An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 2, 2009
  • الحركة والحياة ، دراسة في اللغة
  • Published at:Not Found
  • الحركة و الحياة

     

    كل متحرك ذاتيا حي . وكذلك كل ما هو قابل للحركة الذاتية . وإننا لنفرق بين الحياة والموت بالحركة  أما رأيت الثعلب يتماوت بوقف حركته ...... والحركة إما ضعيفة وإما قوية ، وأيا كانت فهي دليل الحياة. والله يحيى الأرض بعد موتها بالماء فإذا ما أنزله عليها " اهتزت  وَرَبَتْ" والاهتزاز والربو من أوجه الحركة.  وفلان يعزق الأرض،  إنه يتحرك بقوة .... إنه حي، وذلك نائم، لكنه يتنفس،  صدره يتحرك بلطف، إنه حي. وهذا مريض، إنه لا يكاد يتنفس، كأنه مات، فلندع الطبيب لا ... ما يزال حياً، فهذه نبضات شرايينه ما تزال تتردد.

     

    ثلاثتهم أحياء ....  لكن الأول أكثر حياة  من الثاني،  والثاني أكثر حياة من الثالث،  وكذلك حركة  الأول بالنسبة لحركة الثاني، وحركة الثاني بالنسبة لحركة الثالث إنها أشد نسبياً، إذا، فالحياة تتناسب طردياً  مع مقدار الحركة الذاتية. هذا ليس في مجال  الأحياء فحسب.... بل في مجال ما هو  قابل  للحركة في ظروف معينة، كبذور النباتات، وبيض الطيور... لأن الحركة فيها مختزنة، وكذلك الحياة.

     

    والحركة أنواع ثلاثة هي: 

       

    1-الحركة الذاتية البليدة، وهي حركة مدارية، ولها مجالان، مجال في العنصر البسيط " الأسطقسّّّ" تتمثل في حركة مركبات الذرة حول نواتها. ومجال في المركب،  وتتمثل في حركة الأجرام السماوية في مداراتها.  وهذه الحركة متصلة بالموضوع اتصالاً مباشراً، وإنما نعتناها بالبلادة، لرتابتها، ولأنها مسخرة تجري  على نسق واحد أبد  الدهر.  وكلما كانت هذه الحركة نشيطة فهي دليل على مزيد من الحيوية في التحرك. فالعناصر كاليورانيوم  والفسفور أنشط من غيرها لنشاطها الإشعاعي. وقد أصاب ابن رشد عندما ذهب إلى أن الكون حيوان،  لأنه متحرك.

     

    2- الحركة الذاتية النامية. وهي حركة الحيوان  والنبات.  وهي صلب الموضوع. 

    3-  الحركة  الخارجية، وهي ما تمّ بمؤثر خارجي  كحركة كرة القدم، طارت بها  الريح أم عصفت بها قدمك.  وهذه الحركة غير مقصودة في حديثنا.

     

    والماء حي، ذلك أنه سبب الحياة، ومصداق ذلك قوله تعالى " وَجعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شيء حَيّ" ولا يسبب الحياة إلا حي، وهو لذلك دائم الحركة، لأن  البخر حركة مستمرة تتم في كل الأحوال الطبيعية. ودورة الماء من البحر إلى السماء إلى الأرض، وجريه في الأنهار والينابيع – دليل قاطع على تلك الصفة فيه.

     

              وكذلك الهواء ، لأنه من أسباب الحياة، وهو مكون من عنصري الماء، وهما  الأكسجين والهيدروجين وغيرهما. بل لعلّ  الهواء والماء شيء واحد  لكنه ذو طبيعتين. أما ترى الحياة تتم في الماء والهواء على حد سواء، الأحياء البحرية والأحياء البرية، بل إن من الحيوانات ما هو  مائي هوائي؟!  وأن للهواء دورة كدورة الماء، يخف  فيتعالى فيبرد فيعود إلى سابق موضعه.

     

    وإذا حيل بين الماء والهواء من ناحية والحركة من ناحية أخرى فسدا ولم يعودا صالحين للحياة . الماء يأسن .... والهواء يتغير . ولذلك كان الماء الجاري طهورا عذبا، والهواء المتحرك صالحا ، ولذلك أيضا كانت تهوية المنازل ضرورية....ولا عجب ، والحالة هذه ، أن نجد الألفاظ التي تطلق تعبيرا عن الإنسان مشتقة من مواد سمي الهواء المتحرك بمشتقات منها ، وهذه المواد هي " روح " و" ن س م " و" ن ف س ".

     

    فالرُّوح ، وهي جوهر الحياة ، مشتقة من المادة " روح" التي منها " الريح " وأصل هذه " الرِّوْح " حيث قلبت الواو ساكنة ياء لكسر الراء قبلها ، ويتضح ذلك في صيغة الجمع " أرواح " حيث هي جمع " رُوْح " الإنسان ونحوه ، وجمع " ريح" التي هي الهواء المتحرك بقوة ، وقد ورد هذا الجمع للريح في أدب العرب أكثر من خمسين مرة أحصيناها في كتابنا " الألفاظ الجغرافية في التراث العربي حتى نهاية القرن الهجري الثالث " وأذكرها هنا شاهدا واحد للاستئناس به ، قال النّمِرُ بن تَوْلَب :

     ( كامل )

        وَبَوارِحُ الأَرواحِ كُلَّ عَشِيّةٍ                          هَيْفٌ تَرُوحُ وَسَيُهَكٌ تَجْرِي

    أي : والحاميات من الرياح ....

     

    والنسمة ، بمعنى الإنسان ، المستخدمة في تعداد السكان ، حيث يقال " ألف نسمة" بمعنى ألف إنسان ، والكلمة مشتقة من المادة " نسم" ومنها النسيم وهو الهواء المتحرك بلطف .

     

    والنفْس بمعنى الإنسان من  قوله تعالى " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الَموْتِ " ونحوه ، وهي مشتقة من المادة ( نفس ) ومنها النفس من الإنسان ، والنفس بمعنى الهواء المتحرك ، ومن ذلك قول إسحاق بن خلف :

    ( مجزوء الكامل)

                                         وَ كَأَنَّما ذَرَّ الهَباءَ عليهِ أَنفاسُ الرياح

    أي أنسام الرياح أ و دفعاتها . وهو من باب إضافة الشيء إلى ما هو في معناه .

     

    ترى ما سر ذلك ، لأن حياة الإنسان متوقفة على الهواء المتحرك في مجراه منه ؟! إذا توقف توقفت و إذا استمر استمرت ! وما دام الأمر كذلك ، فهل اختار الإنسان لنفسه هذه التسمية أو هي التوجيه الإلهي ؟ كأني بذلك يشير إلى أن اللغة توقيف لا إصلاح .

     

              وأود ها هنا أن أوجه انتباهك عزيزي القارئ إلى ما أودعه الله من خاصيات في الجماد والسائل والهواء :

    حركة الجماد إلى أسفل ، والهواء " والنار " إلى أعلى ..... أما الماء – والسوائل الأخرى- فإلى الاتجاهين ، ذلك لأن فيه طبعي الجماد والهواء ، طبع الجماد في حالة تجمده ، وطبع الهواء في حالة البحر .

     

              وحاجة الإنسان لكل منها تتناسب تناسبا طرديا في الزمن مع طبيعة كل منها ، فالهواء أخفها ، وهو ألطفها حركة ، ولذلك كانت حاجة الإنسان إليه ماسة تتم باستمرار وعلى نحو متكرر كل ثانية تقريبا ، ذلك لأن مكثه في موضعه منه ، واستخلاص اللازم لحياته منه يتم بسرعة أكبر من سرعة ذلك من الماء ، ولذا كان شرب الإنسان للماء كافيا ثلاثا أو أربع مرات يوميا في الأحوال الطبيعية . والأمر بالنسبة للطعام ، وهو " جَماديّ" إلى حد ما أقل منه بالنسبة للماء ، ولذلك كان تناوله مرتين أو ثلاثا كافيا لليوم الواحد .

     

              وليس الأمر بهذه الصورة ، فقد يتضح أكثر بعرضه على النحو الآتي :

    يموت الإنسان إذا حجب عنه الهواء بضع دقائق . ولكنه قد يصطبر على العطش يومين أو ثلاثة . وعلى الجوع بضعة أيام دون أن يموت . إذا ، تأثير كل من أنواع المادة الثلاثة في الحياة يتناسب طرديا مع طبعه وخفته وسرعة حركته ليس في البدن وحسب ، بل خارج البدن أيضا ، أي في الطبيعة .

     

              والحركة البليدة والنامية دائرية ، أي أنها تبدأ من مكان أو مستوى أو نحوهما لتنتهي عنده ، أو لتبدأ من ثم دورتها التالية.  والحرارة هي السبب المباشر للحركة ، ولذلك يبرد الميت ، وتقل الحركة شتاء ، وكذلك حركة الأجسام حيث تتناسب طرديا مع مقدار حرارتها. أما رأيت الماء يفور إذا ازدادت درجة حرارته وبلغت حدا معينا؟....

     

              والدائرية في حركة الهواء صفة لكله إذا اعتبرنا حركة الريح وتكونها ، وصفة لبعضه إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يتحرك في كل اتجاه يمكن أن ترسمه على سطح كرة ...والكرة مجموعة من الدوائر .

     

              وقل مثل ذلك في الماء ، ومرد ذلك فيهما لخفتهما . أما الجماد، وأقصد هاهنا (الذرات ) و ( الأجرام السماوية ) فقد خصهما الله بالكروية والجاذبية ، وهما سر حركة الأجرام السماوية ، ولعلهما سر الحركة داخل الذرة .

     

              والحياة والزمان متلازمان ، وما الزمان إلا علاقة تنجم عن حركة جرم الأرض حول الشمس وحول نفسه . فليس ثمة زمان في غير الكواكب ، بل ليس ثمة زمان خارج مخروط ظل كل كوكب ، حيث لا ليل مطلقا ، إذ ما الليل إلا ظل " الأرض " ، وليل الكواكب هو ظلها.

     

              والحركة في وجه الحركة تقلل تأثيرها ، وتضعف نتيجتها ، ومن هنا رأينا حركة التاريخ بطيئة في البدو ، ذلك لحركتهم الدائبة ،  على العكس من أهل المدن ، حيث يؤدي الاستقرار إلى تمكين عنصر الزمان من أحداث أثره في مجريات الحياة . وهذا مثله مثل الكئيب والكسول في إحساسه بوطأة الزمن وطوله ، على عكس المرح الذي يكثر الحركة .

              وأعود بك ، عزيزي القارئ، إلى الاستدارة وأنها سبب للحركة في الجماد ، تعوضه عن ثقله ، هي والجاذبية ، فيتحرك ، ويكون حيا على نحو مختلف . فلا عجب أن خلق الله الأجرام كرّبّة ، والكون كري ، والكرية والاستدارة شيء واحد من حيث النوع  وكل كاف فواو إلى استدارة أو نحوها . ومنهما :

              الكُوَّة في السقف والجدار ، فتحة مستديرة فيهما والكية بالنار، حيث غالبا ما تكون مستديرة .

              والكينونة ، لاكتمالها ، والكرة أكمل الأشكال . والكون ، كذلك .

              وكومة الرمل ، وهي ما استدار وارتفع منه ، كالقوز .

              والكومة من أي شيء ، فهي إلى استدارة .

              والكوخ والكوب والكوز إن كانت عربية ،وهي إلى استدارة ، والكوت كالكوخ.

              والكورة، والكرة ، والتكوير التدوير ،و كار العمامة يكورها إذا جعلها دوائر                     حول رأسه .

              والكوع من الذراع ، حيث يمكن الساعد من حركة شبه دائرية .

             

    ولا عجب ، أيضا ، أن نجد بعض المواد قد اشتق منها مبان للزمان وأخرى للمكان أو الشيء  المستدير ، وفي مقدمة هذه المواد المادة " دوم " حيث يشتق منها:

    أ‌-     للدوران : التدويم ، ومن ذلك قول ذي الرُّمَّة :

           ( بسيط )

          ...................... .................. والشَّمْسُ حَيْرى لها في الجَوِّ تَدْوِيمُ

    أي دوران في فلكها .

    ب‌-للمكان:الدوَّامة، وهي من البحر ونحوه ما دار الماء فيه على نحو معين، بسبب تيار هوائي أو حراري ، معروفة .

    ج- للزمان: الدَّوْم، والدوام، بمعنى الزمان . ودائم ، صفة لما استمر في الزمان دون انقطاع . ومن ذلك الديمة للمطرة تستمر أياما ، أو بمعنى دائما ، في اللهجة العربية الليبية .

     

    إن العلاقة الإيجابية بين حركة الجماد واستدارته واضحة لا يمكن أن تكون موضع جدال . أما رأيتهم جعلوا عجلات السيارات ونحوها دائرية؟ بل ، أما ترى فكر المحركات والآلات قائمة على فكرة الاستدارة ، وكذلك مقاييس الزمن ؟! إن علم الحركة " الميكانيك " وما وقع في دائرته ... قائم على استغلال الدائرة ، أو ما يشبهها . 

     

    وأخيرا ، إن الحياة هي الحركة ، وإن الحركة حادثة إما لطبع في  المتحرك أو لخاصية منحت له . وباعث الحياة حي ، والحياة والزمان متلازمان ، ولطف الهواء ، وخفة الماء ، يقابلان استدارة الجماد و خاصية الجذب فيه. وآخرا ، إني أدعو ذوي الاختصاص إلى النظر في كل ما ورد في هذه الصفحات ، لدراسته ، ونقده ، وإلى التبصير في العلاقة بين المعاني والطبائع ، وبين الأصوات اللغوية والألفاظ ومعانيها ، وبين الإنسان والكون، فان هناك أسرارا أرى في البحث الجاد سبيلا للكشف عنها فهل إلى ذلك من سبيل ؟! 

                                

                      

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me