An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Saturday, May 9, 2009
  • الإبل في الشعر الشعبي
  • Published at:مجلة المأثورات الشعبية/ قطر، شهر 7 سنة 1989
  • الإبل في الشعر الشعبي

     

    أ.د. يحيى جبر

    مجلة المأثورات الشعبية/ قطر، شهر 7 سنة 1989

     

            لا شك في أن الإبل كانت تحتل مكانة مرموقة عند الإنسان العربي، ولا يزال لها من ذلك حظ وفير عند كثير من العرب في العصر الحاضر، وأيا كان المر اليوم، فإن أحدا لا ينسى مكانتها في الأدب العربي ودورها في انتشار الجنس العربي خارج الجزيرة العربية، شرقا إلى بلاد الهند وأواسط آسيا، وغربا إلى الصحراء الكبرى وشمالي إفريقية والأندلس.

            وفي هذه الدراسة سنعرض لدور الإبل في الحياة العربية، وسنبين موقعها من الإنسان العربي، من خلال جملة من النصوص لشعراء من شرق الوطن العربي ومن غربه، وتحديدا من السعودية والأردن وبادية الشام وليبيا، إضافة إلى عدد من الأمثال والأخبار التي تلقي مزيدا من الضوء على ما تقدم ...

     

    الإبل رمز القوة

            من المعروف أن الإبل هي أقوى الرواحل، وأجلدها على سير وحمل، وجوع وظمأ، وحر وبرد، وجبل ورمل، لذلك؛ فقد ضربوا بها المثل في القوة والصبر والفخامة، ومما يعكس تلك الصورة للإبل في أذهان العرب أنهم في "تهامة عسير" جنوب المملكة العربية السعودية إذا تعاونوا في حمل "المعدل" وهو جذع شجرة كبيرة ـ غالبا ما تكون سدرة أو عتمة (زيتونة برية) يسقفون به المنازل ـ تداولوا حمله ونقله إلى القرية يهزجون:

    أربعة شالوا ام جمل                           وام جمل ما شالهم

    أي أربعة رجال يحملون الجمل ... ولكنه لا يقوى على حملهم، وقولهم ام جمل يعني الجمل، وهذا من بقايا الطمطمانية، إحدى مظاهر اللغة الحميرية القديمة، وقد سمعت ذلك منهم قبل نحو من خمسة وعشرين عاما، وشاركتهم عملهم (1).

            ومن قبيل ما تقدم ما يرويه لنا المرحوم عز الدين التنوخي (2) عندما فر هاربا من الجيش التركي لائذا ببادية الشام، فأتى الهزيم إلى الشمال من القريات، داخل الحدود الأردنية، وهناك سمع البدو ينشدون وهم يمتحون الماء لسقي إبلهم:

    يا مرحبا بالزوامل شيالات المحامل
    يا مرحبا بابلنا مبعدات منزلنا
    يا مرحبا بابلنا واللي بغينا شلنا
    يا مرحبا بالابل يا مزوجات الخبل

    فهي التي تحملهم وتحمل امتعتهم وهي التي تمكنهم من النزول بعيدا في الصحراء لأنها لا تبالي بالمسافات وشح المراعي، وهي إلى جانب ذلك تُدفَع مهرا للعروس، جريا على عادة العرب منذ الجاهلية.

    وقد عبر الشاعر الشعبي محمد سعيد القشاطا (3) من منطقة طرابلس بليبيا عن مقدرة الإبل على اجتياز الفيافي وقطع المسافات البعيدة بطريقة مختلفة، فهو يقول لصاحبه: سق الإبل فالمراد بعيد، وإن علينا لبلوغه أن نعبر فجوج البادية .. جاء من شعره في ذلك:

    ياسايق الجمل قوده وشق العفي وجوده
    بو عين تكوى سوده بعدت منازيله
    رحله وتنقيله
    سوق الجمل فيالبادية          وخش الفجوج الهادية
     اللي هضابها متعادية ..................................

            ويوضح الشاعر الشعبي حسن لقطع (الأقطع لقطع بعض أصابعه) وهو من مشارق ليبيا، صورة الجمل التي ذكرنا، بعبارة أدق وأبلغ، وذلك حيث حدثنا في قصيدة "سعدى" أن هذه المرأة تريد منه ـ وهو الفقير المستور الحال ـ عددا من الإبل القوية محملة بما تعجز عن حمله من أدوات العروس وكسوتها، تماما كما ناءت مفاتيح كنوز قارون بالعصبة أولي القوة ـ بالخيل ـ فلم تقو على النهوض بها، وفي ذلك يقول:

    سعدى قليلة رافة
    وانا في المعيشة ذوبني نتلافى
    وهي تريد ثلب محشنات خفافه
    عشارة تقول تخيل داير ضفة(4)
    يقوس مع كرمودها وقرافه
    ويجي تقول قصر تحت جحفها

    واللب أصلا هو الجمل الكبير المسن، وقد استعاره هنا للقوة، والرافة هي الرأفة، ومحشنات: صلبة، وفي قوله: عشارة ... يشبه عشار الإبل بمجموعة متقاربة من شجر النخل، والكرمود الهودج، وقرافه محتوياته. وقد يشبه البعير هنا بالقصر، وذلك تشبيه قديم حيث شبهه الجاهليون بالقصر والفدن ونحوهما.

     

    الإبل مصدر عز:

            يجمع الشعراء الشعبيون في المشرق والمغرب على أن الإبل عز لأصحابها ... ولا عجب في ذلك، فهي مهر نسائهم، وفداء أسراهم، وديات قتلاهم ... ثم هي ـ إلى جانب ذلك كله ـ سفينة البر التي تنقلهم هم وأمتعتهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، ولا ننسى، إضافة إلى ما تقدم، أن لهم من ألبانها شرابا، ومن لحمها طعاما، ومن وبرها كساء، ومن جلدها نعلا وسقاء.

            يقول الشاعر الشعبي الأردني "علي الدسم" في قصيدته المعروفة بـ "شيخة القصيدة":

    ثامن وحياتي به معزة وهيبة
    عليك ايسفن البر، حرش العراقيب
    راعي الغنم يشيب من قبلشيبه
    والبل معزة، تبعد الهم والشيب(5)

            وجدير بالذكر ان العرب تقدم من كان ماله الإبل على البقار والشاوي، وما نرى ذلك إلا لأن أثمانها اغلى، وهذا يفسر دعوتهم بالشر على من يكرهون بقولهم: عساك ما تحلب غير وانت قاعد، أي لا يكون حلالك إلا تحلبها واقفا، بل غنما تحلبها وأنت قاعد أو مقرفص ـ ويكرر الشاعر الشعبي عبد المطلب الجماعي (6) هذا المعنى بحرفه تقريبا، وذلك في أكثر من موضع من قصيدته الطويلة "البل" فيقول:

    البل تعز النفس، وانعم بيها           وهي عزها والخيل تتبع فيها
    عز وهيبة                                           وهي عزها تماشي كثير سبيبه
    ويقول في موضع آخر:

    عز الخايف ............                      وهي عزها سبق سماح رهايف
    مشاهير هلها والدلول عكايف                   محاسير جوا شيابها وصبيها

            ومن الجمل التي يكررها الجماعي في هذه القصيدة التي أربت على مائة وخمسين بيتا: عز وخيرة، عز الباير، يعزوا هلها، عز وهمة، عز وزينة، تعز من يكسبها، وهي عزها بالخيل عند عربها،تعز البادي، تعز الشايل، البل تحض غنايا. وما نرى في هذه الأقوال وما سبقها إلا ترجمة وتكرار لقول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ "الإبل عز لأهلها، والغنم بركة، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة" (7).

     

    فلان جمل كل ديرة:

            من أمثال العرب في الرجل يحسن العيش في كل بلد، ويحسن التكيف مع الظروف المستجدة قولهم: "هو جمل كل ديرة" (8). أي أنه يشبه الجمل لا يضره تنقله من بلد لآخر، وإن اختلفت التضاريس والمرعى والمناخ، فالمعروف أن الإبل تأكل شجر الشوك وتستطيبه.

            ومن الأمثال التي تعكس التشابه بين البدو والإبل في الصبر على مشقات الحياة، وتعود الخشونة في المأكل والمشرب قولهم " ترى البدو أباعر بأباعر" أي أنهم يردون الماء مع إبلهم فتشرب ويشربون وإن كان الماء ملوثا، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون هناك من يعافه، وإن سقى منه إبله، قال بعض الأعراب في ماء الجراوي قرب وادي السرحان:

    ألا لا أرى ماء الجراويشافيا
    صداي ولو روى غليل الركائب
    فيا لهف نفسي كلما التحْت لوحة
    على شربةٍ من ماء أحواضٍ ناضب(9)

            والبدو كما هو معروف، يقتصرون على الضروري من الأقوات والملبس وسائر الأحوال والعوائد، ولا يقتنون الكماليات، ذلك لأنه أخف لهم في حلهم وترحالهم، ونأدنى إلى طبيعة حياتهم.

           

    الناقة في الأشعار الشعبية:

     

    أ . ضخمة جسورة مؤصلة:

    وصف الشعراء العرب الناقة وأحسنوا، وجاؤوا من وصفها بما يضاهي وصفهم لنسائهم، وقد نذكّر هنا بوصف طرفة بن العبد البكريّ (10) لناقته في معلقته حيث قوله:

    لها فخذان قد أكمل النحض فيهما                كأنهما بابا  منيف ممرّد
    وعينان كالماويتين استكنّتا                 بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد
                                        


    طحّوران عوار القذى فتراهما                 كمكحولتي مذعورة أم فرقد

        حيث يشبهها بالقصر، وفخذاها المكتنزتين بمصراعي باب القصر، وشبه عينيها في التجويف العظمي الذي يكتنفهما بمرآتين صغيرتين وُضعتا في نقرتين من صخرة، وهما تطحران القذى وتطردانه خارجا، كما أنهما تشبهان عيني مهاة مطفل، وذلك أجمل لعينيها وعيون كل الإناث.

    ونورد فيما يأتي طائفة من الأشعار الشعبية توضح إلى أي حد جاءت تصوراتهم امتدادا لتنصورات القدماء، وتنظبق عليها، قال محمد آل علي العرفج (11) (المتوفى سنة 1258هـ) وهو من شعراء القصيم:

    لي مع الويلان هوجا فاطر لي                         من سكرها نصطفح فودا هميم
    ما حلا زمة المرير وركها                             للريف امخصره دوشك حشيم
    والمرافق والعضود وزورها                          ذا لذا عن ذا وذا عنذا جريم
    ما ينوش امعذرة راس العصا                           صيعيرية مغرمة تنعم النديم
    كن عينيه يوم عين الشمس تبدى                        ثم تقلبها كما عين العديم
    كنها ذيب إلى احدا من جذيب                             طالع الشاري وإلى الشاري غشيم
    أصل أبوها من عمان وامها                            وسمها المغزل على فخذه يتيم
    شبت الصمان وافياض الحجر                             والعروق وربعه بأرض القصيم

            وهو هنا يحدثنا عن هذه الناقة بأوصاف مجسمة، فوركها كالدوشك في اتساعه واستوائه، وأعضاؤها متباعدة بعضها عن بعض، وذلك أضخم لها، وهي ـ إلى جانب ذلك ـ أصيلة، أبوها وأمها من إبل عمان، وهي من الإبل الموصوفة بالجودة في أدب العرب. ويضيف محمد العرفج ـ رحمه الله ـ أن تلك الناقة معلومة بالوسم على فخذها وهو المغزل يرسونه بالكي، وأن هذه الناقة سمينة ليست مهزولة، لأنها ارتعت الصمان وما يليها إلى بلد القصيم، ويضيف العرفج قائلا:

    كن زوله من شفا روس الطعوس                     كنها تاطا على شوك الصريم
    قوطرت تشبه فحل شرشاح                            كن نهضة جنحانها مثل الظليم

            فناقته تبدو من بعيد، وكثبان الرمل من أمامها، فكأنها أشواك تسير عليها، وهي لا تسير سيرا معتادا، بل إنها تشبه في سيرها فحول الإبل، وإنك إذا نظرت إلى صدرها حسبت كلكلها نعامة باركة، وتشبيه الناقة في سيرها بالجمل، تشبيه قديم نذكر منه قول ذي الرمة (12)

    جمالية حر سناد يشلها                     وظيف أرح الخطو ريان سهوق
    ويروى مذكرة مكان جمالية، أي كالجمال، أو الذكر من الإبل.

     

    ب . الحنين إلى الوطن:

    وهو من أوصاف الإبل في الأدب الشعبي العربي التي نظفر بها، في أبيات الشاعر الشعبي سعيد شلبي (13) من قصائد له في الإبل عديدة، وقبل أن نورد طائفة منها نتعرف بالشاعر، حيث كانت بينه وبين الإبل علاقة خاصة، فهو أحد أولئك الذين هاجروا من برقة إلى مصر، إبان عصر الاحتلال الإيطالي، يقول (14) أبناؤه إن ناقته كانت في بداية هجرته ـ إلى مرسى مطروح ـ كثيرة التحنان إلى موطنها، وأنها كانت تنتهز الفرص فتهرب نحو الغرب، فيتقفى أثرها ويرجعها، ولما تكرر ذلك تأثر الشاعر، واشتد شوقه هو أيضا إلى الوطن، فتخيل أن حوارا دار بينه وبينها فقال قصيدة طويلة في ذلك منها: (15):

    الشاعر:الناب طالبه قالت نريد الوادي         صدارة المناشي (16) وراح منهن غادي
    الناقة:

    نريد حطايا                              ونريد عين تذرف تقول مرايا(17)
    ونشرب بلا جرسال ا تقّاية                ونصدر مع مسهب نشا طرادي
    وفي وطن لو جلدا ولو حرشاية                 منبوته قصيبة لقط عود فرادى
    الشاعر:

    سيبك منه                      وطنك اليوم صعيب في مدنة
    كلي لك عراد وشيح تله عنه                نين تنفرج بالك نحوزوا بادي
    ويوقف علام النصر غصبا عنه                    ويفوت وطنا مكسور بامر الهادي
    الكافر اللي خلاك مالك فنه                          انت وهلك عرفكم لكل بلادي

            إلى آخر القصيدة، وهي تجري على هذا النحو، في حوار رائع، وفي الأبيات الأخيرة يدعو الشاعر على المستعمر الإيطالي بالهزيمة والخروج من بلاده، ذلك لأنه كما يقول: طردوه وطردوا ناقته من وطنهما وألجأهما إلى البلاد المختلفة. والمعروف، منذ القدم أن الإبل ن=تحن إلى أوطانها، بل إن كلمة الوطن تعني في الأصل مراعي الإبل ومأواها، ومن ذلك قول الشاعر:

    وياوي إلى اوطانه الجمل الوهم (18)

    ج‌. الإبل خير وبركة:

     

    ومن أقوال العرب المأثورة في ذلك: ما خلق الله شيئا من الدواب خيرا من الإبل: إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت (19). ولذلك فهميكرمونها ويعزونها ولا يحبسونها، لأنهم يعلمون أن راحتها فيالبراري حيث ترتعي ما تشاء. وهذا ما عبر عنه سعيد شلبي (20) بقوله في حواره مع ناقته:

    عايشه بعصرها                          ولا عمر والي عالجفا صقرها
    ولا يعلفوها تبن في موكرها                    هلها منازيلهم سماح بوادي
            فناقته، طوال عمرها، تحيا حياة عزيزة، ولم يسمها الخسف أحد، وهي لا تعلف التبن في مراحها، بل مطلقة حيث يسكن أهلها في البوادي. ومن مأثور أقوال البدو في شمال السعودية وجنوب الأردن (21): العرش ما خظ غير من ثلاث وهي:

    1.    دفقة اللبن، والمقصود صقوطه على الأرض، ويخص فيما يبدو لبن الناقة.

    2.    دفقة دم الصاحب المعور ـ الأعزل.

    3.    صيحة الأخو يوم يقول: واخياه.

    وقد بلغ من تقديرهمك للإبل أن جاء في أمثالهم الشعبية قولهم"البل لو تعرف الصلاة صلت" ذلك لمكانتها عندهم ولجمال عقلها وأدبها.

     

    الإبل ........والخرافة:

            من الإبل عند العرب ما نسبوه إلى ناقة صالح ـ عليه وعلى نبينا وآله السلام ـ وإلى إبل العرب البائدة من عاد وثمود، وهي الإبل الوحشية أو الحوشية، وقال أبو صاعد (22): "وزعم الناس أن أول ما خلقت الإبل من الرمث، وعلاقة ذلك انك لا ترى دابة تريده إلا الإبل. والرمث والأثل من نبات الحمض، والرمث شجيرة لا تطول، والأثل شجرة كاملة.

            وذكر العزيزي في معلمته (23) أن بدو الأردن كانوا عندما يحجون يمتنعون من حلب الإبل عند غروب الشمس؛ حذرا من أن يسقط من لبنها شيء على الأرض فتفسد حجتهم وحجة الحجاج، ولعل ذلك متخلف عن عبادة الجاهليين للجمل الأسود، تلك العبادة التي أبطلها الإسلام فيما أبطل من الوثنيات, غير أن البدو ظلوا يحافظون على ذلك بأسلوب غريب من الخرافة والوهم.

            قلت: شأنهم في هذا كشأن الفلسطينيين في التحذير من إسقاط الملح ولو ذرة منه على الأرض ... كي لا يلتقطها الفاعل يوم القيامة بشفري عينية (رموشه).

     

     

    حداء الإبل:

            الحداء ظاهرة قديمة، عرفها العربي منذ فجر التاريخ، ذلك أن فيه تنشيطا للإبل، وترويحا عنها وعن الحادي والرفقة المسافرين. بل ربما كان الشعر العربي زيدة تمخض عنها الحداء في العُصُر الخوالي، ثم كان وتطور.

            ومن ارتباط الإيقاع بالإبل وسيرها، أن العروضيين اتخذوا من جريها "الخبب" اسما لإحدى صور المتدارك "فعلن" ثماني مرات.

            وقد عُرف من الحدائين في صدر الإسلام (24) البراء بن مالك، وانجشه، وقد كانا مع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في بعض أسفاره، فجعل البراء للرجال، وانجشه للنساء. ومنهم عدي بن أبي الزعباء، حادي جيش المسلمين في عودته من بدر منتصرا، وغيرهم. وقد يحسن هنا أن نذكر طائفة من أشعارهم في الحداء، حيث قال حاديهم:

    دع المطايا تنسم الجنوبا                         إن لها لنباً عجيبا
    حنينها وما اشتكت لغوبا                            يشهد أن قد فارقت حبيبا
    لو ترك الشوق لنا قلوبا                        إذن لآثرن بهن النيبا
    إن الغريب يسعد الغريب

            كانت هذه نبذة عن الإبل في الأدب الشعبي العربي، استخلصناها من جملة النصوص التي اخترناها من مناطق مختلفة في الوطن العربي، وبإيجاز، يمكن القول إن الإبل لم تكن مشهورة في الأدب الرسمي دون الدب الشعبي، بل على العكس من ذلك؛ إذ ربما كانت شهرتها في الأدب الشعبي أوسع وأعرض.

            وجدير بالذكر هنا، أن شعراء الفصحى لم يعودا يتناولون الإبل في أشعارهم، حيث خرجت من دائرة الوصف منذ أمد بعيد. ولعل خليل مطران كان آخر من تحدث عنها في أوائل القرن الميلادي العشرين، مع العلم أن حديثه كان تقريرا لقرب انتهاء دورها في قصة الحضارة، وذلك حيث قوله:

    تغيرت الدنيا وقد كان أهلها                              يرون متون العيس ألين مضجع
    ولكن الشعراء الشعبيين استمروا يتحدثون عنها، وإلى يومنا الحاضر، وهذا يوضح البون الشاسع في نمط الحياة بين الشعراء الرسميين، والشعراء الشعبيين، كما يبين أن الإبل في طريقها إلى الاختفاء، على الأقل من الحياة العامة، لتدخل ثانية في الصحراء، وتتوحش من جديد !! إلا أن يقضي الله أمرا، فيعود لحياتها الدفء من جديد، وكذلك لإنسان عموما، والعرب على وجه الخصوص.

     

     

    المراجع والهوامش:

     

    1.    كان ذلك في بلدة الجرف من وادي حلي بتهامة عسير، سنة 1383 إلى سنة 1385 هـ.

    2.    الرحلة التنوخية من الزرقاء إلى القريات، بتحقيق الباحث، ط دار الشعب، عمان سنة 1985، ص 22

    3.    من ليالي السمر، شعر محمد سعيد القشاط، ط دار لبنان، يبروت سنة 1967، ص 137، 138

    4.  دراسات نقدية في الشعر الشعبي، للدكتور يوني عمر فنوش، طبعة المنشأة الشعبية للنشر، ط1، طرابلس 1980، ص 50 ـ 52

    5.    معلمة التراث الأردني، روكس العزيزي، منشورات سلطة السياحة، ط1، عمان 1984 الجزء الرابع، ص 368

    6.  ديوان الشعر الشعبي، لجنة جمع التراث، منشورات كلية الآداب بجامعة قاريونس، المجلد الأول، ط الدار العربية الإيطالية للطباعة والنشر 1977م، ص 31 ـ 41

    7.    المستطرف في كل فن مستظرف، للإبشيهي، ط دار القلم، بيروت 1981، الجزء الثاني ص 340

    8.    هذا من أمثالهم في بلاد تنومة، بين أبها والنماص من المملكة العربية السعودية، سمعته منهم عام 1968.

    9.    الرحلة التنوخية، (مصدر سابق) ص34 وياقوت الحموي (البلدان) 2/117

    10.                       جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، ط دار صادر، بيروت، ص152،153

    11.                       منتخبات من الشعر النبطي لأشهر شعراء نجد، مجهول المؤلف وجهة النشر والطبع والسنة، ص 18، 19

    12.          اتفاق المباني وافتراق المعاني، لسليمان بن بنين النحوي، بتحقيق الباحث، ط دار عمار، عمان، سنة 1985 ص 146

    13.                       ديوان الشعر الشعبي (مصدر سابق)، ص 197 ـ 201

    14.                       المرجع نفسه ص 197

    15.                       المرجع نفسه ص 198

    16.                       وهي آبار تقع إلى الجنوب من بلدة اجدابيا الساحلية، في الصحراء.

    17.                       الحطايا جمع حطية مثل ركايا وركية، وبمعناها.

    18.                       اتفاق المباني (مصدر سابق) 114

    19.                       المستطرف (مصدر سابق) 2/340.

    20.                       ديوان الشعر الشعبي (مصدر سابق) ص200

    21.                       معلمة التراث الأردني (مصدر سابق) 4/370

    22.                       الرحلة التنوخية (مصدر سابق) ص32.

    23.                       معلمة التراث الأردني 4/369

    24.                       الشعر الشعبي العربي للدكتور حسين نصار، منشورات اقرأ، ط2، بيروت 1981، ص71 ـ 74.

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me