An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 9, 2009
  • الطريق الصعب إلى الأصالة
  • Published at:Not Found
  • الطريق الصعب إلى الأصالة

    الشعب 5/2/1985

     

              إن بائع العطور لا يستحق المدح إلا إذا فاحت من عنده روائح العطور .. وكذلك نافخ الكير، لا يستحق الذم إلا إذا أدى الناس بسواد فحمه ورماد ناره. وليس في قعر البحر لؤلؤ وليس في الصحراء أقحوان حتى تستخرج الولى ويتمتع إنسان بجمال الثانية وبعبيرها.

              وكذلك الثقافة الإسلامية، فإنه لا ثقافة إسلامية حتى تكون حية في نفس كل من الفرد والمجتمع، ونقصد بالحياة السلوكيات التي تكون نتيجة لتلك الثقافة، وهي لا شك حسنة، لأنها ثقافة هدى ورشاد  وأصالة .. ولكن !

              إن مصطلح الثقافة مشتق من الأصل " ثقف " لعلاقة بتقويم الرماح، ثم انتقل بعد عصر الرماح ليصبح المعنى تقويم النفس بالمعارف والعلوم، وأن يكون الإنسان عارفاً بالشيء، دون أن تترك تلك المعرفة أثراً في سلوكه، فإنها لا تعد جزءاً من ثقافته، ومن هنا يقال ثقافة عربية إسلامية، وثقافة هندية وثقافية يابانية.. لأن للكل طباعاً وتقاليد مختلفة.

              وليس شرطاً أن يكون التأثير فورياً، ولكنه ربما كان بعد حين، كأنه شيء مدَّخر ... ولكي نفاخر بثقافتنا الأصيلة علينا أن نستجيب لتوجيهها، وإلا فإنها تصبح في خبر كان، وحضارة عصر قد تولي منذ حين، كحضارة الفراعنة وقدماء اليمنيين والبابليين. أجل تصبح شيئاً دارساً نراه في آثارهم فندهش، وقد نستحسنه أو نستسخفه، دون أن يكون له أثر في سلوكنا.

     

    الثقافة وتحقيق الذات:

              إن الثقافة هي الموجه للسلوك، والصانع للشخصية، وإن ثقافة مجتمع ما لتكون فاعلة بقدر ما ينعكس أثرها في نفوس أفراد ذلك المجتمع.

              ولكن كانت الثقافة مسألة لا تخضع للحصر، ويسهل أن يدخل فيها ما ليس منها، من ثقافات الأمم الأخرى، فإنها لا توصف بالأصالة إلا بقدر ما تؤدي إلى تحقيق الذات للمجتمع الذي يمارسها، بحيث يكون حاضره امتداداً لماضيه، وتربة صالحة تتشقق عن مستقبله.

              وبتطبيق ما تقدم على واقع الثقافة الإسلامية، ليس في هذا البلد وحسب، ولكن في بلدان العرب المختلفة، التي استسلم بعضها في حلبة الصراع الثقافي، وانقاد أو كاد ينقاد بالكامل إلى هذا المعسكر أو ذلك .. ليس طلباً لسلاح، ولكن استجابة للتلقيح الثقافي الوافد، الذي دخل من أبواب مشرعة، دون تأشيرة، ودون جمارك أو حتى رقابة - بتطبيق ذلك نجد سلوكياتنا وأخلاقنا هي نتيجة جمالية لمقدمة ثقافية "ما" اغتذى بها عرب هذا الزمان، فلننظر في أصل العلة التي بدأت تستعصي.

              وإن المجتمع العربي- وأنا بهذا لا أغفل المجتمع الإسلامي الذي تفننوا - وجاريناهم - في إطلاق الأسماء عليه، فشأنه شأن مجتمع العرب الذين هم مادته - إنه ليتعرض إلى عملية تهجين ثقافي تكاد تبلغ نقطة اللاعودة، بل إن العالم بأسره مهدد لأن يصبح "غربياً" في ثقافته، تلك الثقافة التي تصبح وتضحي وتظهر وتمسي وتبيت وهي تقتحم علينا حواسنا وعقولنا، من حيث ندري ولا ندري .. إنه الطوفان.

    تهجين وفك ارتباط:

              هذه العملية لم تبدأ اليوم، ولكنها بدأت منذ فشلت الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها التي جاءوا لتحقيقها بالسيف، ففتشوا عن طرق آخر فوجدوه. إن القناصل الأوروبيين والشركات التجارية والرحالة والمستكشفين " والمبشرين " والمستشرقين الذين " جابوا " البلاد في القرون الماضية، وما يزالون، هم الذين بدأوا عملية " فك الارتباط " بين المسلم وثقافته، يعاونهم في ذلك طائفة من المريدين ممن تأثروا بهم، وسال لعابهم لفتات موائدهم، فجندوهم ليكونوا أداة " محلية " تنطلي بهم الحيلة على أبناء جلدتهم، وإن كثيراً من خطوات عملية التهجين - كمقدمة لعملية الفصل التام - لتتم بمحض إرادة الفرد من أفراد المجتمع، دون أن يشعر بخطر ما يفعله، وما ذلك إلا لأن وسائل العملية تكتسح أوجه نشاط الإنسان من العمل إلى الشارع إلى البيت إلى ثوبه وجيبه بل إلى عقله في كثير من الأحيان.

     

    التعبئة الثقافية:

              ولمواجهة ما تقدم لا بد من إنجاز مهمة تاريخية صعبة، وهي التعبئة الثقافية، والاستمرار في ذلك حتى يتحقق الهدف، وهو تبلور ثقافة إسلامية أصيلة، وتميز الذات الإسلامية فتتوقف ظاهرة الذوبان الحضاري في ما يشبه " العالمية " الغربية. لكن بم نعبئ، ومن يعبئ، وكيف؟ هذه مسائل أخرى. ولتكن عملية التعبئة هذه فرضاً على كل مواطن، وخدمة علم حتى على النساء والشيوخ.

              ولكن التعبئة لا تكون منطقية ولا عملية إلا بعد التأكد من خلو المجتمع من الثغرات التي تذهب بالجهد المبذول، وبعد التحكم في النوافذ التي تتسرب من خلالها المؤثرات الدخيلة، البريء منها والآثم. ونعني بالبريء الأجهزة كالشاشة الصغيرة والمذياع وآلات العرض التي يتحكم بها الإنسان فيجعلها شريرة آثمة أو برئية كما هو الأصل.

              وفي ظل ما هو قائم من الاختراق الثقافي لبلادنا، فإن ما يقدم لبناء الفرد ثقافياً لا يكفي لأن يصبح الفرد قادراً على المقاومة أو الحوار، ذلك أن التيار المقاوم، ويوماً عن يوم، يتفاقم الأمر، ويتسع الخرق على الرافع، وهذا يقتضي أن يعاد النظر في المناهج المدرسية والجامعية، وفي المواد التي تقدمها الوسائل الإعلامية المختلفة، وفي مقدمتها الشاشة الصغيرة والأشرطة المختلفة والصحف. وأن تبعث بعض المرافق والمناشط التي انزوت إلى الظل كالدواوين والمضافات والأندية الأدبية والمناظرات ونحوها.

     

    مذكرات كرومر

              كما أن ذلك يقتضي أن يعاد النظر في كثير من المؤسسات " الثقافية " أو " العلمية " – وما أكثر ما يوجه العلم لخدمة الأهداف المغرضة – التي أنشئت في ظل الاستعمار، واستمرت بعد الاستقلال في معظم البلدان العربية والإسلامية، لأن الاستعمار لم يكن ليسمح إلا لما ينسجم مع مراميه، ولا يتعارض مع أهدافه. وفي مذكرات اللورد كرومر الذي كان مندوب بريطانيا في مصر – ما يبرز دور هذه المؤسسات، حيث جعلها وسيلة لخلق جيل ينتمي إلى بلاده باسمه ولسانه، ولكنه ينتمي إلى أوروبا في مناهج تفكيره.

              وقد تحقق كثير مما هدف إليه كرومر والمبرمجون الغربيون – والأنظمة السياسية في بلادنا وهي ابن غير شرعي للغرب – وأصبح التهافت على تلك المؤسسات مرضاً اجتاح كثيراً من الناس، وأصبح مثلهم الأعلى محاكاة الغربي في كل شيء، حتى لكنته وطريقة استعماله للشوكة.

              إن أخطر ما تواجهه عملية التأصيل الثقافي هو استمرار الانفتاح غير المنظم، وإن عدم التربية على أساس من ضرورة بروز أثر الثقافة الأصيلة في سلوك الفرد والمجتمع.

     

    وجهة نظر في علاج

              قال حكيم العرب – طبيبهم ونبيهم عليه الصلاة والسلام: المعدة بيت الداء، والحمية أصل الدواء. فهل نكف عن تعاطي هذا الفيض الهائل من الألوان الثقافية، التي أصابتنا بالتخمة فلم نعد ننتفع بأصيلنا، ولم ننتفع بشيء منها؟ فإذا بنا كالغراب نسي مشيته ولم ينجح في تقليد الحجلة، فهو أعرج أبداً.

              إن الطبيب ليوصي مريضه بالتوقف عن تعاطي الطعام أو العلاج الذي أفسد مزاجه، وجعله يمرض .. فهل نتوقف عن تعاطي " الأطعمة أو العلاجات " الثقافية التي نتجرعها ولا نكاد نسيغها؟

              إن ثقافتنا الأصيلة لا تجد طريقها إلى مسالكنا ونشاطنا في زحمة  الثقافات التي تقتحم مجتمعاتنا، أو المستوردة اختياراً منا، وإن استمرار الانفتاح – دون أن ينظم بحزم – سيؤدي آخر الأمر إلى ضياعنا لأن الضياع الثقافي هو الضياع المطلق، وسيؤدي إلى ذوباننا بالكامل .. والحوار الثقافي يؤشك أن يكون اعترافاً بعجز الأمة عن النهوض. وهذا لا يعني أن الأخذ والاقتباس مرفوضان مطلقاً .. ولكن بعد ترشيد .. أو بعد توثيق البناء ولو بعد حين.


     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me