An-Najah National University

Adnan A. Solqan

 

 
  • Bookmark and Share Email
     
  • Sunday, December 1, 1996
  • اتجاهات اللاجئين الفلسطينيين نحو التوجهات السياسية بعد مؤتمر مدريد 1991 واتفاقية اوسلو 1993
  • Published at:مجلة الهجرة القسرية ، جامعة النجاح الوطنية ، العدد الثالث ، 1998، ص ص : 65- 165.
  • ان الحق - أي حق - لا يسقط بالتقادم . وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم وأرضهم هو حق طبيعي، مثله مثل سائر الحقوق الأساسية الاخرى للانسان، انه كالحق في الحياة تماما، بل انه كاستعادة الروح بالنسبة لهم. ان اقتلاع حوالي 800 الف فلسطيني من أرضهم عام 1948، والاستيلاء على كل ممتلكاتهم بيوتا ومزارع وبساتين وعقارات وحوانيت وحضارة وتجريدهم منها، وتحويلهم من ملاك الى متسولين، ومن اسياد الى عبيد ومن أحرار الى مستبعدين ومحكومين، ومن أدميين يعيشون بارادتهم الى اشباح مسلوبي الارادة، منهكي القوى، يتملكهم الخوف والمرض والجوع والتشرد، كان وبكل المقاييس تجربة مجردة من كل معاني الانسانية، وهي بمعنى من المعاني، كانت عملية ابادة منهجية لشعب  كامل نفذت على ايدي غرباء تسللوا الى أرضهم تسللا ضعيفا في بداية الأمر بدعوى نشدان الملاذ الآمن، سرعان ما تطور الى الادعاء بأحقية امتلاك الأرضي وبأسبقيتة، المدعومة بوعد الهي .

    ان كل ما رآه الفلسطينيون على الارض هو وعد بلفور ومقدماته ونتائجه. وتحول "ضحايا النازية" الى عتاه حرب اشد بأسا.

    ولم يحدث ان بدأ الصراع الفلسطيني -الصهيوني، كصراع نظري او عقائدي او قانوني مثلا، وانما بدأ اول ما بدأ  بالصراع على الارض وضد انسانها وكصراع مسلح بالبنادق. ولهذا لم يكن أمام الفلسطيني ومن البداية من فرصة سوى محاولته للدفاع عن أرضه ونفسه وبكلمة للدفاع عن وجوده، ازاء خطر داهم بهدد وجوده من أساسه. فالحقيقة التاريخية الموضوعية الدامغة والثابتة هي ان الفلسطيني لم يذهب الى اوروبا مثلا ليجلب  المستوطنون اليهود اليه، كما انه لم يشارك في اضطهادهم هناك، وانما على العكس تسامح في البداية مع قدومهم الى وطنه ، ولكنه بدأ يستشعر وبسرعة خطورة موجات الهجرة اليهودية الى فلسطين، وحاول ايقافها بأساليب سياسية غير عنيفة. "ان اليهود الذين جاؤوا الى البلاد العربية والاسلامية الاخرى او من كان متواجدا فيها كانوا هم الوحيدون من يهود  العالم الذين لم يمسسهم أي اذى او تمييز ..." (51)

    غير ان الحركة الصهوينة التي نحجت بالتسلل ، بدأت تطبق منذ يومها الاول استراتيجية يمكن وصفها بالقضم والهضم والتقدم لقضم جديد وهكذا، حتى يخلق امر واقع جديد تنطلق منه لتوسع اخر وهكذا .. وقد كانت هذه الاستراتيجية تنفذ على حساب الارض الفلسطينية وانسانها .

    لقد كان نتيجة هذه الاستراتيجية الصهيونية التي اعتمدت العنف اساسا (كارتكاب عشرات المذابح والتي كان اكثرها فظاعة وبشاعة مذبحة دير ياسين عام1948 )، وسقوط الوف القتلى والجرحى، وتشرد مئات الالوف من الفلسطينية اصبحوا فيما بعد لاجئين ، بلا حماية . ان المسؤولية الاسرائيلية في نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي مسؤولية مثبتة، ولن تستطيع الادعاءات الاسرائيلية الدعائية المختلفة، الغاءها او التغيير من حقائق الامور. ولعل ما شهدناه في الأشهر الاخيرة من اعمال عدوانية في جنوب لبنان، ما يشبه الى حد بعيد ما حدث عام 1948وما يفسره. فسعيا وراء تحقيق هدف سياسي محدد، لم تكتف الحكومة الاسرائيلية بتحريك جيشها لضرب مواقع مدنية وغير عسكرية محددة، وانما أرادت ان تزيد من اعباء الحكومة اللبنانية لاعتبارات عدة. ولتحقيق ذلك، فقد قامت القوات الاسرائيلية بارتكاب مجزرة قانا في شهر نيسان /ابريل 1996، حيث راح ضحيتها اكثر من 103 شهيد من المدنيين اللبنانيين العزل غالبيتهم من الاطفال والنساء والشيوخ فضلا عن مئات الجرحى المتضررين. ونتيجة لهذه المجزرة الفظيعة فقد رحل اكثر من 400 الف لبناني جنوبي مدن وقرى الجنوب متوجهين نحو الشمال ، وهو ما كان الاسرائيليون يريدونه.

    لقد ذكرت مجزرة قانا، الفلسطينيين بما حدث لهم من مذابح مشابهة عام1948، أي قبل 48 عاما ! وقد أثبت اكثر من كاتب مثل دون بيرتز وأرسكين شايلدرز وجورج كيرك وغيرهم المسؤولية الاسرائيلية الكاملة عن نشوء مسألة اللاجئين الفلسطينيين، ودحضوا كافة المزاعم الاسرائيلية ايضا، وذلك كما جاء في عدة دراسات. (52)  ان لسان حال اللاجئين الفلسطينيين الذي يمكن قراءته في مختلف المراحل والمواقع والظروف والذي عبر عنه احد المبحوثين في هذه الدراسة، هو كمن يقول "نحن ظلمنا، لقد كنا عزل ومجردين من السلاح، بينما كانوا هم (اليهود) مدججين بالسلاح وتؤيدهم كل الدول الاستعمارية في ذلك الوقت، ولم يكن امامنا من خيار بعد حدوث مذبحة دير ياسين، سوى انقاذ ارواح اطفالنا ونسائنا او مواجهة نفس مصير دير ياسين. نحن لم نبع اراضينا لهم (لليهود)، ولم نستسلم لهم ولم نعقد اتفاقا معهم باهدائهم اراضينا وبيوتنا، ان ما حدث هو اننا حاولنا تفادي المزيد من المجازر ، ولم نكن نعتقد بان المسألة ستطول الى هذا الحد.. وقسما لو كنا نعرف ان مصيرنا سيكون هو العيش بالخيم وفي المخيمات، لفضلنا البقاء والموت في بيوتنا وعلى ارضنا هناك ! فكلا المصيرين هو واحد .. انه الموت، واحد بطيء والاخر سريع. اننا ما زلنا نحتفظ بكواشين ارضنا، وبحقنا فيها الذي هو اهم من أي كوشان اوشهادة ملكية.. ان الصراع اليوم هو صراع قومي وديني.. ولا بد ان يأتي اليوم الذي يعود فيه ابني او ابنه الى البيت الذي بنيته والبيارة التي زرعتها بيداي. الصليبيين مكثوا في بلادنا اكثر من مائتي عام ولكنهم هزموا في نهاية الأمر بفضل ارادة الله والشعب وما فيه حق يضيع ووراءه مطالب" (53).

    تكاد هذه الكلمات تلخص اتجاهات الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين .

    ان العودة الى البيت والارض بالنسبة للاجىء الفلسطيني هي الامل والحلم وتتحول مع مرور الوقت الى ما هو اكثر من حق يجب ان يتحقق، بل وتتعداه لتصبح فلسفة عميقة الجذور في نفوس اللاجئين الفلسطينيين تزداد عمقاً يوماً بعد يوم بحكم ما يعنيه نفيها من نفي للهوية والوجود، وبالتالي الشك في وادانة أي بديل لها. وقد عبر رشيد الخالدي عن ذلك بصورة رائعة حين قال " بابسط الكلمات يرى الفلسطينيون انه اذا ما تم الاعتراف مبدئياً بان لهم حقاً شرعياً في فلسطين، بصورة منطقية فكيف يمكن حرمانهم من العودة اليها؟ وذا ما تم انكار حقهم في العودة فما هو السبب؟ .. ومسالة كهذه يمكن فهمها بالقياس، فالزعم الصهيوني على نفس الارض تم النظر اليه بصورة تاريخية وبنفس المنطق من قبل الاسرائيليين ومؤيديهم..." (54)

    ان نتائج هذه الدراسة تؤكد ذلك ايضا وهي تؤكد الكثير من فرضيات الدراسة والتي ملخصها ان موافقة الفلسطينيين  - ومنهم اللاجئين على المشاركة في الحلول المطروحة انما تنبع من قناعتهم بانها ستفضي الى استعادتهم لحقوقهم المسلوبة بهذا الشكل او ذاك عاجلا ام اجلا لقد اكد المبحوثون حقهم في العودة الى ديارهم وحقهم في التعويض (المادي والمعنوي) عن سنوات استغلال ارضهم وممتلكاتهم من قبل المستوطنين اليهود .

    ورفض المبحوثون التوطين كوسيلة لحل قضيتهم، مثلما رفضه اسلافهم في الماضي. واللاجئون - كما تبين من خلال عينة البحث - بدأوا يضيقون ذرعا بالامم المتحدة، وباداء وفد المفاوضات الفلسطيني الخاص باللاجئين، وأداء وكالة الغوث، وحتى باداء م . ت. ف التفاوضي بشأن قضية اللاجئين. وقد بينوا انهم بدأوا بالميل اكثر نحو استخدام القوة. ولكنهم في الوقت  نفسه مع كل وسيلة اخرى تؤمن لهم استعادة حقوقهم وفي مقدمتها حقهم في العودة الى ديارهم  غير القابل للتصرف او الجدال. والذي من اجل تحقيقه،  فان بعضهم يبدي الاستعداد لحمل جنسية مزدوجة (اسرائيلية - فلسطينية).

    انهم يضغون اتفاق اوسلو تحت الاختبار وربما تحت اختبار الفرصة الاخيرة.. وانهم ان شاركوا في انتخابات المجلس (التشريعي) الفلسطيني فلأنهم يعتقدون بانها ستؤدي بشكل ما الى استعادة حقوقهم المسلوبة (والتي في مقدمتها دائما حقهم في العودة).

    ان الامل الذي يعقده اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات الضفة الغربية على بعض المتغيرات السياسية، هو الكابح الوحيد على ما يبدو، لا نبعاث وانفلات موجة التشاؤم والقلق الكامنة في النفوس على اشدها. انهم يعطون هذا الأمل فرصته الاخيرة.. ولكنهم يفكرون ببدائل اخرى.. لقد تبين في اكثر من جانب من جوانب  هذه الدراسة ان الحاجة لاجراء مسوحات اكثر تفصيلا واكثر عمقا، ما زالت قائمة، وربما ازدادت الحاجة اليها في المستقبل القريب.

    لم تكشف نتائج هذه الدراسة عن ارتباطات ذات قيمة او مغزى سياسي ، بين مجموعة من العوامل والمتغيرات. كالعلاقة بين المهنة ومستوى التعليم والموقف السياسي، او الجنس والموقف السياسي، او طبيعة المخيم الجغرافية والموقف السياسي .. الخ وربما كان هذا بسبب طغيان "الحق العام" الذين يشترك كافة اللاجئون في المطالبة به الا وهو حق العودة كاشتراكهم في قصة الظلم ورحلة القهر والمعاناة .. وهو ما وحدهم سياسيا ومطلبيا اكثر مما ابرز فروقاتهم الفردية او اختلافهم في مواقفهم .. وقد يحتاج المرء علىاي حال اجراء دراسات تفصيلية اخرى تركز على مثل هذه الجوانب والعلائق .

    في الماضي بذلت محاولات لحلول اقتصادية او فنية لمشكلة اللاجئين وكلها فشلت بسبب تصدي اللاجئين لها. واليوم مع استمرار الاعتراف باستمرار وجود مشلكة اللاجئين كمأساة سياسية- انسانية حادة، فان المنطق يدعو الى التعامل معها بكيفية اكثر انصافا واكثر ايجابية بدلا من سلبية التنكر لها او الاعتراف بوجودها! .

    لقد الغت الأمم المتحدة وبضغط امريكي كبير قرارها رقم 3379 لسنة 1975 والذي كان قد ساوى بين الصهيونية والعنصرية واشكال التمييز العنصري، ولكنها لم تعمل على الغاء قانون العودة الاسرائيلي وقانون الجنسية الاسرائيلي العنصريين كما لاحظنا ، او بتغييرهما . ان من شأن الغاء هذه القوانين وغيرها من قوانين اسرائيلية ذات طابع عنصري، ان يساهم في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حين يتسنى لهم بآلية ميسرة العودة الى ديارهم التي شردوا منها بالقوة والظلم، وذلك تحقيقاً للقرارين الدوليين رقمي 181 لسنة 1947 و 194 لسنة 1948. لقد طالب الاسرائيليون في الماضي تأجيل البحث في مسألة اللاجئين، ريثما يتم تحقيق تسوية شاملة مع الدول العربية .. وقد ايد الاوربيون والامريكيون هذه المواقف على ما يبدو ، طيلة العقود الماضية .

    لقد آن الآوان ان توضع الوعود على المحك العملي، ليتم تحديد ما اذا كان المقصود هو المماطلة وكسب الوقت ، وربما كان على تلك الدول ان تمارس ضغوطا معينة، لتحقيق التوازن في مواقفها ، وربما لتعديل الهدف التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين طوال الفترة الماضية. وعندها ربما نجح اختبار العدل في معادلة صراع الامن والسلام في الشرق الاوسط.

    وأخيرا ربما كان حل الدولة الديمقراطية في فلسطين بحدودها الانتدابية هو الحل الحضاري العصري وغير العنصري، الامثل للصراع في هذه البقعة من العالم، لتكون دولة عصرية بلا قوانين عنصرية.

     
  • Bookmark and Share Email
     
Leave a Comment

Attachments

PROFILE

Adnan A. Solqan
 
Show Full ProfileArabic CV
 
 

PUBLISHED ARTICLES

 
Please do not email me if you do not know me
Please do not e-mail me if you do not know me