An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 2, 2009
  • خلق القرآن قول باطل
  • Published at:Not Found
  • خلق القرآن قول باطل.

     

    لكل ذات صفات تلازمها ولا تعرف إلا بها , فان لم تتصف بها , أو فقدت بعضها كان ذلك دليلا على نقص في الذات . والكلام اثر للذات ملازم لها , فهو بذلك جزء منها , فلا عجب أن سمعناهم يعرفون الإنسان بأنه حيوان ناطق , ذلك أن النطق ميزة اختص بها الإنسان دون سواه من الحيوانات ، وهي ليست عارضة. 

     

          والقرآن  الكريم كلام الله  وكلامه جزء  منه وأثر له، والله قديم، إذا فكلامه قديم أيضاً،  وما هو بمخلوق، ذلك أن  الخلق إنما يتم خارج الذات،  ولشيء  مختلف  عنها.  هذه  حجة منطق وبيان.

     

          ويمكن أن  نضيف لتوضيح ما سلف، أن حجر المغناطيس لا يعرف إلا بخاصية الجذب،  فإذا فقدها استوى مع غيره من الحجارة ولم يعد حجر مغناطيس.  وعلة ذلك  هي أن المغناطيسية تلازمه  جزءا منه  يرتبط بجوهره.  والإشعاع صفة ملازمة لليورانيوم،  فإذا نفذ مخزونه  من الطاقة،  ولم يعد يشع،  فإنه عندئذ يتحول خلقاً جديداً ويستحيل رصاصاً.  ذلك لأنه فقد أهم صفاته الملازمة له.

     

    *    *        *

          ولنا في طبع اللغة ومعاييرها ما يؤكد  التوجيه السابق،   ويدعم ما بنيناه عليه.  فنحن نعلم أن الصفات  تصاغ في مبان معينة كالفاعل  والمفعول  وفعيل وفعل ونحوها،  فتختص  كل منها بدلالة  معينة توجه  نسبة الحدث إلى الموصوف بها.  بل إن من الصفات ما يقام مقام موصوفه فيستغنى به  عنه،  ذلك إذا كان مما يعرف به  وكثرت ملازمته له، كالخفاق من صفات السراب (  او أسمائه إن شئت)  والخيدع،  واللماع أيضاً، لأنه لا يرى  إلا خفاقاً، ولخداعه ولمعانه،  إلا أن  هناك مبنى  لا يعكس نسبة بين  دلالته والموصوف به،  وهو مبنى  " أفعل فعلاء"،  فالفاعل يعني أن الموصوف به، أو المسمى،  هو الذي قام بالفعل،  والمفعول يعنى أن المنعوت أو المسمى به قد وقع عليه الفعل وهكذا.  أما "  افعل فعلاء" فدلالته تشير إلى أن الموصوف أو المسمى به يعتريه نقص ما أو يداخله ما يمتاز به.  وبعبارة أخرى: أنه يشير إلى  زيادة أو نقص في بنية الذات وفي ما تتكون منه،  على نحو ملازم غير عارض.

     

     

     

     

     

     

     

    نقول: جاء رجل محمود الخصال،  ومررت برجل حامل عصا،  وأرض  محروثة،   وزرع ريان،  وفتاة لابسة ثوباً  جميلاً ...  حيث  تلاحظ أن الصفات:  الحمد في الرجل،  وحمل العصا،  والحرث،  والري،  واللبس والجمال ...  انما هي صفات عارضة،  حيث قد تسوء خصال الرجل في نظر غيرك،  ويلقى العصا،  وتزرع  الأرض فلا تعود محروثة عاما،  ويذبل  الزرع  ويصبح  حصيداً  أو هشيما  تذروه الرياح،  وتخلع  الفتاة ثوبها،  ولا يكون جميلاً في نظر سواك،  وقد يبلى ويصبح خلقا،  إذا،  فالصفات المذكورة عارضة،   كالحرث  للأرض  واللبس للثوب، أو نسبية،  كالجمال في الثوب،  والحمد في الخصال.

     

    وليس  الأمر  كذلك بالنسبة  لمبنى أفعل فعلاء.  نقول: رأيت رجلاً شعره أشيب،  وامرأة شقراء،  وعيونها زرقاء،  ودون شفتها  وشم أزرق،  وناقة  عوراء،  ورجلاً أصلع،  ويداً  عضباء،  ورجلاً  أشعر،  وامرأة شعراء .... حيث تجد أن الصفات: الشيب في الشعر،  والشقرة،  وزرقة العيون  والوشم،  والعور في الناقة،  والصلع في الرجل والعضب في اليد،  وكثرة الشعر في الرجل والمرأة ... هي صفات ملازمة غير عارضة،  ولعل سائلاً  يعترض بقوله: إن الناقة قد تكون سليمة العينين فيعرض لها ما يصيب عينها بالعور فتصبح صفة عارضة ...  فنرد عليه قوله بلطف منبهين إياه إلى أن العارض من الصفات هي تلك التي تحل وترتحل  وقد  تحل من جديد وهكذا فصفة الحمد في الرجل،   والحرث في الأرض  من الصفات السابقة ... قد تتكرران في الموصوف  الواحد غير مرة.  فزيد اليوم محمود الخصال،  وغدا مذمومها وبعد غد  محمودها من جديد.  والأرض اليوم محروثة وغدا مزروعة مروية،  وهي محروثة بعد عام إن شاء الله.  أما العور فيحل ولا يرتحل...  هذا  هو المنطق والمألوف في  الأمور.  وكذلك الشيب في الشعر والزرقة في العيون  والصلع في الرأس،  والعضب  في اليد،  وهو أن  تقطع بعض أصابع اليد.. أفرأيت يداً عضباء قد عادت سوية؟  أو شعراً  أشيب يعود  أسود،   ورجلاً  أشعر يرتد أمرد ما لم يأخذ هو في التغير إلى أنثى لخلل  هرموني،  أو ما لم يعرض له بعض الأمراض التي تؤدي إلى  تحاتّ الشعر،  غير أننا نتحدث عن الظروف الطبيعية السوية،  وليس الطارئة،  ونلاحظ أن مبنى "  أفعل فعلاء"  مقصور على ضربين  من الصفات هما:

    1.  عيوب  الخلق الجثماني وهي إما  نقص أو زيادة.  ومن النقص أعور عوراء،  وأعضب عضباء،  وأصلع صلعاء، وأظلع  ظلعاء  كأعرج  عرجاء، وأبكم بكماء،  وأخرس خرساء ونحو ذلك مما يسهل حصره.  ومن الزيادة: أشعر شعراء.

    2.  الألوان،   وما يقع في محيطها مما يعطي دلالة على لون،  ومن الألوان:  أحمر حمراء،  وأخضر خضراء ... ونحوها مما لا يخفى  عليك.  ومما يقع في محيطها ما اشتق من اسم لذي لون  أثير  عند الإنسان، أو  يعرفه الإنسان به،   مثل أكحل كحلاء اشتقاقاً من الكحل،  ولونه جميل في العين،  وأزهر زهراء من الزهر،  وأقمر قمراء  من القمر.  ومثل أعفر عفراء من العفر،  وهو الرمل أو التراب.  وأغبر  غبراء من الغبار ونحو ذلك.

    ويتضح  في الأمثلة المدرجة في المجموعة الأولى أن  هذا المبنى ( أفعل فعلاء)  قد استخدم فيما يعبر عن عيب أو علة " فيسيولوجية"  تتمثل في نقص مادي في الذات،  أو  زيادة ،  وهما سواء في علاقتهما بعدم  الاستواء في الأمور.  أما أمثلة المجموعة الثانية فهي صفات لونية  إما  صراحة،  وإما نقلاً  لعلاقة المشابهة  بين  لون الذات التي اشتق من اسمها أفعل ولون  الذات الموصوفة به.  فالعفر، وهو التراب أو الرمل،  والأعفر والعفراء ما كان لونه – أو لونها  - لون التراب أو الرمل.  ومنه  اليعفور،  نوع من الظباء،  للونه.

              واللون جزء من الذات لا يتم حدها إلا به.  أما رأيت أن لكل شيء لونا،  حتى الماء،  بالرغم من قولهم أنه لا لون له.  أما تراهم يصفون لون بعض المواد بأنه مائي.  واللون إما زيادة أو نقص،  سالب أو موجب يدخل في دائرة السواد أو البياض،  في دائرة النور أو الظلام،  في دائرة الطيف أو في نقيضها.  فكأن الأصل في كل الأشياء أن يكون لونها واحدا هو "س".  ثم كان الاختلاف كضرورة حتمية للتمييز فكانت درجات الألوان صعودا ونزولا،  أي س+1، س+2، س +3 ...  وهكذا، و س  -1،  س – 2،  س – 3  وهكذا.  والألوان إذا أقررنا ذلك إنما  تصبح جزءا من " عيوب الخَلْق"  وبذلك يكون مبنى أفعل فعلاء مقصورا على ما له ارتباط  بالنقص أو الزيادة في الذوات،  أي بعدم الاستواء في الذوات،  وباللاطبيعية فيها.

              بل،  لما كانت المواد مختلفة،  وأدل الأمور على اختلافها هي ألوانها فإن ذلك يؤكد أن اللون جزء من الذات.  ونصل إلى هذه الحقيقة بالتوجيه التالي:  العين لا ترى إلا اللون،  ولا لون بلا كتلة وثلاثة أبعاد،  ولا كتلة وبعد بلا لون.  وبعبارة أخرى،  أن الذات  مادة،  والمادة كتلة، أو أبعاد، ولا وجود لهذه – الكتلة  والأبعاد-  إلا  مع اللون.  إذاً  فاللون جزء من الذات ملازم لها.  وقد أوضحنا ذلك في دراستنا حول " العين بين العلم واللغة".

     

              وننتقل إلى خطوة متقدمة،  فنقول: إذا كانت الصفة " أفعل فعلاء"  تعكس نقصاً  في  الأعضاء توصف به الذات،  فإن نقائضها، بالضرورة الجدلية،  تعكس تمام الأعضاء،  والشيء التام أولى بأن يكون جزءا من الذات التي ينتمي إليها  نظيره الناقص،  إذ الأصل في الذوات  هو الاستواء والتمام،  وأن تكون طبيعية سوية.

              وبعبارة أخرى: أن العرج جزء  من ذات الأعرج،  وهذا يعني أن سلامة الرِّجلين ( نقيض العرج) جزء من ذات السليم(  غير الأعرج). والصلع جزء من ذات الأصلع،  ونقيض الصلع ( تمام الشعر) جزء من ذات ذي الشعر العادي،  والنقص ألصق بالذات من التمام  إذا  اعتراها.  فالمبصر قد يعمى،  ولكن الأعمى لا يرتد بصيراً  فيما نألف.

              ولما كانت عيوب النطق مما يصاغ في مبنى أفعل فعلاء،  كألثغ  وألكن  وأخرس وغيرها، وكانت  اللُّثغة  واللُّكنة والخرس تعكس نقصاً في  ذوات المتصفين بها،  فإن نقائضها  تعكس تماماً  ذوات المتصفين بها.  والجامع لهذه النقائض  هو سلامة النطق،  والكلام،  وأن الاتصاف بها يعكس ما فيه تمام أعضاء النطق، مما يشير إلى أن الكلام من الصفات اللازمة التي تعني سلامة الذات،  والصفة التي من هذا النوع لا يمكن أن  تكون إرادية في ذات الإنسان،  أي أصلاً  وابتداء.  أما رأيتهم يصفون الطفل إذا تأخر في الكلام بأنه " غير طبيعي " لأن الكلام هو  الطبيعي.  القبح والجمال طبيعيان،  لكن النقص في أصابع اليد غير طبيعي لأننا نعرف اليد بخمس أصابع كاملة.  وعليه، فصفة الكلام في ذات الله لا يمكن أن  تكون مخلوقة، لأن خلقها يتنافى مع سلامة الذات وتعالى الله عن ذلك علواً  كبيراً،  إذا، فالقرآن الكريم كلام الله،  جزء من ذات  الله،  والزعم أنه مخلوق محض اختلاف،  أن  الكلام من الذات  كالإشعاع من المعدن المشع،  وكالمغناطيسية من حجر المغناطيس  وكالنور من الشمس ...  لا يمكن إلا أن تكون أجزاء  من ذواتها.

     

              إن الدقة في استخدام هذا المبنى ( أفعل فعلاء ) والصفات التي تصاغ فيه، إلى جانب ما يستخدم في التعبير عن الأعراض التي تطرأ على الإنسان من حيث الفرح والغضب والحزن والشبع والجوع مما يرد في وزن فعل يفعل ... إن في ذلك لما يشير إلى توقيفية اللغة .... إن لم يكن في كاملها،  ففي أرومتها وابتدائها وأصولها ودلالاتها على الأقل ... إذ أن في هذا الإجماع،  وهذه الدقة والعلاقة المنطقية والحدود الرياضية ما يؤكد ذلك،  لأن حدية العقل البشري تنوء بما يحمل بعض الباحثين إلى تقرير عكس ذلك،  ولا تنهض به.

              إن في استقراء مقاييس اللغة ومبانيها لدلالاتها ومعانيها ما يميط اللسان عن كثير من الحقائق التي كثر الجدل والنقاش حولها،  وذلك بفضل اللغة من حيث هي الكشاف والمسبار للأحداث طبيعيها وحضاريها ... ولو لم تقم البراهين المادية  على ذلك.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    خلق القرآن قول باطل.

     

    لكل ذات صفات تلازمها ولا تعرف إلا بها , فان لم تتصف بها , أو فقدت بعضها كان ذلك دليلا على نقص في الذات . والكلام اثر للذات ملازم لها , فهو بذلك جزء منها , فلا عجب أن سمعناهم يعرفون الإنسان بأنه حيوان ناطق , ذلك أن النطق ميزة اختص بها الإنسان دون سواه من الحيوانات ، وهي ليست عارضة. 

     

          والقرآن  الكريم كلام الله  وكلامه جزء  منه وأثر له، والله قديم، إذا فكلامه قديم أيضاً،  وما هو بمخلوق، ذلك أن  الخلق إنما يتم خارج الذات،  ولشيء  مختلف  عنها.  هذه  حجة منطق وبيان.

     

          ويمكن أن  نضيف لتوضيح ما سلف، أن حجر المغناطيس لا يعرف إلا بخاصية الجذب،  فإذا فقدها استوى مع غيره من الحجارة ولم يعد حجر مغناطيس.  وعلة ذلك  هي أن المغناطيسية تلازمه  جزءا منه  يرتبط بجوهره.  والإشعاع صفة ملازمة لليورانيوم،  فإذا نفذ مخزونه  من الطاقة،  ولم يعد يشع،  فإنه عندئذ يتحول خلقاً جديداً ويستحيل رصاصاً.  ذلك لأنه فقد أهم صفاته الملازمة له.

     

    *    *        *

          ولنا في طبع اللغة ومعاييرها ما يؤكد  التوجيه السابق،   ويدعم ما بنيناه عليه.  فنحن نعلم أن الصفات  تصاغ في مبان معينة كالفاعل  والمفعول  وفعيل وفعل ونحوها،  فتختص  كل منها بدلالة  معينة توجه  نسبة الحدث إلى الموصوف بها.  بل إن من الصفات ما يقام مقام موصوفه فيستغنى به  عنه،  ذلك إذا كان مما يعرف به  وكثرت ملازمته له، كالخفاق من صفات السراب (  او أسمائه إن شئت)  والخيدع،  واللماع أيضاً، لأنه لا يرى  إلا خفاقاً، ولخداعه ولمعانه،  إلا أن  هناك مبنى  لا يعكس نسبة بين  دلالته والموصوف به،  وهو مبنى  " أفعل فعلاء"،  فالفاعل يعني أن الموصوف به، أو المسمى،  هو الذي قام بالفعل،  والمفعول يعنى أن المنعوت أو المسمى به قد وقع عليه الفعل وهكذا.  أما "  افعل فعلاء" فدلالته تشير إلى أن الموصوف أو المسمى به يعتريه نقص ما أو يداخله ما يمتاز به.  وبعبارة أخرى: أنه يشير إلى  زيادة أو نقص في بنية الذات وفي ما تتكون منه،  على نحو ملازم غير عارض.

     

     

     

     

     

     

     

    نقول: جاء رجل محمود الخصال،  ومررت برجل حامل عصا،  وأرض  محروثة،   وزرع ريان،  وفتاة لابسة ثوباً  جميلاً ...  حيث  تلاحظ أن الصفات:  الحمد في الرجل،  وحمل العصا،  والحرث،  والري،  واللبس والجمال ...  انما هي صفات عارضة،  حيث قد تسوء خصال الرجل في نظر غيرك،  ويلقى العصا،  وتزرع  الأرض فلا تعود محروثة عاما،  ويذبل  الزرع  ويصبح  حصيداً  أو هشيما  تذروه الرياح،  وتخلع  الفتاة ثوبها،  ولا يكون جميلاً في نظر سواك،  وقد يبلى ويصبح خلقا،  إذا،  فالصفات المذكورة عارضة،   كالحرث  للأرض  واللبس للثوب، أو نسبية،  كالجمال في الثوب،  والحمد في الخصال.

     

    وليس  الأمر  كذلك بالنسبة  لمبنى أفعل فعلاء.  نقول: رأيت رجلاً شعره أشيب،  وامرأة شقراء،  وعيونها زرقاء،  ودون شفتها  وشم أزرق،  وناقة  عوراء،  ورجلاً أصلع،  ويداً  عضباء،  ورجلاً  أشعر،  وامرأة شعراء .... حيث تجد أن الصفات: الشيب في الشعر،  والشقرة،  وزرقة العيون  والوشم،  والعور في الناقة،  والصلع في الرجل والعضب في اليد،  وكثرة الشعر في الرجل والمرأة ... هي صفات ملازمة غير عارضة،  ولعل سائلاً  يعترض بقوله: إن الناقة قد تكون سليمة العينين فيعرض لها ما يصيب عينها بالعور فتصبح صفة عارضة ...  فنرد عليه قوله بلطف منبهين إياه إلى أن العارض من الصفات هي تلك التي تحل وترتحل  وقد  تحل من جديد وهكذا فصفة الحمد في الرجل،   والحرث في الأرض  من الصفات السابقة ... قد تتكرران في الموصوف  الواحد غير مرة.  فزيد اليوم محمود الخصال،  وغدا مذمومها وبعد غد  محمودها من جديد.  والأرض اليوم محروثة وغدا مزروعة مروية،  وهي محروثة بعد عام إن شاء الله.  أما العور فيحل ولا يرتحل...  هذا  هو المنطق والمألوف في  الأمور.  وكذلك الشيب في الشعر والزرقة في العيون  والصلع في الرأس،  والعضب  في اليد،  وهو أن  تقطع بعض أصابع اليد.. أفرأيت يداً عضباء قد عادت سوية؟  أو شعراً  أشيب يعود  أسود،   ورجلاً  أشعر يرتد أمرد ما لم يأخذ هو في التغير إلى أنثى لخلل  هرموني،  أو ما لم يعرض له بعض الأمراض التي تؤدي إلى  تحاتّ الشعر،  غير أننا نتحدث عن الظروف الطبيعية السوية،  وليس الطارئة،  ونلاحظ أن مبنى "  أفعل فعلاء"  مقصور على ضربين  من الصفات هما:

    1.  عيوب  الخلق الجثماني وهي إما  نقص أو زيادة.  ومن النقص أعور عوراء،  وأعضب عضباء،  وأصلع صلعاء، وأظلع  ظلعاء  كأعرج  عرجاء، وأبكم بكماء،  وأخرس خرساء ونحو ذلك مما يسهل حصره.  ومن الزيادة: أشعر شعراء.

    2.  الألوان،   وما يقع في محيطها مما يعطي دلالة على لون،  ومن الألوان:  أحمر حمراء،  وأخضر خضراء ... ونحوها مما لا يخفى  عليك.  ومما يقع في محيطها ما اشتق من اسم لذي لون  أثير  عند الإنسان، أو  يعرفه الإنسان به،   مثل أكحل كحلاء اشتقاقاً من الكحل،  ولونه جميل في العين،  وأزهر زهراء من الزهر،  وأقمر قمراء  من القمر.  ومثل أعفر عفراء من العفر،  وهو الرمل أو التراب.  وأغبر  غبراء من الغبار ونحو ذلك.

    ويتضح  في الأمثلة المدرجة في المجموعة الأولى أن  هذا المبنى ( أفعل فعلاء)  قد استخدم فيما يعبر عن عيب أو علة " فيسيولوجية"  تتمثل في نقص مادي في الذات،  أو  زيادة ،  وهما سواء في علاقتهما بعدم  الاستواء في الأمور.  أما أمثلة المجموعة الثانية فهي صفات لونية  إما  صراحة،  وإما نقلاً  لعلاقة المشابهة  بين  لون الذات التي اشتق من اسمها أفعل ولون  الذات الموصوفة به.  فالعفر، وهو التراب أو الرمل،  والأعفر والعفراء ما كان لونه – أو لونها  - لون التراب أو الرمل.  ومنه  اليعفور،  نوع من الظباء،  للونه.

              واللون جزء من الذات لا يتم حدها إلا به.  أما رأيت أن لكل شيء لونا،  حتى الماء،  بالرغم من قولهم أنه لا لون له.  أما تراهم يصفون لون بعض المواد بأنه مائي.  واللون إما زيادة أو نقص،  سالب أو موجب يدخل في دائرة السواد أو البياض،  في دائرة النور أو الظلام،  في دائرة الطيف أو في نقيضها.  فكأن الأصل في كل الأشياء أن يكون لونها واحدا هو "س".  ثم كان الاختلاف كضرورة حتمية للتمييز فكانت درجات الألوان صعودا ونزولا،  أي س+1، س+2، س +3 ...  وهكذا، و س  -1،  س – 2،  س – 3  وهكذا.  والألوان إذا أقررنا ذلك إنما  تصبح جزءا من " عيوب الخَلْق"  وبذلك يكون مبنى أفعل فعلاء مقصورا على ما له ارتباط  بالنقص أو الزيادة في الذوات،  أي بعدم الاستواء في الذوات،  وباللاطبيعية فيها.

              بل،  لما كانت المواد مختلفة،  وأدل الأمور على اختلافها هي ألوانها فإن ذلك يؤكد أن اللون جزء من الذات.  ونصل إلى هذه الحقيقة بالتوجيه التالي:  العين لا ترى إلا اللون،  ولا لون بلا كتلة وثلاثة أبعاد،  ولا كتلة وبعد بلا لون.  وبعبارة أخرى،  أن الذات  مادة،  والمادة كتلة، أو أبعاد، ولا وجود لهذه – الكتلة  والأبعاد-  إلا  مع اللون.  إذاً  فاللون جزء من الذات ملازم لها.  وقد أوضحنا ذلك في دراستنا حول " العين بين العلم واللغة".

     

              وننتقل إلى خطوة متقدمة،  فنقول: إذا كانت الصفة " أفعل فعلاء"  تعكس نقصاً  في  الأعضاء توصف به الذات،  فإن نقائضها، بالضرورة الجدلية،  تعكس تمام الأعضاء،  والشيء التام أولى بأن يكون جزءا من الذات التي ينتمي إليها  نظيره الناقص،  إذ الأصل في الذوات  هو الاستواء والتمام،  وأن تكون طبيعية سوية.

              وبعبارة أخرى: أن العرج جزء  من ذات الأعرج،  وهذا يعني أن سلامة الرِّجلين ( نقيض العرج) جزء من ذات السليم(  غير الأعرج). والصلع جزء من ذات الأصلع،  ونقيض الصلع ( تمام الشعر) جزء من ذات ذي الشعر العادي،  والنقص ألصق بالذات من التمام  إذا  اعتراها.  فالمبصر قد يعمى،  ولكن الأعمى لا يرتد بصيراً  فيما نألف.

              ولما كانت عيوب النطق مما يصاغ في مبنى أفعل فعلاء،  كألثغ  وألكن  وأخرس وغيرها، وكانت  اللُّثغة  واللُّكنة والخرس تعكس نقصاً في  ذوات المتصفين بها،  فإن نقائضها  تعكس تماماً  ذوات المتصفين بها.  والجامع لهذه النقائض  هو سلامة النطق،  والكلام،  وأن الاتصاف بها يعكس ما فيه تمام أعضاء النطق، مما يشير إلى أن الكلام من الصفات اللازمة التي تعني سلامة الذات،  والصفة التي من هذا النوع لا يمكن أن  تكون إرادية في ذات الإنسان،  أي أصلاً  وابتداء.  أما رأيتهم يصفون الطفل إذا تأخر في الكلام بأنه " غير طبيعي " لأن الكلام هو  الطبيعي.  القبح والجمال طبيعيان،  لكن النقص في أصابع اليد غير طبيعي لأننا نعرف اليد بخمس أصابع كاملة.  وعليه، فصفة الكلام في ذات الله لا يمكن أن  تكون مخلوقة، لأن خلقها يتنافى مع سلامة الذات وتعالى الله عن ذلك علواً  كبيراً،  إذا، فالقرآن الكريم كلام الله،  جزء من ذات  الله،  والزعم أنه مخلوق محض اختلاف،  أن  الكلام من الذات  كالإشعاع من المعدن المشع،  وكالمغناطيسية من حجر المغناطيس  وكالنور من الشمس ...  لا يمكن إلا أن تكون أجزاء  من ذواتها.

     

              إن الدقة في استخدام هذا المبنى ( أفعل فعلاء ) والصفات التي تصاغ فيه، إلى جانب ما يستخدم في التعبير عن الأعراض التي تطرأ على الإنسان من حيث الفرح والغضب والحزن والشبع والجوع مما يرد في وزن فعل يفعل ... إن في ذلك لما يشير إلى توقيفية اللغة .... إن لم يكن في كاملها،  ففي أرومتها وابتدائها وأصولها ودلالاتها على الأقل ... إذ أن في هذا الإجماع،  وهذه الدقة والعلاقة المنطقية والحدود الرياضية ما يؤكد ذلك،  لأن حدية العقل البشري تنوء بما يحمل بعض الباحثين إلى تقرير عكس ذلك،  ولا تنهض به.

              إن في استقراء مقاييس اللغة ومبانيها لدلالاتها ومعانيها ما يميط اللسان عن كثير من الحقائق التي كثر الجدل والنقاش حولها،  وذلك بفضل اللغة من حيث هي الكشاف والمسبار للأحداث طبيعيها وحضاريها ... ولو لم تقم البراهين المادية  على ذلك.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     







     

     

     







     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me