An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • التجربة الديموقراطية في فلسطين
  • Published at:Not Found
  • التجربة الديمقراطية في فلسطين

    ا.د. يحيى جبر

     

                    للديموقراطية في العالم تاريخ حافل وطويل، وتختلف معانيها وتطبيقاتها من مجتمع لآخر، ومن حقبة لأخرى، فقد كانت النشأة في أثينا، وكانت الديموقراطية يوم ذاك لفئة  من الشعب دون سواها، كانت خاصة بالأثينيين دون العبيد، وكانت مباشرة تترجم "حكم الشعب" نفسه بنفسه، ووضعه لتشريعاته وفقاً لما ينسجم مع مصالحه، وهذا النمط من الديمقراطية ـ وهو الأول في تاريخها ـ لا يجسد إنسانية الإنسان، إذ يكفي أنه يقوم على طبقية بغيضة، ويفتقر إلى البعد الإنساني.

     

            وفي العصر الحديث شاع نمطان من الديمقراطية، هما: ديموقراطية الحزب الحاكم، وهي استبدادية، لأنها تطلق يد الحزب الحاكم في الدولة ومؤسساتها، وتعطل دور المجتمع، وقد ساد هذا النمط في بلدان المعسكر الشرقي (منظومة حلف وارسو) سابقاً.

     

             والثاني هو ما ساد في البلدان الغربية، وتسرب منها إلى بعض البلاد العربية، ومنها فلسطين، وهو ما يعرف بديموقراطية رأس المال، ومرد هذه التسمية إلى أن ممارستها وتطبيقاتها على الأرض، لا سيما في مجال الانتخابات، تستند إلى توفر أموال طائلة، فمن شروطها أن يسدد المرشح مبلغاً من المال رسماً لترشحه، وأن يتوفر لديه مال كاف لأغراض الدعاية الانتخابية، وبعبارة ثانية، أن "الأفضل" الذي ينبغي أن تفرزه الانتخابات الديموقراطية لن يجد سبيله إلى الترشيح ما لم يكن لديه مال، وهذا المال ينبغي أن يكون طائلاً، لا سيما إذا كان الانتخاب للرئاسة، مما يعني أن رأس المال يكون هو المتحكم الرئيسي في مسار الديموقراطية، وهذه مفارقة من شانها أن تنسف الديموقراطية بهذا المفهوم.

     

             وهناك نوع ثالث من الديموقراطية هو الذي يعرف باسم الديموقراطية الشعبية المباشرة، ويكون الكلام الفصل فيه للجماهير، ويتم تصعيد المرشحين من بين الـجماهير، وبشكل علني مباشر، لكن هذا النمط لا يسهل تطبيقه، ويفسح المجال أمام القوى القبلية والحزبية للظهور والاستئثار بمقاليد الحكم، اللهم إلا إذا كان المجتمع المعني بلا أحزاب.

     

             وقبل تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، مارس الفلسطينيون التجربة الديمقراطية في كثير من الأطر الحزبية والنقابية، وفي اتحادات الطلبة والعمال والمرأة وغيرها، غير أن تلك التجربة كانت قاصرة، لأنها لم تشمل جميع قطاعات الشعب، بمعنى أنها لم تكن عامة، بل كانت جزئية أو حزبية، وفي أماكن متفرقة، أما التجربة الديموقراطية التي خاضتها الجماهير الفلسطينية في الانتخابات العامة التي جرت عام 1996م، فقد كانت الأولى والشاملة، على أرض الوطن، إذ أفرزت مجلساً تشريعياً، ورئيساً للسلطة.

     

             ولكن هذه الانتخابات كانت عرضة لانتقادات كثيرة، لا سيما أن فئة كبيرة من الشعب قاطعتها لأسباب سياسية، لا سيما الجماعات والفصائل ذات الاتجاه الإسلامي، وربما تعذر المدافعون عنها بما يمليه الظرف العام الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وما يُعرف بمقتضى الحال.

     

             وقد تبين من بعد أن السلطة ممثلة في طاقم القيادة، كانت قد أعدت لتلك الانتخابات ما كفل لها النتائج التي أسفرت عنها، وذلك كي تنفذ مشروعها المتمثل في تكريس دورها السيادي، والدخول في مفاوضات سياسية مع المحتل على طريق تحصيل ما يمكن تحصيله من الحقوق، انطلاقاً من القاعدة الذهبية "خذ وطالب"، وكان نتيجة لذلك أن استقال بعض أعضاء المجلس، منتقدين هذا النهج لكثرة المحاذير، واختلاط الأوراق، وأبدوا استياء شديدا من سير المفاوضات مع المحتل، لا سيما السرية منها، التي أسفرت عن اتفاقية أوسلو.

     

            غير أن مسار المفاوضات من بعد، والنزاعات الداخلية بين بعض مراكز القوى، ومظاهر الفساد الإداري والمالي التي انتشرت في بعض مرافق السلطة، وضعت المجلس التشريعي على المحك، ومرّ بامتحانات عسيرة، منها قضية الفساد التي طالت نحو أكثر من 300 مليون دولار، وقد فشل المجلس في إنفاذ قراره، وحيل بينه وبين ممارسة دوره الديموقراطي، بل لقد صادق على الوزارة آنذاك، ومنحها الثقة بعد أن كان معارضاً لها.

     

             وفي الآونة الأخيرة، كانت قضية بنك فلسطين الدولي، فقد تبنى المجلس التشريعي موقف "عصام أبو عيسى" وحمل مسؤولية القضية المثارة لسلطة النقد، ومع ذلك لم يتمكن المجلس من حماية "أبو عيسى"، يضاف إلى كل ما تقدم أن المجلس تجاوز مدته الزمنية، وقد يرى بعضنا ضرورة استبداله عبر انتخابات جديدة، وأنه لا يصح التعذر بالظروف، إذ لم يتغير شيء يحول دون إجراء الانتخابات.

     

             بإجمال، نستطيع أن نقول إن المجلس أثبت تقصيره في مجالي التشريع والرقابة، وقد نذكِّر هنا بتأخر تطبيق قانون الخدمة المدنية بالرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، وما كان ينبغي من محاسبة هيئة البترول، وشركة الإسمنت، والتبغ، وما يشاع من أمر الإسمنت الذي سرب لجدار الفصل العنصري.

                   

     ثم نتساءل: أين تقع الأجهزة الأمنية من كل من السلطة التنفيذية والتشريعية، وما هذا التنافس بينها، الذي يصل أحيانا إلى حد التناحر أحيانا؟ وهو ما كان ليكون لو نجحنا في إرساء الأسس السليمة لدولة المؤسسات.

     

             إن الأساس الركين في الديموقراطية هو شعور الإنسان بالحرية والأمن والاستقرار الاقتصادي، وأن يطمئن المواطن على مصدر رزقه، ولا يتحقق هذا ولا ذاك دون مأسسة السلطة وإرساء قواعد نظام حضاري شامل، والنأي بالمؤسسات عن الارتجالية والفردية، وتقديم الصالح العام على الخاص.

     

             ويبدو أنه لا سبيل لإنجاز شيء مما تقدم ما لم تتحرر السلطة التشريعية من سيطرة السلطة التنفيذية، مما يعنى ضرورة الفصل بينهما، ونعتقد أن هذه السيطرة إنما جاءت بسبب صعوبة الانتقال من " الثورة " إلى "الدولة " لا سيما أن المعطيات على أرض الواقع؛ من وضع اقتصادي, إلى طغيان احتلالي، وتعدد الأيدي التي تتدخل في القضية، إلى جانب طبيعتها التي تجذرت عبر السنين، وتمزق الوجود الفلسطيني بين الوطن والمهاجر الاختيارية والاضطرارية ـ ليس من شأنها أن تمكِّن القائمين على الأمور من إدارة الصراع على الوجه الأمثل، ولا أن تمكنهم من إنجاز المشروع الحضاري بشكل لائق.

     

    ولعل في رمزية الرئيس ياسر عرفات، التي استمدها من تاريخه النضالي، ما جعل الأمر يلتبس على البعض أحيانا، ذلك بما كان من شأنه قائدا للثورة من قبل؛ ورئيسا للسلطة الوطنية من بعد، إضافة إلى أن جل أجهزة السلطة إنما تأسست على خلفية تنطلق من علاقة بالثورة، إن لم يكن في كل كوادرها ففي قياداتها على الأقل.

     

    ومن العوائق التي عرقلت مسار التجربة الديموقراطية في فلسطين ما يتمثل في تدخل بعض الفصائل، والقوى المختلفة من عربية وأجنبية، في كثير من مؤسسات السلطة، وعدم انصياع الأقلية للأكثرية، على غرار ما حدث في لقاءات القاهرة الأخيرة بين الفصائل على طريق استجلاء ما يمكن الإجماع عليه للخروج من المأزق الذي نجد أنفسنا فيه.

     

              ومن قبيل ما تقدم، تغليب الجانب العسكري على الجانب السياسي في بعض الأحوال، وفي ذلك ما فيه من أسباب التعثر في الأداء على الصعيدين الداخلي والخارجي، غير أن هذا المأخذ يمكن أن يحد من أثره، وتعالج نتائجه بتشكيل قيادة وطنية موحدة، سواء أكان ذلك بالانتخاب أم بالتصالح؛ تمهيداً لانتخابات جديدة. ومن شان ذلك أن يؤدي إلى التناغم بين السياسي والعسكري على نحو يصب في مصلحة القضية.

     

            هذه نقط مراقبة على الطريق، تمكنّا فيها من الوقوف على بعض الحقائق، واستخلصنا منها بعض النتائج، آملين ألا يطول بنا انتظار الانتخابات القادمة، والتي نرجو أن تكون شاملة ممهدة لدولة مستقلة ديموقراطية حرة، كما نأمل أن ترتقي الجماهير الفلسطينية لما تستحقه من وعي تفوِّت به الفرصة على الانتهازيين والعشائريين والمفرطين، وأصحاب المصالح الخاصة، وعلى أولئك الذين ينظرون إلى الجماهير على أنها أداة لتنفيذ مآربهم، وأنها لا تعدو أن تكون إقطاعية لهم.

           

             

      

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me