An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, September 14, 2010
  • الشكل والمضمون
  • Published at:الشعب. 4 أيلول 1985
  •  

    أ. د. يحيى عبد الرؤوف جبر

                 تتخذ العلاقة بين الشكل والمضمون صورا مختلفة، سواء في الأدب أو السلوك أو ماديات الحياة أو غير ذلك. ولقد أكثر النقاد العرب قديما وحديثا من الحديث عن الشكل والمضمون والعلاقة بينهما، ومنهم من قسم الشعر إلى أربعة أصناف، تبعا لحسن اللفظ أو رداءته من جانب، وحسن المعنى أو سوءه من جانب آخر، وما اللفظ والمعنى إلا للفظين يرادفان الشكل والمضمون.

                ولئن كانت هناك ألفاظ \"جميلة حسنة\" تحمل معاني سيئة، وألفاظ \"سيئة\" غير سلسة، تحمل معاني جميلة حسنة، فإن هناك عبارات ونصوصا من هذا القبيل .. كما أن هناك مواد وأعمالا ومنشآت للعلاقة بين الشكل والمضمون لها دور كبير في توجيه مسارها وطول عمرها وجدواها.

                والشكل والمضمون من الإنسان هما ظاهره وباطنه، فكم من امرئ تراه فيعجبك جسمه ورسمه، ولكنك ما أن تختبره حتى تتبين أنه طبل أجوف، وربما رأيته أشعث أغبر، أو نحيفا فتزدريه وتمقته، ولكن ما إن تجربه حتى تجده فارسا صنديدا، تماما مثل ما قال الشاعر قديما:

    ترى الرجل النحيف فتزدريه                            وفي أثوابه أسد هصور
                وقد تراها فيعجبك منظرها وجمالها، فلا تنقب عن سيرتها حتى تكتشف أنها خضراء دمنة، وشجرة شيطان.

                ولما كان الناس في زماننا هذا يؤثرون الشكل على المضمون، فقد توسعوا في استخدام الألوان، ولا سيما الذهبي منها والفضي، وقد يكون حديدا مطليا بصبغ ذهبي، ولكنهم يشترونه لذلك.. ويعجبون به، وقد تراه جهازا فخما ضخما، ولكن ما فيه صغير الحجم والمفعول، أو \"دولابا\" إيطاليا جميلا حسن المنظر، ولكنه لا يدوم إلا قليلا، لأن خشبه مضغوط من النشارة، وربما كان ثوبا في محل أزياء أتقن وشيه وتنميقه، بينما نسيجه رديء سداه ولحمته، ولكن النساء يقبلن عليه، فلا ترتديه إحداهن إلا مرة أو مرتين حتى يخلولق أو يخرج عن الحال التي رأته عليها. وكم هي الأشياء التي تنطبق عليها مفارقات العلاقة بين الشكل والمضمون .. كبعض العمارات التي ما إن تقوم حتى تنقض على رؤوس ساكنيها .. إن لم تنقض قبل أن تسكن.

                إن المضمون هو الذي ينبغي أن يراعى عند الحكم على الأشياء قبل الشكل، ومن هنا قيل في الرجال إنهم محاضر ومخابر وليسوا مناظر. ذلك أن مضمون الشيء هو جوهره ولبه .. وما الشكل إلا القشرة، وما هذا بمقلل من شأنه. فالبذور والفواكه نرمي بقشرها ونأكل لبها، ومح البيضة شتان ما بينه وبين قشرتها، وجذور الشجرة أهم من أوراقها، أما ترون كثيرا من الأشجار تتعرى نحوا من نصف عام؟

                إن بواطن الأمور هي الأساس، وما الظاهر إلا مرآة ينعكس عليها حال الباطن .. تماما كما يقول الأطباء في العين إنها مرآة الجسم .. وتماما كما يدل النفط حول الفم على الحم الباطني ووخم في المعدة .. وكم هو مخطئ ذلك الطبيب الذي يعالج النفط علاجا موضعيا دون أن يمتد بعلاجه إلى المعدة.

    فهل نوجه الاهتمام إلى \"جوهر\" أبنائنا أكثر من أشكالهم وأبدانهم، مع عدم الإخلال بمقولة إن العقل السليم في الجسم السليم؟ وهل ننفذ بأبصارنا أشكال الأشياء وظواهرها إلى مضامينها وبواطنها عند الحكم عليها .. إن هذا العمل يقترب بأحكامنا من الصواب، بل يمكننا من إدراكه.

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me