An-Najah National University

Raed Mustafa Hassan Abdul-Rahim

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Wednesday, May 5, 2010
  • أثر الغزو المغولي في الثقافة العربية في العصر المملوكي
  • Published at:Not Found
  •    ل

     

     

     

     

     

     

     

    كان للغزو المغولي أثر كبير في الثقافة العربية في العصر المملوكيّ , وهذا الأثر قسمان : سلبيّ وإيجابيّ :

     

     

    الأثر السلبي :

    ويتجلّ هذا الأثر في غير وجه , منها أنّ المغول الغزاة أتلفوا الكثير من كتب العلوم والأدب ونهبوها , وهدموا العديد من المراكز العلمية , وقتلوا مئات العلماء والأدباء , وسأفصّل الحديث عن كلّ جانب على حدة .

     

     

    إتلاف الكتب ونهبها

     

    اعتدى المغول على المكتبات وكتبها في المدن المحتلة ، فقد كان من دأبهم أن يحرقوا المكتبات ، وأن يجعلوا الكتب الثمينة طعاماً للنيران والمواقد ، والقصة التي يرويها السيوطي عن حجم الكتب المبادة جراء الغزو المغولي وغيره مشهورة ، يقول : \" حكي عن الصاحب بن عباد أن بعض الملوك أرسل إليه يسأله القدوم عليه ، فقال له في الجواب : أحتاج إلى ستين جملاً أنقل عليها كتب اللغة التي عندي . وقد ذهب جلّ الكتب في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم . بحيث أن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجئ حمل جمل واحد \". هذه الرواية ، وإن كانت تحمل مبالغة كبيرة ، تدل دلالة واضحة على النقص الكبير الذي أصاب كتب اللغة، وإذا كان الأمر كذلك ، فما حال كتب العلوم الأخرى؟.

    شاع بين أوساط الخاصة والعامة أن المغول دمروا مكتبة بغداد ، ورموا كتبها في نهر دجلة ، إلا أن البحث يكشف أن المؤرخين أنفسهم ليسوا على يقين بما جرى لتلك المكتبة وكتبها ، ولذا اختلفت رواياتهم ، وتناقضت ، فالقلقشندي يروي أنهم دمروا المكتبة وعفّوا رسومها ، يقول :\" إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن ، إحداها : خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ، فكان فيها من الكتب مالا يحصى كثرة ، ولا يقوم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد ، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم بالله آخر خلفائهم ببغداد . فذهبت الكتب فيما ذهب ، وذهبت معالمها ، وأعفيت آثارها \" وينقل ابن تغري بردي أنهم أحرقوها ، إذ قال \" وأحرقت كتب العلم التي كانت بها

     

     

    يعني ببغداد - من سائر العلوم والفنون التي ما كانت في الدنيا قيل إنّهم بنوا بها جسراً من الطين والماء عوضاً عن الآجر , وقيل غير ذلك .يذكر ابن خلدون أن المغول ألقوا الكتب في نهر دجلة .

    تدمير المراكز العلمية ونهبها

     

    اعتدى المغول وأحلافهم على المراكز العلمية في البلاد المحتلة ، فأحرقوا بعضها ، ودمروا أخرى ونهبوا محتوياتها ، وهذا ما فعلوه في بعض مدارس حلب وجوامعها سنة 679 هـ كما أحرقوا الكثير من المدارس ودور الحديث في دمشق سنة 699 هـ ، مثل دار الحديث الأشرفية، ودار الحديث النورية ، والمدرسة العادلية ، والقيمرية ، والقيمازية ، والدماغية ، والمارستان النوري ، وغيرها .

    وقبل إحراق المدرسة العادلية أمر المغول بإخلائها \" ووقف جماعة منهم على بابها يفتشون من يخرج منها ، ويأخذون ما أحبوا من أمتعتهم ، وعجز أهلها عن نقل أكثر أثاثهم ، ودخل التتار إليها عقيب خروجهم منها ، وكسروا أبواب البيوت ، ونهبوا ما بها \" ، وأحرق جيش تيمورلنك كذلك عدداً من المدارس في حلب سنة 803 هـ

    ولم تأمن المساجد من أذى المغول ، فاقتحموها ، وعبثوا بمحتوياتها ، ونهبوها ، وأحرقوا بعضها . وقد حملت المساجد منذ ظهور الإسلام أمانة هذا الدين وتدريس علومه وغيرها ، فكانت مقصد طلاب العلم ، ينهلون فيها العلوم من كبار العلماء .

    ولعبت المساجد دوراً مهماً في تنشيط الحركة العلمية ونشر العلوم في العصر المملوكي ، وهذا ما يؤكده مؤرخو العصر ومنهم المقريزي إذ تحدث عن حال الجامع الأزهر آنذاك ، فقال : \" لم يزل في هذا الجامع منذ بني عدة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه ، وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلاً ما بين عجم وزيالعة ، ومن أهل ريف مصر ومغاربة ، ولكل طائفة رواق يعرف بهم ، فلا يزال الجامع عامراً بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه ، والاشتغال بأنواع العلوم والفقه والنحو، ومجالس الوعظ ، وحلق الذكر ، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله والارتياح ، وترويح النفس مالا يجده في غيره \".

    هاجم المغول مساجد بغداد سنة 656 هـ ، فأحرقوا \" أكثر الأماكن المقدسة في المدينة مثل جامع الخليفة \". وأحرق أحلاف المغول من الأرمن الجامع الكبير في حلب سنة 658 هـ ، وامتنعت قلعتها على هولاكو ، فنازلها \" حتى أخذها في عاشر صفر وخربها ، وخرب جميع سور البلد وجوامعها ومساجدها ، وبساتينها حتى عادت موحشة \".

    وأحرق المغول عدداً من مساجد دمشق حين غزوها سنة 699 هـ، منها مسجد خاتون ، ومسجد صابون ، ومسجد الأسدية ، واقتحموا جامع الحنابلة في الصالحية ، وأخذوا بسطه ، وكسروا القناديل والمنبر . واستولى أحلاف المغول من الأرمن والكرج والنصارى على الصالحية في دمشق ، وأحرقوا المساجد والمدارس، مثل جامع التوبة ، ونهبوا مسجد الأسدية وخاتون قبل إحراقها.

    ولم تنج مساجد الشام سنة 803 هـ من وحشية تيمورلنك وجنوده ، فقد هدموا ، وأحرقوا ، وخربوا الكثير منها في حلب، وأحرقوا جامع بني أمية في دمشق ، فسقطت سقوفه ، وزالت أبوابه ، وتفطر رخامه ، ولم تبق غير جدره قائمة. كما ربطوا خيولهم في المساجد الأخرى.

    وقام المغول بإحراق الترب ، وتعفية رسومها ، وخاصة ترب الملوك والسلاطين ، وذلك طلباً للمال الذي يعتقدون وجوده في مدافنهم . وقد انتشرت هذه الترب في العراق ومصر والشام في العصر المملوكي خاصة ، والعصور المتأخرة عامة ، وكانت تقام فيها المدارس والربط والزوايا والمساجد والأسواق، وتسمى هذه الأماكن باسم صاحب التربة ، مثل مدرسة تربة أم الملك الصالح علاء الدين علي بن الملك المنصور قلاوون ، بناها قلاوون \" ورتب لها وقفاً حسناً على قراء وفقهاء \" .

    ولعبت هذه الترب دوراً بارزاً في الحركة الفكرية ، إذ كان يجتمع فيها الناس ، فتعقد مجالس العلم ، وحلقات الذكر والوعظ . ويتحدث المقريزي عن تربتي القرافة الصغرى والكبرى في مصر ، ويصف ما فيها من مراكز علمية وحركة ثقافية نشطة ، إذ نقل قول ابن سعيد المغربي الذي زار مصر في العصر المملوكي، وذهب إلى تلك الأماكن : \" وبتّ ليالي كثيرة في قرافة الفسطاط ، وهي في شرقيها بها منازل الأعيان بالفسطاط والقاهرة ، وقبور عليها مبان معنى بها ، وفيها القبة العالية العظيمة المزخرفة التي فيها قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه، وبها مسجد جامع، وترب كثيرة عليها أوقاف للقراء، ومدرسة كبيرة للشافعية، ولا تكاد تخلو من طرب ولا سيما في الليالي المقمرة، وهي معظم مجتمعات أهل مصر، وأشهر متنزهاتهم\".

    وقد نبش المغول ترب الرصافة في بغداد ، وأحرقوها ، وأبرزوا الرؤوس والعظام ، وهذا ما عبر عنه الشاعر شمس الدين الكوفي الواعظ حين كتب على بعض الحيطان :

    إنْ تُـرِدْ عِبْرَةً فتلك بنو العـ

     

     

    ـباس حلّت عليهم الآفاتُ

     

     

    أستبيح الحريمُ منهم إذ قتل الأحـ

     

     

    ـياءُ منهم وأحرقَ الأمواتُ

     

     

    ويصور ظهير الدين الكزروني النشاط الثقافي الذي كانت تزخر به ترب الرصافة قبل الغزو المغولي لبغداد ، فيقول في مقامته المسماة \" مقامة في قواعد بغداد في الدولة العباسية واصفاً مواسم تلك المدينة: \" ومنها موسم الترب ، وإليها المنقلب ، فيركب الوزير في أرباب الدولة والأمراء والصدور والكبراء في موكب مشهّر إلى الرصافة، وهي مدفن ولاة الخلافة ، فيجتمعون بها للقراءة والدعاء ، وإهداء الثواب للخلفاء ، كذلك أياماً يشرق فيها ويغرب ، وقراء المواكب تشوق وتطرب ، فإذا كان الليل اجتمع المتصوفة والفقهاء، وأوقدت الشموع ، وقرأ القراء، وشرع الوعاظ في الكلام والإحياء إلى آخر الظلام \" .

    وخرّب المغول ترب الصالحية في دمشق سنة 699هـ ، فلم \" يبق بها باب ولا شباك حديد \"، وأحرقوا تربة الصاحب تقي الدين بن توبة \" .

    وقد صور الشعراء في أشعارهم التي واكبت الغزو المغولي ، ورثت المدن المحتلة ما تعرضت له المراكز العلمية والمكتبات من تدمير وإحراق ونهب، وعبث بمحتوياتها، فالشاعر كمال الدين بن العديم يقول من قصيدة له في رثاء حلب سنة 658 هـ :

    فيالك مـن يوم شـديدٍ لُغامه

     

     

    وقد أصبحتْ فيه المساجدُ تُهْدمُ

     

     

    وقد درسْت تلك المدارسُ وارتمتْ

     

     

    مصاحفها فوق الثَّرى وهي ضخّمُ

     

     

     

     

    وقال تقي الدين بن تمام الحنبلي مصوراً ما نزل بمساجد دمشق والصالحية ومدارسها سنة 699هـ من هدم ، ونهب ، وتعطيل :

    فجامعها المعمورُ بالذكر عاطلٌ

     

     

    ودارُ دروسِ العلم فيها تهدّمُ

     

     

    وجامعُها وهو الجديدُ حديثهُ

     

     

    يعاد دروساً في الطّروس ويُردمُ

     

     

    مدارسُها أضحى يقسّمُ نهبُها

     

     

    وكانت بها الدنيا تنيرُ وتبسمُ

     

     

     

    ومثله قول علاء الدين الأوتاري من قصيدة له في رثاء دمشق في تلك السنة :

    وبيوت فيها التلاوةُ والذكـ

     

     

    ـر وعالي الحديثِ والإسنادِ

     

     

    حرّقوها وخرقوها وبادت

     

     

    بقضاء الإله ربِّ العبادِ

     

     

     

    ويصور القاضي جمال الدين بن عبد الواحد التبريزي ما قام به أحلاف المغول الأرمن من إحراق لجامع التوبة في الصالحية سنة 699 هـ ، وذلك في قصيدة له نظمها عقب انتصار المسلمين على المغول في وقعة مرج الصفر سنة 702هـ ، يقول :

    وجامعُ التّوبةِ المحروق مهجتُه

     

     

    يشيرُ لا توبةً للقومِ إذ ظُفروا

     

     

     

    وقال أحد الشعراء مصوراً إحراق المغول للكتب الموجودة في مساجد حلب سنة 803 هـ

     

     

    :

    وخرقوا من بيوتِ اللهِ معظمها

     

     

    وحرّقوا ما بها من أشرفِ الكُتبِ

     

     

     

    ويتحسر بهاء الدين الغزولي على كتب العلوم التي أتلفها المغول في جامع تنكز بدمشق في تلك السنة ، ويتجلى ذلك في قوله:

    لهفي على كتبِ العلومِ ودَرْسِها

     

     

    صارت معانيها بغيرِ بيانِ

     

     

     

    الأثر الإيجابيّ :

     

    كان للغزو المغولي أثر إيجابي في الثقافة العربية الإسلامية ، ويتمثل ذلك في كتب التاريخ الخاصة التي سردت أحداث هذا الغزو ، أو تناولت بعض جوانبه ، وأثرت المكتبة العربية بما قدمته من معلومات ، ومنها كتاب \" تفتت الأكباد في واقعة بغداد \"، لنجم الدين أبي الخير الدهلي ، المتوفى سنة 680 هـ(1) ، وكتاب \" المساعي المرضية في الغزوة الحمصية \" ، لشافع بن علي الكاتب(2) ، وكتاب عجائب المقدور في أخبار تيمور \" لابن عربشاه(3) . هذا فضلاً عما خصصته كتب التاريخ العام والتراجم للحديث عن ذلك الغزو وقادته ومجرياته .

    ويتجلى الأثر الايجابي في النصوص الأدبية الكثيرة ، التي واكبت الغزو المغولي ، وصورت أحداثه، والعلاقات السياسية والاجتماعية بين المغول والمسلمين(4) .

    أضف إلى ذلك أن الغزو المغولي أثرى اللغة العربية بألفاظ كثيرة ، مبثوثة في كتب التاريخ والأدب والتراجم ، وهي ذات أصول مغولية، أو فارسية ، أو تركية . والجامع بينها أن المغول كانوا ينطقون بها، ودخلت اللغة العربية جراء غزوهم .

    وقد استطعت أن أجمع كلمات كثيرة منها ، وأن أرصد ما طرأ على بعضها من تطور ، وأن أورد بعض النصوص النثرية والشعرية التي جاءت فيها ، وها هي مرتبة على حروف المعجم:

     

     

    أُرْدو

    تعني هذه الكلمة المخّيم أو المعسكر بلغة المغول ، وقد استخدمتها معظم المصادر التاريخية التي أرخّت تلك الفترة بالشكل السابق ، ووردت في الشعر والنثر ، ومن الشعر قول علاء الدين الوداعي الكندي في هزيمة المغول سنة 700 هـ:

    فردّوا إلى الأُردو بغيظٍ وخيبةٍ

     

     

    وأُرْدو وجيشُ المسلمين مسلّمُ

     

     

    1. وفي النثر جاءت في غير موضع ، ومن ذلك :

         

      1. \" وأما الأولاد الصغار فكانوا في أردو جنكز خان \" .
      2.  

         

      3. \" … وركبوا في جمع عظيم ، وساقوا في أعقاب أحمد وأدركوه عند أمه فلزموه وكتّفوه ، واستحفظوا به ، ونهبوا الأردو الذي له جميعها \"
        1. .

           

           

        2. وفي سنة 709 هـ \" تزوج خدبندا ملك التتر ببنت صاحب ماردين الملك المنصور غازي بن قرا أرسلان ، وحملت إليه إلى الأردو \" .
        3.  

           

        4. وفي سنة 682هـ \" خرج أرغون (ت 690هـ) بن أبغا بخراسان على عمه بيكدار ، المسمى بأحمد سلطان ، وسار إليه واقتتلا فانهزم أرغون ، وأخذه أحمد أسيراً ، وسأل الخواتين في إطلاق أرغون وإقراره على خراسان ، فلم يجب إلى ذلك ، وكانت خواطر المغول قد تغيرت على أحمد بسبب إسلامه وإلزامه لهم بالإسلام ، فاتفقوا على قتله ، وقصدوا أرغون بالموضع الذي هو معتقل فيه وأطلقوه …، ثم قصدوا الأردو \".
        5.  

           

        6. \" ثم خرج تقي الدين بن تيمية إلى مخيم السلطان الذي يسمونه الأردو \" .
        7.  

          وكتبت تلك اللفظة في بعض المصادر بإضافة الواو لها \" أوردو\" ، ومنها ما جاء في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي :\" فسار – يعني هولاكو – في المغول من الأوردو على مهله \" . وكتبت في بعض المصادر بحذف الواو الأخيرة \" أرد \" ، جاء في عقد الجمان للعيني في حوادث 656 هـ \" ومنها : أن الملك الناصر يوسف صاحب دمشق ، أرسل ولده الملك العزيز إلى هلاون \"هولاكو\" مسالماً وصحبته الهدايا الكثيرة ، والتحف النفيسة ، مقتدياً في ذلك بصاحب الموصل ، فلما وصل إليه قبل تقدمته وسأله عن سبب تأخير والده عن الوصول إلى الأرد \" . ومن الجدير بالذكر أن المصدر السابق استخدمها بإثبات الواو الأخيرة إلى جانب حذفها ، \" فاجتمع به وسار من عنده إلى منكوقان أخيه إلى الأردو\".

          ووردت في بعض المصادر \" الأرذوا \" بالذال ، جاء في كتاب السلوك ، للمقريزي في حوادث 666هـ : فسأل هيتوم المهلة سنة إلى أن يبعث إلى الأرذوا \".

          وكتبت في بعض المصادر \" الأردوا \" بإضافة الألف إلى نهاية الكلمة ، ومن ذلك ما جاء في السلوك للمقريزي \" وبلغ الخبر غازان فاغتم غمّا عظيماً وخرج من منخريه دم كثير حتى أشفى على الموت ، واحتجب عن الخواتين ، فإنه لم يصل إليه من كل عشرة واحد ، فارتج الأردوا بمن فيه . وجاء في تاريخ ابن الوردي \" ثم سار إلى الأردوا .. \" .

          وفي كنز الدرر للدواداري \"ثم توجه إلى الأردوا بتوريز\"، وجاء فيه \"ثم سار أبغا (ت680هـ) إلى أن وصل الأَردوا \" .

          وضبطت اللفظة في بعض المصادر بفتح الهمزة \" الأَردوا \"، ومن ذلك ما جاء في عقد الجمان للعيني ، وسار إلى الأردوا \" .

           

           

          إلْجاتْيو , ومعناها في اللغة العربية \" مبارك \" .

          الإطاق

          لفظة تركية، وتعني خيمة، أو مجموعة من الخيام أو المعسكر ، واستخدمت بكلا المعنيين في المصادر التاريخية. وقد جاءت بمعنى المعسكر في الرسالة التي بعثها السلطان المغولي المسلم أحمد تكودار إلى المنصور قلاوون \" كتبت في أواسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة بمقام الإطاق . وكتبت في بعض المصادر \" طاق \" ، جاء في نهاية الكتاب الذي أرسله السلطان أحمد تكودار إلى المنصور قلاوون \"… وكتبت أواسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة بمقام الطاق \".

          وكتبت في مصادر أخرى \" وِطاق \" وجمعت على \" وِطاقات \" جاء في عقد الجمان حوادث سنة 699 هـ \" .. وأخذوا الدهاليز السلطانية والبيوتات والوِطاقات ورحلوا إلى دمشق \".

           

           أقْطَجيّ

          قد فسّر الصفدي معناها حين قال : \" والأقطجيّ بمنزلة أمير أخور \" , وأمير آخور تعبير تركيّ يُطلق على \" المسؤول عن الإسطبلات , وتولّي أمر ما فيها , وغيرها ممّا هو داخل في حكم الإسطبلات \" . ومن الشواهد على هذه اللفظة ما جاء في أعيان العصر : \" وكان سوتاي أقطجيّاً لأبغا \".

          أُلْترا

          ومعناها في اللغة المغولية \" المذهّب \" ، يقول ابن تغري بردي في كتابه \" المنهل الصافي \" متحدثاً عن تيمورلنك :\" وكان يعتمد على قواعد جنكزخان في جميع أموره كما هي عادة جَغْتاي ، والترك بأسرهم، ويسمونها أُلترا ، وأُلترا باللغة المذهّب \".

          الأُويْراتيَّة

          وهم مجموعة من المغول وعدتهم مائة وثلاثة عشر رجلاً وصلوا إلى مصر سنة 695 هـ في عهد السلطان زين الدين كتبغا المنصوري (قتل 696هـ) .

          أخذ \" الأمراء أولادهم الشباب للخدمة ، وكثرت الرغبة فيهم لجمالهم ، وتزوج الناس ببناتهم ، وتنافس الأمراء والأجناد وغيرهم من صبيانهم وبناتهم ، ثم انغمس من بقي منهم في العساكر ، فتفرقوا في الممالك ، ودخلوا في الإسلام، واختلطوا بأهل البلاد \". وكتبت تلك اللفظة في تاريخ ابن الوردي \"العويرامية\". وممّا جاء في زبدة الفكرة : \" وفيها , أي سنة 695هـ , ورد إلى البلاد الشامية طائفة كبيرة من التتار الأُويْراتيَّة ..\" . \" فلمّا وردت مطالعات نواب الشام إلى الأبواب السلطانيّة بوصول هؤلاء الأويراتيّة , أرسل زين الدين كتبغا إليهم الأمير علم الدين سنجر الدويداريّ من دمشق لينزلهم في بلاد الساحل , ويحضر مقدّميهم وكبارهم إلى الباب العزيز , فانزل نسوانهم وأولادهم وعامّتهم في بلد الساحل , وأحضر من أعيانهم نحو مائتي فارس .. \" .

          إِيلْجيّ

          لفظ تركي بمعنى سفير أو مبعوث ، وقد وردت في معظم المصادر بصيغة الجمع \" إيلجية \" ، ومن النصوص على ذلك ما جاء في تاريخ مختصر الدول \" وفي سنة سبع وخمسين وستمائة أرسل هولاكو إيلجية إلى الملك الناصر صاحب حلب برسالة يقول فيها\" . ووردت هذه اللفظة في رسالة السلطان المغولي أحمد تكودار للمنصور قلاوون \".. أنفذنا الإيلجية بعد النية الخالصة لله وللرسول تسكيناً للفتن الثائرة \" ، وجاء في رسالة السلطان المغولي محمود غازان للملك الناصر محمد بن قلاوون :\" فأنفذنا الإيلجية مع قضاة ثقات \" ، وفيها \" وعاودنا إرسال الإيلجية مع قضاة ثقات \".

          وكتبت اللفظة في بعض المصادر \" الإلجية \" بدون الياء الأولى ، ومن الشواهد على ذلك \" وسيّروا الإلجية لإحضار الملوك ليكتبوا خطوطهم بالإرتضاء بالملك أحمد \" .

          وجاءت لفظة \"يليجيا\" بمعنى بريد في كنز الدرر للدواداري : \" وها هو أنفذ إليكم يليجيا يعني بريداً – يطلبكم إليه فلا تسمعوا ، فإنكم إن أتيتم إليه لا يُبقي على أحد منكم \" ، \" فعاد وأخبره أن ألطن خان بلغه ما فعلتم بيلجيه …\" .

           

           إيلْخان

          ومعناه الملك التابع لدولة أخرى ، ولذلك سميت دولة المغول في إيران إيلخانية، لأنها كانت تابعة لدولتهم في الصين. جاء في تاريخ مختصر الدول : \" وفي سنة ثمانٍ وخمسين وستمائة دخل هولاكو إيلخان الشام \" .

          البايِزَة

          \"لفظ مغوليّ , وهي لوح صغير من ذهب مرسوم على أحد وجهيه رأس سبع كالوسام في عصرنا , وكانت تمنح لكبار رجال الدولة عند المغول ...\" , أو تقدّم هدية لذوي القدر والجاه والسلطان . ورد في زبدة الفكرة في خبر إسلام القائد المغوليّ بركة خان : \" والذي ذَكَرتْه الرواة ونقلته الثقات أنه كان بخوارزم رجل من كبار الصالحين وأعيان المحققين يقال له نجم الدين كبرا من ذرية عمار بن ياسر , رضي الله عنه , في أيام السلطان علاء الدين محمد , ظهرت له كرامات , وكانت له مقامات , وكان من أصحاب الحال والقال , وكان له تلاميذ أعيان من مريديه أحدهم يقال له الشيخ أحمد البغداديّ الكر , فنشأ له مريد يسمى الشيخ خادم حضر إلى بلاد بركة , وأقام بها , وكان صالحاً ورعاً , كبير المحل , له قدم راسخ في الصلاح , فبلغ بركه خيره وصلاحه ,وانقلاب القلوب إليه , فأرسل إليه رسلاً وبايزة ذهباً , وقال له هذه البايزة تكون معك , ترسلها إلى البلاد التي تمشي إليها من ممالكي , فيكون حكمك فيها من حكمي , وأمرك فيها من أمري , ويُحمل إليك من المال ما تأمر به للفقراء وغيرهم , فلمّا وصلت إليه بايزة بركة , قال لرسله : عودوا وقولوا له تربط هذه البايزة على حمار وترسله إلى البرية فإن حمته من الوحوش فأنا أقبلها....\" .

          البَخْشيّة

          \" لفظ مغوليّ ,ومعناه الكهنة البوذيون , والمقصود هنا طائفة تدين بالرهبانية والفقر والسحر \" , تحدث المقريزي عن طقطاي بن منكوتمر بن باطو بن جنكيز خان المتوفى سنة 714هـ : إنّه كان \" يعبد الأصنام على دين البَخْشيّة \" .

          بَهادُر

          \" بالدال المضمومة ، كلمة تركية مغولية الأصل مأخوذة من \" بخاتُر \" والمعنى الأصلي لبهادُر هو الشجاع أو المقدام ، ثم أصبحت لقباً يطلق للتشريف في بلاد المغول \" . استخدمت اللفظة بكلا المعنيين في المصادر التاريخية وجمعت على \"بهادورية \" و \"بهادرية\". ومن النصوص التي جاءت فيها بهادر بمعنى شجاع : \" وكان التتار لما شاهدوا السواد الأعظم ، والأمر الأفخم، تجردت نجب شجعانها بطاغية بهادريتهم للكمين وراء تل \" ومن ذلك ما جاء في تاريخ مختصر الدول متحدثاً عن الحرب التي دارت رحاها بين قواد المغول أحمد تكودار وأرغون: \" فلمّا رأى أرغون أنه عاجز عن مقاومته، صعد إلى حصن هناك ومعه ثلثمئة نفر من الفرسان البهادورية أتباعه \".

          ويدل على أن تلك اللفظة استخدمت لقباً دالاً على التشريف ، ما ورد في تاريخ مختصر الدول : \"ولما التقوا وقعت الكسرة فيهم وقتل جميع أكابر المغول أحدهم طوغو والآخر توذان بهادر \" .

          تَتار

          وهي تعني \" تائهين في الأرض \" ، وهذا ما ذكره الدواداري حين تحدث عن تشتت التتار : \" فقالوا: نحن تتار معنى ذلك – أي تائهين عن أرضنا ، وأن قوماً من جنسنا غلبوا علينا، وقتلونا وأخرجونا من ديارنا، فخرجنا هاربين ، لا ندري أين نتجه، فوقعنا في هذه الأرض تتار، أي تائهين ، فهذا أصل كلمة قولهم التتار\"، وذكرت في المصادر التاريخية وفي الشعر والنثر على وجوه، وهي \" تتر ، وتتار ، وتاتار ، وططر\" . وتطر , ورد في زبدة الفكرة : \" ويكون في ذلك بلوغ الوطر والراحة من هذا الخطر, والتوفير من التوجّه إلى بلاد التّطر \" . ومن الأمثلة على لفظة تتر قول ابن واصل في أحداث سنة 657هـ : وعظمتْ الأراجيف في هذه السنة بتحرّك التتر نحو الشام وقطعهم الفرات والغارات على بلد حلب \" .

          تَدْلُون

          وهو اسم لأحد قادة المغول في معركة الأبلستين سنة 675 هـ \"، ومعنى هذا الإسم النفاذ ، يعني أنه ما كان في عسكر قط إلا نفذه \"، وقد ذكر ذلك كاتب الإنشاء زمن الظاهر بيبرس محيي الدين بن عبد الظاهر (ت 692هـ) في رسالة كتبها بعد انتصار المسلمين في تلك المعركة , وورد في ذيل مفرّج الكروب أنّ اسم هذا القائد تداون يقول : \" وكان المقدّم عليهم رجل يقال له تداون \" . وربّما يكون ابن عبد الظاهر أكثر دقّة في كتابة الاسم لنّه كان مشاركاً الظاهر بيبرس تلك الغزوة .التُّرخان

          يقول الملطي صاحب كتاب تاريخ مختصر الدول :\" تُرخانية التّرخان : وهو الحر الذي لا يكلّف بشيء من الحقوق السلطانية، ويكون ما يغنم من الغزوات له مطلقاً لا يؤخذ منه نصيب للملك، وزاد لهؤلاء أن يدخلوا على الملوك بغير إذن ، ولا يعاقبوا على ذنب إلى تسعة ذنوب \".

          التَّمرجي

          كلمة مغولية، وتعني \" سكان البراري \" . أو الحدّاد . ورد في كنز الدرر متحدّثاً عن جنكيز خان : \" وولد لهذا تتار خان بيغو ولد فسمّاه جكزخان , وهو جكز خان تمرجي , يعني الحدّاد , وسبب تسميته بالحداد.... \" .

          التِّمُرِيَّة

          وهم جيش تيمورلنك الذين غزوا الشام سنة 803هـ. ظهرت هذه الكلمة في المصادر التاريخية في حوادث تلك السنة . ومّا جاء في النجوم الزاهرة : \" وعد إلى دمشق بمائة رأس من التّمريّة \" , \" ثمّ حضر إلى طاعة السلطانجماعة من التّمريّة في البقاع العزيزيّ \" .

          تُومان

          بمعنى عشرة آلاف في لغة المغول ، وهي إحدى الفرق العسكرية المغولية كانت تبلغ ذلك العدد ، وتدل على رتبة عسكرية في الجيش المغولي كقولنا اليوم عقيد ، وعميد … إلخ .

          جمعت هذه اللفظة على \" تَوّامين \" جاء في بعض المصادر التاريخية ، والتومان \" عبارة عمّا يخرج عشرة آلاف مقاتل \"، وذكر في ترجمة \" جنقر \" قائد المغول في معركة الفرات سنة 671 هـ \" من أكبر توامين التتار \". ووردت هذه اللفظة في رسالة الأمان التي بعثها السلطان المغولي محمود غازان إلى أهل الشام سنة 699 هـ \" ليعلم أمراء التوّامين والآلاف والمئين من عموم العساكر المنصورة …\" .

          ويتحدث صاحب تاريخ مختصر الدول عن الأموال التي قدّمها يوسف شاه كبير طائفة اللّور في الأهواز إلى السلطان المغولي \" أرغون \": \" ولمّـا قدم، قدّم أموالاً كثيرة نحو مائة تومان من ذهب\" ، ويقول:\"حينئذ حصل بطريق القرض من أصحابه وأهله وأبنائه وأحبائه وأصدقائه قريباً من أربعين توماناً\".

          وذكرت كتب التاريخ في حوادث 803هـ \" ثم ألزموا بحمل ألف تومان ، والتّومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذّهب\" ، \"واستقر الصلح على ألف ألف دينار فوزّعت على أهل البلد ، ثم روجع تمرلنك فتسخطها ، وقال : إنه إنما طلب ألف تومان ، والتّومان ، عشرة آلاف دينار \" . وذكر العيني في كتابه عقد الجمان في حوادث 656 هـ :\" فجهز هلاون تّومانين من التّوامين الذي صحبته\" .

          وكتبت الكلمة السابقة في بعض المصادر الإسلامية \" طوامين \" بالطاء ، ومثال ذلك ما جاء في الرسالة التي بعثها السلطان المغولي محمود غازان إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 700 هـ \"وتقدمنا إلى مقدمي طوامين جيوشنا أنهم متى سمعوا بقدوم أحد منكم إلى الشام ، أن يعودوا إلينا بسلام ..\" . ومثال آخر : \" وأقبل قطلوشاه بمن معه من الطّوّامين\".

          وكتبت اللفظة في مصادر أخرى \" تُمان \" بدون \" واو، وجمعت على \" تُمانات \" ومن الأمثلة :

           

        8. ما جاء في حوادث سنة 656 هـ ومنها : أن هلاون أرسل أرقطو أحد المقدمين بُتمان إلى إربل \". \" \"وكان في مقدمتهم صغون حاق بتُمانة \" .
        9.  

          وجمعت على \" تمانات \"، وورد ذلك في رسالة الأديب شهاب الدين محمود الحلبي التي كتبها بعد انتصار المسلمين على المغول في معركة مرج الصفر سنة 702 هـ \"، وقتل أكثر مقدمي التُّمانات وفرّ كبيرهم وأنّى له الفرار \".تَيْمُور أو تَمُرْلِنْك

          يقول ابن تغري بردي : \" هو تمرلنك ، وقيل تيمور ، كلاهما بمعنى واحد، والثاني أفصح ، وهو باللغة التركية الحديد \". وقال \" لِنْك باللغة العجمية أعرج ، وأما اسمه الحقيقي، فـ\" تمر\" بلا \"لنك\"، فلمّا أعرج أضيف إليه لنك \" ، يروى أن تيمورلنك كان في بداية حياته لصاً \" فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمرّ بها ، فانتبه الراعي ورماه بسهم ، فأصاب كتفه ، ثم ردفه بآخر فلم يصبه ، ثم بآخر فأصاب فخذه ، وعمل الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه ، ولهذا سمي تمرلنك \"، وهذه الحقيقة أكدها تيمورلنك نفسه ، في اللقاء الذي حدث بينه وبين عبد الرحمن بن خلدون سنة 803هـ ، يقول ابن خلدون: \"وركبته اليمنى عاطلة من سهم أصابه في الغارة أيام صباه ، على ما أخبرني ، فيجرّها في قريب المشي ، ويتناوله الرجال على الأيدي عند طول المسافة، وهو مصنوع له \".

          خاتون

          لفظة تعني الأميرة ، والملكة ، والسيدة عريقة الأصل ، وجمعت على \" خواتين \" . ومن النصوص الشاهدة على ذلك :

          - \".. اجتمع إليه الخواتين ، وصرخوا في وجهه ، وشققوا الجيوب بين يديه على رجالهم الذين قتلوا بالوقعة \".

           

        10. \" وركبت النساء والخواتين لسماع أخبارهم ، لينظرن من قتل ومن بقي \" .
        11.  

           

        12. \" وكان خواجا دمشق يروح سراً بالليل إلى بعض خواتين خربندا \".
        13.  

           

        14. وقال القلقشندي في كتابه صبح الأعشى في باب \" ممن يُكاتب بمملكة إيران من النساء \":
        15.  

          \" الأولى : دل شاد زوج الشيخ حسن الكبير ، كتب إليها: \"أدام الله تعالى صون الجهة المحجبة، المصونة ، العصمية ، الخاتونية ، المعظمية ، سيدة الخواتين\".

           

           الخان

          \" وهو بلغتهم – أي المغول – الملك \" ، ووردت في النصوص التي ندرسها بمعاني أخرى , وهي الأمراء , أو أصحاب السلطة العليا في دولة المغول , وصارت هذه اللفظة لقباً من ألقابهم , فيُقال : هولاكو خان , وقَبلاي خان , وأباقا خان . وقد جمعت على \"خانات\"، وإذا ما ذكر المؤرخون دولة المغول قالوا \" خانيّة \". واستخدمت هذه الكلمة بكثرة في المصادر التي أرّخت تلك الفترة ، ومن الأمثلة على ذلك :

           

        16. \" والخانات لما سمعوا بقرب العدو انزعجوا لذلك \".
        17.  

           

        18. \" … وكان خانهم الكبير الذي عاصر خوارزمشاه محمد بن تكش (قتل 617هـ) ، يقال له ألطون خان، وقد توارث الخانية كابراً عن كابر ، ومن عادة خانهم الأعظم الإقامة بطوغاج، وهي واسطة الصين…\" .
        19.  

           

        20. وفي سنة 689هـ، \" مات قبلاي خان بن طلو بن جنكزخان ملك التتر بالصين، وهو أعظم الخانات\".
        21.  

           

        22. ذكر بيبرس المنصوريّ في حديثه عن القائد المغولي نوغا الذي أرسله الملك المغولي بركة خان لقتال هولاكو سنة 663هـ : \" وعادَ إلى بركة فَعَظُم أمره , وارتفع قدره , وقدّمه بركة على عدّة تمانات , وصار معدوداً في الخانات \" .
        23.  

          واستخدمت بعض المصادر التاريخية اللفظة السابقة بالقاف أي \"القان \"، وهي بمعنى\" الخليفة\" ، وجمعت على قانات \"،وقيل في النسب: \"قانيّ\"، ووردت تلك اللفظة كثيراً في المصادر التي أرخت تلك الفترة،ومن الأمثلة:ما جاء في صبح الأعشى في حديثه عن طريقة المكاتبة إلى صاحب بغداد :\"المكاتبة بيقبّل الأرض القان صاحب بغداد، كما كان يكتب إلى القان أُويس وابنه أحمد،يُقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي … القانيّ\". ويتحدث عن نظام الكتب الصادرة عن ديوان الإنشاء بمصر\"..وإلى عظماء القانات بممالك الشرق كقان مملكة إيران، الجامع لحدودها على ما كان الأمر عليه إلى آخر أيام أبي سعيد، ثم من بعده ممن لم يبلغ شأوه من القانات الصغار\". ووردت لفظة القان في قول الشاعر ناصر الدين بن النقيب (ت687هـ) عقب انتصار المسلمين على المغول في معركة حمص سنة 680هـ :

          هو القائد الجيش العرمرم خلفه إلى القان في موغان يطلبه جهراً

          ووردت هذه اللفظة في قول الشاعر جمال الدين بن نباتة يتغزّل بمغوليّة :

          تركيّةٌ للقانِ يُنسبُ خدُّها واصَبْوَتي منها بخدٍّ قانِ

          وفي مقدمة قصيدة أخرى له يقول :

          ظبيٌ إلى القانِ له نسبةٌ واحربا في خدِّه القاني

          ولا يخفى أنّ الشاعر قد أتى بهذه اللفظة ليتلاعب بالجناس \" القان \" و \" قان \" .

           

          وقيل ( قا آن ). وتتجلى هذه اللفظة في قول الموفق الحكيم المعروف بالورن (ت 677هـ) في مدح الحكيم شمس الدين الكلي الطبيب لمّا تولى رئاسة الطب :

        رياسةُ الطبِّ غدا حكمها

         

         

        وكلّ جزءٍ منها للكلّي

         

         

        كأنه قا آنُ في طبّه

         

         

        يسقي شراب الموت بالمُغلي

         

         

        ومن النصوص التاريخية :

        - \"كان سلطان حلب قد أرسل وزيره الصاحب زين الدين الحافظي بتحف وهدايا ملكية إلى حضرة القاآن\".

        - جاء في الرسالة التي بعثها السلطان المغولي أحمد تكودار بعد إسلامه إلى المنصور قلاوون \" بسم الله الرحمن الرحيم ، بقوة الله تعالى ، بإقبال قاآن ، فرمان أحمد إلى سلطان مصر \". وجاء في كتاب آخر له ، \" قاآن فرمان أحمد إلى سلطان مصر \" .

         

      1. \" فقالت : حفظ الله القآن …\" ، \" والقآن – الله يحفظه – مسلم يحب المسلمين \".
      2.  

         

      3. \" يحفظ القآن ، والله هذه في قبضتك ، وجميع ما فيها رعيتك \".
      4.  

        وقيل \" خاقان \" ، وللمملكة المغولية خاقانية ، وجمعت – أي خاقان – على \" خواقين \" . ومن الأمثلة الشعرية على ذلك قول الشاعر ناصر الدين بن النقيب عقب انتصار المسلمين على المغول في معركة حمص سنة 680هـ :

        ومَنْ مخبرٌ \" خاقان \" أن قبيله

         

         

        قد أعطاهم اللهُ المهابةَ والنّصرا

         

         

         

        وقول الشاعر محمد المنبجي البزاز (ت 723هـ) بعد انتصار المسلمين على المغول في معركة مرج الصفر سنة 702هـ :

        إنّ البغاةَ بني خاقان أقدمَهم

         

         

        على هَلاكِهِمُ الطّغيانُ والأشرُ

         

         

         

        وفي النثر ما جاء في الرسالة التي بعثها المستعصم بالله لهولاكو، \" كما أنني لا أبغي من وراء تردد الجيوش أن تلهج ألسنة الرعية بالمدح أو القدح ، خصوصاً وأنني مع \" الخاقان \" وهولاكو خان قلب واحد ولسان واحد \".

        وجاء في كتاب نهر الذهب للغزي، \" توران أو طوران : اسم مملكة الخواقين \" .

        واستخدمت لفظة \" خواقين \" لتدل على ذوي السيادة من المغول \" وزراء ، وقواد الجيش … إلخ ، ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير ، حين تحدث عن نتائج لقاء الشيخ تقي الدين بن تيمية بالقائد المغولي غازان سنة 699 هـ ، يقول :\" فتسامعت الخواقين والأمراء من أصحاب غازان ، فأتوه يتبركون بدعائه \" . فالخواقين هنا لا تعني الملوك.

        ووردت لفظة \" قاقان \" ومعناها الملك ، ولم أعثر على هذه اللفظة إلا في الشعر ، في قول الشاعر محمد بن الحلي (ت680هـ) من قصيدة نظمها بعد انتصار المسلمين على المغول في معركة الفرات سنة 671هـ :

        عزمنا على اسم الله والله ربنا

         

         

        نروم العدا قسرا بكلّ مضمّرِ

         

         

        نروم بني قاقان جمعاً لأنّهم

         

         

        بَغو وطَغوا في قسوةٍ وتجبّرِ

         

         

        ولعل إضافة لفظة \" بني \" إلى \" خاقان \"، و \" قاقان \" نابع من اعتقاد المسلمين بالطاعة العمياء التي يوليها المغول لحكامهم \" فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم ، لا لمال ولا لجاه، بل ذلك دأب لهم \" ، ولذلك جعلوهم أبناء ملوكهم تشبيهاً بطاعة الابن لأبيه .

         

        خَدَا بَنْدَه

        وهو اسم سلطان مغولي (ت716هـ)، يقول رشيد الدين الهمذاني الوزير المغولي في كتابه جامع التواريخ:\" كان خدابنده حتى جلوسه على العرش يحمل اسم خدابنده أي عبد الله \"، ويذكر ابن تغري بردي أن هذه اللفظة فارسية ، فيقول : خدا بندة \" معناه عبد الله بالفارسي \" ، وقد حرفت العامة هذه اللفظة، فقالت: \"خرابندا\" بالراء ، وهذا ما عبر عنه صلاح الدين الصفدي إذ قال: \" وإنما قال ذلك المتهكم به \" ، وأكد ذلك القلقشندي في كتابه صبح الأعشى . فالعامة قصدت بهذا النطق \" فضلات الإنسان \"، إلا أن ابن تغري بردي يذكر أن خربندا \" اسم مهمل بمعنى عبد الحمار\" ، ومن المستبعد أن تكون العامة كانت تعلم هذا المعنى ، فالأرجح أنهم كانوا يقصدون بـ \"خربندا\" المعنى الذي ذكرته سابقاً، وقد جاءت هذه اللفظة في الشعر والنثر. ففي الشعر استخدمها الشعراء في الأشعار الدالة على هزيمة ذلك القائد ، فمن ذلك قول علاء الدين الوداعي (ت716هـ) مصوراً رجوع خدابنده عن الرحبة \" بلد في الشام\"، سنة 712هـ :

        ما فرّ \"خرابندا\" عن الرّحبةِ الـ

         

         

        عظمى إلى أوطانهِ شوقاً

         

         

        بل خاف من مالكِها أنه

         

         

        يلبسه من سيفِهِ طوقاً

         

         

         

        وقال أحد الشعراء :

        وقد خرّ \"خربندا \" لبأسكَ خاضعاً

         

         

        مقرّاً وكل المغلِ من خيفةٍ قرّوا

         

         

         

        وإذا ما مدح ذلك السلطان، نطق الشعراء باسمه الحقيقي ، كما في قول جمال الدين بن الحسام :

         

        هذا خدابندا محمّدٌ الذي

         

         

        ساد الملوك بدولة غراء

         

         

         

             

            وذكر ذلك الاسم في النصوص التاريخية بوجهيه \" خدابندا \" ، و \" خربندا \" .

             

            راسْتي رَسْتي

            يقول ابن تغري بردي: وكان نُقش على خاتم تيمورلنك \" راستي رستي ومعناه صدقت نجوت \".

            رَشْتة

            هو نوع من الطعام المغولي ذكره ابن خلدون حين تحدث عن لقائه بتيمورلنك سنة 803هـ ، فقال:\" ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه الرّشْتة ، ويُحكمونه على أبلغ ما يمكن\" . ولعل هذه اللفظة مغولية دخلت التركية ، وحين كان الأتراك يحكمون فلسطين أدخلوها معهم ، ولذلك نسمعها على ألسنة العجائز \" رشتة وعدس \" أي عجين مقطع مع العدس .

             

            سَراقوج

            الطاقية أو العمامة من لباس الرأس عند التتار . ومن الأمثلة على ورودها في مصادر تلك الحقبة:

             

          1. \" ولما بلغ جنكزخان قتل ولده ، وكثر جيشه رمى سراقوجه على الأرض \" .
          2.  

             

          3. \" وأهم ملك الأرمن بالمسير إلى بلاد الشام ، وأعد ألف قباء تتري ، وألف سراقوج ألبسها الأرمن ليوهم أنهم تتر \".
          4.  

        قولوا لقازان بأنّ جيوشَه

         

         

        جاءوا ففرّجناهمُ بالشام

         

         

         

        واستخدم الشاعر النحوي نجم الدين القحفازي (ت745هـ) لفظة \" قازان \" بمعنى القدر، ليصنع تورية في غازان، فقال :

        لما غدا قازانُ فخّاراً بما

         

         

        قد نال بالأمسِ وأغراه البَطرْ

         

         

        جاء يرجّى مثلها ثانيةً

         

         

        فانقلب الدّست عليه وانكسرْ

         

         

         

        وقال علاء الدين الوداعي( ت 716هـ ):

        أتى قازان عدواً في جنود

         

         

        على أخذ البلاد غدوا حراصا

         

         

         

        وقال الشاعر شمس الدين الطيبي (ت 717هـ) :

        يا برقُ بلّغ إلى قازان قصّتهم

         

         

        وصف فغصّتهم من فوق ما تَصِفُ

         

         

         

        أما لفظة \" غازان \"، فاستخدمت في قول عدد من الشعراء ، ومنهم شهاب الدين العزازي (ت 710هـ) :

        ولمّا غزا غازانُ عقرَ ديارنا

         

         

        وأعطاه من يعطي ومن يمنعُ النّصرا

         

         

         

        وقال تقي الدين بن تمام الحنبلي :

        يا ويح غازان أضحى للرّدى غَرَضاً

         

         

        وفرّ من حوله الأخلاطُ والزّمرُ

         

         

         

        ومنه قول ابن فضل الله العمري يصف المواجهة التي حدثت بين غازان وابن تيمية سنة 699 هـ :

        رمى إلى نحرِ غازان مواجهةً

         

         

        سهامُهَ من دعاءٍ عونُه القدرُ

         

         

         

        وقول صلاح الدين الصفدي في ذلك :

        ويوم غازانٍ غدا عندما

         

         

        شدّد في القولِ وما خفّضا

         

         

         

        قراغول

        لفظة مغولية تعني حرس الحدود . استخدمت في بعض المصادر التاريخية وفي النثر ولم تستخدم في الشعر ، وجمعت على \" قراغولات \" ، ووردت في بعض المصادر \" قراول \" ، وجمعت \" قراولات ، \" ومن الأمثلة على ذلك : ما جاء في الرسالة التي بعثها أحمد تكودار إلى المنصور قلاوون، \"… وقد صادف قراغولنا جاسوساً في زي الفقراء كان في سبيل مثله أن يهلك، فلم نر إهراق دمه صيانة لحرمة ما حرمه الله تعالى \" . وجاء في كنز الدرر، \" وقد كان صادف قراولنا جاسوساً في زي الفقر … \" .

        وورد في الرسالة التي بعثها المنصور قلاوون إلى السلطان المسلم أحمد تكودار رداً على رسالته السابقة : \" وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى \" .

        وفي كنز الدرر : \" وأما تحريمه الشحاني والقراولات في الأطراف التعرض إلى الأخذ بالأيدي على الأذى\".

        واستخدمها الصفدي \" قراؤول \" ، وهذا ما ذكره في ترجمة الإمام الحاكم بأمر الله أبي

        العباس: \"وحارب القراؤول في سنة ثمان وستين وست مئة \" .قَرَاقجيَّة

        وهي لفظة مغولية بمعنى مستحفظين .وحرس الحدود كما أوردها التونجي .

         

         

         القِمّز

        يقول محقق كتاب التحفة الملوكية في أخبار الدولة التركية: هو \" نوع من النبيذ يعمل من لبن الخيل، واللفظ تتري الأصل \". تردد في المصادر المملوكية بصورة جليّة. ومن ذلك ما ورد في زبدة الفكرة متحدّثاً عن وفاة الظاهر بيبرس : \" فحضر من الغزاة إلى دمشق , فأمر الساقي أن يسقيه كأس قمّز كان ممزوجاً فيما قيل بسمّ ..\", وقال : \" وجلس لشرب القمّز بحضرة أمرائه وأعيان أعوانه \" .

        قوريلْتاي

        يقول محقق كتاب \" تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور قلاوون: \" هذه اللفظة من \" التركية \" \"

         

         

        Quriltay

        \" ، وهو الاسم المغولي لمجلس السلطنة الذي يختار الحكام ، ويدرس المسائل العويصة التي لا يريد الحاكم أن يفعل فيها وحده \". وتذكر بعض المصادر التاريخية تعريفاً لهذه اللفظة ، ومنها ما جاء في تاريخ مختصر الدول : \" فاجتمع عندنا في قوريلتاي المبارك، وهو المجمع الذي تنقدح فيه آراء جميع الإخوان ، والإخوة . والأولاد والأمراء الكبار ، ومقدمي العساكر ، وزعماء البلاد …\" .

        هزمنا بالعزائم قَطْلشاه

         

         

        مقدّمهم وأودينا النّوينا

         

         

         

         

        وقال صلاح الدين الصفدي :

         

        بمملكةِ الرّوم حل الردى

         

         

        لأجل النّوين الذي قد فَقَدْنا

         

         

         

         

        وربما استخدمت هذه اللفظة \" نوين \" بمعنى \" ملك \"، ولعل ذلك ما نلمحه من قول القلقشندي في حديثه عن مراسلات النساء في إيران \" قرينة نوين الملوك والسلاطين \".

        وقد تأتي بمعنى رئيس ، وهذا ما نلمحه في قول القلقشندي ، إذ تحدث عن المكاتبة إلى صاحب بغداد \" ويقال في ألقابه : نوين التوامين \" أي رئيس\" .

         

        الياسا

        كلمة مغولية تعني مرسوم ملكي، أو مجموعة من القوانين وضعها جنكيزخان ، وسار عليها هو ، ومن جاء بعده من السلاطين ، وقد جاءت هذه اللفظة في المصادر المملوكية بأشكال مختلفة، منها \" الياسة \" ، و \" اليسق \" ، و \" الياساق \" ، و \" الآسة \", و \" الياساه \" .

        وعرّف غير مؤرخ لفظة \" الياسا \":

        يقول السبكي متحدثاً عن جنكزخان :\" ولا زال أمره يعظم ويكبر، وكان من أعقل الناس ، وأخبرهم بالحروب، ووضع له شرعاً اخترعه ، وديناً ابتدعه … سماه \" الياسا \"، لا يحكمون إلا به \".

        ويقول صاحب كتاب \" تاريخ مختصر الدول \" : \" الياسة يعني الناموس والقضاء \" .

        وجاء في مفرج الكروب في أخبار بني أيوب : الآسة \"، وهي ضوابط يدين المغول ويعملون بها \" .

        وورد في بعض المصادر على لسان جنكزخان \" إن ملّكتموني عليكم والتزمتم لي بالطاعة واتّباع اليسق الذي أضع لكم شرعه، رددت خوارزم شاه عنكم ، فالتزموا له بذلك ، وكان مما وضعه لهم أنه قال : كل من أحبّ امرأة بنتاً كانت أو غيرها ، لا يمنع من التزوج بها ، ولو كان زبّالا ، والامرأة بنت ملك … ، وكان من جملة ما قرره لهم : من رعف وهو يأكل قتل كائناً من كان ، وقرر لهم أن كل من لم يمض حكم اليسق ، ولم يعمل به قتل أيضاً \" .

        وقال القلقشندي :\" ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين، وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين ضمنها من عقله ، وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً ، وحدد فيها حدوداً بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية ، وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته، تتوارث عنه في أعقابه ، وأن يتعلمها أصغر أهل بيته ، منها أنّ من زنى قتل ، ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل ،ومن بال في الماء قتل ، ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ، ولم ينزل بمساعدته قتل ، ومن وجد أسيراً أو هارباً أو عبداً ، ولم يرده قتل ، ومن أطعم أسير قوم ، أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل ، إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها ممّا هم دائنون به إلى الآن ، وربما دان به من تحلّى بحلية الإسلام من ملوكهم \".

        وقال ابن كثير في ترجمة القائد المغولي كتبغانوين :\" وكان يميل إلى دين النصارى ، ولكن لا يمكنه الخروج من حكم جنكزخان في الياساق .

        وأضاف بعض سلاطين المغول قوانين أخرى إلى الياسة ، ويوضح ذلك ما جاء في كتاب تشريف الأيام والعصور :\" إن أبغا شرط في الياسة أنه إذا مات من ملك، ما يعقد عوضه إلا الأكبر من أولاده \" .

        ويذكر ابن تغري بردي في سياق حديثه عن تلك اللفظة، أن العامة صارت تقول بدل الياسا: \" سياسة \" ، ويوضح سبب ذلك بقوله :\" وأصل لفظة اليسق : سي يسا ، وهي لفظة تركية مركبة من كلمتين ، صدر الكلمة: سي بالعجمي ، وعجزها يسا بالتركي، لأن سي \" بالعجمي ثلاثة ، و \"يا\" بالمغولي الترتيب ، فكأنه قال : التراتيب الثلاثة ، وسبب هذه الكلمة أن جنكزخان ملك المغول كان قسم ممالكه في أولاده الثلاثة ، وجعلها ثلاثة أقسام ، وأوصاهم بوصايا لم يخرجوا عنها الترك … مع كثرتهم واختلاف أديانهم ، فصاروا يقولون سي يسا ، يعني التراتيب الثلاثة التي رتبها جنكزخان \". وقال :\" فصارت الترك يقولون: \" سي يسا \"، فنقل ذلك العامة فحرفوها على عادة تحاريفهم ، وقالوا : سياسة \". فابن تغري بردي يحاول تأصيل تلك الكلمة، وبيان ما طرأ عليها من تطور .

        ووردت مكتوبة الياساه في رسالة بعثها الظاهر بيبرس إلى الملك المغوليّ أباقا : \" ...فكيف يقعُ الاتّفاق ُونحن اليوم الياساه التي لنا أعظم من ياساه جنكزخان...\" .

         

        ياغي قَجْتي

        \" يعني باللغة التركية العدو هرب \" . جاء في النجوم الزاهرة : \" فكرّ بهم تيمور ثانياً في عسكر تَقْتُمش ، وما منهم أحد إلا وهو يصرخ \" ياغي قجتي \". أما في المنهل الصافي ، فقد ذكرت اللفظة \"قجتي\"، \" وقشتي \" بالشين بدل الجيم ، ومثال ذلك :\" وصرخ قائلاً ياغي قشتي .. وصرخ بها أيضاً تيمور، فامتلأت آذان التمرية بصوتها ، وأتوه بأجمعهم بعدما كانوا هاربين ، وتركوا جميع ما معهم ، فكر بهم تيمور ثانياً ، وما منهم أحد إلا وهو يصرخ \" ياغي قشتي \" .

        وفي كتاب \" عجائب المقدور في أخبار تيمور، \" وردت تلك اللفظة \" قاجدي \"

         

        يِرْلِيغ

        وتعني المرسوم الذي يصدره ملك المغول , ويقضي بتعيين شخص ما والياً عنه , أو نائباً له , أو موظّفاً في مدينة أو منطقة من مناطق سلطته . جاء في زبدة الفكرة , متحدثاً عن هولاكو , وعن والي الموصل بدر الدين لؤلؤ الذي جاء مستسلماً لهولاكو : \"وكتب له يرليغ بتفويض مملكة الموصل \" , \" فعاد بعدهما بقليل ومعه اليرليغ \" . ووردت في أعيان العصر \" بُرْلغ \" بالباء عوضاًً عن الياء إذ قال : \" وفي مستهلّ المحرّم سنة ثلاث وستين وسبعمائة حضر بُرْلغ مكتوب بالذّهب .. \" . وجمعت هذه اللفظة على براليغ , جاء في ترجمة القائد المغوليّ غازان : \" وقصد الأعداء في الأطراف , ونفّذ البراليغ \" .

         

        يَغْلق

        وتعني المرسوم . جاء في كتاب عقد الجمان ، في حوادث 702هـ على لسان القائد المغولي مولاي أو بولاي، \" تحققتم أن هذا هو الملك الناصر ، قال : ما بقي شك في أمره ، فقال : ألم تعلموا أن الخان قازان قد كتب يغلق ، وعاهدنا أننا إذا رأينا أو سمعنا أن الملك الناصر حاضر بعسكره ، أو بغير عسكره لا نضرب معه مصافاً \" .

        ويستخدم الشاعر علاء الدين بن علي الأوتاري حشداً من الألفاظ المغولية في قصيدته التي رثى بها دمشق بعد أن احتلها المغول سنة 699 هـ :

         

        كاتُر آقجا كَبرخوار أنت ياغيه

         

         

        لمحمود غازان قاآن البلاد

         

         

         

        يقول محققو كتاب نهاية الأرب : \" عرضنا هذا البيت على العالم الجليل موسى أفندي جار الله نزيل القاهرة الآن فشرحه بما يأتي : كاتُر ، هات ، آقجا : النقود ، كبرخوار: كافر حقير غير كتابي، ياغيه: العدو الباغي ، قاآن : كبير الملوك ،ومعنى البيت هات أيها الكافر الحقير الخراج، أنت عدو لقاآن \" خاقان \" البلاد محمود غازان\" .

         

         

         

         

        دور العلماء والأدباء إبّان الغزو المغولي

         

        كان للعلماء المسلمين دور جلي إبان الغزو المغولي للبلاد الإسلامية ، فقد كان لزاماً عليهم أن يقولوا كلمتهم ، وأن يحثوا على الجهاد ، وتوحيد الصفوف في وقت عصفت فيه الفتنة بالمسلمين وأصاب التخاذل نفوس كثيرين منهم ، وتكاتفت جهود الأمم الكافرة للنيل منهم ، ومن دينهم وبلادهم ، وما فيها من حضارة ومدنية وثروات .

        زاد من حماس العلماء ونشاطهم ، ما حققه المسلمون من انتصارات على المغول عقب معركة عين جالوت سنة 658 هـ ، هذا فضلاً عن أن كثيراً منهم كانوا على درجة كبيرة من التقوى والورع ، يشتغلون بالعلوم الدينية ، ويتولون مناصب رفيعة في الدولة الإسلامية .

         

        وبرزت طائفتان من العلماء المسلمين إبان الغزو المغولي :

        طائفة قامت بدور إيجابي ، وأخرى وقفت موقفاً سلبياً .

         

        العلماء والأدباء ودورهم الإيجابيّ

         

        يمثّل هذه الطائفة جلّ علماء المسلمين وأدبائهم في تلك الفترة . وقد اتّخذ هذا الدور أشكالاً مختلفة يمكن إجمالها في العناوين التالية ,

         

        دورهم في الحثّ على الجهاد

         

        لقد حث بعض علماء الأمة وأدبائها في تلك الحقبة المسلمين على الجهاد ، واستئصال شأفة الأعداء ، والثأر لدماء المسلمين . وتوجه آخرون في خطابهم إلى سلاطين الأمة وقادتها ، واستخدموا أساليب متعددة منها الخطاب المباشر ، والخطب والمواعظ وغير ذلك. وأغلب هذه الأساليب تهدف إلى إثارة الشعور الديني في نفوس المخاطبين ، إلى جانب الشعور بالذات . فأرض المسلمين محتلة، ودماؤهم وأموالهم ، ونساؤهم مستباحة، فإلام الإستكانة وانتظار المصير ؟ .

        وقد وجدت تلك الوسائل سبيلها إلى نفوس المسلمين وقادتهم ، فكانت من العوامل القوية التي حفزتهم على الجهاد ، وبذل النفس والنفيس .

        وساند العلماء القول بالعمل ، فشارك بعضهم في المعارك التي خاضها المسلمون ضد المغول وأحلافهم . ففي معركة عين جالوت كان القراء بصحبة الجيش \" يتلون القرآن ، ويحثون على الجهاد ، ويشوقون إلى الجنة \". ولمّا توجه الظاهر بيبرس إلى جهاد المغول في بلاد الروم سنة 675هـ ، اصطحب معه جميع كتاب الإنشاء خلال طائفة يسيرة منهم. وكان الفقهاء في معركة وادي الخزندارسنة 699 هـ ، يدورون على العسكر جميعهم ، وهم يتلون الآيات المناسبة ، ويحرضون للجهاد ، وتوطين النفس على الملاقاة حتى غشي الناس البكاء والتوجع.

        واجتمع الفقهاء والقضاة قبل معركة مرج الصفر سنة 702 هـ ، بالجامع في دمشق ، وحلفوا على حضور الغزوة ، وخرجوا مع الجيوش الإسلامية للقتال، ويروى أن الملك الناصر محمد بن قلاوون والخليفة ، خرجوا ومعهم القضاة الأربعة ، و \" القراء يتلون القرآن الكريم ما يحث عزائم القوم على الثبات، ويحرضهم على الصدق في اللقاء ، ويشوقهم إلى الجنة ، وفي كل قبيل يقف السلطان والخليفة ، ويقول الخليفة : \" يا مجاهدون لا تنظروا لسلطاتكم قاتلوا عن حريمكم ، وعن ولي نبيكم ، صلى الله عليه وسلم ، فتذرف عند ذلك العيون الدموع ، ويكثر النحيب حتى إن فيهم من يسقط عن فرسه لشدة ما ينزل به من الخشوع ، فتواعدوا جميعاً على صدق اللقاء ، وتعاهدوا على الثبات إلى الممات \".

        وحضر في سنة 795هـ مرسوم السلطان الظاهر أبي سعيد برقوق إلى نائب الشام أن يجهز العسكر ، ويخرج بهم إلى الفرات ، ويقعد في وجه تيمورلنك ، فركب \" القضاة وقدامهم السناجق والناس ، وهم يقرأون مرسوم السلطان ، ويحرضونهم على القتال ، والتأهب لهذا العدو المخذول ..\".

        ولمّا توجه تيمورلنك إلى الشام سنة 803هـ، خرج قضاة دمشق \" في جمع كبير ، ونادوا بقتال تيمورلنك ، وتحريض الناس عليه \". أما في القاهرة، فقد \" ركب شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وقضاة القضاة ، … ، ونودي بين أيديهم بالقاهرة من ورقة تتضمن أمر الناس بالجهاد في سبيل الله لعدوكم الأكبر تيمورلنك ، فإنه أخذ البلاد ، ووصل إلى حلب ، وقتل الأطفال على صدور الأمهات ، وأخرب الدور والمساجد ، وجعلها اسطبلات للدواب ، وهو قاصدكم ، يخرب بلادكم ، ويقتل رجالكم وأطفالكم ، ويسبي حريمكم \". وقد لاقى حثهم على الجهاد صداه \" فاضطربت القاهرة لذلك ، واشتد جزع الناس ، وكثر بكاؤهم، وانطلقت الألسنة بالوقيعة في أعيان الدولة \"، وخرج القضاة الثلاثة بصحبة الجيش، وهم .. صدر الدين المناوي الشافعي ، والقاضي نور الدين بن الجلال المالكي ، والقاضي موفق الدين الحنبلي .. وسافر معهم القاضي ولي الدين بن خلدون وهو معزول \".

         

        التنكيل بالعلماء والأدباء

         

        نكّل المغول بعدد كبير من علماء الأمة الإسلامية وأدبائها إبّان غزوهم واحتلالهم المدن الإسلاميّة في العصر المملوكي , فقد أصيب كثيرون منهم بجراحات خطيرة وهم يشاركون الجيش الإسلامي جهاد المغول ، وأسر آخرون ، فَنُكِّل بهم ، وأُذيقوا من العذاب ألواناً. ففي معركة حمص سنة 680 هـ ، أصيب الأديب ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر بسهم في صدغه \" فعمي ، وبقي ملازماً بيته إلى أن مات \" ، وقد عبر عن ذلك حين صور عماه ويأسه ، فقال :

         

        أضحى وجودي برغمي في الورى عَدَما

         

         

        وليس لي فيهمُ وِرْدٌ ولا صَدَرُ

         

         

        عَدِمْـتُ عينــي وما لـي فيهـمُ أثرٌ

         

         

        فهل وجودٌ ولا عينٌ ولا أثرُ ؟

         

         

         

         

        ونكّل المغول حين دخلوا الشام سنة 699 هـ بقاضي القضاة نجم الدين بن صَصْري ، ونهبوا أمواله، وأسروا القاضي الأديب تقي الدين بن تمام الحنبلي، وعلقوا في رقبته حبلاً وجروه به ثم تركوه .

        وأسر المغول سنة 803هـ عدداً كبيراً من الفقهاء والعلماء وحفاظ القرآن \"، ومنهم القاضي صدر الدين المناوي ، وقد أمر تيمورلنك بتعذيبه ، فسحبه المغول \" ومزقوا ما عليه من ثياب ، وأوسعوه سباً وشتماً، وأشبعوه ركلاً ولكماً \"، وأخذوه معهم ، فتوفي غرقاً في نهر الزاب. وأسر المغول\" قاضي القضاة محيي الدين بن العز الحنفي بعد أن عاقبوه بأنواع العقاب، وكووه، وسقوه الماء الملح، وبالكلس والنار شووه\"، وأخذوا ولده قاضي القضاه شهاب الدين أبا العباس ، وقاضي القضاة شمس الدين النابلسي الحنبلي.وقتل المغول مئات العلماء والأدباء إبان غزوهم ، وقد قتل هؤلاء مع من قتل من المسلمين في المدن المحتلة ، أو أثناء مشاركتهم الجيش الإسلامي في جهاد المغول ، وممّن قتلوا علماء بغداد وأدباؤها ، فبعد سقوطها سنة 656 هـ ، طلب هولاكو إلى الخليفة المستعصم بالله أن يخرج إليه، فخرج ومعه القضاة والمدرسون، ومشايخ الرباطات والصوفية، الخطباء والأئمة، حملة القرآن ، فقام المغول بقتلهم جميعاً . ومنهم محيي الدين بن الجوزي ، وأولاده جمال الدين ، وشرف الدين ، وتاج الدين أبو الكرم . ومنهم جمال الدين أبو زكريا الصرصري الضرير، يقول ابن تغري بردي :\" دخل عليه التتار … فطعن بعكازه بطن واحد فقتله ، ثم قتل شهيداً \"، ويذكر الذهبي أنهم قطعوه في السوق قطعاً ، ويروي ابن العماد أنه لمّا \" دخل التتار بغداد كان الشيخ بها ، فلمّا دخلوا عليه ، قاتلهم ، وقتل منه بعكازه نحو اثني عشر نفساً ، ثم قتلوه شهيداً \" .

        وقتل المغول في بغداد الشيخ شهاب الدين الريحاني، وشيخ الشيوخ صدر الدين بن النيار، وموفق الدين بن الفوطي البغدادي، والأديب صدر الدين بن نبهان الإربلي، وعبد الله بن خنفر، وقتلوا الشيخ علي العابد الخباز، وألقوه \"على مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام حتى أكلت الكلاب من لحمه\"، كما قتلوا الشاعرين علي بن النقيب الطاهر، ومحمد بن البوقي، والفقيه عبد الرحمن بن رزين، والفقيه أبا المناقب محمود بن أحمد .

        وقتل المغول عدداً من علماء الشام وأدبائها حين احتلوها سنة 658 هـ ، ومنهم شرف الدين ابن العجمي ، فقد عذبوه \" على المال ، بأن صبوا عليه ماءً بارداً في الشتاء ، فتشنج حتى مات \". ومنهم الشيخ الفقيه عمر بن عبد المنعم الحلبي الحنفي .

        ولمّا دخل المغول ماردين في تلك السنة ، قتلوا الأديب جلال الدين المارديني المعروف بابن الصفّار .

        وحين خرج الخليفة الأسود سنة 659 هـ لاسترداد بغداد بأمر من الظاهر بيبرس ، شاركه الأديب الكاتب محمد بن علي العقيلي الحلبي \" فاستشهد بيد التتار قريباً من بغداد \".

        ولم ينج علماء الموصل وأدباؤها من بطش المغول ، فبعد دخولها سنة 660 هـ ، قتلوا الأديب محيي الدين بن زبلاق الهاشمي صاحب الأشعار والرسائل المشهورة. وقتل المغول عدداً كبيراً من العلماء والأدباء حين استولوا على الشام سنة 699 هـ، يذكر أنهم قتلوا في دمشق وجبل الصالحية من شيوخ الحديث أكثر من مئة نفس، وممن قتلوا أحمد بن عبد الله اليونيني، وأبو العباس أحمد بن محمد الصالحي الحداد، وأبو عمر الفراء الصالحي، وقتلوا قاضي قضاة الحنفية حسام الدين الرازي ، والفقيه سيف الدين أحمد بن عبد الرحمن النابلسي، والشيخ أبا الحسن المقدسي، وقتل المغول من المحدثين ابن المقير، أبا الفرج عبد الرحمن المقرئ، وعبد الرحمن بن عمر بن صومع الدير، وإبراهيم بن أبي الحسن بن عميرة. وقتل المغول بعض المحدثات منهن صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء المناوي .

        وعانى بعض العلماء من الشدة والضرب والعذاب قبل وفاتهم أمثال علي بن أحمد بن عبد الدايم، ومحمد بن يوسف الصالحي , وإبراهيم بن عنبر المارديني .

        وشارك العلماء والأدباء جيش المسلمين في جهاد المغول في معركة حمص سنة 680 هـ ، وأبلوا بلاءً حسناُ ، فقتل بعضهم، ومنهم الشيخ عبد الله بن محمد اليونيني ، وشمس الدين البعلبكي، يقول اليونيني: \"وكان – رحمه الله – كثير الملازمة لي ، لا يكاد يفارقني ليلاً ولا نهاراً إلا في النادر … فلما كان المصاف ظاهر حمص بين الملك المنصور سيف الدين قلاوون – رحمه الله – وبين التتار في شهر رجب … توجهت لحضوره وهو صحبتي ، فاستشهد إلى رحمة الله تعالى في ذلك اليوم \". وقتل في تلك الوقعة يحيى بن محمد أبو زكريا الإربلي الشافعي ، والكاتب يوسف بن إبراهيم أبو المحاسن شمس الدين المصري .

        وهاجم المغول الشام سنة 700 هـ ، فخرج الأديب شهاب الدين أبو جلنّك الشاعر المشهور من قلعة حلب لقتالهم، \" وكان ضخماً ، سميناً فوقع عن فرسه من سهم أصاب الفرس ، فبقي راجلاً ، فأسروه وأحضروه بين يدي مقدم التتار ، فسأله عن عسكر المسلمين ، فرفع شأنهم ، فغضب مقدم التتار … من ذلك فضرب عنقه \".

        وخسر المسلمون عدداً كبيراً من العلماء والأدباء في الكائنة التيمورية في الشام سنة 803 هـ ، ومن هؤلاء شمس الدين محمد بن أحمد المعري ثم الحلبي ، وشمس الدين البابي الحلبي ، قتله المغول في حلب . وقتل قاضي قضاة المالكية بدمشق برهان الدين إبراهيم التادلي \" بعد أن حضر الوقعة مع اللّنكية . وجرح جراحات \" ، ومات \" قاضي القضاة علاء الدين الشهير بابن مفلح الحنبلي ، الحاكم بالديار الشامية .. من أثر الكي الذي كواه بها ناس من التمرية لما خرج إلى تيمورلنك بسبب شفاعته في أهل الشام \". وقتل تحت العقوبة القاضي شمس الدين محمد بن الغزولي الشافعي . والشيخ زين الدين عمر النيربي الشافعي المفتي بدمشق . والفقيه عبد الله بن محمد الحراني الأصل الحلبي ، وابنه عبد الأحد ، ومحمد بن عبد الرحمن الذهبي الكفربطناوي ، وكان من شيوخ الحديث . \" قتل بالعقوبة .. وقيل بل ضربت عنقه صبراً ، وكان ببلده كفربطنه ، فأخذه العسكر التمري ، فعوقب ثم قتل \". وتوفي قاضي القضاه تقي الدين عبد الله بن فزارة الكفري في أسر تيمورلنك ، وقتل المغول في تلك السنة الشيخ علاء الدين الصرخدي ، وعمر بن عبد الله بن داود الكفري،وعلي بن إبراهيم بن صقر الكلبي ، ومحمد بن أحمد التركماني العبطيني ثم الحلبي ، والفقيه القاضي يوسف بن إبراهيم الأذرعي ، وأبا بكر بن سليمان الدّاربخي .

        هذه طائفة من العلماء والأدباء الذين قتلوا إبان الغزو المغولي للبلاد الإسلامية في العصر المملوكي، ويتبين من تراجمهم أنهم كانوا ذوي مكانة مرموقة في مجتمعاتهم ، وأن دورهم كان كبيراً في رفد الحركة الفكرية والأدبية في عصرهم ، فقد تنوعت علومهم ومعارفهم ، واشتغلوا بالفقه ، والحديث ، والأصول ، والتفسير ، والنحو ، اللغة ، والنجوم ، والفروض ، والأدب ، والشعر ، والكتابة ، والخطابة وغير ذلك ، وصنفوا كتباً كثيرة في تلك العلوم والفنون ، وتولوا مناصب رفيعة مثل التدريس ، والقضاء ، والكتابة ، وأستاذية الدار ، ومنهم من عمل مؤدباً للخلفاء وأولادهم مثل محيي الدين الجوزي على سبيل المثال . ومن هنا ندرك الخسارة الكبيرة التي مني بها المسلمون بموتهم ، وتتضح لنا همجية المغول ، فهم

         

         

        لايفرقون بين أحد من الناس ، هدفهم الإستيلاء على الأرض والمال ، وبسط نفوذهم على أكبر رقعة من هذا العالم ،ولا وزن عندهم لحضارة ، ولا مدنية ، ولا إنسان.

         

         

         

         

         

        دور العلماء والأدباء في معاونة ملوك المسلمين

         

        اعتمد بعض الحكام على بعض العلماء والأدباء للوساطة بينهم وبين الملوك المسلمين الآخرين من جهة ، وبينهم وبين سلاطين المغول من جهة أخرى ، فالخليفة المستعصم بالله العباسي ، أرسل شرف الدين بن الجوزي \" إلى هولاكو لما قصد بغداد يبذل له الأموال \".

        وأرسل الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 657 هـ ، القاضي كمال الدين بن العديم إلى مصر ، يطلب نجدة لقتال المغول القادمين إلى الشام آنذاك . أمّا القاضي عماد الدين علي بن السكريّ المصريّ , فأرسله الملك الناصر محمد بن قلاوون \" رسولاً إلى ملك التتار في سنة ثلاث وسبعمائة ,وعاد في شهور سنة أربع وسبعمائة , وأحسن السفارة \" .

        واستشار بعض سلاطين المسلمين العلماء في شؤون الحرب ضد المغول ، الأمر الذي عاد بالنفع على الإسلام والمسلمين ، فالشيخ عز الدين بن عبد السلام على سبيل المثال ، كان سبباً من أسباب النصر في معركة عين جالوت الفاصلة ، يروى أنه لما سقطت الشام سنة 658 هـ \" وجبن أهل مصر منهم ، وضاقت بالسلطان وعساكره الأرض ، استشاروا الشيخ عز الدين رحمه الله ، فقال : اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر ، فقال السلطان له : \" إن المال في خزائني قليل ، وأنا أريد أن اقترض من أموال التجار ، فقال له الشيخ عز الدين : إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك ، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي … ، وضربته سكة ونقداً ، وفرقته في الجيش ، ولم يقم بكفايتهم ، ذلك الوقت اطلب القرض ، وأما قبل ذلك فلا ، فأحضر والعسكر كلهم ما عندهم من ذلك بين يدي الشيخ ، وكان .. له عظمة عندهم وهيبة بحيث لا يستطيعون مخالفته ، فامتثلوا أمره ، فانتصروا …

        فابن عبد السلام عالم جليل ، يتمثل الدين الإسلامي ، ويصدر في أقواله وأحكامه عن تعاليم الإسلام، التي تقضي بالمساواة بين الحاكم والمحكوم ، وتجعل الحاكم قدوة لأمته وشعبه ، فهو مدرك أن ذلك طريق النصر ، ولذا أيده المظفر قطز وغيره من القادة ، ولم يتخلفوا عن مقالته ، لما علموا ما فيها من مصلحة للإسلام والمسلمين .

         

         

        دورهم في التّصدي لقادة المغول وفي فكّ أسرى المسلمين

         

        ساهم بعض العلماء في التخفيف عن المسلمين ، وتصدوا للدفاع عنهم ، فخرجوا إلى سلاطين المغول وقادتهم يحثونهم على حقن الدماء ، فبعد معركة وادي الخزندار سنة 699 هـ وسقوط الشام ، خرج عدد كبير من القضاة والقراء والفقهاء إلى غازان، وطلبوا الأمان لأهل دمشق. وحين دخل المغول الشام سنة 803 هـ ، سعى القاضي تقي الدين بن مفلح الحنبلي للصلح مع تيمورلنك \"، وكثر تردده إليه ، ليدفع عن المسلمين \".

        وخرج ابن الشحنة إلى المغول في تلك السنة ، وطلب الأمان لأهل حلب . أما ابن خلدون، فشفع بعدد كبير من أسرى المسلمين ، وأنقذهم من الأسر .

        وقام الشيخ تقي الدين بن تيمية بدور بارز في الجهاد إبان الغزو المغولي ، حتى ضربت بشجاعته الأمثال ، ونالت مواقفه إعجاب علماء عصره ، وأدبائهم ومؤرخيهم ، فكتبوا عنها الكثير ، وأشادوا بها ، وبجرأته في قول الحق ، وفي الحث على الجهاد ، وبث العزيمة في نفوس المسلمين وحكامهم. ففي سنة 699هـ صمدت قلعة دمشق أمام الهجوم المغولي ، وحوصرت حصاراً شديداً ، فكان الشيخ \"يدور كل ليلة على الأسوار يحرض على الصبر والقتال ، ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط \" ، وأرسل إلى نائب القلعة يقول له : \" لو لم يبق فيها إلا حجر واحد ، فلا تسلمهم ذلك إن استطعت ، وكان في ذلك مصلحة عظيمة لأهل الشام \".

        وكان القائد المغولي غازان في تلك السنة ، قد اعتنق الإسلام ، واعتنقه أغلب جيشه، فتكلم الناس في كيفية قتال المغول وهم مسلمون ، إلا أن ابن تيمية حثهم على جهادهم ، وبين لهم كفرهم ، فعدهم من جنس مانعي الزكاة والخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما ، وأفتى بوجوب قتالهم ، وقال للمسلمين : \" لو رأيتموني من ذلك الجانب ، وعلى رأسي مصحف فاقتلوني \".

        وبعد استيلاء المغول على الشام ، اجتمع أعيان دمشق ، والقضاة ، والفقهاء ، والقراء ، والشيخ تقي الدين بن تيمية ، واتفقوا على المسير إلى غازان ، وأخذ الأمان منه لأهل دمشق ، فتوجهوا إليه ، واجتمعوا به عند النبك ، وكلّمه الشيخ ابن تيمية كلاماً قوياً فيه مصلحة عظيمة ، عاد نفعها على المسلمين .

        وفصّل عدد من المؤرخين في الحديث عمّا دار في ذلك الاجتماع ، وعن موقف الشيخ يومذاك ، فذكروا أنه في \" شهر ربيع الآخر سنة 699 هـ، خرج ابن تيمية من دمشق في جماعة إلى غازان متملك التتر لما قدم إلى الشام ، وكان قد نزل بتل راهط ، فلم يمكنه الوزير سعد الدين من لقاء غازان فعاد ، ثم إنه توجه اليه ثانياً ، واجتمع به وكلّمه بغلظة ، فكف الله يد غازان عنه ، وذلك أنه قال لترجمان الملك غازان: قل للقائد : أنت تزعم أنك مسلم ، ومعك قاض ، وإمام ، وشيخ ، ومؤذنون على ما بلغنا ، فغزوتنا ، وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين ، وما عملا الذي عملت عامداً ، فوفيا ، وأنت عاهدت فغدرت ، وقلت فما وفيت ، ومرّ مثل هذه المحاسبة ، وقد حضر قضاة دمشق وأعيانها ، فقدّم إليهم غازان طعاماً ، فأكلوه إلا ابن تيمية ، فقيل إليه : لم لا تأكل ؟ ، فقال : كيف آكل من طعامكم ، وكله مما نهبتم من أغنام الناس ، وقطعتم من أشجار الناس ؟ ، ثم إن غازان طلب منه الدعاء ، فقال في دعائه : اللهم إن كنت تعلم أنه إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وجهاداً في سبيلك ، فأيده وانصره ، وإن كان للملك والدنيا والتكاثر ، فافعل به واصنع – يدعو عليه -، وغازان يؤمّن على دعائه ، وقضاة دمشق قد خافوا القتل ، وجمعوا ثيابهم خوفاً أن يبطش بهم، فيصيبهم من دمه ، فلمّا خرجوا قال قاضي القضاة ابن صَصْري لابن تيمية : كدت تهلك معنا ، ونحن ما نصحبك من هنا ، فقال : وأنا لا أصحبكم \".

        إن هذا الموقف يدل على جرأة ابن تيمية ، وشجاعته ، وحماسه الشديد في الدفاع عن الإسلام والمسلمين ، كما يدل الخوف الذي نزل في نفوس العلماء الآخرين على خطورة الموقف الذي تعرض له الرجل ، ولكنه نجا ، واشتهر أمره من ذلك اليوم كما يقول ابن حجر العسقلاني.وأنقذ ابن تيمية عدداً كبيراً من أسرى المسلمين وغيرهم ، فقد خرج إلى مخيم بولاي، أحد مقدمي المغول ، وتحدث معه بخصوصهم ، ولا يزال بولاي يسأل والشيخ يجيب ، حتى أسكن غضبه على أهل الشام، فأطلق كثيراً من أسرى المسلمين واليهود والنصارى .

        وقد تحدث ابن تيمية عن ذلك في الرسالة القبرصية التي بعثها إلى ملك قبرص ، فقال : \" وقد عرف النصارى كلّهم أنّي لمّا خاطبت التتار في إطلاق الأسرى ، وأطلقهم غازان وقطلوشاه ، وخاطبت مولاي فيهم ، فسمح بإطلاق المسلمين ، قال لي : لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس ، فهؤلاء لا يطلقون ، فقلت له : بل جميع من معك من اليهود والنصارى ، الذين هم أهل ذمتنا ، فإنا نفتكهم ، ولا ندع أسيراً ، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة ، وأطلقنا من النصارى ما شاء الله ، فهذا عملنا وإحساننا ، والجزاء على الله\".

        لم يفاوض الشيخ المغول في أمر أسرى المسلمين فحسب، ولكنه سعى إلى فك أسرى أهل الذمة أيضاً، ذلك أن هؤلاء خاضعون للدولة الإسلامية، والواجب يقتضي حمايتهم، والذب عنهم، ومعاملتهم مثل الرعايا المسلمين .

        ووردت الأخبار سنة 700 هـ بأن المغول قادمون إلى الشام ، فجلس \" الشيخ تقي الدين بن تيمية في ثاني صفر في مجلسه في الجامع ، وحرّض الناس على القتال ، وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، ونهى عن الإسراع في الفرار ، ورغّب في إنفاق الأموال في الذب عن المسلمين ، وبلادهم وأموالهم ، وأن ما ينفق في أجرة الهرب إذا أنفق في سبيل الله كان خيراً ، وأوجب جهاد التتر حتماً في هذه الكرة ، وتابع المجالس في ذلك \". وخرج الشيخ إلى مصر يحرّض الناس على ذلك ، واجتمع بالسلطان والوزير، وأعيان الدولة ، وحثهم على جهاد التتار ، وتجهيز العساكر إلى الشام ، وقال لهم فيما قال : \" إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطاناً يحوطه ويحميه ، ويستغله في زمن الأمن ، ولم يزل بهم حتى جردت العساكر إلى الشام ، ثم قال لهم : لو قدّر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه ، واستنصر أهله ،وجب عليكم النصر ، فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه ، وهم رعاياكم ، وأنتم مسؤولون عنهم ، وقوّى جأشهم ، وضمن لهم النصر هذه المرة \". ولكن الله تعالى كان لطيفاً بالمسلمين ، فرد الغزاة على أعقابهم ، إذ أرسل على جيشهم \" أمطاراً عظيمة وثلوجاً لم يعهدوا مثلها قبل ذلك ، ومع ذلك وقع الفناء في خيولهم ، وكان الفرس منهم يصيبه البرد ، وينزل عليه الثلج ، فيقع على الأرض ، ثم لا ينتفع به بعد ذلك ، وحكوا أن قازان كان معه خصوصاً اثنا عشر ألف رأس من الخيل .. ، فلم يبق منها إلا ما دون الألف ، وأنه لمّا رأى ذلك استشار أمراءه في الرجوع ، فرجعوا في أسوأ حال ، وتفرق عسكره \".

        وكتب ابن تيمية رسالة في هذه الغزوة ، استلهم فيها أحداث التاريخ ، وقارن بين أحداثها ، وأحداث غزوة الخندق زمن الرسول ، صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى مواطن الشبه بينهما ، فتحدث عن الحشود الكافرة في كلا الغزوتين، وعن مدتهما الزمنية، والظروف الجوية المحيطة بهما، ووصف حال المنافقين والمثبطين ، والمتقاعسين عن القتال، وهاجمهم بقوة، وأشاد بالمؤمنين الذين كانوا يرجون نصر الله ، ويعزمون على الجهاد . وقارن أخيراً بين ما أصاب الأحزاب يوم الخندق ، وما أصاب المغول وأحلافهم .

        وكان للشيخ دور في معركة مرج الصفر أو شقحب سنة 702 هـ ، فحين هاجم المغول الشام وقتذاك ، ركب الشيخ البريد إلى مهنا بن عيسى ملك العرب ، واستحضره إلى الجهاد ، ثم ذهب إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وحثه على الخروج لقتال المغول ، ولما وصل السلطان قريباً من موقع المعركة ، خرج ابن تيمية للقائه ، وصار يثبته \" فلما رأى السلطان كثرة التتر قال : يا خالد بن الوليد ، قال : قل يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ، وقال للسلطان : اثبت فأنت منصور ، فقال له بعض الأمراء : قل إن شاء الله، فقال : إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ، فكان كما قال \" .

        وصور الشعراء مواقف ابن تيمية تلك ، وركزوا على شجاعته في مواجهة غازان ، وخاصة في اشعارهم التي رثوه فيها ، ومن ذلك ما جاء في قول الإمام زين الدين عمر بن الحسام الشبلي :

        سلْ عنه غازانا وسلْ أمراءهُ

         

         

        لمّا أَتوا بطلائعِ الإسراءِ

         

         

        والمغلُ قد مَلَكوا البلادَ وأهلَها

         

         

        كم فكّ من عانٍ بغيرِ عناءِ

         

         

        وكذا بشقحب والتّتارُ أقبلوا

         

         

        كالطّمّ في أُممٍ بغيرِ عناءِ

         

         

        من حرّض السّلطانَ والأمراءَ على

         

         

        تركِ النّزول عند كلّ مساءِ

         

         

        قال : اثبتوا فلكم دليلُ النّصر قد

         

         

        وافى فكان النّصرُ عند لقاءِ

         

         

        ويتجلى ذلك في قول شهاب الدين بن فضل الله العمري في رثائه :

        رمى إلى نحرِ غازان مواجهةً

         

         

        سهامُهُ من دعاء عونُه القدرُ

         

         

        بتلّ راهط والأعداءُ قد غلبوا

         

         

        على الشّام وطار الشّرّ والشّررُ

         

         

        وشقّ في المرجِ والأسيافُ مسلطةٌ

         

         

        طوائفَ كلّها أو بعضُها التّترُ

         

         

         

        هجرة العلماء والأدباء ومنزلتهم في مجتمعهم الجديد

         

        نتج عن الغزو المغولي للبلاد الإسلامية هجرة عدد كبير من العلماء والأدباء ، وتشريدهم خارج ديارهم ، فقد أضحت تلك البلاد مكاناً غير ملائم للإقامة فيها ، لكثرة ما نزل بها من قتل وأسر ، ونهب ، ودمار وتشتيت . وحفلت كتب التاريخ بالحديث عن الوضع الذي آلت إليه المدن المحتلة جراء الغزو المغولي لها، فبغداد على سبيل المثال عادت \" بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة \"(11)، وقد وضع السيف في أهلها وما زال \" يعمل فيهم أربعين يوماً في قتل وأسر وعقوبة على الأموال ، فقتلوا الرجال والنساء والصبيان والأطفال …، قيل إن عدد القتلى في بغداد زاد عن ثمانمائة ألف نفس عدا عن ألفين من الغلمان في الدخول ، ومن هلك في القني والأبار ، وسراديب الموتى جوعاً وعطشاً . ووقع الوباء فيمن تخلف بعد الوقعة من شم روائح القتلى وشرب الماء الممتزج بالجيف ، وكثرة الذباب فإنه ملأالفضاء ، وكان يسقط على المطعومات فيفسدها\" .

        ولم تكن الشام أحسن حالاً، فقد فعلوا فيها مثلما فعلوا في بغداد، وذلك في سنوات 658هـ، 699هـ ، 803هـ ، وغيرها من السنوات .

        والعلماء والأدباء في ظل هذه الأوضاع ، وبعد سقوط دولة الخلافة وعاصمة المسلمين بغداد ، تطلعوا في كل قطر إسلامي إلى ملجأ يحميهم ، ويذب عنهم ، فلم يجدوا غير مصر والشام ، فاتجهوا إليها ليقيموا دولة العلم والأدب والدين ، وعندها شمل الغزو المغولي الشام ، انحاز العلماء إلى مصر يلوذون فيها، وبعد معركة عين جالوت الفاصلة ، زاد تطلع العلماء إليها ، وزاد من شأنها أن الظاهر بيبرس أحيا الخلافة هناك سنة 659 هـ ، فاحتلت مصر بذلك مكان بغداد. ويبين السيوطي ما أصبح لمصر من أهمية عقب إحياء الخلافة فيها إذ قال :\" اعلم أن مصر من حين صارت دار خلافة عظم أمرها ، وكثرت شعائر الإسلام فيها , وعلت فيها السنة، وعفت منها البدعة ، وصارت محل سكن العلماء ، ومحط رحال الفضلاء \".

        أضف إلى ذلك أن مصر كانت قلعة حصينة لم يتمكن المغول من دخولها بهمة دولة المماليك الفتية ، هذه الدولة التي كانت تقاتل على غير جبهة ، وتذود عن حمى المسلمين ، وتقف سداً منيعاً أمام هجمات التتار من جهة ، والصليبيين من جهة أخرى . وكان في مصر يومئذ عدد كبير من المدارس ، ومجالس العلم ، والمكتبات ، وقد شجع ذلك كله العلماء والأدباء على التوجه إليها ، \" وكان من هؤلاء الوافدين من ألّف ، ودرّس ، وخطب ، وتولّى القضاء ، وأفتى . وإذا كانت تلك الهجرات قد أثّرت سلبياً على الحياة الثقافية في البلاد المهجورة ، فإنها من جهة أخرى ذات أثر إيجابي على مصر ، فقد ساعدت على ازدهار النشاط العلمي فيها ، فبعدما اطمأنت قلوب العلماء ، ولقوا في إقامتهم من عطف المماليك ما حبب إليهم البقاء ، راحوا يكتبون ويؤلفون محاولين إعادة الذخائر التي أبادها المغول \".

        وعثرت في كتب التاريخ والأدب وتراجم الرجال على أسماء عدد من العلماء والأدباء الذين رحلوا من موطنهم عقب الغزو المغولي له ، وقد تحدثت هذه المصادر عن دور بعضهم في ازدهار الحركة الفكرية والأدبية في موطنهم الجديد ، كما تحدثت عن المناصب التي تولوها هناك ، وعمّا أصبح لهم من شأن عند الحكام والوزراء ورجال الدولة الآخرين .

        ومن العلماء والأدباء الذين تركوا بغداد سنة 656هـ قطب الدين سنجر المستنصريّ المعروف بالياغز فقد استقرّ في الشام \" وكان محترماً في الدولة الظاهرية , وعنده معرفة ونباهة وحسن عشرة , ويحاضر بالأشعار والحكايات \" .

        أمّا الشام , فقد غادرها عقب سقوطها سنة 658 هـ إسماعيل بن علي المعروف بابن عز القضاة، فقد توجه إلى مصر ، ثم عاد \" بصورة عظيمة من الزهد والإعراض عن الدنيا \". وهاجر إلى مصر نصير الدين محمد بن غالب الأنصاري ، وشمس الدين المعروف بالكلّي الطبيب. ولكنه عاد إلى الشام بعد أن استعادها المسلمون ، ثم استوطن مصر \" ولم يزل بها طبيباً إلى أن توفي \" سنة 675هـ . ونزح قاضي القضاة كمال الدين عمر بن بندار التفليسي مرتين جراء الغزو المغولي ، فقد خرج \" من تفليس خوفاً من التتار ، ورحل إلى حلب ، وقصد دمشق ، وأقام بها متولياً نيابة الحكم … ، ولم يزل إلى أن استولت التتر على البلاد في سنة 658 هـ ، فدخل القاهرة ، وبقي فيها إلى أن توفي \" سنة 672هـ . ورحل إلى مصر محمد بن الحسين أبو عبد الله تقي الدين الحموي ، وقاضي القضاة تقي الدين بن رُزّين الحموي الشافعي . وقد كان لهذين العالمين نشاط ثقافي ملموس فيها ، فالأول فقيه، وعالم ، وعارف بالمذهب الشافعي ، اشتغل بالتدريس والإفتاء وغيرها ، وتولى في مصر \" جهات جليلة دينية من تدريس ، وما جرى مجراه ، ثم ولي الحكم بالقاهرة وأعمالها ، ثم أضيف إليه مع ذلك في شهور سنة ست وسبعين مصر وأعمالها ، فكمل له ولاية الإقليم ، وولي تدريس الشافعي – رحمة الله عليه – مدة ، وتدريس المدرسة الصالحية للطائفة الشافعية مرة أخرى ، وتولى تدريس الظاهرية التي بين القصرين أيضاً \".

        أما ابن رزين الحموي ، فبرع \"في الفقه ، والعربية ، والأصول ، وشارك في المنطق ، والكلام ، والحديث ، وفنون العلم ، وأفتى وله ثمان عشرة سنة \"، وكان يفتي بدمشق ، ويؤم بدار الحديث ، ولما استقر في مصر \" اشتغل ، ودرّس بالظاهرية ، ثم ولي قضاة القضاة ، فلم يأخذ عليه رزقاً تديناً وورعاً ، وتفقه به عدة أئمة ، وانتفعوا بعلمه وهديه ، وسمته وورعه \". \" وممن تخرج به بدر الدين بن جماعة ، وحدث عنه الدمياطي والمصريون ، وكان يُقصد بالفتاوي من النواحي \".

        وهاجم المغول مدينة الموصل سنة 660 هـ ، وارتكبوا المجازر بحق أهلها ، ودمروا حضارتها، فخرج منها عدد من العلماء والأدباء، ومنهم الأديب الحكيم شمس الدين بن دانيال الخزاعي الموصلي الكحّال، فقد استقر به المقام في مصر، ليتخذ حرفة الكحالة في دكان قرب باب الفتوح، وذلك أيام الظاهر بيبرس\"، وساهم هذا الأديب في الفترة التي عاشها في مصر ، وتصل إلى خمسين سنة في ازدهار الحركة الأدبية والفنية ، فهو شاعر كتب في موضوعات الشعر المختلفة ، وناثر كتب تمثيلياته المشهورة ، والمعروفة بـ \" خيال الظل \" ، وهي في ثلاث بابات ، \" تمثيليات \" سماها \" طيف الخيال \" ، و \" عجيب وغريب \" ، و \" المتيم \" ، وكان أهل القاهرة يجتمعون في مسرح خيال الظل ليروا إبداعاته ، وهزلياته ، إذ كان هو المؤلف، والممثل ، وصاحب الحوار .

        ويؤكد المكانة المرموقة التي وصل إليها ابن دانيال في مجتمعه الجديد ، أنه خدم في قلعة الجبل، وكان على علاقة ببعض الأمراء والقادة والأعيان ، فقد مدح عدداً منهم. وممّا يؤثر عنه أن الأشرف خليل بن قلاوون قبل توليه السلطة ، أهداه فرساً ليركبه إذا صعد القلعة للخدمة ، ولم يكن الفرس على ما يريد ابن دانيال ، فركب حماراً أعرج ، وصعد القلعة ، ولما رآه الأشرف استدعاه ، وقال له : يا حكيم أما أعطيناك فرساً تركبه . فقال : نعم ، بعته وزدت عليه ، واشتريت هذا الحمار ، فضحك الأشرف ، وأعطاه غيره .

        وكان له راتب على الديوان من لحم وعلّيق ، فقطعه عنه الوزير ، فدخل على الأمير سلار يتعارج ، فقال له سلار : ما بالك يا حكيم ؟ ، فقال : \"بي قطع لحم ، فضحك منه ، وأمر بإعادته\" .

        وانتجع إلى مصر خوفاً من التتار الأديب العالم زين الدين بن العجمي الشافعي، وذلك سنة 661هـ، وتنقل في غير منصب هناك ، فقد صار عدلاً بالشارع الأعظم بباب جامع الصالح بن رزيك ، ثم مسؤولاً عن عقود الأنكحة والفسوخ بالقاهرة .

        وهاجر عدد من العلماء والأدباء إلى مصر عقب الغزو المغولي للشام سنة 699 هـ . ومنهم \" إمام الدين قاضي القضاة أبو المعالي عمر بن عبد الواحد القزويني الشافعي . \"انجفل إلى مصر ، فتألم في الطريق، وتوفي بالقاهرة بعد أسبوع \".

        وتوجه إليها الأديب الكاتب جلال الدين القلانسي الدمشقي \" فانقطع بمسجد وتزهد ، وعمل المشيخة، واشتهر وقصد ، وتردد إليه الكبار … ، ثم أنشأ زاوية ، ثم تحوّل إلى القدس وقدم قبيل وفاته دمشق …،ثم رجع إلى القدس ، فمات في ذي القعدة سنة 722هـ \"، ويصف الصفدي المكانة المرموقة التي حظي بها ابن القلانسي في مصر ، إذ قال :\" وقامت

        له في الصلاح سوق ، وحملت إليه الصلات وُسوق ، وتردد إليه الناس ، وزاد اشتهاره حتى خرج عن الحد ، وتعدى القياس ، واعتقد فيه أمراء الدولة ، وأمسك هو ناموس الصولة ، ومال إليه جماعة من خواص السلطان وأحبوه محبة من أدرك الأوطار في الأوطان \".

        وبعد هذا الحديث عن العلماء والأدباء الذين تركوا بلادهم جراء الغزو المغولي لها يمكن القول : إنهم كانوا على درجة كبيرة من العلم والمعرفة ، فمنهم الفقيه ، والمحدث ، والقارئ ، والمفتي ، والطبيب ، والأديب ، واللغوي ، والمؤرخ ، والقاضي ، وعالم المنطق والكلام والأصول . ولبعضهم مؤلفات كثيرة ، وتولى آخرون مناصب مهمة في بلدهم قبل النزوح ، مثل: قضاة القضاة، والتدريس ، والكتابة ، وغير ذلك.

        ويدل على مكانتهم العلمية تلك الألقاب التي ذكرها لهم المؤرخون مثل \" الإمام \" . و\" الفقيه \" ، والعالم \"، والعارف ، والمفتي ، وشيخ الإسلام ، وقاضي القضاة ، وغيرها .

        وهؤلاء العلماء والأدباء المهاجرون صنفان :

        صنف هجر موطنه ، واستقر في موطن هجرته ، وقضى فيه ما تبقى من حياته ، وأغلب المهاجرين من هذا الصنف ، إذ بنوا في مجتمعهم الجديد علاقاتهم ، ووسعوا معرفتهم ، ونشاطهم ، وأكثروا من الإنتاج العلمي والأدبي .

        وصنف آخر عاشوا في البلاد التي نزحوا إليها حقبة من الزمن ، ثم عادوا إلى موطنهم بعد زوال الأسباب التي دفعتهم إلى تركه .

        وقد كان لكلا الصنفين دور جلي وبارز في ازدهار الحركة العلمية والأدبية وتنشيطها في الأماكن التي نزحوا إليها عامة ، وفي مصر خاصة . حيث شغل كثيرون منهم مناصب رفيعة هناك ، مثل التدريس ، والقضاء ، والحكم ، والإفتاء ، وألّفوا كتباً في شتى العلوم والفنون ، وبنى بعضهم مكاناً للتدريس ، يستقطب الطلبة إليه ، وتخرج على أيديهم علماء كثيرون، حملوا لواء العلم ونشره ، وبلغت شهرة بعضهم أن قصده الناس من أماكن شتى وبعيدة ليفتيهم في شؤون دينهم ، ولينهلوا العلم على يديه . وأصبح آخرون على علاقة وثيقة بسلاطين مصر وقادتها ، وأمرائها ومتصرفي الأمور فيها .

         

         

        العلماء والأدباء ودورهم السلبيّ

         

        لقد أدّى هذا الدور عدد قليل من العلماء المسلمين في تلك الحقبة . إذ قام هؤلاء بمعاونة المغول ، وأطمعوهم في بلاد المسلمين ، وأعانوهم على الاستيلاء عليها ، طمعاً في المال والجاه والسلطان ، مما أدى إلى ثورة الناس عليهم في أغلب الأحيان. فبعد معركة عين جالوت ثار العامة في دمشق ، وقتلوا عالماً انضم إلى التّتار، ويدعى فخر الدين الكنجي .

        وركز المؤرخون على ذكر بعض العلماء ، كان لهم دور بارز في معاونة التتار ، ومن هؤلاء الزين الحافظي . وقد حظي هذا الرجل بمنزلة رفيعة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ولكن ما إن بدأ المغول بغزو بلاد المسلمين ، ووصلوا إلى أطراف الشام ، حتى وقف الحافظي في صفهم ، وسعى إلى إسقاط دولة المسلمين فيها ، يقول اليونيني في وصف ذلك الرجل وأعماله :\" ومخازي الحافظي وخياناته على الإسلام أكثر من أن تحصر ، منها إغراء التتر بالمسلمين ، وتطميعهم في بلادهم وممالكهم بحيث أن كل دم سفكوه في الشام هو شريكهم فيه\" .

        يروى أنه في أواخر سنة 656 هـ \" انفرد الحافظي بهولاكو ، وقال له من جملة ما قال بعد أن أخذت بغداد : بغداد قد أخذتها ، والشام بلا ملك ، ومتى قصدته أخذته ، وأنا المساعد فيه ، فإنّ أكثر من بدمشق أهلي وأقاربي ، فأعطاه هولاكو سكاكيناً ، وقال : متى جاءني أحد ومعه سكين من هذه ، أعلم أنه من أقاربك \".

        ومنذ ذلك الوقت والحافظي يمهد الطريق لهولاكو ، ولذلك عمل على تثبيط الناس وحكامهم ، ورفع شأن الغزاة ، وهوّل أمرهم ، يذكر أنه في سنة 657 هـ، بلغ الملك الناصر أن هولاكو وصل حوران ، ونازلها بعساكره ، فأشار عليه الأمراء أن يخرج لملاقاتهم ، إلا أن الزين الحافظي وجماعة معه ، صاروا يثبطونه، و \" يذكرون شدة عزم هولاكو، ويعظمون أمره ، ويقولون : من الذي يلتقي مائتي ألف فارس ، فضعفت نفسه عن ملاقاته \".

        واحتل المغول حلب سنة 658 هـ ، فترك الحافظي خدمة الملك الناصر ، وأرسل إليه قائلاً : إني كنت بالأمس غلامك ، وأنا اليوم غلام هولاكو ، وأنت عدوه \". وحين توجه هولاكو إلى دمشق في تلك السنة ، أغلق الزين الحافظي أبوابها ، وجمع من بقي فيها وقرر معهم تسليمها، ثم أخذ من الناس أموالاً جزيلة ، واشترى بها ثياباً كثيرة لأمراء المغول وقادتهم ، وواصل عمل الضيافات لهم كل يوم .

        ولم يكتف الحافظي بما فعل ، ولكنه قتل عدداً من المسلمين الذين أسرهم المغول ، ومن الرجال الذين أصروا على جهادهم ، فجعله المغول أميراً في دمشق ، وصار يأمر وينهى ، ويُدعى بالملك زين الدين ، ولكن أيامه لم تطل ، فبعدما كُسر التّتار في معركة عين جالوت ، وانهزم ملك التتار ومن معه من دمشق ، توجه الزين الحافظي معهم خوفاً على نفسه من المسلمين \". ثم صار يكاتب سلطان مصر كي يعود إلى خدمته ، فاكتشف هولاكو أمره ، فقتله ، ثم قتل أولاده وأقاربه ، وكانوا نحو خمسين شخصاً .

        وممن مالأوا المغول ، القاضي محيي الدين بن الزكي ، فقد خرج إلى المغول عقب استيلائهم على حلب سنة 658هـ ، \" فاقبل عليه هولاكو ، وخلع عليه ، وولاه قضاء الشام ، ولمّا عاد ابن الزكي إلى دمشق لبس خلعة هولاكو ، فكانت مذهّبة ، وجمع الفقهاء ، وغيرهم من أكابر دمشق ، وقرأ عليهم تقليد هولاكو \"، وهو تقليد عظيم كما يصفه اليونيني ، دعا الناس إلى مخاطبة ابن الزكي \" بمولانا \" وتضمن تفويض القضاء إليه بسائر البلاد الشامية من قنسرين إلى العريش \". وكان ابن الزكي حين يذكر اسم هولاكو ، ينثر الذهب والفضة فوق رؤوس الناس .

        وإلى جانب القضاء ، أضاف ابن الزكي \" إلى نفسه وأولاده وأهله عدة مدارس \"، ثم علت منزلته عند المغول ، فأضحى مستشاراً لهم ، يذكر أنه قبل معركة عين جالوت، استدعاه كتبغانوين ، واستشاره في الخروج إلى قتال المسلمين أو عدمه .

         

        هوامش البحث

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

        أثر الغزو المغولي في الثقافة العربية في العصر المملوكي ( 648-803هـ )

         

         

        الدكتور

        رائد مصطفى عبد الرحيم

         

         

         

         

         

         

        الملخص

         

        احتدم الصراع بين المسلمين والمغول في العصور الوسطى , واستمرت الحروب سجالاً بينهما ما يقرب من مئتي سنة ( 617هـ-803هـ ) ، فقد احتل المغول عدداً من البلاد العربية والإسلامية , في العراق والشام وإيران وأفغانستان ، ونكّلوا بسكانها ، وعذّبوا ، وأسروا ، وسبوا ، ونهبوا ، اغتصبوا ، وانتهكوا المحرّمات ، وقتلوا آلاف المسلمين , وأزالوا دولاً قوية يومذاك ، أنهوا الدولة الخوارزمية ، والخلافة العباسية ، ثم الدولة الأيوبية . وقضى هؤلاء إبّان غزوهم على كثير من مظاهر الحضارة والمدنية ، وكان لهم أثرهم البارز في الثقافة العربية الإسلامية . وعلى الرغم من أهمية الموضوع ، إلاّ أنّ أحداً من الباحثين لم يقف على هذا الأثر من جوانبه المختلفة في دراسة متكاملة ، ومن هنا تأتي هذه الدراسة للوقوف على أثر الغزو المغولي في الثقافة العربية في العصر المملوكي , ولبيان آثاره الإيجابية والسلبية .

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

        مقدمــة

         

        أفاق العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري على هجمة مغولية ، استهدفت الاستيلاء على أراضيه ، وإحكام السيطرة عليها سياسياً واجتماعياً وثقافياً . فقد بدأت حملاتهم سنة 617هـ ، إذ هاجموا الدولة الخوارزمية، وهزموها ، واستولوا على أراضيها التي امتدت من العراق إلى حدود تركستان()، واستولوا على أقاليم في إيران واستقروا فيها ، ثم توجهوا نحو العراق ، فاستولوا في طريقهم على قلاع الإسماعيلية سنة 654هـ ، ثم زحفوا نحو بغداد ، وأنهوا وجود الخلافة العباسية فيها سنة 656هـ . وامتد زحفهم إلى الشام ، فاحتلوها سنة 658 هـ ، وقضوا على الدولة الأيوبية، وأسروا آخر ملوكها ، ثم قتلوه . زادت أطماع المغول عقب هذه الانتصارات ، فساروا نحو مصر آخر معقل للإسلام في الشرق , وكانت آنذاك تحت حكم دولة المماليك الفتية ، فخرج جيشها لملاقاتهم ، وانتصر عليهم في معركة عين جالوت قرب بيسان سنة 658هـ ، وطردهم من الشام .

        كانت تلك الهزيمة ضربة قاسمة للمغول ، فهي المرة الأولى التي يُكسر فيها جيشهم ، ولكنهم لم يكفّوا عن مهاجمة بلاد المسلمين عامة ، والشام خاصة ، ففعلوا ذلك غير مرة ، ولم يتمكنوا من هزيمة جيش المسلمين سوى مرتين ، الأولى سنة 699هـ ، والثانية سنة 803هـ .

        أما الجيش الإسلامي ، فهزمهم في غير معركة ، فقد انتصر عليهم في معركة حمص الصغرى سنة 659هـ ، ومعركة الفرات سنة 671هـ ، ومعركة الأبلستين()سنة 675هـ ، وهزمهم في معركة حمص الكبرى سنة 680هـ ، ومعركة مرج الصفر سنة 702هـ .

        كان للغزو المغولي أثر كبير في مجالات الحياة المختلفة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وقد تناول الباحثون الجانب السياسي ، وأشبعوه بحثاً وكتابة ولم تحظ الجوانب الأخرى باهتمامهم . ومن هنا جاء هذا البحث ليميط اللثام عن جانب مهم منها , وهو الثقافيّ , وليبيّن الأثر الذي خلّفه المغول إبّان غزوهم في الثقافة العربية في العصر المملوكيّ , أي من سنة 648-923هـ .

        وقد حدّدتُ ابتداء الأسئلة التي أنوي الإجابة عنها وهي :

        1-ما الأثر السلبي الذي تركه الغزو المغولي في الثقافة العربية في العصر المملوكيّ؟

        2-ما الدور الإيجابي لهذا الغزو في الثقافة العربية في ذلك العصر؟

        3-ما الدور الذي أدّاه علماء الأمّة وأدباؤها في تلك الحقبة الزمنية؟

        فمن المعلوم أنّ هذا الغزو كانت له نتائج كارثية في المجتمع الإسلامي تمثّلت في تدمير المراكز العلمية , وإحراق الكتب وإتلافها ونهبها , وفي قتل مئات العلماء والأدباء . كما كان له دور إيجابي تمثّل في حركة التأليف الأدبي والتاريخي التي واكبت هذا الغزو , وفي تلك الألفاظ المغولية التي دخلت اللغة العربية , وفي ذلك الدّور المهم الذي أدّاه علماء الأمة وأدباؤها .

        وقد وجدتْ بعض الدراسات التي أشارت إلى آثار الغزو المغولي في الثقافة العربية , أو ركّزت على دراسة أثر واحد منها , وهو الأثر الأدبيّ , ومن تلك الدراسات ,

        - مقالة نشرت في مجلة العربي()، عنوانها \" هل أتلف المغول حقاً مكتبة بغداد؟، لعبد المنعم الأعسم . وهي مقالة قيّمة وجادة ، ناقش فيها الكاتب مصير مكتبة بغداد ، وعرض آراء المؤرخين في ذلك ، وتحدث عن اختلافاتهم ، وخلص إلى القول : إن كتب مكتبة بغداد لم تتلف كلها، وإنما ذلك من مبالغات الرواة والمؤرخين ، وهو في كل ذلك يقدم أدلة تؤكد صحة ما يقول .

        - دراسة أعددتها لنيل درجة الماجستير في الجامعة الأردنية , عنوانها \" صورة المغول في الشعر العربيّ في العصر المملوكي \" , فقد تناولت في التمهيد بعض الآثار السلبية التي تركها الغزو المغولي وراءه في الثقافة العربية من تدمير لكتب العلوم , وهدم المراكز العلمية , وقتل العلماء والأدباء , وتشريدهم , وتعذيبهم .

        - رسالة ماجستير أعدها الطالب عبد المعز عصري محمد بني عيسى , في جامعة اليرموك , تحت عنوان \" الغزو المغوليّ لدمشق وآثاره السياسية والاجتماعية والاقتصاديّة والثقافية \" . تحدّث فيها عن جوانب من الآثار الثقافية التي تعرّضت لها دمشق إبّان الغزو المغوليّ في سنوات 658هـ , 699هـ , 803هـ .

        -كتاب تكملة المعاجم العربية , للمستشرق الألمانيّ راينهارت دوزي . جمع في بعض الألفاظ المغولية التي دخلت اللغة العربية في تلك الحقبة الزمنية .

        - وكتاب التيارات الأدبية إبّان الزحف المغوليّ , للدكتور محمد التونجي . وسرد فيه طائفة من تلك الألفاظ , ولكنّه خلط بينها وبين تلك التي وجدت في الكتب المترجمة عن اللغة الفارسية , تتناول المغول وتاريخهم .

        - دراسة عنوانها \" مصطلحات تاريخية مستعملة في العصور الثلاثة الأيوبيّ والمملوكيّ والعثمانيّ \" , جمعها وشرح معانيها الدكتور إبراهيم الكيلاني .

        - كتاب \" معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكيّ \" , لمحمد أحمد دهمان , جمع فيه المؤلف كثيراً من الألفاظ التاريخية العربية وغير العربية التي قال المؤلف : إنّها كانت مستخدمة في العصر المملوكي , ولكنّه لم يلتزم بالمنهج الذي حدّده لنفسه , فحوى كتابه ألفاظاً تعود إلى عصور الفاطميين والزنكيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين . وأورد بعض الألفاظ المغولية , فأشار إلى أنّ بعضها مغوليّ , ولم يشر إلى مغولية الأخرى , أو إلى أنّها دخلت بفعل غزوهم .

        أمّا عن منهجي , فيتلخص فيما الآتي :

        1- لا يقتصر البحث على حدود الدولة المملوكية , وهي مصر والشام , وإنما تجاوزها ليشمل العراق .

           

        1. عملت على رصد الأثر الثقافي إبّان الغزو المغولي , وليس خلال استقرارهم في بعض المدن الإسلامية مثل بغداد على سبيل المثال .
        2.  

        3- فيما يتعلّق بالألفاظ المغولية , فقد كان منهجي في تناولها الآتي :

        أ- عملت جاهداً على استقراء الألفاظ التي وردت في أدب العصر المملوكيّ , والكتب التي أرّخت لذلك العصر , وتحديداً من سنة 648هـ-803هـ .

        ب- أوردت هذه الألفاظ وفق الترتيب الهجائيّ

        ت- عرضتُ معانيها المختلفة التي ذكرها المؤرخون ,

         

         

        مدعومة بالنصوص الشعرية والنثرية التي وردت فيها تلك الألفاظ ومعانيها .

        ث- لقد اختلف المؤرخون والأدباء في رسم بعض تلك الألفاظ , فأوردتُ الأشكال الكتابية المختلفة التي جاءت عليها في الأدب وكتب المؤرخين .

        ج- رصدت بعض التغيرات التي طرأت على نطق بعض الألفاظ , وكان هذا التطور مقصوداً من قبل العامة غايته السخرية والاستهزاء .

           

        1. استثنيت من البحث أسماء قادة المغول , وهي كثيرة جدّا , إلاّ ما صرّح المؤرّخون بمعانيها , وتلاعب بنطقها العامة سخرية واستخفافاً , مثل غازان , ومولاي , وتيمور , وخدابنده .
        2.  

        3- استثنيت من بحثي هذا الأدب الذي أنتجه الأدباء والعلماء في مواكبة الغزو المغولي , وذلك لوجود دراسات كثيرة تناولت هذا الجانب , منها :

        - كتاب \" صدى الغزو المغولي في الشعر العربي من القرن السابع إلى القرن التاسع \" تأليف الدكتور مأمون جرار .

           

        1. كتاب \" الغزو المغولي ، أحداث وأشعار ، للمؤلف السابق .
        2.  

           

        3. كتاب \" التيارات الأدبية إبّان الغزو المغولي \" تأليف الدكتور محمد التونجي .
        4.  

           

        5. رسالة تقدّمت بها للحصول على درجة الماجستير بعنوان \" صورة المغول في الشعر العربي – العصر المملوكي \".
        6.  

           

        7. رسالة تقدمت بها للحصول على درجة الدكتوراة بعنوان \" فن الرثاء في الشعر العربي في العصر المملوكي الأول \" ، تناولت فيها فصلاً بعنوان \" رثاء المدن \" ، ومنها المدن التي احتلها المغول .
        8.  

           

        9. مجموعة أبحاث وردت في مجلة المورد()، تناولت الشعر الذي واكب الغزو المغولي .
        10.  

           

        11. رسالة ماجستير عنوانها \" صدى الغزو المغولي في النثر الفني العربي من القرن السابع حتى أوائل القرن التاسع ، لذكريات حمامرة .
        12.  

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

         

        الفهرست

        العنوان رقم الصفحة

         

        الملخص 1

         

        مقـــدّمة 2-5

         

        الفهرسـت 6-7

         

        * الأثر السلبيّ 8-14

         

        إتلاف الكتب ونهبها 8-10

         

        تدمير المراكز العلمية ونهبها 11-14

         

        * الأثر الإيجابيّ 14-33

         

        الشعر وحركة التأليف 14

         

        الألفاظ المغولية 14-33

         

        * دور العلماء والأدباء إبان الغزو المغوليّ 34-38

         

        العلماء والأدباء ودورهم الإيجابيّ 34-46

         

        دورهم في الحث على الجهاد 34-36

         

        التنكيل بالعلماء والأدباء 36-39

         

        دور العلماء والأدباء في معاونة ملوك المسلمين 39-40

         

        دورهم في التصدي لقادة المغول وفي فكّ أسرى المسلمين 40-43

         

        هجرة العلماء والأدباء ودورهم في المجتمع الجديد 43-46

         

           

        • العلماء والأدباء ودورهم السلبيّ 47-48
        •  

         
      5. Bookmark and Share Email
         
      Leave a Comment

      Attachments

      • No Attachments Found for this Article

      PROFILE

      Raed Mustafa Hassan Abdul-Rahim
      الأدب في العصور المتأخرة
       
      Show Full ProfileArabic CV
       
       

      PUBLISHED ARTICLES

       
      Please do not email me if you do not know me
      Please do not e-mail me if you do not know me