إن الحديث عن أهمية التسويق كأحد الحقول المتخصصة في العلوم التجارية لا يعتبر محل معارضة أدبية، بل أصبح التسويق نشاط حيوي يمس كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فهذا النشاط يعنى بخلق التكيف والانسجام ما بين المنظمات بأفرادها ومنتجاتها وفلسفاتها مع واقعها البيئي. ففي مجال السياسة مثلاً، تخصص الدول الكبرى مئات الملايين من الدولارات سنوياً لتسويق سياساتها الداخلية والخارجية، وتخصص الأحزاب السياسية جهوداً وأموالاً كثيرة لتسويق أفكارها ومرشحيها لنيل ثقة الجمهور. وبعض المجتمعات خسرت الحرب بدون معركة بسبب الدعاية النفسية.

وكذلك في مجال الاقتصاد أيضا، يساعد التسويق على ضمان تدفق سلس لعوامل الإنتاج، فهو يساهم في زيادة فاعلية العلاقة بين أصحاب الفوائض وأصحاب العجوزات المالية، وبهذا المعني يعمل التسويق على انفتاح النظم وتفاعلها.

من هنا، لم يكن بالإمكان تصور الرقي والتطور الذي وصلت إليه المجتمعات الحديثة لو لا وجود المنافسة، وهنا يأتي التسويق كفلسفة وعمل ليغذي هذه المنافسة بما يوسع الخيارات أمام المستهلك ويساهم في تطوير وعيه ويحفز المنتجين على ابتكار الأفضل. وقد تطور التسويق  (المنافسة) مع تطور أنماط الإنتاج من التشكيلات الماقبل- رأسمالية والتي تضم الإنتاج البدائي، والخراجي، والعبودي، والسلعي البسيط إلى الرأسمالية، وهكذا فقد كان للتسويق دوراً محدوداً تصاعد خلال المرحلة التي تلت الثورة الصناعية ليعبّر عن بدء المنافسة، والذي يعني أن النظم الإنتاجية السابقة للرأسمالية هي نظم غير تنافسية، وبالتالي أهمل فيها الدور التسويقي بمفهومه الحديث. والآن، إن إمكانية تطور اقتصاد حديث بدون التسويق يعني الرجوع بتاريخ التطور الاقتصادي إلى مرحلة الماقبل- رأسمالية، وعلى أقل تقدير إلى مرحلة ما يعرف بالمركنتيلية والممتدة من القرن السادس عشر وحتى الثورة الصناعية (القرن التاسع عشر). وعلى أية حال، إن الحديث عن أهمية التسويق والمنافسة بهذه الطريقة، لا يلغي ضرورة وجود قوانين وأنظمة تعالج الاحتكارات، والتوسع اللامحدود للتكتلات الاقتصادية.