما أفرج عنه وجد آماله في مواصلة الدراسة قد تبددت، ولكنه عاود النشاط مجددا، وأكمل دراسته الثانوية سنة 1955م في الناصرة، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصـاد من جامعة تل أبيب عام 1975م. وقد أتيح للشاعر بعد نكسة 1967م أن يتصل بالفعاليات الأدبية الفلسطينية في الضفة والقطاع ، وأسهم الدسوقي في تأكيد التواصل وتوثيق العرى بين أبناء الشعب الواحد، ولعل في زواجه من نابلسية ما يؤكد هذا التوجه، علاوة على ما سنقف عليه في أشعاره من المعاني التي تجسّد ذلك، ومشاركته الفعّالة في كثير من النشاطات الأدبية والنضالية على ساحات فلسطين المختلفة.
مفهموم الالتزام
الالتزام مصدر الفعل "التزم" الدالّ على قناعة المرء بالقيام بشيء ما طوعا، وبأن يكرّس له من الجهد وسعه، وقد صرفه الأدباء والنقّاد في العصر الحديث لدلالة اصطلاحية، غير أنهم لم ينتهوا فيها إلى معنى مجمع عليه، فتفاوتت فيه آراؤهم، ولكننا نستطيع أن نميز في ذلك بين رأيين لعلهما أبرز ما تمخضت عنه الدراسات الحديثة؛ وهما رأي جون بول سارتر، والماركسيين، ووجهة نظر غارسيا ماركيز الذي يرى أن الالتزام شيء مختلف، حتى أنه ليقترب في توجهه من أصحاب مدرسة "الفن للفن".
أولا:
يتحدد هدف الالتزام ومعناه استنادا إلى ما ذهب إليه سارتر في أن التزام الكاتب يرمى إلى إيصال ما لا يمكن إيصاله )الكينونة في العالم المعيش( مستغلا القدرة التي تنطوي عليها اللغة المشتركة الشائعة ....، كما يهدف إلى الإبقاء على التوتر بين الكل والجزء..... ، بين العالم والكينونة في العالم ، على اعتبار أن هذا التوتر هو معنى عمله ، والكاتب يُواجه فى مهنته بالذات، ويصارع، التناقض بين الخصوصية والعام" (1)
ويرى "فيليب تودي" أن الهدف النهائى للفن - عند سارتر - هو إصلاح هذا العالم بتصويره كما هو ، ولكن كما لو كان منبعاً للحرية الإنسانية ، بكلمات أخرى ، إن هدف الأدب ، هو أن يفعل ما أراد "روكنتان" Roquentin أن يفعله بعد سماعه (بعض هذه الأيام Some of these days ): قهر صدفية العالم بجعله حاضراً كما تبغى ذلك إرادة الإنسان." (2)
وهذا يعني أن الالتزام يكمن فى الفعل ، وتحمل المسئولية ، فإذا كان الكاتب مسئولاً؛ ومسئوليته تحتم عليه عدم الصمت على جانب من جوانب الحياة ، فما هو المعيار الذى يحدّد هذه المسئولية ؟ لقد جعل سارتر الكاتب يهدف إلى (تغيير العالم)، وهو مطالب أيضاً بالوقوف إلى جانب المضطهدين ، والتقريب بين البشر، لقد أكد سارتر على أن " مسئولية الكاتب ليست شيئاً سرمدياً أو مجرداً ، إنها مسئولية مباشرة ومحددة ، إذ يجب أن يوجه اهتمامه الفكرى دون تقاعس، يوماً بيوم، لمشكلة الغاية End والوسائل The means ، وبمعنى آخر ، لمشكلة العلاقة بين الأخلاق Ethics والسياسة Politics "(3) ورأى أنه من المحال أن يكتب أدب جيد بعواطف شريرة، وإن كانت العواطف السامية ليست معطاة مسبقا،ً وعلى كل امرىء أن يخترعها بدوره" (4) ولذلك لم يكن غريبا أن يدشن سارتر تقديمه للالتزام بهجوم عنيف على مبدأ (الفن للفن)، كما هاجم المدارس المختلفة أثناء طرحه لمفهومه عن الالتزام ، ووظيفة الكاتب.
وسارتر في هذا قريب من الماركسيين، فالكاتب في رأيهم مطالب بالوقوف فى صف التقدم ، أو حسب التعبير الماركسى فى صفّ الطبقة الصاعدة ، والفنان الحقيقى هو الذى يدفع المجتمع إلى التغيير ، والفن وسيلة للسيطرة على الواقع ، ومن ثم فإنه يلعب دوراً فى تطور الإنسان المتناغم الشامل(5) وهدف الفن العظيم هو تقديم صورة للواقع ينحلّ فيها التناقض بين المظهر والواقع ، الجزئى والعام ، والمباشر والتصورى ..... الخ حتى أن الشيئين ينصهران فى تكامل تلقائى فى الانطباع المباشر للعمل الفنى(6).
وقد ذهب الكاتب الماركسى "إرنست فيشر" في سياق حديثه عن معنى الالتزام إلى أنه " لا ينبغى على الفنان لكي يكون ملتزما أن يتقبل ما يمليه عليه الذوق السائد ، وأن يكتب أو يرسم ، أو يؤلف وفقاً لمرسوم رقم كذا أو كذا ، وإنما تسليمه بأنه لا يعمل فى فراغ ، وأنه في آخر الأمر ملتزم بالمجتمع ، وكثيراً ما يحدث كما أوضح "ماياكوفسكي" منذ أمد طويل، ألا يكون هذا الالتزام الاجتماعي العام متفقا مع التزام واضح بمؤسسة اجتماعية معينة، وليس من الضروري أن يفهم كل الناس العمل الفنى ويقرّوه منذ البداية. فليست وظيفة الفن أن يدخل الأبواب المفتوحة، بل أن يفتح الأبواب المغلقة (7).
ثانيا:وفي المقابل نجد غارسيا ماركيز، وآرءه اللاذعة، فهو يرى أن "كل ما يحُدُّ من حرية الابداع فهو رجعي "وكل أمر مباح ومسموح به للكاتب "شريطة أن يقنع الآخرين بما يرى" فكل كاتب ملتزم بقضايا شعبه الاجتماعية والسياسية لا يتجاهل الضغط السيكولوجي الذي يمارس عليه من أجل الالتزام، فلا داعي لتذكير الكاتب بالتزاماته تجاه قضايا مجتمعه، لأن التزامه نابع من داخل نفسه. ويجيء موقفه هذا ردا على المفهوم السطحي والضيق للالتزام؛ الذي ساد لدى الأدباء في امريكا اللاتينية ذات يوم؛ حيث وجب على كل أديب أو شاعر إذا أراد أن يكتب أو يبدع، أن يلتزم ويتحدث عن قضايا الجماهير، وعن الثورة، وعن الفلاحين، وعن الظلم والقهر، لكن تبين لأغلبهم، فيما بعد، أن مهمة الادب ليس تكرار ألفاظ مثل: العمال، الثورة والفلاحين؛ لأن ذلك يُسَطِّح دور الأدب، ويجعله مجرد منشور ثوري".(8)
أما "الثورة " فهي اصطلاح دأب المشتغلون بالأدب وقضاياه على قرنها بالالتزام؛ نظرا لتزامنهما في الظهور، وارتباط أحدهما بالآخر برباط متين اقتضته حركة المجتمع في تحوله من البرجوازية والإقطاع إلى التحرر والاشتراكية؛ لا سيما أن كثيرا من التولات ما كانت لتتم إلا بالتمرد والثورة؛ نظرا لتمسك أصحاب النفوذ بمكتسباتها الطبقية.
وشاعرنا متأثر كثيرا بالمفهوم الماركسي للالتزام، ولعل انتسابه ذات يوم للحزب الشيوعي هو الذي دعاه إلى ذلك. ويتضح نهجه الثوري الملتزم في أعماله كلها، حتى ليندر أن نجد له أثرا لا يتجلى فيه صخب التمرد والثورة، وروح الالتزام بقضايا أمته ومجتمعه.
أعمال الدسوقي
للشاعر الدسوقي مكتبة غنية بالشعر، ومما يتميز به شاعرنا أنه نظم الشعر بنوعيه؛ العمودي وشعر التفعيلة، وهو كله شعر ملتزم بقضايا أمته و معبر عن وجدان شعبه، ونستطيع أن نلمس هذا الالتزام، وتلك الوطنية من عناوين دواوينه، حتى قبل التبحر في قراءتها، وهذه ميزة أخرى للشاعر، ولم نطّلع في أعماله على ما يفيد بأنه تراجع عن شعر قاله ذات يوم، في الوقت الذي نجد فيه بعض فحول الشعر يتراجعون عن بعض أشعارهم؛ فيخرجون علينا بدواوينهم منقحة؛ كمحمود درويش على سبيل المثال(9).
وجدير بالذكر أن بعض الباحثين يتهمون الشعراء الملتزمين بأن أدبهم يستمد قيمته من موضوعه الفلسطيني لا من مستواه الأدبي والفنيّ، وهي تهمة مكرورة، وليست بالضرورة صحيحة، وفي تقديرنا أن القراءة الناقدة المنصفة لأعمال محمود الدسوقي ستدحض ذلك في كثير من نتاجه الذي نورده أدناه:
· السجن الكبير، 1957.
· مع الأحرار، 1959م.
· موكب الأحرار، 1963م.
· ذكريات ونار، 1970م.
· المجزرة الرهيبة، 1980م.
· صبرا وشاتيلا، 1982م.
· طير أبابيل، 1989م.
· صوت الانتفاضة، 1991م.
· زغاريد الحجارة، 1993
· الركب العائد، 1998م.
إذ يتميز أسلوب الدسوقي فيها جميعا بالبساطة والوضوح، ونحن لا نرى أن ذلك منقصة بحق الشاعر؛ فلا تكمن قيمة الكلمة في فخامتها و جزالتها فقط، بل في الطاقة الوجدانية التي يبثها فيها الشاعر أيضا، ويمكن القول إن هذا هو أسلوب الشاعر منذ بداية مسيرته الشعرية وحتى اليوم. ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال مطالعة قصائد الشاعر، ومنها قصيدة طويلة بعنوان"بلاد العرب للعرب"يقول فيها (10):
وقسمونا دويلات وما برحوا ينمون في الشرق بذر الحقد والعتب
تقلد الحكم أفراد لهم خضعوا كأنما الملك مجبول على الطرب
وذاك يلهو بآيات الجمال وما يبغيه في الملك إلا نولة الأرب
ويقودنا الحديث عن الأسلوب إلى التطرق إلى الرمز في شعر الدسوقي، ونرى أن الشاعر لم يهرب إلى الرمز كما فعل غيره، بل قال كلمته بوضوح، وبصوت عال دون مواربة، حتى ذكر بعض الأسماء صراحة، سواء في سياق مديح أو هجاء، يقول في قصيدة بعنوان" شمعون"(11):
شمعون يا حاكما في أمـر سيده كالببغاء تحاكي ما حكى البشر
قم وانظر الشعب في لبنان موطنهم قد أجمعوا العزم أن يسعفهم القدر
أن"يخلعوك"و"سامي"من رئاستكم فـلتعلم اليوم في أيديـهم الظفر
مضامين شعره
تتجلى الروح الثورية الملتزمة في أشعار الدسوقي كلها، وبشكل واضح، إذ تشيع فيها روح التمرد والإباء، ولا تكاد تفوته مناسبة وطنية أو قومية دون أن يكون لها نصيب من شعره، فهو مسكون بقضايا شعبه، وهمومه هي التي تحرّك وجدانه وأحاسيسه، مما جعل أشعاره، كمعظم شعراء الأرض المحتلة، سجلا للأحداث، وترجمانا صادقا لمشاعر المواطنين الذين حال الاحتلال دون تواصلهم مع أبناء أمتهم، ونستعرض في ما يأتي طائفة من القيم والمضامين الثورية التي تجسّد التزامه بقضايا الأمة.
1 ـ التمرد والإباء
يقف المطالع في أشعار الدسوقي على هذه الروح تتأجج في ثناياها بشكل جليّ، فهو يبدأ ديوانه "مع الأحرار" بقصيدة عنوانها "لن أرتضي بالحياة خنوعا"، يقول فيها (12):
بنفسي أرى للسمو نزوعا فلن أرتضي بالحياة خنوعا
فلا الضعف يأخذ من مهجتي ولا العين تذرف منها الدموعا
بهذه اللهجة القوية المباشرة يعبر الشاعر عن رفضه الخضوع والخنوع؛ لأنه صاحب نفس أبية تنزع إلى السمو والكبرياء، حتى أنه يتعالى على البكاء ويغالب دموعه، وينتصر عليها في تحد صارخ لقوى الظلم والطغيان، لكأنه يردد صوت المتنبي في أبياته (13):
أي محل أرتقي أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق اللـ ـه وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
ولا شك في أن الظروف الحالكة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال، تؤدي إلى انتهاج التحدي سبيلا لتكريس الوجود الفعّال على الساحة الوطنية، ولإرسال إشارات مفعمة بالمعاني لامتدادهم خارج الوطن، ولبقية أبناء الأمة، عسى أن يستجيبوا لنداءاتهم، ويبادروا إلى تحريرهم.
2- التحريض
وانسجاما مع ما ارتضاه لنفسه، فالدسوقيّ يتجاوز في تمرده حدوده؛ ليؤثر في من حوله، ويحثهم على اتخاذ المواقف الجريئة، ويؤجج فيهم روح التمرد، ليتحوّل إلى محرّض يستثير الهمم، ويقود الجماهير، ويحرّكها نحو مواقع متقدمة على طريق التحرر، فيختم قصيدته السابقة بقوله:
فكن في الحياة عزيزا كريما ولا تستكن يا....وترضى الخضوعا
وفي خضم هذا الصراع الذي يعيشه الفلسطيني، بين الحلم الجميل المشرق، والواقع المرير المؤلم، تنتاب الشاعر عاطفتان تتنازعان في نفسه وتؤرقانه، فهو إنسان له قدرة محدودة على الفعل والتضحية، وفي الوقت ذاته، فإنه يعيش واقعا بحاجة إلى تضحيات جسام لتغييره؛ تضحيات قد تفوق قدرة كثير من البشر، فكيف به وهو الذي يعيش داخل الزنزانة الإسرائيلية ويرسل كتاباته من بين قضبانها، ومع ذلك فهو يكتب قصيدة بعنوان"دماء ودموع" يقول فيها:
اجهر بصوتك لا تخف وابذل دما إن الدماء وراء كل تحرر
وتقحمن لجج الصراع مجاهدا واضرب أيادي البغي ضربة قاهر
اضرب على أيدي الطغاة بشدة واخفض لواء الظالم المتجبر(14)
وهكذا يتعالى الشاعر ـ كما أبناء شعبه ـ على الجرح ولا يكتفي أن يسمو بنفسه فقط، بل يدعو أبناء شعبه إلى السمو والتحمل، للوصول إلى آمالهم ، وتحقيق طموحاتهم في نيل التحرر والاستقلال .
ويصل التحريض ذروته، عندما يتخذ شكل الاتهام والتقريع للمتخاذلين، الذين تسببوا في ما آلت إليه الأمور، علّ دماء النخوة والعزة والكرامة تتحرك في عروقهم من جديد. وكانت حرب لبنان، فأثرت أحداث صبرا وشاتيلا تأثيرا كبيرا في الشاعر، فأوحت له هذه الحرب وتلك المجازر عددا من القصائد، ضمها في ديوان شعر سماه "صبرا وشاتيلا" وفي إحدى هذه القصائد، هاجم الحكام العرب والأمة العربية التي تقف متفرجة عن بعد، فيقول من قصيدة "عرس البطولة والصمود":
يا أرض لبنان شعبي النار تحصده كم يستغيث فمن يأتي وينجده
الخزي والعار ويا للعار من أمة صفقت للذل تحمده(15)
فأي تحريض بعد ذلك يمكن أن يأتي بنتيجة، إن لم تفلح هذه الاستغاثة في إيقاظ الضمير، وإن لم يفلح هذا التوبيخ في استنهاض الهمم ؟!
لقد " تابع الدسوقي أحداث الضفة والقطاع عن كثب، وكتب الشعر متأثرا بما ينشر من أحداث مؤلمة على صفحات الجرائد والمجلات، فكتب موجها كلامه للسجناء والمعتقلين فيقول:
أخي اعتقلوك ...
للتحقيق لا ترهب
ولا تخشَ القيود .... السجن
إن السجن لا يرهب
فإن السجن للأحرار
لا تيأس ولا تغضب" (16)
فحتى في أكثر الظروف حلكة؛ في غياهب السجن الرهيب لا يتخلى عن إيمانه بالنصر وأمله في الحرية، ولا عن روحه المعنوية العالية، ويعمل على نقل هذا الشعور إلى رفاق دربه .
3- تجربة السجن
لتجربة السجن خصوصية عند الدسوقي، لأن محاولاته الأولى لنظم الشعر كانت في غياهب السجن، وذلك عندما اعتقل وهو في طريق عودته، من المدرسة الفاضلية في طولكرم إلى بلدته الطيبة، لقضاء العطلة الشتوية في عام 1951، فقال قصيدته "طير في قفص "ومنها :
أمسكوني ....
وبسجن وضعوني
وبدون ذنب ضربوني
ومتى أرادوا.....شتموني .....و عذبوني
لأقول شيئا
مجرما هم يحسبوني
لأعيش حرا ...... إنهم قد منعوني (17)
ولم تقتصر القصائد التي ذكر فيها السجن على هذه المحاولة الناجحة، بالرغم مما يبدو في بعض تراكيبها من ضعف، بل تكرر هذا المضمون في أشعاره، إذ كان السجن أبسط ثمن لكلمة حق، أو لموقف وطني، ففي قصيدة أخرى بعنوان" سجن وتعذيب"يقول(18):
نزلنا السجن في يوم بلا ذنـب جنيناه
فلم نلمس سوى ظلم وطغيان عرفناه
فما في الحكم من عدل ولا الإنصاف خلناه
فهذه هي حال الفلسطينيين؛ يُسجنون لا لجرم سوى المطالبة بالحقوق المغتصبة، ولأنهم يرفضون التنازل عن الهوية الوطنية التي تحفظ لهم كرامتهم، ولذلك كان للسجن صدى واسع في أشعار المقاومة، ولا نستغرب ذلك، لأن معظم شعراء المقاومة أودعوا السجون مرة بعد مرة.
وقد يترك السجين خلفه عائلة تعاني خارج السجن، مثلما يعاني هو داخله، فكيف يصفو لها عيش وهي لا تعلم إن كان ابنها يأكل أو يجوع ، ينام أو يُحرم من النوم دون أن يكون له جرم، إضافة إلى أصناف التعذيب التي تفتقت عنها العقلية الهمجية، في محاولة يائسة لتركيع الأحرار وإذلالهم، ولكن أنى لهم ذلك. ولم يفت الدسوقي أن يستعرض أحوال ذوي الأسرى، فها هو يتقمّص شخصية ابن أسير في قصيدة بعنوان "رسالة من ولد لأبيه في السجن" مصورا حزن عائلته و معاناتها، ولا سيما أيام " العيد" فيقول(19):
أبتي إليك رسالتي هي في العذاب معنونة
أعيادنـا وحياتـنا باسم الشقاء مزينة
أبتي العزيز رسالة أهديك في العيد الحبيب
هذي الرسالة يا أبي تصف الشقاء بلا نحيب
ولا يكتفي الدسوقي بذلك، بل يأخذ موقع الأب، فيرد على ابنه خارج السجن، ويخاطبه قائلا:
يا صغيري ......
لست أدري ما المصير
ضاع عمري ......
لست أدري ...كم سأبقى
في ظلام السجن .....في السجن الكبير (20)
4- المرأة
احتلت المرأة في أشعار الدسوقي مكانة بارزة، وحظيت بمساحة كبيرة من شعره لا سيما إذا كانت مناضلة؛ فقد كرّس عددا من قصائده لرثاء مناضلات شهيدات، منهن الجزائرية التي شاع ذكرها في ستينات القرن الماضي على كل لسان؛ جميلة أبو حيرد، و ناديا سلطي، و رجاء عمّاش. يقول في قصيدة "ثائرتان " من ديوانه مع الأحرار(21):
هذي رجاء سليلة الأمجاد هذي جميلة أختها بجهاد
كلتاهما ضد التحكم ثارتا في أرض يعرب موطن الأمجاد
أولاهما للشعب أهدت روحها في ضفة الأردن أرض بلادي
و تتماهى الفتاة حبيبة الشاعر في أشعار الدسوقي بحبيبته فلسطين حتى يكاد الأمر يختلط على القارئ، كما في قصيدته "غدا نلتقي " التي يقول فيها (22):
إذا غبت يوما عن الموعد فلا تغضبي يا فتاة الغد
فمهما تأخرتُ عن موعد فلا بد ألقاك كي تسعدي
غدا نلتقي يلتقي أهلنا فإنا جميعا على موعد
5- اللاجئون
تُعدّ قضية اللاجئين الفلسطينيين وصمة عار، ونقطة سوداء في تاريخ القانون الدوليّ، وقد تناولها الأدباء في كثير من أعمالهم، فلا نكاد نظفر بعمل أدبي واكب النكبة والأحداث التي أعقبتها دون أن تحتل قضية اللاجئين مساحة منه، بلفت الأنظار إليها، وتصوير عذابات اللاجئين ومعاناتهم، وقد كانت القصيدة الثانية من ديوان الدسوقيّ "مع الأحرار" بعنوان "بعد المأساة" وهل من مأساة بعد النكبة واللجوء؟ يقول الشاعر(23):
أيا ليلى بـربك أخبريـنا عـن الأوطان ثم النازحينا
وقولي إن تخذت الصدق دِينا أبي، أهلي، أفروا هاربينا؟
وإخواني أقد فروا جميعا وأضحوا للثرى متلحفينا؟
أم اخترمت حياتهم المنايا وأضحوا بالدماء مضرجينا؟
فقد كان وقع الصدمة رهيبا على الفلسطينيين، والشاعر واحد منهم يعبر بلسانه عن وجدانهم، ويمضي في ذهوله وتساؤلاته غير مصدق بما حدث.
وعلى الرغم من أن الشاعر لم يخرج من فلسطين، ولم يذق مرارة الاغتراب والتشرّد؛ إلا أنه استطاع أن يجسّد، بصدق ودقة، أحاسيس اللاجئين، وينطق بلسانهم، على نحو ما في قصيدة "رسالة لاجئة " التي يقول فيها (24) :
أبتي! كتابي بالدموع كتبته.
أبتي! عذابي في الطفولة ذقته.
عـمر طويل بالشقاء قضـيته.
عيش الهناء على الشتات أبيته.
وطن حبيب في الحياة حرمته.
6 ـ التوثيق
يلاحظ المطالع في دواوين الشاعر أنها سجلات للأحداث؛ توثقها بطريقة فنية وجدانية، ليس فلسطينيا فقط، بل عربيا، وأحيانا عالميا، لا سيما إذا كانت تعني أمته، وتؤثر في مستقبلها، فمن تصوير انعكاسات نكبة 1948 على شعبه، إلى تصوير المجازر التي ارتكبها الغزاة المحتلون، ومنها مجزرة كفر قاسم عام 1956 التي ارتقى فيها خمسون شهيدا. وقد صورها الشاعر بطريقة معبرة مؤثرة في قصيدته "مؤامرة مدبرة " وذلك حيث يقول(25):
بالشعب حلت مجزرة مجزرة مكدرة
حلت بهم مصيبة محزنة مؤثرة
خمسون شخصا سقطوا صرعى فتلك المجزرة
وعندما نشبت حرب لبنان، وحمل شارون على الجنوب اللبناني ظنا منه أن الشعب الفلسطيني سينتهي إلى الأبد، قال الدسوقي قصيدة بعنوان " ذكرى ومصير" يخاطب فيها شارون(26):
أأنهر الدم يا شارون تفنينا نساؤنا الغيد أطفالا ستهدينا
مهما قتلت من الأطفال نرجعها جحافلا في بطون الغيب تأتينا
وصور الشاعر مجزرة الأقصى التي هزت أركان الشعب الفلسطيني، فقال في قصيدة " سل الأقصى " (27):
سل الأقصى يخبِّرك الجوابا فداء أو أنينا أو عتابا
وسل مهد المسيح فكم ينادي يهز الكون أرضا أو سحابا
لقد كتب الشاعر من عمق المأساة، وعايش الأحداث وتأثر بها، فكان شعره تسجيلا أدبيا، وتوثيقا فنيا، لما عايشه هو وأبناء وطنه من مآس و أحداث عصيبة، ولذلك فقد كان صادق العاطفة في كل ما ينطق به؛ لأنه لم يقل شعره ترفا، بل قاله تعبيرا صادقا عن مشاعره التي عبر عنها بطرق مختلفة، من أهمها الشعر، حتى تكاد تشعر بمرارة الكلمات في حلقك وأنت تقرأ شعره الذي يدور معظمه حول تصوير معاناة شعبه وتضحياته الجسام؛ اقرأ مثلا من قصيدة "مبدأ إيزنهاور" (28):
مبادئـكم تبشر بالخراب وتجعل شرقـنا مهد العذاب
وتجعل من بلاد عامرات فدى الأطماع بالقفر اليباب
عميت عن الحقيقة ليت شعري أتعمى والحقيقة كالشهاب
أتعمى والحقيقة قد تبـدت صواريخا تـهدد بالخراب
وفي العيد الماسي لجامعة النجاح الوطنية وقف الشاعر يوم الاحتفال، وألقى قصيدته " العلم نور " وقال فيها:
العلم نور ونور العلم يأتلق اقرأ فخلقك فيه الطين والعلق
العلم والدين صنوان فلا عجب من"النجاح" نسور العلم تنطلق
وقد كانت للشاعر لقاءات عدة مع الرئيس في مناسبات مختلفة ألقى فيها عددا من القصائد، فعندما أُبرم اتفاق (غزة أريحا أولا)، واستلمت الشرطة الفلسطينية قطاع غزة ومدينة أريحا، توجه الشاعر إلى غزة مهنئا، وهناك أنشد قصيدته "رفرف على الدار حرا أيها العلم " (29) التي يقول فيها:
رفرف على الدار حرا أيها العلم وسجل اليوم في التاريخ يا قلم
عاشت فلسطين يا أرضي ويا وطني فالطير يرقص والأشجار تبتسم
ومما يندرج في هذا السياق قصيدة للدسوقي بعنوان" العملاق الثائر"(30) التي كان قد ألقاها أمام ياسر عرفات في تونس بتاريخ 10/10/1993 يقول فيها:
أنا كنت أرهب أن أخوض تحررا أو أن أكون مؤازرا ومؤيدا
أنا كنت وسنانا صحوت فهزني صوت تعالى للكفاح ترددا
أنا صرت عملاقا يهاب تحرري كم طاف صوتي في السماء فأرعدا
7- البعد القومي
ظهرت بوادر الشعر القومي في أواخر العهد التركي إذ كان يعبر عن آمال الأمة العربية في التحرر والاستقلال " وقد وجد الإنسان العربي في الأدب صدى وجدانه وحياته وواقعه، وبذا استجاب الأدب العربي الحديث، على اختلاف فنونه، لهذا التطور الخلاق في النفس العربية النـزّاعة إلى الواقع، فكان الشعر الاجتماعي والقومي والوطني يشكل أبرز ظاهرة فنية في نتاجنا الأدبي الحديث "(31).
وقد وجد هذا الاتجاه الجديد في التعبير عن الآمال والطموح تجاوبا لدى كثير من الشعراء الفلسطينيين، منهم إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وأبو سلمى، ومن بعدهم واصل محمود دسوقي كفاحه، فهو يعدّ من أكثر شعراء فلسطين في المثلث ـ تجاوبا مع الأحداث العربية، فقد غنى للجماهير على مدار سبع سنين ملاحم الثورة.
إن هذا الشاعر قد آمن بالوحدة العربية، وتغنى بها، كما تغنى بثورة مصر والعراق واليمن وليبيا؛ لأن إيمانه العميق بعودة الحق إلى أصحابه الشرعيين لا يتحقق إلا بتحرير الأقطار العربية ووحدتها(32) ففي قصيدة "نداء ثوار الجزائر" يقول:
يا شعب الجزائر لا تبال وقاتل في البيوت على الرمال
فمن رام التحرر من غريب يداوم شعبه سهر الليالي
وفي قصيدة "ثورة العراق"يقول (33):
ألم تر الاستعمار أرغى وأزبدا أضاع بأرض العراق ديرا ومعبدا
أضاع في أرض بغداد موقعا حصـينا كان ينتج عسجدا
وزجوا بأحرار العراق بسجنهم وظنوا بان الظلم يجلب محتدا
لقد آمن الشاعر بالوحدة العربية، وأن الحدود المصطنعة هي من صنع الاستعمار، ولا بد من زوالها، وعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا، رأى فيها مفتاح الحل لقضية شعبه ووطنه، فراح يقول في قصيدة " الوحدة العربية"(34):
وحدة العرب فيها كنت انتظر وسوف نبقى بهذا اليوم نفتخر
حلم تلقفه الأجيال من صغري وذلك الحلم يوما كاد يندثر
فأرسل الله من يحيي لنا أملا فأصبح الحلم بالأعماق يستعر
وغير ذلك من قصائد كثيرة ذكر فيها أحداثا عربية، ورثى شهداء عربا، كما هاجم العملاء ممن ينتسبون إلى العروبة أيضا.
8 ـ الأرض
تدور القضية الفلسطينية من ألفها إلى يائها حول الأرض، وعلى ذلك، فلا عجب أن تحظى الأرض بنصيب الأسد من الشعر، فكيف إذا كان الشاعر مناضلا شارك شعبه في فعاليات يوم الأرض، وخاض الإضرابات، واعتُقل بسبب ذلك، وقد صوّر الدسوقيّ أحداث يوم الأرض في قصيدته"حبيبتي الأرض"(35) حيث قال:
رويدك أرضي فلا تحزني
سأروي بدمي سفوح الجبال
سأروي السفوح ......سأروي التلال
وركب الضحايا ......كهول
شباب ......نساء ......رجال
لحبك ضحوا ....لأجلك ماتوا
لنصنع المحال
ويرتقي الشاعر بالأرض ليجعل منها أما له ولكل فلسطيني مزج ترابها بالدماء الزكية، وخالط حبها قلبه ووجدانه، يقول الدسوقي في قصيدته "أمنا الأرض"(36).
الأرض أرضي والبلاد بلادي مهما بعدت فحبها بفؤادي
أروت دماء أبي وأخي غرسها وبها تغنى قبلهم أجدادي
وبقربها بنيت منازل قريتي حطين تحكي سالف الأمجاد
لقد كان شاعرنا يترجم المأساة التي يعيشها بواقعية ووضوح، ويعبر عن أفكاره دون مواربة أو مجاملة، ولذلك كان نصيب الصورة الفنية من شعره ضئيلا ، وهي إن وجدت فصورة جزئية ليست كلية، وهي منتزعة، في الغالب، من بيئته الفلسطينية، التي عشقها وغنى لها، ومن ذلك ما نجده في قوله من قصيدة "غدا نلتقي"(37):
غدا نلتقي فوق خضر الروابي بنيت على سحرها معبدي
على ربوة كم كساها الربيع بساطا من الزهر كالـعسجد
غدا نلتقي، لن تحول النـوائـــــب بيني وبين لقـاها الندي
سيصدح في الشرق لحن اللقاء وترقص أوتاره في يدي
فصورة أرضه لا تكاد تبرح عينه، ولا أمجاد أمته، فهي تلِح عليه في كل موقف، وتطغى على مخيّلته، بل تحتلها، فهو لا ينطق إلا باسمها، ولا يتغنّى إلا بأمجاد أمته، وهذا هو الالتزام بأنصع معانيه وأبهجها.
9 ـ القـدس
تمثل القدس القلب النابض للقضية الفلسطينية، مثلما هي الباعث الأقوى على النضال والتضحية، وهذه المكانة للقدس جعلت منها مصدر إلهام لكثير من الشعراء، حيث تغنوا بتاريخها ومعابدها، كما استلهموا التراث والدين، واستعادوا أمجاد المسلمين وحروب تحرير القدس من الاحتلال الصليبي وغيره، ليجعلوا من ذلك كله دافعا وشعاع أمل ينير طريق تحريرها مجددا من الاحتلال الصهيوني. وكان الدسوقي من الشعراء الذين عُنوا بهذه المدينة العريقة، وتغنّوا بها، وذكروها في أشعارهم، وذلك في قصيدته "جولة في القدس" التي قال فيها (38):
يا قدس منا من بنيك سلام فيك الحياة بحسنها الإلهام
خلف الحدود لك القلوب تشوقت مذ رفرف في جوك الإلهام
وإخال جوك يا مدينة ساكنا وكأن أهلك هُجّع ونيام
وإذا الجميع تهافتوا ليشاهدوا ما أحكمت في صنعه الأيام
ليشاهدوا دنيا الجمال بأرضها فيها المعابد للإله تقام
وكذا يرى الحرم الشريف بأرضها ويرى ما شاده الإسلام
وهكذا يبث الشاعر خواطره، ويفصح عن شعوره تجاه المدينة معجبا بروعتها، ومتحسرا على الحال التي آلت إليها تحت نير الاحتلال حيث السكون الذي يشبه الموت .
10 ـ الفعاليات السياسية وعضويته في الجمعيات
انخرط الشاعر في معترك الحياة السياسية، فكان يشارك في المظاهرات والمسيرات والاجتماعات العامة باستمرار، وكانت الناصرة مركزا مهما للنشاط السياسي والاجتماعي والثقافي؛ ذلك النشاط الذي كان موجها في جملته لمقاومة ظاهرة التمييز العنصري؛ وهي أهم المسائل التي شغلت الرأي العام العربي في الأرض المحتلة عام 48 إضافة إلى الحكم العسكري وسلب الأراضي. وقد كان إيمان الشاعر عميقا بحق شعبه في العيش على أرض وطنه حرا كريما، وعلى هذا الشعب واجب محاربة القوانين الجائرة التي فرضتها سلطات الاحتلال.
وتتمثل مواقف الشاعر السياسية في المطالبة بالمساواة والعدالة وإلغاء الحكم العسكري وقوانين سلب الأراضي وغيرها من القوانين الظالمة التي فُرضت على من بقي من الشعب الفلسطيني في وطنه.
لقد أثرت هذه المواقف السياسية في الشاعر، وبرزت في شعره بشكل جلي، ويتضح ذلك من مجرد النظر إلى عناوين دواوينه التي ذكرناها آنفا، ففي مقدمة ديوانه" مع الأحرار" يقول":ها أنا أقدم لكم اليوم"مع الأحرار" شعرا ينبثق من صميم الواقع، معبرا عن كفاحنا في سبيل حياة حرة كريمة، ونضالنا من أجل مستقبل زاهر ينتظرنا، لا سيد فيه ولا مسود" (39).
وقد كان الشاعر يؤمن بأهمية الكلمة ودورها في التغيير، لا سيما إذا لم يكن هناك سبيل آخر، ومن هنا فقد كان" أول من دعا إقامة اتحاد كتاب في الأرض المحتلة، وشغل منصب سكرتير رابطة الكتاب والشعراء الفلسطينيين في الداخل، وهو عضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي العربي(40) ومن قصائده التي تدعو الشعراء إلى المساهمة في مسيرة النضال قصيدة طويلة بعنوان "درب على الكفاح" من ديوان زغاريد الحجارة يقول فيها (41):
طاب اللقاء وأبدع الشعراء والشعر في درب الكفاح لواء
أنا من بحور الشعر صغت ملاحما أضحى نسيجَ فصولها الشهداء
وصنعت من لهب القصيدة شعلة يخشى لظاها طغمة جبناء
وشاعرنا مستعد للفداء والتضحية إن لزم الأمر، فهو ينهي قصيدته بقوله:
سجل: دم الشهداء فوق اكفهم فالعمر للوطن السليب فداء
للشعر إن عـز السلاح أسنة وخـناجر للغاصبين دواء
*********
وأخيرا، فهذا هو محمود الدسوقي، شاعر بسيط في كل شيء، في لغته وأسلوبه، ولكنه غزير في عطائه، مخلص في أدائه وانتمائه ، وقد جاء شعره واضحا في دلالته، عميقا في أصالته ، صادقا في تعبيره عن هموم شعبه وأمته، ؛ فلم يترك مناسبة وطنية ولا قومية إلا كان لها من شعره نصيب، ولم تسنح فرصة للمجاهرة بالحقوق دون أن يغتنمها ويشارك فيها؛ ولو أدى به ذلك إلى السجن، فقد جاء شعره مشحونا بروح التمرد والثورة؛ وهذا هو الالتزام بمعناه الذي ينسجم مع فكر الشاعر وتوجهه اليساري.
الهوامش
(1) سارتر , ج . ب : دفاع عن المثقفين ,ترجمة جورج طرابيشي، بيروت، دار الآداب، 1973 ص 92.
(2) Toddy, Philip, : Jean Paul Sartre, A literary and Political study, op. Cit., PP. 163, 146.
(3) Sartre, J. P.: the Responsibility of the writer, New York, 1960.p. 185.(4) سارتر ، ج . ب : تأميم الأدب ، ضمن الأدب الملتزم ، دار الآداب، بيروت، ط. 2. 1967م, ص 45.
(5) مجاهد،عبد المنعم: علم الجمال فى الفلسفة المعاصرة ,القاهرة، دار الثقافة، 1977, ص 129.
(6) : Lukas, G : Essays on Thomas Mann –Merlin : London, 1964.P. 34.(7) فيشر, إرنست: ضرورة الفن، ترجمة: اسعد حليم، القاهرة، الهيئة المصرية للتأليف والنشر 1998, ص 276.
(8)http://alrwayah.friendsofdemocracy.net/utility/tb/?id=192464
(9) الأسطة، عادل. ظواهر سلبية في مسيرة محمود درويش الشعرية ، منشورات الدار الوطنية، نابلس 1998.
(10) ديوان مع الأحرار، ط2، تل أبيب 1969، المطبعة الحديثة، ص 75
(11) السابق ، ص 63.
(12) محمود الدسوقي، ديوان مع الأحرار، ص7
(13) ديوان المتنبي، دار صادر، دار بيروت ـ بيروت،1958، ص40
(14) محمود الدسوقي، ديوان مع الأحرار، ص7
(15) أبو غزالة، ص 3
(16) السابق، ص 9
(17) السابق نفسه
(18) محمود دسوقي، ديوان مع الأحرار، ص 11
(19) السابق ، ص 20
(20) السابق ، ص 62
(21) راضي صدوق ، شعراء فلسطين في القرن العشرين ، ص 590
(22) ديوان مع الأحرار ، ص89.
(23) راضي صدوق، مصدر سابق، ص 590
(24) ديوان مع الأحرار ، ص 8
(25) السابق ، ص 45
(26) السابق ، ص 18
(27) محمود دسوقي ، ديوان صبرا وشاتيلا ، إصدار المطبعة الحديثة 1959، ص 17
(28) ديوان زغاريد الحجارة ، ص 10
(29) ديوان مع الأحرار، ص 63
(30) الديار، صحيفة أسبوعية للحزب الديمقراطي العربي، العدد الصادر في 2/6/1994.
(31) أبو غزالة، ص 26
(32)الدقاق، عمر، الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث، دار الشرق ـ حلب، ص 2 (33) كنفاني ، غسان ، أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، ص22 ،23
(34) محمود الدسوقي، ديوان مع الأحرار، ص 70
(35) محمود دسوقي، ديوان ذكريات ونار، إصدار المطبعة الحديثة 1970 ، ص 42
(36) محمود دسوقي، ديوان جسر العودة، ص 43
(37) محمود دسوقي، ديوان مع الأحرار، ص 54
(38) شعراء فلسطين في القرن العشرين ، ص 590
(39) محمود دسوقي، ديوان مع الأحرار ص120
(40) مقدمة ديوان مع الأحرار
(41) أبو غزالة، ص 11
-