An-Najah National University

An-Najah Blogs

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, April 12, 1994
  • قضيـة مسلمـي أرتيريـا
  • Published at:Not Found
  • تسيطر الفصائل الأرتيرية المقاتلة على 85% تقريباً من أراضي أرتيريا، وتسيطر قوات الحكومة الحبشية على ما تبقّى. وتعدّ (أسمرة) أهم مدينة أرتيرية تتحصّن فيها القوات الأثيوبية باعتبارها العاصمة الإقليمية … لقد استولى المقاتلون الأرتيريون منذ ثلاثة أشهر على ميناء (مصوّع) الذي يقع على البحر الأحمر ويربط "أثيوبيا" بالعالم بحريّاً … وهو في الوقت نفسه محطّ المعونات التي تقدّمها هيئة الإغاثة الدولية إلى المنطقة، باعتبارها من أكثر مناطق العالم تعرضاً للجفاف والجوع …

     

    كان استيلاء الفصائل على ميناء "مصوّع" ضربة قاتلة للحكومة الأثيوبية، اضطرتها للاستعانة بإسرائيل وجنوب إفريقية، حيث زوّداها بالسلاح التقليدي والقنابل العنقودية، وقام الطيران الأثيوبي بضرب الميناء بالغازات السامّة، ومع الخسائر الضخمة التي فقدها المقاتلون الأرتيريون، فقد ظلّت "مصوّع" في قبضتهم وتحت سيطرتهم، مما جعل الموقف الأثيوبي حرجاً، وبخاصة بعد أن شدّد المقاتلون في إقليم "تيجراي" ضرباتهم ضد الجيش واختراقهم لدفاعاته الحصينة، وبعد أن تمّت لهم السيطرة على معظم الإقليم.

     

    لقد تخلّى السوفيات والشيوعيون في أوروبا الشرقية عن عملائهم في العالم الثالث، ومن بينهم "مانجستو هيلا ماريام" حاكم إثيوبيا، وقد اتخذت عملية التخلّي أشكالاً عديدة، أبرزها : وقف المساعدات المالية والمادية والعسكرية، وأيضاً فإنّ العملية تضمنت وقف المنح الدراسية والثقافية، وجعلت البديل لكل ذلك: دفع الثمن بالعملة الصعبة عدّاً ونقداً؛ سواءً ثمن الأسلحة أو الذخائر أو العتاد الحربي أو البعثات التعليمية … وقد وقع النظام الأثيوبي في ورطة بسبب السياسة الجديدة للرّفاق الشيوعيّين، فاضطر أن يمدّ بصره ثم يده إلى كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وجنوب إفريقية … والدول الثلاثة لها مصلحة استراتيجية في دعم النظام الأثيوبي والوقوف من خلفه، ليس حبّاً فيه، وإنما بحثاً عن مغانم أبعد، تتعلّق بجيرانه العرب المسلمين، وبخاصة الدول المطلّة على البحر الأحمر.


    إنّ الولايات المتحدة تريد أن تحلّ محل الروس، وتجعل من إثيوبيا مركزاً للتحكّم في المنطقة الإفريقية والعربية، وتحقّق عبْرها غايات سياسية وعسكرية وتنصيرية … وإسرائيل تسعى منذ زمن للسيطرة على البحر الأحمر، منذ أن استطاعت أن تجعل لها منفذاً على خليج العقبة (إيلات)، بعد انسحابها من سيناء … وقد أدركت أهمية السيطرة على باب المندب بعد حرب رمضان 1993هـ (أكتوبر 1973م). وفضلاً عن ذلك فإنها تسعى إلى غايات أخرى خطيرة، أهمها: ترحيل اليهود الأثيوبيّين (الفلاشا) إلى فلسطين المحتلة لزيادة عدد اليهود في مواجهة الفلسطينيين، ثم الالتفاف حول مصر من الجنوب، ومساعدة الأحباش على إقامة السدود عند منابع النيل لحرمان مصر من المياه، أو على الأقل المساومة حول تزويدها بما يوازي واحداً بالمائة من حصّة المياه التي تحصل عليها مصر، بموجب اتفاقية توزيع المياه بين دول حوض نهر النيل … فضلاً عن دعم الحركات الانفصالية التي يقودها النصارى أو الوثنّيون ضد السودان ودول أخرى، وخلق حاجز عَقدي أو ديني بين الإسلام وقلب القارة الإفريقية … .

     

    أما جنوب إفريقية: فإنها تبحث عن سوق للسلاح في إثيوبيا وغيرها، وقد وجدت في إثيوبيا السوق الملائم بوساطة شركات إفريقية مختلفة، وكان من بين شركات النقل التي أسهمت في نقل السلاح مؤخراً: شركة سودانية خدعتها إثيوبيا، حيث زعمت الأخيرة أنّ المنقولات عبارة عن بضائع استهلاكية، ولكنّ الشركة اكتشفت الخدعة، ففسحت العقد بالرغم مما ترتّب على ذلك من خسائر كبيرة للشركة بحكم الشرط الجزائي في العقد … ومن ناحية أخرى : فإن جنوب إفريقية تبحث عن مخرج لعزلتها، وكسر الحصار الذي فرضته الدول الإفريقية عليها بسبب سياستها العنصرية.

     

    وبالطبع: فإن دوْر أمريكا سوف يرجّح عنصر الإبقاء على النظام الأثيوبي أو القضاء عليه، فبقدر مساعدتها سيصمد النظام ويواجه الثورة الأرتيرية، والمعتقد أن أمريكا ستُبقي عليه، وتساعده ولو بالواسطة عن طريق "إسرائيل" … وقد سمحت أمريكا لإسرائيل أن تزوّد إثيوبيا بالقنابل العنقودية المحرّمة دولياً، حيث استخدمتها ضد الأتيريين في مواقع عديدة …

     

    ولكن المهم في الأمر: هو موقف الأرتيريين أنفسهم … فإنّ الانقسامات التي تحكمهم وتبدّد جهودهم وتجعلهم يحتكمون فيما بينهم إلى السلام: قد أخّرت نجاحهم كثيراً، وجعلت عدوّهم الحبشي الذي يعلن الشيوعية ويؤمن بالصليبية، يلتقط أنفاسه، ويوجّه إليهم ضربات عنيفة…

    لقد كانت الفصائل الأرتيرية تنطلق في بدايتها من منطلق وطني أو إسلامي، ولكنّ الخلافات أعطت فرصة للجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا – وهي تنظيم شيوعي معظم أفراده من النصارى – أن تسيطر على الساحة الأرتيرية، وتفرض نفسها وأفكارها وأسلوبها، لدرجة أنها خدعت العالم وصوّرت له سكان أرتيريا كنصارى في أغلبيتهم، ومسلمين في أقليتهم؛ بينما الواقع يقول إن أرتيريا مسلمة، حيث يبلغ عدد المسلمين أكثر من 75% من عدد السكان، ويتوزّع الباقون بين النصرانية والوثنية … كذلك فإن الجبهة الشعبية بالرغم من اعتناقها للشيوعية، فإنها تستشعر عملياً انتماءها للعالم الصليبي، ويسعى قادتها إلى ترسيخ مفاهيم الانسلاخ عن العرب والعروبة. والمهم أن "أسياسي أفورقي" زعيم الجبهة الشعبية قد وجد في نفسه مؤخّراً الجرأة على مهاجمة العرب، وإعلان الانسلاخ الأرتيري عن العروبة حيث قال: "نحن لا نريد دولة عربية، ومشكلتنا مع العرب كانت ولا تزال في خصوص استقلالنا السياسي!".

     

    وهذا القول من جانب "أفورقي" يكشف سرّ العمليات الإجرامية التي قامت بها الجبهة ضد المسلمين في أرتيريا – وبخاصة خطف النساء المسلمات من بيوتهن، وإجبارهنّ على معاشرة مقاتلي الجبهة وإبقائهنّ حتى يلدن، ثم طردهنّ بعد الولادة، وتربية أبناء السفاح وفقاً لمفاهيمهم و أساليبهم!

     

    بيْد أنّ الأنباء قد حملت أخبار تشكيلٍ إسلاميّ جهاديّ موحّد من بعض الفصائل، يقوم بدوره في إعادة الوجه العربي الإسلامي لأرتيريا، وفي الوقت نفسه يواجه قوات الاحتلال الأثيوبي والإجرام الذي تمارسه الجبهة الشعبية الشيوعية … وقد حقّق هذا التشكيل نجاحات ملموسة، وحظي بتأييد بعض الدول العربية والإسلامية، ولكنّ إمكاناته أقلّ بكثير من إمكانات الجبهة الشعبية، التي تحظى بدعم صليبي: (مجلس الكنائس – دول أوروبا الغربية – أمريكا – بعض الرفاق العرب!).

     

    وقد قبل نظام مانجستو مبدأ التفاوض مع الفصائل الأرتيرية، وانعقدت أكثر من جولة توسّط فيها "كارتر"، ثم اليمن … وواضح أنّ المفاوضات لم تسفر عن شيء ذي بال، وإن كان الطرفان قد اتفقا على مواصلة الحوار في المستقبل، مع استمرار روح عدم الثقة، والمراوغة من جانب النظام الذي يطمح إلى التقاط الأنفاس ومواصلة القتال بعد وصول دعم عسكري أكبر، واستثمار الخلافات بين الفصائل: وبخاصة بين الجبهة الشعبية والتنظيم الإسلامي الجديد…

    وفي ألمانيا الغربية تبنّى "حزب الخضر" مشروعاً غريباً لإقامة "دولة نصرانية" تضم شرق أرتيريا وشمال أثيوبيا حيث تيجراي والأورمو، من خلال زعمٍ يقول بأنّ هذه المناطق تسكنها أغلبية نصرانية. بينما الواقع يكذّب ذلك، فأرتيريا تضمّ أغلبية ساحقة من المسلمين وكذلك الأورمو … وإن كانت النسبة تقلّ بعض الشيء بالنسبة للتيجرانيّين …

     

    ولم يفهم الناس ما علاقة "حزب الخضر" الألماني بإقامة دولة نصرانية في الإمبراطورية الحبشية المنهارة؟ ولماذا يقوم بعملية الدعاية والترويج لهذه الدولة في البرلمان الألماني (البوندستاج) والصحافة والإعلام؟ ثم لماذا يسعى إلى تجميع المعنيين بالأمر، واتخاذ قرارات ومواقف تجعل من قيام الدولة الجديدة أمراً واقعاً وطبيعياً؟

     

    إنّ الحزب المذكور ينطلق من تصوّر صليبي يسعى إلى قطع الطريق على استعادة أرتيريا هويتها العربية الإسلامية، مستغلاً نشاط الجبهة الشعبية وتفوقها العسكري، وتخاذل الدعم العربي الإسلامي للتشكيل الموحّد، وإهمال القضية على المستوى الدّعائي. ولكنّ شيئاً من الجهد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي: كفيل بأن يجعل مؤامرة (حزب الخضر) تموت في المهد، وفي الوقت نفسه: يفوّت الفرصة على الجبهة الشعبية حتى لا تصبح المسيطر الأوحد على الساحة الأرتيرية المسلمة، مع دعم التشكيل الجهادي الموحّد، وتخليص أرتيريا العربية المسلمة من الاحتلال الحبشي الذي دام قرابة نصف قرن!!

     

    لقد هاجم "مانجستو" الدول العربية، وتحالف مع إسرائيل وجنوب إفريقية وأمريكا، واستخدم الأسلحة المحرّمة دولياً ضد الأرتيريين، وهجّر الفلاشا إلى فلسطين. وقد آن الأوان لأن يلقّنه العرب والمسلمون درساً لا ينساه هو وغيره من أعداء العرب والمسلمين، والظروف مواتية على كل حال بإذن الله.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

PROFILE

Mohammed Hafez Saleh Al- Shraidhe
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me