An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, February 4, 2009
  • مظاهر العنصرية في التربية الإسرائيلية
  • Published at:Not Found
  • مظاهر العنصرية في التربية الإسرائيلية

     أ.د. يحيى جبر & أ. عبيرحمد

     

       تمهيد

     

        "إذا كانت المناهج التعليمية في أي بلد هي انعكاس للفلسفة التربوية لذلك البلد، فإن المواطن يعتبر ثمرة مباشرة لهذه المناهج التعليمية، لأن المخطط التعليمي والتربوي هو جزء من المخطط القومي لكل مجتمع. يسهم في تحقيق أهدافه المنبثقة من فلسفته، المستمدة من تراثه وواقعه وحاجاته ومشكلاته، وذلك لإعداد القوى البشرية المتوافقة مع حاجات المجتمع. "(1) "وقد أدركت "إسرائيل" أهمية التربية، حيث اعتبرتها من مستلزمات الدفاع الوطني. بل اعتبرت أن دورها يفوق دور دبابات السنتوريون التي تؤلف عاملا مهما من عوامل الأمن والسلامة بالنسبة لمستقبل إسرائيل القريب، بينما تمثل التربية العامل الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل إسرائيل البعيد. " (2)

     

        إن إسرائيل لم تكن لتقوم، وبعد أن قامت لم تكن لتستمر، والاستيطان الصهيوني لم يكن ليبقى منه أثر لو لم تستطع الصهيونية أن تخلق مجموعة من المستوطنين في المجتمع الإسرائيلي مشحونة ومزودة بقيم واتجاهات كالعنف والنزعة العسكرية والتعصب، بحيث أصبحوا يشكلون تجمعا للمحاربين ليؤهلهم امتلاكهم القوة أن يعيشوا بالعنف فيصبح الكيان الإسرائيلي أمرا واقعيا. " (3)

     

        وقد"كان أفلاطون أول من أشار في كتابه "الجمهورية" إلى دور التربية في كونها الضمان الأكيد لبقاء الدولة، وذلك بتربية أبنائها وبناتها تبعا لمخطط محدد" (4)

     

        ونظرا لأهمية الدور الذي تقوم به التربية في العلاقات بين الأمم والشعوب فقد استهلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) دستورها عام 1964 بالقول: "لا بد أن تقام دعائم السلام في أذهان الناس بالطرق التربوية الأكثر ملاءمة لإعداد الأطفال لمسؤولياتهم نحو التضامن الخلقي والفكري للبشرية" (5)      

     

        إن نظرة على المناهج الإسرائيلية تفيدنا بوضوح تام أنه " لم يكن إيمان الصهيونية ودولتها إسرائيل بأهمية التربية ودورها في ضمان مستقبلها، بأقل من إيمان ألمانيا وإيطاليا أو اليابان أو اسبرطة من قبلها جميعا، في تنمية المشاعر القومية المتطرفة وتشكيل شخصية مواطنيها بطريقة صارمة. "(6) "فقد اطلعت على كتاب اللغة العربية (لعله لطلبة الصف السادس)، ووجدت غلافه يوحى بازدراء للشعب الفلسطيني، ويتعمد تقديم صورة سلبية لنمط حياته، إذ كان عليه صورة مدخل قرية غير معبد، وفي الصورة بيوت بدائية، وفي خلفية الصورة مئذنة مسجد، وعلى قارعة الطريق وعاء للقمامة مُنجَفٍ وقد تراكمت القمامة من حوله. وربما كان هذا المشهد مألوفا في القرى والمدن، حتى عندهم، ولكن أن يُسلط الضوء عليه في غلاف كتاب القراءة العربية فذلك (عدوان حضاري). انظر الصور المرفقة لتأكيد ما ذهبنا إليه.

    وإن العداء ليتجاوز النصوص الحديثة إلى المصادر التراثية والمعاجم اللغوية، سواء ما كان من ذلك في العبرية ، أو سواها مما انتقل إليها من العبرية، ومن ذلك كلمة Saracens التي تطلق في العادة على العرب وأحيانا على الشرقيين، وهي مشتقة من " سارا كنوا" المحوّرة عن " قنيّة سارة" أي عبيد سارة، زوج إبراهيم عليه السلام، يريدون بذلك أبناء هاجر؛ إسماعيل عليه السلام وأبناءه، وهم العرب. فأنّى لنا أن نمحو هذه العقيدة اللاإنسانية التي تعشش في العقلية اليهودية، والتي انتقلت منها إلى عقليات شعوب غربية أخرى؛ إذ نجد الكلمة متجذرة في المعجم الإنجليزي؟.

    وجدير بالذكر أن هذا الموقف يأتي منسجما مع عقيدة أخرى تتمثل في إطلاقهم اسم "جوييم" على الأغيار، أي على من سواهم، والنظرة الدونية التي تحملها هذه الكلمة في المعجم العبري.والفلسطيني، بل العربي،  في أدبهم "لا يقتل إلا النساء والأطفال والشيوخ، ولا يعرف الرحمة ولا يهتم بالنظافة، وحين يقبض عليه اليهود يصبح جباناً ذليلاً ينفذ الأوامر كالعبيد ولا يجرؤ على الرفض، وحين تتاح له الفرصة يغدر ويكذب. وقد عرضت الباحثة لمجموعة من القصص عن العرب التي يتم تعليمها للأطفال اليهود مثل "خريف أخضر"و"غبار الطرف "و" القرية العربية " وقد تم عرض هذه الصور المشوهة عن العرب لأن الصورة النمطية للشخصية العربية تتشكل في وجدان الأطفال اليهود منذ الصغر، كما يقول الباحث اليهودي" يشعيا هرويم "

     وهذا "إيلي فودا" يصدر دراسة تتقصى الأبعاد العنصرية في الكتب المدرسية اليهودية ، وقد صدرت هذه الدراسة في الجامعة العبرية في القدس وغطت ستين كتاباً مدرسياً ، وقد ضمّن الباحث دراسته تحليلا عميقا للكتب المدرسية اليهودية ورأى أنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي الموصوف في الكتب بالغش والتخلف والسرقة واستحالة التعايش معه (7)

     

        "ونشير هنا إلى أن اختلاف الرؤى والاتجاهات والأبعاد بين التيارات الصهيونية ما هو إلا اختلاف ظاهري؛ فجميع التيارات الصهيونية تبنت نسقا إيديولوجيا واحدا، وهو إقامة دولة يهودية في فلسطين. ومن ناحية أخرى فإن البنية الأساسية للأيديولوجية الصهيونية تقوم على ركائز واحدة ويمكن القول إن الأرضية المشتركة والبنية الجوهرية للأيديولوجية الصهيونية تقوم على مقومات فكرية وعقائد فلسفية" (8) لكل منها أبعاده و أساليبه ولكنها في النهاية ترمي إلى تحقيق هدف مشترك.

     

        ومن أجل إلقاء الضوء على مظاهر العنصرية في الفكر الصهيوني، سنقوم بتحليل مجالات هذا الفكر ورصد مظاهر العنصرية في كل منها على حدة، ولكننا نؤكد في الوقت ذاته، أن هذه المجالات غير منفصلة عن بعضها، بل هي متداخلة متشابكة، وإنما يأتي هذا التقسيم من أجل الدراسة والتحليل.

     

    1. النواحي الدينية

        " يرى المفكرون الصهيونيون أن للتوراة أهمية كبيرة في حياة اليهود، فمثلا يؤكد المفكر الصهيوني "يحيئيل بينس" على أهمية التوراة بقوله: "إن القومية التي أمثلها هي تلك القومية التي روحها التوراة، وحياتها مستمدة من تعاليم التوراة ووصاياها .. إن الدين هو مصدر القومية" (9)

     

        ومن ناحية أخرى فقد استلهم الصهيونيون الروح العدوانية من كتب اليهود الدينية. فقد عمل الصهيونيون على قراءة التوراة قراءة منفصلة       عن الإطار العام، وهي قراءة انتقائية مغرضة، تختار ما يحلو لها من (آيات) لأنها تبرر تصرفها، وتستبعد البعض الآخر لأنها لا تلائمها" (10)

     

        "وقد استقى اليهود من توراتهم تعليمات في أعمال العنف واستخدام القوة، فقد جمعت قوانين الحرب في العهد القديم في سفر التثنية، وهي تحدد لهم أسلوب الاستيلاء على المدن، وأسلوب التعامل مع أهل البلاد وهذه القوانين يعدها القادة الإسرئيليون مصدرا للوحي وشريعة مقدسة لاستئناف البعث اليهودي في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الربّ" (11) ومن هذه المنطلقات نجد أن الأدب العبري يسعى في إطار الخطوط الرئيسة للإيديولوجية الصهيونية إلى ترسيخ الوعي الديني في وجدان الأطفال اليهود في إسرائيل.

       

        "ويركز أدباء الأطفال على بعد هام عند طرحهم لصورة الاحتفال بالأعياد اليهودية في الشتات، وفي فلسطين، وهو عدم استطاعة اليهود ممارسة الحياة اليهودية كاملة في بلاد الشتات" (12)

     

    2. النواحي التاريخية والجغرافية

              " يهتم أدب الأطفال المعاصر اهتماما بالغا بالقصة التاريخية التي تربط الأطفال اليهود بتاريخهم وتراثهم حتى لا تذوب الشخصية اليهودية وتطمس معالمها، كما تنمي إحساس الطفل بالتاريخ، وتزيد من وعيه بالماضي.

            ويعلل الدكتور "رشاد الشامي" سبب اهتمام المؤلفين بكتابة القصة التاريخية في إسرائيل: "بأن هذا الاهتمام يدل على حاجة اليهود الحقيقية إليها، حيث زاد الإحساس بأن الحاضر لا يكفي، وأن هناك شيئا ما ينقصه ولم يكرس له الاهتمام من قبل، وأن اليهودي يشعر بنقص إرث الماضي الذي يمكن بموجبه صياغة حاضر أكثر استقرارا" (13)

     

            ويقول "أدير كوهين" عن أهمية القصة التاريخية في أدب الأطفال العبري: إن مهمة القصة التاريخية هي اكتشاف الإنسان وإظهاره في ضوء زمانه وأحداث فترته، ووصف أعماه هو ورفاقه وخلق تفهم صادق لدى الأطفال سواء بالنسبة للحاضر الناجم عن الماضي، أو القيمة الذاتية للماضي؛كما أن القصة التاريخية تحتل مكانة هامة في مجال ثقافة الطفل الوطنية؛ فمن خلال الكتب التاريخية يطلع القارئ على الحقب التاريخية، ويتعرف على نفسه من خلالها. والقصة التاريخية تتضمن جوانب نفسية هامة؛ فهي تبعث روح انتماء الأطفال إلى تلك الفترة وذلك المجتمع، وتحرر القارئ من الوحدة. فقد قال المفكر بنديتو كروتشا: "إن من يفتح قلبه للمشاعر التاريخية،  لا يرى نفسه وحيدا أبدا، لأنه سيجد نفسه مرتبطا بالعالم الذي حوله، وسيعتبر نفسه أخا وابنا وصديقا لجميع الشخصيات التي تعيش على الأرض"

     

            " وأدب الأطفال العبري يستغل ظاهرة أدب الخيال التاريخي، فيحاول أن يزيف الحقائق التاريخية بما يتناسب مع مصلحة اليهود، بحيث تسير أحداث التاريخ في اتساق شديد مع الإيديولوجية الصهيونية وأفكارها ومفاهيمها."(14)

     

            وكذلك منهاج الجغرافيا، فهو "يتحدث عن جغرافيا إسرائيل كدولتين؛ الأولى إسرائيل السياسية بحدودها الحالية، ثم إسرائيل الطبيعية بحدودها الطبيعية، وهي من الشمال؛ منابع الأنهار في الشمال، وفي الغرب؛ البحر المتوسط" (15)

     

            "مع الملاحظة أن غور الأردن يقسم أرض إسرائيل قسمين، أرض إسرائيل الغربية، وأرض إسرائيل الشرقية. أي حدود إسرائيل الطبيعية هي الأراضي الواقعة في غور الأردن من الجهة الغربية للأردن" (16)

     

            وهكذا نلاحظ أن التركيز على تثبيت مفهوم أن فلسطين هي "أرض إسرائيل" في أذهان الطلاب اليهود والعرب على حد سواء، يشكل ركيزة أساسية وهدفا عاما للتربية في إسرائيل. ولا شك أنه "في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه التربية وسيلة مثمرة للتفاهم والصدقة الدوليين، وسبيلا للتعايش السلمي والتفاهم بين الشعوب عن طريق تقديم الحقائق والمعارف الصحيحة، فإن التربية يمكنها أن تكون أيضا وسيلة فعالة لبذر سوء التفاهم والكراهية والحروب بين الشعوب، وذلك بتقديم معلومات غير متوازنة وغير صحيحة على أنها حقائق." (17)

     

    3. النواحي التراثية

      لقد أمعن المحتل في الكيد لهذا الشعب حتى لم يسلم من ذلك تراثه الشعبي، وقام بكثير من الممارسات التي ألحقت  به أضرارا كبيرة، بشكل منظم مدروس. وفي هذا البحث سنحدد الأخطار المحدقة بالتراث الشعبي بوجه عام، مركزين على ما يتصل منها بالتراث الشعبي الفلسطيني بشكل خاص؛ وهي في جملتها ناجمة عن الاحتلال وممارساته العدوانية المحكمة، ويمكن إجمالها في ما يلي:

     

    تهويد كثير من معالم التراث الشعبي الفلسطيني في حملة خبيثة تهدف إلى  اجتثاث جذور الهوية الوطنية، وسرقة بعضها. ومما يذكره يحيى جبر عندما زار توبنجن  في ألمانيا عام 1993 أنه فوجئ بمطعم يقدم لروّاده الفلافل، ولكن المفاجأة       كانت  أكبر حين عرف أن المطعم ليهودي يزعم _ كما يزعم يهود آخرون _  أنه من الأكلات الشعبية عندهم، وأنهم أول من عرفه.ويذكر مثل ذلك إسلام شمس الدين حينما كان يعيش في مدينة نيويورك. ويضيف: "أنه حينما يحاول الإسرائيليون أن يرقصوا فهم يرقصون رقصة يهودية صميمة تسمى "الهورا" (من أصل روماني) أو رقصة يهودية أخرى؛ تسمى "الدبكة"! وحينما ترتدى مضيفات شركة العال زيّ الفلاحة الفلسطينية، فهذا زي إسرائيلي نابع من الثقافة اليهودية!.

     

    وحينما أسس متحف في قرى حيفا على هيئة قرية عربية أخبر كُتَيِّب المعرض الزائر أن هذه قرية من حوض البحر الأبيض المتوسط حتى يمكن تحاشي ذكر كلمة "فلسطين"، وحتى يختبئ الأصل الحقيقي للمنتَج الحضاري"!.

     

    ويعلق شمس الدين على ما تقدّم قائلا: "لكن هل يمكن تأسيس ثقافة من خلال مثل هذا التلفيق الرخيص والعنف اللفظي الذي يبعث على الرثاء؟ قد ينجح الصهاينة في تأسيس بعض المستوطنات من خلال العنف والبطش العسكري، ولكن التجذر الحضاري أمر آخر، والقلاع الصليبية المهجورة التي لا يبكي أحد على أطلالها، شاهد على ذلك.

     

    وتنبّه رجاء الناصر في معرض حديثها عن بعض المظاهر الاستلابية إلى ما  يقوم به العدو الصهيوني من "انتحال  التراث الشعبي الفلسطيني ونسبته إليه؛ مثل اللباس و الرقصات والآثار،  وهي مظاهر يبذل العدو جهداً كبيراً في محاولة لتثبيت وجوده في المنطقة ، ولإعطاء انطباع بأصالته فيها وإيجاد منظومة تراثية متواصلة تشكل تاريخ وثقافة مؤهلة لتجميع الشتات وإيجاد هوية له، في الوقت الذي يحرم الفلسطينيون العرب من مثل هذه الهوية المتمايزة عن العدو. إن الاستهداف الرئيسي للأبعاد والمظاهر السابقة يقوم على محاولة نفي مفهوم الأمة العربية الواحدة ، منطلقاً من مشروع تخريب ثقافتها، ثم الدفع بثقافات غربية بلباس عربي باتجاه نفي وجود كل ما هو عربي وحدوي قومي بهدف تضييع هوية المناطق المحيطة بالكيان الصهيوني ، وجعلها منطقة فارغة مهيأة لاستقبال أي وافد جديد قادر على الاستقطاب، وحتى لو كان نقيضاً لما قبله (18)

     

    4. النواحي القومية

            "لعله من الطبيعي أن تنص الأهداف التربوية في إسرائيل على إرساء الأسس التربوية على قيم الثقافة اليهودية، ذلك أن كلّ امة تضع أسس التربية في مدارسها، على قيم ثقافة شعبها وتراثها التاريخي. كذلك ربما لا يبدو غريبا التأكيد على تعميق الوعي اليهودي بين شباب إسرائيل، فكل أمة تؤكد على تعميق الوعي القومي بين شبابها. ومع أن هذه الأهداف لا تبدو غريبة، بل طبيعية تماما، ومنسجمة مع الأهداف التقليدية للتربية في كل أمة من الأمم، إلا أن الخصوصية التي تتميز بها قيم الثقافة اليهودية والوعي اليهودي الصهيوني، والعلاقات التي تنمو في وعي المصير المشترك، بمفاهيمها التي لا تقوم على مفهوم قومي حقيقي،بل على مفهوم قومي متطرف للأمة اليهودية والشعب المختار" (19)

     

            "ومع أن الأهداف القومية لأي شعب يجب ألا يتناقض مع أهداف الأمم والشعوب الأخرى وقومياتها، بل يجب أن تنسجم معها؛ ذلك أن مفهوم القومية من المفروض أن يكون مفهوما تقدميا فيه مصلحة البشرية جمعاء، ولا يتعارض أو يتناقص مع مصلحة الأمم والشعوب الأخرى." (20) " إلا إذا كانت نظرته إلى هذه الأمم والشعوب والقوميات الأخرى نظرة سلبية، وهو ما قام عليه النازيون "القومية الجرمانية" بنظريات عرقية تؤمن بتفوق العرق الألماني للشعوب الجرمانية. وبالتالي فقد أعطوا لأنفسهم حق السيطرة على الآخرين من الأمم والشعوب الأوروبية وتوجيه مصائرها." (21)

     

            ومن هذه المنطلقات نجد أن الأدبيات العبرية تسعى إلى تعميق الوعي القومي والدعوة إلى التضامن اليهودي والتنبيه إلى المصير المشترك الذي عاشه يهود العالم، وأبرز وسائل الصهاينة لخدمة هذا الغرض هي القصص التي تحكي عن إحياء الأعياد اليهودية في "الشتات" وفي فلسطين بعد احتلالهم لها، "ويركز اليهود على بعد مهم عند طرحهم لصورة الاحتفال بالأعياد الدينية اليهودية في الشتات، وفي فلسطين، وهو عدم استطاعة اليهود ممارسة الحياة اليهودية كاملة في بلاد الشتات.

     

        فنجد مثلا المؤلفة "راحيل" مينتس" في قصة (دعوة لحضور حفلة سيدر عيد الفصح) تختار زمن القصة في فترة احتلال الألمان لفرنسا، وتصف ظروف احتفال اليهود بالحفلة التقليدية لسيدر عيد الفصح:

     

    "كان الألمان يسيرون في الشارع ويواصلون عمليات التفتيش، وسمعت أصوات أحذيتهم مرة ثانية، وفي الشقة المتواضعة، حول مائدة حفلة سيدر عيد الفصح قرأنا "الهاجاداة" وسأل الطفال عن المسائل الصعبة وغنّوا سرّا أغنيات العيد".

     

        والعبارة السابقة تعبر عن خوف اليهود من الجهر باحتفالاتهم، وذلك لكي تثبت الكاتبة في ذهن الأطفال أن اليهود في الشتات كانوا محرومين من ممارسة طقوسهم الدينية بصورة علنية وأنهم كانوا يخنقون أصواتهم عندما كانوا يغنون في أعيادهم، وهذا فيه إيحاء بأن اليهود في فلسطين يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، ويحتفلون بأعيادهم بصورة علنية دون خوف. " (22) وفي هذا الإيحاء ما فيه من دعوة غير مباشرة للهجرة إلى فلسطين؛ أرض العسل واللبن.

     

        ومما يدل على التزييف المتعمد للحقائق أننا نجد الأدب العبري يقدم "أجوبة مختلفة للسؤال: من هو العربي؟ ففي المراحل الأولى للأدب العبري في فلسطين، تشكلت صورة نقلها الكتّاب اليهود المهاجرون الذين كانت لهم تجاربهم مع الأوكرانيين ـ البلشفيك، وتجسدت هذه الصورة مرة أخرى في شخصية العربي الظالم؛ فالعربيّ هو الغريب وهو المواطن الذي يعيش في صراع مستمر مع الأقلية اليهودية، وينبع هذا الصراع من عملية تعايش الأقلية مع الأكثرية، ويبدو أن الاثنين لا يمكنها العيش جنبا إلى جنب. هذا بالإضافة إلى أن العربيّ ليس مواطنا فحسب، بل هو رمز البيئة الوراثية، ويستمر العربيّ في لعب دور الظالم إما كشخصية مجردة كما هو الحال في رواية "يزهار" " الغابة فوق التلة" أو كشخصية الظالم على المستوى الشخصي." (23)   

     

         وبشكل عام، تحاول الأدبيات العبرية تصوير اليهود على أنهم جماعة خاصة متميزة أينما كانوا وحيثما وجدوا. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل نجدهم يجتهدون في الانتقاص من الشعوب والأمم الأخرى حتى لو كانوا يعيشون بينها و يحملون جنسياتها

     

    5. النواحي اللغوية

        أقر المؤتمر الصهيوني السابع والعشرين، "أن تحقيق الصهيونية يبدأ في بيت كل صهيوني، وينبغي على كل صهيوني أن يتعلم العبرية ويمنح أولاده تربية يهودية ـ عبرية قائمة على تراث إسرائيل ومركزية دولة إسرائيل." (24)

     

        من خلال الفقرة السابقة نلحظ الربط المزدوج بين الديانة اليهودية واللغة العبرية كعمادين رئيسين قام عليهما الكيان الإسرائيلي، وبالتالي فقد كان التركيز على تعليم اللغة العبرية على حساب اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية واضحا، حتى إنهم ليفرضون على الطالب العربيّ أن يتقن العبرية، ولا يلزمون الطالب اليهودي بتعلم العربية، وذلك بهدف الترويج للغة العبرية وبعثها من رقادها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛بل إنهم ليحورون بعض الكلمات العربية ويدعون أنها عبرية الأصل، كما أنهم يحرفون أسماء المدن والقرى والمواقع الفلسطينية إلى أسماء عبرية ليثبتوا زعمهم بأنهم أسبق في هذه الديار.

     

    6. النواحي العقلية

         تتبنى الأيديولوجية الصهيونية اتجاها "يمجّد البطولة إلى درجة العبادة، حيث رأى الصهاينة أن اليهود عاشوا في جوّ محاصر بالأعداء على امتداد التاريخ الإنساني كلّه، وأنهم كانوا جماعة مستهدفة بالاضطهاد من قِبَل النازيين، وأنه في فترة الاستيطان الأولى في فلسطين تجسد أعداء اليهود في كل من قوات الانتداب البريطاني وعرب فلسطين، وبعد قيام الدولة تجسد أعداؤهم في الفلسطينيين ودول المواجهة.

     

        ومن هنا كان لا بد أن يكون اليهودي في (إسرائيل) مسلّحا بنوازع الإحساس بالتفوق البطوليّ على كلّ هؤلاء الأعداء." (25). لذا يحرص الأدب العبريّ على تقديم نموذج البطل اليهودي المتفوق عقليا والأقوى بدنيا من أي شخصية أخرى، وهذا ما تردّده العقلية الإسرائيلية ويتفق مع العقلية الصهيونية التي ترى أن الأحداث التي مرّت باليهود عبر التاريخ جعلت منهم أمة ممتازة وأن (التيه) لم يكن عقابا من الله لليهود بل كان اختبارا لهم للقضاء على الضعيف حتى لا يدخل أرض كنعان سوى الصحيح القويّ فقط.

     

    7. النواحي الترويحية

        أوقات الترويح ليست أوقاتا زائدة لا لزوم لها وينبغي قتلها بأي وسيلة كانت، بل ينبغي أن نوليها من الاهتمام مثل ما نولي أوقات العمل فهي تؤدي وظيفة مهمة جدا في حياتنا عن طريق الإيحاء والتأثير غير المباشر. وإذا كانت الأمم والشعوب المختلفة تولي أساطيرها أهمية معينة وفاء للآباء والأجداد ومن أجل التواصل مع التراث، فإن الإسرائيليون يفعلون ذلك لأهداف أخرى فقد "ادعى "ديان" بأنه قد استوحى من التراث اليهودي تحديد خطة المعركة التي خاضها اللإسرائيليون مع العرب، على غرار المعركة التي ورد ذكرها في التوراة بين "داود وجوليات" بتحليل جديد من خلال رؤية عسكرية معاصرة.

     

        والهدف من هذه الأساطير التي تحقق وتزرع داخل دماغ الفرد الإسرائيلي،هو إقامة صلة بين الإسرائيليين الآن وبين الإسرائيليين منذ ألفي عام، واستحضار الشخصيات اليهودية المستوحاة من التوراة، وتركيزها على فترات معينة من التاريخ اليهودي مثل حرب "يشوع" فكأن الأحفاد يواصلون مهمة الأجداد، وذلك كله إلهام الأجيال الحاضرة قيما حية تلهب حماسهم لبناء دولة جديدة بماضيهم، ولهذا فإن الإسرائيليين يدرسون الفصل السابع عشر من التوراة الذي يروي كيف تغلب داود الإسرائيلي الصغير على جوليات الفلسطيني العملاق، وذلك من أجل شحن الجيال اللإسرائيلية الحالية بالشعور بالنفوق والاستعلاء عن طريق مقارنة حروب إسرائيل (الدولة الصغيرة) والنتصاراتها على الدول العربية والعالم العربي (العملاق) المحيط بها، حيث تمتلئ واجهات المكتبات في إسرائيل بمثل هذه القصص والروايات. (26)

     

     

     

    الهوامش:

     

    1. القاضي، وائل أمين. التربية في إسرائيل. مركز البحوث والدراسات التربوية ـ نابلس. 1994. ص7
    2. رزق، أسعد. في المجتمع الإسرائيلي. معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1971. ص89.
    3. العابد، إبراهيم. العنف والسلام في استراتيجية الصهيونية، مركز الأبحاث والدراسات الفلسطينية "10" بيروت، 1967. ص121
    4. ديوي، جون. المدرسة والمجتمع. ترجمة أحمد حسن عبد الرحيم. مكتبة الحياة ـ بيروت.1964. ص14
    5. ريد، هربرت. التربية من أجل السلام. ترجمة محمد الشيخ. القاهرة 1964. ص82
    6. القاضي، وائل أمين. التربية في إسرائيل. مرجع سابق. ص24
    7. بحث صراع الحضارات في ضوء الثوابت والمتغيرات
    8. عبد اللطيف، سناء. هكذا يربي اليهود أطفالهم. دار القلم ـ دمشق، دار يمان ـ عمّان. ط1 1997ص 21
    9. رزق، أسعد. قضايا الدين والمجتمع في إسرائيل. ص142.
    10. الشامي، رشاد. الشخصية اليهودية. ص167.
    11. مالكا، فيكتورـ بيغن، مناحيم. التوراة والبندقية. ص93
    12. عبد اللطيف، سناء. هكذا يربي اليهود أطفالهم. مرجع سابق.  ص 99
    13. الشامي، رشاد. الأدب الإسرائيلي وحرب 2967. ص31."
    14. عبد اللطيف، سناء. هكذا يربي اليهود أطفالهم. مرجع سابق. ص35 ـ 36
    15. الكيالي؛ عبد الوهاب، المطامع الصهيوينة التوسعية ـ فلسطينية رقم (3) ـ مركز الأبحاث ـ بيروت. ص183
    16. المرجع السابق. ص235
    17. القزاز، إياد. "النزاع العربي الإسرائيلي في كتب العلوم الاجتماعية للمدارس القانونية في الولايات المتحدة" شؤون فلسطينية ـ بيروت. عدد 49/ أيلول 1975
    18. بحث مستقبل التراث للقدس المفتوحة
    19. القاضي، وائل أمين. التربية في إسرائيل. مرجع سابق. ص54
    20. ديمتري، أديب. المدرسة والكيان الصهيوني، مجلة الرائد القاهرة،نوفمبر 1972
    21. القشنيطي، خالد. الجذور الأيديولوجية للصهيونية، مجلة مركز الدراسات الفلسطينية ـ بغداد ـ عدد 20، 1977.
    22. عبد اللطيف، سناء. هكذا يربي اليهود أطفالهم. مرجع سابق. ص99.
    23. أضواء على المشهد الثقافي في إسرائيل. ترجمات. اتحاد الكتاب الفلسطينيين ـ القدس. 1997. ص83
    24. القاضي، وائل أمين. التربية في إسرائيل. مرجع سابق.  ص 31
    25. عبد اللطيف، سناء. هكذا يربي اليهود أطفالهم. مرجع سابق. ص 147
    26. القاضي، وائل أمين. التربية في إسرائيل. مرجع سابق.  ص35

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • اسماء عليان said...
  • يعطيك العافية د. يحيى وأ. عبير على هذا الموضوع الرائع واذا سمحتما اريد الاطلاع على كامل الموضوع وافادتي به لاني باحثة في هذا المجال واقوم الان باعداد رسالة ماجستير عن هذا الموضوع لذا اود لااطلاع عليه للاستفادة ولكم جزيل الشكر اسماء ـ غزة email: [email protected]
  • Tuesday, July 21, 2009
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me