An-Najah National University

An-Najah Blogs

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Saturday, January 1, 1994
  • كيف نعيد تربية أمتنا على الإسلام من جديد؟
  • Published at:Not Found
  • كيف نعيد تربية أمتنا على الإسلام من جديد؟

     

    في ظل الظروف الحالكة التي يعيشها المسلمون في كل مكان، والتي يعاني فيها غالبية المسلمين من الآلام ما لا تحتمله الرواسي الشامخات … قد يسأل سائل: ما خلاص المسلمين من أزمتهم وعنائهم ونكدهم وشقائهم؟ والجواب معروف واضح لا غموض فيه: قال تعالى: "فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى" (طه : 122). إذن فهدى الله هو الخلاص … ولا منقذ غيره أبداً.

     

    وهدى الله يتمثل في: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن طريق قيام جماعة تقوم بتكاليف هذه الدّعوة([1]).

     

    قال تعالى: "ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران: 104).

     

    وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لن يزال على هذا الأمر عصابة على الحقّ، لا يضرّهم خلاف من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله عزّ وجل وهم على ذلك"([2]).

     

    والعمل في جماعة لإعادة الخلافة الإسلامية إلى الأرض بعد غيابها عن الوجود والشهود فرض على كل مسلم؛ لأنّ معظم تكاليف الإسلام جماعية، ولا يستطيع المسلم أن يمارس أحكام دينه إلا في ظل مجتمع مسلم. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإعادة الخلافة الإسلامية إلى الحياة فرض، والعمل من أجل قيامها فرض كذلك. قال تعالى: "إنّما وليّكُم الله ورسوله والذين آمنوا" (المائدة: 55).

     

    فالولاية إنما تكون – في الله – مع المؤمنين: قال تعالى: "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (الأنفال: 73). فإنْ لم يتولّ المؤمنون بعضهم بعضا – كما يتكالب الكفار جميعاً عليهم وينصر بعضهم بعضا – فإنّ الفتنة تعمّ الأرض.

     

    إنّ العمل لإعادة تربية الأمّة على الإسلام من جديد: فريضة شرعية وضرورة إنسانية، وهذا لا يكون إلا بالطريق التي سار عليها الرسل – عليهم الصلاة والسلام – وأتباعهم؛ من تربية مجموعة تفهم حقيقة الدعوة وتتحرّك بها … حتى النصر أو الشهادة : "ولقد كُذّب رُسُلٌ من قَبْلك فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مُبدّل لكلمات الله ولقد جاءك نبإ المرسلين" (الأنعام: 34).

     

    ومع الشقاء الذي يعانيه الناس … فإنهم لا يؤوبون إلى دينهم بغير منارة يهتدون بها ويأوون إليها … وهذه المنارة هي جماعة إسلامية عالمية عاملة صادقة.

     

    ولكن هل يمكن أن يتحقّق وجود مجتمع إسلامي في هذا العصر الجاهلي؟

     

    والجواب: بلى! لأنه مجتمع يتجاوب مع الفطرة الإنسانية ويلبّي حاجاتها. وقد شهد التاريخ قيام هذا المجتمع قروناً طويلة … والذي حدث مرة يمكن أن يحدث مرات. كيف لا … وهو مجتمع يقوم على العقيدة الإلهية التي لا غناء للنفس أو الجماعة عنها، وهو كذلك يتّسع لجميع الأجناس والألوان في كل زمان ومكان؟!

     

    ومهما حاولت القوى المعادية طمس معالم هذا الدين … فإنّها لن تفلح … والتاريخ شاهد على ذلك. وصدق الله العظيم : "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" (الصف: 8 و 9).

     

    ولا يتمّ هذا إلا بوجود جماعة مؤمنة تدعو لهذا الدين ويتمثّل فيها، وتنطلق من أرض الإسلام كدولة مجاهدة لنشره بين الناس … .

     

    ومع الكيد العالمي للدعوة الإسلامية … فإنّ المستقبل – بإذن الله – لهذا الدين: "ألم تر كيف ضرب الله كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها ويضرب الله الأمثال للنّاس لعلهم يتذكرون" (إبراهيم: 24 و 25).

     

    إنّ جذور الإسلام عميقة، ضاربة في شعاب الفطرة، متّصلة بأغوار النفس، مستكنّة في أعماق القلب والضمير … وبإزالة الركام والران عن القلوب: فإنها تتجاوب مع هدى الله عزّ وجل. والدعوة الإسلامية صاحبة حقّ، لأنها تستمد قوّتها من الحقّ تبارك وتعالى: "ذلك بأنّ الله هو الحقّ ما يدعون من دونه هو الباطل" (الحج: 62).

     

    والمجتمع الإسلامي مع هذا كله هو طريق الخلاص الوحيد للبشرية المهدّدة بالدمار والبوار، حيث إنه الاستجابة لنداء الفطرة، والفطرة في ساعة الخطر تتنبّه وتعمل … مهما تكن في خبال أو دوار. إنّ الإسلام ضرورة إنسانية وحتمية فطريّة، ومن ثمّ فإنّ الدافع لبروزه أقوى من كل قوّة معوّقة … إنه إن لم يقم اليوم فسيقوم غداً. ولكنّ الطريق إليه شاق … مليء بالأشواك. وأعسر ما في الطريق: أن نرتفع بتصوّراتنا وأخلاقنا وسلوكنا ثم بواقعنا الحضاري الماديّ إلى مستوى الإسلام …* .

     

    إنّ انهيار النظم القائمة سيعيد الإنسان إلى الله … أما الرأسمالية فقد استهلكت كعقيدة ونظام في معظم أرجاء الأرض … وأمّا الشيوعية فقد بدأت تنهار** … فلا بدّ من نظام آخر يملأ الفراغ… والنظام الآخر هو الإسلام … إنّ من استهزاء الله بهذه الجاهلية التي تكيد لدينه في كل الأرض، أن تقوم حركة إسلامية شابّة تدعو إلى إقامة حكم إسلامي في أمريكا: "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" (آل عمران: 54).

     

    ولن تستطيع قوى الشر العالمية أن تهزم الدعوة الإسلامية مهما بغت*. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحقّ، ظاهرين على من نأواهم حتى يقاتل آخرهم المسيج الدجال)([3]).

     

    وإذا كان من السنّة تأمير واحد – إذا كانوا ثلاثة فأكثر – في السفر، فما بالك بمن يريد إعادة المجتمع الإسلامي؟!

     

    وإذا كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يسيحون في الأرض جهاداً في سبيل الله وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وتبليغاً لدعوة الله … وهم يعيشون في ظل مجتمع إسلامي، فإنّ الدعوة إلى الله اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى!

     

    وكلّ من يموت وهو لا يعمل لإعلاء كلمة الله فإنه آثم!

     

    إنّ المعروف الأكبر: هو توحيد الله وعبادته، وثمرة ذلك: الفوز بسعادة الدارين.

     

    وإنّ المنكر الأكبر: هو الشرك والكفر والنفاق، ونتيجة ذلك: خسارة الدارين والعياذ بالله! وكلّ خيْر أو شرّ نابع من هذين الأمرين:

     

    يجب العمل للإزالة المنكر العظيم المتمثل بإقصاء الإسلام عن الحياة.

     

    إنّ إقصاء الحكم الإسلامي، والتقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الجهاد في سبيل الله … جرائم ر يكفّرها إلا النهوض بها فوراً. وأيّ تخاذل عن هذه الفرائض يؤدّي إلى فتنة تعمّ الصالح والطالح: " واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة" (الأنفال:25).

     

    يجب غرس العقيدة في النفوس حتى تحيا الأمة، قال تعالى: "أوَمَنْ كان ميْتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس …" (الأنعام: 122)، والقلب الميّت لا يجاهد وبالتالي لا يمكن أن ينتصر!

     

    وقد يزيّن الشيطان لبعض الناس اعتزال المسلمين والتفرّغ لأداء الشعائر التعبدية …! ومن يفكر هذا التفكير فإنه مخطئ لا محالة! لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الركن الركين الذي من أجله كرّم الله الأمة الإسلامية بقوله : "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110).

     

    وقد جعل المولى تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة فارقة بين الإيمان والنفاق، فقال : "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف" (التوبة: 67). "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (التوبة: 71).

     

    وطريق الخلاص واحدة: هي طريق الأنبياء والمرسلين (عليهم الصلاة والسلام) : (ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل: 36). فهذه الآية الكريمة تلخّص رسالة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتبيّن أنّ مهمتهم عبادة الله تعالى، وإنقاذ الناس من براثن الطاغوت، وتحكيم شرع الله.

     

    لقد بدأ كل رسول بهذه الدعوة … والتفّ حول كثير منهم فئة من المؤمنين … وقامت الجاهلية في كل مرة بفتنتهم عن دينهم … فيصبر من يصبر ويرتدّ من يرتدّ … والثابتون يجعلهم الله تعالى ستاراً لقدره، وأداة لنصرة دينه، ثمّ يمكّن لهم في الأرض: "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنّهم لهم المنصورون، وإنّ جندنا لهم الغالبون" (الصّافات: 171-173).

     

    ومن رحمة الله بعباده أنه كلما انحرفت البشرية عن الجادّة … يرسل لها من يردّها إلى سواء الصراط … وهكذا حتى جاءتنا الرسالة الخاتمة "على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم" : "ثمّ أرسلنا رسل تترى كلما جاء أمّة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعداً لقوم لا يؤمنون" (المؤمنون: 44).

     

    وبعد طيّ سجل الرسالات ببعثة  محمد – صلى الله عليه وسلم – وانقطاع الوحي، بعد ذلك… جعل الله مهمة الدعوة إلى أتباعه – صلى الله عليه وسلم : "وكذلك جعلناكم أمّة وسَطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (البقرة: 142). وعلى هذا فالأمة الإسلامية عامة – والعرب بشكل خاص – مسؤولة عن هدايا الناس، ومحاسبة على تبليغ الرسالة إلى البشرية، قال تعالى "وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تسألون" (الزخرف: 44).

     

    والدعاة إلى الله – في كل زمان ومكان – يقومون بمهمة الأنبياء والمرسلين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) … وهذه المهمة ملقاة على عاتق علماء المسلمين ودعاتهم بشكل خاص.

     

    وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك – كما يقول الإمام ابن القيّم (رحمه الله) بالمحلّ الذي لا يُنكر فضله، ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن ربّ الأرض والسموات؟([4]).

     

    وسنتناول في هذا البحث – بإذن الله – الحديث عن : كيفية إعادة تربية الأجيال على الإسلام؟ ومن أين نبدأ؟ وكيف نُعدّ المسلم ليكون داعية إلى الله؟ وكيف نُربّي الجماعة لتكون نموذجية رائدة منقذة؟ ونتعرّض خلال ذلك للحديث عن الحركات الإسلامية العاملة، ومن الله العون والتوفيق.

     

     

     


    ([1]) من أهم مراجع البحث: كتاب الدعوة الإسلامية لصادق أمين، ومشكلات الدعوة والداعية لفتحي يكن.

    ([2]) رواه الإمام أحمد. أنظر البنا: الفتح الرباني 1/87، وانظر روايات هذا الحديث في مسلم 3/1523 ومعنى حتى يأتيهم أمر الله: أي: حتى تقوم الساعة.

    * أنظر سيّد قطب: الإسلام ومشكلات الحضارة.

    ** وأكبر دليل على ذلك: انهيار الإمبراطورية الشيوعية في هذه الأيام.

    * أنظر محمد قطب: جاهلية القرن العشرين.

    ([3]) مسلم 3/1523-1525.

    ([4]) ابن القيّم: أعلام الموقعين 1/10.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

PROFILE

Mohammed Hafez Saleh Al- Shraidhe
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me