An-Najah National University

Dr. Ali Zuhdi Corner

د. علي زهدي شقور

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, January 20, 2009
  • البيئة الافتراضية والتعليم
  • البيئة الافتراضية والتعليم
    Virtual environment and Education

    مقدمة:
    يجد المتتبع للتطورات المتسارعة والمتلاحقة في مجال استخدام الحاسوب في التعليم أن قطاع التعليم لم يشهد وسيلة تعليمية قدمت لعملية التعليم ما قدمه الحاسوب وفي فترة زمنية لم تتجاوز العقدين من الزمن. فالإمكانات التي يقدمها الحاسوب في هذا المجال تتطور على الدوام ويعود ذلك إلى التقدم الذي تشهده هذه التكنولوجيا سواء كان ذلك في سرعة الأداء أم مساحة التخزين أو غيرها. فبعد تقديم الأقراص الممغنطة ( CDs ) لم يعد يقتصر استخدام الحاسوب على أنماط تعليمية معينة كالتدريب لاكتساب المهارة ( (Drill and Practice مثلاَ وإنما أنماط جديده أدخل فيها الصوت والصورة الثابتة والمتحركة كما هو الحال في المحاكاة (Simulation)وغيرها والتي كانت نواة لخلق البيئة الافتراضية.

    تعريفها:

    البيئة الافتراضية(Virtual Environment ) أو البيئة الواقعية (Virtual Reality) كما يسميها البعض هي امتداد منطقي للتقدم التكنولوجي للحاسوب. فهي بيئة يتم إنتاجها من خلال الحاسوب بحيث تمكن المستخدم من التفاعل معها سواء كان ذلك بتفحص ما تحتويه هذه البيئة من خلال حاستي البصر والسمع أو بالمشاركة والتأثير فيها بالقيام بعمليات تعديل وتطوير. فهي عملية محاكاة (Simulation) لبيئة واقعية أو خيالية يتم تصورها وبنائها من خلال الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة باستخدام الصوت والصورة ثلاثية الأبعاد والرسومات لإنتاج مواقف حياتية تشد من يتفاعل معها وتدخله في عالمها.

    تتفاوت درجات التفاعل الذي ينتج عن معايشة البيئة الافتراضية (إن صح التعبير) من مجرد تأمل ما حولك مما تحتويه هذه البيئة إلى تفاعل يمكنك من التأثير على هذه المحتويات سواء بالتغيير أو التعديل كما ذكرنا.

    إمكاناتها:

    تقدم البيئة الافتراضية صورة حية للأشكال والمناظر ممزوجة بالصوت والحركة فتكون نظاماَ للبيئة المطلوبة حيث تمكننا من المشاركة في تفاعلات حسية متنوعة مرئية ومسموعة إضافة للتفاعلات الحركية. فإمكانية عرض الأشياء بأبعادها الثلاث تساعد المستخدم في التعرف عن كثب على العلاقة التي تربط هذه الأشياء وأيضا أجزاءها مع بعضها البعض إضافة لعملية تفاعلها.
    فمن السهل عليك وضع تصور ما لمصنع وبناء بيئته الافتراضية لتنظر إليه من الخارج وتدخله من الزاوية التي تريد لتتعرف على الوضع الطبيعي لهذا المصنع وتقوم بالتعديل والإضافة بما يتناسب مع ما تصبو إليه وقد تقوم بتشغيله لترى كيف ستتم عملية الإنتاج. تستطيع فعل كل ذلك قبل أن تضع حجراَ واحداَ في أساس هذا المصنع.
    ومن الممكن أيضا استكشاف بيئة بنفس الطريقة السابقة يصعب بل ربما يستحيل على المرء دخولها بشكلها الطبيعي وإجراء تجاربه عليها لتحسين ظروفه لمواجه مثل هذه البيئات بوضعها الطبيعي كإجراء تجارب على ملابس واقية لارتدائها والاقتراب من فوهة بركان مثلاَ.

    استخدام البيئة الافتراضية في التعليم:

    أثبتت الدراسات أن الفرصة التي تقدمها هذه البيئة عظيمة بالنسبة للطلاب في تمكينهم من التعايش في بيئتهم الافتراضية التعليمية والاستفادة قدر الإمكان من طريقة الاستجابة الجسمانية الكلية (TPR) Total Physical Response Method في التعليم والتي تعتمد بالدرجة الأساس على مبدأ الاستماع والملاحظة قبل الممارسة.
    تستطيع البيئة الافتراضية ومن خلال المؤثرات المصاحبة لها خلق جو تعليمي تفاعلي يجذب الطالب بل ويغمره في هذا الجو ليتعامل مع الأشياء الموجودة فيها بطريقة طبيعية. ومما يسهل هذه العملية تزويد الطالب بإرشادات صوتية أو على شكل رسوم متحركة تسهل عليه الانخراط في هذه البيئة. فإذا ما تم الإعداد لها بطريقة مناسبة وتم استغلال الإمكانات المتاحة بطريقة سليمة وبالتالي بناءها بالشكل المطلوب فسيحصل الطالب على فرصة تعليمية عظيمة من شأنها تعزيز و صقل قدراته الاستكشافية Exploration فتبني لديه مفاهيم وإجراءات تساعده في تعلم وتنمية المهارات المطلوبة.

    وفي ما يلي لمحة موجزة لبعض مما تستطيع البيئة الافتراضية تقديمه للطالب:

    أولاَ:

    إذا ما نظرنا إلى واقع التعليم اليوم خاصة في منطقتنا العربية نجد أن الطالب يعتمد أساساَ على اكتساب معظم معارفه نظرياَ ولا يتاح له من الممارسة والتجريب لهذه المعارف على أرض الواقع إلا القليل ويعود ذلك لعدة أسباب منها افتقار مؤسسته التعليمية للأجهزة المخبرية المناسبة أو للمخاطر التي ربما ينتج عنها إجراء بعض التجارب وارتفاع تكلفة موادها. وأياَ كانت الأسباب فالطالب هو الضحية. فعند إنهاء مرحلته الدراسية سيجد الهوة كبيرة بين ما تعلمه نظرياَ وما هو موجود في الواقع. وهذه مسألة يحاول العديد من ذوي الاختصاص إيجاد مخارج لها منذ زمن بعيد.

    تستطيع البيئة الافتراضية التي يتم بنائها بشكل جيد وعلى أسس علمية ربط ما يجري داخل غرفة الصف من اكتساب للمهارات مع الواقع الحقيقي خارج المدرسة. فهي تستطيع:

    •     
    تدريب الطالب على استخدام المعدات المعقدة والحساسة كالموجودة في أبراج المراقبة في المطارات دون المخاطرة في إعطاء تعليمات مغلوطة قد تؤدي إلى كارثة.

    •     
    تدريب الطالب على مواجه الأخطار المحتمل وقوعها وإعداده الإعداد الجيد في مثل هذه الظروف وكيفية التصرف معها كما هو الحال عند حدوث الزلازل والبراكين.

    •     
    تدريب الطالب على ممارسة مهارات لا يمكن ممارستها على أرض الواقع أو يصعب توفير مستلزمات ممارستها كإجراء عملية جراحية خطيرة لا تحتمل التجربة.

    •     
    توفير إمكانية تعريض الطالب للعديد من الاحتمالات أثناء معايشته لبيئة معينة ليقوم برد الفعل المناسب لكل احتمال يتعرض له كتحضير مركب كيماوي.

    •     
    تعميق قيم ومفاهيم ترتبط بثقافة ومعتقدات الطالب يصعب تأصيلها في هذا الطالب بالطرق التقليدية من خلال سرد القصص والروايات كمعايشة أحداث لواقعة حدثت في الماضي تبرز ما يجب أن يتحلى به المسلم من قيم وأخلاق.

    ثانياَ:

    تستطيع البيئة الافتراضية تقديم مكتبة افتراضية للطالب مشابهة للمكتبة الحقيقية تشمل فهارس الكتب وتصنيفاتها. يستطيع الطالب تصفح أرفف هذه المكتبة وتحديد الموضوع المطلوب ليتم الوصول إليه. لا تتوقف إمكانات هذه المكتبة إلى هذا الحد وإنما سيكون هناك أمناء المكتبة في خدمة الطالب مهيأين للرد على أي استفسار أو استيضاح قد يحتاجه بالضبط كما يفعله الأمناء المكتبة (الحقيقية).

    ولهذه المكتبة العديد من الميزات التي تميزها عن المكتبة الحقيقية ومن هذه المميزات:

    •     
    توفر جميع ما تحتويه المكتبة على الدوام فلا يوجد كتاب لا يستطيع الطالب الحصول علية بسبب التلف أو الاستعارة من قبل طالب آخر أو غير ذلك.

    •     
    تمكن الطالب من الوصول إلى الكتاب المطلوب بعدة طرق وهذا يوفر الجهد ليس على الطالب وحده وإنما على الآخرين.

    •     
    تمكن الطالب من الدخول إليها بالطريقة التي تناسبه.

    ثالثا:

    تمتلك التكنولوجيا الحديثة من الإمكانات ما يجعل إنشاء غرفة الصف الافتراضية (Virtual Classroom) ليس مستحيلاَ حيث تشمل مقوماتها الإذاعة الحية والفيديو المتفاعل والبريد الإلكتروني إضافة إلى الشبكة العالمية وبذلك تعطي الفرصة للطالب التعلم أينما يشاء وقتما يشاء.

    إن العديد من المؤسسات التعليمية وخاصة التي تتبنى فكرة التعليم عن بعد تستخدم مثل هذه الإمكانات وخير مثال الجامعة المفتوحة في بريطانيا.

    ومن مميزاتها:

    •     
    يستطيع الطالب الوصول إلى كم هائل من المصادر في مختلف أنحاء العالم من خلال الشبكة العالمية.

    •     
    يستطيع الطالب الاتصال من خلال البريد الإلكتروني بمن يريد (زملائه، معلميه، المشرفين) بيسر وسهولة وسرعة كبيرة.

    •     
    يستطيع الطالب التحاور وجهاَ لوجه مع معلمه من خلال الفيديو المتفاعل.

    أضف إلى ذلك أن فرصة التعليم ستتاح إلى أعداد أكبر لاسيما وأن الرسوم الدراسية تكون منخفضة فتتيح هذه الإمكانية الفرصة لذوي الدخل المحدود بالالتحاق بالجامعة وتحقيق طموحاتهم.

    إمكانية تصميم بيئة تعليم افتراضية في مؤسسات التعليم العربية:

    لا تختلف الإجراءات والترتيبات اللازمة لبناء بيئة تعليم افتراضية عن تلك الترتيبات والإجراءات المتبعة عند تصميم برنامج الوسائط المتعددة التعليمية Educational Multimedia من حيث المبدأ. إلا أن بيئة التعليم الافتراضية تتطلب جهداَ وإمكانات أكبر بكثير ويعود السبب في ذلك إلى كونها تشمل مساحة أوسع من المعلومات وخاصية التفاعل فيها أكبر بكثير مما تقدمه الوسائط المتعددة. ناهيك عن كون البيئة الافتراضية وباستخدامها البعد الثالث تحيل المخرجات إلى نماذج شبيهة بالواقع فتجعل الطالب يندمج تماماَ بل وينغمس في بيئة الواقع ذاته.

    يجمع المتخصصون في تصميم بيئات التعليم الافتراضية على أن هناك أربعة مراحل يتم فيها تطوير البيئة الافتراضية وكما يلي : التخطيط والبناء والبرمجة والتجربة. وهذه المراحل لا تختلف كثيراَ عن مراحل تطوير البرامج التعليمية إلا أنها تحتاج الى جهد أكبر وتعمق أكثر سواء كان ذلك على مستوى إعداد المادة العلمية أو على مستوى البناء والبرمجة.

    هناك العديد من المحاولات الناجحة في استخدام الحاسوب كوسيلة تعليمية Computer Assisted Instruction CAI فإذا ما قمنا بتطوير هذه المحاولات بشكل جيد فسيكون ذلك البداية المناسبة نحو استغلال الإمكانات المتاحة نحو تصميم بيئة تعليم افتراضية. وكما هو الحال في وجود برمجيات تأليف Authoring Packages تم تطوير برمجيات تساعد في تصميم بيئة تعليم افتراضية.

    كلمة أخيرة:

    على الرغم من كل الإمكانات المتوفرة في البيئة الافتراضية والتي تم التطرق إليها في هذه العجالة وغيرها الكثير إلا أنه لا زالت هناك بعض العوائق التي تقف في طريق استخدامها في مؤسساتنا التعليمية والتي من الممكن وبتظافر الجهود التغلب عليها. ففيما يلي بعض من هذه العوائق وكيفة تذليلها:

    •     
    لا زال الكثير من الطلبة يعانون من الأمية الحاسوبية لذلك لا بد من وضع خطط شاملة يتضمنها المنهج المدرسي لإزالة هذه الأمية لدى الطلبة والاستفادة من التقدم التكنولوجي الذي يشهده عصرهم.

    •     
    هناك العديد ممن يتمسكون بطرق التعليم التقليدية سواء أكانوا معلمين أو من صانعي القرار فلا بد من مواجهتهم بالواقع واطلاعهم على ما تم الوصول إليه من تسخير للتكنولوجيا لخدمة التعليم.

    •     
    لتقليل نفقات التكلفة الباهضة لتصميم بيئة التعليم الافتراضية لا بد من تعاون مؤسسات التعليم العربية فيما بينها فبدلا من أن تقوم كل مؤسسة بإنتاج فلم تاريخي يصور بطولات صلاح الدين الأيوبي مثلا، يكون العمل مشتركا بين المؤسسات التعليمية وتتقاسم تكلفة الإنتاج فيما بينها وبالتالي لا يتم اللجوء إلى إنتاج أفلام الرسوم المتحركة واستخدامها في البيئة الافتراضية.

    •     
    قد تتوجه بعض المؤسسات التعليمية باستيراد بيئات تعليم افتراضية من الخارج ولكن لا بد من التنبيه لخطورة ذلك فلا بد من تصميم هذه البيئات لتتماشى والثقافة الإسلامية والعادات والتقاليد العربية لتنشئة الطالب العربي التنشئة السليمة.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Ali Zuhdi Hassan Shaqour
Education Technology
 
Show Full ProfileEnglish CV
 
 
 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me