An-Najah National University

An-Najah Blogs

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, April 12, 1994
  • المستقبـل لهـذا الديــن: من الألم إلى الأمل = الصحوة الإسلامية العالمية المعاصرة
  • Published at:Not Found
  • المستقبل لهذا الدين([1]) :

    يمرّ العالم الإسلامي بفترة سيئة في الوقت الحاضر – نتيجة أسباب داخلية وخارجية كثيرة – من الضعف والذلّ والهوان والضياع وغلبة الأعداء … مع كلّ ما يعانيه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وروحيّة. والذي يراد بالعالم الإسلامي في المستقبل القريب أسوأ من ذلك كله بكثير! إنهم في الحقيقة سائرون في ذات الطريق الذي بدأوه منذ أربعة قرون أو أكثر، منذ طُرِدَ المسلمون من الأندلس، ثم بدأت الحروب الصليبية الجديدة لمطاردة المسلمين في بقية الأرض، وإخضاعهم لسيطرة الصليبيين الحاقدة، وإذلالهم انتقاماً من الهزيمة الساحقة التي تلقّاها الصليبيّون في الحروب الصليبية الأولى، بعد كل ما بذلوه من الدماء والأموال، ولم يعودوا مدحورين فحسب، بل قامت دولة إسلامية في أوروبا ذاتها، ظلت تزحف زحفاً مستمراً قرابة ثلاثة قرون، وتستولي على بلاد نصرانية تخضعها لسلطانها، بل يدخل من سكانها في العقيدة الإسلامية عشرات الملايين! ولكنّ العالم الإسلامي ظنّ في بداية القرن العشرين الميلادي وفي أثنائه، أنه قد تخلّص من الاستعمار واستردّ كيانه وحسّن أوضاعه … فهل كان الظنّ حقا؟

     

    لقد انتشر التعليم بعد أن كانت الجهالة هي السمة العامة لشعوب العالم الإسلامي، وتحسّنت الأوضاع الصحيّة بعد أن كان المرض متفشٍ، ووجدت مصانع – صغيرة أو كبيرة – تصنع الخامات المحلية، وتنتج بعض ما يلزم الناس في حياتهم، بعد أن كان كل شيء يستورد من الخارج. وصارت هناك جيوش تستخدم أسلحة حديثة، بعد أن كان سلاحها متخلّفاً جدّاً، ودخلت الآلات الحديثة في الصناعة والزراعة والعمارة … وملأت السيارات شوارع المدن، وإلى جانب ذلك انسحب الاستعمار من معظم بلاد العالم الإسلامي، واكتفت دول الاستعمار بنفوذها السياسي والاقتصادي، بعد أن كانت تحتلّ الأرض وترهب الناس، وسمح الاستعمار للدول الإسلامية أن يكون لها تمثيل (دبلوماسي)، وأن تحتلّ مقاعد في هيئة الأمم المتحدة. ولكنّ هذه الظواهر لم تكن كلها صادقة كما يبدو لأول وهلة، فقد كان بعضها حقيقياً وبعضها خادعاً … ولكنها كانت في جملتها خيراً مما آلت إليه الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية، بحيث يعتبر واقعنا المعاصر نكسة شاملة، بعد التقدّم الظاهري الذي كان في النصف الأول من هذا القرن! كيف حدث ذلك؟ لما انتكست الأحوال وصارت تزداد يوماً بعد يوم؟ فلننظر أولاً في حالة التحسّن الظاهري الذي كان في مبدأ الأمر … لقد حدث ولا شكّ قدْر من التقدّم برضا الاستعمار أو بغير رضاه … ونستطيع أن نتصوّر أنّ روح الثورة على الاستعمار قد شحذت عزائم الناس، فأصرّوا على أن يتعلّموا وأن يُنتجوا وأن يصلحوا بعض ما رأوه فاسداً في حياتهم … ولكن هناك أمراً خطيراً لم تلتفت إليه تلك الشعوب وهي تزحف نحو التقدّم والتحضّر والرقيّ … لم تلتفت إلى المؤامرة الكبرى التي صاغتها دول الاستعمار جميعاً ضدّ كيانها الأصيل – ضدّ الإسلام – ولم تلتفت إلى عملية التسميم التي قامت بها دول الاستعماري في الأرض الإسلامية قبل أن تنسحب منها … إنها لم تنسحب حتى أبرزت (القيادات العلمانية) التي تقود مرافق الحياة كلّها في العالم الإسلامي!!! ولم تنسحب حتى كانت قد حررت المرأة المسلمة من دينها وأخلاقها وتقاليدها!! ولم تنسحب حتى بذرت في الأرض الإسلامية كل البذور السامّة الموجودة في المجتمعات الغربية، ولكن بدون عوامل القوة الإيجابية التي تؤخّر الدّمار هناك. بذرت في العالم الإسلامي الفوضى الجنسية، والتحلل الخلقي، والتمزّق الأُسري والنفسي، والضياع الروحي، والقلق، والانتحار، والجريمة، والاستهتار بالقيم … هل كان يتوقّع للشعوب الإسلامية وقد بذرت فيها كل تلك البذور السامّة أن تتقدّم حقيقة؟

     

    أم كان يتوقّع لها الانتكاس الدائم والضعف المستمر، رغم كل مظاهر التقدّم المادي التي تطفو على السطح؟! لقد رأى العقلاء بوادر ذلك كله وأنذروا شعوبهم، فلم تستفق هذه الشعوب لصوت النذير، وظلت تلهث كالمجنون تستزيد من بذور السمّ، وكلما أخذت جرعة طلبت المزيد!! هكذا كانت الأمور تسير قبل الحرب العالمية الثانية … قوّتان رئيستان مسيطرتان – بريطانيا وفرنسا – وقوى ثانوية تنافسهما، ولكنّ الجميع – بالنسبة للعالم الإسلامي – متعاونون على الهدف المشترك وهو حرب الإسلام، ووسائلهم الكبرى : الغزو الفكري، وتحرير المرأة، وإفساد المجتمع، وإبراز الزعامات العلمانية في جميع المجالات! ولكنّ الحرب العالميّة قضت على الدولتين العظيمتين وأبرزت بدلاً منهما وحشين جديدين من نوع آخر هما: روسيا وأمريكا … وأهمّ من ذلك كلّه أنها أبرزت النفوذ اليهودي سافراً على السطح! لقد كان النفوذ اليهودي قائماً في العالم الغربي منذ الثورة الصناعية التي وقعت تلقائياً في أيدي المرابين اليهود، ولكنه لم يتغلغل قطّ كما تغلغل وبرز بعد الحرب العالمية الثانية، وسيطر على المعسكرين في الشرق والغرب، وصارت السياسة العالمية في يد اليهود، ينفّذونها عن طريق أمريكا وروسيا، أصرح وأوضح بكثير مما كانوا ينفّذونها من قبل خلال بريطانيا وفرنسا!

    لقد وصل اليهود إلى قلب المنطقة الإسلامية وأقاموا دولة فلسطين، وحدث في أثناء قيام دولتهم المغتصبة، ذلك الحدث التاريخي الكبير: وهو صدام الفدائيّين المسلمين – المصريّين – مع اليهود! وتبيّنت الصهيونية والصليبية كلتاهما أنّ الدولة التي تآمرتا معاً لإيجادها في قلب العالم الإسلامي، مهددة بالخطر إذا بقيت الحركة الإسلامية، فضلاً عن تعذّر توسّعها فيما بعد، إذا بقيت تلك الحركة على ما هي عليه. عندئذ تلاقت العداوات كلّها – بدرجة عنيفة – على ضرورة القضاء الباتّ على الحركة الإسلامية. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من التحطيم متمثلة في: التذبيح الوحشي للمسلمين، والتفتيت المستمر للعالم الإسلامي!

     

    واستخدمت الجولة الجديدة أداة أشدّ فتكاً هي الانقلابات العسكرية … وهكذا توالت المذابح الوحشية، وتصعّدت معها عملية إفساد الأخلاق في جميع المجالات! وأصبحت الانتهازية عملة متعارف عليها لا يستتر أهلها منها! وكان هذا كله جزءاً من السياسة العامة المطلوبة من قبل الأعداء، لتفتيت كيان الشعوب المحيطة بإسرائيل، فلا يبقى فيها شيء متماسك يمكن أن يقاوم أطماع اليهود!!

     

    أمّا العمل على الساحة الإسلامية: ففيه مشكلات كثيرة وغير هيّنة أبرزها: تفرّق الجماعات العاملة في الساحة وتمزّقها، وقيام بعضها بحرب بعض، وغياب القيادة التي يمكن أن تجمع العمل الإسلامي وتوحّد طريقه، ثم النقص في جوانب مهمة من جوانب التربية: العقيدية والحركية والفكرية والسياسية والروحية …

     

    وعند هذه الصورة – بالإضافة لما يراد بالمسلمين من سوء – يقف بعض الناس فيرون كأنّ الطريق مسدود، وكأنّ الصحوة الإسلامية كلّها على وشك الانهيار! وهذا غير صحيح!! وأعداء الإسلام يعرفون أنهم لم ولن يقضوا على الإسلام! وإذا قلنا بأنّ المستقبل بإذن الله للإسلام، فلا نقول ذلك رجماً بالغيب، ولكن تتبّعا للواقع المشهود، وتتبّعاً للسنن الربّانيّة في الوجود! ولو كان في قدَر الله أن يزول الإسلام: فربما كان أنسب حدث لهذا: إزالة الخلافة على يد أتاتورك … ولكنّ قدَر الله اختار هذا الحدث ذاته ليكون بداية يقظة جديدة، ولو كان في قدَر الله القضاء على الصحوة الإسلامية – الفتية - : فربما كانت أعمال أتاتورك الثاني (جمال عبد الناصر) أنسب ظرف للقضاء عليها! ولكنّ الذي حدث أنّ كل مذبحة تقع: تأتي بمدد جديد من الشباب ينضم للصحوة الإسلامية، بل نرى أنّ الاتجاه للإسلام، والرغبة في تطبيقه كاملاً شاملاً: أصبح تيّاراً ذاتيّاً عند الشباب، لا يتعلّق بجماعة معيّنة، بل يمثّل تطلّعاً عامّاً عند الشباب؛ سواء التحقوا بجماعة أم لم يلتحقوا. إنّ رجوع الأمّة للإسلام لم يكن عجباً، وإنّما العجب أن يشردوا عنه، وأن يثبتوا على هذا الشرود!

     

    ولقد كان من أكبر أسباب هذا الشرود: الفتنة بالحضارة الغربية، ولكنّ الحضارة في طريقها إلى الانهيار، بعد انهيار الشيوعية في عقر دارها!! وإنّ الذي حلّ بالمسلمين لم يكن نتيجة أنهم مسلمون … إنما كان بسبب الخواء التدريجي الذي حلّ بكل مفاهيم الإسلام الرئيسية، نتيجة خطّ الانحراف الطويل، الذي فرّغ كلمة التوحيد من مدلولها الحقيقي، وحوّل الإسلام إلى تقاليد ومظاهر خالية من الروح والحيوية! ووضوح هذه الحقائق أمر لا يمكن وقفه! فلا أوروبا وأمريكا تملك أن تتوقف عن الانهيار الذي هو صائرة إليه، ولا المعرفة بحقيقة الدين الإسلامي يمكن وقفها، وقد صارت عند الشباب من المسلّمات! ومن روافد الصحوة الإسلامية كذلك: فشل النظم المستوردة في حلّ مشاكل الناس، وفشل الزعماء العلمانيّين في تحقيق ما كان الناس يعلّقونه عليهم من آمال! وحين ييأس الناس من هذه النّظم ومن هذه الزّعامات … فإلى أي يتّجهون؟! أنهم يتجهون للإسلام الحقّ بأعداد متزايدة تطلب الخلاص!

     

    والوجود اليهودي في الأرض الإسلامية رافد من روافد الصحوة الإسلامية كذلك! لقد أُنشئت الدولة اليهودية في مؤامرة صليبية صهيونية مشتركة، لتكون بمثابة الشوكة تخزّ العملاق كلما أراد النهوض. ولكن … إلى أين يتّجه الناس حين يتضجّرون – ذات يوم – من الوجود اليهودي وسيطرته في جميع مجالات الحياة؟ إنّ اليهود برغم ذكائهم الشرّير يعملون ضد صالحهم، ولكنّهم لا يملكون التوقّف عن العمل ضدّ مصالحهم، بسبب الحقد الأسود الذي يملأ قلوبهم ضدّ الإسلام! ومن أصدق من الله حديثا؟! : "لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا" (المائدة: 82). إنهم يستذلّون البلاد العربية، ولا يقفون في إذلالها عند حدّ – لأنهم يريدون السيطرة والتوسّع – فينشئون بذلك ردّ فعل دائم يتزايد باستمرار … فهل يملكون أن يتوقّفوا عند الحدّ المعقول لكي لا يحدث ردّ الفعل المحذور؟ وحيث يحدث ردّ الفعل – ولا بدّ أن يحدث ذات يوم – فلمن يتّجه الناس؟؟

     

    أتراهم يتّجهون إلى الأحزاب الموالية للغرب، وهو الذي يمدّ لإسرائيل في الغي، ويشجّعها على العدوان؟ أم تراهم يتّجهون إلى الأحزاب الشيوعية، التي تقوّضت دعائمها في البلد الأمّ روسيا، وهي التي كانت تصيح في وجه القاتل المجرم: عيب! حرام عليك يا رجل! ثم تتركه يجهز على فريسته وهو آمن من كل تعويق؟! إنّه لا متّجه لهم إلا الإسلام!

    هنالك قدر علوي يُسيّر الأحداث ويدفعها في اتّجاه الصحوة الإسلامية … إنّ بواعث الصحوة كلها متحقّق، سواء منها ما هو قائم الآن، أو ما هو قادم في الطريق … ولا يملك الأعداء جميعاً شيئاً من هذه البواعث! لكنّهم يملكون – بقدر الله – أمراً واحداً هو التقتيل والتعذيب والتشريد … وهذا لا يقضي على الصحوة الإسلامية، إنما يصقلها ويمحّصها ويجعلها أقدر على المواجهة! ويجعلها هي الخطّ البارز في مستقبل البشرية … ولن يكون شيء من هذا نزهة جميلة، أو طريقاً مفروشاً بالورود … إنما الشهداء تلو الشهداء … بينما الركب يسير في الحَرّ اللافح وفي الزمهرير لا يتوقّف عن المسير!! : "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلوْن إن كنتم مؤمنين. إنْ يَمسَسْكم قرْحٌ فقد مسّ القومَ قرْحٌ مِثْلُهُ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحبّ الظالمين. وليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" (آل عمران: 139-142). وفي النّهاية ينصر الله جنده المؤمنين حقاً، ويمكّن لهم في الأرض حسب وعده الدائم لهم : "وَعَدَ اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا: يعبدونني لا يشركون بي شيئا" (النور: 55). ولا نعلم بطبيعة الحال كيف ومتى يكون التمكين! ولكنّنا نستشفّ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم بعض الملامح لهذا التمكين: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله". رواه مسلم.


    ([1]) انظر واقعنا المعاصر لمحمد قطب من ص 526-550.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

PROFILE

Mohammed Hafez Saleh Al- Shraidhe
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me