An-Najah National University

Esmat Mazuz Ezzat Al-Assad

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, February 15, 2009
  • بصريات لعين الطائر
  •  

     بصريات لعين الطائر

    من معلولا إلى صفد

    سمير سلامه يرسم مشاهد ( لطبوغرافيا ) الوطن

     

    قال الفنان(DEGAS) واصفا بعض الفنانين المحدثين: يبدو لي أن هؤلاء الشباب يسعون إلى ما هو أصعب من الرسم.

     

    فتجربة سمير سلامه التشكيلية حتمت عليّ سلوك فرضيات معينه وذلك للإيغال أكثر وأكثر في مناحي أعماله الفنية ولمجمل التجربة بشكل عام وكل ذلك ضمن فلسفات فارضه نفسها بنفسها. ولبيان ذلك فثمة تواصلات وتراكبات كانت في أغلبها "جينيه" الطابع – نسبه إلى علم الجينات – هذه الحالة التي ربطت جميع مراحل التشكيل لديه وبجدائل "جينية" أيضا رابطة مابين أساليبه الواقعية وما بين أعمق تجاربه مع التجريد .

          إذن هذه الفكرة ]الجينوفنية[ تسهل علينا قراءة أعمال الفنان والدخول غياهب تجربته من خلال أكثر رحابة وأكثر اتساعاً. فمثل هذه المحاولات المتسمه بشمولية القراءة والدراسة لعلها تجيء متوازيه مع مجمل اشكال التجربه لديه. ومن خلال (الرحلة البانورامية) الممتدة من (معلولا) – مرحلة تفتح التجربة – إلى  (صفد) – مسقط راس الألوان والفنان – هذه الرحلة المنطبعة في ذاكرة الفنان سمير سلامة البصرية. ذلك المخزون (اللوني/ تشكيلي) الذي بدى يعايشه حتى تفتحت أبواب ذائقته على توازيات أخرى معاشة بكل علامات الإنطباق. وما أعنيه هنا مجمل تجاربه السابقة مع ( معلولا ) المدينة السورية التي ألهمت الفنان كثيرا من التشكيلات حتى باتت وكأنها ( الهادية) له فيما بعد.خاصّاً بذلك تجاربه الباريسية التي ألقت على ذائقته اتساعات (لرؤيا) أكبر لمعاني الفن والتشكيل. وكما أسلفت يكون هذا مطابقا بشكل او بآخر مع الفكرة (البانورامية) ذاتها المتمثلة بشكل أساسي لمشاهد   ( عين الطائر) المنطبعه على تكويناته بطريقه ملفتة وضمن رؤيا خاصه لناظرها بل وتذكره دوماً ومن نطاق ( نستولوجي ) بتلك النزهات المختزنه وبخطوات الطفولة على سجادة الوطن.

                      

     

     

    الحواس لا تستوعب ُإلا ما يجري

    فيما الفكر يستوعب كل ما يبقى )         

       فكرة افلاطونية

     

    إشارية الرمز...... إشارية الدلالة.

     

             من المفيد القول أن الفنان سمير سلامه وبكل سهولة يندرج تحت قائمة الفنانين الذين لم يستسلمو لسحر الرمز (المبتذل) وأخص بذلك فيما يتعلق بتشكيلات باتت معهودة وإن أشارت لدلالات نحو حب الوطن والأنتماء. فالفنان راح مع الرمز بأبعد من ذلك بكثير عندما رأيناه يتعامل مع مثل هذه الرموز وفق تسجيلات ذات فرادة ولكنها متشابكة وأذابتها بمصطلحات أكثر تجريدية ومبتعدة (اشاريا) عن كونها رؤيا لوقائع بصرية بحتة وإنما دلالة لكونها استلزامات – فكرية – ممتزجة بصريا مخلفة ورائها ما نشهده من صيغ لتناولات الفنان داخل العمل الفني وضمن محتواه. أما عن (الترميزات) سالفة الذكر فقد أزاحها الفنان بعيداً، وانفصالها عن كونها مجرد (مهام إشارية)-  فلمصطلح إشارة هنا يعني أساساً أن هناك معناً محدداً للشّكل- فإعتبارات الفنان التشكيلية لم تغلق علينا أي من أبواب الانفتاح على "الدال" أو "المدلول" بينما راح يسعى وبطريقة تطاول الفكر الحداثوي لأهم معاني الفن، بأن ألقى بمشاهدة إلى ساحات الفعل التذوقي لممارسة إمكانيات أكثر ولأصطياد ما يحلو له من تفرعات المعنى والدلالة. طبعا وليس مبتعدا بذلك عن حدود الفعل التشكيلي الملازم والمباح به من قبل الفنان .  

    أيضاً وكمدلولات إشاريه تعني اللوحه فيما تعنيه عن ما تمنحه سياقات المساحه المشكلة ذاتها وما تلعبه من دور حازم في خلق عوالم يعيشها المتذوق بعيداً عن مستلزمات (الفتات) الناتج عن إرادات التفسير وعن خطورة اللعب بالمجازات الغير ذات جدوى لفعل الشكل بذلك تكبيله وزجه في مساحات لم يعيشها كما أنها لم تعيشه.

    من خلال هذا الفهم فالسعي وراء لوحات سمير سلامه يختلف قليلا فهو سعي وراء مقترح أكثر تشعبا وتطوراً كما أنه ذا أدوات خاصه وغير محددة. وكي لا ندخل نتوءات التعميم أكثر فالمعنى المقصود بهذه الفكرة هو ما يخلقه سمير سلامه داخل المتذوق وليس ما يخلقه داخل العمل. فهذه الثنائية تُرَبّت على أكتافنا بكل حنو حينما نلتقي بمشروعه الفني.

                                     

     

    تلازمات الشكل ............ كَ ( موتيف )

     

    فالإشارية عند سمير سلامه وإن وجدت فهي السعي نحو احتمالات التعبير المكونة للوحة بل الموجزة لها. مثلا فهذه الأشكال (المهندسة) والمتكررة – كسلالة جينية – ما هي إلاّ ما تمنحه اللوحة ذاتها وللمتذوق أيضا إذ أن قيم التكامل الظاهرة ما بين (الشكل ولونه) هو ما يساوي رياضياً قيم (اللّون وشكله) من ناحية أخرى. هذه التداعيات لهي من أساسيات البيان التشكيلي عند الفنان وما تؤكدة الشواهد– أعمال الفنان – أمامنا تحتم علينا ذلك.

    مثلا فالشكل المتكرر(كموتيف) في معظم أعمال الفنان – وإن كان هذا الشكل هندسيا – لهو أقرب ما يكون شكلاً ذا دلالة على الشمال الفلسطيني (مكانيا) والذي يجيء غالباً وفق انزياحات للشكل تحيد عن عنصري (الأفق) و(الأستقامة العمودية). هذا الشكل عند الفنان يوحي لإنتماءات خاصة وفق حاضر المكان وللمصطلح- مكان – خصوصية في مختلف أدبيات الوطن. وعندما تلتقي هذه الفكرة مع أفكار أخرى (بنائية – تشكيلية) ولكن هذه المرة بإيحاءات على مستوى التأثير اللوني مثل تلك السخونة المستشعرة عند تلامسات البصر بها. إنها إمكانية بوح لما هو سياسي على الأرض وما هو إلاّ واقع مُعاش يُسكن اللوحة ومتذوقها معا. وكرؤية مكانية ومن منطلق بيئي نلحظ مرة أخرى تلك التداعيات السالفة ذكرها عن مشاهدات اسميناها  "التقاطات لعين الطائر" وطبوغرافية أيضاً. وكون هذه النظرة تتقاطع كلياً أو جزئياً مع فكرة الفنان الإنتمائية وما أعنيه تقاطع نظرة التعالي عن الواقع المعاش بل هي فكرة خاصة للتعالي لإمكانيات رصد الواقع كي لاتكون هي نفسها واقع. وبصعوبة ملحوظة لا يمكننا تلمس (الإشارية) لدى الفنان بحكم أن هذه الإشارية ما هي إلاّ فكرة مرفوضة ومطروده. ولمفردة البصر هنا إيحاءات لنهج تجريدي ذو صفات تلامسية، ذلك ما يحتم علينا إلقاء سيل من التشابهات ولكن ليست إشاريات باي حال. هذا إذن ما يعمق أبعاد هذه التجربة التشكيلية ذات الفرادة على مستوى أداءات التشكيل المحلي وضمن ما يعرفه الفنان سمير سلامه مسبقا عن عدم وقوعه في هاويات الرمز الساذج والذي سبقه اليه الكثيرين. ولامتلاكه مثل هذه الخبرات قد عززت من ابتعاد لوحاته عن كونها مجرد (سياق معرفي – تاريخي) أو أنها وقائع ذات صفات تسجيليه بل هي أكثر من كونها سمات لرصد الواقع اليومي، لذلك فإنَّ صياغات اللوحة في هذه الحاله جاءت مختزله ومعمقه في آن معا وبأكثر ما لديها.  بذلك أصبحت ذات علاقه أوسع مع الأفق التشكيلي بمفهومه المطروح الآن – عالميا وعربيا – وليس كما هو متاجر به. على ذلك فقرابة اللوحه من كونها رؤية مستقلة فهذه الصفه بحد ذاتها تجعلها منفتحة على احتمالات الاستدامة أكثر وذات حضور عفوي أقوى من تلك التداعيات المقترحة لفعل تشكيلي محلي صارخ وبألوان نعرفها جميعا أو بترميزات باتت صدئة0 لهذا فمقترحات التشكيل لدى الفنان أكبر من أن تصاغ مقولبة وفق تعادلات مصاغة و محوطة والإلقاء بها كيان المتذوق، ففي هذه تبدأ صياغات أكثر خطورة على واقع التشكيل المحلي وله أيضاً إرادة لرفع مستويات التذوق ومستويات التعبير أيضاً، كل ذلك لمنح التجربة التشكيلية المحليه مساحة تزداد اتساعاً كلما كَبُرت.

     

    التلامسات ................ ( للفكر – للمساحة – للون – للبناء )

     

    فالكلام عن الأداءات البنائية للوحات سمير سلامه جاءت وفق تداعيات لمساحات أكثر (تفكيراً) من كونها   تلازمات أدائية مارقة أو أنها ذات علاقات أكثر اندماج – إن كان ذلك على مستوى الأداء- وتفسيراً أقول إنَّ هذه التراكبات بلا كثير تأمل جاءت وفق صياغة ( انفعالية) ولكن لا كتلك التي عايشها الفنانون (التوحشيون). إنما كانت ذات علاقة أقرب لأداءات يشوبها كثير من الفكر. وخاصة عندما تكون هذه المرحلة من الأداء التشكيلي تحتوي بين جنباتها اندماجات أكثر لمساحات أقرب ما تكون ذات (تلامسيه). وهنا أقف قليلا عند هذا المصطلح والذي له علاقة حميمة مع البنية المكونة للوحات الفنان بحيث نستطيع أن نستشف من خلال هذه التجاورات والتلامسات بأي (دلاله أو إشارة) لمعاني المساحة عنده سوى تلك التوقعات التي تنبيء عن نفسها وأخص بذلك تلك المساحة التي تسير في أذيال – شكل الوطن – وما أعنيه تلك المساحة المشار إليها مسبقاً والتي هي بمثابة "الموتيف" عنده التي تُشير لنا بدلالات افتراضية طبعا ولكنها قريبة من ذلك التداعي المقترب من تفسيرات تسير أذيال شكل الوطن (الشمال الفلسطيني – صفد) أو بما يخص تلك المساحات المقتربة من تشكيلات (معلولا) بحوائطها ونوافذها.... الخ. ورجوعاً للتلامسات الآنفة الذكر فهي في حالة سمير سلامة نشاهدها أقرب ما تكون لعناوين لأمكنة عاشها الفنان طوال مسيرتة (الحياتية / الفنية) وهي بمثابة الانتماء الحقيقي للوحات مصاغة وفق حضور التجربة الفنية خاصته.

    من هنا ونحن نشاهد هذه الأعمال (من منطلق طبوغرافي) تستبيح أعيننا كل دلالات المشهد العلوي لمساحات شاسعة ولكنها (تلامسية) أيضاً. هنا وما يجعلني أكثر تعجباً لتلك التساؤلات عن عمليات تركيبية مصاغة لإنشاء لوحاته – رغم هذا العمرالفني المجرب – وأين تلك التعقيدات على مستوى الشكل؟. أو على مستوى اللون. فهي إذن بمثابة الإشارة لنا لتأمل بعض إيماءات بصرية ندركها ونراها وفق نسجيات شعبية – للبُسط والمطرزات – كل ذلك وعودة (لفكرة التلامسات) أقول أن هذه الإمكانية التعبيرية تجيء بمجملها (جوّانية) نلحظها متمردة على كيان الفنان نفسة تأبى إلاّ أن تصوغ نفسها بنفسها. ولتكون- أي اللوحة - كيانا خاصاً ذو تشعبات بصرية ولكنها سهلة الأداء أحياناً. بعد هذا نقترب من المصطلح (تلامسي) أكثر – تشكيلياً طبعاً- فصياغات اللوحة هنا باتت أبعد من أن تكون مجرد لعبة بصرية فقط. فالفكرة إذن تنبيء عن نفسها في هذه الحالة ضمن تلك العلاقات التشكيلية التي صُبغت بها اللوحة بنائياً ذلك أم لونياً. فتداعيات الإبداع –لفن الرسم – لا يأتي تلامسياً فقط لمجمل المساحات رغم كل ما قيل. لكن التلامسي هنا يأتي مصاغاً بإشكالات أكثر صعوبة نحو فعل الإدراك؛ وما أعنيه بالضبط هنا تلامسات كانت ناجحة ما بين ( لون- مساحة) علماً بأنّ إدراكاً أسهل بكثير لمتذوق عادي لفهم تلامسات من نوع (مساحة - مساحة) على ذلك فالفنان سمير سلامه يكون بهذا أكثر عمقاً من أن يحتوى أحياناً – تشكيليّاً – عبر هذه الرؤية التلامسية المعقدة وهي كثيرة لديه. فاللون عند الفنان مصاغ بأكثر من هدف. حيث أن إحدى هذه الأهداف كان تشكيليا بمعنى يسوقنا نحو اتزانات اللوحة المتعلقة بالبناء (البصري – الحسي – النفسي) للمتذوق، كل ذلك في آن معاً. تأتي هذه مجتمعة ضمن تعقيدات سمير سلامة – التشكيلية - بحيث لا نستطيع أن نكون واعين لأعمال التذوق وإن كنا مستخدمين ألأدوات التذوقية المألوفة (البصري منها أو الفكري) كل ذلك للولوج أكثر نحو إيماءات فقط – ولا أقول احتواء كامل – من أجل الاقتراب ولو (تلامسيا) – وفق الفكرة السابقة- . على ذلك فإن هذه الامكانات التعبيرية المجتمعة والخفية عند سمير سلامة فقط نستطيع استشفافها ولا أقول احتواءها بأي حال من الأحوال. فاللوحه عنده – كفكرة - هي أبعد ما تكون سهلة المنال ولا هي مطواعة قيد الطلب بل إن مثل هذه التلامسات تكون وفق ذائقة فنية خاصة يستوجب وجودها لأفعال التذوق الناجحة والمثمرة. فعبر هذه الفلسفة ( الضمنية) - ولا أقول غموض - بل إن الوضوح عند سمير سلامه لهو أصعب بكثير من فكرة الغموض نفسها ... كيف ؟؟. مثل هذه التداعيات اللونية لا تنبيء لنا إلاّ عن فعل تشكيلي مصاغ بجمالية خاصة وإن بدى وفق تقاليد متوارثة – شكل اللوحة المألوف – إلاّ أنّ هذا لا يقف عائقاً أمام جموحات إبداعية حداثوية أو حتى (بعد حداثي) ليحقق الفنان بذلك كثيراً من تعقيدات الشكل وببساطة يحسد عليها. ذلك يعني بطريقة أو بأخرى مقدرة الفنان على السيطرة على بياض اللوحات ليشبعها مساحات تكون هي بذاتها دلالات وليست مغيبة، إنما هي حاضرة كحضور التجربة ذاتها.

     

     

     

     

     

     

    تلامسيات ( الجاليجرافي )  ....... حضوراً للحَرف

     

    ووفق حديثنا عن تلامسات المساحة فإن لدى الفنان مشروع آخر لرؤيا تختلف عن ذلك النهج التجريدي آنف الذكر. والحديث هنا عن نهجيات خاصة بعلاقة تلامسية مع (الجاليجرافي) كحضوراً للكتابة. فالكتابة ضمن رؤية الفنان ليست من ذلك النوع صاحب الاهتمامات الداله أو الإشارية للكلمة بل إن ذلك التجاوب مع الحرف ظهر وفق رؤية ذات علاقة مع بنية المساحة وغالباً ما تكون بديلا للون. هنا المساحة مضاءة بعدد غير قليل من الكلمات التي تؤلف فيما تؤلف زخرفاً بصرياً ذا هوية شرقية وعربية بشكل خاص،  كل ذلك طبعا لبيان ما هو انتمائي ـ (ثقافيا / مكانيا) هذه المساحات الملطخة بالأحرف ما هي إلاّ حركات تحررية تجيء على مستوى التكوين، إذ أن هذه الإمكانية لدى الفنان كانت أصعب من أن تكون مساحة خالية لا تشوبها أي شائبة و كمساحة مغسولة من أي توشح. لذلك وبالرغم من أن مساحات التكوين عند الفنان سمير سلامه غالباً ما ظهرت بتلونات مندمجة اندماجاً ذا خصوصية وتآلفية مع الشكل. وما أقصده هنا: أن الرؤية التلوينية في لوحاته لم تأت ضمن جماليات بصرية سطحية مدغدغة للحس إنّما هي أقرب ما تكون ملتحمة بشكلها (عندما يكون اللون ملتحم مع شكل المساحة) لذلك لا نستطيع أن نتخيل هذه المساحة بغير لونها. يعني ذلك أن تلك الأفكار المتنامية داخل العمل وما تؤديه من نزعات تأملية تبوح أكثر كلّما تمكّنا من الاتصال البصري بها وربط كل هذه العلاقات ( شكل – لون – مساحه) مع بعضها البعض وذلك كلّه طبعاً لإبراز أهمية التشكيل لمحفّز ثقافي أكثر دلالة أحياناً من كون تلك الحروف -- فلسفة تكوين المساحات بواسطة حروف- ذات دلالات أعمق من أن تكون عقلية مباشرة أو إشارية دالة. عندئذ نلحظ أن جهد الفنان يشعبنا بتلك التلامسات ( الحروفية- المساحية) لنعي أكثر أبعاد التجربة الخاصة به وما تعنيه تشكيلياً وتذوقياً. خوفا من أن تكون مجرد علاقات شكلية ساذجة – مباحة للبصر– حتى أن هذه الفكرة لا تزال تصر على المشاهد أكثر وأكثر اذا تلامست مع أفكار معمارية أخرى داخل بناء اللوحة.

    وعودةً فَ(معلولا) إذن ما زالت حاضرة كيان اللوحة حتى وإن صبغت بتجريدية متطرفة احياناً. والحديث هنا عن جدران أحسبها جدران لبيوت معلولا وشبابيك مربعة أحسبها أيضاً لبيوتها. مثل هذه التداعيات المشهدية البصرية المقروءة إشارياً ودلالياً تختفي رويداً رويداً عند سمير سلامه لتكون أقرب ما تكون كمجرد –علائق تشكيلية- ولكن بصفات تجريدية بأشد ما عندها وبكل ما أوتيت.

     

    منهجية التطور ............. كسلالات ( جينية )

     

    وكتقاربات لنظرية (جينية- فنية) ووفق هذه النظرة المتتبعه لرحلة الفن الخاصة بسمير سلامه وما تصبغه على لوحاته، تبرهن هذه (الجينية) على أنَّ (سلالة محددة) هي تجربة الفنان من بواكيرها حتى الحديث منها. فالصفات الواقعية لمجمل تجارب البدايات هي في حقيقتها بمثابة (أسلاف أو أجداد) التجريدات عنده. هذه خبرة توثقها لنا النظرية (الجينوفنية) عند الفنان وليؤكد لنا دائما بأن مايربط بين لوحاته ماهي إلاّ (السلالة) أو العائلة ذاتها. فألتشابهات الحاصلة ظاهرياً ما هي إلاّ الرابط الجيني ذاته الذي ووفق علم الجينات (لم يُلْغِ الطفل أباهُ إذا ما شابهه) وإنّما هي كيانات لكل منهما، ولكل عالمه الخاص. هذه التشابهات البصرية ما هي إلاّ أسرار التكوين الفني الموجِد للّوحة وما هو إلاّ قراءة في الكتاب ( الجينو/ فني) الذي يفصح عنه سمير سلامه فنياً وبإتقان. والذي هو جزء لا يتجزأ من كيان وروح صانع اللوحة ذاته. هذه إذن فكرة تصاعدية وما أعنيه أنَّ التجربة التشكيلية في حالة الفنان هنا ليست غاية كما هي ليست وسيلة بل إننّا نتلمس الإِثنتان معاً، وما يشكل هذا التزاوج ما بينهما هو واقع النتاج الفني ذاته، ومن خلال السلالة ذاتها وضمن الفكرة (الطبوغرافية) فلوحة حديقة معلولا التي تعود إلى التسعينات في زمن إنتاجها. هذه اللوحة التي نشاهدها تُريق كثير من الألوان وفي سيولة ظاهرة. هذا العمل المتأرجح ما بين التصويرية وما بين رؤى التجريد. لعل ذلك يؤكد بشكل أو بآخر على الفكرة (السلاليية / الجينوفنية) المُشكِّلة لتطورات وتحولات تجربة سمير سلامة. نحن ما زلنا نعيش السياقات ذاتها إلاّ أنّ المنحى التجريدي هنا يسابق نفسه إلى الإنفلات نحو تصوير الواقع. (منظر الحديقة) وإن أصرَّ الفنان على هوية المكان (حديقة معلولا) فصياغة المكان مرة أخرى ترجعنا إلى بدايات هذه المقالة. ورجوعاً لنؤكد الفكرة  (معلولا/ الفكرة) التي توازي في أهميتها المكان حيث نلاحظ السمه (الطبوغرافية) واضحة ضمن مساحات اللوحة.والصورة تتأكد لنا أكثر بتأملنا الكلي والشمولي للنظرة أثناء فعل تذوقها، كل ذلك لنتلمس هذه الحقيقة بكل سلاسة وبكل يسر. على ذلك فدلالات اللوحة الترميزية تختلف، فهي متحولة أيضاً من الشكل حيناً أو من خلال المنطق اللوني حيناً آخر.  فالمساحة الخضراء المحوطة لمجموعة ألوان اللوحة ـ كإطار خارجي ـ لهي الفكرة نفسها تسوقنا دلالياً نحو المصطلح الإشاري السابق الذكر ولنتلمس بعد ذلك مشهداً طبيعياً لحديقة تسكنها الأشجار والأزهار والبشر أيضاً. فالتجربة تنحى لأن تكون لونية بكل ما استطاعت. فهذه الرؤية المنتمية لمهارة الفنان  ]الفكر التلويني عنده[ بحيث نرى مجموعات الألوان وبكل لطف وحنو تمتزج برؤى تشكيلية ذات ملامح واضحة هندسياً وليست مجرد تلاعبات لونية تمتزج بسريالية تائهة. فأنا هنا أسترجع ما قلته مسبقاً عن فكرة عمل العقل أو الفكر في مثل هذا النمط الأدائي المشتمل على حدود كثيرة من التعامل التشكيلي الواعي لنتجه بعد ذلك نحو أكثر معاني التجارب اللونية عنده إرهاصاً وإيماناً بأعمال وقدرات اللون النفسية وعلاقاتها بمتذوق أكثر ميلاً نحو النُّزه البصرية العابرة المعتملة داخل عامة المشاهدين, فهذه أيضاً تحسب لاحتمالات عيش أكثر للعمل (اللوحة) وإطالة زمن تذوقها (الفعلي/ المادي) بمختلف تلامساتها مع الواقع ومع ذائقة الفنان كذلك. علينا إذن أن نلحق بزوايا أكثر من احتمالات واقع للرؤية وللنظر فقط. فاللوحة السالفة الذكر (حديقة معلولا) ولو قمنا بمحاولة تجريد اللون الأخضر المحوط لها لاستفقنا على لوحة غاية في التجريد المبتعد عن كل العلامات الدالة والمؤشرة، أما نحن وضمن التجارب البصرية الهادفة لقراءة أخرى للوحة المذكورة فبإمكاننا أن نضيف تلك المساحة "الخضراء المحوطة" لاستطعنا استنشاق هواء ورائحة الأزهار والأشجار في معلولا. إذن هذه الإمتزاجية والإزدواجية في الرؤيا التي انحصرت وانفتحت على احتمالات التصويرية والتجريدية لرأينا أن لكل ذلك دلالاته الخاصة في أعمال سمير سلامة التشكيلية. لسبر أغوار أكثر قاعدة جماهيرية شعبية وإمكانية خلق مساحة أكبر من احتمالات التذوق دون أي "إسفاف أو صراخ تشكيلي" رخيص لا علاقة له بأي من الأفكار الراصدة لتحركات التحول التشكيلي العربي والعالمي.  

     

    عصمت ألأسعد

    ناقد وفنان تشكيلي من فلسطين - نابلس

     

    لمشاهدة صور الموضوع ادخل الى المرفقات

     

       

     

     

     

     

     

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

PROFILE

Esmat Mazuz Ezzat Al-Assad
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

GENERAL POSTS

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me