An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, March 29, 2010
  • رسالة الى مشهور البطران
  • Published at:مجلة رؤى تربوية
  • بسم الله الرحمن الرحيم

    أخي الأستاذ مشهور البطران المحترم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

     فقد سعدت كثيرا باطلاعي على كتاب(مخيلة الحكاية ـ في استكشاف القصة وإنتاج المعنى) للعالمين اللغويين والتربويين المتمكنين؛ مالك الريماوي ؛ الذي عرفته على عجل في مؤتمر عقد في القدس عام 1986 حول أساليب تدريس الصرف في الجامعات الفلسطينية، ولكم وددت لو أن الظروف لم تحل دون التواصل؛ إذ لولا ذلك لكان بيننا علاقة أكيدة ووطيدة نظرا لما تبيّن لي فيه من مخايل النجابة وملامح العطاء الثر؛ مما جعلني أتلقّى كتابه هذا دون أن أفاجأ بعمقه وجليل قدره ـ والأخ وسيم الكردي الذي لم يتح لي أن ألتقي به فكانت قراءتي العجلى لبعض ما ورد في هذا الكتاب وسيطا عرّفني به خير تعريف، ذلك أن النص يبوح بأسرار مبدعه، بل إنه مرآته يهديها لقرّائه، ويرونه فيها تماما مثلما يرى نفسه فيها. إنه إنتاج آخر لشخصيته.

    وقد وجدت في الكتاب ثورة حقيقية لا تطال الظاهر، بل تتعداه إلى العمق، هذا العمق الذي ظل مخنوقا بالامتدادات الأفقية لجل مناشطنا التربوية، مما جعلها عقيمة غير ذات جدوى؛ تتقدم الأمم ونحن نتقهقر.

    ولا أكتمكم أنني وجدت نفسي في كثير من الموضوعات والقضايا التي أثارها المؤلفان، وقد نشرت منذ أكثر من عام مقالة في جريدة القدس بعنوان \" مناهجنا على أين \"أدت إلى أن قطعت دائرة المناهج علاقتها معي، واستثنتني من أنشطتها.

            ولا أبوح بسر إن قلت إني أوافق الأخوين الريماوي والكردي في جل ما ورد في الكتاب، ومن ما أردده لطلابي في الجامعات الفلسطينية بهذا الصدد: أنكم لا تتعلمون اللغة ، إنما تتعلمون قواعدها من نحو وصرف وبلاغة وإملاء وعروض وكيفية استخدام هذا المعجم أو ذلك.أما اللغة فهي في النصوص على اختلافها، على أن تكون دراستها بطريقة مختلفة عن المألوف الدارج.

    ولما كان هذا النهج هو المعمول به في العصور السابقة وما يزال، ولما كانت الفلسفة التي توجه العملية التربوية هي نفسها \" فلسفة ذات بعد واحد هي نتاج لأزمة حضارية  تغرق فيها الأمة، وسبب لها في الوقت نفسه\" فإن المشكل سيظل يتفاقم ويستفحل على نحو ينذر بخطر جسيم، وقد نذهب إلى ما هو أعمق وأوضح لنحمل كثيرا من القائمين على شؤون التربية والتعليم في المدارس والجامعات المسؤولية بشكل مباشر نظرا لافتقارهم إلى ما يمكن أن يعطوه لطلابهم على هذا الطريق، ونحن نعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولعل هذا ما أراده الباحثان بالأزمة الحضارية، التي تعني في أبسط معانيها: مكانك سر!.

      إن مؤسساتنا التربوية بحاجة إلى إعادة النظر في فلسفة التربية والعليم، وتحرير التعليم من قيد الوسيلة بحيث يصبح غاية في حد ذاته، ومن هنا كان لا بد من إعادة ترسيم المناهج، فطلابنا _ حتى بعد المرحلة الجامعية الأولى يخرجون إلى الحياة العملية بأدنى حصيلة من المعرفة بالحياة والعلاقات بين الأشياء، إن مؤسساتنا التربوية بحاجة إلى إدراج مساقات تعلم الفلسفة والمنطق وطرق التفكير؛ إن لم تكن مباشرة في تناولها للموضوع فليكن ذلك من طريق غير مباشر، ذلك ليتمكن أبناؤنا من الحصول على نظرة شمولية للحياة، تنتظم كل نشاطاتهم، وتوجه مسيرتهم في خضمّ هذا العالم المتلاطم، الذي يتغير على وتيرة غريبة الأطوار، ولا سبيل لإحكام السيطرة عليها، فكأن العالم يسبق نفسه!. وقد أصاب الباحثان حينما قررا أن اختيارهما على هذه (الموضوعة ) راجع على علمهما بعدم وجود دراسات عربية في هذا المجال. ولقد صنعا خير إذ طرقا الباب بجرأة وجدارة.

    ولما كان الإنسان بنيان الله، ملعون من هدمه، فإن \"تخريب عقل الإنسان يعدل جريمة القتل عمداً. وإن مهمة الارتقاء بالعقل لهي أسمى المهمات، لما يتيحه ذلك من العيش الهنيء، والحياة السعيدة، للناس جميعاً. وما أجمل صنيع دكرولي حين أطلق على مدرسته التي أنشأها سنة 1907 اسم \"المدرسة التي تعد للحياة عن طريق الحياة\" وذلك هو ما حدا بجان جاك روسو في كتابه Emile إلى القول: \"إن الحياة هي المهنة التي أود أن أعلمه إياها، فالمدرسة الحديثة إذن تسعى إلى تكوين الفرد خلقياً واجتماعياً بجانب تكوينه عقلياً\". فالتعليم ينبغي أن يحقق للإنسان إنسانيته على أرفع وجه ممكن، وهو بذلك في تحدٍ ما دام يصبو إلى المعالي والسؤدد والفلاح، وهذا ما يترجمه قول الله تبارك وتعالى \"هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون\".

    وفيما يلي أرجو أن أقّم بعض الإضاءات على موضوعات بعينها مما ورد في الكتاب:

    1.     ما تولّد لدى المؤلفين من اهتمام خاص بالقصة كسياق لتعلم اللغة وتعليمها،وهذا في تصوري من التوفيق وما هو ملائم للفئة العمري المستهدفة بحسب ما ورد في صدر الكتاب، بل إن الأسلوب القصصي يروق الكبار والصغار على حد سواء، ولنا في مقامات الحريري والهمداني ومجالس أبي حيان ما يترجم ذلك على أحسن وجه. كما نجد في ما يشير إليه الواقع الملموس من أثر القصة في العملية التعليمية ممثلا في استهواء المسلسلات للكبار والصغار على حد سواء. وقد لمسنا ذلك بشكل واضح أثناء عملنا في مسلسل المناهل وافتح يا سمسم.

    2.     ما ذهبا إليه من أن الكلام يغدو عملية ذهنية، والتفكير يغدو عملية كلامية، بمعنى أن كلا منهما من شأنه أن ينتج الآخر، كالمغناطيس والكهرباء، وقد تنبه الشاعر العربي إلى هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى، وأعارها النحاة قسطا من اهتمامها حين ركّزوا على قوله:

                            إن الكلام لفي الفؤاد وإنما      جعل اللسان على الفؤاد دليلا

          ولا خير في العملية اللغوية إذا لم تتوّج بتمكين الدارس من تحويل الكلام إلى                    عملية ذهنية، والعكس، ولكن الحاصل في مؤسساتنا التربوية أن الطالب قلما يفلح في الأداء اللغوي في الاتجاهين، لعدم توفر الفرصة الكافية لمشاركة الطلبة وعدم الميل إلى النقاش كوسيلة تعليمية ذات أهمية كبيرة.

    3. أوافق الباحثين في ما ذهبا إليه من ضرورة الانفتاح على اللسانيات النصية والخطابية، لأن في النصوص حياة ولا حياة في الجمل، ما أشبه النص بالبحر يموج بسمكه الحي، وما أشبه المفردات والجمل المنتزعة من سياقاتها أو المرتجلة بالفسيخ ؛ لا حياة فيه، أو على أحسن حال ممكن، بالسمك المعد للبيع في الثلاجات؛ مما يعني أننا لا نقدم لأبنائنا المعلومات الكاملة ولا المعرفة الشاملة التي من شأنها أن تؤهله للحياة: حياته الخاصة وحياة مجتمعه.

    4.ينم الكتاب عن سعة اطلاع الباحثين على جهود العلماء في المشرق والمغرب، وقد كان بودي لو أنهما أعدا نسخة أخرى (عملية ) تقدم لمدرسي اللغة العربية؛ لا سيما أن كثيرا منهم لم يتح له أن يتصل بأبحاث العلماء الذين ورد ذكرهم في الكتاب، كما أن لغة الكتاب من الرصانة والإحكام بمستوى قد يحول دون تمكّن بعض المدرسين من استيعابها، يضاف إلى ذلك ما تضمنه الكتاب من اصطلاحات غير مألوفة في الدرس اللغوي العربي إلا نادرا.

    4.لقد أعجبني جدا ما اقترحاه من توظيف الدراما في العملية التعليمية،لا سيما الكيفية التي عالجا بها الموضوع،.

    وخلاصة القول، إن هذا الكتاب جدير بأن تتوقف عنده دائرة المناهج، وأن تنظر في محتواه جيدا، لا سيما أن فيه ما ينسجم مع المتغيرات والمستجدات والضرورات التي بات واقع الأمة مشحونا بها.

    كما يجب أن ينظر فيه المدرسون على مهل، وأن يختبروا ما فيه بالتجربة والتطبيق، وأن ينتفعوا بما ورد فيه من جديد، وهو كثير جدير بالدراسة والتقدير, وأن يطوروا إمكاناتهم وفقا لمقتضى المستجدات، لا أعني المدرسين في المراحل التأسيسية والثانوية وحسب، وإنما أعني أساتذة الجامعات أيضا، فنحن على أبواب زمن جديد.

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me