د. وليد صويلح

استاذ مشارك في علم الادويه السريري

عميد كلية الصيدله – جامعة النجاح الوطنيه

بدأت السلطة الوطنية الفلسطينية في استلام مهامها ومسؤولياتها عن الأمور الصحية في فلسطين منذ عام 1994 حيث عملت منذ ذلك الوقت على تطوير وتحديث قطاعي الصحة والتعليم لما لهما من اثر ايجابي مباشر على حياة  ومستقبل حوالي أربعة ملايين نسمه يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزه. وحسب التقديرات الاحصائيه الفلسطينية الحالية فان حوالي 55 % من سكان الضفة الغربية وقطاع غزه أعمارهم دون سن التاسعة عشر مما يجعل إعداد الطلبة المتوقع التحاقهم بالجامعات الفلسطينية في تزايد مستمر. حيث يبلغ عدد الطلبة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية حاليا" حوالي 150274. ويوجد في فلسطين حاليا" 10 جامعات أهليه موزعه في جميع مناطق فلسطين. ومنذ عام 1992 وحتى الآن قامت 3 جامعات فلسطينيه بافتتاح كليات لتعليم العلوم الصيدلانية وهذه الجامعات هي: جامعة الأزهر(غزه)، جامعة النجاح الوطنية (نابلس) وجامعة القدس (ابوديس). وجميع هذه الجامعات تمنح درجة بكالوريوس في العلوم الصيدلانية بعد أن يقوم الطالب بإنهاء المساقات المقررة وفترة تدريب صيدلاني تحدده الكلية. ويستغرق الحصول على هذه الدرجة حوالي 5 سنوات دراسية يمنح في نهايتها الخريج شهادة بكالوريوس في العلوم الصيدلانية. بالاضافه إلى وجود برنامج لمنح درجة البكالوريوس في جامعة النجاح فقد بدأت أيضا" منذ عام 2003 ببرنامج دراسات عليا في الصيدله السريريه بحيث تمنح درجة ماجستير في الصيدله السريريه للطالب الذي يجتاز 24 ساعة معتمده نظريه وتدريبا" سريريا" لمدة 32 أسبوع في الأقسام المختلفة في المستشفيات (12 ساعة معتمده) وامتحانا" شاملا". ولقد تم البدء بهذا البرنامج بالتعاون والتنسيق مع وزارة الصحة تقوم بموجبه الجامعة بتقديم 3 منح سنويا" لصيادلة ترشحهم وزارة الصحة للحصول على درجة الماجستير مقابل أن يقوم طلبة برنامج ماجستير الصيدله السريريه بالتدريب السريري في المستشفيات الحكومية.

لقد تميزت سنوات الثمانينيات بقله في أعداد الصيادلة الخريجين ولكن شهدت أواخر التسعينيات من القرن الماضي ازديادا" في أعداد الصيادلة الخريجين (أنظرالرسم البياني).  ويمكن تفسير ذلك بعدة اسباب منها:

افتتاح كليات صيدله في الجامعات الخاصه في الاردن مما شجع الطلبه على الالتحاق بها.

زيادة عدد طلبة التوجيهي الراغبين في اكمال دراستهم الجامعيه.

قناعة الكثيرين ان مهنة الصيدلة كانت وما زالت تتمتع بمستقبل واعد ماديا" ومعنويا".

ومما لا شك فيه ان الخريجين الجدد من حملة بكالوريوس العلوم الصيدلانيه عملوا على سد حاجة فلسطين من الكوادر الصيدلانيه وخصوصا في مجال صيدليات المجتمع حيث ان معظمهم يقومون بالاستثمار في الصيدليات الخاصه. وحسب الاحصائيات الفلسطينيه المتوفره من نقابة الصيادله – مركز القدس فان عدد صيدليات المجتمع العامله حاليا" في محافظات الضفه الغربيه والقدس هو 959 صيدليه. ان هذا العدد يجعل نسبة الصيدليات الى عدد السكان هو 1: 2880 نسمه. أما بالنسبه لعدد الصيادلة المزاولين لمهنة الصيدله في الضفه الغربيه والقدس فهو 2122 مما يجعل نسبة الصيادله لعدد السكان هو 1: 1302 نسمه.

بالنسبه للصناعه الدوائيه فهناك 5 مصانع في مجال الصناعه الدوائيه في الضفه الغربيه ولقد قامت هذه المصانع باستيعاب العديد من الصيادله الجدد وخاصة في مجال الدعايه الدوائيه ولقد قام الصيادله بدورهم باثراء مواقع عملهم باسلوب علمي ومهني متميز. اما بالنسبه للقطاع الحكومي فقد استوعب أعداد كبيره من الصيادله الجدد للعمل في صيدليات المستشفيات والعيادات الحكوميه ومجال التفتيش الصيدلاني.

ان المجالات التي يعمل بها الصيادله في الوقت الحالي تتميز بما يلي:

1. تراجع دور الصيدلي في تركيب وتحضير الادويه لصالح الصناعه الدوائيه واقتصاره على صرف الأدويه.

2. معظم مجالات العمل الصيدلاني المتوفره حاليا" لا تظهر القدرات العلميه والطاقات الابداعيه للصيدلاني.

ان هذه المميزات تكاد تطغى على العمل الصيدلاني ليس في فلسطين فحسب وانما في معظم دول المنطقه. ولقد ادت هذه العوامل وعوامل غيرها الى ضرورة احداث تغيير في التعليم والممارسه الصيدلانيه الأمر الذي أدى ال استحداث برنامج تخصصي جديد يسمى "دكتور صيدله (Pharm D)" في الولايات المتحده المريكيه في أوائل الثمانينات من القرن الماضي ولقد كان الهدف من هذا البرنامج هو تخريج صيادله ذوي قدرات علميه صيدلانيه سريريه عاليه تجعلهم اكثر قدره على العمل ضمن الفريق الطبي في المستشفيات بحيث يكون الدكتور الصيدلاني مرجعا" في الامور الدوائيه والعلاجيه. كما ان هذا البرنامج ادى الى خلق فرص عمل كثيره للصيادله في المجال السريري في المستشفيات الحكوميه والخاصه وجعل مهنة الصيدله أكثر قربا" من المريض من حيث التثقيف الدوائي ومتابعة العلاج وساعد على توظيف معلومات وقدرات الصيادله في رفع كفاءة الرعايه الصحيه. ولقد لاقى هذا البرنامج نجاحأ كبيرا" في الولايات المتحده الامريكيه لما كان له من اثر ايجابي على عمل الفريق الطبي والمرضى بشكل خاص وعلى النظام الصحي بشكل عام.  ولقد قامت جميع الجامعات الامريكيه تقريبا" بالانتقال من النظام التقليدي (العلوم الصيدلانيه) الى النظام الجديد (دكتورصيدله). ليس هذا فحسب وانما طلبت نقابة الصيادله الامريكيه من جميع الصيادله اللذين يحملون بكالوريوس علوم صيدلانيه على تطوير ذاتهم والتجسير مع البرنامج الجديد من اجل الحصول على شهادة "دكتور صيدله".

وفي المنطقه العربيه، كانت الاردن (جامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعه الاردنيه) ولبنان (الجامعه الامريكيه) من أوائل الدول التي ادخلت هذا البرنامج للتعليم الصيدلاني ثم تبعتهم المملكه العربيه السعوديه (جامعة الملك فيصل) واخيرا في فلسطين (جامعة النجاح الوطنيه). ان هذا البرنامج الجديد على فلسطين وعلى المنطقه العربيه يتطلب تضافر جهود كل من وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي ونقابة الصيادلة والجامعات الفلسطينيه حتى يتسنى لهذا البرنامج ان ينجح على المستوى المهني والعملي. فوزارة الصحه ووزارة التعليم العالي مطالبه باعطاء خريج هذا البرنامج حقه مستانسين بتجارب الدول العربيه والاجنبيه التي سبقتنا في استحداث هذا التخصص. واخيرا" فان نقابة الصيادلة وكليات الصيدلة في فلسطين عليها ان تعمل على تطوير المناهج حتى يصبح هذا الخريج قادرا" على القيام بدور مميز في العمل الصيدلاني السريري.

ان نجاح هذا البرنامج سيغير الكثير في مهنة الصيدله بحيث يبرز السمات السريريه الدوائيه، ليس هذا فحسب وانما سيجعل البرنامج مهنة الصيدلة اكثر انسانية بقربها وتناغمها مع مهنة الطب والتمريض والمهن الطبيه الأخرى. ومن الواجبات والمهام الملقاه على الدكتور الصيدلي ما يلي: (1) الحصول على التاريخ العلاجي والدوائي للمريض وتسجيله ضمن نموذخ خاص بالصيدلي، (2) المشاركه في التقرير الصباحي والمرور الطبي، (3) المشاركه في اختيار العلاج الاكثر ملائمة من ناحية الجرعة وطريقة تناولها والفترة الزمنية ومراقبة سير العلاج، (4) الاشراف على خدمات التغذيه والعلاجات الوريديه وتحضيرها واعطائها للمرضى المنومين، (5) مناقشة الأمور المتعلقه ببعض الفحوصات المخبرية ومدى تأثرها بالأدوية، (6) الاشراف على الفحوصات المخبريه المتعلقه بمراقبة تراكيز الادويه في الجسم، (7) ترشيد استهلاك الأدويه بما لا يتعارض مع الخطة العلاجيه، (8) تدقيق وتوثيق التداخلات الدوائيه والاعراض الجانبيه، (9) اطلاع الفريق الطبي على الخطط العلاجية الحديثه المبنيه على الادله (Evidence Based Therapy)، (10) المشاركه في التعليم والبحث الصيدلاني الدوائي (11) والعمل على التواصل مع المرضى وتعليمهم ما له علاقه بالادويه.

وامام هذه التغيرات في مهنة الصيدلة تظهر عدة تساؤلات منها كيفية تطوير الصيادله من حملة بكالوريوس العلوم الصيدلانيه، ومستقبل مختلف البرامج الاكاديميه الصيدلانيه في فلسطين. بالنسبه لتطوير الصيادله فان وجود برامج دراسات عليا في الصيدله والعلوم الصحيه الأخرى في فلسطين والخارج ستفتح الفرصه امامهم لتطوير انفسهم في شتى المجالات وخصوصا" تلك التي تعتبر ندره في فلسطين مثل الصيدله السريريه والممارسه الصيدلانيه والبيوتكنولوجيا الصيدلانيه. أما بالنسبه لمستقبل التعليم الصيدلاني فانه من المتوقع ان تستمر البرامج الاكاديميه الصيدلانيه (العلوم الصيدلانيه، ودكتور صيدله) جنبا" الى جنب. وقد يكون من الافضل للتعليم الصيدلاني في فلسطين ان يستمر العمل بالبرنامجين معا حتى تتضح الصوره حول طبيعة التغييرات في ممارسة مهنة الصيدله خلال السنوات القادمه.