An-Najah National University

د. يوسف عبدالحق

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Thursday, May 21, 2009
  • عقل العقل هو الأخطر - د. يوسف عبدالحق
  • Published at:http://www.tanwer.org/tanwer/news/48.html
  • small font medium font large font

    image

     

    تعاني الحركة الوطنية الفلسطينية بجميع كلياتها في هذه المرحلة من قمع مركب من الدرجة الخامسة، فهي من ناحية تخضع للإرهاب الصهيوني الإمبريالي المرسم ومن ناحية ثانية للقمع العربي الرسمي، ومن الناحية الثالثة للاستغلال الطبقي الوطني والقومي المعولم، يضاف إلى ذلك من الناحبة الرابعة القمع السلطوي الفلسطيني السياسي والاقتصادي والاجتماعي الممنهج ثم أخيرا القمع الفكري السلفي المقولب من الناحية الخامسة. وإذا كان القمع بدرجاته الثلاث الأوائل قد ظل من المعطيات الثابتة في مسار العمل الفلسطيني طيلة قرن ونيف، فإن القمع بنوعيه الأخيرين، القمع السلطوي والقمع السلفي ، هو حديث نسبيا بالرغم من أن مقدماته قد ظهرت في وقت مبكر حيث تراكم ألأول عبر أكثر من ثلاثين عاما من تفرد الرئيس الراحل عرفات وبرزت أنيابه مع ترسخ أقدام السلطة الفلسطينية في أواسط التسعينات من القرن الماضي، في حين برزت مخالب الثاني في الانتفاضة الأولى وظلت تظهر أحيانا وتختفي أحايين أخرى إلى أن عادت مؤخرا بقوة في قصة مهرجان فلسطين الدولي وبلدية قلقيلية وتعززت بقصة أخرى للمطرب عمار حسن في بنابلس

    .

     

    لم أكن أوثر أن يفتح موضوع القمع الفكري السلفي هذه الأيام على خطورته وأهميته لعدة اعتبارات في مقدمتها أننا اليوم أحوج ما نكون إلى دفن كل ما من شأنه تفتيت جهود شعبنا وبعثرته لحشد كل الطاقات بهدف تعزيز الصمود في مواجهة الاحتلال على قاعدة "لا صوت يعلو فوق صوت الصمود"خاصة وان الإسلام السياسي أثبت جدارته في الدفاع عن الوطن. وإذا كنا جميعا نبحث اليوم عن صيغة وطنية للوحدة حتى مع أولئك الذين وقعوا أوسلو المأساة الملهاة بما يقلل من تبديد أي جهد لشعبنا مهما صغر، فكيف لنا أن لا نعض على الجراح في تسبيك نسيجنا الوطني والاجتماعي الذي يشكل الحصن الاستراتيجي المتين للدفاع عن وجودنا ومصيرنا ؟؟؟؟؟؟

     

    أما وأن البعض لم يعد يرى في الوجود إلا مرآة فيها نفسه فلا بد والحالة هذه من دق جدران الخزان حتى يستيقظ العقل فينا ويضع الأمور في نصابها الصحيح، إذ انه لا يصح في النهاية غير الصحيح. ولا بد هنا قبل الاسترسال في الحديث قدما أن نقر بشكل لا يقبل اللبس أن هناك اتجاها متنفذا في السلطة الفلسطينية مس بل وأهدر ولا يزال، حقوقا أساسية للشعب الفلسطيني على الجانبين الوطني والمجتمعي الديمقراطي تحت ستار ما يسمى بحق الاجتهاد بحيث باتت السرقة والمحسوبية والاستزلام والتلاعب بحق العودة بل والعمالة أيضا ، وجهة نظر وذلك على مرأى ومسمع بل وملمس من صناع القرار الأوائل في السلطة دون أن يوجه لهذا الاتجاه أي سؤال مهما صغر عن بعض أفعاله ، في حين نجد السلطة بكل قواها تستنفر في مواجهة كل من يفكر مجرد تفكير في تعزيز الصمود الوطني ويكفي للدلالة على ذلك معتقلو غوانتينامو أريحا الصامدون الأمر الذي خلق القناعة في الغالبية العظمى من الشعب الفلسطبني أن ما يجري هو نهج مقبول لدى السلطة الفلسطينية

    !!!!!!

     


    وفي المجال المجتمعي الديمقراطي حدث ولا حرج، لقد سرق من سرق وقيدت كل قضايا السرقة ضد مجهول بدءاً من تقرير هيئة الرقابة وليس نهاية بفضيحة اسمنت المستوطنات، تصرف الألوف بل الملايين دون حسيب أو رقيب لكل من هب ودب إلا لمستحقيها من الفقراء، وظف الطالب الجامعي قبل تخرجه على اعتبار ما سيكون طبعا لكفاءته النادرة !!!! وترك الخريجون لغول البطالة، أثرياء الحرب يتزايدون وفقراء الوطنية أيضا يتزايدون وهذا عدل بالقسطاس، حتى بنك الفقراء شكله الأغنياء حديثا فابشروا يا فقراء الوطنية فقريبا سيتدفق عليكم فتات أثرياء الحرب ، كل ذلك يترافق مع صراع دموي مرير بين مراكز النفوذ في ظل شريعة الغاب !!! بهذا تشكلت جنة العقلانية التي ستنير لنا طريق الحرية والاستقلال والتنمية، أجل بذلك أطلقت السلطة الحرية للعقل الفلسطيني للإبداع من أجل التقدم والتنمية، أجلٌ أجل فقد تنعمت العقول وقطعت دابر الخوف من القلوب باحثة عن إبداعات التحرر والانعتاق بعيداً عن النفاق والاستزلام والمحسوبية وشراء الذمم من العدو قبل الصديق!!! فهنيئاً لك يا شعب فلسطين بالتنوير والعقلانية اللتين ترفل بهما في طل السلطة الفلسطينية

    !!!

     

    والآن يأتي المدد المديد من قلقيلية الصامدة في وجه مهرجان فلسطين الدولي ومن قدح زناد الفكر والزند في وجه الفنان عمار حسن في نابلس ليضاعف من وتيرة العقلانية باستدعاء بن رشد العظيم الملهم للتنوير الأوروبي، ليبوح لنا اليوم بسره الدفين ويقول " فليعلم أهلي وخلاني أنني مع دولة الموحدين حبكت المؤامرة على أوروبا فأسقيتهم ذل وتخلف العقلانية وحبوتكم عز النصية والسلفية دون تأويل أو اجتهاد فسيروا على بركة الله"!!!!!! وهكذا استيقظ الشعب ليقرأ عبارات التكفير والهجرة وليستمع لكل نعوت الرذيلة والفاحشة وليفجع بكل شتائم القدح والذم لكل من تسول له نفسه وصلة غناءٍ أو نغمة موسيقى أو رقصة دبكة، فزرياب ليس منا ولا الموصلي ولا الموشحات الأندلسية!!! وعليه فالعالم كله من شرقه إلى غربه عدوٌ مبين لنا وليس لنا إلا القبر أو القبر!!! أما قول الجاحظ " أن العقل وكيل الله في الإنسان" فهذا تخريف ما بعده تخريف، فالعقل يجب أن يعقل ليطلق العنان للنَصِيِ السلفي الوصي الأمين على ماضينا ومستقبلنا وحاضرنا، فنحن قصر لا نميز الغث من السمين، ولا نعرف مصلحتنا وخير أولادنا !!! الوصيُ هو الوحيد العاقل العالم القادر على التمييز بين الجمرة والتمرة بحكم قدرته المذهلة على التلقُن والتلقين، وما علينا سوى أن نلتزم القاعدة الذهبية التي فجرت فينا منذ أكثر من ثمانمائة عام عندما شرد بن حزم و أهدر دمه، ثورة التكنولوجيا والمعرفة التي نفيء بظلالها حتى الآن، ألا وهي "دبها في قبة عالم واطلع سالم."!!!
    يستقوي هذا البعض بدماء الشهداء وآهات الأسرى وأنات الجرحى تماما كما يستقوي البعض الآخر في السلطة بالرصاصة الأولى، بغية استئثار كل منهما بالولاية على العقلانية والمفهومية والإبداعية في كل جوانب الحياة حتى أنهم باتوا أيضا أوصياء على الشهداء يستنطقونهم بما شاؤا، بل هم يستقوون بالأكثرية في مسألة فكرية علمية ثقافية، كأن العلم يتم التوصل إليه بالتصويت، بل أكثر من ذلك حيث أنهم يستقوون بالأكثرية لإلغاء حكم الأكثرية من خلال إلغاء القاعدة التي تشرع حكم الأكثرية وهي الديمقراطية، فجوهر الديموقراطية هو أن تتيح للجميع حرية التعبير بكل وسائل التعبير ولك أنت أيضا أن تعبر عن النقيض بكل وسائل التعبير، وعليه فالأكثرية يمكنها أن تقرر أي شيء باستثناء أن تلغي جوهر مشروعيتها الديمقراطي المتمثل بحرية التعبير باعتبار أن ذلك يعني فقدانها لمشروعية حكمها أصلا

    .

     

    يدرك الجميع أن العروبة في كل الأوطان تعيش اليوم في أرذل العمر ليس لأنها لا تملك مقومات التقدم والتطور، فهي تملك الكثير الكثير من هذه المقومات سواء البشرية منها أو المادية، وإنما لافتقارها في كل أوطانها لحجر الأساس المتمثل في الثقافة التنويرية باعتبارها هي المنهج الوحيد القادر على حشد كافة طاقات المجتمع من مختلف ألوان الطيف الإنساني في إطار تفاعلي تراكمي كمي ونوعي يؤدي في النهاية إلى إحداث النهضة الوطنية والقومية في الإطار الإنساني بما يمكننا ليس فقط من الدفاع عن حقوقنا ومصالحنا الوطنية والقومية الإنسانية بل وأيضا من المساهمة الجادة في الحضارة الإنسانية.إن الوهم السلفي أو السلطوي القائم على أن المشكل الوطني والقومي يمكن علاجه والخلاص منه بجرة قلم من الحاكم أو السلفي هو المشكل الحقيقي الوطني والقومي ،وعليه فلا مناص لنا من إطلاق العنان لحرية العقول بمختلف تلاوينها بعيدا عن الاستبداد السلطوي والسلفي لتنحت لنا بإبداعاتها

     

     

    طريقا راسخا ومتينا في صخرة العولمة الإمبريالية الأمريكية المتوحشة وصولا إلى مجتمع المعرفة القادر على دفعنا قدما نحو المكان الذي يليق بهذه الأمة التي تمتد جذور حضارتها المكتوبة المكتشفة حتى الآن إلى حوالي عشرة قرون

    .

     

    ولا بد ختاما من التذكير بأن الأمم والشعوب المتخلفة المقهورة ومنها شعبنا وأمتنا لم يعد لديها المزيد من الوقت لتبديده في التغزل بعظمة هذا الحاكم أو ذاك، أو في تمجيد هذا السلفي أو ذاك، فنحن على أبواب عصر استيطان الفضاء والإنسان الآلي الذكي، وإذا ما دخلنا هذا العصر ونحن على ما نحن عليه من عقل العقل وإرهابه فليعلم الجميع أننا سننحدر إلى الدرك الأسفل من الإنسانية حيث ستنقسم الإنسانية نوعيا إلى نوعين: إنسان، وحيسان(مخلوق بين الحيوان والإنسان) وحينها سنندم حيث لا ينفع الندم.

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • يحيى جبر said...
  • صح لسانك، وأفحم الله من خالفك ولكن ما الفائدة وقد...السبت،وتجذرت النواحي الخمس؟
  • Monday, May 25, 2009
  • د.يوسف عبدالحق said...
  • عزيزي د. يحيى جبر كلماتك هي طرقة على قفل العقلية العربية، إلى مزيق من الطرقات لتحطيم هذا القفل منبع المصائب العربية مع التقدير
  • Tuesday, May 26, 2009
  • عماد عسالوة said...
  • كل التقدير لفكرك دكتور وإن كان ابن رشد قد خشي أبناء عصره أو تخشّى غدر علماءهم المتعقلنون بالسلف .. لا بد لنا من الإعلان عن فكرنا بقوّة .. شكراً لك
  • Tuesday, May 26, 2009
  • د.يوسف عبدالحق said...
  • تحياتي عماد صدقت يا عماد، غذاء العقل هو الحوار، والحوار يتطلب فتح البواب على مصاريعها لجميع الفكار ، بحيث يتم طرح الفكر بوضوح وقوة دون خوف أو وجل،وبالتالي يصبح لزاما علينا حماية حرية التفكير والاعتقاد والتعبير، شكرا لك
  • Wednesday, May 27, 2009
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Yuosef Ibrahim Abdel -Haq
Economic Development and planning
 
Show Full ProfileEnglish CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me