An-Najah National University

An-Najah Blogs

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Saturday, January 1, 1994
  • صفات الجماعة الإسلامية المنقذة
  • Published at:Not Found
  • "صفات الجماعة الإسلامية المنقذة"

     

    لا بدّ أن تتوفّر في الجماعة الإسلامية الرائدة عدّة صفات أساسية أهمها:

    (أ) أن يكون مرجعها في تصوّرها للعمل للإسلام من حيث: الأهداف والوسائل ومواجهة الظروف والأحداث ووزن الأشخاص – مستمداً من الكتاب والسنّة، باعتبارهما الترجمة العملية للدعوة الإسلامية. ويندرج تحت هذه الصفة:

    أن يكون مفهوم (لا إله إلا الله) واضحاً لدى أفراد الجماعة.

    ونعني بلا إله إلا الله: توحيده عزّ وجلّ في ألوهيته وربوبيّته وأسمائه وصفاته.

    لا إله إلا الله: ثورة على الظلم والفساد … وعلى الباطل بجميع صوره وأشكاله.

    لا إله إلا الله: ثورة على الشرك والبدع – بجميع أشكالها – ومن أهمّها بدعة الحكم بغير ما أنزل الله!

    لا إله إلا الله: تعني أنّ التشريع من حقّ الله وحده، وإلاّ فهو الظلم والفسق والإجرام والعصيان والكفر والشرك والضلال!

    لا إله إلا الله: تعني الكفر بالطاغوت بجميع أنواعه وأشكاله.

    لا إله إلا الله: تتطلّب التخلّق بآداب الإسلام في جميع شؤون الحياة: بين المرء وبين نفسه… وبينه وبين أعدائه … وبينه وبين جيرانه … وبينه وبين الدولة التي يعيش في ظلّها … وبينه وبين أفراد مجتمعه.

    لا إله إلا الله: تتطلّب التخلّق بأخلاقيّات الدين الحنيف في النيّة، فلا يهمّ صاحبها إلا بخير… وإنْ هَمّ بالسوء كَفّ عنه مخافة الله.

    لا إله إلا الله: تتطلّب القيام بما وكّل للمرء من عملٍ خيرَ قيام، سواء كان في البيت أو المتْجر أو المدرسة أو المعمل أو الوظيفة أو المختبر أو العيادة أو السوق أو المنتدى أو المسجد أو …

    لا إله إلا الله: تتطلّب التخلّق بأخلاقيات الإسلام في الطعام أو الشراب أو النوم أو اللباس…

    لا إله إلا الله: توجب التجرّد للّه في الأقوال والأعمال.

    لا إله إلا الله: تقتضي مراقبة الله في الفقر والغنى … في السرّاء والضرّاء … في السرّ والعلانية … في الظاهر والباطن … في الشغل والفراغ … في الصغر والكبر … في القوة والضعف … في الصحّة والمرض … في العزوبة والزواج … في السلم والحرب …

    لا إله إلا الله: تتطلّب الصدق والصبر والحلم وكظم الغيظ والعفو عن الناس والإحسان إليهم.

    لا إله إلا الله: تتطلّب الحبّ في الله والبغض في الله … وتتطلّب: التوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والرضا بالقضاء …

    لا إله إلا الله: تتطلّب الرحمة والتواضع والحياء والعلم والدعاء والذكر والاستغفار …

    لا إله إلا الله: تتطلّب الموالاة في الله وتكثير سواد المسلمين …

    لا إله إلا الله: تتطلّب القيام بحقوق العيال، وبرّ الوالدين، وتربية الأهل والأولاد، وصلة الرحم، والرفق بالموالي والضعفاء …

    لا إله إلا الله: تتطلّب متابعة الجماعة، والإصلاح بين الناس، والمعاونة على البرّ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الأمانة،  والجهاد في سبيل الله …

    لا إله إلا الله: تقتضي القيام بجميع الأوامر … والابتعاد عن جميع المناهي وترك الشبهات: "قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات:14).

     

    وقد بات من نافلة القول التأكيد على أنّ الحديث المستفيض عن العقيدة في محكم التنزيل لم يأت لإثبات وجود الله فحسب، لأنّ الناس فُطرت قلوبهم – على مدار التاريخ – على الإيمان بخالق الكون والحياة: "قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعملون؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكّرون. قل من ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتّقون. قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل فأنّى تسحرون" (المؤمنون: 84-89). ولكنّ هذا الحديث جاء في مراحل تاريخ الأنبياء والمرسلين – عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم – للتأكيد على حقيقة التوحيد وما تستلزمه من إخلاص العبادة لربّ العالمين. وقد قلا كل نبيّ لقومه: "أُعبدوا الله مالكم من إله غيره" (هود: 50 و 60 و 84) و(الأعراف: 59 و 65 و 73 و 85) و(النحل: 36).

     

    إنّ الإقرار بالألوهية يقتضي عبادة الله وحده، وطاعته وحده، وجعل الحاكمية له وحده، وردّ الأمر والنهي إليه وحده، وجعل التشريع مقتصراً عليه وحده. إنّ توحيد الألوهية يؤدّي لردّ الحاكمية للفرد الصمد وانتزاعها من كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ. ويؤدّي كذلك إلى سحق الطاغوت – وكل ما يتعلّق به – وأخذه بالنواصي والأقدام، وإلى تحرير العباد من الآصار والأغلال والظلام.

     

    وحين يجترئ أحد على حقّ الحاكمية – بغير سلطان -، وحين يرضى الناس حكم الطاغوت، ويستمرون حياة الجاهلية، ولا ينكرونها – باليد أو اللسان أو بالقلب -، ولا يسعون قدْر طاقتهم لتغيير الواقع السيء الذي يعيشونه … حينذاك:

     

    ينقسم الناس إلى فريقين: أرباب وعبيد:

    أرباب – ملأ مشرّعون - : "شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" (الشورى: 31).

     

    وعبيد – منفّذون - : "اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا الله هو سبحانه عمّا يشركون" (التوبة: 31). عن عدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: " أتيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وفي عنقي صليب من ذهب، فقال : يا عدي! اطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآيات: "اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله". قال: قلت: يا رسول الله! إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليسوا يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويُحلّون ما حرّم الله فتُحلّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم". وفي رواية أخرى: "قلت: يا رسول الله! أما إنّهم لم يكونوا يصلّون لهم! قال: صدقت! ولكنْ كانوا يحلّون لهم ما حرّم الله فيستحلّونه، ويحرّمون ما أحلّ الله فيحرّمونه"([1]).

     

    وإذا صرف أيّ شيء من الحاكمية لغير المولى تبارك وتعالى، فإنّها حينئذ عبادة الشيطان وعبادة الطاغوت!

     

    وقد انقسم الناس تجاه هذه الدعوة الربّانيّة إلى قسمين: قسم آمن بأنّ لله وحده الأمر والنهي والتحليل والتحريم … وقسم رفض توحيد الألوهية وما يتعلّق به … الأوّلون هم المؤمنون … والآخرون هم الكافرون … سواء كانوا من الملأ أو العبيد … ودار الصراع بين حزب الرحمن وحزب الشيطان … وتعرّض حملة الحقّ أثناء ذلك: للقتل والنفي والتعذيب والاضطهاد والاستهزاء والابتلاء … ولكنّ العاقبة كانت دائماً للمؤمنين، وكان الخسران في الدارين على الكافرين؛ من مستكبرين ومستضعفين([2]):

     

    " … قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. قلنا: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم. وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين. ونجّيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين. ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين. ولوطاً آتيناه حُكْماً وعِلْماً ونجّيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سَوْء فاسقين، وأدخلناه في رحمتنا إنّه من الصالحين. ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجّيناه وأهله من الكرب العظيم. ونصرناه من القوم الذين كذّبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سَوْءَ فأغرقناهم أجمعين"  (الأنبياء 68-77).

     

    "فكلاًّ آخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" (العنكبوت:40).

     

    (ب) ومن الشروط الواجب توفرها في الجماعة النموذجية المنقذة أيضاً:

    أن يكون في طبيعتها التكامل وفي أهدافها الشمول … وألا تقتصر على أحد جوانب الإسلام الهامة، وألا تُضخّم جانباً على حساب آخر … وألا تكون محدودة الأهداف … وأن تبدأ بتربية الأفراد … حتى تقيم الحكم الإسلامي والحياة الإسلامية، حتى تنطلق في الأرض لإعلاء كلمة الله ونشر دينه بين الناس. وأن تُقدّم الإسلام للناس في صورة نماذج بشرية متكاملة. وأن يكون عندها وضوح تام لأهدافها ووسائلها … وإدراك صحيح لما يجري حولها… ومعرفة جيّدة لضراوة المعركة التي يخوضها أعداء الله معها. وأن تؤثر الناحية العملية … وأن تترجم الأعمال إلى أقوال. وأن تلتقي مع بقية الجماعات الإسلامية العاملة في أحسن ما تدعو إليه. وأن تربّي قلب الفرد: بالعبادة والتلاوة والذكر … وتربّي عقله: بالمطالعة والبحث وطلب العلم… وتربّي جسده: بالرياضة والتدريب والفروسية. وأن تلتقي مع من ينادي بالأخذ بالسنّة والابتعاد عن البدع والبحث عن الأدلّة وعدم التعصّب المذهبي: مع البعد عن الغلظة والجفاف الروحي.

     

    وأن تلتقي مع من ينادي بالاهتمام بتزكية النفس: مع البعد عن أي شرك أو بدعة أو تعصّب لغير الكتاب والسنة! وأن تلتقي مع من ينادي بنشر الدعوة بين عامة الناس وتبليغهم أمور الدين: مع البعد عن الجهل والسذاجة!

     

    وأن تلتقي مع من ينادي بالتربية البطيئة والإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل؛ مع البعد عن الحزبية والاستعجال!

    وألا تُكفّر إلا من يستحق الكفر لئلا تقع في مزالق خطيرة.

     

    (ج) أن يكون هناك وضوح في الرؤية لدى الجماعة:

    في الأهداف وأسلوب العمل، ولواقع البشرية وللمعركة الخطيرة مع أعداء الإسلام – من صليبية ويهودية وشيوعية ووثنية - … وأن تعي أنّ عليها الآن الاهتمام في الجذور واللباب لافي الفروع والقشور! (ولا يعني ذلك ترك أيّ سنة أو ارتكاب أيّ بدعة).

     

    (د) أن يعطي أفراد الجماعة ولاءهم لله تعالى:

    وأن يطيعوا القيادة في المنشط والفكرة – بغير معصية بالطبع -، وأن يكون أساس الترابط بينهم هو الحبّ في الله والعمل لله: "إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون" (المائدة: 55 و 56).

     

    (ه) أن تهتمّ الجماعة بتربية أفرادها:

    - بعد انتشالهم من واقعهم الجاهلي – وتخلعهم من كل رواسب الجاهلية، في الفكر والشعور والسلوك، وتصلهم بالله عزّ وجلّ، وتحوّل المعاني النظرية في أذهانهم إلى مشاعر فياضة، تملأ القلب بحرارة العقيدة، وتدفع لتحقيق مدلولها في واقع الحياة.

     

    (و) أن تؤثر الجماعة الناحية العملية على الجدليّة:

    لئلا تتحوّل الدعوة إلى ترف فكري ومعرفة ذهنية، وأن لا يزيد الكلام عند أفرادها على العمل. فبعد اعتناء الجماعة بتربية أعضائها … تنطلق بهؤلاء الأفراد ليدعوا الناس بدعوة الإسلام … ويبصّروهم حقيقة دينهم وواقعهم الجاهلي السيء – نتيجة غياب الحكم الإسلامي - … ويبيّنوا لهم ضرورة الجماعة الإسلامية لإعادة الإسلام إلى واقع الحياة. وحين يعلم الله أنّ الجماعة استحقّت التمكين … ينزل نصره ويذلّ أعداءه … بعد أن يتّخذ من الجماعة شهداء، يكون دمهم مشاعل على الطريق … يزيد الدعوة وضوحاً، وقوة، وحياة، ونماء.

     

    وبإيجاز: عليها أن تأخذ إيجابيات الجماعات الإسلامية القائمة … وأن تبتعد عن سلبيات هذه الجماعات … لتحوز على رضا الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم رضا العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ثانياً.

    إنّ الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، ودنيا وآخرة، وخلق وثقافة، وعلم وعبادة، ومعاملة وسياسة، واقتصاد وتربية، وشعائر وأحكام … وليس بمؤمن من آمن ببعض وكفر ببعض: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب" (البقرة: 85).

     

    إنّ على ا لجماعة الإسلامية النموذجية: أن تَفهم – قبل غيرها – وأن تُفهم غيرها كذلك حقيقة هذا الدين، وألا يزاولها شكّ في أنّ الإسلام نزل من عند الله تعالى شاملاً لجميع نواحي الحياة الإنسانية، ولا بدّ من تحكيمه – كما نزل – في جميع مجالات الحياة في كل مكان وأوان.

     

    وعلى الجماعة كذلك: ألا تُغلّب أحد جوانب الإسلام على غيره بحيث يطغى على بقية جوانب الإسلام العظيمة، فكما أنّ الإسلام يحثّ على جهاد النفس: فإنه يحثّ كذلك على جهاد الأعداء، وما أجمل القيام بكلّ منهما في آن واحد!

     

    وكما أنّ الإسلام يهتمّ بتوحيد الأسماء والصفات – فلا تجسيم ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه - : "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"([3]) (الشورى: 11)، فإنّه يهتمّ كذلك بتوحيد الألوهيّة، الذي بُعثت الرسل من أجله، ودار الصراع بين الحق وأهله، وبين الباطل وخيله ورَجله بسببه.


    ([1]) الطبري: جامع البيان 10/114، ومختصر ابن كثير 2/137.

    ([2]) أنظر كتاب المؤلف: مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية: فصل أثر الإيمان بالرسل (عليهم الصلاة والسلام).

    ([3]) قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" فيه نفي التمثيل. وقوله: "وهو السميع البصير" فيه إثبات الصفات. أنظر الشنقيطي: منع جواز المجاز ص53-56، وكذلك منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات                    ص: 25 و26.

    وابن شيخ الحزامييّن: النصيحة في صفات الربّ جلّ وعلا.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

PROFILE

Mohammed Hafez Saleh Al- Shraidhe
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me