An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 20, 2012
  • اللغات المهددة بالانقراض في الوطن العربي
  • Published at:سينشر في كتاب المؤتمر الذي نظمته جامعة ميكوب الروسية بالخصوص 2011
  •  

     

     

     

     

    Abstract

    Endangered Languages in the Arab World

    Prof. Yahya Jabr

    A Professor of linguistics at An-Najah National University

    Nablus – Palestine

    This research undertakes the endangered languages in the Arab world regardless of their belongness to ancient Arabic roots, to the family of languages known as the Semitic languages or to the Hamitic, Arian, or Turkish branches. The research also undertakes the reasons that led these languages to its current situation of the threat of extinction or further isolation. The foremost reasons are related to the lack of an effective civilization and culture that they may rely on, the lack of users of these languages as compared to the number of the people in the societies in which they live who speak languages with outstanding history and culture. The surrounding languages may also be backed by an economic or military power. The speakers of the endangered language end up living in an island surrounded by potent languages. The researcher presents the names of these languages, their locations and specifications; he lists some of the details that characterizes each one with some focus on the Berber language (Imazighen or Tamasheq). At the end of the paper, the researcher undertakes the means by which the phenomenon of the dying languages can be rectified and shows the importance of the preservation of these languages, or at least, studying them so that lessons can be concluded. The researcher’s knowledge in this domain comes from his direct encounter with different localities and Arab societies from Yemen to Lebanon and  all the way to the Algerian-Libyan-Nigerian borders where he worked as a teacher, a lecturer, and a tourist moving from village to village for fifty years. 

     

     

     

     

     

    ملخص البحث

    اللغات المهددة بالانقراض في الوطن العربي

    أ.د. يحيى جبر

    أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية

                                                                                       نابلس/ فلسطين

    يدور هذا البحث حول اللغات المهددة بالانقراض في الوطن العربي، بغض النظر عن انتسابها لأطوار العربية القديمة أو ما يعرف بالساميات، أو إلى فصائل لغوية أخرى كالحامية أو الآرية أو التركية.

    كما يتناول العلل التي أدت بهذه اللغات إلى ما هي عليه من خطر الاندثار أو مزيد من التقوقع، وفي مقدمتها عدم استنادها إلى خلفية حضارية فاعلة، وقلة عدد المتحدثين بها قياسا بعدد أفراد المجتمع الذي ينخرطون فيه ويتكلم لغة أخرى ذات حضارة عريقة، أو تسند إلى قوة اقتصادية أو عسكرية مؤثرة، فهي والناطقون بها يمثلون جزيرة محاصرة بما حولهم.

    وسيتطرق الباحث إلى أسماء تلك اللغات وبيان مواقعها وتصنيفها من حيث أصولها، مع ذكر بعض التفصيلات التي تخص كلا منها، مع التركيز على اللغة البربرية (الأمازيغية أو التماشّق) بلهجاتها المختلفة.

    وفي ختام الورقة سيتناول الباحث السبل الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة المتمثلة بالأخطار المحدقة ببعض اللغات وتهددها بالانقراض، مع بيان أهمية المحافظة عليها أو على الأقل دراستها قبل انقراضها واستخلاص الدروس التي  تنطوي عليها.

            وتأتي معلومات الباحث في هذا الموضوع من خلال احتكاكه المباشر بكثير من البيئات والمجتمعات العربية ما بين اليمن ولبنان حتى الحدود الجزائرية الليبية النيجرية حيث عمل دارسا ومدرسا ومحاضرا  وسائحا، وتنقل فيها برا من قرية لأخرى طوال خمسين عاما.

    اللغات المهددة بالانقراض في الوطن العربي

     

    أ.د. يحيى جبر

    أستاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية

    نابلس/ فلسطين

     

              يمتد الوطن العربي ما ين المحيطين الأطلسي والهندي، وما بين تركية والبحر الأبيض المتوسط شمالا وخط الاستواء جنوبا، وتعيش فيه إلى جانب العرب أمم وشعوب مختلفة، وقد أتيح لي أن أعمل في كثير من بلدانه، واتصلت بكثير من اللغات واللهجات الغريبة التي يتناقص المتحدثون بها مع الأيام؛ جراء انتشار المدارس الحديثة وثورة الاتصالات وسطوة وسائل الإعلام.

    وبعض هذه اللغات عربي قديم، أو (سامي كما يحلو لبعض المستشرقين أن يطلقوا عليه) كما أن منها ما ينتمي إلى مجموعة اللغات الإفريقية (الكوشية/ الحامية)، وقد نظفر ببعض الشبه بين لغة منها ولغة أخرى غيرها، أو بينها وبين العربية نفسها. وقد تبين لي أن هذه اللغات ستندثر عاجلا أو آجلا، أو أنها ستستمر في تقوقعها، وتظل  خارج إطار الحضارة البشرية.

            وفي الوقت الذي لا نرى بأسا في دراسة هذه اللغات ومحاولة إنقاذها، إلا أننا ننظر بعين الريبة للدوافع التي تقف وراء رغبة بعض الداعين إلى دراستها ورفع شأنها، ولا سيما أن اللغة ظاهرة اجتماعية ووصولها إلى ما هي عليه دليل على أن المجتمع الذي يتكلم بها يعاني إما من تخلف أو  بدائية سحيقة، أو أنه مضطهد اضطرته ظروف خاصة إلى الانكماش مما أدى إلى انكماش لغته، أو أن ذلك خاضع للحتمية التاريخية التي تستند إلى عامل الزمن وما يحدثه في الأشياء من تغير متواتر.

    فقد أسست فرنسا _ على سبيل المثال _ معهدا للدراسات البربرية في باريس، وما نرى ذلك كان إلا لإيقاظ العصبية البربرية وتمزيق المجتمع الشمال إفريقي ( وهو مسلم بجملته، عربي لسانه من بباب أن العربية هي لغة الإسلام) فالبعد الكيدي واضح في توجه فرنسا إلى إنشاء هذا المعهد، ونحن نرى ما يجري في بلدان المغرب العربي من أحداث بين العرب والبربر من حين لآخر، مع أني لا أبرئ بعض العرب من خضوعهم لنزعة قومية فيها من الشوفينية والاستعلاء ما برز في مواقف بعض البعثيين والقوميين العرب (وفكرة البعث منشؤها فرنسي أيضا، سواء في ذلك العربي والفارسي والتركي) وهو في العالم الإسلامي إنما كان خطوة على طريق الإمعان في تمزيق أمة كانت ممزقة، كيلا تفكر في النهوض من جديد؛ لأن الصراع بين الشرق والغرب – مع الأسف - لم يتوقف على مر الزمن.

     

    أسباب الخطر ومصادره

            تختلف مصادر الخطر المحدق بهذه اللغات، فبعضها مصادر داخلية تحملها المجتمعات الناطقة بتلك اللغات في (جيناتها الوراثية) وتكمن في البنيان الاجتماعي نفسه؛ على نحو ما يتجلى في اللغة السامرية في نابلس من بلاد فلسطين، فالمجتمع السامري منغلق على نفسه، ولا يجيز التزاوج مع غير أبناء الطائفة، مما أدى إلى تناقص عددهم وضمور لغتهم بالرغم من استنادها إلى ديانة سماوية. ولعل القوم أدركوا هذه المخاطر فأباحوا التزاوج مع اليهود الإسرائيليين ( السامريون يعتبرون أنفسهم اليهود الحقيقيين).

            ومن الأسباب انصهار المجمع الناطق بلغة من هذه اللغات في المجتمع الأكبر الذي ينخرط فيه، وهذا ما حدث مع اللغة الجبالية في جبل نابلس أيضا، فقد انصهر الناطقون بها في مجتمع نابلس ( العربي المسلم بنسبة 95% تقريبا) فكانت النتيجة أن اندثرت لغتهم، وقد تعمدت غير مرة أن أكلف بعض طلابي بجمع ما تبقى من مفرداتها، ولكن الجواب كان يأتيني دائما: لم نجد من يتكلم بها اللهم إلا من بعض مفردات سمعناها من بعضهم.... مات الذين كانوا أواخر المتكلمين بها فماتت معهم، وهنا ننبه إلى أنهم مسلمون، وهذا ما سهّل عملية الذوبان في المجمع الضامن ( المحيط الاجتماعي الأوسع)..

            ومن اللغات ما يكون لغة قوم تغربوا عن مجتمعهم الأصلي، وتقوقعوا في مجتمع آخر بعيد، فحاولوا الاحتفاظ بلغتهم، ولكن ظروف الحياة من حولهم تضطرهم إلى التخلي عنها تدريجيا وربما تخلى بعضهم عن ديانته، كبعض العرب الذين تغربوا في أمريكا اللاتينية منذ وقت مبكر. أو كما حدث مع الأرمن الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى النزوح من أرمينيا إلى بلدان شرق المتوسط، ولكنهم احتفظوا بلغتهم في مجالسهم، وإن تكلموا العربية، وحافظت كنيستهم على التواصل معهم فلم ينصهر منهم إلا قليل.

            ويمكن أن نجمل المخاطر التي تتعرض لها تلك اللغات في الاندثار أو مزيد من التقوقع والتحوصل، ويعود ذلك للأسباب الآتية:

    1.  عجزها عن مجاراة العربية بما هي لغة الدولة الرسمية، ولغة الإسلام الذي هو دين السواد الأعظم من سكان الوطن العربي.

    2.    قلة عدد المتكلمين بها قياسا بعدد من حولهم ممن يتكلمون العربية.

    3.    افتقار هذه اللغات لموروث ثقافي أو حضاري تستند إليه، فجلها إن لم نقل كلها تنتمي إلى أنماط الحياة البدائية.

    4.    أن كثيرا منها محكي لا يكتب، ولا أبتثية له.

    5.  أن الناطقين بها يتكلمون العربية ويتقنونها، ولا يجدون فرصة للحديث بها في غير مجالسهم الخاصة وتحديدا في منازلهم.

    6.  عدم وجود مؤسسات ترعاها أو وسائل إعلام تتبناها كما حدث مع الأمازيغية أخيرا، إذ تهيأ لها بعض القنوات التلفزيونية، والإذاعية، كما أن هناك جهات عديدة ترعاها، كمعهد الدراسات البربرية في باريس، أضف إلى ذلك أنها أقرت في المغرب والجزائر لغة رسمية ثانية.

    7.  المدرسة الحديثة والتلفزة، ذلك لأنها تؤدي رسالتها بالعربية محدثة ما يعرف ب \"طغيان الكلمات\"، والتشويش على غيرها من اللغات، وتسهم في طمسها؟

    وهذه اللغات ليست منحصرة في أطراف الوطن العربي دون أواسطه وحواشيه، بل إن منها ما هو في وسط الجزيرة العربية، كالعلونية، وهي لغة غريبة يتحدث بها أهل مدينة العلا التي تقع إلى الشمال من المدينة المنورة.

    وقد سعيت منذ عشرين عاما إلى تنظيم رحلة كشفية حول البحر الأحمر كانت دراسة بعض هذه اللغات من أهم الدوافع إليها، غير أن ظروفا قاهرة حالت دون تنفيذها؛ منها الجانب المادي. ومنذ عشرة أعوام تقريبا عرضت شركة الفولكس فاجن الألمانية منحا لدراسة هذه اللغات، وتقدمت لهم بمشروع غير أني لا أعلم ما الذي آل إليه أمره.

        وأتابع عن كثب محطات التلفزة الإفريقية، ولا سيما تلفزيون تشاد وإرترية، لأتحسس ما يمكن أن يسعف الباحث في هذا المجال، وفي خاطري أن بلدان الصحراء الكبرى تنطوي على كنوز كبيرة من المعلومات الخطيرة في هذا المجال، من شأنها أن تفتح أبوابا واسعة للدراسة والبحث، وقد تكونت لدي علاقات حميمة مع بعض التشاديين على هذا الطريق، وقد يكون لي أن أذكر هنا أنني تقدمت لجامعة الدول العربية قبل أكثر من ثلاثين عاما لتنظيم رحلة من نواكشوط على المحيط الأطلسي إلى بورسودان على البحر الأحمر ومنها إلى بلاد ظفار بين عُمان وحضرموت، ومن مهماتها دراسة اللغات واللهجات المنتشرة في هذه المناطق، ولكن أحدا لم يستجب لهذا الطلب.

        ومنذ خمس سنوات كنت قد أعلنت عن منحة لطالب فلسطيني لدراسة لغة عرب المحاميد الذين كانت حكومة تشاد قد أجلتهم إلى النيجر، ولكن، ومن سوء الحظ، أن الطالب الذي استحق المنحة سُجن، ولم تسمح له سلطات الاحتلال بالخروج.

    وقد تكون اللغة حية وواسعة الانتشار؛ ولكن المتحدثين بها ينعزلون مع الزمن عن الوطن العربي، وتطغى عليهم لغة قوم آخرين، كما هي حال بقايا القبائل العربية في جمهوريات رابطة الدول المستقلة، فاستنادا إلى ما ورد في الكتيب الذي أصدره إبراهيم نوار؛ رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية سنة 1964 عنوان \" الاستعراب في الاتحاد السوفييتي\" فإن هناك بعض القبائل أو الجماعات العربية التي أخذت تتخلى عن لغتها وعاداتها إلى لغات وعادات شعوب أواسط آسية، إن لم تكن قد تخلت عنها فعلا. أقصد مما تقدم أن أنبه إلى أن انعزال قوم أولي لغة حية عن وطنهم قد يهدد لغتهم بالانقراض. وجدير بالذكر أن هذا العنوان أغراني بمثله وذلك في بحثي الذي أعددته عام 1993 في جامعة توبنجن بألمانية حول \" الاستعراب في الهند\".

     

    اللغات المهددة بالاندثار

            من الصعب جدا أن نحكم على لغة بالاندثار مهما كانت بدائية، ذلك أن اللغات كالأمم؛ لا تبيد، وكثير من أفرادها ومفرداتها تتسلل إلى اللغات الأخرى المجاورة، سواء أكان ذلك لدلالاتها الأصلية أم كان لدلالات جديدة. ولنا في ما قيل إنها لغات عربية بائدة دليل قاطع إذ نجد كثيرا من مفرداتها التي حفظتها النقوش ما تزال حية في العربية إلى اليوم. وهنا يجب أن ننبه إلى أن بعض اللهجات العربية المحكية هنا أو هناك هي في طريقها للاندثار التدريجي نتيجة لدور المدرسة الحديثة.

    ويمكن إجمال اللغات المهددة بالتقهقر والتحوصل بشكل متواتر يفضي إلى خروجها من الحياة في اللغات التالية:

    ·        في مشرق الوطن العربي

    1.  اللغة المنداعية (المندائية، كلهجة زرانيق اليمن ؛ يقلبون العين همزة)، وهي لغة آرامية شرقية ارتبطت بجماعة دينية عرفت باسم الصابئة .(انظر: علم اللغة العربية 182) وتعني العرفانية من الفعل ( ودع، يدع). وتنتشر في بعض أنحاء متفرقة من العراق وإيران.

    2.  السامرية، وهي العبرية القديمة، تتكون من اثنين وعشرين حرفا، وتقرأ من اليمين إلى اليسار، وبما أن الإنسان الأول لم يعرف القراءة والكتابة، لهذا استخدم لغة الرموز، وتطورت لغة الرموز وتحولت إلى لغة الرسم ومن ثم لغة الكتابة. وإذا ما استعرضنا لغات العالم أجمع منذ فجر التاريخ وحتى الآن نجد أن اللغة العبرية القديمة والتي ما زال السامريون يحتفظون بها كلغتهم الأصل قراءة وكتابة، هي بحد ذاتها لغة الرموز التي كانت مستعملة من قبل الإنسان الأول. لهذا نجد أن اللغة العبرية القديمة والتي كل حرف منها يدل على عضو من أعضاء جسم الإنسان، وعلى سبيل المثال لا الحصر إن حرف \"ر\" يدل باللغة العبرية القديمة على الرأس من حيث اللفظ والرسم، كما هو مبين في جدول قائمة الحروف. وكذلك حرف \"ش\" يدل على الأسنان من حيث اللفظ والصورة، وهكذا... الأحرف: \"ع\" يدل على العين، حرف \"ي\" يدل على اليدين، \"ف\" تشبه الفم، وكذلك حرف \"ب\" يدل على البيت، حرف \"د\" يدل على الباب.. http://ar.wikipedia.org/wiki وهذه الطائفة مرتبطة بنابلس وسبسطية وإن كان لها انتشار في بعض أنحاء فلسطين قديما كوادي عارة وفقا لما ذكره المسعودي في مروج الذهب.

    3.  اللغة الجبالية، وهي لغة كان يستخدمها بعض أهل نابلس، أيضا، ولم أتمكن من جمع معلومات كافية عنها، وقد اندثرت بذوبان الناطقين بها في الوسط الاجتماعي المحيط بهم، وهناك حي يجمل اسمهم؛ هو حارة الجبالية، يقع في أقصى الشرق من المدينة. وكنت قد كلفت بعض طلابي لجمع بعض مفرداتها فلم يتمكنوا من جمع سوى قليل منها، وهناك عائلة كبيرة في بلدة \" بيتا\" من أعمال نابلس تحمل اسم \"الجبالي\" وتنتسب لعشيرة الدويكات، الذين يقال إن أصلهم من الخليل ولعلاقة بآل الدويك هناك، ولا علاقة لهم بجبالية نابلس نظرا لاختلاف اللهجة والعادات.

     والجبالية منتشرون في بلدان عربية مختلفة، وتحديدا في مصر وفلسطين والأردن. ومن ألفاظهم ما هو غربي، أو يمكن رده لبعض اللهجات العربية، وفي مدرجهم الصوتي شيء من الغلظة، وفي هذا ما يسوّغ اعتبار الجبالية لهجة عربية؛ لأن ما بينها وبين العربية من تفاوت يعادل ما بين العربية وبعض لهجاتها المنتشرة في الآفاق المختلفة، بل لعله دونه. وهم يعدون أنفسهم عربا من بني كنانة، ولا أستبعد ذلك، ومن ألفاظم:

    بروء (بروق)

    زيت

    أرشيل

    جورب

    حوبة

    بلهاء

    زغفر

    ترتب الزيت (التحفل)

    أوانين

    ملابس

    شنوك

    خبز

    موجة

    ماء

    بهيلة

    حلوة، جميلة

       ويمكن رد بعض هذه المفردات إلى أصل عربي، كموجة بمعنى ماء؛ فقد يكون أصلها موية كما هي الحال عند بعض القبائل العربية، ثم قلبت الياء جيما جريا على عادة بعض القبائل قديما، والزيت بروء أو القاف مكان الهمزة للمعانه، فهو يكاد يضيء ويبرق. وقد ورد وصف الزيت في القرآن الكريم بأنه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار (سورة النور، الآية 35)

    وجدير بالذكر أن هناك \" جبالية \" أخرى في عُمان، وهي اللغة الجبالية المتداولة في ظفار، محكية غير مكتوبة، ولعل التسمية استمدت من النسبة إلى الجبال التي يقيمون فيها.

    وذكر الدباغ http://webcache.googleusercontent.com في معرض حديثه عن جباليا إحدى قرى الجنوب الفلسطيني: إنها نسبة إلى (الجبالية) الذين قد يكونون نزلوها في أواخر العهد البيزنطي، وهم أخلاط من أروام ومصريين وغيرهم، بعث بهم يوستنيانوس في أوائل القرن السادس للمسيح، لحماية الدير الذي بناه لرهبان طورسينا، وقد عرفوا بالاسم المذكور نسبة الى جبل الطور. وقال الدباغ: من المتفق عليه أن الجبالية التي تعيش حول الدير الآن، هم سلالة هؤلاء الحراس، وقد أسلموا جميعاً، وما زال بدو سيناء يعتبرون الجبالية دخلاء عليهم، بل أقل في المرتبة والدرجة فهل كانت\" اللغة الجبالية\" لغة أولئك الأخلاط؟. وهل هم جميعا من أصل واحد؟.

    4.  اللغات الجبالية( الظفارية؛ نسبة إلى إقليم ظفار، أو الشحرية؛ نسبة إلى بلاد الشحر المحاذية للساحل موغلة في حضرموت) في عُمان، والمهرية في حضرموت، وهما مع الحرسوسية من اللغات العربية اليمانية القديمة، وهي متجاورة في المكان، بين البحر وشرق حضرموت وجنوب عُمان، وفي هذا ما يرجح انتسابها إلى أصل واحد، بل لأن كثيرا من ألفاظها متفقة. ويلاحظ في الآونة الأخيرة أن تلفزيون اليمن أخذ ينقل بعض الحفلات الغنائية بالمهرية. ومن الألفاظ الجبالية الظفارية\"رحق\" معنى بعيد، وهي للمعنى نفسه في كل من العبرية والتجرينية المتداولة في إرترية اليوم. وتحتوي هذه اللغة على عدة لهجات حسب المنطقة، ولكن الاختلاف بسيط. وهي تحتوي علي كثير من الكلمات ذات الأصل العربي والتي لم تعد موجودة إلا في الشعر القديم. وأكثر من 82% من سكان محافظة ظفار يتحدثونها، وتحتوى على كل حروف اللغة العربية ما عدا (ص، ق، ض) هذا بالإضافة 8 أحرف أخرى، ومن الألفاظ المتداولة في تلك اللغة:

    تث

    حرمة (امرأة)

    غج

    رجل

    أمبيرا

    ولد

    غيبجوت

    بنت

    أيب

    كبير أو كبير السن

    نيصان

    صغير

    شاخر

    شايب

    شيخريت

    عجوز

     

    5.  السوقطرية: وهي اللغة المحكية المتداولة في جزيرة سوقطرى التابعة لليمن، والواقعة على مسافة 200 كيلو متر إلى الجنوب ، في بحر العرب. وهي من اللغات اليمنية القديمة. وجدير بالذكر أن في الجزيرة بعثة روسية مهمتها دراسة الآثار هناك ومحاولة إنقاذ اللغة السوقطرية.

    6.  اللغة العَلوَنية، وقد كانت مستخدمة في بلدة العلا الواقعة إلى الشمال من المدينة المنورة، وما أدري إن كان هناك من يتحدث بها اليوم، فقد أخبرني بهذه الحقيقة أحد طلابي ( سعود) ابن أمير خيبر الجنوب ( من البلاد السعودية) عام 1969 حين كنت مدرسا هناك.

    7.  اللغة السريانية، وهي شرقية (لِشانا سُريايا). وغربية: (لِشونو سُريويو) وهي لغة سامية مشتقة من اللغة الآرامية ويعتبرها بعض الباحثين تطورًا طبيعيًا لها دون أن يفرقوا بين اللغتين، وقد نشأت اللغة الآرامية،في الألف الأول قبل الميلاد، وأصبحت ابتداء من القرن السادس قبل الميلاد لغة التخاطب الوحيدة في الهلال الخصيب إلى ما بعد الميلاد، حين تحورت تدريجيًا واكتسبت اسمها الجديد “اللغة السريانية” في القرن الرابع مع انتشار المسيحية في بلاد الشام.

    8.  الآثورية، أو الآشورية، ويتحدث بها بعض أهل العراق وسورية، لأنها تنتشر في المناطق الحدودية بين البلدين، وكنت جمعت بعض مفرداتها من صديقي ( خوشايا نيسان) سنة 1975 وهو من آثوريي سورية، وقد درست أكثر من مائتين من مفرداتها فلم أجد فيها سوى ما يؤكد أنها لهجة عربية موغلة في القدم، وهذا رأيي في جل ما يعرف باللغات السامية، والعروبية التي أقصدها هنا هي العروبية غير الصريحة، التي تنتهي مع بداية العصر الجاهلي، وهي التي كانت قبل ذلك استنادا إلى ما ذهب إليه المؤرخ العربي محمد عزة دروزة في كتابه \" تاريخ الجنس العربي\".

    في مغرب الوطن العربي:

    1.  اللغة القبطية وهي من آخر مراحل تطور اللغات المصرية، وتعتبر المرحلة التالية للغة المصرية القديمة. تستخدم في كتابتها الأبجدية القبطية، وهي عبارة عن أبجدية يونانية مع إضافة بعض الحروف التي تختلف من لهجة إلى أخرى، وهي مأخوذة من الكتابة الديموطية (demotic).

    عرفت اللغة القبطية أوج ازدهارها ما بين عامي 200 م - 1100 م حين كانت هي اللغة السائدة ولغة الحياة اليومية، لولا أنها تراجعت تدرجيا أمام ضغط اللغة العربية حتى زالت بحلول القرن السادس عشر، غير أنها ما تزال مستخدمة كلغة مقدسة في الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، كما أن بعض الأقباط يحاولون التحدث بها في بيوتهم، أخبرني بذلك أستاذ الآثار؛ الدكتور فوزي فهيم جاد الله، زميلي في جامعة قار يونس ببنغازي، ليبيا سنة 1978، وهو من أقباط مصر، ولكن، كما تقدم، فإن حضور العربية على كل صعيد يطغى على كل اللغات بما فيها اللغات الحية.

     

    2.  اللغات النيلية التشادية، وهي كثيرة تنتشر في السودان وتشاد، وهذه المنطقة معروفة بتعدد اللغات (multilingualism) ومن اللغات التي تنضوي تحت هذه المجموعة لغتا المَحَس والدنقلية في شمال السودان، وقد أتيح لي أن أجمع بضع مئات من مفرداتهما لأجد تقاربا ملحوظا بينها، وعددا كبيرا منها مستمد من اللغة العربية، وهما لغتا حديث وحسب.

     

    ومن هذه اللغات البُجاوية، لغة قبائل البُجة في الشمال الشرقي من السودان وعلى سواحل البحر الأحمر، وأغلب الظن أن لغتهم تنتمي إلى اللغات اليمنية القديمة، لقرب موطن هذه من مواطن تلك، ولاتصالها بالإبل بشكل جلي، ولما يوحي به نمط حياتهم وأنواع إبلهم ( المهاري) التي يكثر الطوارق من اقتنائها، وقد ذكر الشعراء العرب الإبل البجاوية ووصفوها بالخفة والسرعة على نحو ما نجده في قول المتنبي:

    وكل نجاة بُجاوية   خنوف وما بيََ حسن المِشى

         وقد جمع المستشرق الألماني رسلر (Rössler) بينها وبين ثلاث لغات غيرها وهي  البربرية في شمال إفريقية والمهرية من لغات جنوب الجزيرة العربية القديمة، والمصرية القديمة؛ وذلك في مقالة له بعنوان (Four strange languages) وقد اجتهدت في البحث عنه حين كنت زائرا في جامعة توبنجن عام 1993 ولم أوفق في العثور عليه، ولكنني أوافقه في وصفها بالغرابة، وذلك، من وجهة نظر خاصة، لانطوائها على رصيد لغوي ضخم؛ إضافة إلى انعزالها.

    وتنتشر في السودان وتشاد حتى ليبيا لغات إفريقية كثيرة نكتفي منها بذكر لغة التبو، الذين يسكنون شمال تشاد وجنوب ليبيا، وهم  ينقسمون إلى قسمين:

    ·   التيدا: وهم عبارة عن بدو رحل يسكنون جنوب ليبيا وبالتحديد في  القطرون وتجرهي ومُرزُق وأوباري وواحة الكُفرة ورِِِبيانة وكذلك شمال تشاد في منطقة تبستي، ولهم لهجتهم الخاصة بهم تسمى التيداغا.

    ·    الدازا، وهؤلاء يسكنون في شمال تشاد في بوركو وأنيدي ووسط وغرب تشاد ومنطقة بحر الغزال. وهم يتكلمون لغة تعرف باسم الدزاقا، بحسب ما أفادني صديقي التشادي الكانِمي أبو بكر إدريس، وكلا اللغتين لغة حديث، وفيهما من العربية كثير جدا، وهم يتحدثون بهما في مجالسهم وأسواقهم وليس بالعربية، مع إتقانهم لها.

    ·   لغة الهَوسة، أو الحَوصة؛ وهي لغة نيجيرية وبعض سكان النيجر، يتكلم بها المسلمون هناك، كما تنتشر في السودان الغربي، ويتكلم بها المتحدرون من أصول إفريقية في بلدات غات والفيوَت والبِركت  في الجنوب الغربي من ليبيا. وهم مع ذلك يتكلمون العربية ولهجة الطوارق، إذ تمثل تلك القرى وسطا يشهد تعددا لغويا طريفا.

    3.    مجموعة اللغات البربرية

    يمتد المحيط الذي تنتشر فيه اللغات البربرية ابتداء من واحة سيوة غرب مصر في دائرة انتشار ضوئي إلى سواحل المحيط الأطلسي غربا والبحر الأبيض المتوسط شمالا وبلاد الهوسة جنوبا، أعني نيجيريا وما حاذاها من النيجر وشرقا حتى شمال تشاد.

            والبربر كالعرب أهل بادية وحضارة، وأهل مواش وإبل، بل إن منهم من يعتد بانتماء قبيلته إلى أصول حميرية (عربية قديمة) وقد تناولنا هذا الموضوع بالتفصيل في كتابنا ( رحلة البربر من المشرق إلى المغرب) أو عروبة الشمال الإفريقي قبل الإسلام. وقد تشظّت لغتهم إلى لهجات شتى نظرا لاتساع رقعة الوطن الذي تنتشر فيه. وجدير بالذكر أنني أقمت بين ظهرانيهم أكثر من عامين دون أن تنقطع صلتي بهم بعد ذلك، وقد أسعفني ذلك في تأليف الكتاب المذكور.

    وقد استعرض الرحالة الأوروبي فردريك هورنمان Frederick Horneman  في رحلته في الصحراء الكبرى بعض الألفاظ البربرية المستخدمة في لهجة سيوة المصرية، وذلك في رحلته من القاهرة إلى فزان ( منطقة سبها الآن) التي انضم فيها الى قافلة حجاج المغرب العربي بعد وصولهم إلى القاهرة في عودتهم من مكة عام 1798 ميلادي (يوم عرفة  9 ذي الحجة1212هـ الموافق 25-5-1798م) والتي مر فيها من جالو وأوجلة؛ إلى الجنوب من أجدابية على ساحل المتوسط، وقد أتيح لي أن أعمل في منطقة السرير إلى الجنوب من جالو وأوجلة بضعة أشهر عام 1975. ومن تلك الألفاظ:

     

    جبل

    إدرارن

    رمل

    إتجيدا

    شمس

    إتفوكت

    حصان

    أخمار (حمار العربية)

    ماء

    أمان

    خبز

    تاجورا ( وتاجورا اسم بلد في ليبيا وجيبوتي)

    تمر

    تيني

     

    وجدير بالذكر أن هذه الألفاظ هي نفسها التي يستخدمها الطوارق لدلالاتها على بعد أكثر من 2000 كيلو متر إلى الجنوب الغربي من سيوة، ويلاحظ قرب هذه المفردات من العربية ولا سيما نظائر حصان وماء وتمر وخبز وشمس ورمل وجبل.

            وتنتشر البربرية غربا وجنوبا لنجدها في جبال الهُجّارَن ( أي الجبال الحمراء) والأحمر بلغة الطوارق ( إيهقّغن) ويقصدون بها هضبة التاسيلي، التي تمتد من الشمال إلى الجنوب في أواسط الشرق الجزائري، مقتحمة بعض المناطق الليبية شرقا، وتنساح جنوبا في الصحراء الكبرى لتدخل شمال تشاد والنيجر وبلاد مالي والتكرور وموريتانيا والمغرب الأقصى.

     وتحافظ بعض الألفاظ على وجودها بلفظها كما هو في كل بلادهم، بينما تختلف أصوات بعضها اختلافا طفيفا يسمح به التبدل الصوتي المعهود في ألفاظ اللغة الواحدة ولهجاتها المختلفة، فالأمازيغية في الجزائر يناظرها في لهجة الطوارق جنوب ليبيا ( تماشَّق)، بقلب الزاي شينا أقرب إلى الجيم المعطشة، وبقلب الغين قافا وهذا مألوف في غير لغة، إذ يقلب بعض العرب والفرس القاف غينا والغين قافا على نطاق واسع في اليمن (الشوافع جنوب اليمن، وعرب الخليج إلا نادرا)، ويضاف إلى ما تقدم من أوجه التحريف والتباين بين اللهجات البربرية أن \"الأمازيغية\" لم تبدأ بالمقطع \"تا\" بينما هو موجود يتصدر كلمة \"تماشَّق\"، وقريب من اللفظين \" تمُزُّق\" بجيم قاهرية في آخرها، وتعني الأذن ( التي تسمع الكلام \"الموسيقى التي تناظرها صوتيا هي ضرب من الكلام\")، وقد نجد في هذا التقارب ما يغرينا بالقول إنها جميعا لدلالة واحدة؛ هي الصوت، فكل لغة صوت، وكل موسيقى صوت والأمازيغية والتماشق حشد من الأصوات.

    Ta- mozzog ---àTa-mashaq---àTa-mazegt

    وتختلف لهجة الطوارق عن غيرها من اللهجات باحتفاظها بالتاء في صدر الكلمة وآخرها، فكلمة \" آبرا\" وهي بمعنى ابن تصبح عند تأنيثها \" تابرت\": ابنة؛ وهم يؤنثون اللفظ بإضافة تاء في أوله وتاء في آخره ، وذلك مطرد ما لم تنته الكلم بتاء فيكتفون بها في الآخر مع إضافة أخرى في البداية، وهي تناظر لهجة أهل وادي حلي وبلاد رجال ألمع من سكان تهامة جنوب غرب السعودية حيث يقولون: \" ابر\" بمعنى ابن، وابرة فلان ابنة، بقلب النون راء، ونظير ذلك في السريانية آخر أطوار الآرامية \" بر\" بمعنى ابن، وبرناشا: ابن ادم، إنسان، وربما مدوا الفتحة على الباء فصارت ألفا \" بار\" ومن ذلك إيشو بار بهلول مؤلف معجم اللغة السريانية. وهذه لائحة ببعض الألفاظ البربرية من لهجة الطوارق:

    تفوك

    شمس ( وهي كذلك في السبئية)

    آيور، تلّيت

    قمر

    أهنكط (أصل الطاء تاء)

    غزال

    أيسو/ تيسوت

    ثور/ بقرة

    إيبال

    جمل

    إيفلالن

    بصل

    إهقّغن (هقارن)

    أحمر

    إسطّفن

    أسوَد

    انقولال

    بيضة، وهي كذلك في بعض لغات جنوب الجزيرة

     

    ويقدر الباحث اللغوي الفرنسي \"باسيه\" (A.(Basset أن عدد اللهجات البربرية خمسة آلاف لهجة. وفي معرض حديثه عن الأصول العربية للبربرية يذكر الدكتور عثمان سعدي ما أقره محررو موسوعة يونيفرساليس لدى تطرقهم إلى آداب اللغات البربرية، عندما أوضحوا أن آداب البربرية الهزيلة الشفهية البحتة تتكون من أساطير عن الحيوانات وقصص خرافية وأغان تقليدية أو مرتجلة، والواضح فيها، كما يقولون دوما، أنها كلها مستمدة من المشرق العربي. وفي محاولة منه لتبيان بعض ما توصل إليه من التشابه بين اللغتين البربرية والعربية يستعرض الكاتب جملة الألفاظ البربرية ليشير إلى أن الطابع العربي لم يشمل المفردات اللغوية فقط وإنما شمل التركيب اللغوي والقواعد النحوية والصرفية والاشتقاقية أيضا. (عن كتاب الأمازيغ عرب عاربة\" عرض: فتحية أحمد) وهذا في حقيق المر ما توصلنا إليه في كتابنا سالف الذكر\" رحلة البربر من المشرق إلى المغرب.

            وجدير بالذكر أن البربرية كالعربية تؤنث الفعل والاسم بالتاء، والأعداد فيهما مشابهة إلى حد ما، ومن ذلك:

    إيّن

    واحد

    إسّين (اثنين) بقلب الثاء سينا وإدغام النون فيها، وهذا مألوف في العربية، مطرد في العبرية

    اثنان

    سمّوس

    ثلاثة

    سديس

    ستة

    س

    سبعة

    التام

    ثمانية

    تزّا ( طزا)

    تسعة

    وهي كالسبئية من لغات جنوب الجزيرة العربية؛ تستخدم السين بدلا من الهاء في ضمير الغائب: ولتماس؛ ابنته، بل ربما وردت الكلمة بالهاء تارة وبالسين تارة أخرى لكن في لهجتين مختلفتين، مثل: تورها و تورزا، وهو شجيرة العُشَر أو النّفّاخ، أو البرنبخ عند بعضهم.

    نعم، ندرك أن ثمة اختلافا وتفاوتا، ولكنه مألوف معهود حتى في مفردات اللغة الواحد ولهجاتها المختلفة، ومن يعرف اللهجات العربية المعاصرة يدرك مدى ما يمكن أن يكون عليه الاختلاف بين لهجات اللغة الواحدة... فقد عشت في بعض البيئات العربية لم أتمكن من فهم كثير من مفرداتها إلا بعد حين؛ فالباب قََبََل، والنافذة قترة، والدهن ودس، والسيرج سليط، وميد أريد، والذيخ كلب، والعجل حسيل. وهذه المفردات من لهجة أهل تهامة عسير.

    وفي القرن الماضي أنشأ الفرنسيون معهدا للدراسات البربرية أرادوا من ورائه شق صف الأمة، لأن البربر مسلمون يتعبدون بالعربية، ولم يجدوا حرجا يوما في التحدث بها لولا ما ظهر لدى بعض العرب من روح استعلائية إلغائية للآخر، تماما مثلما فعل الأمويون بالمسلمين من غير العرب حين اضطروهم إلى الانتساب إلى إحدى القبائل العربية انتساب ولاء، مما أدى إلى ظهور الشعوبية من بعد كرد فعل، وكذلك ظهرت نعرة التبربر في الجزائر والمغرب وليبيا، ووجد الفرنسيون مدخلا لتمرير سياساتهم التخريبية في بلاد المغرب العربي.

    أذكر حين كنت في غات عام 1972، حين كانت الحكومة الليبية تشن حمل تعريب واسعة أنني عرّبت اسم جبل مشهور يقع إلى الشرق من غات، اسمه بالبربرية \" أكاكوس\" وهو جبل تراه قريبا حتى إذا توجهت إليه وجدت نفسك كأنك لا تبرح مكانك، وقد فعلت ذلك برفقة زميلي أبو شيخة، فكادت الشمس تغرب والجبل في مكانه لم نقترب منه فآثرنا العودة خوفا من أفاعي الليل، وقد اقترحت أن نطلق عليه اسم \" القريب البعيد\" أو \" النجد الأقصى\" فقال لي زميل من الطوارق يسكن القرية واسمه مبروك بن مبارك: لماذا لا نبقي الاسم كما هو؟ شعرت به يتألم لمحاولة تغيير الاسم، فأدركت يومها أنني لم أكن على صواب، إذ، فعلا، ما الذي يضير أن يظل الجبل باسمه التاريخي.

    وقد بذلت فرنسا وما تزال، أموالا طائلة لإعادة الحياة إلى البربرية، وتمكينها من الظهور بشكل فعال، وأصدرت الصحف، وأرست الأبجدية، وتمكن القوم آخر الأمر من الحصول على اعتراف رسمي بلغتهم، ولا نرى في ذلك بأسا، فاختلاف الألسن والألوان من آيات الله عز وجل، لكن الهدف من وراء الأنشطة الفرنسية وما يمارسه بعض البربر هو أن ينخروا جسد الأمة، ويمزقوا شملها إمعانا في الكيد والعدوان، لا حرصا على اللغة البربرية. وبالتالي يمكن القول إن البربرية لم تعد مهددة بالانقراض، وما كانت كذلك يوما من قبل، فقد ظل أهلها يتكلمون بها أحقابا، بالرغم من افتقارها لكثير من المقومات الحضارية، كما أنها لم ينظم بها من الشعر إلا قليل ذكرت منه طائفة في كتابي سالف الذكر.

     

    سبل الإنقاذ

            تختلف اللغات المهددة بالانقراض في ثلاثة أمور رئيسية هي:

    ·   حال الناطقين بها، ومدى الحضور الذي يجسدونه في الحياة الاجتماعية في الوسط المحيط بهم؛ فبقدر ما يكون ذلك إيجابيا فإن إنقاذها والتقدم بها يكونان أمرين ممكنين ومجديين في الوقت نفسه.

    ·        حال تلك اللغة من حيث حظها من الثروة اللفظية واستنادها إلى ثقافة وتاريخ أو ديانة.

    ·   ناهيك عن الهدف من الإنقاذ، أهو بعث لنعرات قومية؟ أم هو صرف للناس عن اللغة السائدة في الوسط الاجتماعي الأوسع، على طريق صرفهم عن الحضارة التي اعتمدتها لغة لها ووسعتها في القرون السابقة، كما هي الحال مع العربية حين حاول الإنجليز صرف الناس عنها إلى اللهجات المحلية ولا سيما اللهجة المصرية ( ينظر كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين)، أو إلى اللغات التي كانت متداولة يوما ما كالفنيقية ومحاولات سعيد عقل، وكل ذلك إنما جاء انسجاما مع بثهم لكثير من الدعوات الهدامة لنقض البنيان العربي الإسلامي.

    وبمكن إجمال سبل الإنقاذ في عدة نقاط تتفاوت ما بين الإنقاذ والتوثيق، ذلك لأن المجتمع الناطق بها غالبا ما يكون أقلية سكانية ضئيلة من شأنها أن تذوب في ما حولها دون أن تُحدث فيه أي أثر؛ فهي كمكعب سكر ألقيته في البحر، ويأتي في مقدم سبل الإنقاذ:

    1.  التوثيق، وذلك بعمل معجمات لفظية للغات المهددة بالانقراض، لأن في ذلك ما يثبّتها، ويمكّن الباحثين من دراستها ورصد العوامل التي أثّرت في مسيرتها وأسباب ضمورها، كما أن فيها ما يمكّن الباحثين من دراسة تطور اللغة بوجه عام؛ لأنها غالبا ما تكون لغات شعوب بدائية أو محافظة، وتعكس أنماط حياة قديمة ( تراجع نظرية جسبرسن في نشأة اللغة).

    2.    دراستها ووضع قواعد أساسية لها، وإدراجها في المقررات الدراسية.

    3.  اعتمادها لغة رسمية ثانية، وتشجيع الكتاب والأدباء على التأليف بها، تماما مثلما حدث مع الأمازيغية في الجزائر، والعبرية التي لولا جهود بن يهودا وقوة الدفع الناتجة عن قيام دولتها والتفاعلات الحضارية التي واكبت ذلك من قوة عسكرية واقتصادية، وإصرار على بعثها ـ  لما أتيح لها أن تزدهر في وقت قياسي ( يراجع موقف موشي شريت وزملائه من قضية التدريس في معهد التخنيون بالألمانية، حين هددوا بالاستقالة من العمل فيه ما لم يتم التدريس فيه بالعبرية على حداثتها وافتقارها آنذاك إلى معجم عصري).

    4.  منح أهلها حكما ذاتيا، وهذا سيؤدي إلى تفكيك المجتمع الضامن ( الأوسع) الذي يكتنفها ويكتنف الناطقين بها، ومن شأنه أن يقود إلى صراعات داخلية، ولا يتحقق في الغالب إلا بدعم خارجي معاد للمجتمع الضامن، ومع هذا كله لا سبيل إلى ضمان النتائج من ناحية اللغة ولا من ناحية ما قد تتمخض عنه الصراعات.

    والرأي الأمثل في هذا السياق، أخيرا، وخاتمة لهذا البحث، من وجهة نظر شخصية، أن تتوقف جهود الباحثين عند حد توثيق تلك اللغات ودراستها والانتفاع بما يمكن أن تبوح به ألفاظها وقواعدها من معلومات تسعف الباحثين في فهم اللغة وتطورها بشكل عام، وسنة الحياة أن تكون الأشياء ثم تندثر، اللغة والناطقون بها، وكما قال أبو البقاء الرُّندي:

    لكل شيء إذا ا تم نقصان   فلا يغر بطيب العيش إنسان

    لغات تندثر وشعوب تذوب، وأخرى تزدهر وتظهر، كالنجوم في السماء سواء بسواء.

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • David Holmer said...
  • The endangered languages in the Arab world are part of their identity and should be preserved for the next generation at any price. <a href=\"http://www.removalsfrance.co.uk/page-removals-france.html\">International</a>
  • Friday, March 30, 2012
  • David Holmer said...
  • The endangered languages in the Arab world are part of their identity and should be preserved for the next generation at any price. <a href=\"http://www.removalsfrance.co.uk/page-removals-france.html\">International</a>
  • Friday, March 30, 2012
  • مراد زيدان said...
  • موضوع رائع, و يا ريت المزيد من التفاصيل عن اللغات الموجودة في وطننا العربي الكبير, , مشكور الدكتور ع المجهود الكبير المبذول.
  • Saturday, July 21, 2012
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me