An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Friday, January 30, 2009
  • عندما تكون فلسطين قاعة امتحان
  • Published at:Not Found
  • عندما تكون فلسطين قاعة امتحان

    نشر قبل 3 أعوام 

    أ.د. يحيى جبر

     

     

     

    يطول الليل في فلسطين، وتزدحم فيها الخطوب، وتتواتر المحن على شعبها المظلوم، ولكنه تمكن بصبره من التغلب على ظروفه العصيبة، وألفها حتى غدت طعامه وشرابه، والشعوب العربية تحاول نصرته لولا أن الأنظمة السائدة في الوطن العربي تحول دون ذلك، فصار شأن هذا الشعب شأن القابض على الجمر، المغبون في أهله وذويه، فإذا به يردد مع أبي فراس الحمداني، وقد وقع في الأسر عند أخواله الروم، دون أن يحرك ابن عمه سيف الدولة ساكنا لنصرته، فرفع عقيرته قائلا

    :

    لئن توجّعتُ من أخوالي الروم مرّة توجّعت من أعمامي العُرب أربعا

    ولكن أبا فراس كان كهذا الشعب، عصيّ الدمع، شيمته الصبر

    .

     

    وتتعاظم محنة هذا الشعب الصابر بتخلي المجتمع الدولي عنه، بالرغم من قراراته ومواثيقه التي مر على بعضها نحو من ستين عاما، وربما كان هذا المجتمع قادرا على اتخاذ بعض القرارات، وبيانات الشجب والاستنكار؛ لولا أنه مكبل بما تمليه الإدارة الأمريكية على الأمم المتحدة؛ لما لها من نفوذ في مؤسساتها، وعلى الدول التي تنتسب إليها

    .

     

     

     

    وتتعاظم المحنة لتبلغ ما هو أشدّ من كل ما تقدّم؛ حين يتواطأ بعض المنتسبين لهذا الشعب المظلوم على حريته وإرادته، فينزلون بمطالبه من الحقوق الوجودية والمصيرية إلى المصالح المادية الآنية الفردية، منسجمين في ذلك مع ما خطط إليه المحتل عبر السنين السابقة، إذ عمل على صياغة الحياة في المجتمع الفلسطيني بحيث تكون وفق إرادته، وما ينسجم مع مصالحه العليا

    .

     

     

     

    لقد كانت تجربة الانتخابات التشريعية الفلسطينية مؤشرا ودرسا على قدر كبير من الخطورة، فالكل كان يطالب بالانتخابات، وأولهم أمريكا ودولة الاحتلال، وبذلت أموال طائلة من جهات مختلفة لتؤثر على نتائج الانتخابات، ولكن الشعب اختار من اختار، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال المتربصين بهذا الشعب على اختلاف جنسياتهم من فلسطينيين وعرب وأمريكان وإسرائيليين ، أعني بالعرب أولئك الذين يريدون النظام الفلسطيني الذي سيتسلم الضفة والقطاع أن يكون من طينتهم، وكأنظمتهم؛ يسير على الإيقاع الأمريكي، ويلتزم بتوجيهات المايسترو الإسرائيلي، فلما خيّبت الجماهير الفلسطينية مخططاتهم ، ونسفت أحلامهم، جُنّ جنونهم، وجمعتهم المصالح على معاداة هذا الشعب، فضيقوا عليه الخناق لأنه مارس حقه في الديموقراطية، فاختار لنفسه قيادة لا توافق مخططاتهم ورغباتهم. تماما مثلما حدث في الجزائر حين أقدمت الحركة الإسلامية على خوض غمار الانتخابات فكانت النتيجة وفقا لما عبر عنه عباسي مدني في حينه: ( الديموقراطية هذي القرواطة" ربطة العنق" بنلبسها لكن بنشنّقهم بيها) أي : بالعبارة الشعبية الفلسطينية (لاحق العَيّار لباب الدار )، لولا أن الطرف الآخر مدعوما بالقوى الأجنبية بادر إلى تخريب الجزائر؛ نكاية بالشعب الذي اختار من اختار بشكل ديموقراطي، مجددا بذلك حرائق نيرون.ولعل هذا هو ما يخطط له المرجفون اليوم في فلسطين؛ تخريبها مالم يستطيعوا أن يسيّروا دفة الحياة فيها وفقا لأهوائهم

    .

     

     

     

    فهاهم اليوم يصرحون بمواقفهم كالشمس في رابعة النهار،لم يقابلوا قياداته، لم يمكّنوا شعوبهم من تقديم العون له، لم يسمحوا للبنوك بتحويل الأموال له، لم يفعلوا مثلما فعلت روسية فيدخلوا الأموال في الحقيبة الدبلوماسية، رضخوا للتوجيهات السرية الأمريكية والإسرائيلية؛ فكانوا أشبه بأسلافهم عندما كان التتري يجمع الخمسين منهم فيقول لهم لا تغادروا هذا المكان حتى آتي بسكين لأذبحكم، فيفعلون ويفعل. فأي إبلاس هذا الذي بلغته الأمة وأي إفلاس؟.

    وما هذا المجتمع الدولي الذي يمارس التمييز العنصري ضد شعب يتعرّض للظلم منذ قرن أو يزيد؟ وما هذه المكاييل التي لم تتوصل إليها حيل المطففين؟

     

    العالم يؤدي الامتحان التاريخي

     

     

     

    لقد أصبحت فلسطين اليوم قاعة امتحان مصيريّ، وعندما تصبح فلسطين قاعة امتحان يكون العالم كله في هذه القاعة يتقدم للامتحان، ويا له من امتحان ما أعسره! وأول المتقدمين له هم الفلسطينيون أنفسهم، جماهير وأحزابا وتنظيمات، فنحن نعيش في عصر الدجال الذي يدّعي أنه قادر على أن يحيي وأن يميت، يهب المال لمن يشاء، ويحرمه من يشاء، ونحن مخيرون بين الفقر بكرامة وبين الغنى بمذلة، إلا أن نكون قد نسينا قول الشاعر

    :

    لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

     

     

     

    وثاني المتقدمين هم المناضلون من أبناء هذا الشعب، فلا يتراجعوا عن مواقفهم، ولا يتخلوا عن مبادئهم، حتى لو نجح الطرف الآخر على اختلاف ألوانه في إسقاط الحكومة، فهذا أوان الشد، وهذا محك الرجال، ومعرض الهمم

    .

     

     

     

    وثالث الممتَحنين، بفتح التاء، هو النظام العربي برمته، والدول الإسلامية على اختلافها، ونخص بالذكر أولئك الذين يتصلون بفلسطين اتصالا مباشرا، وتحديدا الدول التي أقامت علاقات مع دولة الاحتلال، والذين لهم وزن على الساحة الدولية ممن بمكن أن يضغطوا على صانعي القرار في العالم بطريقة أو أخرى

    .

     

     

     

    ورابع الممتحنين، بفتح التاء أيضا، هي الشعوب، فهل ترضى أن تستمر الحال على هذا المنوال؟ أين الحمية والنخوة العربية؟ وأين الأخوّة في الدين؟ ولذلك فإن عليها أن تهب من رقدتها، وأن تعصف بأسباب الترهل والهزيمة التي ألفتها، وتراجع حاضرها وتنطلق إلى مستقبلها بحزم ورؤية مستقلة واضحة، مما يعني أن عليها أن تلفظ معظم الأطر السياسية والحزبية التي تتطفل عليها منذ عقود؛ دون ان تنجح في قيادتها إلى بر الأمان ، ودون أن تنجح في تحقيق الأهداف التي تدّعي لوائحها الداخلية أنها تسعى لتحقيقها. وهذا بدوره يلقى بالمسؤولية على القوى الحية في المجتمعات العربية والإسلامية؛ كي تبادر إلى رفع شعار التغيير على كل صعيد، والثورة على كل العلاقات الظالمة التي تستبد بمجتمعاتنا منذ أمد ليس بقصير

    .

     

     

     

    إن القيادات الحزبية مسئولة عن كثير من السلبيات التي تطفو على سطح الحياة السياسية والاجتماعية في بلادنا، فلقد سبقتها الجماهير، لكنها ظلت _ للأسف متمسكة بالمواقع القيادية؛ حبا في السلطان والصولجان، ولذلك، فقد حان للجماهير أن تمسك بزمام المبادرة، فالمصلحة العليا مصلحتها، والنتائج السلبية إنما تلحق بها دون غيرها، ولعلنا نتذكر كم زعيما فر من بلاده بأموال الشعب هربا من أداء الحقوق والواجبات

    .

     

     

     

    وخامس الممتحنين هي الدول الإسلامية التي تقرأ سورة الإسراء التي ينص أولها على قدسية المسجد الأقصى، التي تروي قول النبي صلى الله عليه وآله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. ويعدون الأقصى منها، والذين يروون قول النبي (ص) "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد…". لتثبت أنها تطبق ما تقول، فتهب لنصرة هذا الشعب المظلوم

    .

     

     

     

    وسادسهم، الأمم المتحدة والشعوب المنتسبة إليها.

    هل تطبق مواثيقها وتنفذ قراراتها على كل الشعوب على حد سواء؟ هل تحرص على الالتزام بالأمم المتحدة مؤسسة مستقلة فعّالة؟ أم تستمر في تفريطها بحقوق الإنسان، مسلمة زمامها للمستكبرين الطغاة؟

     

     

     

    وسابعهم، هم أولئك الذين مردوا على النفاق، هل يفيقون من غفلتهم ويعودون إلى رشدهم؟ وأولئك الذين يتعالون على شعوب الأرض، ممن يرون في أنفسهم أنهم أعلى درجة من الشعوب، وأن الحق والصواب هو ما يرونه هم دون غيرهم، ممن ألفوا الهمجية والاستبداد حتى صاروا يرونهما إنسانية وعدالة؟ كالجمل لا يرى الاعوجاج في رقبته

    .

     

    اندحار أمريكا

    :

     

     

     

    بات من الوشيك أن تندحر الولايات المتحدة الأمريكية؛ وفقا للنواميس التي تتحكم في قيام الدول وانهيارها، ولئن كانت الدول قديما تعمر عدة قرون وأكثر، فهي اليوم أقصر آجالا، ومن يطالع في كتاب الزمن أخبار الدول يستظهر هذه الحقيقة بوضوح، يضاف إلى ذلك ما تمارسه الولايات المتحدة من ظلم وإرهاب على مستوى العالم، وما ترعاه من عدوان وبغي على الشعوب العربية والإسلامية، وفي مقدمتها وأكثرها عناء، الشعب الفلسطيني، وصدق الإمام علي إذ قال: يدوم الملك مع الكفر ولا يدوم مع الظلم

    .

     

     

     

    انتحار إسرائيل

    :

     

     

     

    قامت إسرائيل في ظروف دولية، خططت لها قوى كثيرة في الظلام وفي العلن، وكان ذلك برؤية شاملة تضمنت تهيئة الأجواء الدولية، وتشكيل المنظمات الدولية الراعية، وفي ظل غياب العرب والمسلمين، وانقيادهم لأنظمة خائرة، ونمط حياة هزيل أنسب ما يكون مثالا للتخلف وانعدام الوعي. وتمكنت إسرائيل، خلال فترة قصيرة، من إحكام سيطرتها على المنطقة، بما أنجزته بالدعم الغربي من تقدم على مختلف الصعد، ومكنها الغرب من بعض الأنظمة العربية حتى تناغمت مصالحها معا، واستمرت معاناة الشعب الفلسطيني المظلوم، وتمادت إسرائيل في بغيها وجورها

    .

     

     

     

    ولكن الأمة اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، فقد أفاقت من غفوتها، وظهرت فيها قوى تعي المؤامرة وأبعادها، فأعدت العدة المناسبة للتعامل مع هذا الظلم والواقع المفروض، وكأني بإسرائيل في ورطة كبيرة، وباتت تدرك أن الزمن قد تغير، وأن المعادلة الراهنة ستؤدي إلى نهاية لم تحسب لها من قبل حسابا؛ حتى غدا الجندي الإسرائيلي المدجج بكل أنواع السلاح يخشى الفلسطيني الأعزل، مما نراه على الحواجز، ونلاحظه من عصبيته وحذره وسوء معاملته، وما هذه الحواجز إلا مؤشر على إصرار إسرائيل على تصعيد معاناة الشعب الفلسطيني انتقاما منه؛ أخذوا أرضه عام 1948، ثم لحقوا به إلى ما تبقى ، ومع ذلك يريدون حشره في مناطق معزولة، أو نفيه خارج وطنه، يواصلون الإساءة إليه بشكل تصاعدي، ليس فيهم حكيم يحذّرهم العواقب، فقد أخذتهم العزة بالإثم، وهم يعرفون جيدا مدى الظلم والإساءة التي ألحقوها بهذا الشعب المظلوم ( واللي في بطنه عظام بعرفش ينام ) يظنون أنهم بتصعيد النكاية به يمكن أن يكسروا شوكته ويروضوه فيصبح كما يريدون

    .

     

     

     

    لقد تجاوزت إسرائيل حد العودة ، وركبت رأسها، وأصبحت الأمة اليوم قادرة على مقارعتها، وغدا ستنازلها المنازلة الكبرى، وما المواقف الغربية من المشكل الذي زرعته شرق المتوسط إلا دليل على ما تنذر به الأعوام القادمة من حروب وفتن سببها ما تعرض له هذا الشعب وما يزال. ومن هنا رأيناهم يبذلون قصارى جهدهم لتمرير حلول هزيلة، ويضغطون في هذا الاتجاه وذاك؛ للتملص من أداء الحقوق

    .

     

     

     

    إن إسرائيل بما فعلته، وما تزال تفعله، تسير بخطى سريع نحو الهاوية، لتنتحر باختيارها، وضرورة حتمية تقضي بها سياساتها، ولكنها لن تبلغ قعر الهاوية إلا بعد أن تغرق المنطقة في أتون الفوضى والفتنة البؤس؛ تماما كنيرون، أيضا

    .

     

     

     

    هذه هي الحقائق كضوء الشمس، قد لا نرى ارتطام السيارة بقعر الوادي، فهي ما تزال تتدحرج على السفح بسرعة، ولكننا نستطيع أن نجزم في ضوء المعطيات الراهنة، وقانون التسارع، أنها ستصطدم بقعر الوادي، وستغدو ركاما بعد حين

    .

     

     

     

    كل ذلك، لأن العالم، من أعلاه إلى أخمص قدمه، تواطأ على الشعب الفلسطيني، وإن قدم له المساعدة المادية أحيانا، لا سيما أن كثيرا من ذلك إنما كان على حساب أمنه وكرامته، وعندما تتحول فلسطين إلى قاعة امتحان؛ فإن العالم كله يكون في تلك القاعة يؤدي امتحانا عسيرا، بل يكون التاريخ البشري في الامتحان، فإما أن يكون الناس جميعا أبناء آدم وحواء، وعلى حد سواء، وإلا فقد قرر الشعب الفلسطيني فصل جميع الراسبين في الامتحان، وطردهم من السجل البشري، ونفيهم إلى عالم البهيمة والأنعام. وهذا أوان الشد أيها الشعب المظلوم، مزيدا من الصبر، فإن العالم كله بدأ يألم كما نألم، وقد مسه القرح كما مسنا، وما علينا إلا الثبات على المبادئ، والبحث عن سبل التغيير في الداخل والخارج لتخفيف المعاناة عن شعبنا المظلوم

    .

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me