An-Najah National University

Baker Abdalhaq

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, October 18, 2009
  • ليس دائما واحد زائد واحد يساوي اثنان
  • ليس دائماً 1+1=2

    منذ نعومة أظافرنا ننشأ على فكرة "الحقيقة المطلقة" التي يلقنها لنا الأب أو الأم أو الأكبر سناً أو معلم المدرسة... ولكن مع تقدم العمر، تثار العديد من التساؤلات ونغوص في العديد من التجارب، لنكتشف ما يناقض ما تمّ بناءه في عقلنا بطريقة تبدو وكأنه قطعة مركبة في دماغنا مع اللحم والعظم والشرايين. ومن أبرز التجارب العملية التي أود الاستشهاد بها هو البحث الذي قدمته لنيل درجة الدكتوراة والذي كان بشأن المشكلات التي ليس لها حلاً تحليلياً بسيطاً ولا يمكن تمثيلها باستخدام نماذج رياضية، ولكن يمكن أن نضع لها نماذج حاسوبية رياضية لحلها. هذا النوع من المسائل يتعامل مع الكميات الفيزيائية أو الاقتصادية أو غيرها من الكميات الموجودة في الحياة. وقد أفردت جانباً من بحثي حول تمثيل تلك البيانات في الحاسوب متناولاً قدرة الحاسوب في تمثيل الحياة. هل يمكن أن نمثل الحياة باستخدام الحاسوب الذي لا يوجد به إلا رقمين 0 أو 1؟ وقد تبين لي أنّه لا يمكننا تمثيل الحياة بالدقة المطلقة في الحاسوب لأن الحياة لا تخضع للتبسيط المطلوب في أرقام الحاسوب. ولهذا كان الحل عندي أن لا نبحث عن الدقة المطلقة لأنها مثل السراب فإمّا غير موجودة أو ليس من السهولة أن نجدها أو من المستحيل الوصول إليها ضمن المعطيات ومستوى التكنولوجيا المتوفر لنا في الوقت الراهن. كما استخلصت في بحثي أنه لا بأس من أن نقلل من الدقة لكي نصل إلى حلّ معقول وليس حلّ مطلق او الامثل.

    وقد تستغرب أنّ الحاسوب ليس وحده القاصر عن وصف الحياة بالدقة المطلقة بحكم بنائه الثنائي (0، 1)، فنظرية المجموعات(set theory ) في الرياضيات لا يمكنها أن تصف الحياة بأكملها، حيث لا يمكننا أن نصنف جميع العناصر إما أن تنتمي إلى المجموعة أو لا تنتمي. فهناك أشياء تنتمي إلى مجموعة ما إلى حد ما بينما لا تنتمي إليها بشكل مطلق، وتنتمي إلى مجموعة أخرى رغم انها تعتبر مكملة، أيضاً إلى حد ما ولكن ليس بشكل مطلق وقاطع. فمثلاً إذا قلنا أن فلاناً طويلاً؛ أي ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامة الطويلة، فهذا لا يعني أنه يخلو تماماً من القصر. فهناك أناس أطول منه، وهناك أناس أقصر منه، وكل منهم ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامات الطويلة بدرجة ما، وهناك أناس ينتمون إلى المنطقة الوسطى بين الطرفين. ففلان الذي قلنا عنه أنه طويل، يمكن أن ينعته بعض الناس أنّه صاحب قامة طويلة ولكن قد يكون هناك أناس آخرين يعتبرونه متوسط أو قصير القامة. من هنا جاءت النظرية المسماة نظرية المجموعات الضبابية (fuzzy sets) ويصاحبها علم المنطق الضبابي (fuzzy logic) لتقول أنّه لا يوجد هناك صح مطلق أو خطأ مطلق. فعبارة فلان طويل، التي تشير إلى أنه ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامات الطويلة، لا تعتبر خطأ أو صح، بل هي بين الصحة والخطأ  تحمل شيء من الصح و شيء من الخطأ.

    ما أكثر الأمور في حياتنا التي نتعامل معها كمسلمات مطلقة، فلا نختلف فيها أبداً، ونتعامل معها بالمنطق الثنائي (صح أو خطأ). فمثلاً لا يمكن أن يكون شيء في مكانين في الوقت ذاته. هل منّا من يختلف مع هذه "الحقيقة المطلقة"؟ واستناداً إلى هذه المسلمة، نقوم ببناء برمجيات لكشف تضارب المواعيد مثلاً. فالمدرس لا يمكن أن يدرّس طلبة شعبتين في الوقت نفسه. وعلى هذا الأساس نبني برامج التدريس قبيل كل فصل. ولكن، حتى هذه "المسلمة"، التي تبدو بديهية وحقيقة مطلقة، هي ليست صحيحة بشكل مطلق، بل فيها شيء من الصحة وفيها كذلك شيء من الخطأ. منذ ثمانين عاماً، أثبت العلماء أنه يمكن أن تكون الأشياء في مكانين في الوقت ذاته على الأقل بالنسبة للذرات والأجسام تحت الذرية. فهناك تجارب تثبت أن الإلكترون يكون في ذرتين في آن واحد ، وأنه يستطيع المرور من فتحتين في الوقت ذاته(double slit experiment). وتحكم هذه الأجسام الصغيرة قوانين الفيزياء الكمية والتي لا تعترف بكثير مما نراه كمسلمات.

    من واقع ما سلف أعلاه، يمكن القول أنّه لا أحد يمتلك الحقيقة مهما ادّعى بامتلاكها، ولا توجد مسلمات في العلم، كما لا توجد المسلمات في الشؤون الحياتية اليومية والسياسية والإدارية وغيرها من مناحي الحياة؛ أجل لا توجد حقائق مطلقة. فكل شيء قابل للنقد والنقض والبحث والتحري. لا يوجد شيء صحيح كلياً وشيء خطأ كلياً، فالأمور قد تحتمل الخطأ والصواب في آن واحد. فحتى أغرب الأفكار يمكنها أن تكون صحيحة، وحتى الأفكار التي تخرج عن المألوف وعن المعتاد أيضاً يمكن أن تكون صحيحة.

    في عملية تدريسنا لطلبة الجامعة، يمكننا أن نتبنى هذه الفكرة، إذ يجب أن نقر دوماً أن الأمور قد تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، وأنه لا يوجد صح مطلق وخطأ مطلق. فيجب أن نترك المجال للطالب ليفكر بطريقة خلاقة في فضاء واسع، وأن يبدي رأيه دون رهبة دون أن نفرض عليه ما نراه نحن صواب كأنه صواب مطلق وما يخالف رأينا هو الخطأ المطلق. علينا أن نبحث عن الصواب والخطأ في الإجابة في آن واحد، وعلينا أن نطرح المادة الدراسية والأفكار والمعلومات للطالب بطريقة يستطيع أن يرى من خلالها تعدد وجهات النظر وتعدد أطياف الإجابة، وأن نمكنه من أن ينقد تلك الوجهات ليتمكن من بناء وجهة النظر الخاصة به، لنرسخ هنا ثقافة تعددية حقيقية في التفكير وفي طرح وجهات النظر لتكون بديلاً عن الثقافة المتصلبة الجامدة المقيدة للإبداع والخطرة أحياناً.

    هناك نظريات في علم النفس تقول أنّ الدماغ البشري يتكون من نصفين أيمن وأيسر؛ فالنصف الأيسر يتعامل مع الأمور بشكل منطقي جداً ( المنطق الثنائي) ومتسلسل جداً  مرتب للغاية، لكن النصف الأيمن يفكر بطريقة شمولية إبداعية. والناس تستخدم كلا النصفين لكي تقوم بحل المشكلات اليومية، لكن هناك عادتا ميل الى استخدام أحد النصفين أكثر من غيره، وربما يفسر هذا أن بعض الناس يرفض المنطق غير الثنائي في الحياة. نحن نحتاج الى ان يعمل كلا نصفي ادمغتنا نحتاج الى التفكير المنطقي المتسلسل للقيام ببعض الامور و نحتاج الى الشمولية والابداع ايضا.

       يقع على عاتقنا كمدرسين في الجامعات ان نطلق ابداعات الطلاب بافساح المجال لهم ان يفكروا بطريقتهم هم وليس بطريقتنا نحن. يجب ان نفسح المجال لهم بان يختلفوا عنا.  يجب ان نتركهم يفكروا خارج القوالب الجاهزة المعدة سلفا.  يجب ان لا نحول طلابنا الى الات تعمل ضمن قواعد ثابتة لا تتغير. يجب ان لا نحول ابنائنا الى حواسيب لديها قدرة كبيرة على تخزين واسترجاع المعلومات دون فهم محتواها و دون القدرة على انتاج ما هوجديد و خلاق و مبدع. يجب ان لا نعلمهم ان واحد زائد واحد دائما و ابدا تساوي اثنين وان من يخالف البديهيات والقواعد الثابتة يعتبر سفيه او مجنون. يجب ان لانمارس على ادمغتهم سلطة تحدد لهم كيف يفكرون .

     
  • Bookmark and Share Email
     
  • أنس شوقار said...
  • مشكور جداً على هذا المقال الرائع من أروع ما قرأت و بالأخص الجزء المتعلق بموضوع المسلمات و البديهيات و بالأخص موضوع واحد + واحد = اثنين
  • Friday, September 11, 2009
  • عقيل ابو حسن said...
  • انت واحد اهبل
  • Thursday, April 22, 2010
  • بكر خلدون عبد الحق said...
  • مشكور اخ عقيل ما كنت منتبه
  • Friday, March 5, 2010
Leave a Comment

Attachments

  • No Attachments Found for this Article

PROFILE

Baker Khaldoun Abdalhaq
Cmputer Science
 
Show Full ProfileEnglish CV
 
 
 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me