An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, January 25, 2011
  • عالم صغير
  • Published at:الشعب. 17/5/1985
  • أعدت هذه المقالة قبل عصر الإنترنت، ولذلك فإن وسائل الاتصال أربع ولسن ثلاثا... هذه رابعتها

    كنا، في صبانا، نسمع كبارنا يعبرون عن البعد بذكر عبارات  توحي به وتومئ إليه، كمالطة وبولونية والروملي ـ والأخيرتان بسبب حروب الأتراك في أوروبا ـ والجبال السود، وبلاد واق الواق، وغيرها. غير أننا في هذا الزمان نرى تلك البلدان قريبة، بل لقد أصبحت بقاع الأرض كلها قريبة، ومن يدري، فقد نستقرب القمر غدا.

            ولم يقتصر التقارب على الأماكن، بل لقد تقارب الناس وتعارفوا شعوبا وقبائل، وتقاربت أهواؤهم وأمزجتهم، وتعددت وسائل الاتصال فيما بينهم.

            ولعل وسائل الاتصال هذه، هي التي جعلت عالمنا يتضاءل ويصغر في نظر ساكنيه حتى أصبح \"حارة\" أو \"حيا\" مسورا بالفضاء، فلا يكاد يحدث فيه حادث، حتى ينتشر خبره في كل أرجائه، ولئن كان الأمر قديما على نحو ما صوره طرفة بن العبد البكري بقوله:

    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا                 ويأتيك بالأخبار من لم تزود
    فإن أحدنا في هذا الزمان تأتيه الأخبار والمعارف من كل أوب وصوب، فهي تصمخ أذنيه وتملأ عينيه، وتشغل أحاسيسه صباح مساء، فهو لا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع، الأمر الذي جعل منه برجا كثرت فيه الفتحات، فتلك هي الرياح تخترقه من هنا وهناك، أو قل، المياه، فهو لا يحتفظ منها بشيء.

            وأخطر وسائل الاتصال ثلاث وهي:

    ·   الطرق: ويقع في مقدمتها الطرق الجوية \"الخطوط\" بما تيسره من سرعة في الاتصال والانتقال. وإن طريقا نقطعه اليوم في ساعة، كانوا يقطعونه من قبل في أيام.

    ·   الموجات الكهرومغناطيسية: ممثلة في الإذاعتين المسموعة والمرئية، ونحوهما، كالاتصالات السلكية واللاسلكية التي نقلت الإنسان نقلة مذهلة على طريق الاتصالات المباشرة، حيث أصبح أحدنا قادرا على الكلام مع من يريد، في أي وقت وأي مكان، في ثوان معدودة.

    ·   المطبوعات، من مجلات وكتب وصحف ونحوها: وهي أقل خطرا من سابقتها، لأن مفعولها لا يظهر إلا بعد حين. كما أن خطرها هي والتي قبلها، يكمن في أنها تسعى إلى الإنسان فتقتحم عليه بلده وداره. ولئن كانت المطبوعات والمسجلات مما يمكن مراقبته، فإن الموجات الإذاعية لا تخضع لرقابة، ولا التشويش يحول دونها في كثير من الأحيان.

    وما دام الأمر كذلك، فإن زمام التربية أصبح مشاعا، ولا نقدر أن نسيطر عليه حتى بالسلطان، غير أن ثمة سبيلا يمكننا من السيطرة عليه والأخذ به. ذلك هو الوازع الداخلي للإنسان، أو ما يسمى بالضمير الحيّ، وهذا بحاجة إلى عناية فائقة بالنشء لزرعه في نفوسهم وتمكينه من ممارسة دوره على وجه فعال.

        إن العالم في طريقه للتجانس، وسعيه في هذا المجال سريع وليس بطيئا، ذلك أنه يتناسب طرديا مع سرعة الإنسان في تطوير وسائل الاتصال.. هذه الوسائل التي اختزلت المسافات، وقربت بين المتباينات، فإذا بأقوام ـ وبعضنا منهم وللأسف ـ تتزيا بغير زيها، وترطن بغير لسانها، وتتخلق بغير أخلاقها، تخلع جلدها لترتدي جلودا مبرقشة، لا تقي من حر ولا برد، ولا حتى من عيون الحسد.

        فهل نتمسك بشيء مما هو لنا، وهو منا، بحيث نقدمه لغيرنا من الشعوب الذين ننخرط معهم في بوتقة هذا العالم الصغير.. شيء أصيل يعبر عنا ويمثلنا.. أم أنه الذوبان السريع شكلا.. البطيء في مضمونه.. وقد يقال: هذه حسنة، فنقول: إن الأشياء التي يذوب مضمونها ببطء تسترده ببطء أيضا، هذا إذا أتيح لها أن تسترده.. فإن الرصاص لا يعود يورانيوم.. فهل نحافظ على شيء من إشعاعنا في هذا العالم؟

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me