An-Najah National University

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber

موضوعات النصوص المدرجة شتى،لم أدرج نصوصا لقدمها ولا احتفظ منها بنسخة إلكترونية، ولمن يخالفني الرأي أن يحاورني قبل أن يحكم علي، فلعلي غيرت

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Monday, February 2, 2009
  • روح المقاومة الفلسطينية تتناسخ في الأدب اللاتيني
  • Published at:Not Found
  •  

    روح المقاومة الفلسطينية تتناسخ في الأدب اللاتيني

    أ.د.يحيى جبر   وعبير حمد

    مدخل:

    كانت العلاقات العربية الإسبانية، وما تزال، تعكس تناغما بين الشعبين في كثير من مناحي الحياة، ولا شك في أن ذلك يعود بجذوره إلى الحقبة التي أقامها العرب في شبه جزيرة إيبرية، بغض النظر عن الطريقة التي أخرج بها العرب من هناك، لأن التفاعل الحضاري بين الأمم يتجاوز الأحداث مهما كانت دامية.

    ومن إسبانيا انتقلت "العدوى" إلى أمريكا اللاتينية، بما أصبحت تمثّله من امتداد لإسبانيا؛ لغويا وحضاريا ونفوذا، وتجددت هذه العلاقة في العصر الحديث انطلاقا من بابين؛ الأول، وهو يتمثل في هجرة أعداد كبيرة من العرب إلى أمريكا اللاتينية هربا من تعسف الحكومة التركية، وهم الذين عرفوا في تلك القارة باسم "توركو"، ثم توالت الهجرات من بعد، لا سيما عام 1948م، في أعقاب النكبة. والثاني؛ ما يمكن أن يستشف من التحاق بعض الفلسطينيين بصفوف " الجيش الأممي" الذي تشكل في إسبانيا لمواجهة قوات الجنرال فرانكو الفاشية(1)، وفي مقدمة هؤلاء نجاتي صدقي ( 1905_1979) الذي كتب وهو في الخطوط الأمامية؛ في قرطبة يقول: حقا ليس هناك ما يدعو لاستثناء العرب من التطوع، أو لسنا نحن أيضا طلاب حرية وديمقراطية؟....، وهلا يؤدي تغلّب القوى الشعبية الديموقراطية الإسبانية على القوى الإيطالية الفاشستية إلى إنقاذ طرابلس الغرب العربية من براثن الطاغية موسيليني؟... وهلا يؤدي انتصار الثوّار الإسبان على المستعمرين الألمان والطليان إلى رجحان كفة الديمقراطيين أنصار الشعوب المظلومة في كل أنحاء العالم؟".(2

    ففكرة الكفاح الأممي التي وجدناها عند بعض الثوار من أمريكا اللاتينية، مثل تشي جيفارا، وفيدل كاسترو لم تكن جديدة، إذ سبق إليها مناضلون بينهم فلسطينيون من وقت مبكر؛ حيث نجد أن الفوارق العرقية لم تحل دون الوحدة الثورية في وجه البغي الاستعماري، يقول نجاتي صدقي مبديا إعجابه بالشعب الإسباني:" أي روح وثابة هذه؟ وأي نظام وثقافة يظهرهما هذا الشعب، عفوا، دون سابق تدريب واستعداد! إن شعبا هذه صفاته، لن يُغلب على أمره حتى لو تآلبت عليه كل القوى الفاشستية الآثمة الغاشمة"(3) حتى لكأنّا به إسباني الهوى والدم. وقد بلغ من تحمسه للإسبان، في معرض حديثه عن الغانية الإسبانية " كارمن " التي كانت مقربة من الإقطاعيين: " أما إسبانيا الحقيقية فهي هذه... الفتاة الإسبانية، عضو المليشيا، عنوان التقدم والمدنية" (4) وليس كارمن. وقد توّج نجاتي صدقي حضوره في إسبانيا بترجمة بعض القصص التي نشرتها دار بيروت للطباعة والنشر، عام 1953، بعنوان " قصص مختارة من الأدب الإسباني".

    وقد يكون مؤشرا إيجابيا أن نضيف أن الاضطهاد والمعاناة اللذين تعرض لهما الشعب الفلسطيني، وما يزال، والشعب الإسباني وشعوب أمريكا اللاتينية في النصف الأول من القرن الماضي شكّلا قاسما مشتركا بين هذه الشعوب، أسهم في صياغة العقلية التي تنطلق منها، مما كان له دور بالغ في التناغم بين توجهاتها الثورية والتحررية.

     

    في العصر الحاضر:

    تمتاز العلاقات العربية الإسبانية بدفء ومشاعر حميمة؛ ففي عام 1898، بعد حرب كوبا التي نشبت بين إسبانيا والولايات المتحدة، العام الذي ولد فيه لوركا، أصيب الإسبان بصدمة علي أثر الهزيمة، فأخذت إسبانيا تبحث عن هويتها القومية، فظهر اتجاهان: اتجاه أوروبي يقول بالعودة إلي هوية إسبانيا الأوروبية واتجاه عربي يستند إلى عوامل ثقافية وتاريخية ويقول بالرجوع إلي الجذور العربية الإسبانية بالاقتراب من العالم العربي، وقد مثل الاتجاه الأوروبي الشاعر انطونيو ماتشادو، ثم ظهر جيل لوركا المسمى جيل شعراء السابع والعشرين وأبرزهم: لوركا، إلبرتي، خورخة غيين، ألونسو، دييغو،  وذلك علي أثر مهرجان غونغورا؛ الشاعر القرطبي الذي عاش في القرن السابع عشر(5).

    أما على الصعيد الفلسطيني فقد تعمقت العلاقة ابتداء من أواسط القرن الماضي؛ إذ وقفت إسبانيا من القضية الفلسطينية وقفة حازمة، لولا ما كان يشوبها في بعض الأحيان من فتور جراء انسياق بعض الحكومات وراء السياسة الأمريكية. ولكن، بوجه عام، نستطيع أن نقول إن العلاقات كانت وما تزال إيجابية.

     

    ومما أسهم في تعضيد هذه العلاقات وتوسيع آفاقها علماء فلسطينيون عملوا في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وكانت لهم جهود عظيمة في تعريف شعوب تلك البلدان بالقضية الفلسطينية وأدب المقاومة الذي كان له صدى واسع في كثير من الحركات التحررية في العالم، وفي مقدمة هؤلاء محمد عبد الله الجعيدي، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة مدريد، ومحمود صبح  اللذين أغنيا المكتبتين العربية واللاتينية بالعمال المترجمة والدراسات الأدبية والنقدية.

     

     

    ترجمة أدب المقاومة إلى الإسبانية:

    لقد أسهمت الأعمال الفلسطينية المترجمة إلى الإسبانية في تعريف الإسبان وشعوب أمريكا اللاتينية بالقضية الفلسطينية، وخلقت جوا مفعما بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني المظلوم مما ظهر جليا في الشعر الإسباني ولدى شعراء أمريكا اللاتينية.

    ومن المظاهر التي رصدناها في هذا المجال، أن هناك عدة مدن إسبانية وأمريكية لاتينية، شهدت ترجمة بعض الأعمال الأدبية الفلسطينية ابتداء من عام 1965، بعد إنشاء منظمة التحرير. وهذه المدن هي(6): 

    ·   مدريد، العاصمة الإسبانية، وكان أول ما ترجم فيها عام 1965 " أقاصيص عربية " لنجاتي صدقي، ترجمها بدرو مارتينيث مونتابث، و" أقاصيص عربية من القرن العشرين" من بينها أقصوصة لسميرة عزام، وقد نقلتها للإسبانية مارية روسا مدارياغا، ونشرهما المعهد الإسباني العربي للثقافة. ثم توالت الترجمات من بعد بوتيرة متصاعدة، لاسيما في أعقاب معركة الكرامة وما أذكته في المنطقة والعالم من روح الثورة، وبعد الأحداث الدامية التي توالت من بعد في أيلول 1970 وفي أحراش جرش، وتصاعد حركة المقاومة الفلسطينية بوجه عام، فترجمت بعض الأعمال لأبي سلمى، ومحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغسان كنفاني ومحمود صبح وسليم جبران ومحمود قدري وتوفيق زياد وإيميل حبيبي وغيرهم.

    ·    بمبلونة، إسبانيا، حيث ترجمت كرمن بايي سيمون رواية " رجال في الشمس " لغسان كنفاني أيضا،ونشرتها دار بامبيلا للنشر سنة 1992م.

    ·   برشلونة، إسبانيا، وفيها نشرت دار موشنك للنشر ترجمة ليونور مارتينيث ل" الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" لإيميل حبيبي، سنة 1990م.

    ·   هافانا، عاصمة كوبا، وكان أول عمل ترجم فيها إلى الإسبانية كتاب " الشعر الفلسطيني المقاوم" وهو مختارات شعرية ترجمها إلى الفرنسية عبد اللطيف اللعبي، وعن الترجمة الفرنسية ترجمتها إلى الإسبانية كرمن سوارت، وصدرت عن دار الفن والآداب للطباعة والنشر في هافانا سنة 1976م. "رجال في الشمس " لغسان كنفاني، ترجمته ماريه روسا مدارياغا، ونشرته دار الأدب والفن بهافانا سنة 1989م. وأعادت نشره في مدريد مضافا إليه ترجمة أم سعد، دار ليبرتارياس سنة 1991م.   

    ·   بيونس آيريس، عاصمة الأرجنتين، إذ أعد المنصوري رواية غسان كنفاني  "عائد إلى حيفا" للمسرح باللغة الإسبانية، ونشرت في مجلة شؤون عربية، العدد 24، ص ص 12-24، وذلك سنة 1988م.

    ·   المكسيك، وظهرت فيها ترجمة أدريان سنغيني لرواية غسان كنفاني "أم سعد" وذلك في العدد 14 من مجلة آسيا وإفريقيا، سنة 1979م.

    ومن أشهر المترجمين من العربية للإسبانية مارية روسا، ومارية خيسوس، وليونور مارتنيث، وكرمن بايي سيمون، وبدر مارتينيث، وأدريان سنغيني، وخوسي مارين، وكرمن سوارت. ومن المترجمين العرب نذكر محمد عبد الله الجعيدي المشهور بأدائه ودوره الفعال في أوساط المثقفين الإسبان، بل لعله أغزر المراجع معرفة بالتفاعل الثقافي العربي الإسباني في العصر الحديث، ومحمد صبح المعروف بأعماله في هذا السياق، وف. ل. المنصوري، وكاظم جهاد وغيرهم.

    تناسخ روح المقاومة في الشعر اللاتيني

    وجد بعض أدباء الإسبانية في مقاومة الشعب الفلسطيني والأدب الذي واكبها _ مصدر إلهام وموضوعا خصبا لأعمالهم الأدبية، فهذا هو الشاعر الإسباني خابير بيّان يطّلع عام 1969على مختارات مترجمة إلى الإسبانية من شعر المقاومة في فلسطين المحتلة، فيُعجب بقيمته الفنية العالية، وبالتزام شعرائه بقضية شعبهم، مما لاقى هوىً في نفسه، فحاول اقتفاء أثر المعاني النضالية السامية لهذا الشعر، فتمثل صدى ذلك في "أمثال فلسطينية"، وهو العمل الفني الذي نجح في إسقاط صورة فلسطين الدامية، مع وجود طوابع خاصة لهذه المأساة، على واقع قشتالة / إسبانيا التي وُلدت فيها كلمات الشاعر ودموعه. ومن هنا كان هذا الشاعر في مقدمة الشعراء الإسبان المعروفين بتأييدهم للقضية الفلسطينية.

     ولو استعرضنا قصيدته، التي عنوانها" إلى شعراء المقاومة الفلسطينية" لوجدنا أن نَفَس الشاعر لا يختلف عن نَفَس الشعراء العرب في تفاعلهم الإيجابي مع القضية الفلسطينية،بل لقد ذهب الشاعر إلى ما هو أبعد فراح يخاطب أدباء فلسطين، ويحلق في رحاب الأدب المقاوم كأنه يعيش المقاومة فعلا، يقول:

    يا درويش وفدوى طوقان

    يا جبران وزياد والقاسم

    من أجل فلسطين تبكون

    وسيل الدموع يخصب الضمائر ويرفع البيادق

    الاستعارات ثائرة وقواعد النحو ساخطة

    تزجر الغازي اللئيم وتلعنه

    بيت القصيد ليس حساما أو قذيفة أو رصاصة

    هو بيت قصيد وضمير مثقل

    بين حقول الزيتون المسمدة بالبارود

    من صوتكم يقصف رعدنا الساهد

    أفواه تنزف الدم كسيل التيار

    طير يحلق وبمنقاره غصن الزيتون وبقبضته بندقية،

    وتحت الأجنحة قنبلة

    أيتها القرى .. أيتها المدن

    إيه أيتها الأرض السليبة

    إيه يا سكان أقطاب المعمورة الأربعة

    حيث الحرية مهزلة بلا عقاب

    والحِمَى نهب غزوات البرابرة

    والفزع المرعب يملأ المنازلَ والابتساماتِ

    والكلماتِ والعيونَ والأيدي

    حيث تغذي المسغبةُ مستودع العظام وتملأ السجون

    يا درويشَ وفدوى طوقان

    يا جبرانَ وزياد والقاسم

    تبكون فلسطين ومن أجلها تناضلون

    من أجلها تستشهدون،

    وفي شعبكم  تحدبون على جراح الإنسان المنفي في هذا العالم

    واحدةٌ هي الراية ..

    وجماعيٌّ هو الغضب

    أيها الشعراء الفلسطينيون،

    يا شعراء الأرض يا أصحاب البؤس القاتل والعذاب

    فلتنتصبِ الأقلامُ

    ولتزغردِ البنادق

    فالنصرُ آتٍ في الوقت المناسب.

            فهذه الأبيات تفوح بالروح الفلسطينية، حتى لكأنها إنتاج محلي أو عربي، مما جعل محمد الجعيدي يشبه قائلها؛ خابير بيان، بنزار قباني في قصيدته " إلى شعراء الأرض المحتلة"(7).

            لقد تجاوز حضور الأدب الفلسطيني المقاوم في الأدب الإسباني وآداب أمريكا اللاتينية حدود المألوف في هذا المجال، إذ بادرت جامعة مدريد وجامعة سلمنكة، بالتعاون مع ((اللجنة الدولية لحقوق اللغات والحوار)) إلى تنظيم يوميات ثقافية بين يومي 9 و11 آذار/مارس، عام 2005 حول هذا الموضوع تحت عنوان: فلسطين في الأدب الإسباني(8).

     

    ومما يوحي بمتانة العلاقة بين الدبين العربي الفلسطيني والإسباني، ومدى تأثر أدباء الإسبانية  بروح المقاومة التي تشيع في أعامل الأدباء الفلسطينيين أن القائمين على  تنظيم تلك اليوميات خصصوا اليوم الثاني لمناقشة مدى حضور فلسطين في الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني المعاصر، "وشارك في أنشطة ذلك اليوم شعراء وأدباء من ضفتي المحيط مثل كارلوس ألباريث وخابير بيّان واخواكين بينيتو دي لوكاس وسريخيو ماثيّاس؛ تحدثوا تحت عنوان ((أنا وفلسطين)) عن تجربتهم الأدبية في تلقيهم للموضوع الفلسطيني، وعن خبايا تجربتهم في هذا المضمار وما تعنيه لهم فلسطين كشعراء مقاومة واجهوا الطغيان والظلم في بلادهم التي تحررت من الظلم وفلسطين لا تزال على الطريق، من هنا قرأ بعضهم بحرارة بعض ما كتبه عن فلسطين".


           و"تحدث الشاعر الإسباني كارلوس ألباريث عن تجربته الشعرية في استلهام العنصر الفلسطيني في عمله الإبداعي والأسباب التي كمنت وراء ذلك، وقد لخصها هو نفسه في مظلومية الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه وتنكّر العالم له ولحقوقه، مؤكداً أن فلسطين ستعود يوماً إلى أهلها وشعبها ومحيطها وقرأ قصائد كتبها خصيصاً لفلسطين".

    كما "تحدث الشاعر التشيلي سيرخيو ماثيّاس عن تجربته الشعرية عن فلسطين وتجربته الحياتية مع الفلسطينيين المقيمين في المنفى التشيلي، وركز في حديثه على الحق الفلسطيني في العودة إلى وطنه وفي مقاومة الاحتلال، مستلهماً في ذلك نضاله ضد الدكتاتورية في بلاده والهيمنة الأمريكية يوم كان شاباً يشارك في الحياة السياسية والنضالية"(9).

    لقد أغرت هذه الحقيقة محمد الجعيدي بتأليف كتابه القيم " فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" الذي استعرض فيه مظاهرها المختلفة، ولا سيما روح المقاومة التي تتجلى في الأدب الفلسطيني المعاصر، وخصوصا عند شعراء كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان.

    ويعقب رشاد أبو شاور على هذه الحقيقة الناصعة، التي توحي بدلالات شتى، فيقول: "فلسطين حاضرة في الأدب الإسباني، في الشعر تحديداً، وهل أجدر من الشعر في حمل قضايا الحريّة النبيلة ؟ كنت وأنا أتمشى في أروقة الجامعة أرى بين وقت وآخر بنتاً، أو فتى، وقد لفّت الكوفيّة المرقطّة حول العنق، كوفية عبد القادر الحسيني التي استشهد وهو يلف بها رأسه، كوفيّة الفدائي الفلسطيني من بعد، رمز فلسطين المقاومة المنتفضة .
    هل بهت حضور فلسطين؟ بعض الشيء، والسبب عندي أن دهاليز ( أوسلو) وما بعدها قد ألحقت بقضيتنا أفدح الأضرار..."(10).

     

    وعندما نستعرض الأصول المترجمة للإسبانية فإن ذلك لا يعني أنها لم تنتشر إلا في البلدان التي نشرت فيها، فشبه جزيرة إيبرية وأمريكا اللاتينية من المكسيك وكوبا وما يعرف بأمريكا الوسطى شمالا، إلى تشيلي جنوبا _ تعتبر موطن الأدب الإسباني (الهسباني)، فهذه المنطقة الواسعة أشبه بالوطن العربي بالنسبة للغة العربية، والتأثر بالأعمال الفلسطينية المترجمة لم ينحصر في الحواضر التي ذكرناها آنفا، ولكنه تعداها إلى كل بلدان أمريكا اللاتينية.

    ونذكّر هنا بأن من أدباء الإسبانية من يعود بأصله إلى فلسطين أو بلاد الشام أو غيرها من البلاد العربية، مما أسهم في اتساع مدى الظاهرة، وعمّق آثارها؛ كالشاعر التشيلي محفوظ مصيص وإدواردو متري وماتياس الرافيدي وتيودورو السقا الذين وصفهم محمد عبد الله الجعيدي في كتابه "فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" بأنهم "أقانيم في منافي المحيط الهادئ، شدتهم الأشواق، وتجاذبتهم الأعراق، فأرسلوا الجذور تسعى، إلى وطن يحتضن رفاة الأجداد في ثرى بيت المقدس ويافا، وبيت لحم وعكا، ونابلس وبيت جالا وجنين، وغزة والخليل"(11).

    ويضيف الجعيدي إلى هؤلاء الشعراء ثلاثة عشر شاعرا لاتينيا غنوا لفلسطين القضية والإنسان والثورة، وهم: كارلوس الباريث وخابير بيان وأنطونيو مورينو وخوليو بيليث وخواكين بينيتو وميغل تشوليَّا وداسو سالديبار وخوليو اُواسي وبدرو تشاكمكيان وخوليو كورتيس وسيرخيو ماثياس وديوميدس داثا وبدرو غودينيث، ويصفهم بأنهم " مسحاء اصطلت قلوبهم في مواطنها ومنافيها، بنار العدوان والغزو والهيمنة الأجنبية، فتحسسوها، ليجدوا فلسطين وأكنافها تتجلّى فيها على عرش من التضامن والإكبار. أقانيم هم ومسحاء، من إسبانيا وكولمبيا والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا وكوبا. وفلسطين: الأرض والقضية والشعب والهوية، هي القاسم الإنساني والأخلاقي والحقوقي المشترك، سبعة عشر شاعراً هم، والوجع الإنساني ثامنُهم بعد العشرة؛ واحدٌ هُمْ وتحرير الأوطان والإنسان رسالتُهم ".

             ثم يتحدث عن إبداعاتهم ويصفها بأنها "قصائد من نياط القلب اقتطعوها منطقاً ورؤيةً، لتغتسل بتناصية فاعلة خلاَّقة، في أجباب الشرق العربي وأنهاره، وتتضمخ بعطوره وبخوره، وتنادم لياليه، بأهِلّتها وبدورها، وسكونها وسحرها. أشعار تستدعي، بصدقها وتوهجها، تاريخ شرقنا العربي الإسلامي وحضارته، وترفع بيارق انتصاراته، وتضمد بكبرياء جراحاته. سِيَر إنسانية مشرقة تقدَّم، ونصوص مقاومة تُدرس وتُتَرجم، لتحمل لنا نبض الإنسان في عروق الإنسان، مهما تناءى المكان عن المكان"(12). 

    ويبدو أن انتشار الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية، وتنامي المد الثوري الفلسطيني في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والمعاناة التي عاشتها شعوب القارة اللاتينية، كل ذلك أدى إلى كثير من التماهي  والتفاعل الشعوري بين شعوب تلك القارة والقضية الفلسطينية، لذلك نجد أدباءهم يتحدثون عن القضية الفلسطينية وكأنها قضيتهم. يقول الشاعر الكولومبي داسيوس داثا:

    "شُرِّدوا من أوطانهم

    فنذروا أنفسهم فدائيين فلسطينيين"

    "فالواقع الداني الذي تعيشه القارة الصابرة في ظل الاستغلال الاستعماري والتخريب الصهيوني جعلها ترتبط جرحا وهدفا بفلسطين"(13).

     

    ويقول أنطونيو مورينو، شاعر العذاب الإسباني في قصيدته أغنية إلى فلسطين:

    هدّئي من روعك يا أم الشعوب

    يا فلسطين الحبيبة

    لإلى الأمام صفا واحدا

    أيها الفدائيون الرفاق

    إلى الأمام والنصر لنا

    شعوبنا سحقت

    آباء وأصدقاء لنا قد استشهدوا

    النضال قدرنا جميعا

    سنقاتل حتى آخر رجل

    وحّدي الراية أيتها الشعوب

    ضد المعتدي الشرير

    وطن أثخنته الجراح

    حرب فحرب وحرب هو حصادنا

    في كل شبر وفرسخ

     

    وفي مقابلة مع محمد عبد الله الجعيدي نشرتها مجلة فلسطين المسلمة، سئل عن التقارب بين التجربتين الإنسانيتين في أمريكا اللاتينية وفلسطين، قال: ثمة تقارب في التجربة الإنسانية المقاومة، وربما في هذا السياق حضرت القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين بوضوح في شعر المقاومة الأمريكي اللاتيني المعاصر، كما حضرت قضايا التحرر في أمريكا اللاتينية في شعر المقاومة العربي وبخاصة الثورة الكوبية....ومأساة فلسطين هي أفظع جريمة اقترفت في حق الإنسانية بكل المقاييس، ومن هنا يتأتى حضورها عند كل إنسان يحس بقيم الحق والخير والجمال، ومن هنا أيضاً كان حضور فلسطين قوياً في أشعار أولئك الشعراء الذين عاشوا الظلم والقهر في لحمهم النيء وشردوا من أوطانهم بسبب مواقفهم الإنسانية وتمسكهم بالإنسان قيمة لا يمكن مقايضتها أو التخلي عنها. فخذ على سبيل المثال ما يقوله الشاعر الأرجنتيني خوليو أُواسي:

    إما أن يكون للفلسطينيين وطنهم
    أو لا يكون هناك وطن لأيِّ كان


    من هنا جاءت فلسطين في أشعار شعراء هسبان مثل كارلوس ألباريث وخابير بيان وخوليو بيليث وداسو سالديبار وديموديس داثا وبدرو غودينيث وغيرهم تصرخ في وجه القتلة والغاصبين: أن ردّوا الحقوق لأصحابها قبل فوات الأوان صاغرين!"(14). ولو استعرضنا قصيدة الشاعر الكولومبي داسو سالديبار، "وحوش الألم" لوجدناها تفيض بالتفاعلات الجياشة مع معاناة الشعب الفلسطيني؛ حتى لكأن الشعبين قد وحدتهما المعاناة والثورة، يقول(15):

    لست أنا القاتل

    إنها هي، إنها البهيمة التي تنقرض

    على رأس القرون

    لكن يا ويلتاه!

    فقد راح هذا العرف

    في صلب الزمن يدب

    حتى يتوقف في بوليفيا وفلسطين الدامية

    من كروم التين والبرتقال الحزين

    انطلق عند الغروب صوت

    كان ينتظر الأوامر:

    اقتل الفدائي

    اقتله عند منعطف حريتنا وعطِّر الحجة

    ..........

    بهيمة الشمال

    كانت في حرش من أحراش بوليفيا

    وما زالت في بيارة برتقال من بيارات فلسطين

    تقدس خمبابا*

    فهذه السطور وغيرها كثير على شاكلتها، تعبر بوضوح تام عن حال من التوحد بين الأدبين اللاتيني والفلسطيني في سياق ما تمليه الأحداث والمعاناة التي يتلظّى بها الشعب الفلسطيني وشعوب أمريكا اللاتينية، وفي قصيدته "أسوار القدس" يقول الشاعر الطليطلي خواكين دي لوكاس:

    وراح الناس أيضا بين

    أشجار الزيتون يهزجون

    على أبواب هذه المدينة أقف

    وحيدا رهين الريح والبشر والذكريات والأطفال

    كما لو كنت بين بيت لحم

    وأريحا تائها أجهش بالبكاء

    ففي هذه السطور يبدي الشاعر تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، وحرقته ما تتعرض له مدينة السلام "القدس" من تهويد وتهديد يطالان معالمها وأهلها والأماكن المقدسة. وفي قصيدة" فلسطينيون، إلى ليلى وخالد" يقول الشاعر الأرجنتيني خوليو هواسي:

    جذورهم الجسدية

    في الهواء تصرخ بسماء من النابالم

    قطيع من ذئاب حمر

    تلتهم خراف الوطن العتيق السماوية

    تركل رماد الموقد

    الأطفال كشظية خشب مشبعة بالراتينج بين أيدينا يحترقون

    .........

    يا رب هذا الحي الكوكبي

    إله عيسى وموسى ومحمد

    استجب من عليائك

    * خمبابا كناية عن الروح الشريرة التي قتلها جلجامش.

     

    فهذه الأبيات تكشف مدى العذاب الذي يلاقيه الفلسطينيون على أيدي المحتلين، الذين يمارسون أشد أنواع الفتك والدمار، ويستخدمون ضدهم القنابل المحرمة دوليا؛ مما حرّك مشاعر هذا الأديب، فرفع عقيرته منشدا يبوح بما يعانيه تعاطفا مع المظلومين.

    ونختتم هذه الدراسة بأسطر للفنان الأرجنتيني ألبيرتو كورتيس من نص له بعنوان" البحث عن شمس صبرا وشاتيلا" يقول فيه:

     أين كانت الشمس عندما

    دقت أصداء الغيظ منطلقة من عقالها؟

    فهل أطفأتها الأشباح في صبرا وشاتيلا؟

    في صبرا وشاتيلا أين كرامة الإنسان؟

    فهل يصبح النفاق قدرنا؟

    لماذا فقد كل هذا العذاب معناه

    في صبرا وشاتيلا؟

    أين كنتُ يا صديقي العزيز دون أن يؤنبني ضميري؟

    فهذه الأبيات توضح مدى التفاعل الشعوري بين الشعبين، وأن روح الثورة على الظلم لا تعرف هوية ولا انتسابا لمكان بعينه، بل تستشري في كل مكان يكون فيه قابيل، وغاصب  ومستكبر أو محتل. ومن هنا فقد سرت في الأدب الهسباني روح المقاومة استجابة للممارسات الظالمة التي استبدت بالشعب الفلسطيني وشعوب القارة اللاتينية، والشعب الإسباني ذات يوم، ووجدت هذه الشعوب في نضالاتها وآدابها ما يترجم أحوالها ومعاناتها.

    إن روح المثاقفة التي يشهدها الأدبان العربي الفلسطيني والهسباني في العصر الحديث تمثل تواصلا حضاريا لما توالى عبر القرون من علاقات متبادلة بين الشعبين العربي والإسباني وامتداتهما في أمريكا اللاتينية، إذ أن كثيرا من العرب انتقلوا مع الإسبان إلى تلك القارة في القرنين الخامس والسادس عشر، ومن بعد إبان العهد التركي، وحديثا بانتقال نجاتي صدقي ورفاقه وبعض المغاربة مناضلين في الجيش الأممي الذي هب لنجدة الشعب الإسباني أوائل القرن الماضي، ثم ما كان من هجرة أعداد كبيرة من الفلسطينيين بعد النكبة واحتلال فلسطين على أيدي الغزاة الإسرائيليين مدعومين بالاستكبار العالمي ممثلا ببريطانيا، ومن بعد بالولايات المتحدة الأمريكية؛ ناهيك عن ما كرّسه الأكاديميون والأدباء من تواصل بين الطرفين وطدوا به ما كان من قبل، وعملوا على تركيزه وبلغوا به آفاقا جديدة.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    الهوامش والمصادر:

    1.  منى أسعد، نجاتي صدقي، الموسوعة التربوية الفلسطينية، 29ن1، تصدر بإشراف أ.د. يحيى جبر، نابلس،1995، ص8.

    2.  نجاتي صدقي، مذكرات عربي ناضل في الجيش الأممي، الطليعة، بيروت، تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، ص 793_801.

    3.     المصدر السابق نفسه.

    4.      يعقوب العودات (البدوي الملثم)، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، عمان، 1976، ص353،354.

    5.     موضوعات عربية في شعر الأندلس (2 ـ2) ـ لوركا..قصائد بألوان شرقية شاحبة ـ عز الدين المناصرة.

    http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/0118/698a.htm

    6.  المصدر الذي استقينا منه المعلومات التالية هو مصادر الأدب الفلسطيني الحديث لمحمد عبد الله الجعيدي، طبعة مزيدة ومنقحة، منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، قلقيلية 1997، ص ص147-167.

    7.  خابير بِيَّان، أمثالٌ فلسطينية، ترجمة محمد عبد الله الجعيدي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة "المشروع القومي للترجمة"، العدد 313، القاهرة 2006م) عن أحمد فضل شبلول٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧، في موقع: http://www.diwanalarab.com/spip.php?article7269 بتصرّف.

    8.     عائشة أبو صلاح، مجلة فلسطين المسلمة، العدد الصادر في مايو / أيار 2005.

    9.     المصدر السابق نفسه.

    10.رشاد أبو شاور، رحلة إلى أندلثيا
    http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=29874.

    11.نقلا عن عائشة أبو صلاح في الموقع الإلكتروني: http://www.thaqafa.org/Main/default....OTkK9ZDmkCg%3d .

    12.المصدر السابق نفسه.

    13. المركز الفلسطيني للإعلام، كتب وإصدارات: الموقع الإلكتروني  -info.info www.palestine

    14.http://aklaam.net/forum/showthread.php?t=9576

    15.النصوص الشعرية مستقاة من مقدمة كتاب محمد الجعيدي "فلسطين في الأدب الهسباني المعاصر، نقلا عن  -info.info www.palestine

     

    روح المقاومة الفلسطينية تتناسخ في الأدب اللاتيني

    أ.د.يحيى جبر   وعبير حمد

    مدخل:

    كانت العلاقات العربية الإسبانية، وما تزال، تعكس تناغما بين الشعبين في كثير من مناحي الحياة، ولا شك في أن ذلك يعود بجذوره إلى الحقبة التي أقامها العرب في شبه جزيرة إيبرية، بغض النظر عن الطريقة التي أخرج بها العرب من هناك، لأن التفاعل الحضاري بين الأمم يتجاوز الأحداث مهما كانت دامية.

    ومن إسبانيا انتقلت "العدوى" إلى أمريكا اللاتينية، بما أصبحت تمثّله من امتداد لإسبانيا؛ لغويا وحضاريا ونفوذا، وتجددت هذه العلاقة في العصر الحديث انطلاقا من بابين؛ الأول، وهو يتمثل في هجرة أعداد كبيرة من العرب إلى أمريكا اللاتينية هربا من تعسف الحكومة التركية، وهم الذين عرفوا في تلك القارة باسم "توركو"، ثم توالت الهجرات من بعد، لا سيما عام 1948م، في أعقاب النكبة. والثاني؛ ما يمكن أن يستشف من التحاق بعض الفلسطينيين بصفوف " الجيش الأممي" الذي تشكل في إسبانيا لمواجهة قوات الجنرال فرانكو الفاشية(1)، وفي مقدمة هؤلاء نجاتي صدقي ( 1905_1979) الذي كتب وهو في الخطوط الأمامية؛ في قرطبة يقول: حقا ليس هناك ما يدعو لاستثناء العرب من التطوع، أو لسنا نحن أيضا طلاب حرية وديمقراطية؟....، وهلا يؤدي تغلّب القوى الشعبية الديموقراطية الإسبانية على القوى الإيطالية الفاشستية إلى إنقاذ طرابلس الغرب العربية من براثن الطاغية موسيليني؟... وهلا يؤدي انتصار الثوّار الإسبان على المستعمرين الألمان والطليان إلى رجحان كفة الديمقراطيين أنصار الشعوب المظلومة في كل أنحاء العالم؟".(2

    ففكرة الكفاح الأممي التي وجدناها عند بعض الثوار من أمريكا اللاتينية، مثل تشي جيفارا، وفيدل كاسترو لم تكن جديدة، إذ سبق إليها مناضلون بينهم فلسطينيون من وقت مبكر؛ حيث نجد أن الفوارق العرقية لم تحل دون الوحدة الثورية في وجه البغي الاستعماري، يقول نجاتي صدقي مبديا إعجابه بالشعب الإسباني:" أي روح وثابة هذه؟ وأي نظام وثقافة يظهرهما هذا الشعب، عفوا، دون سابق تدريب واستعداد! إن شعبا هذه صفاته، لن يُغلب على أمره حتى لو تآلبت عليه كل القوى الفاشستية الآثمة الغاشمة"(3) حتى لكأنّا به إسباني الهوى والدم. وقد بلغ من تحمسه للإسبان، في معرض حديثه عن الغانية الإسبانية " كارمن " التي كانت مقربة من الإقطاعيين: " أما إسبانيا الحقيقية فهي هذه... الفتاة الإسبانية، عضو المليشيا، عنوان التقدم والمدنية" (4) وليس كارمن. وقد توّج نجاتي صدقي حضوره في إسبانيا بترجمة بعض القصص التي نشرتها دار بيروت للطباعة والنشر، عام 1953، بعنوان " قصص مختارة من الأدب الإسباني".

    وقد يكون مؤشرا إيجابيا أن نضيف أن الاضطهاد والمعاناة اللذين تعرض لهما الشعب الفلسطيني، وما يزال، والشعب الإسباني وشعوب أمريكا اللاتينية في النصف الأول من القرن الماضي شكّلا قاسما مشتركا بين هذه الشعوب، أسهم في صياغة العقلية التي تنطلق منها، مما كان له دور بالغ في التناغم بين توجهاتها الثورية والتحررية.

     

    في العصر الحاضر:

    تمتاز العلاقات العربية الإسبانية بدفء ومشاعر حميمة؛ ففي عام 1898، بعد حرب كوبا التي نشبت بين إسبانيا والولايات المتحدة، العام الذي ولد فيه لوركا، أصيب الإسبان بصدمة علي أثر الهزيمة، فأخذت إسبانيا تبحث عن هويتها القومية، فظهر اتجاهان: اتجاه أوروبي يقول بالعودة إلي هوية إسبانيا الأوروبية واتجاه عربي يستند إلى عوامل ثقافية وتاريخية ويقول بالرجوع إلي الجذور العربية الإسبانية بالاقتراب من العالم العربي، وقد مثل الاتجاه الأوروبي الشاعر انطونيو ماتشادو، ثم ظهر جيل لوركا المسمى جيل شعراء السابع والعشرين وأبرزهم: لوركا، إلبرتي، خورخة غيين، ألونسو، دييغو،  وذلك علي أثر مهرجان غونغورا؛ الشاعر القرطبي الذي عاش في القرن السابع عشر(5).

    أما على الصعيد الفلسطيني فقد تعمقت العلاقة ابتداء من أواسط القرن الماضي؛ إذ وقفت إسبانيا من القضية الفلسطينية وقفة حازمة، لولا ما كان يشوبها في بعض الأحيان من فتور جراء انسياق بعض الحكومات وراء السياسة الأمريكية. ولكن، بوجه عام، نستطيع أن نقول إن العلاقات كانت وما تزال إيجابية.

     

    ومما أسهم في تعضيد هذه العلاقات وتوسيع آفاقها علماء فلسطينيون عملوا في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وكانت لهم جهود عظيمة في تعريف شعوب تلك البلدان بالقضية الفلسطينية وأدب المقاومة الذي كان له صدى واسع في كثير من الحركات التحررية في العالم، وفي مقدمة هؤلاء محمد عبد الله الجعيدي، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة مدريد، ومحمود صبح  اللذين أغنيا المكتبتين العربية واللاتينية بالعمال المترجمة والدراسات الأدبية والنقدية.

     

     

    ترجمة أدب المقاومة إلى الإسبانية:

    لقد أسهمت الأعمال الفلسطينية المترجمة إلى الإسبانية في تعريف الإسبان وشعوب أمريكا اللاتينية بالقضية الفلسطينية، وخلقت جوا مفعما بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني المظلوم مما ظهر جليا في الشعر الإسباني ولدى شعراء أمريكا اللاتينية.

    ومن المظاهر التي رصدناها في هذا المجال، أن هناك عدة مدن إسبانية وأمريكية لاتينية، شهدت ترجمة بعض الأعمال الأدبية الفلسطينية ابتداء من عام 1965، بعد إنشاء منظمة التحرير. وهذه المدن هي(6): 

    ·   مدريد، العاصمة الإسبانية، وكان أول ما ترجم فيها عام 1965 " أقاصيص عربية " لنجاتي صدقي، ترجمها بدرو مارتينيث مونتابث، و" أقاصيص عربية من القرن العشرين" من بينها أقصوصة لسميرة عزام، وقد نقلتها للإسبانية مارية روسا مدارياغا، ونشرهما المعهد الإسباني العربي للثقافة. ثم توالت الترجمات من بعد بوتيرة متصاعدة، لاسيما في أعقاب معركة الكرامة وما أذكته في المنطقة والعالم من روح الثورة، وبعد الأحداث الدامية التي توالت من بعد في أيلول 1970 وفي أحراش جرش، وتصاعد حركة المقاومة الفلسطينية بوجه عام، فترجمت بعض الأعمال لأبي سلمى، ومحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغسان كنفاني ومحمود صبح وسليم جبران ومحمود قدري وتوفيق زياد وإيميل حبيبي وغيرهم.

    ·    بمبلونة، إسبانيا، حيث ترجمت كرمن بايي سيمون رواية " رجال في الشمس " لغسان كنفاني أيضا،ونشرتها دار بامبيلا للنشر سنة 1992م.

    ·   برشلونة، إسبانيا، وفيها نشرت دار موشنك للنشر ترجمة ليونور مارتينيث ل" الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" لإيميل حبيبي، سنة 1990م.

    ·   هافانا، عاصمة كوبا، وكان أول عمل ترجم فيها إلى الإسبانية كتاب " الشعر الفلسطيني المقاوم" وهو مختارات شعرية ترجمها إلى الفرنسية عبد اللطيف اللعبي، وعن الترجمة الفرنسية ترجمتها إلى الإسبانية كرمن سوارت، وصدرت عن دار الفن والآداب للطباعة والنشر في هافانا سنة 1976م. "رجال في الشمس " لغسان كنفاني، ترجمته ماريه روسا مدارياغا، ونشرته دار الأدب والفن بهافانا سنة 1989م. وأعادت نشره في مدريد مضافا إليه ترجمة أم سعد، دار ليبرتارياس سنة 1991م.   

    ·   بيونس آيريس، عاصمة الأرجنتين، إذ أعد المنصوري رواية غسان كنفاني  "عائد إلى حيفا" للمسرح باللغة الإسبانية، ونشرت في مجلة شؤون عربية، العدد 24، ص ص 12-24، وذلك سنة 1988م.

    ·   المكسيك، وظهرت فيها ترجمة أدريان سنغيني لرواية غسان كنفاني "أم سعد" وذلك في العدد 14 من مجلة آسيا وإفريقيا، سنة 1979م.

    ومن أشهر المترجمين من العربية للإسبانية مارية روسا، ومارية خيسوس، وليونور مارتنيث، وكرمن بايي سيمون، وبدر مارتينيث، وأدريان سنغيني، وخوسي مارين، وكرمن سوارت. ومن المترجمين العرب نذكر محمد عبد الله الجعيدي المشهور بأدائه ودوره الفعال في أوساط المثقفين الإسبان، بل لعله أغزر المراجع معرفة بالتفاعل الثقافي العربي الإسباني في العصر الحديث، ومحمد صبح المعروف بأعماله في هذا السياق، وف. ل. المنصوري، وكاظم جهاد وغيرهم.

    تناسخ روح المقاومة في الشعر اللاتيني

    وجد بعض أدباء الإسبانية في مقاومة الشعب الفلسطيني والأدب الذي واكبها _ مصدر إلهام وموضوعا خصبا لأعمالهم الأدبية، فهذا هو الشاعر الإسباني خابير بيّان يطّلع عام 1969على مختارات مترجمة إلى الإسبانية من شعر المقاومة في فلسطين المحتلة، فيُعجب بقيمته الفنية العالية، وبالتزام شعرائه بقضية شعبهم، مما لاقى هوىً في نفسه، فحاول اقتفاء أثر المعاني النضالية السامية لهذا الشعر، فتمثل صدى ذلك في "أمثال فلسطينية"، وهو العمل الفني الذي نجح في إسقاط صورة فلسطين الدامية، مع وجود طوابع خاصة لهذه المأساة، على واقع قشتالة / إسبانيا التي وُلدت فيها كلمات الشاعر ودموعه. ومن هنا كان هذا الشاعر في مقدمة الشعراء الإسبان المعروفين بتأييدهم للقضية الفلسطينية.

     ولو استعرضنا قصيدته، التي عنوانها" إلى شعراء المقاومة الفلسطينية" لوجدنا أن نَفَس الشاعر لا يختلف عن نَفَس الشعراء العرب في تفاعلهم الإيجابي مع القضية الفلسطينية،بل لقد ذهب الشاعر إلى ما هو أبعد فراح يخاطب أدباء فلسطين، ويحلق في رحاب الأدب المقاوم كأنه يعيش المقاومة فعلا، يقول:

    يا درويش وفدوى طوقان

    يا جبران وزياد والقاسم

    من أجل فلسطين تبكون

    وسيل الدموع يخصب الضمائر ويرفع البيادق

    الاستعارات ثائرة وقواعد النحو ساخطة

    تزجر الغازي اللئيم وتلعنه

    بيت القصيد ليس حساما أو قذيفة أو رصاصة

    هو بيت قصيد وضمير مثقل

    بين حقول الزيتون المسمدة بالبارود

    من صوتكم يقصف رعدنا الساهد

    أفواه تنزف الدم كسيل التيار

    طير يحلق وبمنقاره غصن الزيتون وبقبضته بندقية،

    وتحت الأجنحة قنبلة

    أيتها القرى .. أيتها المدن

    إيه أيتها الأرض السليبة

    إيه يا سكان أقطاب المعمورة الأربعة

    حيث الحرية مهزلة بلا عقاب

    والحِمَى نهب غزوات البرابرة

    والفزع المرعب يملأ المنازلَ والابتساماتِ

    والكلماتِ والعيونَ والأيدي

    حيث تغذي المسغبةُ مستودع العظام وتملأ السجون

    يا درويشَ وفدوى طوقان

    يا جبرانَ وزياد والقاسم

    تبكون فلسطين ومن أجلها تناضلون

    من أجلها تستشهدون،

    وفي شعبكم  تحدبون على جراح الإنسان المنفي في هذا العالم

    واحدةٌ هي الراية ..

    وجماعيٌّ هو الغضب

    أيها الشعراء الفلسطينيون،

    يا شعراء الأرض يا أصحاب البؤس القاتل والعذاب

    فلتنتصبِ الأقلامُ

    ولتزغردِ البنادق

    فالنصرُ آتٍ في الوقت المناسب.

            فهذه الأبيات تفوح بالروح الفلسطينية، حتى لكأنها إنتاج محلي أو عربي، مما جعل محمد الجعيدي يشبه قائلها؛ خابير بيان، بنزار قباني في قصيدته " إلى شعراء الأرض المحتلة"(7).

            لقد تجاوز حضور الأدب الفلسطيني المقاوم في الأدب الإسباني وآداب أمريكا اللاتينية حدود المألوف في هذا المجال، إذ بادرت جامعة مدريد وجامعة سلمنكة، بالتعاون مع ((اللجنة الدولية لحقوق اللغات والحوار)) إلى تنظيم يوميات ثقافية بين يومي 9 و11 آذار/مارس، عام 2005 حول هذا الموضوع تحت عنوان: فلسطين في الأدب الإسباني(8).

     

    ومما يوحي بمتانة العلاقة بين الدبين العربي الفلسطيني والإسباني، ومدى تأثر أدباء الإسبانية  بروح المقاومة التي تشيع في أعامل الأدباء الفلسطينيين أن القائمين على  تنظيم تلك اليوميات خصصوا اليوم الثاني لمناقشة مدى حضور فلسطين في الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني المعاصر، "وشارك في أنشطة ذلك اليوم شعراء وأدباء من ضفتي المحيط مثل كارلوس ألباريث وخابير بيّان واخواكين بينيتو دي لوكاس وسريخيو ماثيّاس؛ تحدثوا تحت عنوان ((أنا وفلسطين)) عن تجربتهم الأدبية في تلقيهم للموضوع الفلسطيني، وعن خبايا تجربتهم في هذا المضمار وما تعنيه لهم فلسطين كشعراء مقاومة واجهوا الطغيان والظلم في بلادهم التي تحررت من الظلم وفلسطين لا تزال على الطريق، من هنا قرأ بعضهم بحرارة بعض ما كتبه عن فلسطين".


           و"تحدث الشاعر الإسباني كارلوس ألباريث عن تجربته الشعرية في استلهام العنصر الفلسطيني في عمله الإبداعي والأسباب التي كمنت وراء ذلك، وقد لخصها هو نفسه في مظلومية الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه وتنكّر العالم له ولحقوقه، مؤكداً أن فلسطين ستعود يوماً إلى أهلها وشعبها ومحيطها وقرأ قصائد كتبها خصيصاً لفلسطين".

    كما "تحدث الشاعر التشيلي سيرخيو ماثيّاس عن تجربته الشعرية عن فلسطين وتجربته الحياتية مع الفلسطينيين المقيمين في المنفى التشيلي، وركز في حديثه على الحق الفلسطيني في العودة إلى وطنه وفي مقاومة الاحتلال، مستلهماً في ذلك نضاله ضد الدكتاتورية في بلاده والهيمنة الأمريكية يوم كان شاباً يشارك في الحياة السياسية والنضالية"(9).

    لقد أغرت هذه الحقيقة محمد الجعيدي بتأليف كتابه القيم " فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" الذي استعرض فيه مظاهرها المختلفة، ولا سيما روح المقاومة التي تتجلى في الأدب الفلسطيني المعاصر، وخصوصا عند شعراء كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان.

    ويعقب رشاد أبو شاور على هذه الحقيقة الناصعة، التي توحي بدلالات شتى، فيقول: "فلسطين حاضرة في الأدب الإسباني، في الشعر تحديداً، وهل أجدر من الشعر في حمل قضايا الحريّة النبيلة ؟ كنت وأنا أتمشى في أروقة الجامعة أرى بين وقت وآخر بنتاً، أو فتى، وقد لفّت الكوفيّة المرقطّة حول العنق، كوفية عبد القادر الحسيني التي استشهد وهو يلف بها رأسه، كوفيّة الفدائي الفلسطيني من بعد، رمز فلسطين المقاومة المنتفضة .
    هل بهت حضور فلسطين؟ بعض الشيء، والسبب عندي أن دهاليز ( أوسلو) وما بعدها قد ألحقت بقضيتنا أفدح الأضرار..."(10).

     

    وعندما نستعرض الأصول المترجمة للإسبانية فإن ذلك لا يعني أنها لم تنتشر إلا في البلدان التي نشرت فيها، فشبه جزيرة إيبرية وأمريكا اللاتينية من المكسيك وكوبا وما يعرف بأمريكا الوسطى شمالا، إلى تشيلي جنوبا _ تعتبر موطن الأدب الإسباني (الهسباني)، فهذه المنطقة الواسعة أشبه بالوطن العربي بالنسبة للغة العربية، والتأثر بالأعمال الفلسطينية المترجمة لم ينحصر في الحواضر التي ذكرناها آنفا، ولكنه تعداها إلى كل بلدان أمريكا اللاتينية.

    ونذكّر هنا بأن من أدباء الإسبانية من يعود بأصله إلى فلسطين أو بلاد الشام أو غيرها من البلاد العربية، مما أسهم في اتساع مدى الظاهرة، وعمّق آثارها؛ كالشاعر التشيلي محفوظ مصيص وإدواردو متري وماتياس الرافيدي وتيودورو السقا الذين وصفهم محمد عبد الله الجعيدي في كتابه "فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" بأنهم "أقانيم في منافي المحيط الهادئ، شدتهم الأشواق، وتجاذبتهم الأعراق، فأرسلوا الجذور تسعى، إلى وطن يحتضن رفاة الأجداد في ثرى بيت المقدس ويافا، وبيت لحم وعكا، ونابلس وبيت جالا وجنين، وغزة والخليل"(11).

    ويضيف الجعيدي إلى هؤلاء الشعراء ثلاثة عشر شاعرا لاتينيا غنوا لفلسطين القضية والإنسان والثورة، وهم: كارلوس الباريث وخابير بيان وأنطونيو مورينو وخوليو بيليث وخواكين بينيتو وميغل تشوليَّا وداسو سالديبار وخوليو اُواسي وبدرو تشاكمكيان وخوليو كورتيس وسيرخيو ماثياس وديوميدس داثا وبدرو غودينيث، ويصفهم بأنهم " مسحاء اصطلت قلوبهم في مواطنها ومنافيها، بنار العدوان والغزو والهيمنة الأجنبية، فتحسسوها، ليجدوا فلسطين وأكنافها تتجلّى فيها على عرش من التضامن والإكبار. أقانيم هم ومسحاء، من إسبانيا وكولمبيا والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا وكوبا. وفلسطين: الأرض والقضية والشعب والهوية، هي القاسم الإنساني والأخلاقي والحقوقي المشترك، سبعة عشر شاعراً هم، والوجع الإنساني ثامنُهم بعد العشرة؛ واحدٌ هُمْ وتحرير الأوطان والإنسان رسالتُهم ".

             ثم يتحدث عن إبداعاتهم ويصفها بأنها "قصائد من نياط القلب اقتطعوها منطقاً ورؤيةً، لتغتسل بتناصية فاعلة خلاَّقة، في أجباب الشرق العربي وأنهاره، وتتضمخ بعطوره وبخوره، وتنادم لياليه، بأهِلّتها وبدورها، وسكونها وسحرها. أشعار تستدعي، بصدقها وتوهجها، تاريخ شرقنا العربي الإسلامي وحضارته، وترفع بيارق انتصاراته، وتضمد بكبرياء جراحاته. سِيَر إنسانية مشرقة تقدَّم، ونصوص مقاومة تُدرس وتُتَرجم، لتحمل لنا نبض الإنسان في عروق الإنسان، مهما تناءى المكان عن المكان"(12). 

    ويبدو أن انتشار الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية، وتنامي المد الثوري الفلسطيني في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والمعاناة التي عاشتها شعوب القارة اللاتينية، كل ذلك أدى إلى كثير من التماهي  والتفاعل الشعوري بين شعوب تلك القارة والقضية الفلسطينية، لذلك نجد أدباءهم يتحدثون عن القضية الفلسطينية وكأنها قضيتهم. يقول الشاعر الكولومبي داسيوس داثا:

    "شُرِّدوا من أوطانهم

    فنذروا أنفسهم فدائيين فلسطينيين"

    "فالواقع الداني الذي تعيشه القارة الصابرة في ظل الاستغلال الاستعماري والتخريب الصهيوني جعلها ترتبط جرحا وهدفا بفلسطين"(13).

     

    ويقول أنطونيو مورينو، شاعر العذاب الإسباني في قصيدته أغنية إلى فلسطين:

    هدّئي من روعك يا أم الشعوب

    يا فلسطين الحبيبة

    لإلى الأمام صفا واحدا

    أيها الفدائيون الرفاق

    إلى الأمام والنصر لنا

    شعوبنا سحقت

    آباء وأصدقاء لنا قد استشهدوا

    النضال قدرنا جميعا

    سنقاتل حتى آخر رجل

    وحّدي الراية أيتها الشعوب

    ضد المعتدي الشرير

    وطن أثخنته الجراح

    حرب فحرب وحرب هو حصادنا

    في كل شبر وفرسخ

     

    وفي مقابلة مع محمد عبد الله الجعيدي نشرتها مجلة فلسطين المسلمة، سئل عن التقارب بين التجربتين الإنسانيتين في أمريكا اللاتينية وفلسطين، قال: ثمة تقارب في التجربة الإنسانية المقاومة، وربما في هذا السياق حضرت القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين بوضوح في شعر المقاومة الأمريكي اللاتيني المعاصر، كما حضرت قضايا التحرر في أمريكا اللاتينية في شعر المقاومة العربي وبخاصة الثورة الكوبية....ومأساة فلسطين هي أفظع جريمة اقترفت في حق الإنسانية بكل المقاييس، ومن هنا يتأتى حضورها عند كل إنسان يحس بقيم الحق والخير والجمال، ومن هنا أيضاً كان حضور فلسطين قوياً في أشعار أولئك الشعراء الذين عاشوا الظلم والقهر في لحمهم النيء وشردوا من أوطانهم بسبب مواقفهم الإنسانية وتمسكهم بالإنسان قيمة لا يمكن مقايضتها أو التخلي عنها. فخذ على سبيل المثال ما يقوله الشاعر الأرجنتيني خوليو أُواسي:

    إما أن يكون للفلسطينيين وطنهم
    أو لا يكون هناك وطن لأيِّ كان


    من هنا جاءت فلسطين في أشعار شعراء هسبان مثل كارلوس ألباريث وخابير بيان وخوليو بيليث وداسو سالديبار وديموديس داثا وبدرو غودينيث وغيرهم تصرخ في وجه القتلة والغاصبين: أن ردّوا الحقوق لأصحابها قبل فوات الأوان صاغرين!"(14). ولو استعرضنا قصيدة الشاعر الكولومبي داسو سالديبار، "وحوش الألم" لوجدناها تفيض بالتفاعلات الجياشة مع معاناة الشعب الفلسطيني؛ حتى لكأن الشعبين قد وحدتهما المعاناة والثورة، يقول(15):

    لست أنا القاتل

    إنها هي، إنها البهيمة التي تنقرض

    على رأس القرون

    لكن يا ويلتاه!

    فقد راح هذا العرف

    في صلب الزمن يدب

    حتى يتوقف في بوليفيا وفلسطين الدامية

    من كروم التين والبرتقال الحزين

    انطلق عند الغروب صوت

    كان ينتظر الأوامر:

    اقتل الفدائي

    اقتله عند منعطف حريتنا وعطِّر الحجة

    ..........

    بهيمة الشمال

    كانت في حرش من أحراش بوليفيا

    وما زالت في بيارة برتقال من بيارات فلسطين

    تقدس خمبابا*

    فهذه السطور وغيرها كثير على شاكلتها، تعبر بوضوح تام عن حال من التوحد بين الأدبين اللاتيني والفلسطيني في سياق ما تمليه الأحداث والمعاناة التي يتلظّى بها الشعب الفلسطيني وشعوب أمريكا اللاتينية، وفي قصيدته "أسوار القدس" يقول الشاعر الطليطلي خواكين دي لوكاس:

    وراح الناس أيضا بين

    أشجار الزيتون يهزجون

    على أبواب هذه المدينة أقف

    وحيدا رهين الريح والبشر والذكريات والأطفال

    كما لو كنت بين بيت لحم

    وأريحا تائها أجهش بالبكاء

    ففي هذه السطور يبدي الشاعر تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، وحرقته ما تتعرض له مدينة السلام "القدس" من تهويد وتهديد يطالان معالمها وأهلها والأماكن المقدسة. وفي قصيدة" فلسطينيون، إلى ليلى وخالد" يقول الشاعر الأرجنتيني خوليو هواسي:

    جذورهم الجسدية

    في الهواء تصرخ بسماء من النابالم

    قطيع من ذئاب حمر

    تلتهم خراف الوطن العتيق السماوية

    تركل رماد الموقد

    الأطفال كشظية خشب مشبعة بالراتينج بين أيدينا يحترقون

    .........

    يا رب هذا الحي الكوكبي

    إله عيسى وموسى ومحمد

    استجب من عليائك

    * خمبابا كناية عن الروح الشريرة التي قتلها جلجامش.

     

    فهذه الأبيات تكشف مدى العذاب الذي يلاقيه الفلسطينيون على أيدي المحتلين، الذين يمارسون أشد أنواع الفتك والدمار، ويستخدمون ضدهم القنابل المحرمة دوليا؛ مما حرّك مشاعر هذا الأديب، فرفع عقيرته منشدا يبوح بما يعانيه تعاطفا مع المظلومين.

    ونختتم هذه الدراسة بأسطر للفنان الأرجنتيني ألبيرتو كورتيس من نص له بعنوان" البحث عن شمس صبرا وشاتيلا" يقول فيه:

     أين كانت الشمس عندما

    دقت أصداء الغيظ منطلقة من عقالها؟

    فهل أطفأتها الأشباح في صبرا وشاتيلا؟

    في صبرا وشاتيلا أين كرامة الإنسان؟

    فهل يصبح النفاق قدرنا؟

    لماذا فقد كل هذا العذاب معناه

    في صبرا وشاتيلا؟

    أين كنتُ يا صديقي العزيز دون أن يؤنبني ضميري؟

    فهذه الأبيات توضح مدى التفاعل الشعوري بين الشعبين، وأن روح الثورة على الظلم لا تعرف هوية ولا انتسابا لمكان بعينه، بل تستشري في كل مكان يكون فيه قابيل، وغاصب  ومستكبر أو محتل. ومن هنا فقد سرت في الأدب الهسباني روح المقاومة استجابة للممارسات الظالمة التي استبدت بالشعب الفلسطيني وشعوب القارة اللاتينية، والشعب الإسباني ذات يوم، ووجدت هذه الشعوب في نضالاتها وآدابها ما يترجم أحوالها ومعاناتها.

    إن روح المثاقفة التي يشهدها الأدبان العربي الفلسطيني والهسباني في العصر الحديث تمثل تواصلا حضاريا لما توالى عبر القرون من علاقات متبادلة بين الشعبين العربي والإسباني وامتداتهما في أمريكا اللاتينية، إذ أن كثيرا من العرب انتقلوا مع الإسبان إلى تلك القارة في القرنين الخامس والسادس عشر، ومن بعد إبان العهد التركي، وحديثا بانتقال نجاتي صدقي ورفاقه وبعض المغاربة مناضلين في الجيش الأممي الذي هب لنجدة الشعب الإسباني أوائل القرن الماضي، ثم ما كان من هجرة أعداد كبيرة من الفلسطينيين بعد النكبة واحتلال فلسطين على أيدي الغزاة الإسرائيليين مدعومين بالاستكبار العالمي ممثلا ببريطانيا، ومن بعد بالولايات المتحدة الأمريكية؛ ناهيك عن ما كرّسه الأكاديميون والأدباء من تواصل بين الطرفين وطدوا به ما كان من قبل، وعملوا على تركيزه وبلغوا به آفاقا جديدة.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    الهوامش والمصادر:

    1.  منى أسعد، نجاتي صدقي، الموسوعة التربوية الفلسطينية، 29ن1، تصدر بإشراف أ.د. يحيى جبر، نابلس،1995، ص8.

    2.  نجاتي صدقي، مذكرات عربي ناضل في الجيش الأممي، الطليعة، بيروت، تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، ص 793_801.

    3.     المصدر السابق نفسه.

    4.      يعقوب العودات (البدوي الملثم)، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، عمان، 1976، ص353،354.

    5.     موضوعات عربية في شعر الأندلس (2 ـ2) ـ لوركا..قصائد بألوان شرقية شاحبة ـ عز الدين المناصرة.

    http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/0118/698a.htm

    6.  المصدر الذي استقينا منه المعلومات التالية هو مصادر الأدب الفلسطيني الحديث لمحمد عبد الله الجعيدي، طبعة مزيدة ومنقحة، منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، قلقيلية 1997، ص ص147-167.

    7.  خابير بِيَّان، أمثالٌ فلسطينية، ترجمة محمد عبد الله الجعيدي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة "المشروع القومي للترجمة"، العدد 313، القاهرة 2006م) عن أحمد فضل شبلول٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧، في موقع: http://www.diwanalarab.com/spip.php?article7269 بتصرّف.

    8.     عائشة أبو صلاح، مجلة فلسطين المسلمة، العدد الصادر في مايو / أيار 2005.

    9.     المصدر السابق نفسه.

    10.رشاد أبو شاور، رحلة إلى أندلثيا
    http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=29874.

    11.نقلا عن عائشة أبو صلاح في الموقع الإلكتروني: http://www.thaqafa.org/Main/default....OTkK9ZDmkCg%3d .

    12.المصدر السابق نفسه.

    13. المركز الفلسطيني للإعلام، كتب وإصدارات: الموقع الإلكتروني  -info.info www.palestine

    14.http://aklaam.net/forum/showthread.php?t=9576

    15.النصوص الشعرية مستقاة من مقدمة كتاب محمد الجعيدي "فلسطين في الأدب الهسباني المعاصر، نقلا عن  -info.info www.palestine

     

     

     

    روح المقاومة الفلسطينية تتناسخ في الأدب اللاتيني

    أ.د.يحيى جبر   وعبير حمد

    مدخل:

    كانت العلاقات العربية الإسبانية، وما تزال، تعكس تناغما بين الشعبين في كثير من مناحي الحياة، ولا شك في أن ذلك يعود بجذوره إلى الحقبة التي أقامها العرب في شبه جزيرة إيبرية، بغض النظر عن الطريقة التي أخرج بها العرب من هناك، لأن التفاعل الحضاري بين الأمم يتجاوز الأحداث مهما كانت دامية.

    ومن إسبانيا انتقلت "العدوى" إلى أمريكا اللاتينية، بما أصبحت تمثّله من امتداد لإسبانيا؛ لغويا وحضاريا ونفوذا، وتجددت هذه العلاقة في العصر الحديث انطلاقا من بابين؛ الأول، وهو يتمثل في هجرة أعداد كبيرة من العرب إلى أمريكا اللاتينية هربا من تعسف الحكومة التركية، وهم الذين عرفوا في تلك القارة باسم "توركو"، ثم توالت الهجرات من بعد، لا سيما عام 1948م، في أعقاب النكبة. والثاني؛ ما يمكن أن يستشف من التحاق بعض الفلسطينيين بصفوف " الجيش الأممي" الذي تشكل في إسبانيا لمواجهة قوات الجنرال فرانكو الفاشية(1)، وفي مقدمة هؤلاء نجاتي صدقي ( 1905_1979) الذي كتب وهو في الخطوط الأمامية؛ في قرطبة يقول: حقا ليس هناك ما يدعو لاستثناء العرب من التطوع، أو لسنا نحن أيضا طلاب حرية وديمقراطية؟....، وهلا يؤدي تغلّب القوى الشعبية الديموقراطية الإسبانية على القوى الإيطالية الفاشستية إلى إنقاذ طرابلس الغرب العربية من براثن الطاغية موسيليني؟... وهلا يؤدي انتصار الثوّار الإسبان على المستعمرين الألمان والطليان إلى رجحان كفة الديمقراطيين أنصار الشعوب المظلومة في كل أنحاء العالم؟".(2

    ففكرة الكفاح الأممي التي وجدناها عند بعض الثوار من أمريكا اللاتينية، مثل تشي جيفارا، وفيدل كاسترو لم تكن جديدة، إذ سبق إليها مناضلون بينهم فلسطينيون من وقت مبكر؛ حيث نجد أن الفوارق العرقية لم تحل دون الوحدة الثورية في وجه البغي الاستعماري، يقول نجاتي صدقي مبديا إعجابه بالشعب الإسباني:" أي روح وثابة هذه؟ وأي نظام وثقافة يظهرهما هذا الشعب، عفوا، دون سابق تدريب واستعداد! إن شعبا هذه صفاته، لن يُغلب على أمره حتى لو تآلبت عليه كل القوى الفاشستية الآثمة الغاشمة"(3) حتى لكأنّا به إسباني الهوى والدم. وقد بلغ من تحمسه للإسبان، في معرض حديثه عن الغانية الإسبانية " كارمن " التي كانت مقربة من الإقطاعيين: " أما إسبانيا الحقيقية فهي هذه... الفتاة الإسبانية، عضو المليشيا، عنوان التقدم والمدنية" (4) وليس كارمن. وقد توّج نجاتي صدقي حضوره في إسبانيا بترجمة بعض القصص التي نشرتها دار بيروت للطباعة والنشر، عام 1953، بعنوان " قصص مختارة من الأدب الإسباني".

    وقد يكون مؤشرا إيجابيا أن نضيف أن الاضطهاد والمعاناة اللذين تعرض لهما الشعب الفلسطيني، وما يزال، والشعب الإسباني وشعوب أمريكا اللاتينية في النصف الأول من القرن الماضي شكّلا قاسما مشتركا بين هذه الشعوب، أسهم في صياغة العقلية التي تنطلق منها، مما كان له دور بالغ في التناغم بين توجهاتها الثورية والتحررية.

     

    في العصر الحاضر:

    تمتاز العلاقات العربية الإسبانية بدفء ومشاعر حميمة؛ ففي عام 1898، بعد حرب كوبا التي نشبت بين إسبانيا والولايات المتحدة، العام الذي ولد فيه لوركا، أصيب الإسبان بصدمة علي أثر الهزيمة، فأخذت إسبانيا تبحث عن هويتها القومية، فظهر اتجاهان: اتجاه أوروبي يقول بالعودة إلي هوية إسبانيا الأوروبية واتجاه عربي يستند إلى عوامل ثقافية وتاريخية ويقول بالرجوع إلي الجذور العربية الإسبانية بالاقتراب من العالم العربي، وقد مثل الاتجاه الأوروبي الشاعر انطونيو ماتشادو، ثم ظهر جيل لوركا المسمى جيل شعراء السابع والعشرين وأبرزهم: لوركا، إلبرتي، خورخة غيين، ألونسو، دييغو،  وذلك علي أثر مهرجان غونغورا؛ الشاعر القرطبي الذي عاش في القرن السابع عشر(5).

    أما على الصعيد الفلسطيني فقد تعمقت العلاقة ابتداء من أواسط القرن الماضي؛ إذ وقفت إسبانيا من القضية الفلسطينية وقفة حازمة، لولا ما كان يشوبها في بعض الأحيان من فتور جراء انسياق بعض الحكومات وراء السياسة الأمريكية. ولكن، بوجه عام، نستطيع أن نقول إن العلاقات كانت وما تزال إيجابية.

     

    ومما أسهم في تعضيد هذه العلاقات وتوسيع آفاقها علماء فلسطينيون عملوا في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وكانت لهم جهود عظيمة في تعريف شعوب تلك البلدان بالقضية الفلسطينية وأدب المقاومة الذي كان له صدى واسع في كثير من الحركات التحررية في العالم، وفي مقدمة هؤلاء محمد عبد الله الجعيدي، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة مدريد، ومحمود صبح  اللذين أغنيا المكتبتين العربية واللاتينية بالعمال المترجمة والدراسات الأدبية والنقدية.

     

     

    ترجمة أدب المقاومة إلى الإسبانية:

    لقد أسهمت الأعمال الفلسطينية المترجمة إلى الإسبانية في تعريف الإسبان وشعوب أمريكا اللاتينية بالقضية الفلسطينية، وخلقت جوا مفعما بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني المظلوم مما ظهر جليا في الشعر الإسباني ولدى شعراء أمريكا اللاتينية.

    ومن المظاهر التي رصدناها في هذا المجال، أن هناك عدة مدن إسبانية وأمريكية لاتينية، شهدت ترجمة بعض الأعمال الأدبية الفلسطينية ابتداء من عام 1965، بعد إنشاء منظمة التحرير. وهذه المدن هي(6): 

    ·   مدريد، العاصمة الإسبانية، وكان أول ما ترجم فيها عام 1965 " أقاصيص عربية " لنجاتي صدقي، ترجمها بدرو مارتينيث مونتابث، و" أقاصيص عربية من القرن العشرين" من بينها أقصوصة لسميرة عزام، وقد نقلتها للإسبانية مارية روسا مدارياغا، ونشرهما المعهد الإسباني العربي للثقافة. ثم توالت الترجمات من بعد بوتيرة متصاعدة، لاسيما في أعقاب معركة الكرامة وما أذكته في المنطقة والعالم من روح الثورة، وبعد الأحداث الدامية التي توالت من بعد في أيلول 1970 وفي أحراش جرش، وتصاعد حركة المقاومة الفلسطينية بوجه عام، فترجمت بعض الأعمال لأبي سلمى، ومحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغسان كنفاني ومحمود صبح وسليم جبران ومحمود قدري وتوفيق زياد وإيميل حبيبي وغيرهم.

    ·    بمبلونة، إسبانيا، حيث ترجمت كرمن بايي سيمون رواية " رجال في الشمس " لغسان كنفاني أيضا،ونشرتها دار بامبيلا للنشر سنة 1992م.

    ·   برشلونة، إسبانيا، وفيها نشرت دار موشنك للنشر ترجمة ليونور مارتينيث ل" الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" لإيميل حبيبي، سنة 1990م.

    ·   هافانا، عاصمة كوبا، وكان أول عمل ترجم فيها إلى الإسبانية كتاب " الشعر الفلسطيني المقاوم" وهو مختارات شعرية ترجمها إلى الفرنسية عبد اللطيف اللعبي، وعن الترجمة الفرنسية ترجمتها إلى الإسبانية كرمن سوارت، وصدرت عن دار الفن والآداب للطباعة والنشر في هافانا سنة 1976م. "رجال في الشمس " لغسان كنفاني، ترجمته ماريه روسا مدارياغا، ونشرته دار الأدب والفن بهافانا سنة 1989م. وأعادت نشره في مدريد مضافا إليه ترجمة أم سعد، دار ليبرتارياس سنة 1991م.   

    ·   بيونس آيريس، عاصمة الأرجنتين، إذ أعد المنصوري رواية غسان كنفاني  "عائد إلى حيفا" للمسرح باللغة الإسبانية، ونشرت في مجلة شؤون عربية، العدد 24، ص ص 12-24، وذلك سنة 1988م.

    ·   المكسيك، وظهرت فيها ترجمة أدريان سنغيني لرواية غسان كنفاني "أم سعد" وذلك في العدد 14 من مجلة آسيا وإفريقيا، سنة 1979م.

    ومن أشهر المترجمين من العربية للإسبانية مارية روسا، ومارية خيسوس، وليونور مارتنيث، وكرمن بايي سيمون، وبدر مارتينيث، وأدريان سنغيني، وخوسي مارين، وكرمن سوارت. ومن المترجمين العرب نذكر محمد عبد الله الجعيدي المشهور بأدائه ودوره الفعال في أوساط المثقفين الإسبان، بل لعله أغزر المراجع معرفة بالتفاعل الثقافي العربي الإسباني في العصر الحديث، ومحمد صبح المعروف بأعماله في هذا السياق، وف. ل. المنصوري، وكاظم جهاد وغيرهم.

    تناسخ روح المقاومة في الشعر اللاتيني

    وجد بعض أدباء الإسبانية في مقاومة الشعب الفلسطيني والأدب الذي واكبها _ مصدر إلهام وموضوعا خصبا لأعمالهم الأدبية، فهذا هو الشاعر الإسباني خابير بيّان يطّلع عام 1969على مختارات مترجمة إلى الإسبانية من شعر المقاومة في فلسطين المحتلة، فيُعجب بقيمته الفنية العالية، وبالتزام شعرائه بقضية شعبهم، مما لاقى هوىً في نفسه، فحاول اقتفاء أثر المعاني النضالية السامية لهذا الشعر، فتمثل صدى ذلك في "أمثال فلسطينية"، وهو العمل الفني الذي نجح في إسقاط صورة فلسطين الدامية، مع وجود طوابع خاصة لهذه المأساة، على واقع قشتالة / إسبانيا التي وُلدت فيها كلمات الشاعر ودموعه. ومن هنا كان هذا الشاعر في مقدمة الشعراء الإسبان المعروفين بتأييدهم للقضية الفلسطينية.

     ولو استعرضنا قصيدته، التي عنوانها" إلى شعراء المقاومة الفلسطينية" لوجدنا أن نَفَس الشاعر لا يختلف عن نَفَس الشعراء العرب في تفاعلهم الإيجابي مع القضية الفلسطينية،بل لقد ذهب الشاعر إلى ما هو أبعد فراح يخاطب أدباء فلسطين، ويحلق في رحاب الأدب المقاوم كأنه يعيش المقاومة فعلا، يقول:

    يا درويش وفدوى طوقان

    يا جبران وزياد والقاسم

    من أجل فلسطين تبكون

    وسيل الدموع يخصب الضمائر ويرفع البيادق

    الاستعارات ثائرة وقواعد النحو ساخطة

    تزجر الغازي اللئيم وتلعنه

    بيت القصيد ليس حساما أو قذيفة أو رصاصة

    هو بيت قصيد وضمير مثقل

    بين حقول الزيتون المسمدة بالبارود

    من صوتكم يقصف رعدنا الساهد

    أفواه تنزف الدم كسيل التيار

    طير يحلق وبمنقاره غصن الزيتون وبقبضته بندقية،

    وتحت الأجنحة قنبلة

    أيتها القرى .. أيتها المدن

    إيه أيتها الأرض السليبة

    إيه يا سكان أقطاب المعمورة الأربعة

    حيث الحرية مهزلة بلا عقاب

    والحِمَى نهب غزوات البرابرة

    والفزع المرعب يملأ المنازلَ والابتساماتِ

    والكلماتِ والعيونَ والأيدي

    حيث تغذي المسغبةُ مستودع العظام وتملأ السجون

    يا درويشَ وفدوى طوقان

    يا جبرانَ وزياد والقاسم

    تبكون فلسطين ومن أجلها تناضلون

    من أجلها تستشهدون،

    وفي شعبكم  تحدبون على جراح الإنسان المنفي في هذا العالم

    واحدةٌ هي الراية ..

    وجماعيٌّ هو الغضب

    أيها الشعراء الفلسطينيون،

    يا شعراء الأرض يا أصحاب البؤس القاتل والعذاب

    فلتنتصبِ الأقلامُ

    ولتزغردِ البنادق

    فالنصرُ آتٍ في الوقت المناسب.

            فهذه الأبيات تفوح بالروح الفلسطينية، حتى لكأنها إنتاج محلي أو عربي، مما جعل محمد الجعيدي يشبه قائلها؛ خابير بيان، بنزار قباني في قصيدته " إلى شعراء الأرض المحتلة"(7).

            لقد تجاوز حضور الأدب الفلسطيني المقاوم في الأدب الإسباني وآداب أمريكا اللاتينية حدود المألوف في هذا المجال، إذ بادرت جامعة مدريد وجامعة سلمنكة، بالتعاون مع ((اللجنة الدولية لحقوق اللغات والحوار)) إلى تنظيم يوميات ثقافية بين يومي 9 و11 آذار/مارس، عام 2005 حول هذا الموضوع تحت عنوان: فلسطين في الأدب الإسباني(8).

     

    ومما يوحي بمتانة العلاقة بين الدبين العربي الفلسطيني والإسباني، ومدى تأثر أدباء الإسبانية  بروح المقاومة التي تشيع في أعامل الأدباء الفلسطينيين أن القائمين على  تنظيم تلك اليوميات خصصوا اليوم الثاني لمناقشة مدى حضور فلسطين في الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني المعاصر، "وشارك في أنشطة ذلك اليوم شعراء وأدباء من ضفتي المحيط مثل كارلوس ألباريث وخابير بيّان واخواكين بينيتو دي لوكاس وسريخيو ماثيّاس؛ تحدثوا تحت عنوان ((أنا وفلسطين)) عن تجربتهم الأدبية في تلقيهم للموضوع الفلسطيني، وعن خبايا تجربتهم في هذا المضمار وما تعنيه لهم فلسطين كشعراء مقاومة واجهوا الطغيان والظلم في بلادهم التي تحررت من الظلم وفلسطين لا تزال على الطريق، من هنا قرأ بعضهم بحرارة بعض ما كتبه عن فلسطين".


           و"تحدث الشاعر الإسباني كارلوس ألباريث عن تجربته الشعرية في استلهام العنصر الفلسطيني في عمله الإبداعي والأسباب التي كمنت وراء ذلك، وقد لخصها هو نفسه في مظلومية الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه وتنكّر العالم له ولحقوقه، مؤكداً أن فلسطين ستعود يوماً إلى أهلها وشعبها ومحيطها وقرأ قصائد كتبها خصيصاً لفلسطين".

    كما "تحدث الشاعر التشيلي سيرخيو ماثيّاس عن تجربته الشعرية عن فلسطين وتجربته الحياتية مع الفلسطينيين المقيمين في المنفى التشيلي، وركز في حديثه على الحق الفلسطيني في العودة إلى وطنه وفي مقاومة الاحتلال، مستلهماً في ذلك نضاله ضد الدكتاتورية في بلاده والهيمنة الأمريكية يوم كان شاباً يشارك في الحياة السياسية والنضالية"(9).

    لقد أغرت هذه الحقيقة محمد الجعيدي بتأليف كتابه القيم " فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" الذي استعرض فيه مظاهرها المختلفة، ولا سيما روح المقاومة التي تتجلى في الأدب الفلسطيني المعاصر، وخصوصا عند شعراء كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان.

    ويعقب رشاد أبو شاور على هذه الحقيقة الناصعة، التي توحي بدلالات شتى، فيقول: "فلسطين حاضرة في الأدب الإسباني، في الشعر تحديداً، وهل أجدر من الشعر في حمل قضايا الحريّة النبيلة ؟ كنت وأنا أتمشى في أروقة الجامعة أرى بين وقت وآخر بنتاً، أو فتى، وقد لفّت الكوفيّة المرقطّة حول العنق، كوفية عبد القادر الحسيني التي استشهد وهو يلف بها رأسه، كوفيّة الفدائي الفلسطيني من بعد، رمز فلسطين المقاومة المنتفضة .
    هل بهت حضور فلسطين؟ بعض الشيء، والسبب عندي أن دهاليز ( أوسلو) وما بعدها قد ألحقت بقضيتنا أفدح الأضرار..."(10).

     

    وعندما نستعرض الأصول المترجمة للإسبانية فإن ذلك لا يعني أنها لم تنتشر إلا في البلدان التي نشرت فيها، فشبه جزيرة إيبرية وأمريكا اللاتينية من المكسيك وكوبا وما يعرف بأمريكا الوسطى شمالا، إلى تشيلي جنوبا _ تعتبر موطن الأدب الإسباني (الهسباني)، فهذه المنطقة الواسعة أشبه بالوطن العربي بالنسبة للغة العربية، والتأثر بالأعمال الفلسطينية المترجمة لم ينحصر في الحواضر التي ذكرناها آنفا، ولكنه تعداها إلى كل بلدان أمريكا اللاتينية.

    ونذكّر هنا بأن من أدباء الإسبانية من يعود بأصله إلى فلسطين أو بلاد الشام أو غيرها من البلاد العربية، مما أسهم في اتساع مدى الظاهرة، وعمّق آثارها؛ كالشاعر التشيلي محفوظ مصيص وإدواردو متري وماتياس الرافيدي وتيودورو السقا الذين وصفهم محمد عبد الله الجعيدي في كتابه "فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر" بأنهم "أقانيم في منافي المحيط الهادئ، شدتهم الأشواق، وتجاذبتهم الأعراق، فأرسلوا الجذور تسعى، إلى وطن يحتضن رفاة الأجداد في ثرى بيت المقدس ويافا، وبيت لحم وعكا، ونابلس وبيت جالا وجنين، وغزة والخليل"(11).

    ويضيف الجعيدي إلى هؤلاء الشعراء ثلاثة عشر شاعرا لاتينيا غنوا لفلسطين القضية والإنسان والثورة، وهم: كارلوس الباريث وخابير بيان وأنطونيو مورينو وخوليو بيليث وخواكين بينيتو وميغل تشوليَّا وداسو سالديبار وخوليو اُواسي وبدرو تشاكمكيان وخوليو كورتيس وسيرخيو ماثياس وديوميدس داثا وبدرو غودينيث، ويصفهم بأنهم " مسحاء اصطلت قلوبهم في مواطنها ومنافيها، بنار العدوان والغزو والهيمنة الأجنبية، فتحسسوها، ليجدوا فلسطين وأكنافها تتجلّى فيها على عرش من التضامن والإكبار. أقانيم هم ومسحاء، من إسبانيا وكولمبيا والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا وكوبا. وفلسطين: الأرض والقضية والشعب والهوية، هي القاسم الإنساني والأخلاقي والحقوقي المشترك، سبعة عشر شاعراً هم، والوجع الإنساني ثامنُهم بعد العشرة؛ واحدٌ هُمْ وتحرير الأوطان والإنسان رسالتُهم ".

             ثم يتحدث عن إبداعاتهم ويصفها بأنها "قصائد من نياط القلب اقتطعوها منطقاً ورؤيةً، لتغتسل بتناصية فاعلة خلاَّقة، في أجباب الشرق العربي وأنهاره، وتتضمخ بعطوره وبخوره، وتنادم لياليه، بأهِلّتها وبدورها، وسكونها وسحرها. أشعار تستدعي، بصدقها وتوهجها، تاريخ شرقنا العربي الإسلامي وحضارته، وترفع بيارق انتصاراته، وتضمد بكبرياء جراحاته. سِيَر إنسانية مشرقة تقدَّم، ونصوص مقاومة تُدرس وتُتَرجم، لتحمل لنا نبض الإنسان في عروق الإنسان، مهما تناءى المكان عن المكان"(12). 

    ويبدو أن انتشار الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية، وتنامي المد الثوري الفلسطيني في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والمعاناة التي عاشتها شعوب القارة اللاتينية، كل ذلك أدى إلى كثير من التماهي  والتفاعل الشعوري بين شعوب تلك القارة والقضية الفلسطينية، لذلك نجد أدباءهم يتحدثون عن القضية الفلسطينية وكأنها قضيتهم. يقول الشاعر الكولومبي داسيوس داثا:

    "شُرِّدوا من أوطانهم

    فنذروا أنفسهم فدائيين فلسطينيين"

    "فالواقع الداني الذي تعيشه القارة الصابرة في ظل الاستغلال الاستعماري والتخريب الصهيوني جعلها ترتبط جرحا وهدفا بفلسطين"(13).

     

    ويقول أنطونيو مورينو، شاعر العذاب الإسباني في قصيدته أغنية إلى فلسطين:

    هدّئي من روعك يا أم الشعوب

    يا فلسطين الحبيبة

    لإلى الأمام صفا واحدا

    أيها الفدائيون الرفاق

    إلى الأمام والنصر لنا

    شعوبنا سحقت

    آباء وأصدقاء لنا قد استشهدوا

    النضال قدرنا جميعا

    سنقاتل حتى آخر رجل

    وحّدي الراية أيتها الشعوب

    ضد المعتدي الشرير

    وطن أثخنته الجراح

    حرب فحرب وحرب هو حصادنا

    في كل شبر وفرسخ

     

    وفي مقابلة مع محمد عبد الله الجعيدي نشرتها مجلة فلسطين المسلمة، سئل عن التقارب بين التجربتين الإنسانيتين في أمريكا اللاتينية وفلسطين، قال: ثمة تقارب في التجربة الإنسانية المقاومة، وربما في هذا السياق حضرت القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين بوضوح في شعر المقاومة الأمريكي اللاتيني المعاصر، كما حضرت قضايا التحرر في أمريكا اللاتينية في شعر المقاومة العربي وبخاصة الثورة الكوبية....ومأساة فلسطين هي أفظع جريمة اقترفت في حق الإنسانية بكل المقاييس، ومن هنا يتأتى حضورها عند كل إنسان يحس بقيم الحق والخير والجمال، ومن هنا أيضاً كان حضور فلسطين قوياً في أشعار أولئك الشعراء الذين عاشوا الظلم والقهر في لحمهم النيء وشردوا من أوطانهم بسبب مواقفهم الإنسانية وتمسكهم بالإنسان قيمة لا يمكن مقايضتها أو التخلي عنها. فخذ على سبيل المثال ما يقوله الشاعر الأرجنتيني خوليو أُواسي:

    إما أن يكون للفلسطينيين وطنهم
    أو لا يكون هناك وطن لأيِّ كان


    من هنا جاءت فلسطين في أشعار شعراء هسبان مثل كارلوس ألباريث وخابير بيان وخوليو بيليث وداسو سالديبار وديموديس داثا وبدرو غودينيث وغيرهم تصرخ في وجه القتلة والغاصبين: أن ردّوا الحقوق لأصحابها قبل فوات الأوان صاغرين!"(14). ولو استعرضنا قصيدة الشاعر الكولومبي داسو سالديبار، "وحوش الألم" لوجدناها تفيض بالتفاعلات الجياشة مع معاناة الشعب الفلسطيني؛ حتى لكأن الشعبين قد وحدتهما المعاناة والثورة، يقول(15):

    لست أنا القاتل

    إنها هي، إنها البهيمة التي تنقرض

    على رأس القرون

    لكن يا ويلتاه!

    فقد راح هذا العرف

    في صلب الزمن يدب

    حتى يتوقف في بوليفيا وفلسطين الدامية

    من كروم التين والبرتقال الحزين

    انطلق عند الغروب صوت

    كان ينتظر الأوامر:

    اقتل الفدائي

    اقتله عند منعطف حريتنا وعطِّر الحجة

    ..........

    بهيمة الشمال

    كانت في حرش من أحراش بوليفيا

    وما زالت في بيارة برتقال من بيارات فلسطين

    تقدس خمبابا*

    فهذه السطور وغيرها كثير على شاكلتها، تعبر بوضوح تام عن حال من التوحد بين الأدبين اللاتيني والفلسطيني في سياق ما تمليه الأحداث والمعاناة التي يتلظّى بها الشعب الفلسطيني وشعوب أمريكا اللاتينية، وفي قصيدته "أسوار القدس" يقول الشاعر الطليطلي خواكين دي لوكاس:

    وراح الناس أيضا بين

    أشجار الزيتون يهزجون

    على أبواب هذه المدينة أقف

    وحيدا رهين الريح والبشر والذكريات والأطفال

    كما لو كنت بين بيت لحم

    وأريحا تائها أجهش بالبكاء

    ففي هذه السطور يبدي الشاعر تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، وحرقته ما تتعرض له مدينة السلام "القدس" من تهويد وتهديد يطالان معالمها وأهلها والأماكن المقدسة. وفي قصيدة" فلسطينيون، إلى ليلى وخالد" يقول الشاعر الأرجنتيني خوليو هواسي:

    جذورهم الجسدية

    في الهواء تصرخ بسماء من النابالم

    قطيع من ذئاب حمر

    تلتهم خراف الوطن العتيق السماوية

    تركل رماد الموقد

    الأطفال كشظية خشب مشبعة بالراتينج بين أيدينا يحترقون

    .........

    يا رب هذا الحي الكوكبي

    إله عيسى وموسى ومحمد

    استجب من عليائك

    * خمبابا كناية عن الروح الشريرة التي قتلها جلجامش.

     

    فهذه الأبيات تكشف مدى العذاب الذي يلاقيه الفلسطينيون على أيدي المحتلين، الذين يمارسون أشد أنواع الفتك والدمار، ويستخدمون ضدهم القنابل المحرمة دوليا؛ مما حرّك مشاعر هذا الأديب، فرفع عقيرته منشدا يبوح بما يعانيه تعاطفا مع المظلومين.

    ونختتم هذه الدراسة بأسطر للفنان الأرجنتيني ألبيرتو كورتيس من نص له بعنوان" البحث عن شمس صبرا وشاتيلا" يقول فيه:

     أين كانت الشمس عندما

    دقت أصداء الغيظ منطلقة من عقالها؟

    فهل أطفأتها الأشباح في صبرا وشاتيلا؟

    في صبرا وشاتيلا أين كرامة الإنسان؟

    فهل يصبح النفاق قدرنا؟

    لماذا فقد كل هذا العذاب معناه

    في صبرا وشاتيلا؟

    أين كنتُ يا صديقي العزيز دون أن يؤنبني ضميري؟

    فهذه الأبيات توضح مدى التفاعل الشعوري بين الشعبين، وأن روح الثورة على الظلم لا تعرف هوية ولا انتسابا لمكان بعينه، بل تستشري في كل مكان يكون فيه قابيل، وغاصب  ومستكبر أو محتل. ومن هنا فقد سرت في الأدب الهسباني روح المقاومة استجابة للممارسات الظالمة التي استبدت بالشعب الفلسطيني وشعوب القارة اللاتينية، والشعب الإسباني ذات يوم، ووجدت هذه الشعوب في نضالاتها وآدابها ما يترجم أحوالها ومعاناتها.

    إن روح المثاقفة التي يشهدها الأدبان العربي الفلسطيني والهسباني في العصر الحديث تمثل تواصلا حضاريا لما توالى عبر القرون من علاقات متبادلة بين الشعبين العربي والإسباني وامتداتهما في أمريكا اللاتينية، إذ أن كثيرا من العرب انتقلوا مع الإسبان إلى تلك القارة في القرنين الخامس والسادس عشر، ومن بعد إبان العهد التركي، وحديثا بانتقال نجاتي صدقي ورفاقه وبعض المغاربة مناضلين في الجيش الأممي الذي هب لنجدة الشعب الإسباني أوائل القرن الماضي، ثم ما كان من هجرة أعداد كبيرة من الفلسطينيين بعد النكبة واحتلال فلسطين على أيدي الغزاة الإسرائيليين مدعومين بالاستكبار العالمي ممثلا ببريطانيا، ومن بعد بالولايات المتحدة الأمريكية؛ ناهيك عن ما كرّسه الأكاديميون والأدباء من تواصل بين الطرفين وطدوا به ما كان من قبل، وعملوا على تركيزه وبلغوا به آفاقا جديدة.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    الهوامش والمصادر:

    1.  منى أسعد، نجاتي صدقي، الموسوعة التربوية الفلسطينية، 29ن1، تصدر بإشراف أ.د. يحيى جبر، نابلس،1995، ص8.

    2.  نجاتي صدقي، مذكرات عربي ناضل في الجيش الأممي، الطليعة، بيروت، تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، ص 793_801.

    3.     المصدر السابق نفسه.

    4.      يعقوب العودات (البدوي الملثم)، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، عمان، 1976، ص353،354.

    5.     موضوعات عربية في شعر الأندلس (2 ـ2) ـ لوركا..قصائد بألوان شرقية شاحبة ـ عز الدين المناصرة.

    http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/0118/698a.htm

    6.  المصدر الذي استقينا منه المعلومات التالية هو مصادر الأدب الفلسطيني الحديث لمحمد عبد الله الجعيدي، طبعة مزيدة ومنقحة، منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، قلقيلية 1997، ص ص147-167.

    7.  خابير بِيَّان، أمثالٌ فلسطينية، ترجمة محمد عبد الله الجعيدي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة "المشروع القومي للترجمة"، العدد 313، القاهرة 2006م) عن أحمد فضل شبلول٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧، في موقع: http://www.diwanalarab.com/spip.php?article7269 بتصرّف.

    8.     عائشة أبو صلاح، مجلة فلسطين المسلمة، العدد الصادر في مايو / أيار 2005.

    9.     المصدر السابق نفسه.

    10.رشاد أبو شاور، رحلة إلى أندلثيا
    http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=29874.

    11.نقلا عن عائشة أبو صلاح في الموقع الإلكتروني: http://www.thaqafa.org/Main/default....OTkK9ZDmkCg%3d .

    12.المصدر السابق نفسه.

    13. المركز الفلسطيني للإعلام، كتب وإصدارات: الموقع الإلكتروني  -info.info www.palestine

    14.http://aklaam.net/forum/showthread.php?t=9576

    15.النصوص الشعرية مستقاة من مقدمة كتاب محمد الجعيدي "فلسطين في الأدب الهسباني المعاصر، نقلا عن  -info.info www.palestine

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • MANNING32Aisha said...
  • The <a href=\"http://lowest-rate-loans.com\">loan</a> are important for people, which want to ground their business. In fact, this is very comfortable to receive a small business loan.
  • Saturday, March 27, 2010
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yahya Abdul-Raouf Othman Jaber
علم اللغة
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me