An-Najah National University

Esmat Mazuz Ezzat Al-Assad

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Tuesday, February 17, 2009
  • سيرة اللون حكايات لنصوص بصرية
  • سيرة اللون

    حكايات لنصوص بصرية

                                                                  

    رؤية في أعمال الفنان رأفت أسعد

     

    الفنان لا يخلق شيئاً منعزلاً ومغلقا..لكنه بدلاً من ذلك يحاول أن يجعل المشاهد أكثر انفتاحاً ووعياً بنفسه.    

     

                                                                   المؤلف الموسيقي جون كيج

     

            لعل كل ما يمكن إتاحته عند كل عملية مشاهدة لمثل هذه النصوص، هو ذلك الرفق الفوضوي لمكونات المساحة المتخفية بمناظر مدروسة ومرتبة وفق ثنائيات تائهة حيناً وأخرى متباينة، إذ انه لا يمكن للمشاهد وفي لحظة التلقي أن يراعي مفردات السلوك اللوني لأداء الفنان غير انه لا يستطيع هجران عملية التذوق ذاتها. فإنجذابات البصر نحو المساحة المشغولة- سواء كانت المساحة ذات صفة متجانسة لونياً أم أنها متنافرة- تعيش وفق حيثيات هذه المساحة بل وبطريقة تلائم ازدواجية المشاهدة. تلك الازدواجية التي يعبر عنها من خلال عمليات لتلمس الشكل وأخرى لتلمس الملامس. كل ذلك طبعاً يكون كصياغات أولية لدخول قوي لحيثيات الأداء اللوني، فهذه المعايشة لا تستبيح جميع اداءات الفنان رغم انه لم يستطيع ولا بأي من الأحوال الانزياح عن هذا النسق اللوني،  وخصوصاً أن النواحي الدلالية في مجمل لوحات الفنان غير مستباحة هي أيضا. ووفق هذه الرؤية التشكيلية فان .النسق الدلالي يعيش ذاته بذاته وبطريقة لغوية أيضا (لغة بصر) هذه اللغة تشتمل على تبادلات معرفية تكون وسطاً ما بين المشاهد وما بين العمل الفني ذاته. إذن فالحديث عن لغة وعن دلالة يعني هذا ولوج واضح لمساحات أخرى من التفسير لا يحبذها الكثيرون من المتمرسين بصرياً أم من أولئك أصحاب الذائقة التشكيلية المدربة. ولعلي أقول بهذا الصدد أن (الجوانّية) الكامنة داخلية المشاهد هي التي تقوم بدور التململ كايعازات لفعل التذوق. في هذه الحالة- حالات نصوص اللون- ما هي إلا جرس منبه لفواصل صغيرة تكون غير واعية لإحساسات طارئة  تتكسر هذه، مجرد حدوث سيولة بصرية تعانق المنجز التشكيلي هذا لتلاقي حكايا من اللون. هذه الحكايا كما أسلفنا تسكن (جوانية المشاهد) ولكن وباستفاقة مفاجئة يحدث ذلك التلاقي المزدوج ما بين حيثيات الأداء – لون/مساحة/ملمس/..الخ وحدوث ذلك على هيئة مرسل ومستقبل من ناحية ومستقبل ومرسل من ناحية أخرى. وفي تناوب عجيب. عندها تتكون وتكتمل لحظة التذوق والشعور اللحظي لما يسميه أنصار التصوف(بلحظة وجد) نتركها نحن كمتذوقين قائمة ما بيننا وما بين مفردات اللوحة. وبوعي منا أيضاً تستأصل منا انجذابات خاطفة تفسر هي الأخرى على أنها تلميحات صوفية على صعيد فعل الإدراك وبذلك نعيش اللحظة ـ الومضة ـ لنستفيق بعد ذلك على تجربة تشكيلية يمنحنا إياها الفنان الشاب رأفت الأسعد كطريقة أخرى من طرائق الحوار التشكيلي الذي يكون فيها اللون هو الأبجدية الظاهرة التي من خلالها نستطيع أن نجري هذا الحوار الهامس لنخرج بعد ذلك بقصائد وان كانت بصرية إلا أنها تنتمي شئنا ذلك أم أبينا – للمنجز التشكيلي المدرك بصرياً إلى حدود التعايش (اللفظ - لوني) كلغة منطوقة وان جاءت على شفاه اللون.

     

    سيرة اللون – الحركة كهوية أخرى

            فاتباع الفنان أسلوبا ديناميكياً لشغل فراغ اللوحة وكصفة لأداء اللون وتطبيقة على السطح فهو إذن أي الفنان – يوهمنا إلى أن نصوغ رؤيتنا لأعماله ولكن هذه المرة كمتواليات للحركة، غير إن سياقات أخرى متجانسة مع هذه الحركة تأتي ضمن انزياحات المساحة إلى حدود الشكل مما يؤدي بنا إلى عمليات (تغييب) تحدثنا عنها مسبقاً من مثال ذلك تغييب (لهوية الشكل) كتداعيات لمدارس حداثية من مثال ( الما بعد رسموية)post-painterly Abstraction  والتي فجرت كثيراً من الاداءات التشكيلية العالمية والمعتمدة بشكل أساسي على سياقات اللون كلغة تعبيرية- واعية أو غير واعية). وتغييب أخر لهوية الدلالة أو قل اتساعها- بذلك كله تأتي بنا إلى عملية اجتزاء للتجربة التشكيلية من جهة وتناميها مع الدلالة من جهة أخرى. بحيث تكون هذه الأشياء بمجملها كامنة- ولا أقول متخفية- خلف فيزيائية اللون لتصف لنا ولو من بعيد إن شئنا ذلك لتشابهات مع الطبيعة من مثل أشكال إنسانية موحى بها/ ام من مناظر طبيعية Land scape  - او حركات لأمواج البحر.. إلى أخر هذه التشبيهات لواقع متجسد وملموس.. لذلك فالمتلقي ومها اختلفت درجات التدريب البصري عنده فانه لا مناص من ارتسامات معينة تنطبع في مخيلته- مع إن ذلك من عمل الدماغ البشري شئنا ذلك أم أبينا- مما يسوق ذلك المشاهد إلى عمليات تذويقية تتدرج في صعوبتها من الإمكانية السهلة وحتى حدود الإمكانية الصعبة – أو قل انعدام هذه الإمكانية لدى البعض.

     

    سيرة اللون – (الدلالة /غياب الدلالة) كهوية أيضا.

            إذن فعند مشاهدة أعمال الفنان رأفت الأسعد. ما علينا إلا أن نصغي لتلك الانتقالات البصرية المحتضنة عناصر اللوحة وبروّية تجعل المتلقي يستمع إلى أنماط أخرى من المشاهدة متغلفة بتوشحات لونية مدروسة وبطريقة مغايرة عن نداءات المحتوى النفعي الموصل لإنسدادات التفسير والدال. لذلك فهي توشحات في غالبها تروي سيرة خاصة للون كما أسلفنا وانعكاس ذلك كله على هوية اللوحة أو بالمفهوم العتيق- (موضوع اللوحة.) إذن فهذا التطبيق اللوني هو في ذاته رؤية مشتملة على نهر واعي من الأداء التشكيلي وخاصة ما يعرف بمصطلح (التلوين) في القواميس التشكيلية – ذاهبا بذلك الفنان إلى منطقة تشكيلية لربما هي ذات مستوى خاص من الحلم. مروراً إلى أن يصبح ذا مستوى أعم. من هنا نلاحظ حدوث استجداء اللون أكثر مما هو إمكانية مباحة. كذلك فهو يلاطفك –كمشاهد – لونياً ولاعتبارات خاصة يتسنى لنا الانعتاق ولو قليلاً من سيطرة الخطوط وألم الحواف ووجع المستقيمات، فدفئية اللوحة هنا أنما قامت على حميمية النظر المتبادل ما بين المشاهد وما بين العمل نفسه. عندها تبرز تلك القيم التشكيلية التي كانت قد ساعدتنا على تهميش حديّة الانتقالات البصرية داخل اللوحة وإيذانا لنا بالمرور الآمن والمريح، بين جزئيات العمل بكل ترو وبكل انسياق هامس ما بين المساحات، ومن هذه الرؤية أيضا نستشف ذلك الهدوء المشوب بالحذر داخل(القيم اللونية) لنعيش تصالحات خاصة في (القيم التشكيلية) الأخرى كشعور باتزان خاص متساو رياضياً مع (الحركة الداخلية) والكامنة في اللوحة والناتجة عن اتجاهات كانت مباحة لتامين سياحة بصرية. ناجحة بل وآمنة.

     

     

    الدلالات.... وكائنات بلا حواف

            ولسيرة الشكل هنا سكنى لكائنات مستضافة. كائنات مغيبة لكنها ليست غائبة بطبيعة الحال. بدلالة ذلك النمط القصصي أو السردي داخل اللوحة بما يجعلنا نشاهد حدثاً عبر نوافذ بصرية أشبه ما تكون (.سنوغرافيا) أكثر مما هي كوجود مسرحي مادي. من هنا فالعلاقة الرابطة ما بين الشكل عند الفنان وما بين صفة اللون هو سيطرة حقيقية من قبل الفنان على منجزه التشكيلي الواعي بجميع تقاطعاته. وليس الاكتفاء التقليدي لما هو بصري. فاللوحات إذن محملة بقيم بصرية في اغلبها لونية كما أسلفنا ولكن بشئ من البصرية التائهة والمغيبة لعنصر(الحواف) وذلك طبقاً للتدليل على المنجز نفسه لا على الاعتماد على ذائقة متغيرة وربما غير مدربة. ولأن تقنية التصوير هنا جاءت كتلاعبات بسطح المساحة- خاصة بالملامس مثلاً – فالتنويعات الملمسية جاءت وفق ذلك كنداءات اغلبها بصري وليس كنداءات لمحاكاة الواقع. فالتشكيل في هذه الحالة يستند الى مرجعية ذاتية – وأعني ذاتية( اللوحة /الشكل)- وليست مستقاة من الواقع المرئي أو الملموس ولكنه جاء افتراضياً في الكثير من حالاته.

     

    سيرة اللون.. خرائط تعبيرية واعية

            واستكمالاً للحديث عن تجربة الفنان رأفت الأسعد وكاستحضار أخر لأنماطه التعبيرية المغايرة لتلك المستوحاة من أعمال التجريدية التعبيرية الغارقة في التغييب كما في اداءات الأمريكي الأشهر جاكسون بولوك. فالمختلف هنا تغييب آخر. فالخرائط التعبيرية مرسومة بكل وعي ومطابقة لما هو مفترض عند الفنان وهي منساقة لإرادة الفنان في كل جزء من العمل وفي كل مساحة. فالسيطرة هنا إذن سيطرة على حركة اللون تماما مثلما هي سيطرة على افتراضات المدلول. ولصعوبة الفكرة هنا. لعلي أقول أن الاتجاه التعبيري جاء وفق دلالات مستوحاة من إدارة واعية أكثر مما هي مغيبة, بفعل فقدان وعي مصطنع لنشهد أخيرا ما يشبه المناورات اللونية التي تصبغ المشهد بادائيه مزدوجة جاءت متوسطة لقصدية منتمية لا تزان الشكل، وما بين قصدية ثانية لمجريات التحري عن المالوف البصري والذي يكون اقرب الى مشهدية تخص المكان والبيئة. لذلك فكمية التكثيف المستخدم هنا لا يعيه المشاهد بمجرد البصر. كذلك فتجليات التشكيل المتبع في هذه التجربة الشابة جاءت منتمية ومتناسقة وفق تلك المناورات السالفة الذكر.

     

     

     

     

    عصمت الأسعد

    ناقد وتشكيلي – فلسطين - نابلس  

    لمشاهدة صور الموضوع انظر المرفقات

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

PROFILE

Esmat Mazuz Ezzat Al-Assad
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

GENERAL POSTS

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me